عرض مشاركة واحدة
قديم 08-15-2012, 09:02 AM   #49 (permalink)
عبير
آلرقآبۃ آلعامہ ~

 
الصورة الرمزية عبير

 آلحـآله ~ : عبير غير متواجد حالياً
 رقم العضوية : 10760
 تاريخ التسجيل :  Jul 2010
 فترة الأقامة : 5053 يوم
 أخر زيارة : 09-11-2016 (08:04 AM)
 النادي المفضل :
 الإقامة : 
 المشاركات : 2,573 [ + ]
 التقييم :  24
  معدل التقييم ~ : عبير is on a distinguished road
 زيارات الملف الشخصي : 754
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female

  مشـروبيُ ~

  كآكآوي ~

  قنـآتيُ ~

 MMS ~
MMS ~

  مدونتيُ ~

لوني المفضل : Black
 
 

افتراضي رد: مـــلآك حــبـــي ..



الجزء التاسع والثلاثون
"النور.. اخيرا"

احاديث متفرقة كانت تجمع بين الناس في ردهة الانتظار بالمشفى.. وكل شخص فيهم ينتظر دوره بفارغ الصبر.. واخيرا فتح ذلك الباب الذي اطل منه شاب فارع القوام و يتحلى بوسامة محببة.. ويرتدي زي يدل على ثرائه.. وكان يدفع مقعدا متحركا تجلس عليه فتاة بريئة الملامح والجمال.. شعرها الاسود الطويل اكثر ما يميزها وهو يخلق لوحة فنية رائعة مع لون بشرتها الناصعة البياض.. ليزيد جمالها البرئ روعة ..
وتحدث اليها ذلك الشاب وقال وهو يميل نحوها بهدوء:كيف حالك الآن؟.. واتشعرين بأي تحسن؟..
قالت الفتاة مبتسمة: لا.. ماذا كنت تظن ان اجري منذ اول يوم لي في الكشف فحسب؟..
رفع الشاب حاجبيه وقال بابتسامة: كأني المح سخرية مما قلته ..
ضحكت الفتاة وقالت: كلا.. ولكنك تريد ترى نتيجة ايجابية منذ اليوم الاول..
قال الشاب في سرعة: ذلك لاني اريدك ان تتعافي يا ملاك.. ليس لاجلي بل لأجلك انت.. اريد ان اراك سعيدة الى الابد ..
قالت ملاك بنظرة شاردة: واذا لم يكن هناك أي نتيجة او استجابة ولم اتعافى.. ما الذي ستفكر فيه من ناحيتي يا مازن؟ ..
قال مازن باستغراب: ما الذي تعنينه بقولك هذا؟..
قالت ملاك وهي تلتفت له نصف التفاتة: اعني انك بكل تأكيد على امل ان اشفى من ما اعانيه من عجز .. ولكن ماذا لو لم اشفى؟ .. ما الذي ستفعله حينها؟..
توقف مازن عن السير ليضغط زر المصعد ومن ثم قال بابتسامة شاحبة: وما الذي ترينني افعله الآن؟.. لقد اخبرتك قبل قليل وسأعيدها على مسامعك.. كل ما افعله لاجلك انت يا ملاك .. صدقيني .. لا يهمني ان تقفي على قدميك بقدر ما يهمني ان ارى في عينيك فرحة شفاءك..
عقب قوله وصول المصعد.. فدقع مازن ملاك الى داخله ودخل اليه من خلفها.. فقالت ملاك بنظرات متوترة: احقا يا مازن؟.. لن يختلف شيء لو لم اتعالج؟..
عقد مازن ذراعيه امام صدره واستند الى جدار المصعد.. ومن ثم تطلع اليها قائلا: انا عرفت ملاك التي امامي الآن.. عرفتها بكل صفة جميلة جذبتني اليها.. عرفتها بعنادها وبرائتها .. عرفتها بابتسامتها وخجلها.. ولهذا لا اريد سوى ملاك هذه .. سواء وقفت على قدميها من جديد ام لا.. فلا يهمني الا ان تكون هي بشخصيتها وبروعتها..
تطلعت اليه ملاك بنظرة جمعت ما بين الحب والامتنان.. لهذا الشخص الوحيد الذي نبض له قلبها ..وارتسمت ابتسامة خجلة على شفتيها لتعبر عن احراجها لما قاله.. وتطلع اليها مازن بنظرات حانية جعلت نبض قلبها يتسارع.. وحمدت الله في تلك اللحظة ان باب المصعد قد فتح لتتهرب من الارتباك الذي اصابها .. واقترب مازن من مقعدها بهدوء ليدفعه ويخرج معها من المصعد ..ليتوجه الى مواقف السيارات حيث سيارته.. وقال محاولا تبديد الصمت الذي غلفهم طوال خمس دقائق: ملاك..
قالت ملاك دون ان ترفع رأسها اليه: اجل..
قال بابتسامة هادئة: انتظريني في السيارة لدقائق فقط.. سأذهب واعود اليك..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا..ولكنها تساءلت قائلة:والى اين ستذهب؟..
اقتربا في تلك اللحظة من سيارة مازن.. فاحتلت ملاك مقعدها وابتسم لها مازن وقال وهو يمسك بكفها بحنان: لحظات واعود يا ملاكي..
ابتسمت له ملاك.. وترك هو كفها قبل ان يغلق الباب .. ويفتح صندوق السيارة ليضع فيه مقعد ملاك.. ومن ثم يسرع مبتعدا .. ولاحقته ملاك بنظراتها لعلها تعلم وجهته.. لكن بصرها لم يمتد الا لبضع دقائق ومن ثم اختفى مازن من امام ناظريها..
وتلفتت حولها لتشغل نفسها بأي شيء.. ولم تجد سوى ورقة مطوية مرمية في دُرج السيارة..فالتقطتها وفتحتها لتقرأها وتجد انها مجرد فاتورة لشراء بعض الادوات التي تخص السيارة .. وعادت لتتلفت حولها وترى من عبر النافذة الى الناس المنشغلة بحياتها.. وكل فرد منهم يريد تحقيق ما جاء اليه..
وشردت بذهنها بعيدا دون ان تنتبه لاقتراب مازن من السيارة من جديد.. وفتحه للباب المجاور لها.. وشعرت بغتة بأنامل تداعب وجنتها..فالتفتت في سرعة الى صاحبها ومن ثم لم تلبث ان زفرت بحدة قائلة: اخفتني..
ابتسم لها مازن وقال: فيمن كنت تفكرين؟..
قالت بابتسامة لتغيظه وترى ردة فعله: كنت افكر في ..كمال..
عقد مازن حاجبيه بضيق.. والتفت عنها بحنق.. فقالت ملاك بحيرة: مازن لقد كنت امزح.. لا تقل انك قد صدقت ما...
قاطعها مازن في سرعة وهو يلتفت لها: اذا كنت تحملين لي أي مشاعر في قلبك.. فأرجوك.. لا تتحدثي عنه امامي..
قالت ملاك باستغراب: انه شقيقك ..
قال مازن برجاء: ارجوك يا ملاك.. لست اطلب الكثير..
تنهدت ملاك وقالت : فليكن.. لكن لم تخبرني .. الى اين ذهبت؟..
قال مازن وهو يتطلع اليها: اغمضي عينيك اولا..
قالت ملاك وهي ترفع حاجبيها: ولماذا؟..
هز مازن كتفيه وقال: لانها مفاجأة.. هيا اغمضي عينيك ..
اغمضت ملاك عينيها كما طلب منها وقالت بابتسامة: لنرى ما هي هذه المفاجأة التي تطلب ان اغمض عيني لأجلها..
قال مازن بسخرية: كل ما تحبين من انواع الحشرات..
شهقت ملاك بقوة وفتحت عينيها قائلة: لابد وانك تمــ...
بترت عبارتها على مرأى الهاتف المحمول الذي يحمله مازن على مقربة منها وقال مبتسما: ما رأيك؟..
تطلعت اليه بدون فهم.. كان صغير الحجم يجمع ما بين اللون الوردي والرمادي..وكان صغر حجمه يجعل الناظر له يرغب في لمسه والامساك به.. واقتربت يد ملاك لتلمس شاشته وقالت وابتسامة تتراقص على شفتيها: جميل جدا.. لكن لا اظنه يناسبك..
ضحك مازن وقال: ومن قال انه لي..امسكيه فقط ..
امسكت به ملاك واخذت تقلبه بين يديها وتتفحصه.. فقال مازن مردفا وهو يميل نحوها: انه لك..
التفتت له ملاك وقالت بدهشة كأنها لم تتوقع ما قاله: لي انا؟..
اومأ مازن برأسه وقال بحنان: بلى لك..الم ترغبي في الحصول على احد الهواتف المحمولة؟..
التفتت عنه ملاك وقالت بحيرة واستغراب: بلى ولكن.. تحدثت في هذا الامر مع ابي.. ولم يعلم به مخلوق سوانا..
قال مازن وهو يحرك اصبعه السبابة نفيا:مخطأة.. لقد تحدثت بذلك امامنا جميعا..
قالت ملاك واستغرابها يزداد: متى؟؟..
قال مازن بصوت خافت وكأنه لا يريد تذكريها بالحادث المؤلم: قبل ان يصاب والدك بما اصاب به.. وفي المشفى عندما ذهبنا اليه جميعا.. تحدثت اليه واخبرك انه قد جلب لك الهاتف الذي طلبته.. وحينها قلت انك لا تريدين أي شيء سواه هو.. هل هذا ما حدث ام انا مخطئ؟..
ومع ان مرور هذه الذكرى قد اعاد على ملاك الحزن.. لكنها قالت في سرعة وبابتسامة شاحبة: كيف تذكر كل ذلك؟.. لم اكن اتوقع ان ذاكرتك بهذه القوة؟..
وتطلعت الى الهاتف الذي بين يديها ومن ثم التفتت له لتقول بامتنان: لا اعرف كيف اشكرك يا مازن..كان شرائك لهذا الهاتف.. مفاجأة لي حقا..
قال مازن مبتسما وهو يدير محرك السيارة وينطلق بها: ان اردت شكري.. فيمكنك ذلك..
- وكيف؟..
قال بمرح : اتصلي بي يوميا بهذا الهاتف..
قالت ملاك بابتسامة واسعة: يكفي انك تراني في منزلكم طوال اليوم تقريبا..كذلك اتصل بك ايضا وانت خارج المنزل ..ستمل حقا حينها..
قال مازن وهو يغمز لها: اذا لم تتصلي بي ..سأتصل انا بك..
لم تسمع ملاك ما قاله تقريبا.. فقد كانت منشغلة بهذا الجهاز الصغير الذي بين يديها..وظلت تعبث بكل زر فيه.. وترى كل قائمة موجودة فيه.. واثار انتباهها قائمة الاسماء الذي كانت فارغة الا من اسم مازن.. وابتسمت ابتسامة واسعة وهي تفكر في هذا الشاب الجالس بجانبها.. الهذه الدرجة اهتم بتسجيل اسمه في هاتفي؟..
اما مازن فقد توقف امام المنزل والتفت اليها قائلا وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة وهو يراها تتفحص الهاتف بكل حواسها: ملاك.. لقد وصلنا..
تساءلت ملاك قائلة دون ان تنتبه لما قاله: هه.. ماذا تقول؟..
قال مازن وهو يرفع من نبرة صوته قليلا لعلها تنتبه له: اقول اننا قد وصلنا ..
قالت ملاك دون ان ترفع عينيها له: حسنا ..حسنا..
وعادت لتتطلع الى الهاتف من جديد.. وشهقت بغتة عندما جُذب الهاتف من بين يديها وصوت مازن يقول: لم اشترِ لك الهاتف حتى تنسي وجودي..
التفتت له ملاك وقالت متسائلة بابتسامة: لم اسمك هو الوحيد الذي قمت بحفظه بهاتفي؟..
قال مازن بغرور: لانه الاهم..واي اسم آخر يمكنك ان تحفظيه انت متى شئت..
قالت ملاك وهي ترفع احد حاجبيها: واثق جدا..
قال مبتسما: دعينا من هذا واخبريني.. الديك أي شيء غدا مساءا؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا.. لم؟..
قال وابتسامته تتسع: لانك مدعوة على العشاء مع اوسم شاب في المدينة..
قالت ملاك مازحة: واين هو؟.. انا لا اراه..
قال مازن بسخرية: لانك تتلفتين حولك.. ولا تنظرين امامك ..
نظرت اليه ملاك وقالت مبتسمة: وها انذا الآن انظر امامي ..فأين هو؟..
امسك مازن ذقنها ليرفع وجهها اليه ويتطلع الى عينيها مباشرة ويقول بصوت هامس: الم تريه بعد حقا؟..
ارتبكت ملاك في شدة.. واضطربت ملامحها لتجعلها تبعثر نظراتها يمنة ويسرة لعلها تهرب من نظرات مازن التي تحاصرها .. وعاد صوت مازن ليقول بهمس ارجف جسدها: هل رأيته الآن يا ملاك؟..
قالت ملاك ووجنتيها تتوردان بحمرة قانية: ارى امامي مازن.. لا يهمني ان كان اوسم شاب في المدينة ام لا .. مايهمني انه هو وحسب..
ارتسمت ابتسامة حانية وواسعة على شفتي مازن وقال متسائلا بلهفة: ملاك.. هل...
قاطعته ملاك قائلة بارتباك وهي تشيح بوجهها لتخفف من ارتباكها وتستطيع التنفس بشكل منتظم: انزل لي مقعدي يا مازن.. حتى ادخل الى المنزل..
قال مازن في سرعة ولهفة: اخبريني اولا.. ماهو شعورك تجاهي؟..
التفتت له ملاك بدهشة وحيرة وقد استغربت سؤاله.. ولكنها عادت لتشيح بوجهها قائلة وهي تطرق برأسها: ليس قبل ان اعرف ماهو شعورك تجاهي انا..
قال مازن وهو يتطلع اليها: الم تعرفي بعد ماذا تعنين لي يا ملاك؟..
قالت ملاك بألم: لم اعد اعرف أي شيء بعد ما حدث..
قال مازن وهويتنهد:يبدوا وانك لن تنسي هذا الموضوع ابدا..
وهبط من السيارة بعد ان فتح صندوقها الخلفي..ليخرج مقعد ملاك منه و يتنهد وهو يتطلع اليه.. وهو يتمنى في اعماقه لو يستطيع تحطيم هذا المقعد ليرى ملاك تسير على قدميها من جديد..
وملاك شعرت انه قد تضايق مما قالته.. لكن كيف لها ان تنسى؟.. اصعب جرح هو جرح الخيانة .. ومن اكثر شخصا تعشقينه بكل ذرة في كيانك..هذا الجرح الذي تظل دماءه تنزف بكل الم ومرارة دون ان تبرئ يوما ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تسللت اشعة الشمس بكل تمرد من بين ستارة النافذة لتنشر نورها الذهبي على ارجاء تلك الغرفة التي لم يسمع فيها أي صوت عدى شهقات من على ذلك الفراش.. ولو اقتربنا قليلا لعرفنا ان مصدر تلك الشهقات كانت فتاة اخفت وجهها بين ركبتيها وهي تضمهما الى صدرها بكل حزن والم وحرقة..
ورفعت وجهها عن ركبتيها لنرى ان وجهها قد بات غارقا بالدموع.. وان بدت ملامح الاسى والعذاب وكأنها جزء من ملامحها .. تشرح فيه معاناة هذه الفتاة وما تشعر به في تلك اللحظة .. ونطقت بكلمة واحدة لم يسمعها أي احد.. قالت بصوت اشبه بالهمس وبكل حرقة في قلبها: لماذا؟..
وعادت لتدفن وجهها بين ركبتيها لتقول بصوت باكي: لماذا انا؟.. لماذا انا من عليها ان تموت ليحيا الجميع؟.. لماذا انا من عليها ان تضحي وتعيش في شقاء ليسعد الجميع؟.. لماذا؟.. اليس من حقي ان احيا وافرح انا الاخرى؟.. الست بشرا من لحم ودم.. ومن حقي ان اختار الشخص الذي ارتبط به بدلا من ادفن نفسي مع اكثر شخص احقد عليه .. اخبروني لماذا؟..
وطوقت رجليها بذراعيها لتقول بصوت مختنق: وانت يا حسام .. وانت.. ما الذي ستفعله لو قبلت بهذا الزواج؟.. ستنساني مع مرور الوقت .. ام انك ستتعذب في اليوم الف مرة كما اتعذب انا.. حسام .. انا اريدك انت.. لقد وعدتك ان لا اكون لسواك.. لكن ماذا عساي ان افعل؟.. وانا اجد مصير الجميع بين يدي الآن.. مصير والدي واشقائي في يدي.. فاما ان اتخلى عنهم جميعا واكون انانية في نظرهم.. واما ان اضحي لأجلهم واكون خائنة في نظرك.. اخبرني يا حسام .. فأنت الوحيد الذي يمكنه ان ينصحني.. ماذا افعل الآن؟.. ماذا؟..
وتطلعت الى ساعة المنبه التي كانت عقاربها تشير الى الخامسة فجرا وهي لم يغمض لها جفن حتى الآن.. كيف تنام وقد يكون يوم اعدامها قريبا جدا.. كيف يغمض للمظلوم جفن وهو سيتلقى عقابا قاسيا على جريمة لم يرتكبها؟..ليت قلبي لم يخفق بحبك يا حسام.. وليته لم ينبض بكرهك يا احمد.. ليتني لم اكن بشرا بل مجرد تمثال لا يشعر بشيء مما حوله..
وبين افكارها تلك.. وجدت اناملها تمتد لتمسك بهاتفها المحمول.. وترسل رسالة قصيرة منه.. رسالة صبت فيها حقدها وكرهها .. وارسلتها لاحمد.. رسالة كانت كلماتها تقول..(ستندم على اليوم الذي فكرت فيه مجرد تفكير بقرارك الاحمق هذا)..
لقد هددها احمد سابقا انه سينتقم منها على مافعلته به ..ولكنه لم ينتقم وحسب.. بل دمرها.. حطمها .. أحالها إلى هشيم.. بقايا فتاة .. ببقايا جسد وروح..
ودون أي احساس منها.. وجدت اناملها تضغط على ازرار رقم حسام..وكأنها تطلب منه ان يمنحها بعض القوة لكي تستطيع ان تصبر على ما تعانيه.. دون ان تدرك ان حسام هو الذي يحتاج لمساندتها في تلك اللحظة ليرتاح مما يعانيه من من عذاب ..وجاءها صوته القلق المجهد في طياته ليعبر لها عما يعانيه في تلك اللحظة وهو يقول:ماذا بك يا مها؟.. لم تتصلين في هذا الوقت؟.. هل حدث شيء ما؟..
وكادت مها تتراجع من التصريح له بما حدث وهي تستمع الى صوته المتعب.. فهو حقا ليس بحاجة لمضاعفة همومه بمثل هذا الخبر الذي سيكون وقعه اشبه بالصاعقة التي ستصعق كيانه وتزلزل مشاعره .. وقالت وشفتيها ترتجفان ودموعها تنذر بالسقوط من جديد: هل .. هل ايقظتك؟..
قال حسام بسخرية مريرة: لم انم حتى استيقظ..
قالت مها وهي تزفر بحرارة: ومن يستطيع النوم في ظل هذه الظروف؟..
قال حسام متسائلا فجأة: ما الذي دعاك للاتصال بي في هذا الوقت يا مها؟.. بالتأكيد قد حدث امر ما..فأنت لن تتصلي الا لو كان الامر مهما جدا..
ارتجفت شفتا مها مرة اخرى وقالت بصوت يقطر الما ومرارة: انا بحاجة اليك يا حسام.. انهم يريدون قتلي.. يريدونني ان اموت ليعيشوا هم بسعادة..
لم يتوقع حسام ان تتفوه بكلمات كهذه..فقال بخوف وقلق بالغين:من هم يا مها؟.. من هم الذين تتحدثين عنهم؟.. من هم الذين يفكرون بقتل حبيبتي الغالية؟.. من هم؟..
قالت مها ودموعها تساقطت من تأثير كلماته:يريدوني ان ادفن نفسي حية ليعيشوا هم بكل سعادة وهناء..
قال حسام وقد بلغ الخوف منه مبلغه: من هم يا مها؟.. اخبريني من هم؟..
لم تعلق مها ولم يسمع حسام على الطرف الآخر الا صوت شهقاتها.. فقال بعصبية ولدتها خوفه عليها: اخبريني يا مها او اقسم ان آتي اليك الآن..
اسرعت مها تقول وهي تمسح دموعها: لا .. ارجوك لا تفعل.. انها الخامسة والنصف.. ماذا سيظنون بك لو اتيت؟..
قال حسام وهو يعقد حاجبيه : اذا اخبريني انت..
تعثرت الكلمات على شفتيها.. وترددت قبل ان تخرج من بينها لتصف عبارة كانت اشبه بالخناجر التي طعنت قلب حسام بكل قسوة: يريدون تزويجي احمد..
كانت الصدمة التي تلقاها حسام من كلماتها جعلت لسانه ينعقد وعقله ينشل عن التفكير بأي شيء..جعلته يشعر ان انفاسه قد توقفت في تلك اللحظة وقلبه توقف عن النبض..فلم يعد له حاجة لأن يعيش بعد هذه القنبلة التي قذفتها مها في وجهه ..
وشعرت مها بالخوف عليه وهي تراه صامت هكذا دون ان ينطق بحرف واحد..وقالت بصوت ارتجفت فيه كلماتها: حسام.. هل انت معي؟.. حسام.. لم لا تتحدث؟..
واخيرا نطق حسامقائلا بكلمات مقتضبة وجامدة شعرت مها معها ان الروح قد سلبت منه : ذلك الوغد الحقير..سحقا له..
قالت مها بصوت متحشرج وهي تحاول مسح دموعها التي لا تتوقف: انا بحاجة اليك.. اخبرني ماذا افعل؟..
قال حسام متسائلا فجأة: وهل تفكرين في امر غير الرفض اساسا؟..
قالت مها وهي تغمض عينيها بمعاناة: انت لا تعلم الجحيم الذي احيا فيه.. لو رفضت سأكون انانية في نظر الجميع وان وافقت سأكون خائنة في نظرك..
قال حسام والنار تسعر بصدره: ارجوك يا مها اوضحي.. بالله عليك قبل ان اجن..
اخبرته بالامر بكلمات مقتضبة..واكملت قائلة وهي تعتصر الهاتف بين اناملها لعلها تفرغ بعض من الحزن الذي تعاني منه: لهذا اخبرتك اني سأكون انانية في نظرهم لو اني رفضت هذا الزواج..فتاة لا تحب سوى نفسها ومصلحتها متجاهلة اسرتها واقرب الناس اليها.. ولو فكرت بالموافقة.. قسأدفن حية مع اكثر شخصا ابغضه .. وستراني انت دائما كفتاة خائنة..
ولما لم تجد ردا منه قالت وهي تحاول التقاط انفاسها: حسام.. انا وعدتك اني لن اكون لسواك.. لكن...
صمتت ولم تكمل.. فأكمل حسام عنها قائلا : لكن الظروف احيانا ترغمنا على نقض وعودنا.. اليس هذا ماتريدين قوله؟..
همت بقول شيء ما.. ربما لانها تريد ان توضح له موقفها.. ولكنه قال بصرامة: مها.. انا اعلم جيدا انك كثيرا ما ضحيت بنفسك من اجل غيرك.. ولكن انت لن تضحي بنفسك وحدها هذه المرة.. بل ستضحين بي انا ايضا..
فاضت الدموع من عيني مها وقالت بصوت باكي وبقلب مجروح: حسام انا .. احبك.. لا اريد ان اكون لسواك.. صدقني يا حسام.. الموت عندي اهون من ازف ليوم اعدامي..
قال حسام بابتسامة مريرة: لو نطقت بكلمة الحب هذه قبل ساعة فقط.. لربما كنت حلقت من السعادة.. ولربما لم استطع ان اعبر عن مشاعري لك.. ولربما نسجت معك احلاما مشتركة.. اما الآن.. فلم اعد اشعر بأية سعادة لسماعها .. بل على العكس.. لقد زدت جروحي وآلامي بقولها .. جرحا والما آخرين- وكأن هذا ما ينقصني- وانا اجدك تزفين الي خبر تزويجك من احمد.. وموافقتك المبدئية عليه..
هتفت مها بصوت حاد: اخبرني انت ..اخبرني ماذا عساي ان افعل وانا اجد مصير اسرتي بين يدي؟.. لا استطيع التضحية بهم من اجل سعادتي..
قال حسام بحنق ومرارة وهو يتنهد: ولكنك تستطيعين التضحية بي انا.. فلأمت انا .. فلن يهم ذلك كثيرا..
صاحت مها بصوت باكي ومنفعل: لو لم اكن اهتم بك كما تقول.. لما اتصلت بك وطلبت سماع رأيك..
قال حسام وهو يزفر بحدة ويحاول السيطرة على اعصابه ومشاعره: رأيي لن يعجبك .. ربما تقولين عنه رأي من شخص اناني.. ولكني على العكس من ذلك.. انا شخص يفكر بمنطقية لهذا اقول لك ان لا تضحي من اجل اسرتك.. وان ترفضي هذا الزواج..
اتسعت عينا مها وقالت بصدمة : ماذا تقول؟.. هذا لانها اسرتي وليست...
قال حسام بحدة مقاطعا اياها: قبل ان تطلقي أي احكام.. احب ان اوضح لك بأن قراري هذا ليس لانها اسرتك او اسرتي.. بل لان عميّك فؤاد وعادل.. قد استغلوا نقطة الضعف في والدك واصبحوا يهددونه بها.. ولكن لو واجههم كما فعل عمك خالد.. لما استطاعوا التحكم بكم ابدا..
قالت مها بصوت مرتجف: ولكن .. والدي قد يفلس..
- ذلك لان والدك قد ترك لهم الحبل على القارب.. ليتصرفوا بأمواله كما يشاؤون وليحولوا ارباح شركته لهم ويحضى بالربح القليل..
قالت مها بحزن: انا لا افهم كل هذا.. كل ما افهمه ان عائلتنا قد تفلس..لو رفضت هذا الزواج..
قال حسام بقسوة: اذا اقبليه.. وانسي عاشقا ابلها فكر بالارتباط بك في يوم..
واردف بصوت غاضب تغلب عليه اللوم والالم: وداعا يا.. ابنة العمة..
شعرت مها بانقباض في صدرها فجأة جعلها تهتف: انتظر يا حسام..
لكنه كان اغلق الهاتف.. وانهى الوسيلة الوحيدة التي كانت توصلهما ببعضهما دائما.. وانهارت مها مرة اخرى.. انهارت وهي ترى نفسها تفقد الكثير .. فقدت حلمها بالارتباط بمن تحب.. فقدت رغبتها في الاختيار لمن تراه شريك حياتها.. فقدت كرامتها بالزواج من شخص تكرهه .. وهاهي الآن تفقد اغلى الناس على قلبها.. حبها الاول .. والاخير..
وسقطت على الارض لتغرق في بكاء مرير وهي تخفي وجهها بين كفيها.. لعلها تستيقظ من هذا الكابوس..او لعلها تختفي من هذا العالم دون رجعة..
((مها.. لا تبكي))
انتفض جسدها لسماع هذه العبارة.. وتجمدت الدموع في عينيها وقلبها يخفق بقوة وهي تستمع الى ذلك الصوت.. لانها تعلم يقينا ان لا احد معها في الغرفة..
ابعدت كفيها عن وجهها.. لتلمح طيف ذلك الطفل وهو يبتسم لها ابتسامة حانية ويقول: ( لا تبكي.. ارجوك.. دموعك تحزنني)..
هذا .. هذا ليس مجرد طفل.. بل هو حسام!.. حسام عندما كان في العاشرة من عمره.. اعرفه اكثر مما اعرف نفسي.. وتطلعت اليه بدهشة.. قبل ان تراه يتطلع اليها وفي عينيه تلك النظرة الحانية.. وامتدت كفها لعلها تستطيع الامساك بذلك الطيف.. لعلها تلمسه وتشعر بوجوده بعد ان حرمت من لمس حبها والشعور بوجوده..
وتلاشى الطيف مختفيا في العدم كما جاء.. وهمست مها قائلة والدموع تعود الى عينيها: لا تذهب.. ارجوك ابقى معي..
ولكنه كان مجرد صنع من اوهامها.. كحبها الذي كان اشبه بالوهم والذي لم يرى النور يوما..وهتفت قائلة بصوت باكي: لماذا تذهب وتتخلى عني انت ايضا يا حسام؟ .. لقد تخلى عني الجميع.. فلم تفعلها انت ايضا؟.. انا بحاجة لك اكثر من أي وقت مضى.. لماذا تتركني وحيدة الآن؟ .. لماذا؟..
وعادت الدموع لتتجمع في تلك العينين وكأنهما قد اصبحتا جزءا منهما.. وعاد القلب ليكتوي بنارا امر من أي نار هذه المرة.. نار فقد حبيب القلب والروح..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(لماذا يا والدي؟)
قالها احمد وهو يتحدث الى والده .. الذي زفر بحدة وهو يلتفت له..وقال بضيق وملل: لماذا ماذا؟..
قال احمد متسائلا بقهر: لماذا تم تأجيل الموعد؟..
التفت له والده وقال بحدة: عن أي موعد تتحدث؟.. تحدث بشكل مباشر دون مقدمات..
قال احمد وهو يكور قبضته وبنظرة حادة: موعد خطبة مها..
قال والده ببرود: اتصل عمك وطلب تأجيل الموعد لظروف طرأت ..
قال احمد بغيظ: انا اعرف تلك الظروف.. لابد وانها مها التي اجبرته على تأجيل الموعد..
قال والده بلامبالاة: ولم؟..
صمت احمد ولم يجب.. واكتفى بالقاء نظرة على الرسالة التي وصلت الى هاتفه صباحا.. والتي قرأها عندما استيقظ.. واكفهرت ملامحه مع كل حرف يقرأه.. وقال بصوت هامس من بين اسنانه: سنرى من سيندم يا مها.. انا ام انت؟..
ولمح بغتة ندى التي كانت تهبط من على درجات السلم .. فالتفت لها وقال: الى اين؟..
تابعت خطواتها دون ان تلتفت له وقالت: الى النادي..
قال متسائلا: ولم؟..
التفتت له وقالت وهي ترفع حاجبيها باستغراب مصطنع: ومنذ متى تهتم ان كنت ذاهبة الى مكان ما ؟..ولم اذهب اليه؟..
قال احمد وهو يتقدم منها: منذ هذه اللحظة ووقتما اشاء.. اخبريني لماذا تذهبين الى النادي؟..
قالت ندى بملل وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: ولماذا سأذهب في رأيك؟ .. بالتأكيد حتى امارس هوايتي المفضلة هناك .. التنس..
- حسنا اذا لدي رسالة اريد منك ان توصليها الى مها..
تأففت ندى بصوت مسموع ومن ثم قالت: ولم لا تتصل بها؟..
قال احمد وهو يلقي نظرة على هاتفه الذي استقر في قبضته: لو كانت تجيب على مكالماتي لما طلبت منك شيئا..
قالت ندى وهي تزفر بحدة: حسنا قل وخلصني..
قال وهو يميل نحوها قليلا وبنظرة حادة: اخبريها بأنها لم ترى شيء بعد.. واني لو اضطررت ان ادوس على قلبي للانتقام منها لما ترددت .. وان كرامتي فوق كل شيء..
قالت ندى وهي تتطلع الى ساعتها عندما صمت بغتة: انتهيت؟..
وقبل ان يجيب قالت وهي تدير ظهرها له: سأوصل لها رسالتك لو رأيتها.. وان كنت اعلم اني لن اراها..
قال متسائلا باهتمام: ولم؟..
هزت ندى كتفيها وقالت:مضى اسبوع تقريبا منذ آخر مرة رأيتها في النادي.. لم تعد تأتي الىهناك.. ولست اعرف السبب.. بالاذن..
قالتها وانصرفت دون ان تمنحه أي فرصة ليسالها عن أي شيء آخر.. اما احمد فقد قال وعقله منشغل بالتفكير: اذا لم تعد تذهب الى النادي.. ربما هي صدمة معرفتها بخبر خطبتي لها.. لم تري شيء بعد يا مها.. ولم تعرفي من يكون احمد.. وستندمين اشد الندم على اليوم الذي تجرأت فيه واهنتي كرامتي ..وسيكون ذلك قريبا جدا.. والايام ستثبت لك ذلك..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الظلام يغلف كل ما حوله.. واللون الاسود هو لون كل شي واللاشيء.. وصوت قادم من اعماق بئر سحيقة يتردد باستمرار ..((ابي انا بحاجة اليك))..(( ارجوك عد الي)) ..انه يعرف هذا الصوت ويستطيع تمييزه من بين ملايين الاصوات انه صوت ملاكه الوحيد..
لكن لم الظلام يغلف كل شيء؟.. اين هو؟.. يريد ان يرى ملاكه.. يريد ان يشعرها بأنه قريب منها.. بأنه الصدر الحنون الذي لن يتخلى عنها ابدا..بأنه ملجئها ومن سيحميها من شرور هذا العالم بأسره.. يريد الخروج من هذا المكان ..وبأية وسيلة كانت ..
دعونا نترك خالد قليلا وصراعه مع عقله الباطن.. وننتقل لنرى كفيه على مسافة قريبة جدا.. بالتأكيد انتم ترون الآن تلك الحركة الواهنة في انامله.. ولتنقلوا ابصاركم الى قدميه لتلحظوا تلك الحركة البسيطة فيهما.. خالد الآن في صراع متواصل ومستمر مع عقله الباطن.. يحاول فيه انتزاع نفسه من هذه الغيبوبة التي سيطرت عليه لفترة قاربت الشهر..
ولنعد الآن الى خالد الذي لا يزال يعاني من ذلك الصراع..والذي اخذت الافكار تحوم في رأسه وتسبب له صداع شديد .. اخذ يشتد ويضاعف آلام رأسه.. ولكن لابد له ان يعود لابنته الغالية..لابد ان يخرج من هذا المكان الذي كل ما فيه يتميز بلون واحد هو الاسود.. هل اصيب بالعمى يا ترى؟ ..
يريد فتح عينيه .. ولكن لم يشعر ان جفنيه اصبحا يزنان اطنانا من الحديد؟.. وان فتحهما يعد ضربا من المستحيل.. لكن لا .. ملاكه تنتظره.. ابنته تريده الى جوارها.. يجب ان يكون معها.. يجب ان يفتح عينيه.. يجب ان يقهر هذا المستحيل ويكون معها..
واخذ جفناه بالارتجاف.. وهو يحاول ان ينزع نفسه من تلك الغيبوبة.. واخذ نشاط جهاز ضربات القلب والمخ يزداد فجأة.. وخالد لا يزال يقاوم باستماته و...
وبغتة..
قهر خالد ذلك المستحيل ليفتح عينيه ويتطلع الى ما حوله بعدم استيعاب او فهم.. الالوان عادت لتضفي حياة على الاشياء .. اختفى اللون الاسود مما حوله.. وها هو ذا يرى النوراخيرا .. وهو يتسلل من النافذة ويؤلم عينيه..وهمس بكلمة بالكاد قد خرجت من بين شفتيه.. قال بصوت واهن: ملاك..
ولكن صداع عنيف ذلك الذي اخذ يكتنف رأسه.. جعله يعيد اغماض عينيه بالرغم منه.. لعله يجد بعض الراحة من هذا الصداع.. ليغرق في النوم..أ وربما في الغيبوبة من جديد...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛


 

رد مع اقتباس