منتديات بنوته

منتديات بنوته (http://www.bnota.net/vb/index.php)
-   للروايات المكتمله (http://www.bnota.net/vb/forumdisplay.php?f=102)
-   -   أسى الهجران (http://www.bnota.net/vb/showthread.php?t=11399)

قمرهم كلهم 10-07-2010 09:05 AM

رد: أسى الهجران
 
أمام مصحة حمد النفسية في القاهرة
في سيارة باكينام
نار تشتعل بين راكبي السيارة
كان يوسف يمسك معصم باكينام بقسوة وهو يهمس لها بغضب هادر لم تراه مطلقا في حياتها كلها:
لحد هنا وكفاية.. كان ممكن أسامحك على أي حاجة إلا أنك تخبي علي حاجة زي دي

ئولي لي إيه اللي بينك وبين الراجل اللي اسمو حمد جابر

باكينام بغضب مشابه: وأنا ما أسمحش ليك إنك تسألني بنبرة الشك دي

يوسف بذات النبرة المرعبة: أنتي مالكيش حق تسمحي أو ما تسمحيش
لأني اديتك الحق أكتر من مرة.. بس أنتي حلي لك إنك تستغفليني

باكينام باستنكار: أستغفلك؟؟

يوسف بحدة: أه تستغفليني.. أمال تسمي إيه إنك كل يوم والتاني تنطي لراجل غريب تزوريه وتشتري له هدوم كمان
دا أنتي بتتكلمي معاه في مرة وحدة.. أكتر من كل المرات اللي تكلمتي فيها معايا
أنا كنت عاوز أنط لك وأنتي معاه وأعرفك أصلك ئدامه .. لكن لما سألت عنه... عرفت إنه مريض وحالته صعبة.. وكان متجوز وبيحب مراته..
فالعتب كلو على اللي راميه نفسها عليه.. وهي اللي لازم تتحاسب

أنا في الأول حبيت إني أسدء ثقتي فيكي.. ئلت أهو مريض بتزوريه
لكن لما سألتك أول مرة كنتي فين.. خبيتي علي
تاني مرة سألتك عندك حاجة عاوزة تئوليها لي.. برضو خبيتي علي
لما أنتي بتحبيه أو يمكن بينكم حاجة تتمي حكاية جوازنا ليه؟؟

باكينام تحضر كل عروق كبريائها وتصطرع بجنون.. يستحيل أن تشرح أو توضح
كانت ببساطة تستطيع أن تقول أنه ابن عمة هيا ويتعالج هنا بشكل سري
وهيا وصتها أن تزوره.. والملابس دفع ثمنها وزيادة.. وهذه هي الحقيقة فعلا
ويوسف يعرف هيا جيدا.. وكان الإشكال سيحل فورا
لكنها يستحيل أن تريحه بعد أن سمح لنفسه بالشك فيها لدرجة مراقبتها

لذا ردت عليه بحدة مشابهة : أنا اللي تممت جوازنا؟؟
مين اللي فرض كل حاجة عليا؟؟

يوسف بمرارة: بلاش اللعبة دي.. لو كنتي ئلتي إن ئلبك مشغول بغيري من يوم الحفلة
أنا كان مستحيل أجبرك على حاجة
أنا مش رخيص عشان أفكر في وحدة بتفكر في غيري
لكن أنا أفتكرت ئلبك خالي وبتعاندي وهيجي اليوم اللي هائدر أنا أملاه
بس إنك تستغفليني بالطريئة الحقيرة دي.. كانت حاجة رخيصة أوي
وأنتي طلعتي أرخص بكتير من أي حاجة تخيلتها

باكينام شعرت بألم حقيقي يمزق شرايين قلبها مع اتهاماته المريعة
إلى هذه الدرجة يراها سيئة؟!!
إذا كان لا يعرفها.. ولديه هذه القدرة على تصديق كل هذه الحقارة عنها
فهي ليست لديها القدرة للتفسير
يستحيل أن تبرر نفسها أو أن تسمح له أن يجعلها في موضع اتهام حقير كهذا
كرامتها تأبى عليها مجرد التفكير في اتهاماته فكيف ترد عليها حتى؟؟

باكينام همست له ببرود: أنته لساك على البر
طلئني وكل واحد يروح في طريئه

يوسف بغضب حاد وهو يمسك بوجهها بين أصابعه ويعتصره:
حقيرة ورخيصة وأنانية.. تفو على دي أخلاء
لما فشلتي تكملي التمسيلية عليا.. عاوزة تخربيها وتئعدى على تلها
فرحنا ئريب وهيكون في موعده
وفي واشنطن أنا اللي هأعرف أربيكي
إما خليتك تندمي على استغفالك لي ما أكونش يوسف عزت

الدوحة
بعد الغداء
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشعل وهيا


كانت هيا عند جدتها.. وحين علمت بوصول مشعل صعدت له
كان مشعل وقتها يغتسل
حين خرج ورآها تنتظره ابتسم وهو يجفف يديه ووجهه

هيا وقفت وتناولت الفوطة من يديه وهي تهمس له برقة:
وين رايح اليوم من بدري؟؟

مشعل يبتسم: سويت كم شغلة.. رحت البعثات
وعقب رحت غيرت حجزنا.. وقدمت على فيزا بريطانية


هيا باستغراب: غيرت حجزنا؟؟ وفيزا بريطانية؟؟

مشعل ببساطة وهو يتمدد على السرير: إيه بدل باريس بنمر لندن ونقعد فيها 3 أيام

هيا برعب: نمر لندن ليه ؟؟

مشعل يبتسم: السالفة إنه شهادتش اللي من كوينز أنتي نسيتي تصدقين كل النسخ من التعليم العالي البريطاني
وهم يراجعون أوراقهم اكتشفوا إنه النسخة اللي عندهم مهيب مصدقة
والحين إذا ماجاتهم الشهادة مصدقة ماراح يخلونش تكملين الماستر..
بنمر لندن نصدقها وعقب بأبعثها لهم بالدي اتش إل..

هيا تجلس بجواره وهي تحتضن كفه وتقول بجزع: تكفى مشعل بلاها مرور لندن وأنت ممنوع من دخول بريطانيا..
وإذا على دراستي.. الخير واجد.. خلهم يقطعون منحتي وأنا بأدرس على حسابي..

مشعل يضحك: يا بنت الحلال سهالات.. السالفة هدة بزران قبل 12 سنة
وأنا لو علي شيء ماكان وافقوا في السفارة يسوون لنا تأشيرة لأنهم دخلوا اسمي في الكمبيوتر عندهم
وبعدين السالفة مهيب سالفة فلوس.. الحمدلله الخير واجد..
بس البعثات يمكن يرفضون عقب تصديق شهاداتش كلها إذا ماخلصني تصديق شهادة البكالوريوس أول..

هيا بخوف: قلبي مهوب مرتاح.. زين خلنا على حجزنا الأولي ننزل في باريس
و أنا بأروح لندن على قطار المانش الصبح.. وأنا أدل هناك عدل ممكن أخلص الشغل كله في يوم
وأنت خلك في باريس المساء بأكون راجعة.. ونرجع واشنطن سوا

مشعل وقف وهو يقول بغضب حقيقي: مالش لوا.. شايفتني كمخة وإلا كمخة

هيا بتوتر: محشوم يا قلبي بس......

مشعل يجلس على السرير وهو يحاول السيطرة على هدوء نبرته:
خلاص هيا.. الحكي في هالموضوع منتهي..


ذات المساء
الدوحة
حوالي الساعة 10 ونصف مساء

العنود في غرفتها تدرس
تجلس في صالتها الكتب منثورة على الطاولة وهي تجلس على الأرض بين الطاولة والأريكة مستغرقة في الاستذكار وكتابة ملاحظاتها

دخل عليها فارس
سلّم
رفعت عينيها وسلمت وابتسمت له بعذوبة
شعر كما لو أن شمسا صاخبة مشبعة بالحياة والألوان والبهجة المتعت من بين شفتيها
( يا الله أنا توني معصب عليها الظهر
وهي تبتسم لي الحين
ما أكبر قلبها وأضيق أخلاقي)

ولكنها تذكرت
اختفت ابتسامتها بتلقائية وعادت للانكباب على الكتب
شعر فارس حينها أن وترا ما في قلبه تمزق
اقترب منها وجلس خلفها همس:
بكرة بأشتري لش مكتب بدل قعدة الأرض ذي
تبين تروحين معي؟؟ أو ممكن اشتري على ذوقي؟؟

العنود بخفوت: اشتري أنت.. ماعندي وقت أفر مكان
يالله الوقت يكفيني أدرس

فارس مد يديه وأمسك بعضديها ورفعها بخفة وأجلسها في حجره
كان القلم مازال بيدها.. تناول القلم من يدها.. وطبع في باطن معصمها قبلة عميقة
ثم همس لها بحنان: عادش زعلانة؟؟

العنود بخفوت: تكفى فارس ما تسألني ذا السؤال.. أخاف أقول زعلانة تعصب عليّ

فارس بذات الحنان: قولي ماني بمعصب

العنود بنعومة: فارس أنا بطبعي نادرا ما أزعل.. فلو زعلت يوم إذا أنت ما احتويتني وتحملتني شوية.. مين اللي بيتحملني
المفروض إنه أحنا نصير شخص واحد.. حتى انفعالاتنا نتشارك فيها
لكن اللي أنا شايفته لحد الحين.. أنت تعصب أنا أسكت
ولو صار وأنا زعلت انت تعصب وتهب فيني.. على كذا أنا بأصير أخبي انفعالاتي عليك وينبني بيننا حاجز كل يوم عن يوم يكبر..
إحنا الحين في بداية زواجنا وأنا مستعدة أقدم لك كل شيء.. لكن ما أشوف إنك عندك نفس الاستعداد

فارس احتضنها بشدة وهمس لها بوله مصفى: حبيبتي أنا أحبش حب والله ما تتخيلين وش كثر.. فوق كل خيال وتصور
وقلت لش كثير استحمليني شوي.. لين كل واحد يتأقلم مع طبايع الثاني
لكن أوعديني ما تخبين على شيء حتى لو عصبت عليش
لأني باعصب بس بتلاقيني رجعت.. لأنه حبش هو الهواء اللي أتنفسه والدم اللي يمشي في عروقي.. حد يقدر على زعل هواه ودمه؟!!

العنود ابتسمت وهي تهمس بدلال: كل هالحب من كم يوم؟؟!!

فارس بابتسامة: من زماااااااان

العنود برقة: متى يعني؟؟

فارس يحتضنها أكثر: الحين الحب يكفيش.. ووقته خليه بعدين

مر أكثر من أسبوعين على الأحداث الأخيرة

العنود ولطيفة أنهتا أمتحاناتهما


هيا ومشعل موعد سفرهما غدا
الخبر الذي أشاع جوا من الحزن في بيت عبدالله بن مشعل
وجعل موعد ملكة راكان وموضي يتقرر اليوم بعد صلاة العصر
ليحضرها مشعل قبل سفره


باكينام ويوسف وضعهما سيء جدا
تجهزت باكينام لفرحها كمخططها المعتاد
ولم تسمح لأحد أن يشعر أن هناك شيئا ما بينها وبين يوسف
ويوسف مطلقا لم يعد لمكالمتها.. تفاهمه كان مع عمه طه
والجميع فسر تباعده أنها نوع من حركات الشباب الذي يمتنعون عن رؤية عرائسهم حتى ليلة الزفاف
والليلة هي الليلة الموعودة
ليلة زفاف باكينام ويوسف


فارس والعنود وضعهما بين كر وفر
فارس كعادته بين حب مصفى وقسوة غير مبررة
والعنود في حيرة دائمة منه
ولكنها تحاول دائما امتصاص غضبه بطريقتها اللبقة الذكية في الكلام
وخصوصا أنها باتت تعلم بعمق حبه لها.. وبدأت هي بتعميق مشاعرها ناحيته في ذات الإتجاه
الأكيد أن علاقتهما ببعضهما توطدت كثيرا وبعمق
رغم كل الغرابة المتجذرة في علاقتهما التي تمثل نموذجا لغرابة علاقة بعض الأزواج


مشاعل وناصر مشكلة عويصة تبدو عصية على الحل
فناصر يبدو نافرا منها وبشدة
وهي تتصرف كأنها لا تشعر بنفوره الذي كان يمزق مشاعرها بوحشية
تنام معه بذات الغرفة وعلى ذات السرير
ولكن بينهما محيطات هادرة تفصل بينهما وليس مجرد أشبار معدودة
مشاعل تدور طوال اليوم في البيت تطبخ أو ترتب أو تذهب لبيت عمها
وأحيانا تتوجه لبيت أهلها حين تكون متيقنة أنه لن يعود وبعد أن تستأذنه
وهو لا يقصر في التوضيح لها بصراحة أنه لا يهمه ماتفعله
مطلقا لم تشتكِ إلا مرة واحدة

في اليوم التالي لعودته.. رأته يحمل ملابسه المتسخة يريد أن يذهب بها لأمه
حينها وقفت أمامه ورجته بعمق ألا يحرجها مع والدته وهي تناشده بألم:
وش تبيهم يقولون علي؟؟ ملابسك توديهم يغسلونها لك؟؟
ماعندك مرة

ناصر بقسوة: إيه ما عندي مرة..

مشاعل بمناشدة عميقة: تكفى ناصر.. احشم إني بنت عمك
لا تفشلني في هلك.. يعني حتى ملابسك ما تبغيني أغسلهم.. ليه أنا نجسه؟؟
حرام عليك اللي تسويه فيني

حينها رمى ناصر الملابس على الأرض وخرج

كان يشعر بمرارة عميقة وألم أعمق
(أي وحش قميء أتحول أمامها
كم أتمنى أن يأتي اليوم الذي تفارقني فيه.. وتعود لأهلها
تعبت من القسوة وأنا ما أعتدت أن اكون قاسيا
ولكنها تستفز قسوتي لتتدفق تلقائيا عليها
أتحول لمخلوق آخر أمامها
مخلوق ليس أنا.. شيء مختلف أكره أن أكونه
تأثيرها علي سلبي ومفرز لمساوئي)

مشاعل جلست على الأرض جمعت ملابسه
ثم عادت لرميها بعيدا لتتناثر متفرقة في أرجاء الصالة
وهي تسحب نفسها لتتسند على طرف الكنبة
كانت تشعر بمهانة عميقة
تشعر أنها عاجزة عن الإكمال بهذه الطريقة
تشعر أنها على وشك الإنهيار

وكان هذا قبل أكثر من أسبوعين.. ومازالت لم تنهار
رغم أن ناصر يثقل عليها العيار كثيرا
ولكن الضربة التي لا تقتلك تقويك
وهي تقوى فعلا لتحكم سيطرتها على حياة ناصر وترتيب كل شيء يخصه


اليوم نهضت من نومها مبكرة وكان ناصر مايزال نائما
صلت الضحى وأعدت الفطور الذي تعلم أنه لن يأكله
والذي أصبحت تعطيه لخادمات بيت عمها ليأكلوه أو ليعطينه لصبيان المجلس

رن هاتفها كان سلطان
مشاعل ابتسمت: هلا والله بالشيخ سلطان

سلطان بنبرة عتب: بلا شيخ بلا بطيخ.. العبي علي
قاعدة مقابلة نويصر وهّملتيني

مشاعل ضحكت بعذوبة: ماعاش من يهّملك.. عيوني لك.. وش اللي يرضيك

سلطان يبتسم: أبيش تلعبين معي بلاي ستيشن

مشاعل تبتسم: ريم أم لسانين عندك.. خلها تلعب معك

سلطان باستنكار: وعيييييه... أشهد أني على العازة.. أخرتها أرجع على الكوبه الرويم الدعلة
يعني أنتي ما تبيني.. حرام اللي راحت عليك يا سليطين

مشاعل تضحك: جيب البلاي ستيشن وتعال.. ناصر راقد وما أقدر أطلع وأخليه

سلطان بغيظ: إيه يا نويصر العز للوز.. شيختهم قاعدة على رأسك تحرسك وأنت مطيخ تشاخر (مطيخ=مستغرق في النوم)

مشاعل بابتسامة: تجي وإلا أغير رأيي؟؟

سلطان باستعجال: لا جاي جاي.. خليني أمغث نويصر شوي مثل ماهو ماغثني..


بعد خمس دقائق وصل سلطان بحقيبة لعبته على كتفه
وكانت مشاعل أغلقت الباب على ناصر حتى لا يزعجه صوت سلطان العالي

مشاعل احتضنت رأس سلطان الذي يصل إلى تحت ذقنها وهي تهمس له:
منت بناوي تطول شوي؟؟

سلطان بتأفف: يا شين ذا الطاري.. أنتي تبغين تكدريني عشان تفوزين علي
بس ماعلي منش.. أنا قاعد عندش لين صلاة الظهر
ويمكن أصلي وأرجع.. لازم أطلع عينش وعين بعض الناس اللي خاسوا من الرقاد داخل

مشاعل تقوده للتلفاز: أدخل أشبك اللعبة وأنا بأروح أجيب لك ريوق

سلطان يشير لها لا ويقول بمرح: موضي ريقتني غصب.. من يوم درت بموعد ملكتها وهي جايها حاطي باطي
وماحد عندها تفش حرتها فيه غيري.. أكلتني لين قدني بأزوع.. قلت خلني أنهزم قدام يجيني فتاق في كرشي

مشاعل بحنان: زين حلا وعصير.. مسوية حلا أنت تحبه

سلطان يستعد للعب وهو يجلس على الأرض ويضع مخدة تحت فخذه:
بعدين بعدين.. والحلا اللي أنا أحبه لو أني غالي كان جاني لين البيت

مشاعل تجلس جواره وهي تتناول الجهاز الآخر: يا شين ملاغتك بس
وش تبينا نلعب؟؟

سلطان بحماس: كورة.. وش ظنش بعد؟؟

مشاعل تضع الجهاز فوق رأسها وهي تقول: سليطين يا ليل ما أطولك
الناس تطوروا والسوق فيه عشرين ألف لعبة

سلطان يختار فريقه ويقول لها بحماس طفولي: يا شين تمرطاس الخسرانين
خلصيني اختاري فريق الخسرانين اللي بيلعبون لش (التمرطاس=المماطلة)

مشاعل بحماس مشابه من أجله: خسرانين قال.. تكلم عن روحك يا سلطة

سلطان يقطب جبينه: الدعوى فيها سلطة.. زين يا ميشو تشوفين

مضت أكثر من ساعة ونصف والاثنان مستغرقان تماما في اللعب
لم ينتبها مطلقا أن هناك ثالث انضم لهما منذ أكثر من نصف ساعة
كان يجلس خلفهما على الأريكة التي كانت بعيدة قليلا عن مكان جلوسهما على الأرض ملاصقين لجهاز التلفاز
كان صامتا ومبهورا بكل معنى الكلمة
كان يرى مشاعل أخرى غير الرقيقة الهادئة التي كانت تتحرك أمامه طيلة الأيام الماضية بمثالية
أنثى حقيقية مليئة بالحياة لدرجة مفجعة تحز في روحه الرجولية غصبا عنه..
تكاد وجنتيها تتفجران احمرارا وأنفاسها تعلو وتهبط
وهي تدغدغ سلطان وتسحبه وتشد رأسه وتحتضنه
بل وتتناول كفه وتعضه أحيانا بشقاوة دون أن تؤلمه

وسلطان من ناحيته يغرز أصابعه في جنبها بشكل مفاجئ كلما كانت الهجمة لها
لتقفز وهي تصرخ وتضربه بشكل هستيري طفولي

ناصر كان مستمتعا بالمراقبة حتى حدث أخيرا ما أجبره على التصريح بوجوده

الهجمة لسلطان فقامت مشاعل بذات الحركة ولكن بشكل مبالغ لأنه ليس سريع الإحساس مثلها.. ظلت تدغدغه حتى خسر
حينها ألتفت لها وعضها في عضدها من ناحية الكوع مباشرة على اللحم لأنها كانت ترتدي نصف كم قريب من الكوع

مشاعل صرخت بألم من بين أسنانها بصوت مكتوم: سلطان يالمتوحش بسك قطعت لحمي

سلطان حين غادرته غضبته الطفولية وأرخى إطباق أسنانه على جلدها
فُجع وهو يرى أثار أسنانه الغائرة في أسفل عضدها
انتفض وهو يرمي اللعبة ويقف على ركبتيه ليحتضن رأسها ويطبع عليه عشرات القبلات ويهمس بوجل: أسف ميشو أسف
جعل سنوني السوسة.. سامحيني فديتش.. جعلني السوسة كني عدتها

مشاعل تضحك ورأسها مختبئ في صدره الصغير: بس خنقتني
ولا عاد تدعي على روحك زعلت عليك

(بسكم)
صوت حازم غاضب يقاطعهما
لا يعلم يقينا ما الذي أغضبه
هل هي عضة سلطان الموجعة لمشاعل؟؟
أم قبلاته واحتضانه الطويل لها؟؟
هل هو خائف عليها؟؟.. أم يغار عليها؟؟
سواءا كانت هذه أو هذي.. فهو لن يعترف بذلك حتى لنفسه في أعمق أعماقه

سلطان يفلت مشاعل ويلتفت لناصر بحرج: صبحك الله بالخير
أربني ما أزعجتك يا بو محمد؟؟

ناصر بمودة: ما أزعجتني .. بس الرجّال الشقردي يعض أخته؟؟
مهوب عيب عليك؟!!

سلطان بخجل: ماكان ودي أجعها.. احتريت شوي

ناصر يهمس له بالنبرة الحازمة المعتادة في حديث الرجال: الرجّال ما يطلع حرته في النسوان
يطلعها في الرياجيل اللي مثله
والرجّال ما يعض.. العض للبزران.. الرجّال يضرب ويوجع
إذا شافوا الرياجيل خصيمه دروا بفعل يمينه في وجهه

سلطان يقف ويميل على أنف ناصر وهو يقول بحماس: تم طال عمرك
واسمحوا لي أترخص

مشاعل بنبرة غامضة: وين بتروح؟؟ ماكنت تقول إنك بتقعد للظهر
اقعد أفطر مع ناصر

سلطان يجمع لعبته ويقول: بجيش بكرة.. اليوم بأقعد مع مشعل شوي قدام يسافر بكرة

حين خرج التفتت على ناصر وهي تقول بعتب غاضب:
مالك حق تحرجه كذا

ناصر يتعكز على عكازيه ويقف على قدمه الوحيدة ليمسك عضدها ويلفه ناحيته ويقول بغضب:
وهو له حق يسوي فيش كذا.. سلطان أخي وفي المجلس أعلمه أكثر من كذا.. ولا عمره تشاينها مني.. (تشاين= رآها شينة أي أستاء منها)

مشاعل شعرت أن مسكته لعضدها تحرقها وتذيب جلدها لتحدث قشعريرة وصلت لعمق عظمها.. ولكنها هتفت بغضب:
تعلمه بكيفك أنت وياه.. ما أردك تعلمه سلوم الرياجيل.. لكن تحط حاجز بيني وبينه ما أسمح لك
إن شاء الله يقطعني أنت مالك دخل.. جسمي وأنا حرة فيه

ناصر بتهور غير مقصود: إلا لي دخل فيه.. مهوب حلالي..

الجملة خرجت حادة كثيفة توحي بعشرات التأويلات غير المقصودة فعليا
وناصر ندم فورا وبشدة على قولها
(أي حلال؟؟ أي خرابيط؟؟.. تخليها تستفزك تقول حكي ماله طعم)

مشاعل شعرت بتوتر كاسح وخجل متعاظم يجتاحها وهي تحاول أن تتماسك أمامه.. وتمسك مكان العضة في عضدها بكفها

وناصر يحاول تغيير الموضوع لجهة أخرى: يعني ماعمري شفتش معصبة إلا اليوم
لذا الدرجة سليطين غالي عليش؟؟

مشاعل حاولت أن ترد ولكن ريقها جاف.. جاف جدا.. وكلمة (حلالي) تخترقها كأسهم نارية موجعة لتبعثر كل أفكارها

همست بخفوت بعد لحظات صمت: بتريق أو كالعادة؟؟

ناصر رد عليها بهدوء غامض وهو يتحرك باتجاه طاولة الطعام: بأتريق

بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العشاء

حفل نسائي أسري لسيدات آل مشعل وقريباتهن المقربات
عقد قرآن موضي الذي تم على خير
احتفال بالعروستين اللتين لم يتم الاحتفال بهما
احتفال بالانتهاء من الامتحانات للجميع
وتوديع لهيا المسافرة في الغد

لطيفة المتألقة في فستان أسود تجلس بجوار موضي القلقة في فستانها الزهري الناعم
وتهمس لها من قرب: فكيها.. عيب عليش ذا التكشيرة.. وش تبين الناس يقولون
مغصوبة على العرس.. وهو قده ثاني واحد

موضي من بين أسنانها وهي تحاول رسم ابتسامة: تدرين إنش سخيفة

لطيفة تبتسم من أعماقها: وأنتي أسخف طال عمرش
إلا تعالي قولي لي.. شنو صار في مراسيم الملكة.. راحت علي وأنا في الصالون

موضي بتهكم مصطنع: تدرين نسيت أسجلها عشان أعيدها على مسامعش الكريمة

لطيفة تبتسم: أنا الليلة مبسوطة.. ولا حتى ملاغتش بتخرب مودي
تعالي قولي لي.. قصيتي شعرش وإلا بعد

كانت تسأل موضي لأن شعرها كان مرفوعا في شينيون غجري ولا يتضح طوله
موضي ردت: مابعد

موضي لم تقص شعرها مطلقا منذ حوالي 4 سنوات وطال بدون ترتيب ليصل إلى أسفل خصرها
وشعرها هو الأكثف بين شعر شقيقتيها ونعومته وسواده ثقيلان للغاية

لطيفة باهتمام: يبي له ترتيب واجد.. لو أنتي تبين تطولينه على الأقل قصي أطرافه.. رتبيه قبل عرسش

موضي برعب: وش عرسه أنتي بعد؟؟ تو الناس

لطيفة بنبرة منطقية: بصراحة أنا ما أشوف سبب للتأجيل

موضي برجاء: لطوف بلاها تدخّلين.. وتحنين على رأس أبو محمد وهو يحن على رأس الشيبان
أدري الشيبان ما يأخذون في يد رجالش غلوة

لطيفة تبتسم: الله وأكبر عليش يأم عيون.. ماعاد إلا مشعل تنظلينه



جبهة أخرى هيا في فستان حريري أخضر تجلس بجوار جدتها وتحتضن كفها:
يمه فديتش لا تضايقين.. السنة هذي آخر سنة عندي وعند مشعل
كلها كم شهر وتلاقينا عندش ولا عاد حن برايحين ديرة إن شاء الله

الجدة بحزن عميق: الواحد ضامن عمره لبكرة يحكي عن اللي بيصير عقب شهور

هيا اجتاحها خاطر مرعب (ماذا لو حدث لجدتها شيء وهي غير متواجدة.. لن تحتمل مطلقا.. لن تحتمل) همست بجزع:
يمه الله يهداش وش ذا الحكي.. العمر الطويل لش في الطاعة
الأعمار بيد الله ما تدرين يمكن أكون قدامش.. هو الأجل بالعمر

الجدة بغضب: تفي من ثمش يا بنت سلطان

هيا تحيط كتفي جدتها بذراعها وتقبل كتفها وتقول بمرح: أجل لا عاد تعيدين علي سالفة الموت ذي
ثم أردفت بهدوء:
ماحد يطق من يومه يمه.. لكن الواحد ليش يوجع نفسه ويوجع اللي حوله

(الأمريكانية ذي خذت علوم هل أمريكا
الذيب ما يهرول عبث
وخري من جدتي لا تأكلينها!! خلني أسلم عليها)

معالي الواصلة للتو مع أهلها تميل لتسلم على جدتها بطريقتها الحماسية
فهناك علاقة فريدة عميقة تربط بين الاثنتين
فمعالي مرتبطة كثيرا بجدتها

ابتسمت هيا وهي تسلم بدورها على معالي: وينكم يأم لسانين ليش تأخرتوا

معالي بغيظ: خبرش الكوبي والبيست قعدوا يسبحون لين جاتنا وزارة الماي بكبرها يشتكون
يقولون بيتكم سبب أزمة مياة والدوحة بيجيها جفاف من سبتكم
ثم أكملت (بعيارة): شكلي بأقلب على نظافة الخبلان مثلهم.. كود أغدي مومياء بيضاء مثلهم





جبهة أخرى قريبة
ذات الوقت
مجلس آل مشعل

المتواجدون من الرجال في انتظار حضور البقية لتقديم العشاء

العريسان الجديدان في زاوية يتساسران وعكازات ناصر بجواره
فارس يهمس له: متى بتركب الساق؟؟

ناصر بذات الهدوء: عقب يومين

فارس بأخوية مساندة: مستعد؟؟

ناصر يبتسم: ليه بأدخل معركة.. أنا بصراحة زهقت من ذا العكازات
ودي أسوق سيارتي
أروح افرفر شوي
وأهم شيء أروح الجليلة... ياني اشتقت لذا المخلوقة

فارس بابتسامة: عندك في بيتك مهرة مالها تواصيف وتقول مشتاق للجليلة
أشهد أنه ماعندك سالفة

ناصر سكت على مضض ولسان حاله كما المثل الشعبي
(خلها في القلب تجرح.. لا تطلع للناس وتفضح)


زاوية أخرى من المجلس
سعد ومشعل بن محمد

سعد يهمس لمشعل بمرح: هذا ناصر رجع بالسلامة وراكان تملك
أنا متى بنتظرون لحالي وترأفون فيه.. أبي أعرس يا ناس

مشعل يبتسم: مع أنك رفيقي من سنين لها ونين.. لكني توني أكتشف أنك تغثي كذا

سعد بابتسامة: إيه يا بومحمد اللي يده في الماي... وش عليك؟؟ أنت عندك أم محمد
وأنا كل ما رجعت للبيت ما قدامي إلا وجه بو صبري.. يغدي ودي أهج من البيت

مشعل (بعيارة): يا كثر بربرتك على الفاضي
الحين حن رديناك تحدد موعد للعرس؟؟.. حدد لك موعد مناسب بس يا ليت عقب عرس راكان أو حتى لو بغيتوا حطيناكم مع بعض أحسن

سعد باستنكار: راكان اللي توه متملك تبيني انتظره.. ياكبرها عند الله

مشعل يضحك: أنت اللي ياكبرها عند الله.. وأنت توك متملك مالك إلا أقل من شهر

سعد يبتسم: تصدق أحسب أنها سنتين



زاوية ثالثة
راكان ومشعل بن عبدالله

مشعل بسعادة حقيقية: الليلة أنا كني ماسك النجوم الله يهنيكم ويبارك لكم

راكان بغموض: ويبارك فيك

مشعل باستفسار: ومتى ناوي العرس إن شاء الله؟؟

راكان بهدوء واثق: على عطلة الربيع السنة الجاية

مشعل يبتسم: مع إنه بعيد واجد بس أحسن.. عشان أكون رجعت.. وأنا اللي أرتب لعرسك
ثم تنهد وشيء يخطر بباله: تدري ياراكان.. خواتي كلهم غاليات عندي وغلاهم واحد
بس موضي عندي غير.. من يومها صغيرة وهي عندي غير

راكان في داخله (حتى أنا كانت عندي غير.. بس كانت.. كانت!!)

مشعل يكمل كلامه: ما أوصيك فيها يا راكان عقب.. أنا أدري إنها ما كانت مرتاحة مع حمد..

راكان شعر بألم مفاجئ غير مفهوم من تذكر أن زوجته كانت زوجة لرجل آخر قبله

مشعل يكمل: بس هي ما كانت تشتكي.. أنا عمري ماشفت حد كتوم مثلها

راكان في داخله (في ذي أنا أشهد.. اللي تعرف بزواجي الأول من سنين ولا علمت حد)

مشعل يكمل بهدوء: كان ودي إنها تشتكي لي.. أنا ما كنت مرتاح لحمد.. وكان ودي أتدخل.. لكن بما أنها عمرها ما أشتكت وأنا ماشفت شيء بعيني مالي طريق على الرجّال

راكان اشتعل داخليا (ليتك تدري وش سوى فيها!!)

مشعل يبتسم ويكمل: لكن الحين الله زيّنها من عنده.. وموضي غدت لك
وأنا ترا أبي أقول لك شيء من حقك تعرفه

راكان شعر بتوجس لم يظهر على محياه وقال بهدوء: اللي هو؟؟

مشعل بهدوء: ترا موضي ما عندها أي مشاكل تمنعها من الانجاب..
لا تقول إن ذا السؤال ما خطر ببالك.. مرة لها أربع سنين متزوجة وما حملت
أكيد إنه دار ببالك ذا الاحتمال.. وأنا عارف إنك مستحيل تسأل.. فحبيت أقول لك

راكان شعر بحرج بالغ داخليا.. لأنه فعلا لم يدر بباله هذا الاحتمال ولا حتى لجزء من الثانية
أطفال ؟؟ أبناء له تكون موضي أمهم؟؟
ماهذا الجنون؟؟
ماهذا الجنون؟؟


عودة لحفل النساء في بيت عبدالله بن مشعل


العروستان تجلسان متجاورتين
مشاعل شعرها الكاريه مسدل لأسفل عنقها كالعادة
ولكن من الأمام رُفعت بعض خصلها بطريقة راقية وثُبتت بمشابك بنفسجية
بنفس لون فستانها الذي كان على الطريقة الأسبانية وقصير قليلا من طرف
لنصف ساقها وارتدت معه (بوت) بنفسجي
العنق هاي نك تزينه من الجنب وردة كبيرة وأكمامه لاصقة طويلة
وتدرجات الزينة البنفسجية على وجهها أعطتها ألقا مختلفا ناضحا بالإثارة

بينما العنود كانت فاتنة للغاية وسعادتها الداخلية تنعكس بإشراق على وجهها
وفستانها الشيفون المشجر بتدرجات الأزرق منحها منظرا مفعما بالحياة فعلا

العنود تميل على مشاعل وتهمس بمرح: تدرين فستانش هذا المفروض أنا اللي لابسته

مشاعل ترسم ابتسامة عذبة: خلاص ولا يهمش بكرة بوديه المغسلة يغسلونه وعقب يجيبونه لش

العنود تضحك: تبين أخيش يذبحني.. لو عليه.. لبسني خيشة وسكرها علي لحلقي

مشاعل تبتسم: مافيه شيء الفستان مستور بزيادة هاي نك وكم ماسك لنصف الكف.. حتى الجزء الوحيد العاري فيه تحته بوت

العنود بعذوبة: يأختي مسوي رقابة غير طبيعية للبسي.. جنني

شعرت مشاعل بحزن شفاف يغزو روحها.. لا تريد أن تعقد مقارنة بينهما وبين أي زوجين آخرين.. فهما مختلفان تماما
ولكنها لا تستطيع أن تمنع نفسها من الحزن.. فناصر لا ينظر لها مطلقا ولا يهتم بأي شيء تفعله أو ترتديه..
هل يتحول لمشعل آخر؟؟ ولكن حتى مشعل القديم في أسوأ حالاته أفضل منه بألف مرة
على الأقل لم يكن يصرح بكراهيته لها ونفوره منها
ولكنها من جهة أخرى موقفهما صباحا مازال ماثلا في مخيلتها
وهي تمد يدها لتلمس عضة سلطان وتبتسم
(المفروض أشكر سلطان على ذا العضة
أول يوم أحس إنه فيه حاجز من الألف حاجز اللي بيني وبين ناصر انكسر
وأول يوم يفطر معي
وحسيت إنه مستمتع مع أنه ما عبر ولا شكر ولا حتى تكلم)


عالية وعلياء كانتا تجلسان متجاورتين كعادتهما.. وعلى محياهما طيف حزن شفاف
معالي تفرقهما وتجلس بينهما وتدخل كل ذراع من ذراعيها في ذراع كل واحدة منهما لتحتضن ذراعيهما وتهمس لهما:
عيب عليكما ذا التكشيرة.. جايين حفلة وإلا عزاء

علياء بحزن: صحيح أخينا حمد واحد ما ينطاق.. وموضي صبرت عليه واجد
وتستاهل كل خير.. وراكان فعلا هو كل الخير
بس.. بس

عالية أكملت بذات النبرة الحزينة: بس هذا ما يمنع إنه احنا نحس بالحزن لأنه احنا عارفين إن حمد رغم شين أطباعه كان يحبها

معالي تضحك بمرارة: يحبها وما يحبكم.. وش استفدتوا يعني؟؟
خلو بنت الناس تشوف نصيبها.. وتشوف لها يوم حلو.. عقب ما طلّع أخيكم عينها
واحمدوا ربكم إنها ماطلعت فضايحه على الناس

علياء باستنكار: يعني أنتي ما تحبين حمد؟؟

معالي بنبرة غامضة خليط من الشوق والغضب والحب: أكيد أحبه
وغصب عني أحبه لأنه في عروقنا يمشي نفس الدم.. وحبي له فطرة
لكن لو جينا للحق.. هو ما يستاهل ولا حتى نتفة حب.. وخصوصا أنه هو نفسه ما يحبنا.. وأكثر من مرة قالها لنا.. وإلا ناسين يعني؟!!



القاهرة
فندق جراند حياة
الساعة العاشرة والنصف مساء
بدء مراسيم حفل زواج باكينام ويوسف
التي لن تطول كثيرا
لأن طائرتهما ستقلع تمام الثالثة بعد منتصف الليل
لذا حقائبهما أرسلت لجناحهما المحجوز في ذات الفندق
حتى يبدلا ملابسهما سريعا ويتوجهان للمطار
هذه التعليمات علمت بها باكينام من والدها
لأنها لم ترَ يوسف
وهاهي الآن تتأبط ذراع والدها وتقف في أعلى السلم
وتعلم أنه ينتظرها هناك في الأسفل
كم بدا بعيدا وقريبا قبل أن تراه حتى!!
وهاهي تنزل على صوت الدفوف فقط.. بعد أن أصررت على منع كافة أشكال الموسيقى في كل فترات الحفل
كانت غاية في التألق في فستان أبيض ثلجي ملكي من تصميم خالد البحيري
الذي هو بالعادة مبالغ في أسعاره
وحتى يوافق على ترك كل ما بيده ويصنع فستانا لعروسا محجبة بمواصفات خاصة
وينجزه خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين..
طلب مبلغا أكثر مبالغة.. لو كان الأمر لبكينام لكانت رفضت
ولكن والدتها ووالدة يوسف كانتا من أصررتا

كانت تنزل وتحاول أن تشغل بالها بالتفكير بعيدا عنه.. عمن ينتظرها في الأسفل ويشغل تفكيرها ويشعل مشاعرها
حتى تفاجأت بيد دافئة تمسك بأناملها المتجمدة ووالدها يسلمها له
وهو سمسك بيدها ليدخلها في ذراعه
وهي ترفع وجهها بوجل لتنظر لوجهه

قمرهم كلهم 10-07-2010 09:29 AM

رد: أسى الهجران
 
فندق جراند حياة
البهو الرئيسي للاحتفالات

كانت بكينام تتأبط ذراع والدها.. تنزل السلم الحلزوني.. وهي وتحاول أن تشغل بالها بالتفكير بعيدا عنه.. عمن ينتظرها في الأسفل ويشعل كل تفكيرها شرارت نار متطايرة

حتى تفاجأت بيد دافئة تمسك بأناملها المتجمدة ووالدها يسلمها له
وهو يمسك يدها ليدخلها في ذراعه
وهي ترفع وجهها بوجل لتنظر لوجهه

كان في نظرها وسيما للغاية في طقمه الرسمي الأسود..
نظراته محايدة غامضة لا تشي مطلقا بما يمور خلف موج العينين البنيتين
عجزت عن قراءة نظراته.. ولكنه قرأ في نظراتها خوف ما.. خوف موجع.. كما بدت له هي موجعة
( حق لكِ أن تخافي.. بل يجب أن تخافي
فما ينتظركِ كثير.. كثير
لأن مافعلته بي من حقارة لم يفعله أحد سواكِ
ولكن أ كان يجب أن تكوني جميلة هكذا؟؟!!
وشفافة هكذا؟؟!! وعذبة لأبعد غايات العذوبة؟؟!!
لا تصعبي مهمتي هكذا
لا تصعبيها
كوني متوحشة وقذرة كما أنتِ
استفزيني حتى أصفعكِ بقذارتكِ التي أنتِ أغرقتي نفسكِ في أوحالها)

شدت ذراعها النحيل على عضلات عضده الصلبة بعفوية شفافة كأنها تحتمي به
كم آلمته حركتها.. وجرحته.. وآذته..
و
هزت قلبه الحاقد عليها
هزته للحظات بعنف كاسح..ولكنه عاد بعده لصف متاريس قسوته

(أعلم أنني مغرورة ومتكبرة ومكابرة وممتلئة بكبرياء قميء
ولكني أحبك
أقسم أني أحبك
يستحيل أن أقولها
ألا تستطيع أن تشعر بها لوحدك؟!
يستحيل أن أبرر لك ذنبا لم أرتكبه
لِـمَ أنت عاجز عن الوثوق بي؟؟
ما الذي فعلته حتى أكون أستحق أن أكون موضع شبهة؟!
لِـمَ كل شيء بيننا معقد وكثيف هكذا؟!!)


مشيا سويا على وقع الدفوف حتى وصلا لمكان جلوسهما
مئات المعازيم وهما لا يشعران بأحد
كل منهما غارق في تفكيره الخاص
وأكثر مايشغلهما إحساس كل منهما المختلف بذراع الآخر

وقت ما مر.. وقت لم يشعرا به
وهما يردان بآلية على مئات التهاني
وجدتا باكينام كانتا من تشعران بسعادة مختلفة وهما تريان حفيدتهما الغالية تُزف لرجل كلتاهما راضيتان عنه تمام الرضى
ولكن ماذا عن رضى الحفيدة نفسها؟!!

بعد فترة اقتربت الوالدتان من العريسين وهمسا لهما
أنهما لابد أن يزفا الآن حتى يستطيعا اللحاق بطائرتهما


الدوحة
البنات أطلن السهرة في بيت عبدالله بن مشعل
توديعا لهيا التي ستقلع طائرتها غدا صباحا
وجميعهن طبعا مطمئنات أن أزواجهن كذلك سيطلن السهرة مع مشعل
وقد تمتد سهرة الشباب حتى يصلون صلاة الفجر معا
لذا أطلن السهرة وخصوصا أنهن سيعدن عبر الأبواب الواصلة بين البيوت بعد فتحها كلها
ولن تضطر واحدة منهن لركوب سيارة

وهاهي مشاعل تدخل بيتها حدود الساعة الواحدة وكانت من أوائل المغادرات..
فور فتحها للباب فوجئت بناصر يجلس على الكنبة ويمدد رجليه ويشاهد قناة رياضية
لم تر مطلقا مكان البتر ولكنها اعتادت على رؤية قدم واحدة فقط


سلمت بهدوء وهي ترفع شيلتها عن رأسها
كانت تريد الدخول لتبديل ملابسها
ولكنها قررت أن تخلع عباءتها أمامه وتجلس معه قليلا بزينتها
فما فائدة كل هذا التزين إن كان لن يراه؟!!

رد عليها السلام وهي تخلع عباءتها وتضعها جانبا وتجلس
همست: آسفة ما ظنيت إنك في البيت أو كان رجعت قبل

ناصر ببرود: وأظني قلت لش قبل.. دامش في بيت عمي براحتش
حتى لو تحبين تقعدين هناك على طول يكون أحسن

وصلتها الاهانة المقصودة حادة كنصل رمح مسنون مغموس بالسم
بدأت بدعك أصابعها لتفريغ توترها وحتى لا تبكي أمامه
كان شعرها ينسدل للأمام وهي تنظر للأسفل في حركة باتت تفتنه حتى النخاع مؤخرا
ولكنه يستحيل أن يعترف بذلك لنفسه حتى... فكيف يعترف لها؟!!

وصلها صوته مشبع بتهكم قاس: تدرين إنش عليش حركات غريبة

مشاعل رفعت رأسها وهمست: نعم؟؟

ناصر بذات النبرة المتهكمة القاسية: أنتي الحين مصبغة وجهش بعشرين ألف لون
ولابسة لبس كنه لبس مهرجين..
وعندش إني يوم بأشوفش مثلا بتجيني سكتة قلبية من حسنش وجمالش!!

مشاعل شهقت بعنف فهو فعلا يتجاوز الليلة كل حد في قسوته عليها.. قفزت للداخل حتى لا يراها وهي تبكي
دون أن تعلم أن كل ما قاله ليس إلا تعبيرا معكوسا عن افتتانه بها.. الافتتان الذي لا يسمح له بالظهور حتى بينه وبين نفسه
منذ رأها تخلع شيلتها ثم عباءتها ومنظرها المثير يسكره حتى الثمالة.. حتى بدأت الحرب العكسية وهو يقنع نفسه أنه نافر منها
ونتيجة النفور لابد أن تكون كلمات قاسية كالتي قالها لها
فهو مازال مقتنعا تمام الاقتناع أنها نافرة منه كما كانت نافرة ليلة زواجهما
حين وئدت أحلامه ولهفته بنفورها منه
وهي تهينه بتوقيفه لساعات أمام الحمام وهو يرجوها ويحلف لها


ولكنه الآن يشعر بألم عميق لأنه يعلم أنه جرحها.. ألا يكفي أن يتجاهلها حتى تمر الفترة التي حددها هو لإنفصالهما؟!!
لِـمَ يجرحها بهذه الطريقة المريعة رغم أنها لم تفعل شيئا تستحق عليه هذا التجريح؟؟
أ لأنها كانت فاتنة وفتنتها كانت فوق احتماله يعاقبها على افتتانه بها؟!!
مشاعره الغريبة مؤخرا أصبحت هجينا غريبا من افتتان موجع ونفور متوحش ناحيتها
وباتت هذه المشاعر تحيره وتمزقه وتعطله عن التفكير المنطقي
كيف ينفر منها كما لو كانت وباء معديا وفي ذات الوقت يُفتن بها حتى آخر نقطة في دمه وخلاياه؟!


مضت أكثر من ساعة هو يشاهد برنامجا لم يفهم منه حرفا.. حينها قرر أن يقوم ليصلي قيامه وينام

دخل كانت نائمة على السرير
توضأ وصلى ثم توجه لجهته المعتادة وتمدد وهو يتمتم بأذكاره
سمع صوتا خافتا.. خافتا جدا.. لم ينتبه في البداية رغم أن الصوت كان مستمرا من قبل دخوله للغرفة
التفتت ناحيتها كان كتفاها يهتزان بخفة غير ملحوظة
ولكنها كافية ليعلم أنها تبكي
يعلم أنها تبكي كثيرا ولكنه لم يرها مطلقا وهي تبكي
جرحه بكاءها.. جرح رجولته التي يعتز بها
(عن أي رجولة أتحدث
وأنا أستمتع بتجريح هذه العاجزة عن مجاتهني!!)

مد يده لكتفها ثم تردد وأعادها وهو يمسك كفه بكفه الآخرى
ثم عاد لمدها وهو يضعها على كتفها ويهمس بحنان تلقائي: مشاعل

لم ترد عليه
ناداها للمرة الثانية: مشاعل قومي كلميني

نهضت وهي تحاول إخفاء وجهها المتورم بالبكاء عنه
همس لها: طالعيني

رفعت وجهها.. لم تحتمل نظرة الحنان في عينيه
لأول مرة بعد عودته ترى هذه النظرة
لم تشعر بنفسها إلا وهي تلقي بنفسها على صدره وتنخرط في بكاء هستيري
ناصر صُدم.. صُدم لأبعد حد..
وهو يشعر كما لو أن قنبلة ما انفجرت في وسط صدره لشدة وطأة المشاعر التي اكتسحته وآلمته لأقصى حد
لم يتحرك هو.. لم يحتضنها.. وظلت يداه ساكنتان لجواره
وهي رأسها يسكن بين عضلات صدره وتحت ذقنه وهي تتعلق بجيبه

شعر بالألم.. بالغرابة.. بالشجن.. وأحد أحلامه الغريبة يتحقق
حلمه القديم أن يستنشق رائحة شعرها الطفولي
وهاهي رائحته العطرة المسكرة تخترق خياشيمه حتى آخر حد
وهو يشعر بنعومته الفائقة تحت ذقنه
كان إحساسا غريبا موجعا ورائعا وعصيا على كل تفسير

لم يغير أي منهما وضعيته لا هي رفعت رأسها عن صدره
ولا هو احتضنها كما قد يُفترض
حين أفرغت مشاعل طاقتها الأولى في البكاء بدأت تشهق وتقول:
حرام عليك ناصر اللي تسويه فيني.. والله أنا ما أستاهل منك كذا
حتى لو أنت ما تبيني.. وتقول إني ضيفة عندك شهر شهرين
الواحد يجرح ضيفته ويهينها بذا الطريقة؟!!
على الأقل راعي مشاعري شوي لين أرجع لبيت هلي

بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشعل وهيا
حدود الساعة 3 بعد منتصف الليل

مشعل يدخل غرفته بهدوء
ليفجع بالمنظر أمامه
كانت تجلس على الأريكة تضم رجليها المثنيتين لصدرها
وشعرها الطويل منسدل حولها
وجهها مختبئ بين ركبتيها
وتبكي

مشعل سارع بالجلوس جوارها وهو يرفع شعرها ويجمعه خلفها ويرفع وجهها ليهمس لها بقلق مرتعب:
حبيبتي ليش تبكين؟؟ حد قايل لش شيء؟؟

هيا أسندت رأسها لصدره ليحتضنها بخفة وهي تهمس بألم من بين بكاءها:
ما أبي أسافر.. أبي أقعد عند هلي

قالت (هلي) بتلقائية عميقة شفافة.. ابتسم مشعل وهو يرى كيف أصبحت منتمية لهم وهمس لها بحنان:
خلاص ماباقي شيء علينا... شهر 7 إن شاء الله خلاص راجعين ومستقرين

هيا بعمق موجع: ياطولها يا مشعل هذي سبع شهور..تونا شهر 1 الحين
قبل كنت أهرب من الدوحة..أهرب من ذكرى سلطان اللي مابقي لي منها شيء.. بس الحين أنا في حضن ريحة سلطان وبين هله
لأول مرة أحس بالأمان كذا.. أحس لي ظهر وأهل يحبوني ويهتمون فيني
مهوب هاين علي جدتي واجد متأثرة من سفري.. تدري حتى فراق عماني وبنات عمي وسلطان الصغير كل شيء يوجعني يوجعني..

مشعل همس لها بعتب وهو يمسح على شعرها: يعني كل الناس مهوب هاينين عليش.. بس مشعل يهون!!
يهون عليش تخلينه بروحه

هيا رفعت رأسها وهي تهمس برعب: حبيبي أشلون تقول كذا؟؟

مشعل بنبرة عتب مقصودة ومدروسة: والله هذا اللي الواحد يفهمه من كلامش

هيا بعذوبة: صحيح هم هلي.. بس أنت شيء ثاني
أنت قلبي اللي ينبض بين ضلوعي.. روحي اللي تردد بين جوانحي

مشعل وقف وهو يقول بنبرة حزن مصطنعة: إيه قصي علي
عقب ما كسرتي خاطري.. جاية تلعبين علي بكلمتين

هيا ابتسمت وهي تمسح دموعها: مشكلتك ما تعرف تمثل
تعال أعطيك كورسات.. ما حد يمثل مثل النسوان

مشعل عاد لها ليوقفها ويبتسم وهو ينظر لعينيها ويهمس بمرح:
ومتى مثلتي علي أنتي؟؟

هيا تضحك: أووووووه.. طول أول أيام زواجنا وأنا أمثل
لين صرت أستحق جائزة الأوسكار

مشعل باستفسار لئيم: مثلتي ويش؟؟؟

هيا ابتسمت وهي تضع كفها على خده:
مثلت إني ما أحبك وأنا بأموت عليك.. مثلت إني ما أهتم لما تكلم أي مره وأنا بأولع من الغيرة
مثلت إني في غرفتي ماني بمهتمة متى ترجع مع أنه أذني على الباب ومستحيل أرتاح لين أتطمن عليك

مشعل تناول كفها من خده ونقلها لشفتيه ليطبع في باطنها قبلة عميق ويهمس:
صدق نصابة.. شهرين نشفتي ريقي على الفاضي

ثم أردف كمن تذكر شيئا: هاه كل شيء جاهز لبكرة؟؟

عاد وجهها ليغيم: يعني لازم تخرب المود الحلو... إيه كل شيء جاهز
شناطي وشناطك كلها جهزتها
باقي بس الهدية اللي اشتريتها لبكينام عشان زواجها
أخاف أحطها في الشناط تنسرق أو يصير لها شيء
بأخليها في شنطة صغيرة في يدي


قبل ذلك بقليل
توقيت آخر وبلد آخر
القاهرة
أحد أجنحة جراند حياة الملكية
يوسف وباكينام كانا يصلان لباب جناحهما معهما والدتيهما

منال همست لهما وهي تتوقف هي وسوازان عند الباب:
احنا ئاعدين في اللوبي تحت نستاكم عشان نوصلكم المطار

وسوزان همست في أذن ابنتها: ستجدين طقما كاملا معلقا في الدولاب
ووضعت لك معه حذاء مناسبا مريحا وأنيقا.. وحقيبة يد متوسطة الحجم حتى تتسع لأغراضك وحقيبة أخرى صغيرة طقم معها للمطار لأدواتك الخاصة
أتمنى أن يعجبك ذوقي

باكينام احتضنت والدتها وهي تقول بتأثر: دائما يعجبني ذوقك..

سوزان تعاود الهمس: هناك رحلات دائمة بين واشنطن ولندن
حاولي أن تزورينا مرة في الشهر لو استطعتي كما كنتي تفعلين

باكينام تبتسم بحزن: سأحاول إن شاء الله

منال همست: هابعت الشيالين دلوئتي يشيلو شنطكم
وسيبوا كل حاجة أنتو مش عاوزينها
أنا هأرجع وأشيل كل حاجة


دخل الاثنان
توتر باكينام يتصاعد للقمة.. فهو لم يحادثها مطلقا خلال المراسيم السابقة
كان كل حديثه مع الناس المهنئين
شعرت أن تجاهله لها مقصود تماما
واستمر تجاهله حتى الآن
تناول ملابسه المعدة للسفر دون أن ينظر لها حتى
ودخل إلى الحمام

باكينام تنهدت وهي تقترب من المرآة وتبدأ بفك دبابيس الحجاب الأبيض الذي يغطي شعرها
كانت الدبابيس كثيرة جدا.. واستغرقت وقتا طويلا وهي تفكها
ولم تنتبه حتى فاجأها صراخه: أنتي فاكرة إنو عندنا اليوم بطولو وأنتي بتتدلعي كده..خلصيني

كان جاهزا بعد أن خلع بدلته الرسمية السوداء وأرتدى بنطلونا من الجينز
وبلوفرا صوفيا خفيفا يبرز من تحته قميص أبيض

باكينام همست بهدوء بدون أن تنظر ناحيته: على فكرة أنا سمعي 6 على 6 ومش طرشاء
تلائي الناس اللي في السويت اللي جنبنا اتفزعوا من صواطك

كانت تفك الدبوس الأخير وتنزل طيات الحجاب الكثيرة حين اقترب منها وأدخل يده في شعرها ليشده بخفة ويهمس في أذنها تماما بنبرة غضب مكتوم:
تعودي لما تكلميني تبصي ناحيتي
أخر مرة أسمح لك تكلميني وانتي مدياني ظهرك

التفتت باكينام ناحيته وهي تنتزع يده من شعرها بحدة مفاجأة لتخرج بعضا من شعيراتها في يده.. كلاهما شعر بالألم
هي بألم فعلي لأن الشعرات المنتزعة بسبب تصرفها الأرعن آلمتها
وهو بألم روحي وهو يرى الخصلات الذهبية تتلوى بين أنامله السمراء

باكينام همست له بحدة: وأنا آخر مرة أسمح لك تمد إيدك عليا بأي طريئة
وربنا لو عدتها.. لأكون خرباها وئاعدة على تلها زي ما بتقول
ولا يهمني الدبلوماسي ولا ابن العمدة ولا أي حد

ثم تجاوزته وهي تفتح الدولاب لتأخذ ملابسها التي أشعرتها بالضيق فعلا
فوالدتها يبدو أنها تريد أن يعلم الكل أنها عروس
كان طقما مكونا من بنطلون وقميص واسع للركبة باللون الأبيض الذي يزينه خطوط ناعمة باللون الفضي مع حجاب وحذاء وطقم حقائب الكل بنفس اللون

لم يعد لدى باكينام وقت للاعتراض أو كان رفضت أن ترتديه
فهذا اليوسف يشعرها أنها ذاهبة لعزاء وليس لبدء حياة زوجية جديدة

توجهت للحمام وأبدلت ملابسها بسرعة
وتركت الفستان معلقا في الحمام لتعود والدتها أو والدة يوسف لأخذه

منظرها العذب الرقيق هز أوتار قلب يوسف بعمق
إنسدال هذه السلاسل الذهبية على الفضاء الأبيض
كان يراقبها وهي تجمع شعرها وتلبس حجابها ..ويشعر بأسى عميق..
لِـم كان يجب أن يحبها كل هذا الحب؟!!
ولِـم تكون هي فقط من تطوع قلبه العصي على الترويض
لتصفعه بعد ذلك بخيانتها له وهي على ذمته
بدون حتى أن تشعر بأي ذنب أو تحاول أن تبرر له أي شيء
كان لديه استعداد شاسع لتصديقها لأنه يريد أن أن يصدقها
ولكنها لا تحتاج للتبرير لأنها خائنة وقلبها مع سواه
فماذا تبرر؟؟ ولماذا؟؟

هكذا كانت أفكار يوسف التي تلتهم أفكاره وتدمي رجولته وهو ينظر لها وهي تتحرك بآلية لتنجز مهمتها التي بدت بغيضة على قلبها
كان واقفا شاردا فيها حتى بعد أن وقفت أمامه وتهمس له
لم يسمع ماذا تقول.. كان محلقا في بحر عينيها.. في التواء شفتيها.. في بريق نظرتها المختلفة التي تصيبه بالجنون

نقرت كتفه بإصبعها برقة وهي تقول بهدوء: يوسف كل ده سرحان
بأئول لك خلصت خلاص
يا الله ننزل

لم يشعر بنفسه إلا وهو يمسك بإصبعها التي تنقر كتفه
أمسك إصبعها بين أنامله بطريقة تملكية
ثم نفض يده بحدة وكأن إصبعها نجاسة ستلوث يده
حركته كانت تلقائية ومقصودة في آن
والمعنى وصل باكينام وجرحها لأقصى حد

ويوسف يحمل جاكيته ويقول لها بهدوء واثق: يالله بينا
ورانا 11 ساعة طيران متواصل


بيت مشعل بن محمد

غرفة مشعل ولطيفة

مشعل يدخل إلى الغرفة .. كانت لطيفة تجلس على التسريحة تخلع ساعتها وخاتمها حين دخل
ابتسم بعدما سلّم وهمس وهو يقترب منها: زين ما بعد بدلتي
أشوف وش لابسة

لطيقة بعذوبة: توني واصلة أصلا..

مشعل باهتمام: وجودي ومريوم توهم ينامون ذا الحين؟؟

لطيفة وهي تخلع سلسلتها وتضعها في العلبة أمامها: لا ناموا من بدري
بس مريوم نامت عند خالتها ريم.. وجودي شلتها وجبتها معي
ترا حتى حمودي وعبودي ناموا عند سلطان

مشعل يبتسم: يعني وزعتي عيالنا الليلة على الجيران.. ثم استفسر باهتمام: وجودي وينها؟؟ خليتيها في غرفتهم بروحها

لطيفة تضحك: طل على السرير وراك

مشعل ألتفت وجود تنام بالعرض على السرير.. ابتسم وهو يقترب منها ويتمدد جوارها ويطبع الكثير من القبلات على يديها الصغيرتين وجبينها

لطيفة تقف وهي تقول بخفوت: بسك مشعل بتصحيها

مشعل يقف ويهمس: واحنا أشلون بنام وبنتش ماخذة السرير لها بروحها

لطيفة برقة: أصلا بأرتب لها مكان على الكنبة اللي تنفتح.. هي ترفس واجد ولازم تنام بروحها

مشعل بخبث: إيه خليها تجرب سرير أبيها اللي كان مطرود عليه كنه فيه جرب

لطيفة تقترب وتقرص خده بوله: إبيها كان يستاهل.. قال يبي يتزوج علي.. اللي ما يستحي

مشعل يهمس بلؤم: أستاهل هاه؟؟ أجل خلاص اللي ما يستحي جايب لش شيء وبيرميه في الزبالة دامه واحد ما يستاهل

لطيفة بترقب: جايب لي شيء؟؟

مشعل يتجه للدولاب ويفتحه ليخرج كيسا وهو يبتسم: هدية الخلاص من الامتحانات

لطيفة تبتسم: زين خلها لين أنجح وأجيب النسبة.. أو حتى خلها أخر السنة

مشعل يمدها بالكيس الفخم لتتناوله منه وهو يحتضن وجهها بين كفيه ويقبلها بعمق: لا... هدية النجاح شيء ثاني
أنت بتروحين معي وتختارينها على كيفش
أما هذي فشيء بسيط والله العظيم مهيب قدر ظفرش عندي
أما هدية آخر السنة فهذي بتكون شيء ثاني ثاني وأنا اللي باختارها لش على ذوقي..

لطيفة تهمس وهي تقبل صدره حيث يصل مستوى رأسها.. ثم تسند رأسها على صدره:
تدري مشعل أنت عمرك ما قصرت علي بالهدايا الغالية
بس ذا الهدية عندي غير.. لأنه الهدية بمضمونها مهوب بقيمتها

ثم أردفت بشجن:
تكفى مشعل ما تتغير علي ولا تجفاني مثل أول
والله العظيم أموت.. أنا قبل عايشة معك وأنا ماجربت نكهة حنانك
بس عقب ما غرقتني بمشاعرك وأرويت عروقي.. من غيرها بأموت من العطش

مشعل يحتضنها بشدة كأنه يريد إدخالها بين ضلوعه وهو يهمس لها بحب مصفى:
لا تجيبين طاري الجفا
ماحد ذاقه مثلي.. ذوقتيني إياه أشكال ألوان
طلعتني مني الأولي والتالي..
بس ما أقول إلا الله لا يحرمني منش بس


بعد ساعات كثيرة
أمام بيت صغير لكن شديد الفخامة والأناقة في منطقة جورج تاون /كولومبيا ديسكرت
قبل المغيب بتوقيت واشنطن

توقفت سيارة أجرة أمام البيت
ترجلت باكينام وهي تنظر بدهشة للبيت.. كثيرا ماعبرت هي وهيا من أمامه
وعبرت عن إعجابها به وبحديقته المنسقة بذوق رفيع
كثيرا مالمحت رجلا عجوزا فيه.. كيف لم تلمح يوسف؟؟
سخرت من نفسها (ربما لو لمحته تلك الأيام لظننته خادما يعمل في البيت!!
لشدة ماسخرت مني يوسف وجعلتني أضحوكة لك
حتى الآن!!
حتى الآن!!)

طوال الرحلة التي استغرقت 14 ساعة.. 11 ساعة طيران متواصل.. وساعتين في مطار القاهرة وساعة في مطار دالاس بواشنطن
لم يتحادثا سوى بعبارات محدودة.. وكل منهما يتجاهل الآخر عمدا

يوسف حمل الحقيبتين الكبيرتين بخفة وهو يعبر سياج الحديقة ثم الحديقة
ليقف أمام باب البيت ويطرق الجرس
لتفتح الباب لهما عجوز مكسيكية بدينة باسمة كادت تحتضن يوسف حين رأته
لولا أنها تذكرت أنه لا يرضى أن تلمسه رغم أنها تعتبره تماما كواحد من أبنائها السبعة المشردين بين أمريكا والمكسيك
همست مرحبة: أهلا جو.. أطلت الغياب هذه المرة.. ولكن بفائدة
ثم أكملت وهي تحتضن كف باكينام:
هذه الجميلة تستحق.. بل هي أقل مما كنت تصف و..

يوسف يقاطعها بشكل مقصود قبل أن تكمل حديثها الذي لا يريدها أن تكمله: ماريا أين سانتياغو ؟؟

باكينام انتبهت.. ومن هي بذكائها لا يفوتها هذا
(يبدو أنه كان يثرثر للعجوز عني
ولكن متى.. قبل عودته للقاهرة؟؟)

ماريا بمودة: ذهب لإحضار بعض مستلزمات العشاء.. فأنا اعد للعريسين وليمة الليلة

يوسف بتحذير: إلى أين ذهب؟؟

ماريا تبتسم: إلى محل حسين.. مابك بني.. نحن نعمل عندك منذ سنين..
ونعلم أنك لا تأكل إلا من محلات المسلمين

ثم ألتفتت ماريا لبكينام وهي تقول باحترام: هل تود صغيرتي تناول شيء معين؟؟

باكينام أخيرا تكلمت وهي تهمس: لا شكرا.. أنا فعلا أود أن أستحم لأصلي ثم أنام فقط

ابتسمت ماريا: لا لن تنامي قبل أن تتعشي.. ولكنتك جميلة تشبه لكنة جو تماما

ابتسمت لها باكينام : هل كل المكسيكيات أسمائهن ماريا؟؟

ضحكت ماريا: ماريا هو الاسم الأول لغالب اللاتينيات.. أنا اسمي ماريا جورجيانا.. ولكن ماريا لوحده أسهل.. والأمريكيون يحبون الأسهل
بإمكانك أن تستحمي.. فأنا بدأت فعلا بإعداد العشاء.. تبقت أشياء قليلة
أنتظر زوجي سانتياغو ليحضرها

كان يوسف واقفا متأملا في الحوار وكيف اندمجت باكينام فورا مع ماريا
(غريبة كيف تنازلت هذه المغرورة للتباسط مع ماريا؟!!!)

باكينام استأذنت: اسمحي لي ماريا.. أين أضع أغراضي لأستحم؟؟

تعمدت سؤالها وتجاهل يوسف

ماريا لم تنتبه أصلا ولكن يوسف انتبه.. وماريا تجيب بعفوية: لا يوجد في الأعلى سوى غرفة واحدة غرفتكما

باكينام تنهدت (أي كابوس أعيشه.. حتى أشاطر هذه المصيبة المسماة يوسف
غرفة واحدة وحماما واحدا)

باكينام تتوجه للدرج.. قبل أن تصعد هتفت ماريا: توقفي
ثم ألتفتت ليوسف: جو أ لن تحملها للأعلى؟؟
مافائدة كل هذه العضلات والتمارين والركض كل يوم إذن؟!!
احملها يا فتى.. كما حملني سانتياغو قبل 29 عاما


صباح اليوم التالي في الدوحة
مطار الدوحة الدولي

مشعل وهيا يصلان المطار عبدالله هو من أوصلهم ومعه سلطان الصغير

سلطان يجلس مع هيا في المقعد الخلفي وبينهما مسافة فاصلة
همس لها بجدية مصطنعة: هيا.. أنتو رايحين الهند وإلا أمريكا؟؟

هيا بصوت مختنق وهي تتناول منديلا آخر من علبة المناديل وتدخله تحت نقابها:
أمريكا.. تستعبط يا سليطين؟؟

سلطان بذات النبرة الجدية المضحكة: تصدقين على كرتون الكلينكس اللي خلصتيه من بيتنا في المعيذر لين المطار
حسبتش تبين تأخذين كورس تدريب قبل تروحين الهند وتطلبين يعطونش الجنسية
وأنا أضمن لش تأخذينها من أول مرة.. خلصتي دموع أكثر من عشر أفلام هندية مع بعض..
يعني علامة جودة هندية أصلية ولا دهن التاتا وهزة الرأس

هيا تضربه على كتفه وهي تهمس بألم : تدري إنك سخيف وأني باشتاق لسخافتك وملاغتك وثقل دمك

سلطان بمرح شفاف: أدري الترجمة بتشتاقين لخفة دمي وحلاوتي ولساني اللي ينقط سكر

تقف السيارة ويتوقف قلب هيا وهي تشعر أنها عاحزة عن التنفس.. تهمس لسلطان بألم عميق شاسع مغمور بالمرارة والشجن:
تكفى سلطان سلّم على جدتي وأمي أم مشعل والبنات كلهم..

سلطان يتجلد وهو يمنع نفسه من إظهار التاثر: ترا حن مهوب في زمن قوافل الأبل.. الناس بالشهور ما تدري عن بعض
أول ما توصلين افتحي الماسنجر وأوريش خشة جدتي على الكام كنش قاعدة معنا

ينزل جميع من في السيارة عبدالله يحتضن ابنه ثم يقبل رأس هيا وهو يهمس لها بثقة أبوية حانية: شوفيني أقول لش قدام مشعل
ترا والله ثم والله لا تمسين ليل وانتي مضيومة من مشعل وما تتصلين فيني تعلميني
يا أنه زعلي عليكم ثنينكم دنيا واخرة

كانت جملته المسمار الاخير في نعش تجلد هيا التي أسندت راسها لصدر عمها وهي تنخرط في بكاء حاد
عمها احتضن رأسها وهو يقول بقلق حقيقي: وش فيش يا أبيش؟؟ مشعل قايل لش شيء؟؟

مشعل اقترب منهما وهو يهمس: هو كل شيء مشعل مشعل.. والله ماقلت لها شيء
وتراكم فضحتونا العالم يتفكرون فيكم

هيا رفعت رأسها وهي تهمس: جعلني ما أبكيك يبه..مشعل والله مايقصر..بس تذكرت إبي.. ومشتاقة لكم.. وكل شيء جاء مع الثاني

همس لها عبدالله بشجن: تعيشين وتذكرينه بالخير
الله الله في نفسش وفي رجالش وأي شيء يقصركم وإلا تبغونه كلموني

مشعل نادى الحمالين الذين تناولوا الحقائب ودخل مع هيا لداخل المطار
بينما غادر عبدالله وابنه سلطان الصغير المطار عائدين للبيت لوحدهما

بيت يوسف/ واشنطن

باكينام تتوجه للدرج.. قبل أن تصعد هتفت ماريا: توقفي
ثم ألتفتت ليوسف: جو أ لن تحملها للأعلى؟؟
مافائدة كل هذه العضلات والتمارين والركض كل يوم إذن؟!!
احملها يا فتى.. كما حملني سانتياغو قبل 29 عاما

يوسف يتجاوز باكينام صاعدا للأعلى وهو يقول بنبرة خاصة: هذه الفتاة تحمل من الأثقال الكثير
الكثير ماريا.. أثقال تكفي لهدم جبال.. فكيف بمن هو مثلي؟!!

ماريا هزت كتفيها بحرج وهي لم تفهم مقصده.. بينما باكينام فهمته تماما
وهزت هي كتفيها عدم اهتمام.. فهي مرهقة جدا وغير مستعدة لأي ملاسنة أو نقاش
صعدت خلفه..

كانت غرفة واسعة على الطراز الأمريكي الخالي من الدولايب
الدولاب (الكلوزيت) هو غرفة صغيرة معدة بأرفف وعلاقات بمختلف الأشكال
والغرفة عبارة عن سرير ضخم.. وتسريحة ضخمة.. وأريكة واحدة
وحمام شاسع.. وفقط

كانت الغرفة دافئة رغم برودة الجو الصقيعية في الخارج
والجو يغري بالنوم.. ولكن باكينام قاومت هذه الرغبة حتى لا تحبط العجوز التي تعد العشاء في الأسفل
رغم أن آخر ما تفكر به هو الجلوس مع يوسف على طاولة واحدة كزوجين طبيعيين بينما هما أبعد ما يكون عن مصطلح الطبيعية ومضمونها

كان يوسف يجلس على الأريكة ويخلع حذائه حين همست باكينام ببرود:
ممكن تجيب لي شنطتي.. أو أنزل أسحبها؟؟

لم يرد عليها وهو ينزل حافيا ليحضر حقيبتها ويضعها أمامها بخفة ويقول لها ببرود:
أنا هاستحمى على بال ما تطلعي لك غيار
والعشاء هيكون بعد صلاة العشاء


الدوحة بعد صلاة العصر

راكان خارج من المسجد ويركب سيارته ليتوجه لتدريب الرماية
يرن هاتفه.. يرى الاسم ويبتسم:
هلا والله بأبو عبدالله
أكيد توك واصل لندن ذا الحين

مشعل باستعجال: راكان اسمعني عدل
أبيك الحين فورا تحجز لك أنت وموضي وتجون لندن على طيارة الليلة

راكان بصدمة: نعم؟؟

مشعل بهدوء رغم قلقه: اسمعني عدل
أنا انمسكت في مطار هيثرو وهيا الحين في استراحة المطار
أنا قلت لها ما تطلع من المطار مكان.. أبيكم تجون عشانها
أنا حالتي حالة.. أحاتيها هي وبس..
أدري عندك فيزة مفتوحة من الديوان تجددها السفارة البريطانية سنويا
وتقدر تسافر فورا

راكان بصدمة أكبر: انمسكت ليه؟؟.. عشان الموضوع التافه اللي قبل سنين؟؟
تماسك وهو يكمل: وبعدين موضي ما تبي لها فيزة؟؟ والفيزة تبي لها كم يوم
وتو حن متملكين البارحة مايصير أسحبها معي اليوم
أنا باجيك بروحي.. ومرتك بنوديها لبيت السفير لا تحاتيها

مشعل باستعجال حازم: موضي عندها فيزة لبريطانيا من الصيف اللي فات.. أنا سويتها لها
كان المفروض تسافر مع أمي بس ما قدرت
والفيزة كان مدتها سنة ولسفرة وحدة.. وهي مابعد استخدمتها
تكفى راكان لا تعقدها
موضي مرتك وأنا في ظرف طارئ.. لا تسويها سالفة
الليلة تكونون عندي
هيا انهارت يوم شافتهم امسكوني..وأنا على أعصابي عشانها
أبي موضي تجي عندها تهديها.. ولو سالفتي بتطول أبيكم ترجعونها معكم للدوحة

راكان بحزم: تم يابو عبدالله.. موضي عندها خبر؟؟

مشعل وهو يستعد لإغلاق هاتفه: أنا كلمتها قبل أكلمك
وبتلاقيها جاهزة تنتظرك

قمرهم كلهم 10-07-2010 09:43 AM

رد: أسى الهجران
 
سيارة راكان
الحوار الصادم الدائر بين راكان ومشعل

مشعل باستعجال: اسمعني راكان
مابي أي حد يدري بشيء
لا تروعهم على غير سنع
ترا حتى موضي ما تدري.. قلت لها هيا تعبانة وأني احتست فيها وأبيها تجي
لما تصير معك في الطيارة بلغها

راكان بنخوة: خلاص يا ابن الحلال تم
خلني الحين أشوف حجز مستعجل


بعد صلاة العصر بقليل
بيت عبدالله بن مشعل

لطيفة تدخل غرفة موضي وهي مقطوعة الأنفاس تدخل لتلقي بنفسها على السرير وتهمس بصوت مبهور الأنفاس:
وش فيش روعتيني؟؟ هذا أنتي طيبة.. وش صاير عشان تقولين لي خلي كل اللي في يدش وتعالي الحين الحين

موضي التي كانت تنقل بعض ملابس دون تفكير لحقيبة صغيرة همست بنبرة غير محددة الملامح: بأسافر لندن الليلة مع راكان
مشعل يقول هيا تعبت عليه.. ويبيني أجي وبيقول لراكان يجيبني
لأنه راكان عنده فيزة مفتوحة.. وأنا عندي فيزة مابعد استخدمتها

لطيفة برعب: وش فيها هيا؟؟

موضي بنبرة ميتة فعلا: مشعل طمني يقول إنها إن شاء الله بخير
بس هو خايف عليها شوي

لطيفة بارتياح: الحمدلله
ثم أردفت بنبرة اهتمام: زين يوم إنها طيبة.. ليش أنتي كنه مات لش حد؟؟

موضي بذات النبرة الخالية من الحياة: لطيفة أنتي سامعتني أو لا؟؟
أقول لش بأروح مع راكان

لطيفة ابتسمت: زين وش فيها؟؟ تكونين رايحة مع ولد الجيران تمشية
رايحة مع رجالش عشان أخيش طلبش.. وش فيها؟؟

موضي بدأت نبرتها تتغير وتهتز: أخر ماعندي أبرد ماعندش
تستعبطين أنتي؟؟

لطيفة تنهدت: ياقلبي يا موضي.. أنتي الحين وش اللي مضايقش؟؟
راكان على ضمانتي إنه ما يضايقش بأي شيء

موضي تبحث لها عن حجة: والناس وش بيقولون علي؟؟ تملكت أمس وسافرت معه اليوم

لطيفة بهدوء: ماحد بقايل شيء.. واللي بيقول يضرب رأسه في الطوفة.. واللي عنده ريال يقطعه..
دامش ماسويتي شيء غلط ولا حرام ولا منقود.. ماعليش من حد
ويالله خليني أساعدش ...أشوف وش خذتي في شنطتش؟؟

وهما في حوارهما رن هاتف موضي.. كان فارس..
موضي بتوتر: هلا فارس

فارس باستعجال: موضي أنا في مكتب السفريات.. راكان طلع لكم حجز بعد حوالي 3 ساعات.. وأنا جاي أخذ التذاكر.. اجهزي بسرعة
أنا اللي بأوديكم للمطار.. نص ساعة بالكثير أبيش واقفة بعباتش

موضي شعرت كما لو كانت ضُربت على رأسها بصاعقة: نص ساعة؟؟

فارس يغلق هاتفه وهو يقول باستعجال: خلصيني

موضي انهارت جالسة على السرير وهي تضع هاتفها بجانبها وتقول كأنها تحادث نفسها: فارس يقول نصف ساعة ونروح المطار

لطيفة باستعجال وهي تزيحها: أنا بأكمل ترتيب شنطتش
وأنتي طلعي عباتش وشوفي أغراضش الخاصة اللي تبينها
وكلمي مشاعل تجي تشوفش لا تسوي مناحة إذا درت إنش رحتي ما شافتش

موضي بتوتر: كنت أبي أتسبح

لطيفة تمسك بشعر موضي المبلول جزئيا وتقول باستغراب: شكلش توش سابحة

موضي بتوتر: كنت توني طالعة من الحمام وأبخر شعري يوم كلمني مشعل

لطيفة باستغراب: زين ليش تبين تسبحين مرة ثانية؟؟

موضي وهي تدور مرتبكة: أخاف حد يشم ريحة البخور بشعري

ضحكت لطيفة: تدرين إنش عبيطة.. دام إنش ما بخرتي ملابسش ولا تعطرتي ماحد بشام ريحة عطر فيش إلا حد يحط خشمه في رأسش دايركت
ثم أكملت وهي تغمز لها وتخبرها بالسبب الحقيقي لتوترها: راكان مثلا!!


بيت ناصر
ناصر يدخل بعد صلاة العصر

كانت مشاعل تقرأ في مصحفها وهو يفتح الدولايب يبحث عن شيء لم يجده
طال الوقت وهو يبحث ولم يسأل مشاعل رغم أنها أنهت وردها وأغلقت مصحفها وكانت تنظر له

بينما هو كان يتجنب فعليا أن يسألها.. أصبح يكره مؤخرا إحساسه الدائم إنه في حاجتها.. فهي أصبحت تحكم قبضتها الحريرية على كل شيء
هي من تخرج له ملابسه.. تجهز له كل شيء.. تحضر الشيء قبل أن يطلبه
يشتهي شايا يجده أمامه.. يشتهي تناول شيئا حلوا يجده أمامه
يشعر بالبرد وهو يشاهد التلفاز يجدها تحضر له غطاء
وأصبح بالفعل يستغرب قدرتها الغريبة في استشفاف رغباته وحاجاته دون كلام

كان منحنيا قليلا حين اقتربت منه وهمست بالقرب منه: ناصر وش تدور؟؟
رفع رأسه بشكل حاد ومفاجئ ليضرب رأسه في ذقنها وتسقط هي بشكل عنيف للوراء وتصدر عنها أنة ألم خافتة

ناصر بقلق لم يظهر في صوته وهو يمد لها يده اليمين ويرخي ثقله على قدمه السليمة ويشدد احتضان يساره للعكاز: أنتي بخير؟؟

مشاعل تبتسم وهي تمسك بيده لتنهض: بخير مافيني شيء

رفعها عن الأرض بخفة وهو يشدها إليه.. ثم أراد أن يفلت يدها ولكنها لم تترك يده وهي تحتضنها بيديها الاثنتين

ناصر بهدوء: مشاعل فكي يدي.. هذا أنتي واقفة ومافيش إلا العافية

مشاعل لم ترد عليه وهي تنظر ليده السمراء الكبيرة القابعة بين يديها الصغيرتين الشفافتين
أحنت رأسها وطبعت على ظاهر كفه بالقرب من إبهامه قبلة عميقة شديدة الرقة
ناصر صُعق تماما.. شعر أن مشاعره نُسفت.. وبقلبه أعاصير هوجاء وشفتاها العذبتان تعانقان بشرة يده بحنو
رفعت رأسها لتلتقي عينيهما.. مازال ناصر غير قادر على الاستيعاب ورأسه يدور من تأثير قبلتها الكاسح على دغدغة مشاعره
بدت له قبلتها طويلة جدا وقصيرة جدا.. والحقيقية الفعلية التي ينكرها هو أنه تمنى ألا تنتهي هذه القبلة أبدا.. إحساسه بقربها اللاسع مدمر ورائع ومليء بالعنفوان

ولكن ردة فعله كانت أنه نفض يده من يديها وهو يبتعد ويهمس بقسوة:
أعتقد أني قلت لش قبل الحركات البايخة هذي مالها داعي

شعرت مشاعل بالألم... بالكثير منه.. الألم الشعور الذي اعتادته حتى أصبح مرافقا لها
لا تعرف يقينا ما الذي دفعها لتقبيل يده رغم أنها تعلم أن ردة فعله ستكون قاسية
شعرت أن مشاعرها تضغط عليها بعنف
(كيف بدأ يستولي على مشاعري بهذه الطريقة؟!!
هل أحبه؟!!
أحببته؟!!
ما أعلمه هو أنه يتغلغل في روحي بطريقة تملكية موجعة)

مشاعل صمتت وهي تتراجع لتجلس وناصر يكمل بحثه
أخيرا قال لها بهدوء مستفز: فيه ملف فيه أوراق للشغل ما أدري وينه

مشاعل نهضت وتوجهت لدولاب صغير في طرف الصالة مدت يدها فوقه وأعطته المفتاح وهمست: كل أوراق شغلك رتبتها هنا وسكرت عليها

ناصر بغضب: وأنتي من اللي سمح لش ترتبين أوراقي؟!!
وش ذا اللقافة اللي عندش
يعني إلا تدخلين نفسش في كل شيء حتى شغلي..
صرتي تدخلين في لبسي وأكلي قلت ماعليه.. ومشيتها لش..
بس لين شغلي وبس.. سامعتني

مشاعل بقيت واقفة كتمثال محنط حتى أنهى سيل غضبه غير المبرر عليها
وهكذا أصبح!! مجرد سيل كاسح من قسوة غير مبررة يحاول بها طمر مشاعره ناحيتها
كلما شعر أن افتتنانه بها يزيد كلما زاد في قسوته عليها
وكأنه بهذه القسوة يحمي نفسه من تسلطها على روحه ومشاعره

حينما انتهى من الصراخ وفتح الدولاب
توجهت لغرفتها وتمددت وتغطت
كانت تود أن تهرب من أمامه منذ بدأت طلقاته الكلامية في التدافع
ولكنها شعرت أن في هذا إهانة له واستخفاف به.. لذا ظلت واقفة أمامه تتلقى بصمت سيل كلماته الموجع حتى انتهى..
ثم غادرت لتسمح لقلبها المجروح أن ينزف

ناصر فتح الدولاب تفاجأ فعلا بدقة تنظيم كل شيء
لو بقي لعشر سنوات يرتب أوراقه لما نجح في ترتيبها بهذه الطريقة
شعر بالألم من أجلها وبالكراهية لنفسه
لم يكن يوما قاسيا هكذا
ولكن ماذا يفعل؟؟
القسوة أصبحت سلاحه الوحيد أمام قدرتها الغريبة على التسلل لما تحت جلده
كان غارقا في تفكيره وهو يقلب الأوراق التي أشغلته مشاعل عنها

رن هاتفان معا.. هاتفه وهاتفها
هو راكان
وهي موضي

هي خرجت من الغرفة.. وهو دخل

همست وهي تخفي وجهها عنه: بأروح لهلي.. موضي بتسافر الحين

ناصر باستعجال: وأنا بأروح للمجلس أشوف راكان قبل يسافر


واشنطن/ بيت يوسف
قبل صلاة الفجر

البارحة تعشيا معا بصمت.. تجنبا تبادل الحديث
فكلاهما مرهق بشدة وليسا بحاجة لفتح أي موضوعات قد تؤدي لنقاش حاد كلاهما في غنى عنه
وخصوصا أن أي حوار بينهما أصبح ينذر بمعركة وشيكة

حين أنهت العشاء غادرته وهو بقي في مكتبه في الأسفل يراجع أطروحته ليعيد تواصله معها وخصوصا أنه في مرحلته الأخيرة منها

باكينام صعدت
تنهدت بعمق وهي تنظر لنفسها في المرآة
كانت تبدو مرهقة فعلا ولكن غاية في العذوبة في فستان كاجوال بلون السماء
ارتدته بعد أن تحممت وصلت
(لم يكن هناك أي داع أن ألبس له أي شيء خاص
فهو لم ينظر لي مطلقا
أشك إن كان حتى لاحظ مالبست)

ولكن مالم تعلمه أنه نظر.. بل تفحص ..ومنظرها العذب الرقيق يحز في روحه المعذبة
ولم يكن تحججه بمراجعة الأطروحة سوى وسيلة للهروب منها وتأثره برقتها وحضورها الكاسح الموجع لمشاعره
كان يراقبها بشجن عميق وألم أعمق..وهي سارحة تقلب طعامها بشوكتها دون أن تتناول منه سوى أقل القليل
وفي عينيها يستوطن حزن شاسع..

ثم نهضت وغادرت وعيناه تشيعانها بوجع
ارتدت بيجامتها.. صلت ثم نامت فورا من شدة تعبها ودون أن تفكر بأي شيء

في منتصف الليل صحت من نومها على لفح أنفاس دافئة على وجهها وأنامل تلف خصلات شعرها في حلقات لولبية وتمسح أطراف وجهها

فتحت عيناها.. كان وجهه قريبا.. قريبا جدا منها

همست بضعف: يوسف سيب شعري

همس في أذنها بعمق وخفوت: اشششش



وهاهي الآن قبل صلاة الفجر تنتظره بعد أن خرج من البيت قبل أكثر من ساعتين بعد أن قضى ساعة كاملة وهو يستحم
تشعر بألم عميق.. عميق.. عميق
لا يمكن أن يكون لهذا الألم الذي تشعر به حدود أو مسافات
موجوعة وتشعر بإهانة مرة
أشعرها أنها رخيصة.. قذرة.. نجسة
مصطلحات جارحة لم تخطر بأسوأ أحلامها يوما

( أ لهذه الدرجة يراني قذرة؟!!
يستحم لساعة ثم يهرب من أمامي
ماذا فعلت حتى أستحق منه هذا المعاملة
يفكر الفكرة ثم يصدقها
أنا لست مجبرة أن أبرر له ذنبا لم أرتكبه
أنا لم أخطئ بشيء.. ولن أعتذر عن خطأ لم أفعله
ولكني متعبة من هذا الوضع
أنا أحبه فعلا بل أعشقه..لماذا كل ما بيننا معقد هكذا؟؟)

أذن الفجر وهو لم يعد بعد
صلت صلاتها ثم قررت أن تنزل لتنتظره في الأسفل

يوسف بعد أن صلى الفجر.. كان مرهقا فعلا ويريد أن ينام
لذا عاد للبيت.. كان يتوقع أنها قد تكون عادت للنوم لذا تفاجئ بوجودها جالسة على مقعد مقابل للباب

همس وهو يتجاوزها صاعدا للأعلى: تصبحي على خير

باكينام همست بحزن عميق: يوسف.. أعتقد أنو لازم نتكلم شويه

عاد وجلس على كرسي قريب منها وهو يشبك كفيه أمامه: نعم؟؟

باكينام بألم: أنت عندك شك أنك أول راجل يلمسني؟؟

يوسف يهز رأسه نفيا بثقة: لا طبعا..

باكينام بنفس النبرة النازفة ألما: أمال بتعمل كده ليه..؟؟

يوسف بنبرة عميقة وهو يسند ظهره للخلف: العزرية فكرة أعمق بكتير من مجرد حدود الجسد
أنا تأكدت إني أول راجل يكون جسمك ليه.. لكن هل أنا أول راجل يكون ئلبك ليه؟؟
تعرفي باكي.. أنا كان ممكن أسامح أي حب ليكي ئبل ما نتجوز
مع أنو فكرة إن مشاعرك تكون لأي راجل حتى ئبل ما أعرفك بتدبحني..لكن كان عندي استعداد أسامح..
لكن إنك تستمري تحبي حد بعد ما بئيتي مراتي..دا اللي مستحيل أسامحك عليه


صمت يوسف.. انتظر منها ردا.. ردا ما ينفي كل شكوكه..
كم هو مستنزف من الألم..مستنزف
يحتاج إليها أن تخبره أن كل ما برأسه هو محض شكوك لا أساس لها من الصحة
وأنها مثلما كانت له جسدا.. هي له روحا وتفكيرا وقلبا
يحبها
يحبها
اليوم هو في غاية اليقين أنه سيبقى يحبها حتى آخر نفس يتردد في روحه
ولكنه يريدها له كاملة غير مجزأة
يريدها له وحده جسدا وروحا

مستقبله وتفكيره وحياته تتعلق كلها على كلمة واحدة من بين شفتيها
ولكنها صمتت
صمتت
أسوأ أنواع الصمت وأبشعها
صمت يدينها في نظره
صمت يحرث قلبه بمناجل الغيرة والغضب واليأس والألم

باكينام وقفت بهدوء بارد وتجاوزته بهدوء أبرد
لتترك سكونا صقيعيا يغرق ساحة المعركة المنتهية خلفها
والصقيع يتسلل إلى القلبين ليلفهما بدثاره المتجمتد

(لن أريحك..
عش بشكك مادمت قد أرتضيت أن تفكر بي هذا التفكير
حتى بعدما منحتك جسدي ومعه روحي
يا لا غبائك..
يا لا غبائك!!
هل تفكر أني سأمنحك جسدي قبل أن أمنحك قلبي
أو ربما فكرت أني منحته لك تعويضا عن قلب لم تناله
غبي .. غبي!!)

غادرته.. لتتركه وجرح قلبه يتعمق ويتعمق ويتعمق طوليا وعرضيا وفي كل الاتجاهات
قلبه ممزق
ممزق تماما
تــمــامــا

بيت عبدالله بن مشعل
الأصيل
بعد صلاة العصر بساعة

سيارة فارس تدخل لداخل السور وراكان يجلس إلى جواره

موضي في صالة البيت الرئيسية
تسلم على عائلتها المتواجدة بكاملها بدءا من جدتها ووالدها
حتى ريم وأبناء لطيفة

والدها وهو يحتضنها همس في أذنها: لا تحاتين شيء يا أبيش
أنا بكرة بأقدم لي على فيزه وبألحقش أول ما تخلص

موضي وضعت كفها على خده وهي تقبل خده الآخر وتهمس له بحب عميق ممزوج بالاحترام:
مافيه داعي فديتك تتعب روحك.. السالفة كلها يومين ونرجع

جدتها همست بقلق: تكفين يأمش خلي هيا تكلمني أول ماتوصلين

لطيفة احتضنت كتف جدتها وقبلت رأسها وهي تقول لها بخفوت:
تلاقينها حامل يمه.. وولد ولدش احتاس ما عرف وش اللي فيها

عينا هيا الكبيرة التمعت بفرح وهي تهمس للطيفة: ظنش كذا يا لطوف؟؟

لطيفة بتأكيد كاذب حتى تطمئن جدتها القلقة: ظني وأبو ظني بعد

موضي تقبل والدتها وتهمس لها: يمه لا تنسين
ترا قطرة جدتي ماعاد باقي فيها إلا شوي يالله تكفيها لبكرة
أرسلي حد يجيب لها..

والدتها تحتضنها بعمق: لا تحاتين مشاعل منتبهة من البارحة وتقول بتروح تجيب لها بنفسها

موضي تتأكد من إرخاء عباءتها وشيلتها وأن لا شيء يظهر منها
تتنهد بعمق وتوجس وقلق وعشرات المشاعر المتضاربة تتقاذفها كريشة في خضم عاصفة هوجاء
لتخرج مع والدها وشقيقها سلطان للسيارة التي تنتظرها خارجا
وسلطان يسحب حقيبتها الصغيرة خلفه بعد أن أقسم ألا يحملها أحد سواه


قمرهم كلهم 10-07-2010 10:17 AM

رد: أسى الهجران
 
لندن
مكتب التحقيق التابع للشرطة البريطانية (اسكوتلانديارد) في مطار هيثرو

رجل شرطة انجليزي يقترب من مشعل بأغلال ليقيد يديه استعدادا لنقله لمكتب التحقيق الرئيسي

مشعل يرفع يديه بحدة ويبعدها عن الشرطي وهو يهمس بغضب:
لن أسمح لكم بتقييدي كأني محكوم في جريمة
أنتم تتجاوزون كل الأعراف المعروفة

تراجع الشرطي الانجليزي للخلف..
فرغم تراجع شهرة مرونة الشرطة البريطانية التي عُرفت به وخوفهم من التورط في أي مخالفة دستورية
إلا أن الوضع مازال متحكما في فكر بعض أفرادها كما غُرس فيهم
فالشرطة البريطانية عُرفت أنها الأكثر مرونة بل وخوفا بين كل قوات شرطة العالم
فقبل عدة سنوات لا تستغرب أن ترى رجل شرطة بريطاني يُضرب في الشارع دون أن يدافع عن نفسه
لأنه يخشى أن يصيب المهاجم بأي إصابة فيرفع عليه دعوى.. والقاضي سيحكم فورا ضد الشرطي

ولكن بعد موضة مكافحة الإرهاب التي شاعت في العالم أصبحت الشرطة البريطانية أكثر تحكما وقسوة
ولكن وضعهم بالتأكيد أفضل بألاف المرات من كثير من قوات الشرطة في دول كثيرة

رئيس التحقيق نهض واقترب من مشعل وهو يهمس بهدوء: مابك سيدي؟؟
لا بد من تصفيدك بالأغلال حتى تتم عملية النقل

مشعل بغضب: وأنا لن أسمح لكم بتصفيدي فأنا لست مجرما
ولم أعرف بعد ما تهمتي
كما أنكم لم تسمحوا لي بإحضار محامي
أي عدالة هذه؟؟

رئيس التحقيق بهدوء مهني: سيد مشعل نحن مجرد مكتب مؤقت ولسنا مخولين بإعطائك أي تفاصيل
اسمك موجود على اللائحة السوداء ولا أعلم ماهي تهمتك تحديدا
لابد أن تتوجه لمكتبنا الرئيسي وتستطيع أن تهاتف محاميك ليقابلك هناك

مشعل بثقة: لا بأس.. ولكن لن أسمح لأحد بتقييد يديّ..

رئيس التحقيق: لا بأس.. سأتجاوز عن الأصفاد
ثم يشير لرجلي شرطة ليحيطا به ويقوداه للخارج
كان مشعل يتمنى أن أن يهاتف هيا ليبلغها أنهم سيقتادونه خارج المطار
ولكنه بعد مكالمته مع موضي وراكان أخذوا جهازه المحمول
ومتعلقاته الشخصية كلها.. حتى حزامه وقلمه وحذاءه
لذا قرر أن ينتظر حتى يصل مركز التحقيق ويتصل بالسفارة وبالمحامي
وحينها يستطيع مهاتفتها وطمأنتها من المركز
رغم أنه يعاني قلقا كاسحا عليها
فهي كانت متوترة جدا من توقفهم في لندن
وظهر أن لتوترها وخوفها سببا فعليا
وخصوصا أنها تشعر أن الذنب ذنبها لأن التوقف كان من أجل إكمال نقص في أوراقها هي من تسببت فيه
لذا انهارت في بكاء هستيري وهم يمسكون به ويبعدونه عنها
الأمر الذي أصاب مشعل بالجنون قلقا عليها



**************************



الدوحة
سيارة فارس المتوجهة للمطار

منذ ركوب موضي والصمت يعم السيارة المنطلقة بسرعة
عدا حوار متقطع بين راكان وفارس
موضي جلست خلف فارس وكأنها تحاول بدون أن تقصد أن تبتعد عن راكان قدر ما تستطيع
ولكن موقعها أتاح لها رؤيته بشكل أوضح وهي ترى صفحة خده
إنها المرة الأولى التي تراه من هذا القرب الشديد.. مجرد سنتيمترات بينهما

شعرت بألم مر يجتاح روحها المهزوزة
وهي تراه في جلسته الواثقة التي ألتهمت المقعد في استرخائه الفخم عليه..
كان يسند كوعه اليسار إلى المسند بينه وبين فارس.. ترى بوضوح ساعته الفاخرة
كفه الكبيرة بعروقها البارزة الدالة على قوة يديه التي اعتادت معالجة الأسلحة ومعانقة بيادق الشطرنج.. ولكنها ماعرفت يوما معانقة أنامل إمراة ما!!

تراه أسطورة كما كانت تراه طوال سنين مراهقتها
فكه المرتفع وشفتاه المزمومتان بقوة
العارض المحدد بأناقة في خده الأسمر
وسامته المختلفة عن أي رجل في نظرها.. عامرة بعبق رجولة صميمي موجع
حضوره المتألق الواثق الذي يوحي بسيطرته المتحكمة بشفافية غير متسلطة على ماحوله

كل هذا أورثها إحساسا متعاظما بالمرارة والندم على تهورها في تلك الليلة المشؤومة حين طلبت منه أن يتزوجها
شعرت أنها باهتة بجواره.. باهتة للغاية.. وضئيلة للغاية
شعرت كما لو أنهما يمثلان ثنائية الجبل وحبة الرمل
هو الجبل وهي حبة الرمل
من سيرى حبة الرملة بجوار الجبل؟!
وكيف ينحني الجبل ليصل لمستوى حبة الرمل؟!!

فعليا وحقيقة موضي لها ألق خاص جدا.. قد لا تكون بجمال لطيفة أو حتى مشاعل ذات الجمال الهادئ..
ولكن موضي كانت مليحة جدا
لها جاذبية مثيرة والعين لا تمل من النظر إليها
وشخصيتها وحديثها مختلفان ممتعان وعميقان

ولكن حمد وحياتها معه حطمت كل ثقتها الأنثوية بنفسها أمام أي رجل
فكيف أمام راكان الذي كانت تراه هي بالذات رجلا أسطوريا مختلفا؟!!

حمد مارس عليها خلال أربع سنوات أبشع صنوف القهر والإذلال والمهانة بل والتحقير
كلما شعر هو بالنقص.. حرص على أن يشعرها بنقص أكبر حتى يضمن أن تبقى أسيرته.. وحتى يبقى منتشيا برجولته المريضة


وصلا للمطار وهي غارقة في أفكارها المرة المثقلة بالألم

نزل فارس لينادي حمالا
حينها ألتفت راكان لموضي وهمس بصوته العميق: موضي

موضي انتفضت بعنف وهي تسمع صوته يخاطبها بشكل مباشر للمرة الأولى رفعت عينيها له بخجل وهي تهمس بتلقائية: لبيه

شعرت كما لو أن ماسا كهربائيا صاعقا شطرها نصفين وعيناها تتعلق بعينيه وأسر نظرته المختلفة

راكان من ناحيته لم يكن يشعر بأي شعور خاص..
محرج قليلا من سفرها معه..
ولكن إحساسه بها لا يختلف عن إحساسه بالعنود أو مريم
مجرد أخت ربما
أضطرتهما الظروف للسفر معا
وسيتعامل معها على هذا الأساس


همس لها بهدوء: لبيتي في مكة (داخليا تأثر من ردها التلقائي عليه "لبيه")
ثم أردف: يا الله انزلي

نزلا كلاهما
هو بثقة.. وهي بتوتر مرتعب
وفارس كان قد أنزل حقيبتيهما ويقف مع الحمال
توجها للداخل وفارس ودعهما
همس في أذن موضي: ترا راكان ما يعض شكلش رايحة عزا

لطالما كانت علاقتها بفارس استثنائية همست في أذنه برجاء عميق: خلك معي شوي

فارس يبتسم ويهمس في أذنها: سيارتي واقفة في الممنوع.. يعني بتفيدش ذا الخمس دقايق
يالله مع السلامة وسلمي على مشعل

موضي وقفت بتوتر وراكان همس لها بهدوء: موضي تعالي

كانت تمشي بعيدا عنه قليلا

راكان تراجع وهو يهمس لها بثقة حانية: موضي لو سمحتي خليش جنبي إلا لو تبيني أمسك يدش كنش بزر

موضي أدخلت كفيها في كمي عباءتها رعبا أن يفعلها وهي تهمس: خلاص خلاص جنبك

أنجزا معاملتيهما ودخلا لداخل المطار انتظارا لإقلاع الطائرة المتبقي عليه حوالي ساعة وربع

توجها لقاعة انتظار الدرجة الأولى وهي تمشي بجواره وتتمنى لو كان بينهما كل مسافات الأرض وبحورها وجبالها وسهولها..
جلسا.. موضي جلست مقابلا له في أحد زوايا الصالة الشاسعة وبينهما طاولة زجاجية صغيرة
وهي تتحاشى رفع عينيها إليه
همس لها: تبين تشربين شيء؟؟

موضي هزت رأسها بلا..

راكان وقف وهو يقول بهدوء: أنا بأروح أتوضأ باقي على صلاة المغرب شوي..
تبين توضين؟؟؟

هزت رأسها بلا.. وهمست بخفوت والكلمة تخرج متحشرجة كما لو كانت تكاد تختنق بها: متوضية

حين عاد راكان كان يجلس خلفه ومقابلا لموضي شابان جاءا وراكان غائب في الحمام
كانت موضي غير منتبهة لشيء لأنها لم ترفع رأسها أساسا لشدة توترها وخجلها من الموقف الذي وضعت فيه
لم يخطر لها ما حدث ويحدث ولا حتى في أسوأ كوابيسها

راكان جلس ثم همس لها بثقة: موضي تعالي اجلسي على الكرسي اللي جنبي

موضي بتوتر: نعم؟؟

راكان بذات النبرة الواثقة الهادئة: أقول تعالي على الكرسي اللي جنبي

موضي حين رفعت رأسها ورأت الشابين المقابلين لها عرفت سبب طلبه
رغم توترها قامت تنفيذا لطلبه وجلست جواره

راكان طلب هذا الطلب بتلقائية..فلو كانت أخته سيطلب منها ذات الطلب

ولكن موضي توترت (يعني أنا حد بيطالعني.. أنا حتى مهوب مبين مني شيء
حتى الشيلة منزلتها على النقاب
وش عنده ذا؟؟
يتمسخر علي يعني
وإلا يبي يحرجني؟؟)

تنهدت وهي تنهض

(لا حول ولا قوة إلا بالله
شكلي ماني مخلصة ذا الرحلة إلا مستخفة
مستحيل راكان يفكر ذا التفكير
أنا اللي مخي مركب شمال)

جلست على المقعد المنفرد المجاور له
وهي تعتصم صامتة بمكانها
حتى أذن المغرب.. وقاما للصلاة

أعطاها رقم هاتفه حتى تتصل به فور انتهاءها من الصلاة
صليا كلاهما
ثم توجها لركوب الطائرة

مقعدان متجاوران.. وقلبان أبعد ما يكونا عن التجاور والتقارب

شعرت بتوتر عميق وأن درجة حرارة رأسها ترتفع
تشعر أن دماغها يشارف على الغليان..
فرغم اتساع مقاعد الدرجة الأولى ولكن أقل حركة منها ستجعل كتفها يلامس كتفه
أو ربما قدمها تضرب في قدمه
أخذت المقعد الأقرب للنافذة والتصقت بها وهي تحاول أن تبتعد عن مداه المسيطر
وألقه الذي يشعرها بالضآلة
وحضوره الذي يشعرها بالنقص
ووجوده الذي يربك مشاعرها ويحصرها في زاوية مقيتة تبدأ من انتقاص الذات لتنتهي بامتهانها

راكان يشعر بالفعل بخجلها وتوترها وهو يحاول ألا يزيد عليها وأن يراعي مشاعرها
ولكنه لا يستطيع أن يفعل أكثر من هذا في هذا الظرف الذي وضعا فيه


أقلعت الطائرة
همس لها بهدوء اعتيادي ودود : موضي.. تحبين تمددين ..افتحي الكرسي شوي
الرحلة طويلة

موضي بخجل: لا لا.. مرتاحة كذا

جاء العشاء ورفضت موضي أن تأكل.. راكان كان سيأكل من أجلها فقط من باب اللياقة
وحين رفضت رفض هو أيضا

رفضا كلاهما فتح التلفازات الموجودة أمامهما
تناول راكان الجريدة وبدأ في قراءتها
وموضي أسندت رأسها للناحية البعيدة عن راكان
واستغرقت في تفكيرها الخاص
والـــمــــوجـــــع!!



**********************



واشنطن/ الساعة 11 صباحا

يوسف ينهض من نومه وهو يشعر أن جسده مفتت وعظامه تؤلمه
فهو قضى ليلته البارحة يتجول في طقس صقيعي بعد أن أخذ حماما وشعره مازال مبلولا
شعر ويشعر أن البرد دخل في عمق عمق عظامه
يحتاج لحمام ساخن ينفض عن عظامه البرد

فتح عينيه وهو ينظر لجواره.. لم يجدها
البارحة صعدت قبله.. وحين صعد وجدها تتمدد على السرير وهي تلف جسدها حتى رأسها بالغطاء
تمدد جوارها والألم يستوطن كل خلية وذرة في عقله وقلبه
عاجز عن التفكير.. ويجهل كيف يتعامل معها
هدد كثيرا أن ينتقم منها ويأدبها
ولكنه بينه وبين نفسه يعلم أنه مثقل بحبها وفي ذات الوقت مثقل بالألم والجرح منها
وبين الحب والألم وجد نفسه مصلوبا على مشانق الحيرة واليأس


مازال ألم البارحة غير الإنساني يحز في كل شريان من شرايينه
كيف يجتمع لامرأة ما أن تكون رائعة هكذا!! ومريعة هكذا!!
رائعة.. ومريعة !!
أحرف متشابهة... ووجع لا شبيه له في تنافرهما

أخذ حمامه الساخن وشعر بالنشاط
ارتدى ملابس دافئة ونزل للأسفل
لم يجد باكينام!!
سأل ماريا عنها

أجابته ماريا بحرج:
نزلت مبكرا وهي تحمل حقيبتها



***********************



الدوحة
بيت فارس بن سعود
الساعة العاشرة مساء


كانت العنود تجلس مع أم فارس في صالة البيت الرئيسية
الاثنتان تتبادلان الحديث وتشاهدان برنامجا دينيا على التلفاز

دخل فارس
سلّم ثم جلس
همست العنود برقة: تعشيت؟؟

فارس نظر لها مليا ثم همس بغضب مكتوم من بين أسنانه:
أنا كم مرة قايل لش اللبس ذا ما تطلعين فيه برا غرفتش

كانت العنود ترتدي بنطلون برمودا وبلوزة بدون أكمام
العنود نظرت بتوتر لنفسها وهي تهمس بحرج: الوقت متأخر ومافيه حد بيجينا
وبعدين مافيه حد غيري وغير أمي وضحى

فارس بحدة: وترادين بعد

العنود وقفت وهي تهمس بصوت مختنق: آسفة.. بأروح أبدل

فارس شعر فورا بالضيق من نفسه..فهو يغار عليها بجنون
يغار عليها حتى من الخادمات.. ولا يريد أن تبصر مفاتنها عين سواه
ولكنه تضايق لأبعد حد من أسلوبه الحاد معها
يعلم أنها رقيقة ولا تحتمل قسوته التي مازال عاجزا عن كبح جماحها

ما أن غادرت حتى ألتفتت له أمه وهي تقول بنبرة حانية:
شوف يأمك.. أنا ما أحب أتدخل بينك وبين مرتك
بس هذي مهيب أول مرة تحرج العنود على سبة لبسها قدامي

فارس بهدوء: هذا أنتي قلتيها.. مهيب أول مرة.. يعني تدري إني ما أرضى تسوي ذا الشيء.. ليش تسويه؟؟

أم فارس بحنو: يأمك البيت مافيه حد غيري أنا وياها.. وهي قبل كانت لابسة جلابية
وعقب طلعت فوق وبدلت تنتظرك.. وأنا اللي دعيتها..
العنود صغيرة ومدللة من يوم هي في بيت هلها.. تكفى يأمك ما تحزنها على سبة شيء ما يستاهل..
وحتى لو عندك شيء تبي تقوله لها.. عندكم غرفتكم قول لها وأنت بروحكم..
لا تكسر نفسها وتلاغيها قدام حد.. حتى لو كان أنا

فارس همس بهدوء رغم ضيقه: إن شاء الله يمه

أم فارس بتشجيع: زين اطلع لها.. أدري إنها خلاص ماعاد هي بنازلة عقب ما فشلتها

فارس يحتضن ذراع أمه ويقبل كتفها وهو يهمس بحب ممزوج بالاحترام:
والله مافيه مثلش يمه في الحريم كلهم
خليها شوي.. أدري إنها تبكي الحين
وأنا ما أستحمل دموعها
بعد شوي بأطلع




****************************



بيت مشعل بن محمد
الساعة 10 مساء

لطيفة متوترة جدا وتشعر بضيق عميق
تدور في غرفتها انتظارا لمشعل

مشعل دخل الغرفة وعيناه تبحث عنها كعادته
كانت تقف مكتفة يديها
اقترب منها .. رفع وجهها همس لها بقلق: لطيفة وش فيش؟؟
وجهش فيه حكي

لطيفة ابتلعت ريقها وهي تشد ذراعه لتجلسه ثم جلست جواره
وهي تقول بصوت متجلد لكن مختنق: أبي أقول لك شيء
أنا ما تصرفت بشيء لين أقول لك ونتصرف سوا

مشعل بحدة خفيفة: لطيفة بدون مقدمات.. وش فيه؟؟

لطيفة بألم عميق وخوف أعمق: أنا لقيت زقاير في أغراض حمود



******************



بيت ناصر
الساعة 11 مساء

عاد ناصر منذ حوالي ساعة لم يجدها في الصالة ولا في الغرفة
استغرب فهي لم تستأذنه للذهاب لمكان
ورغم أنه في كل مرة تستأذنه يهبها بعضا من كلماته المسمومة
ولكنها لم تتوقف مطلقا عن استئذانه
نظر للهاتف بيده (أتصل فيها؟؟
مستحيل
مستحيل
يمكن عند أمي وبترجع بعد شوي)

وهو يفكر سمع صوت خلاط كهربائي قادم المطبخ
شعر براحة غير مفهومة أنها هنا.. وقريبة منه
عاد لغرفته استحم وصلى وهي مازالت تعمل في المطبخ
جلس يشاهد التلفاز وهي لم تخرج من المطبخ
وهو يقاوم رغبة عارمة أن يذهب لها ليرى ما الذي يشغلها كل هذا الوقت
في نهاية الأمر وجد نفسه ينهض ويتوجه لها
نظر لها مليا وهي مشغولة تماما في إعداد أكثر من صنف من الحلوى

مشاعل كانت تشعر بضيق عميق يكتم على قلبها وتفكيرها
فهي تعلم أن سفر موضي بهذه الطريقة المفاجئة ليس إلا لمصيبة
وتعلم أنه حتى لو كانت هيا مرضت.. فمشعل يستحيل أن يقلقهم ويستدعي موضي
فمشعل قادر على التصرف.. ولطالما أحكم سيطرته على كل شيء
وليس مرض هيا بالشيء الذي سيعجزه إلا لو كان هو نفسه عاجز عن التصرف
وهذا الخاطر أصابها بتوتر عظيم وقلق أعظم
وحاستها السادسة تعمل بحساسية مرعبة لتنبئها أن هناك خطبا ما بمشعل

همس ناصر بهدوء فيه رنة سخرية: عندنا حفلة آخر الليل؟؟

مشاعل التفتت عليه وهي تهمس بخفوت متوتر: أنا زهقانة وحبيت ألهي نفسي شوي

ناصر بذات نبرة السخرية: ومن اللي بياكل ذا كله؟؟

مشاعل بهدوء: بيت هلي وبيت هلك وبيت فارس ومشعل وعمتي نورة والمجلس والجيران
ولو زاد أرسلنا للحارة للي جنبنا

ناصر بغضب: تمسخرين حضرتش؟؟

مشاعل بانفعال: تكفى ناصر.. الليلة أنا ماعندي طاقة أتحمل قسوتك
لو قلت لي كلمة زيادة بأروح أنام عند أمك

ناصر بغضب أكبر: وتهددين بعد؟!!.. روحي أبركها من ساعة

كان لسانه يقول شيئا مختلفا عما يشعر به.. فور أن أنهت جملتها التهديدية:
" أنها ستغادره لتنام في مكان آخر"
شعر بالخواء.. خواء متوحش جارح.. شعر أن المكان سيكون خاليا كصحراء مدهرة دون أنفاسها
كيف سينام دون تقلب جسدها الرقيق بجواره؟!!

ولكنه كعادته مؤخرا.. مشاعره الحقيقية مطمورة في نقطة عميقة حتى هو نفسه عاجز عن الوصول إليها وإلى كنهها

صمتت مشاعل فهي لا تريد استفزازه
ولكنه لم يصمت: فالحة بس تهددين.. يا الله روحي.. ليش واقفة؟؟

مشاعل خلعت المريلة التي كانت تغطي بيجامتها الحريرية.. وألقتها جانبا وخرجت دون أن ترد عليه
توجهت للغرفة الخالية وأغلقت الباب على نفسها



*************************



طائرة محلقة في السماء
متوجهة لمطار هيثرو
وتبقى على وصولها حوالي ساعتين

موضي بقيت تفكر لوقت طويل وهي منطوية على نفسها بعيدا عن راكان
حتى داعب النوم أجفانها وهي على ذات الوضعية

وراكان بعد أن أنهى قراءة الجريدة التفت لها ..بدت له نائمة
فأسند هو رأسه للكرسي دون أن يفتح الكرسي لوضعية التمدد
وأغلق عينيه ليغط هو أيضا قليلا

بعد وقت ما لا يعرفه تحديدا
صحا على رائحة عطر خفيف ولكن عميق تداعب أنفه
فتح عينيه
كان رأسها على كتفه
شعر بالحرج ليس من أجل نفسه
ولكن من أجلها
لأنه يعلم أنها إن صحت وهي على هذه الوضعية ستشعر بخجل شديد.. ولن تجرؤ على رفع عينيها له
حرك رأسها بخفة وأبعده عن كتفه وأسنده لرأس الكرسي
شعر أن رائحة عطرها التصقت بكتفه وبقايا دفئها تترك أثارها على عضلات كتفه
بدا غريبا عليه هذا القرب الأنثوي المختلف
ولكن أين الاختلاف؟؟
أ ليست مثل العنود ومريم؟!!!!!!!!

راكان همس بهدوء : موضي.. موضي

موضي انتفضت بجزع وهي تتحسس نقابها لتتأكد أنه على وجهها
وارتاحت حين وجدته ثابتا مكانه
ثم همست برقة متوترة: لبيه

راكان بذات هدوءه الواثق: اسمعيني موضي حن باقي لنا ساعتين وننزل في لندن
وفيه شي لازم أقوله لش قبل نوصل عشان تكونين متماسكة اذا شفتي مرت مشعل وتهدينها مهوب تروعينها

موضي شهقت بعنف مرتعب وقلبها تُشد جميع أوتاره للحد الأقصى: مشعل فيه شي؟؟

راكان بنبرة طمأنة واثقة: مافيه إلا العافية
مسكوه في المطار.. وأنا متأكد إن السالفة هينة إن شاء الله


قمرهم كلهم 10-07-2010 10:38 AM

رد: أسى الهجران
 
غرفة مشعل ولطيفة / الساعة 10 وربع مساء


معركة على وشك البدء ونيران على وشك الاشتعال

لطيفة بألم عميق وخوف أعمق: أنا لقيت زقاير في أغراض حمود

مشعل قفز وهو يقول بغضب كاسح: وشو؟؟ زقاير؟؟ ماعاد إلا ذا؟؟

كان ثائرا بشكل مرعب لم تره لطيفة مطلقا بهذه الثورة
وكان يريد الخروج لولا أن لطيفة تمسكت فيه بشدة وهي تهمس برعب: وين بتروح؟؟

مشعل بذات نبرة الغضب المرعبة: بأروح أكسر رأسه
حن شيبان ماعمر حد منا عرف الزقاير.. وذا أبو 12 سنة قده يعرف

لطيفة مازالت تمسك فيه وهي تقول بنبرة تهدئة لمشعل: تكفى مشعل هذا مهوب حل
أصلا هو الحين راقد
وثاني شي عمرنا ماضربنا عيالنا.. ولا عمر الضرب كان أسلوبنا معهم... تبي تجيء تضربه الحين

مشعل غاضب فعلا: بس عمرها ما وصلت الزقاير.. زقاير مرة وحدة ياحمود

لطيفة بذات النبرة المهدئة لمشعل رغم أنها داخلها يذوب ألما وقلقا:
ضرب لا لا
بكرة الصبح أبي أكلمه انا وياك بالهداوة.. لأنك عارف إن العند والتهديد يمكن يخليه يزيد ويعاند
وبعدين حن ماندري بعد وش سالفة الزقاير ذي.. خل نسمع منه.. ونحل المسألة بالهداوة

مشعل يتناول غترته ليلبسها وهو يهمس بمرارة: أنا ماني بطايق أقعد
بأطلع أي مكان لين أهدأ.. لا أصحي ولدش وأرتكب فيه جريمة
وأنتي لو إنش منتبهة لعيالك.. ماكان وصلت إن ولدش يدخن وأنتي ماتدرين عن شيء

لطيفة بصدمة حقيقية وألم مر: أنا ماني بمنتبهة لعيالي؟؟

مشعل يستعد للخروج وهو يقول بغضب مكتوم: إيه أنتي

لطيفة بغضب مكتوم مشابه: مشعل أنا ما أسمح لك تقلل من اهتمامي بعيالي
أو تحسسني إني قصرت في حقهم
لأني متأكدة إنه مافيه أم مهتمة في عيالها قد ما أنا مهتمة بعيالي
لكن دامك بتتهم.. شوف من اللي لاهي في شغله عن أشياء كثيرة
وأنت عارف إن ولدك داخل على سن مراهقة.. والحين هو محتاجك أكثر
والولد ما يربيه إلا أبيه على المراجل

مشعل يعود وهو يصر على أسنانه: لا لطيفة أنا اللي ما أسمح لش..
صحيح إني مشغول.. بس عمري مالهيت عن عيالي
وخصوصا حمود وعبود دايما معي في المجلس وعيني عليهم

لطيفة تتنهد: شوف مشعل لا تسمح لي ولا أسمح لك
عندنا مشكلة نبي نحلها بكرة الصبح واحنا مبينين قدام حمود متفاهمين وهادين
عندنا عتب على بعض.. خله نتعاتب بيننا عقب




**********************



غرفة فارس والعنود
الساعة 11 مساء


فارس يدخل للصالة أولا
كانت الصالة مضاءة
ولكن غرفة النوم معتمة جزئيا
تنهد بعمق
ودخل للغرفة
كانت تتمدد على السرير ومتغطية بالغطاء بدون أن يظهر منها شيء
شعر بالألم يجتاحه
كيف يحبها كل هذا الحب وفي ذات الوقت لديه كل هذه القدرة على تجريحها؟!!

اقترب منها جلس جوارها ورفع الغطاء عن وجهها
همست العنود بصوت مختنق: فارس تكفى خلني في حالي

فارس بحنان همس لها: قومي ياقلبي كلميني

العنود شهقت: ما أبي أقول لك شيء ولا تقول شيء

شعر أن شهقتها كما لو قطعت شريانا ما في قلبه وأن دمه ينبثق ساخنا متفجرا من الألم

العنود كانت مجروحة منه بعمق.. ليس من أجل موقفه الليلة ولكنها تراكمات سابقة
فكل يوم لابد أن يجد سببا ليحتد عليها.. تعلم أنه يحبها وهي أيضا بدأت تحبه فعليا وبتعمق يزيد كل يوم
ولكنها لم تعتد على تعامل قاس كهذا.. ولا تستطيع أن تتخيل أنها قد تعيش حياتها كلها على هذا المنوال
إذا كان أكثر من مرة يحتد عليها أمام والدته.. فكيف غدا عندما يصبح بينهما أطفال.. هل سيحتد عليها أمام ابنائها؟؟
في حياتها كلها لم تسمع صوت والدها يرتفع على أمها أو يحتد عليها أمامهم
فلِـمَ فارس عاجز عن التصرف كزوج طبيعي؟!!

انحنى فارس عليها ليقبل أذنها ثم همس في عمقها: آسف حبيبتي
وأنا عمري ما أعتذرت لأحد قدامش
فلا تحسسيني إن اعتذاري ماله قيمة

رغم ان العنود لم يكن بها رغبة للحديث ولكنها لم تصدق أن فارس بغروره وتكبره قد يعتذر
ولم ترد أن تشعره أن اعتذاره لا قيمة له كما يقول
لذا نهضت بضعف واستوت جالسة وهي تمسح وجهها
فارس أمسك بيديها وأنزلها لجوارها
وأمسك هو وجهها بين كفيه ليمسح بإبهاميه دموعها المنحدرة التي شعر بها كشفرات مسمومة تشرّح جسده
قرّب وجهه منها ليقبل عينيها ثم يتتبع بشفتيه مجرى دموعها وهو يهمس بعمق وخفوت:
آسف.. آسف.. آسف.. آسف
والله العظيم الأسف صعب علي.. بس عشانش أسوي كل شي

همست العنود بعتب حزين: فارس تكفى مايصير كل يوم تهزئني قدام أمك

أسند رأسها لكتفه وهو يحتضنها ويهمس لها: أنا أغار عليش يا قلبي
ويوم أشوفش لابسة كذا قدام حد أجن.. أنا أبيش لي أنا بروحي
ومابي حد يشوف ذا الزين غيري

العنود بخفوت: وأنا أنبسط يوم أدري إنك تغار علي.. بس مهوب بذا الطريقة ولا بهذا الأسلوب
أنا ما تعودت على ذا الشدة في الكلام.. قل لي اللي تبيه بالهدواة وبيني وبينك
وصدقني كل اللي تبيه فوق رأسي وعيني

فارس يحتضنها بشدة وهو يهمس: خلاص أحاول.. بس استحمليني شوي ياقلبي.. بس شوي
وكله ولا دموعش تكفين.. قلبي ما يستحمل



**********************



مطار هيثرو
طائرة راكان وموضي تحط على أرض المطار

تعجب راكان كثيرا من تجلد موضي بعد أن أخبرها باعتقال مشعل
تقبلت الخبر بثبات رغم أنه يعلم يقينا شدة تعلق شقيقات مشعل به

موضي كان داخلها يذوي قلقا وخوفا على شقيقها
ولكنها ليست في موقف يسمح لها برفاهية التعبير عن مشاعرها
فهي مع آخر شخص تريد أن تنهار أمامه فيجد نفسه متورطا بها ومعها
ومن ناحية أخرى.. هيا ومشعل يحتاجان صلابتها الآن وليس الوقت أو المكان هما المناسبان لإظهار حالات الضعف الأنثوي الممقوتة

فور أن أنهيا إجراءتهما توجها لاستراحة المطار
سألا عن هيا
وموضي توجهت لغرفتها وراكان طلب منها إحضار هيا
حتى يتوجهوا جميعا لشقة عائلة آل مشعل في أدجوارد رود
ليتوجه هو بعدها لمشعل وللسفارة


موضي طرقت الباب بخفة
جاءها صوت هيا المختنق يهمس بالانجليزية : من؟؟؟

موضي بهدوء حانٍ: هيا افتحي الباب.. أنا موضي

هيا فتحت الباب فورا
لم تصدق أنها ترى أمامها موضي التي تركتها بالأمس فقط
كانت موضي أمامها بعباءتها ونقابها .. رائحة أهلها وعبق مشعل
موضي هنا في لندن ومعها!!
عاجزة عن التصديق وألف انفعال يسحقها

ارتمت هيا في حضن موضي وهي تنتحب بعنف وجسدها كله يرتعش
موضي كان بودها أن تشاركها البكاء ولكنها تجلدت وهي تقول لها:
هيا الله يهداش ليش ذا البكاء كله
ترا السالفة بسيطة.. مجرد اشتباه بسيط ويوم وإلا يومين ويفكونه

هيا من بين شهقاتها وهي تنتحب في حضن موضي: كله مني.. كله مني
لولا أوراقي ماكان جاء بريطانيا وهو عارف إنه ممنوع من دخولها
ليت حن قعدنا في الدوحة أحسن

موضي تربت على ظهرها بحنان بالغ: صدقيني الموضوع بسيط
ويالله قومي البسي.. راكان ينتظرنا برا
عشان نروح لشقتنا اللي هنا

هيا باستغراب وهي تمسح أنفها: راكان؟؟

موضي وهي تنهضها وتبدأ بجمع أغراضها: هذي سالفة ثانية
الحين خليه يودينا الشقة عشان يروح لمشعل



*************************



واشنطن
قبل المغرب


يوسف يكاد يجن.. لا يعلم إلى أين ذهبت
فهو لا يعرف سكن الطالبات حيث كانت تسكن
ولا يعرف أحدا من أصدقائها عدا هيا
حتى هاتفها الأمريكي لا يعرف رقمه
كان قد اتصل به مرة واحدة حين كان دفترها معه والرقم على الدفتر
ولكنه لم يحفظ الرقم خصوصا بعد ردها الجارح عليه في المكالمة
يكاد يجن قلقا فعلا
أين ذهبت؟؟
أين ذهبت؟؟
يعلم أنها تستطيع أن تتصرف لوحدها.. فهي عاشت مستقلة لسنوات طويلة
ولكنها الآن زوجته وهو المسؤول عنها
ذهب للجامعة
وذهب لكليتها ودار بها عدة مرات وانتظر بها مطولا ولكنه لم يلمحها
حين تعب قرر أن يمر بالمقهى حيث كان يعمل
فربما مرت هناك

حين دخل المقهى.. صرخ العاملون ترحيبا به
حياهم بتوتر لم يظهر على محياه
تلفت حوله ولم يجدها.. فسألهم عنها
فهم كانوا يعرفونها جيدا لكثرة ماكانت تمر

النادلة التي كانت تحادثت مع باكينام في آخر مرة كانت فيها همست له وهي تقطب جبينها وهي تتذكر:
لقد جاءت في نفس اليوم الذي سافرت أنت فيه
وحسبت أنها تريد دفترها
ولكنها قالت أنها تريدك أنت شخصيا
ثم خرجت دون أن تأخذ دفترها.. ومازال دفترها هنا

يوسف استغرب بشدة أنها جاءت للسؤال عنه.. ولكنه نحى مشاعره جانبا وهو يهمس بهدوء: أرجوكِ أعطيني إياه

النادلة توجهت للأمانات وأحضرته
كان يوسف على وشك المغادرة حين نادته النادلة:
جو هناك شيء آخر .. لا أعلم إن كان يجب أن أخبرك به

يوسف بقلق: ماذا؟؟

النادلة بهدوء: حين أخبرت فتاتك أنك غادرت
بدا لي أنها صُدمت بشدة
وغادرت دون أن ترد علي رغم أني ناديتها مرارا لأعطيها دفترها
ثم حين أصبحت في الشارع
انهارت وأغمي عليها ونقلها المارة لمستشفى جورج تاون القريب

يوسف برعب: ماذا؟؟ انهارت

يوسف غادر بسرعة وهو يشعر أنه مشوش مشوش لأبعد حد
(لِـمَ انهارت؟؟
من أجلي؟؟
مستحيل.. مستحيل..
هذا التأثر يكون من أجل حب عميق.. وهي لا تحبني
فلِـم انهارت؟؟ لِـمَ؟؟
هل تكون مريضة بشيء معين؟!!)

خاطر مرضها سبب له رعبا جديدا عليها
يوسف خرج وهو يتصل برقمها الذي أخذه من الدفتر
ولكنه كان مغلقا
حينها قرر التوجه للمستشفى
بما أنها دخلت المستشفى يوم سفره فهو يعرف التاريخ تماما
يستطيع أن يجد عنوان سكنها في ملفات المستشفى
ويسأل عن سبب انهيارها وظروف دخولها المستشفى



***********************



بيت ناصر
بعد صلاة الفجر

ناصر يعود من المسجد.. وهو يمني نفسه أنها قد تكون خرجت من سجنها الاختياري
ولكنه لم يجدها
يشعر بألم لا يستطيع تفسيره..
يعلم أن الغرفة غير مفروشة والجو فيها شديد البرودة
وهي كانت ترتدي بيجامة حرير خفيفة...فكيف قضت ليلتها؟؟

هو ذاته البارحة قضى ليلة سيئة لم يغمض له فيها جفن وهو يقضي معظم الليلة جالسا على أريكة في الصالة
وهو أيضا متوتر جدا لأن اليوم موعد تركيب ساقه الاصطناعية
وغضب مشاعل هو ما كان ينقصه
كان يستفزها طوال الأسابيع الماضية وهي تحتمل كل شيء منه.. فلماذا قررت أن تعلن الثورة اليوم بالتحديد؟؟
هي لا تعلم أن اليوم هو موعده الهام.. فهو لا يخبرها بشيء مطلقا

يشعر داخليا أنه يحتاجها بشدة
يريد فقط أن يراها قبل الذهاب لموعده
محياها العذب.. ابتسامتها الدافئة المغلفة بحزن عميق
ولكن بما أنها لن تخرج.. فلن يطرق عليها الباب
فلتبقَ أسبوعا لو أرادت.. لن يسأل عنها
رغم أنه بينه وبين نفسه وإن كان ينكر حتى على نفسه
يعلم أنه وقف مرارا أمام الباب وعلى وشك طرقه
لأن قلقه عليها يتزايد ويتزايد
ولكن الوقوف أمام الباب أعاد له ذكريات مؤلمة جارحة تطعنه في عمق رجولته وكبرياءه الممقوت
لذا قرر تركها حتى تخرج لوحدها
حتى لو بعد أسبوع!!!
يستحيل أن يعود لعيش ذات التجربة مرة أخرى.. يستحيل!!!



*************************



شقة آل مشعل
في أدجور رود
شارع العرب المعروف في لندن


شقة قديمة نوعا ما أجري عليها العديد من التعديلات والتجديدات
كان الجد مشعل هو من اشتراها منذ سنوات طويلة
ثم قرر أبناءه تركها كما هي.. وتكون لهم جميعا..وخصوصا أنه غالبا هناك أكثر من زيارة في السنة لكل واحد منهم
لإجراء فحوص طبية.. أو بغرض السياحة أو دراسة اللغة

من التعديلات التي أُجريت أنها فُصل بين صالة المدخل الواسعة وباقي البيت بباب
حتى تصبح هذه الصالة بمثابة مجلس للرجال لها حمامه الخاص
وللشقة مدخل آخر مع المطبخ
يستخدمنه النساء غالبا في حالة تواجد رجال في المجلس حيث مدخل الشقة الرئيسي
والشقة تتكون من أربع غرف نوم.. غرفتين رئيسية بحمامات خاصة
وغرفتين بينهما حمام مشترك

وهاهو راكان ومعه الفتاتان يصلون جميعا للشقة
راكان استأجر سيارتين من المطار
سيارة لحمل الحقائب من أجل حقائب مشعل وهيا
وسيارة كان يجلس فيها بجوار السائق والفتاتان في المقعد الخلفي

ما أن وصلوا..
ودخلوا
راكان نادى موضي وهو واقف عند الباب
موضي عادت له وهي ترد بحرج: لبيه

راكان بهدوء وهو يحافظ على مسافة فاصلة بينهما:
أنا بأروح لمشعل ويمكن أتأخر
لا تفتحون لأحد إلا للحارس.. أنا بأعطيه الحين فلوس عشان يجيب لكم أغراض
وشنطتي خلوها في المجلس
وهاكم خذوا رقمي سيفيوه عندكم
أي شيء تبونه دقوا علي

كل خطابه لها بصيغة الجماعة.. فهما كلاهما في مهمة طارئة
كل منهما يقوم بدوره في هذه المهمة
وأخر من يهمه في هذه المهمة
هو
نفسه!!!


قمرهم كلهم 10-07-2010 10:50 AM

رد: أسى الهجران
 
بيت مشعل بن محمد
الصباح الباكر

مشعل ولطيفة لم يناما مطلقا
فالأبوان قد يحتملان أي شيء إلا ماقد يصل إلى أذية أطفالهما
حينها تتحفز كل المشاعر والتفكير والخلايا

مشعل حين أخذ أبناءه معه لصلاة الفجر كالعادة
كان يسترق النظرات لمحمد
يشعر بألم حاد يتسلق روحه ويمزقها بوحشية
كان يراه مجرد طفل.. طفل حقيقي
لم يلحظ مطلقا أي تغير عليه
يتمنى أن يقتل أحدا ما في هذه اللحظة
أن يقتل من عرّف ابنه على السجائر.. فهو يعرف أن ابنه يستحيل أن يجرب التدخين من نفسه
لابد أن هناك من شجعه...
يتصاعد غضب كاسح في عروقه
من هو ؟؟ من هو؟؟

كان مشعل يتفحص ابنه بطريقة غريبة.. يتشممه
حتى أن محمدا لاحظ غرابة والده.. همس له بعفوية: يبه وش فيك؟؟

همس له مشعل بغموض: مافيه شيء يأبيك

عادوا من الصلاة
مشعل عاد لغرفته والولدان عادا للنوم

حين أصبحت الساعة 7 صباحا
مشعل همس للطيفة بنبرة حادة: يالله قومي ولدش
خلي نشوف سالفته
ناصر اليوم عنده موعد تركيب الساق ولازم أكون معه

لطيفة بعتب: الحين ولدي بروحي
ودامك مستعجل.. خلها لين ترجع

مشعل بذات الحدة: مستحيل .. هذا موضوع ما يتأجل
خلينا نشوف سالفته الحين
وإذا رجعت تفاهمنا

لطيفة توجهت لأبنها وأيقظته من نومه وطلبت منه أن يغتسل ثم يأتي لغرفتها
محمد استغرب هذا الاستدعاء.. فهو منذ كبر قليلا بات يخجل من دخول غرفة والديه

لطيفة عادت لمشعل الجالس في صالة الجلوس الخاصة بهما
بدا الاثنان كما لو كانا على وشك عقد محاكمة في حق الصغير

محمد طرق الباب ثم دخل بتردد
همست له لطيفة بحنان: تعال حبيبي

همس مشعل لها بخفوت من بين أسنانه: وش خربهم إلا لينش معهم ودلعش لهم

نظرت له لطيفة بنظرة عتب عميقة ولكنها وجهت الحديث لابنها الذي وصلهما وبدا مرتبكا ويشعر بالخجل
همست له بحنان: تعال اقعد جنبي

مشعل صمت.. لأنه يشعر أنه على وشك الانفجار..
رغم شخصيته الواثقة التي اعتادت على التصرف بثقة واحكام في كل شيء وبطريقة هي أقرب للبرود
ولكن تصل أن تصل المشاكل بهذا التعقيد لأبناءه يجد أن التوتر والغضب يجتاحانه بعنف

لطيفة تضع يدها على كتف ابنها وتحتضنه برقة وهي تهمس له بهدوء:
حبيبي حمود صح إنك تعرف إن الزقاير تجيب السرطان وأمراض القلب؟؟

محمد مستغرب (مقوميني من النوم.. عشان يعطوني درس في العلوم)
لكنه قرر مجاراتهما من باب الأدب: صح يمه

لطيفة بذات النبرة الهادئة: وانت عمرك شفت أبيك إلا عمانك وإلا خوالك حد منهم يدخن؟؟

محمد بنبرة استنكار حقيقية بها روح رجولة مبكرة: لا إن شاء الله
ما يدخن إلا الكمخة.. تكرم لحاهم

حينها مشعل انفجر ليمسك عضد محمد الهزيل وينتزعه من مقعده بيد واحدة بقوة وهو يصرخ فيه بغضب هادر: ويومك تدري إنه ما يدخن إلا الكمخة.. ليش تسويها؟؟

اتسعت عينا محمد برعب وهي تمتلئ بالدموع: والله ما سويتها.. والله ماسويتها

لطيفة وقفت وهي تخلص عضد محمد من يد مشعل الضخمة التي اخترقت عضده كالكلاليب وهي تهمس بدبلوماسية: حبيبي مشعل شفت أنه مستحيل يسويها مثل منت قلت لي

مشعل يشعر بالفعل أن أعصابه فلتت منه لذا جلس وهو يترك للطيفة التصرف
لطيفة أجلست ابنها الذي يشعر بألم في عضده عادت لتحتضنه وهي تمسح على شعره وتقول بلين: حبيبي ترا أبيك مايقصد يوجعك
بس هو متروع عليك عشان لقينا زقاير في أغراضك
من وين جات الزقاير ذي؟؟
إذا هي لك.. قل لنا.. وحن عاد حن في الأول.. والناس لهم سنين ويعرفون مصلحتهم ويخلون التدخين..والله العظيم مانسوي لك شيء

محمد بدأ في البكاء وهو يقبل كف أمه ويشهق: والله العظيم مهيب لي.. والله العظيم مهيب لي

لطيفة شعرت أنها تتمزق ودموعه تغرق كفها.. انتزعت كفها بحنو وهي تحتضنه بشدة وتهمس له: زين قل لي حقت من؟؟

محمد من بين شهقاته: والله العظيم إنها حقت راشد اللي معي في التدريب
كنا في التدريب أمس وقال لي دسها معك عشان أخيه الكبير يشك فيه ويفتشه
أنا والله إني كنت أبغي أقطها عشان ما أرجعها عليه.. بس نسيت

لطيفة كانت تنظر لمشعل وتشير له حتى يتحدث.. مشعل كان يشعر بألم عميق لأول مرة يجد نفسه عاجزا عن التصرف بمنطقية
ولأول مرة يؤلم أحدا من أطفاله ولذا يشعر هو بوجع جارح متشعب
مشعل نهض وجلس بجوار ابنه وهو يضع يده على رأسه ويهمس له بهدوء حانٍ:
اسمعني يا أبيك.. انت غلطان يوم خذت الزقاير من الولد وخليته يدس عن هله
والمفروض إنك جيت وقلت لي.. شفت يوم تدس علينا وش يصير؟؟
تخلينا نشك فيك ونتصرف معك تصرف أنت ما تستاهله

محمد ينهض ويقبل رأس والده وهو يقول من بين دموعه: آسف يبه والله ما أعيدها
أخر مرة أدس عليكم شيء

مشعل بهدوء: زين اليوم إذا وديتك للتدريب قل لي اسم الولد كامل بأخذ رقم هله وأكلمهم..
اللي مانرضاه لك .. مانرضاه لعيال الناس
والحين تبي تروح لغرفتك روح؟؟

محمد قبل رأس والدته ووالده ثم أستأذن وهو يمسح وجهه وأنفه المحمرين وخرج وأغلق الباب خلفه

فور إغلاق الباب نهضت لطيفة.. مشعل شد يدها ليجلسها
همست لطيفة بعتب: مشعل هدني
أنا الحين متضايقة..

مشعل بتأثر: زين حبيبتي خلينا نتكلم

لطيفة ابتعدت وهي تهمس: روح الحين مع ناصر
وإذا رجعت بأكون روقت.. ونتكلم
لأنه فيه كلام كثير بيننا..
عيالنا كبروا يا مشعل.. ومشاكلهم بتكثر
إذا أنت على أول مشكلة استسهلت إنك تهاجمني وتتهمني
تكون فيه فعلا مشكلة كبيرة بيننا تبي لها حل



**********************


لندن
مكتب التحقيق الرئيسي
وقت سابق

راكان يجلس مع مشعل للمرة الثانية خلال 3 ساعات

مشعل بهدوء: هاه وش صار؟؟

راكان بنبرة مطمئنة: إن شاء الله مافيه إلا الخير
تدري هم لحد الحين ماعندهم عليك شيء
اسمك في البلاك ليست.. لكنهم مهوب مصدقين إنه عشان الموضوع التافه اللي قبل 12 سنة
وعشانك عربي خايفين السالفة فيها سوالف الإرهاب الله يبلاهم في أنفسهم
يعني صدقني إن السالفة بس كم يوم يتأكدون من التحريات
ويرجعون لسجلات شرطة كامبردج وين ماصار التوقيف الأول
وبتطلع إن شاء الله
لا وأزيدك بعد.. المحامي يقول لو صدق سالفتك بس على موضوع الضرب
بينشال اسمك من البلاك ليست وتقدر تدخل بريطانيا بدون قيود

مشعل يبتسم: يا ابن الحلال خل نخلص منهم.. ماعاد أبي أشوف وجه بريطانيا بكبرها

راكان بهدوء: زين أنا مخلي البنات من بدري.. ولازم أرجع لهم

مشعل يستوقفه: زين راكان دام سالفتي مطولة كم يوم.. أبيك ولا عليك أمر تصدق شهادة مرتي من التعليم العالي
أبي أطلع نسافر على طول واشنطن.. تأخرنا على دراستنا

راكان يبتسم: صدق إنك مشتط.. ذا اللي أنت فيه وما همك إلا شهادة مرتك

مشعل مازال مبتسما وكأنه في رحلة استجمام وليس موقوفا مجهول المصير:
أفا عليك.. كل شيء عندي ولا بنت سلطان

يتنهد راكان بعمق وهو يغادر
(وأنا وش أسوي ببت عبدالله؟؟
يا سبحان الله.. أشهد أن القلوب تغير
هذي موضي جنبي.. وماني بقادر أحس فيها)



**************************



بيت فارس بن سعود
غرفة فارس والعنود
الساعة 6 ونصف صباحا


يرن جرس منبه هاتف العنود.. الذي نبهته بعد صلاة الفجر على موعد صحو فارس لعمله

كان فارس الذي كان نومه ثقيلا بعض الشيء مازال نائما
تطفئ العنود الجرس
ثم تميل لجانبها حيث ينام وتمعن النظر فيه وهو مستغرق في نومه
كم يبدو وسيما حتى وهو نائم
وسامته وصلت لحد الألم
ولكنها لا تجرؤ على إخباره بذلك
فهو يتحسس من هذا الموضوع وإثارته بأي شكل
كان هذا هو الحاجز الأول الذي بُني بينهما وتم الانتهاء من بنائه
وهاهي تخشى من ارتفاع الحاجز الثاني والحاجز الثالث والحاجز الرابع
غيرته... قسوته.. ثم كبتها وخوفها منه

ولكنها رغم كل شيء تشعر أنها سعيدة معه.. لأنه تعلم بعمق حبه لها
ولكن ما تخشاه أن تُدفن هذه السعادة يوما حينما لا يعود للحب معنى أمام القسوة والجبروت

مالت عليه لتقبله قبل أن توقظه ثم همست له بنعومة: حبيبي فارس
قوم الدوام

فارس همس بنعاس: وحدة ثانية وعقبه بأقوم

العتود باستغراب: أي وحدة؟؟

ابتسم فارس وهو يفتح عينيه الناعستين: نفس اللي عطيتني وأنا نايم

ابتسمت العنود: يعني ماكنت نايم؟!!

ابتسم: صحيت على أحلى شفايف

عادت لتقبيله ثم همست: يالله قوم يا الكسلان.. بأقوم أجهز ريوقك على ما تلبس

كان مازال مستلقيا وهي تميل عليه..مد سبابته ومسح خدها بظاهر السبابة بحنان
ثم همس لها: ياترى سامحتيني على ثقل دمي البارحة أو بعده خاطرش فيه شيء؟؟

العنود بنبرة فيها رنة أسى: خلاص حبيبي نسيت

فارس بألم: كنه اللي كنت تحذريني منه صار..
صرتي تخبين علي؟؟!!

العنود بعمق صادق: هذا أنت قلتها حذرتك منه
غصبا عني فارس.. صرت أخاف منك

فارس انتفض جالسا وهو يمسك بكتفيها ويقول بنبرة تأثر:
لا حبيبتي تكفين.. إلا إنش تخافين مني
كأنش تقولين لي إن روحي تخاف مني
وقلبي يخاف مني
وعقلي يخاف مني
وأنفاسي اللي أنتفسها تخاف مني
أشلون تبيني أعيش عقب؟!!!

غصبا عنها ابتسمت: المشكلة ما اقدر عليك ولا أقدر على كلامك اللي يذوبني

ابتسم ابتسامة شاسعة وهو يميل ليقبلها بعمق ثم ينفض الغطاء وينهض واقفا
وهو يقول: زين الليلة بنطلع نتعشا برا.. ولش مفاجأة عندي عقب




******************



مستشفى حمد
مبنى العيادات الخارجية
الساعة 10 صباحا


الطبيب انتهى من تركيب الساق لناصر وعلّمه طريقة تركيبها وفكها ثم طلب منه أن يقف
شعر نوعا ما بالغرابة وهو يقف بدون عكازين
كان يريد تناولهما.. ولكن الطبيب رفض وهو يطلب منه أن يقف لوحده ويبدأ بالحركة
كاد أن يسقط.. ولكن مشعل سارع إليه وأسنده وهو يقف جواره بقلق
همس له ناصر: خلني يا مشعل

مشى قليلا بين الحاجزين.. ثم تجاوز الحاجزين ومشى لوحده
كان لديه إحساس دائم أنه سيسقط
ولكن ثقته بنفسه وجسده الرياضي القوي ساعداه على التوازن وبسرعة قياسية
إحساس رائع وعميق ومذهل وهو يعاود الوقوف بثقة دون العكازات

همس له الطبيب بابتسامة: تقدر تستخدم العكازات لين تتعود على الساق

ناصر بابتسامة سعادة حقيقية: لا خلصت من العكازات.. بأمشي شوي شوي لين أتعود

وبالفعل كان يريد المشي بل والركض بلا توقف.. بلا توقف

ثم التفت لمشعل الذي كان مبتسما بسعادة ومساندة لناصر: يا الله يا أبو محمد
أبي اشوف أبي وأمي.. خليتهم وراي يحاتون

( أ ليس هناك شخص آخر تريد رؤيته يا ناصر؟؟!!)

الطبيب بمهنية: مبروك ساقك الجديدة.. وأهم شيء تتبع التعليمات اللي عطيتك إياهم
والأهم إنك ليليا لما تخلع الساق تدهن مكان البتر عشان ما يتحسس من ملامسة الساق
إذا استمريت على متابعة التعليمات بدقة.. إن شاء الله إنك بتكون مرتاح تمام

مشعل وناصر توجها بالشكر للدكتور وغادرا عائدين للبيت
ولكن قبل ركوب السيارة طلب ناصر من مشعل أن يطوفا قليلا في أروقة المستشفى ليمشي بساقه الجديدة التي ألفها بسرعة..
وهي تبعث في روحه إشعاع مختلف من السعادة.. لأنه سيعود بأذن الله إلى ممارسة حياته الطبيعية بصورة طبيعية

مشعل يبتسم لناصر: باطلع أنا وياك العصر نمشي على الكورنيش لو تبي أو روح أنت وفارس
بس الحين الشيبان أبيك وعمك جنونني اتصالات.. خلنا نروح لهم

في البداية مرا بالمجلس حيث كان محمد وعبدالله ينتظران بلهفة حقيقية رؤية ناصر واقفا بدون استخدام العكازات

عبدالله أصر أن يكون عشاء ناصر عنده الليلة احتفالا بوقوفه على قدميه
بينما مشعل كان يقسم أن يكون العشاء عنده
ولكن عبدالله كان من انتصر في حرب العزائم

بينما ناصر ينتظر انتهاء المعركة الكلامية للذهاب لأمه.. ولكن أذان الظهر فاجأهم
فقرر الصلاة أولا.. ثم التوجه لأمه


*******************


واشنطن
سكن الطالبات حيث تسكن باكينام

باكينام تتمدد في غرفتها رغم أنها عاجزة عن النوم
تشعر بألم فعلي ينغرز في جسدها كدبابيس مسنونة انغرزت في كل خلية من خلاياها
تشعر بمرارة الاهانة الموجعة ..تشعر أنها اُهينت جسدا وروحا
ويوسف استباح كل مافيها.. أنوثتها.. ثقتها في نفسها.. كرامتها
حتى حبها له استباحه بوحشية
ماعاد هناك ما يجمعهما ويجبرها أن تبقى معه
قررت أن ترحل بما تبقى من شتات إنسانيتها.. يكفي ماناله يوسف من روحها
ماعاد لديها استعداد لتقديم مزيد من التنازلات من أجل أي أحد

وهي غارقة في أفكارها رن هاتف غرفتها
التقطت الهاتف كانت مشرفة السكن تناديها أن تنزل

ارتدت ملابسها وحجابها ونزلت
حين وصلت للبهو الرئيسي
رأت ظهره العريض وهو جالس
شعرت بقشعريرة باردة تجتاح جسدها
عادت لغرفتها قبل أن يراها
اتصلت بالمشرفة في الأسفل وطلبت منها محادثة زائرها
حين سمعت صوته المتعب: ألو
شعرت أن شرايين قلبها تتصدع شريانا شريانا

ولكنها تجلدت وهي تهمس بثقة: اسمعني كويس يا يوسف
ما ترجعش تاني هنا
ولا حاولت تجبرني على حاجة.. أنت عارف احنا فين
تلفون صغير لـ 911 هتلائي نفسك متورط في جريمة اساءة تعامل
وأنت عارف هم متشددين أد إيه.. فمتجبرنيش أأزيك وأنت خلاص على وش تخرج
أنت مش هتستفاد من العند حاجة.. وأنا مستحيل أغير اللي في دماغي



********************



لندن
شقة آل مشعل
وقت سابق

الفتاتان غاية في التوتر انتظارا لعودة راكان بالأخبار
وهاهو يعود..
دخل من الباب الرئيسي واتصل بهاتف موضي حتى توافيه في المجلس

موضي حين أنهت الاتصال قامت لترتدي نقابها وعباءتها
هيا باستغراب: أنتي من جدش وإلا تستعبطين؟؟

موضي وهي تلبس: وشو اللي من جدي أو أستعبط؟؟

هيا بذات الاستغراب: إنش تبين تلبسين نقاب وعباة قدام رجالش؟!!

موضي بخجل: تونا متملكين مالنا يومين.. وعرسنا مابعد صار
تبين أفرّع قدامه.. ليه وجهي مغسول بمرقة؟؟

هيا أخيرا تبتسم: لا طال عمرش.. مغسول بخبال.. روحي له وأنتي بنقابش
طفشيه أحسن

موضي تنهي لبس نقابها: إذا بيطفش من نقابي.. خليه يطفش

هيا بهدوء: ما أقول فرعي قدامه.. تحجبي وكفاية

موضي بحزم: مالش لوا.. نقابي وعباتي علي قدامه لين نرجع الدوحة

ثم توجهت له طرقت الباب.. فتحته وتركته مفتوحا ووقفت عنده وهي تهمس: لبيه

راكان بهدوء: تعالي اقعدي.. خلني أقول لش علوم مشعل عشان تقولين لمرته عقب وتطمنينها

موضي بخجل: قل لي وأنا هنا

راكان يتفهم خجلها تماما وهو يقف ويتوجه ناحيتها: خلاص أنا أجي عندش

تراجعت موضي بحدة وهي تلتصق بالباب وكأنها تحتمي به من سطوة حضور راكان
وراكان يتوقف على بعد خطوة
ليخبرها بكل شيء ويطمئنها أن قضية مشعل لن تستغرق سوى أيام معدودة فقط

أشرقت عيناها بفرحة عميقة.. شعر راكان أنها تتسلل منها لعمق روحه ليبتسم بتلقائية لفرحتها

همست بنبرة سعادة طفولية شعر راكان بالجذل وهو يسمعها: بأروح أبشر هيا
ياقلبي بتجن من محاتاة مشعل




**********************



بيت محمد بن مشعل

ناصر يتوجه لبيت والده بعد أن صلى الظهر
كانت مريم ماتزال في عملها
لذا لم يجد إلا أمه التي أشرقت عيناها الباديتان من خلف برقعها بفرحة عميقة لا حدود لها وهي ترى ناصر يدخل عليها بدون عكازيه

ناصر يحتضن والدته ويقبل رأسها بحنو وهو يهمس لها بمحبة عميقة:
تكفين يالغالية لا تبكين.. دموعش الغالية خليها لشيء يستاهل

أم مشعل تمسح عينيها الغارقتين في بحر من الدموع وهي تهمس:
إذا ما بكيت وأنا أشوفك واقف قدامي.. ماعاد للدموع عازة

ناصر يعاود احتضان والدته : جعل ما يغدي لها عازة أبد

أمه تهمس باهتمام: خلني أشوف رجلك

ناصر يجلس ويجلسها جواره: اقعدي.. وأوريش
ثم يرفع طرف ثوبه عن ناحية قدمه اليسار ووالدته تحسسها بخليط من الألم والفرح
حزن على ساق ذهبت.. وفرح ناقص مبتور بساق تعوضه الحركة ولكنها تبقى جزءا غير فعلي من جسده..

تذكرت أم مشعل شيئا أنساها إياه فرحتها برؤية ناصر.. همست بعتب: ناصر وين مرتك؟؟

لم تغب مطلقا عن باله.. تشغل تفكيره حتى لو أنكر
همس بارتباك: خليتها في البيت

نهضت أم مشعل وهي تربت على كتف ناصر وتقول بذات نبرة العتب:
أنا بأروح أصلي الظهر..
وأنت روح شوف مرتك اللي تقول إنك خليتها وراك في البيت
وانتبه لمرتك يا ولدي.. ترا بنات عبدالله ذهب.. والذهب لو ضاع ما يعوض

ناصر شعر كما لو أن قلبه يعتصر بقسوة.. وأنه عاجز عن سحب أنفاسه
(وش فيها مشاعل؟؟ وش فيها؟؟)

توجه لبيته بسرعة.. وفتح الباب بسرعة ليتفاجأ بوجود عمته أم مشعل تصلي في الصالة
شعر بحرج شديد وتشويش.. نادى بصوت منخفض: مشاعل.. مشاعل

فوجئ أن من ردت عليه كانت لطيفة التي تأكدت من إسدال عباءتها
ثم عدلت وضع نقابها على وجهها وخرجت له من غرفته وهي تقول: الحمدلله على سلامتك يابو محمد

ناصر بقلق لم يظهر في صوته.. وعيناه تبحثان عن شيء ما خلفها:
الله يسلمش يأم محمد

لطيفة بفرحة حقيقية: والله ماني مصدقة شوفتش كذا قدامي الله يتم عليك عافيته

ناصر بهدوء رغم أن داخله يغلي قلقا غير مفهوم: مشكورة طال عمرش في الطاعة

يود أن يسأل عنها ولكن لسانه يلتصق بسقف حلقه جفافا وترددا

كان من تكلم هي أم مشعل التي أنهت صلاتها وأنزلت برقعها على وجهها وهي تلتفت له وتقول له بهدوء: الحمدلله على سلامتك يأمك

ناصر توجه لها وقبل رأسها وهو يقول باحترام: الله يسلمش يمه

أم مشعل بعتب عميق لم تخطئ أذنا ناصر نبرته الموجعة: ليش ما كلمتنا يأمك قدام تروح موعدك تعلمنا إن مشاعل تعبانة
مشاعل يأمك ضعيفة وأدنى شيء يمرضها

ناصر صمت.. لم يعرف ماذا يقول.. شعر بالمرارة والضآلة
والألم غير المفهوم يستمر في الانغراز بوحشية في قلبه
ماذا يقول؟؟ ماذا يقول؟؟

أنه يعلم أنها قضت ليلتها في غرفة باردة على بلاط بارد
وبدون أي غطاء أو حتى ملابس دافئة
أنه لم يرحم ضعفها ويأسها من قسوته وتسلطه
أنه لم يحاول حتى مجرد محاولة أن يكلمها ويطمئن عنها
أنه خرج صباحا دون أن يطمئن عن حالها وهو يعلم أنها لابد قضت ليلة مزرية تصارع وجع البرد والهجر والقسوة والأهمال
ماذا يقول؟؟ ماذا يقول؟؟
أنه تجرد من إنسانيته معها
لا ينكر أنه وقف مرارا أمام باب الغرفة وعلى وشك طرق الباب
ولكن ذكرى مقيتة كانت تعاود اكتساحه
هو يقف أمام الحمام في ليلة زفافه المشئومة.. يرجوها ويناشدها
ويبعثر وجعه أمامها دون أن ترأف برجولته وهي تصفعه برفضها له ونفورها منه

الآن عاجز عن الرد والكلام.. يشعر أنه صغير.. صغير
مفعم بضآلة مقيتة
انتزع كلمات ميتة من بين شفتيه: وديتوها المستشفى؟؟

لطيفة بأدب: وديناها.. معها نزلة شعبية.. الله يهداها ألف مرة قايل لها لا تسبحين وتخلين الدريشة مفتوحة
لأنه أقل برد يمرضها

(أهكذا قالت لكم؟؟
استحمت وتركت الباب مفتوحا
أ لم تقل لكم أنه زوجي الهمجي معدوم الإحساس
جرحني وأهانني ودفعني لقضاء ليلة في أحضان غرفة مثلجة
ستكون هي في احتواءها أكثر دفئا من أحضانه الصقيعية)

أردفت أم مشعل برجاء: أنا كنت أبي أخذها البيت أراعيها لين تصح وتشالى (تشالى=تطيب من المرض)
بس هي مارضت.. تقول ماتقدر تخليك
ياليتك ترخص لها يأمك.. وخص إنك ماشاء الله قطيت العكازات

شعور عارم بالمرارة يلتهمه.. أليس هذا ماكان يريده؟؟
أن يتخلص معها
وتحت عذر شرعي
ربما كان هو فوق ماتستحق
وربما كانت هي فوق ما يستحق
ماعاد يهم من منهما لا يستحق الآخر..
تفكيره مشوش للغاية.. ويشعر أنه يقف على أرض شديدة الهشاشة
وعشرات الأفكار القديمة والجديدة تنثر تفكيره في موجات عاتية

دخل إلى غرفته.. كانت تتمدد على السرير بضعف
لا يعلم لِـمَ رؤيتها بهذا الضعف تهز روحه بعنف لاسع..موجع
لطالما تسلحت بقوة رقيقة أمامه.. تحملت الكثير..الكثير منه طوال الأيام الماضية
بدت له دائما قوية حتى في ضعفها
ولكنه اليوم يراها غاية في الضعف.. وما عاد بها جَلد لاحتمال قسوته
وهو غير قادر على النسيان والمسامحة
عاجز عن تقبلها ومسامحتها ونسيان ما فعلته به
فقلبه مفعم بالسواد.. ومغموس بالمرارة
وفي ذات الوقت يرى أنه تجاوز الحد في القسوة عليها
تجاوز الحد كثيرا
يشعر بألم مر منها وعليها.. وكلا الألمين يتنازعان مشاعره بوحشية


همس بعد أن اقترب قليلا وهو يترك مسافة غير قليلة بينهما: مشاعل

حاولت الجلوس وهي تتسند بضعف وتستر كتفيها العاريين في غلالتها البيضاء وتهمس بخفوت معذب: لبيه

حينها رأته واقفا بدون عكاز.. أشرق وجهها المتعب بنور خاص
كان بودها أن تنهض لتحتضنه فرحا وتأثرا
ولكنها عاجزة عن القيام وهو لم يقترب منها
فرحة عميقة غزت روحها المرهقة من الهجر والقسوة
ولكن هذه الفرحة سرعان ما اُنتزعت منها بوحشية
وناصر يهمس بنبرة غير محددة الملامح:
مشاعل روحي مع أمش.. أنتي تعبانة.. وأمش تبي تراعيش

ثم أكمل بنبرة أكثر تمويها وغموضا:
والأحسن تقعدين هناك على طول

قمرهم كلهم 10-07-2010 11:06 AM

رد: أسى الهجران
 
واشنطن
سكن باكينام

سمعت باكينام صوت يوسف المتعب يصلها عبر الهاتف: ألو
شعرت أن شرايين قلبها تتصدع شريانا شريانا

ولكنها تجلدت وهي تهمس بثقة: اسمعني كويس يا يوسف
ما ترجعش تاني هنا
ولا حاولت تجبرني على حاجة.. أنت عارف احنا فين
تلفون صغير لـ 911 هتلائي نفسك متورط في جريمة اساءة تعامل
وأنت عارف هم متشددين أد إيه.. فمتجبرنيش أأزيك وأنت خلاص على وش تخرج
أنت مش هتستفاد من العند حاجة.. وأنا مستحيل أغير اللي في دماغي

يوسف بهدوء: جبانة

باكينام بغضب: أنا مش جبانة

يوسف يحاول استفزازها: لو مش جبانة.. مكنتيش استخبيتي مني
انزلي وكلميني وش لوش لو مش خايفة

باكينام بارتباك: مش عايزة أشوفك

يوسف بنبرة مدروسة: خايفة مشاعرك تخونك مسلا

باكينام بغضب: أنا نازلة دلوئتي

يوسف أغلق الهاتف وهو يبتسم بانتصار
كان قادما للتو من المستشفى
وأخذ عنوان سكنها من هناك
وعرف أن سبب انهيارها كان انهيارا عصبيا
استغرب كثيرا..
بكينام بقوتها وشراستها تنهار.. ولكنه لم يربط مطلقا بين سفره وانهيارها
بل توقع أن هناك ماحدث لها قبل أن تصل للمقهى لذا انهارت بعد الخروج منه
ولكن معرفته أنها قد تنهار تحت الضغط رقق قلبه بصورة تلقائية غير مقصودة عليها
وهو يتذكر ما تناساه
أنها تبقى أنثى ضعيفة..
وهو بالغ كثيرا خلال الأسابيع الماضية في الضغط عليها

كان غارقا في أفكاره حتى وصلت وجلست أمامه وهمست بهدوء حاد: نعم؟؟ عاوز تئول إيه؟؟

نظر لها بشجن عميق..
تمنى لو يستطيع زرعها بين أضلاعه..غمر وجهها بقبلاته
سكب مشاعره وحبه بين جنبيها وعلى مسامعها
ولكن

أي زوجين غريبين هما؟؟!!

يوسف بهدوء وهو يعتدل في جلسته: عاوزك ترجعي معاي لبيتك

باكينام بهدوء: أنا ماليش بيت هنا غير السكن ده

يوسف يحاول التزام الهدوء وهو يهمس من بين أسنانه:
باكينام بلاش شغل الجنان ده.. ازاي تئعدي في مكان وجوزك في مكان.. ايه المنطق ده؟؟

باكينام بألم حاولت إخفائه لكنها فشلت: أنته ماخليتش فيها منطق يا يوسف
أنا عمري ما تجرحتش من حد زي ما اتجرحت منك

يوسف بهدوء موجع: إزا على الجرح.. ومين جرح مين.. فأنتي كمان مش مئصرة

باكينام بعمق: ومادام كل واحد بيجرح التاني.. إيه اللي يجبرنا نستمر في الحياة دي؟!!

صمت يوسف
كان بوده أن يقول
(يجبرني أنني أتنفس هواكِ
أنك تدبين في عروقي
وتتغلغلين في روحي حتى أقصى جذورها)

ولكنه يستحيل أن يعترف لها بحبه... بينما هي تصفعه بخيانتها ورفضها
لن يحتمل رفضها حينها
لن يحتمل أبدا

تنهد بعمق: يجبرنا الرابط الشرعي اللي بيننا
هوا من الشرع أنك تعصيني وتخرجي من بيتك من غير إزني؟؟

حينها شعرت بألم عميق.. فهي مع نعمة الله عليها مؤخرا بتزايد تدينها
أصبح كل ما يمس تدينها يسبب لها رعبا خوفا من خدشه أو عصيان ربها

باكينام بألم: يوسف ربنا يخليك.. ما تمسكنيش من إيدي اللي بتوجعني
أنا مش طايئة أرجع لبيتك.. طلئني يا يوسف.. وخلي الاحترام بيننا

رغم ألمه العميق من صفعها له بطلب الطلاق بكل هذه البساطة دون أدنى مراعاة لمشاعره

همس بهدوء وهو يقف: أنا هسيبك ترتاحي كم يوم وهأرجع لك تكوني فكرتي
وافتحي تلفونك.. ما تسبينيش ئلئان عليكي
وفكرة الطلاء دي شيليها من دماغك.. لأنها فكرة مستحيل تحصل



***************************



بيت ناصر

حينما رأت مشاعل ناصرا واقفا بدون عكاز.. أشرق وجهها المتعب بنور خاص
كان بودها أن تنهض لتحتضنه
ولكنها عاجزة عن القيام وهو لم يقترب منها
فرحة عميقة غزت روحها المرهقة من الهجر والقسوة
ولكن هذه الفرحة سرعان ما اُنتزعت منها وناصر يهمس بنبرة غير محددة الملامح:
مشاعل روحي مع أمش.. أنتي تعبانة.. وأمش تبي تراعيش

ثم أكمل بنبرة أكثر تمويها وغموضا:
والأحسن تقعدين هناك على طول

مشاعل مصدومة تماما.. تعلم أنه حدد مهلة شهر أو شهرين لانفصالهما
ولكنها كانت تعتقد أنه مجرد تهديد لا يعنيه بحذافيره
ولكن أن يستغل مرضها كغطاء للإلقاء بها كشيء مهمل لا حاجة له به كان شعورا جارحا موغلا في الألم والإهانة

مشاعل بألم: يعني خلاص ركبت ساقك.. وماعاد لك حاجة فيني؟؟

ناصر لا يعلم أي قسوة غريبة تسيره: وماكان لي فيش حاجة قبل الساق أصلا
بس أنا قلت لش نبي ننتظر شهر أو شهرين
وخلاص الحين صار لنا شهر من تزوجنا.. وأشوفها فرصة ترجعين بيت هلش عشانش مريضة وعقب نتحجج بأي شيء تقعدين هناك لين..........

مشاعل قاطعته بذهول: تشوفها فرصة؟؟ لها الدرجة أنا كاتمة على قلبك؟!!

ناصر يتقدم حتى يصبح على القرب منها وهو يهمس بتهكم مصطنع: تقدرين تقولين كذا!!

مشاعل بنبرة ميتة تماما: ناصر أنا لو طلعت من بيتك مستحيل أرجع له

ناصر بقسوة: وماحد بطالب منش ترجعين

مشاعل بألم: ناصر أنا ما أستاهل منك اللي تسويه فيني
تحاسبني على خجلي وخوفي ليلة عرسي؟؟
أنا قدمت لك عقبها ألف دليل أني أبغيك وأبي أكمل حياتي معاك

ناصر بعمق متوحش: قلتها لش قبل يا بنت عمي
من عافنا عفناه لو كان غالي


مشاعل تحاول النهوض وهي تهمس بألم جرحها العميق: ماخليت فيها غالي يا ولد عمي

مع وقوفها شعرت بالدوار وكانت تريد أن تعاود الجلوس
ولكنها فوجئت بذراع قوية تسندها وتقربها منه
وهو يهمس لها من قرب قريب بنبرة غامضة: أنادي لطيفة؟؟؟

كان موقفا غريبا.. يطردها من بيته لتجد نفسها بين أحضانه
كانت الفرصة الأخيرة لكل منهما ليشعر بقرب الآخر.. يستنشق عبق رائحته وخصوصية عطره
لم يبحث أي منهما عن تفسيرات غبية.. يكفيهما أن يعيشا اللحظة التي لن تتكرر..
كان ينظر لتفاصيل وجهها بتمعن ..
تمنى بعمق ووجع أن يقبلها.. يتعرف على طعم شفتيها التي لطالما أسكرته وهو يراها ترف بعذوبة الفراشات حين تتحدث
وتمنت هي أن تسكن أضلاعه للأبد.. فهي تريده حتى آخر نبض وشريان فيها
ولكن الأمنيات ماتت قبل أن تتجاوز حتى أعماقهما اللا واعية إلى فضاء وعيهما..

نُحرت أمنياتهما على مقصلة غرابة البشر ورغبتهم الدائمة في تعذيب أنفسهم من أجل وهم كرامة هي أرخص بكثير من ألم قلبين يتعذبان دون سبب

كانت مشاعل من همست وهي تبعثر ماتبقى من كرامتها من أجل فرصة أخيرة معه: ناصر أقولها لك أخر مرة.. والله العظيم أنا أبيك..
ولو طلعتني من بيتك ماني براجعة له لو مهما صار..

ناصر أفلتها وهو يتأخر خطوة للخلف وينادي بصوت عالي:
يا أم محمد.. تعالي ساعدي مشاعل تلبس



*************************



بعد ذلك بساعتين
بيت مشعل بن محمد


لطيفة تصل من بيت والدها بعد أن أطمأنت على وضع مشاعل التي عادت لغرفتها المهجورة منذ حوالي شهر
وأكثر الناس فرحا بمرضها هذا سلطان لأن المرض أعادها إليه
لطيفة طبعا لاحظت اكتئاب مشاعل غير الطبيعي ولكنها أرجعته لمرضها
أطمئنت على أنها تغدت رغم أنها لم تكن تريد أن تأكل لولا أن جدتها ظلت تصر.. فأكلت من أجلها وتناولت دواءها وتمددت
بينما لطيفة عادت لبيتها ووعدتها أن تعود لها بعد صلاة العصر

وهاهي تدخل لغرفتها بعد أن تركت بناتها في غرفتهن بعد أن أبدلت ملابسهن
ومرت بغرفة ابنيها اللذين كانا مع والدهما وتغديا معه في المجلس
وجدتهما يلعبان أمام التلفاز.. تركتهما وانسحبت لغرفتها وهي تتنهد
فهي تعلم أن مشعلا لابد هناك
وهناك مواجهة تنتظرها لا يمكن تأجيلها

كان يجلس على الأريكة بيده جهاز التحكم ويتابع الأخبار
حين رأها تدخل.. كتم الصوت ووضع جهاز التحكم على الطاولة
والتفت لها وهو يقول بهدوء: تعالي لطيفة

لطيفة بذات الهدوء: إن شاء الله بس عطني خمس دقايق أغسل وأبدل وأجيك

أنهت مهمتها وهي تشعر بتوتر عميق
فمشعل خلال الثلاثة عشر عاما الماضية ومع تجاهله لها كأنثى لكنه كان يقدرها لأبعد حد كربة بيت وأم..
ولم يتهمها يوما بالتقصير في حق أولادها أو بيتها..
وأن يتهمها بالتقصير بعد أن تصافيا وتمازجا روحيا لأبعد حد كان شيئا جارحا لأبعد حد أيضا

تقدمت بهدوء وجلست جواره
مشعل تناول كفها واحتضنها وهو يهمس بهدوء عميق: آسف حبيبتي على اللي صار اليوم

لطيفة بهدوء: حبيبي أنا ما أبيك تعتذر.. لأنه الاعتذار مهوب حل

مشعل يسند كتفيه للخلف وهو مازال يحتفظ بكفها ويهمس بهدوءه المعتاد: ليه وين المشكلة؟؟

لطيفة برقة: المشكلة إنه أنت طول عمرك هادئ.. وطول عمرك تقدرني
وطول عمرك تتصرف في كل المشاكل بحكمة
جاء على موقف حمود وكل شيء أعرفه عنك اختلف
عصبت.. واتهمتني.. ثم خانتك الحكمة في التصرف لولا إنك تداركت نفسك في الأخير وتصرفت زين

مشعل بهدوء: أعترف إن الموقف كان صعب علي.. لأني ما تخيلت إن حمود يدخن.. كان موقف فوق تصوري

لطيفة تتنهد: وفرضا إنه سواها عقب كم سنة ودخن.. بتحل المشكلة بنفس العصبية اللي اليوم؟؟!!..
ما يصير مشعل.. تدري إن المراهق ما يعامل بالشدة
والطرف الثاني للمشكلة هل كل ماصار موقف صعب عليك تصوره مثل ما تقول.. بتتهمني إني مقصرة؟!!
وصارحني يامشعل هل أنت تشوفني فعلا مقصرة في حق عيالي؟؟

مشعل باستنكار: حاشاش... هي بس كلمة في ساعة غضب.. والله ماقصدتها ياقلبي.. وقلت لش آسف واعتذرت لش..خلاص
وأوعدش إنه لو صار مشكلة لأي واحد من عيالنا..أحاول أتحكم في أعصابي
أنا أصلا نادرا ما تخوني أعصابي.. بس شيء يلحق عيالي ماأستحمله
بس خلاص فكيها ياقلبي.. ما يهون علي شوفتش مكشرة وزعلانة

لطيفة تتنهد وهي تحاول رسم ابتسامة: خلاص حبيبي ماصار إلا خير
ومايصير إلا خير إن شاء الله



***********************



لندن
شقة آل مشعل
ذات الوقت ولكن توقيت مختلف
قبل الظهر بقليل


موضي وهيا في المطبخ تتناولان إفطارا متأخرا
هيا وموضي نفسيتهما رائقة تماما بعد أن بالغ راكان في طمأنتهما على مشعل

موضي تسأل هيا باهتمام: ياقلبي ياهيا من يوم جينا هنا وأكلش مهوب عاجبني
مشعل طيب وبخير وانتي مسوية اضراب عن الأكل

هيا بابتسامة: لا والله مهوب عشان مشعل.. بس ماني بمشتهية الأكل صار لي مدة.. طاري الأكل يلوع كبدي.. وهذا أنا أشرب شاي
ثم أردفت بتساءل: راكان مو كنه تأخر في النوم؟؟ مهوب متريق؟؟

موضي بتلقائية وهي ترتشف من كوبها: أصلا طليت عليه الصبح بدري مالقيته
شكله طلع من بدري

هيا بخبث: يا اللي ما تستحين رايحة تطلين على الرجّال..
ثم أكملت بتهكم: عسى ما نسيتي نقابش وعباتش بس؟؟

موضي ترقص لها حاجبيها: لا ما نسيت.. والرجّال رجالي وش حارق بصلتش؟؟

هيا تبتسم: أنتي قلتيها.. رجّالش.. صدق عبيطة..

موضي تبتسم: العبيطة فاتشة خشتها قدامي.. الله يعين مشعل عليش بس

هيا تنهدت: فديت الطاري.. تكفين موضي.. كلمي راكان أسأليه عنه..
وإذا كان ممكن نشوفه

موضي بحنين مشابه: بأسأله عنه.. بس الشوفة ما ظنتي يوافق لا هو ولا مشعل نروح له في مركز التحقيق

هيا بتأفف: أما عيال آل مشعل ذولا كلهم عاهات فكرية
وش فيها لو رحنا نشوفه في مركز التحقيق.. حد بياكلنا؟!!

موضي بابتسامة: والله هذا اللي الله عطانا... ذا العاهات الفكرية..

هيا بحنين عميق: فديت عاهتي الفكرية... ياني اشتقت له.. جعل يومي قبل يومه

موضي (بعيارة): عشتو.. ماعندش سالفة اللي مشعل يطيح رأسش

هيا (بعيارة) مشابهة: نشوف راكان لا طيح اللي في رأسك

موضي تحاول أن تجاريها: وأنتي كل شيء لازم تدخليني فيه أنا وراكان؟!!

هيا تنظر لها نظرة مباشرة: موضي قولي لي أنتي ليش متوترة كذا من راكان؟؟

موضي بوغتت تماما: أنا ؟؟ من اللي قال لش؟؟

هيا بعمق: مايحتاج حد يقول لي.. عندي عيون.. وماعندي حد غيرش أنتي وياه أسوي عليكم رقابة

موضي كأنها تنظر لما خلف هيا وهي تهمس بألم: بصراحة وبيني وبينش
أشوف أني أنا وراكان طرفين غير متكافئين في معادلة الزواج ذي لا شكلا ولا مضمونا

هيا تنهض لتضع كوبها على المغسلة وتغسله وهي تقول باهتمام: والمعنى؟؟

موضي بألم: يعني هو كشحصية وشكل رجّال يستاهل وحدة تكون توازيه
مهوب وحدة مثلي

هيا تبتسم وتعاود الجلوس بعد أن نشفت كأسها ووضعته في الدولاب:
تدرين إن هذا أغرب كلام سمعته في حياتي
بس ما ألومش أنا مريت بحالة مشابهة ومختلفة.. أنا ماقارنت نفسي في مشعل
قارنت نفسي فيكم أنتي وخواتش.. لقيت نفسي خسرانة المقارنة
وأعرف زين ألم المقارنات الفاشلة

موضي باستنكار: وليش تقللين من قدر نفسش.. وش فينا زود عليش؟؟

هيا ابتسمت وهي تقول: قولي الكلام هذا لنفسش

موضي تراجعت لهجتها الحماسية لتهمس بخفوت: شوفة عينش
راكان شكله ومضمونه شيء أكثر من اللي تستحقه وحدة مثلي

هيا تبتسم: صحيح هو وسيم ماشاء الله لكنها وسامة الرياجيل العادية يعني مهوب مثل فارس مثلا
وما أنكر صراحة إن هيبته مع طوله وعرضه ترج شويتين وتخوف
بس أنتي على الطرف الثاني ألف واحد مثل راكان وأحسن يتمناش
أنتي ذهب موضي.. والله العظيم ذهب.. ما أجاملش في وجهش
أنتي من بد خواتش من غير قصور فيهم ومع غلاهم الكبير في قلبي انتي اللي دخلتي قلبي وعششتي وتحكمتي
لش قدرة غريبة إنش تدخلين بين الواحد وروحه.. وتستولين على مشاعره بصورة طبيعية كأنها قدرة طبيعية أنتي تمتلكينها

موضي هزت كتفيها وهمست باستنكار مؤلم: كلام إنشاء

هيا وقفت وتوجهت ووضعت يدها على كتف موضي وهمست من قرب:
لا تخلين حياتش مع حمد تخرب عليش فرصة إنش تبدين حياة جديدة حقيقية
لانه أنتي مع حمد ما عشتي سعادتش بالسكن لنصفش الثاني
أنا لأني جربت هذي السعادة وعايشة فيها أقول لش لا تفوتينها على نفسش
حمد ماكان هو نصفش الثاني اللي الله كتبه لش.. والحين فيه حياة جديدة تنتظرك مع رجّال نادر لا تضيعينها يا موضي..

موضي همست بألم عميق جارح: حمد ما بقى لي حياة أعيشها
ولا بقى فيني أنثى أصلا عشان تعيش ذا الحياة..



**********************



قبل صلاة المغرب
على الكورنيش
الجو بارد ولكن غاية في الانتعاش


فارس وناصر يرتديان لباسين رياضيين ويركضان على الكورنيش
طولهما وألقهما لافت للنظر تماما

فارس يهمس وهو يلتقط أنفاسه: ناصر بسك ركض.. ضغطت على نفسك وأنت توك مركب الساق..

ناصر يشعر بضيق عظيم خانق منذ خرجت مشاعل من بيته وفي عينيها نظرة انكسار نحرت روحه بوحشية
كان بوده أن يوقفها.. يحتضنها..يُسكنها بين أضلاعه
يمسح عن ألق عينيها المتعبتين وجع نظرتها
يقول لها
(سامحي قسوتي أيتها الحمامة الوديعة
ربما هكذا كنا
أنتي حمامة.. وأنا صقر جارح محلق
والحمائم لا تساكن الصقور!!!
انفذي بجلدك مني
انفذي بما بقي من وداعة روحك قبل أن أنتهكها بوحشيتي
أجل أنا متوحش.. متوحش
وإلا من الذي يستطيع أن يقاوم أن يذوب أمام عذوبة أنوثتك إلا متوحش خال من الإحساس مثلي؟!!)

همس لفارس وهو يلتقط أنفاسه بدوره: لفة بعد.. لفة وحدة وخلاص

ابتسم فارس : بس ماشاء الله.. صدق اللي يشوفك مستحيل يصدق إنك تركض كذا على ساق صناعية

ناصر بعمق: يقطع من ناحية ويوصل من الثانية سبحانه عز وجل له ألف حمد وشكر

فارس يتذكر: يالله لفة ويكون المغرب أذن.. نصلي هنا ثم نلحق نرجع أتسبح وألبس وأصلي العشاء وأحضر شوي من عشاء عمي عبدالله..
ثم أطلع العنود واعدها نطلع نتعشى برا

ناصر يستعد للركض وهو يهمس: الله يهنيكم.. تقول قطاوة مطاعم أنت وياها

فارس يبتسم: قل أعوذ برب الفلق.. وعلى الطاري أنت بعد الليلة لازم تطلع أنت ومشاعل تحتفلون بساقك الجديدة بعد عشاك

ناصر بنبرة غير محددة الملامح: مشاعل تعبانة شوي وعند بيت أهلها

فارس بغضب: تدري ماعليك شرهه.. يعني لنا ساعة نركض وماطرا عليك تقول لي إن أختي تعبانة
خلاص بأروح لها الحين

ثم استدرك فارس وهو يقول بشبح ابتسامة: كذا يا نويصر تسبقونا
خيانة.. تزوجنا سوا.. المفروض نجيب عيالنا سوا

ناصر غصبا عنه كح من الحرج وهو يقول: الله يهداك وش عياله.. تو الناس

فارس وهو يخرج مفتاح السيارة من جيبه: صار لكم شهر.. بس بعد خونه أنت وياها
خلني لين أقول للعنود بس..

ناصر بهدوء: يا ابن الحلال والله العظيم مهيب حامل معها نزلة شعبية

فارس هاجمه القلق: ياكثر ما تمرض ذا البنية.. خلاص يالله نروح البيت
أمش معي نتطمن عليها

ناصر ارتاع: أنا.. لا لا.. بأروح بعدين..

فارس بهدوء: يا ابن الحلال تعال معي.. عشان ما تنحرج تدخل البيت بروحك
ثم أردف وهو يقطب جبينه: وإلا لا تكون ما تبي تشوف مرتك؟!!

ناصر اُسقط في يده.. موقفه سيبدو محرجا لو لم يزرها وهي خرجت اليوم مع والدتها وأختها وبدا الوضع أمام الاثنتين طبيعيا جدا

ناصر تنهد: خلاص بأروح البيت أتسبح وألبس ثم نروح سوا



********************



لندن
شقة آل مشعل
بعد صلاة العصر
الساعة الرابعة والنصف عصرا بتوقيت جرينتش
لندن في الشتاء تكون على توقيت جرينتش تماما
وفي الصيف يكون الفرق بين التوقيتين ساعة لأن الساعات تُقدم لساعة للتوقيت الصيفي


هيا وموضي تجلسان في الصالة الداخلية
تتبادلان الحديث
سمعتا صوت باب الشقة يُفتح

هيا بحماس: وأخيرا جاء رجّالش المبجل.. تكفين قومي إسأليه عن مشعل

موضي بحرج: خلي الرجّال يأخذ نفس.. ما يصير أول ما يدخل يلاقيني ناطة في وجهه

هيا تبتسم: أنتي مهوب بتقومين تلبسين عباتش ونقابش؟؟

موضي بتأكيد جازم ومرح في ذات الوقت: أكيد طبعا

هيا بذات الابتسامة: خلاص على ما تلبسينهم يكون خذ نفس وزيادة

موضي قامت لتلبس وهي تقول لهيا: لو أني أنا ما أبي أتطمن على مشعل أو كان مستحيل أروح له وهو ما دق علي

موضي لبست ثم توجهت للمجلس.. طرقت الباب..
جاءها صوته الفخم المثقل بالعمق: تعالي موضي

فتحت الباب وتقدمت لخطوة واحدة لتشعر بحرج كاسح وهي ترى راكان يتمدد على الكنبة وظهره مسند لطرف الكنبة وقدماه الحافيتان تتجاوزان طرف الكنبة الآخر
وأزرار قميصه العلوية مفتوحة بصورة تلقائية ولكنها سببت لها حرجا بالغا وهي ترى جزءا من عضلات صدره بارزا بوضوح
أنزلت عينيها وهمست: كنت أبي أسأل عن مشعل؟؟

راكان بهدوء: مشعل طيب.. تو تحقيقاتهم ما خلصت بس مهيب مطولة إن شاء الله

ثم أشار لمغلف أصفر يقبع على الطاولة أمامه:
وهذي شهادة بنت سلطان صدقتها خلاص.. اخذيها عطيها إياها

موضي لم تتحرك من مكانها وهي تهمس بخجل: بأخذها بعدين

راكان اعتدل في جلسته وتناول المغلف ونهض ليعطيها إياه لأنه فهم أنها تريد أن تبقى محتمية بالباب ولا تريد التقدم ناحيته

موضي تراجعت لتلتصق بالباب تماما وهو يمدها بالمغلف ويهمس بنبرة واثقة توحي بالعتب:
موضي تراني ما أعض

موضي صمتت بحرج بالغ
وهما يتبادلان نظرات مثقلة بسكون عميق والجو بينهما يُشحن بتوتر غير مفهوم
وكأن هناك شرارات عصية على التفسير تدور حولهما
هي تتأمل وجهه الوسيم المشبع بتفاصيل الرزانة وهو يتأمل عينيها المشبعتان بسحر غريب هو خليط من عمق وانكسار
راكان انتزع نفسه من أسر هذا الجو الغريب وعاد للجلوس مكانه بثقة هادئة

وموضي بقيت لثواني يلفها توترها وحرجها
بعدها قالت بخفوت: أحط لك غداء؟؟

قال وهو يعاود التمدد: أبي أنام بس.. قوميني قبل أذان المغرب ولا عليش أمر



***************************



بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشاعل
بعد صلاة المغرب

مشاعل منذ مجيئها من بيتها السابق عند الظهر وهي معتكفة في غرفتها
نزلت قليلا لجدتها عند الغداء
لأن جدتها أصرت أنها ستصعد لها إن لم تنزل هي
ثم عادت للاعتكاف في غرفتها
فما تشعر به من ألم أكبر من احتمالها
تشعر أن مسام جسدها تقطر ألما بقدر ما تشبعت كل خلية من خلاياه ألما ووجعا
أي ذنب مريع ارتكبته حتى تستحق هذه المعاملة من ناصر؟!!
تحاول أن تجد له مبررا ولكنها لا تجد أي مبررات
أ يكون للقسوة مبرر؟!!
أ يكون للتجريح مبرر؟!!
أ يكون لنحر الروح مبرر؟!!


رن هاتفها.. التقطته.. نظرت للشاشة ثم ردت بضعف: هلا فارس
..........................
تعال حياك لغرفتي ماعندي حد

اعتدلت في جلستها وهي تتناول جلالها وتضعه على ذراعيها لأنها كانت ترتدي قميصا قطنيا بدون أكمام

طرقات قوية على الباب
مشاعل بصوت عالي قدر ما يسمح لها ضعفها وطبيعتها: تعال فديتك.. ادخل

دخل فارس
ولكنه لم يكن لوحده..
كان معه شخصا آخر
شعرت حين رأته أن حرارتها المرتفعة أصلا ترتفع
أكثر وأكثر وأكثر!!

قمرهم كلهم 10-07-2010 11:12 AM

رد: أسى الهجران
 
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة مشاعل
بعد صلاة المغرب

فارس يدخل للغرفة وناصر معه يخفي توتره العارم

مشاعل شعرت بصدمة حقيقية.. فهي كانت تعتقد أن اليوم قد تكون المرة الأخيرة التي ستراه فيها
رغم أساها العميق منه.. وجرحها النازف بسببه
ولكنها لا تستطيع انكار شعورها بفرحة شفافة غزت روحها وهي تراه يتقدم منها بصورة طبيعية جدا وخطوات واثقة ثابتة
سلما كلاهما
ردت السلام بخجل بصوتها المبحوح من المرض وفارس يميل عليها ليقبل رأسها بينما ناصر واقف في مكانه..
لم يكن في غرفتها سوى كرسي واحد لمكتبها
جذبه فارس وجلس عليه وهو يقول لناصر بصورة تلقائية:
أنت اقعد جنب مرتك

ناصر وجد نفسه مجبرا أن يجلس جوارها على سريرها وهي تزيح له مكانا بخجل
ولكن هذا لم يمنع عضده الصلب من الالتصاق بكتفها رغم تحاشي كلا منهما لهذا التلامس
ناصر كان ينظر حوله بتأمل.. لغرفة مشاعل قبل أن تصبح زوجته
ذوقها راق جدا وأنثوي لأبعد حد
غرفتها تشبهها تماما
غرفتها يشيع بها روح عذوبة مصفاة وبهجة احتواء ناعمة
شعر بألم غير مفهوم وهو يلتزم الصمت ونعومة بشرة مشاعل تحتك بعضده وهي تحاول أن تبتعد دون أن يلاحظ فارس..
وكل محاولة تبوء بالفشل..


فارس كان أول من تكلم وهو يقول بهدوء: سلامات ما تشوفين شر

ردت عليه مشاعل وهي تدعك أناملها توترا من هذا الملتصق بها: الله يسلمك

فارس يسألها: وش اللي معش بالضبط؟؟

مشاعل ردت بارتباك ودعكها المتوتر لأناملها يتزايد.. التوتر الذي لاحظه ناصر تماما: نزلة شعبية بسيطة

فارس باستفسار: وش منه؟؟

مشاعل بارتباك أكبر ومفاصلها أبيضت تماما من دعكها لأناملها: تسبحت وخليت الدريشة مفتوحة

فارس باستنكار: أنتي صاحية.. حد يتسبح ويخلي الدرايش مفتوحة وحن في شهر واحد؟؟!!

مشاعل تكاد تذوب ارتباكا وخجلا: عاد اللي صار

ناصر كانت عيناه بدون أن يشعر مثبتة على أناملها التي تكاد تتمزق من دعكها المتوتر لها
مد يده بدون أن يشعر ليديها ليمسكهما بقوة حانية وهو يهمس في أذنها: بسش مشاعل.. قطعتي إيديش

مشاعل شعرت بصدمة كاسحة.. ملمس يديه ثم همساته في أذنها شيئان فوق احتمالها

فارس حين رأى اللمسات ثم الهمسات شعر بالحرج وهو يقف ليخرج ويقول لناصر: أنت خذ راحتك.. أنا أتناك تحت عند جدتي

ناصر بجزع لم يظهر في صوته الهادئ: فارس وقف بأروح معك

ولكن فارس كان قد خرج وأغلق الباب خلفه

مرت لحظات صمت طويلة قطعها همس مشاعل المبحوح:
ناصر خلاص فك يدي.. فارس طلع من زمان

تفاجأ ناصر أنه مازال يمسك يديها كلتيهما بيده.. أفلتها وهو يقف ليجلس على كرسي فارس
والصمت يعود ليسيطر على الجو المشحون بينهما..
وهما يتبادلان نظرات عميقة وكأن كل منهما يريد أن يحفر تضاريس ملامح الآخر في ذاكرته
هي شعرها الحريري القصير يسترسل حول وجهها في هالة تحيط بخديها المحمرين من أثر الحمى
تلف ذراعيها بجلال أبيض وكأنها حمامة بيضاء أنهكها الطيران فحطت أرضا لترتاح فأغتالتها أحزان الأرض

وهو كان متأنقا في ثوب شتوي داكن مع غترة شال.. كانت تنظر حتى لقدميه الحقيقية والصناعية وهما في حذاء جلدي ثمين أغمق من لون الثوب بدرجة أكمل أناقته اللافتة
(هل تأنق هكذا لزيارتي؟!!
من المؤكد لا..
ربما هو ذاهب لمكان ما بعد أن يخرج من هنا
أين سيذهب وعشائه الليلة عند والدي؟؟)

أخيرا تكلم ناصر وهو يهمس بعمق: بيضايقش لو جيت أزورش من وقت للثاني؟؟
عشان أهلنا ما يلاحظون

مشاعل بهتت.. بـــهـــتـــت
فهي مصدومة بعنف بطلبه غير المتوقع وغير المعقول
ردت بألم مصدوم: مافيه داعي ناصر.. دامك ناوي تنحرني.. ليش تطول في السالفة
البهيمة اللي هي البهيمة حرام تعذيبها قبل نحرها.. وأنا بنت عمك.. ارحمني شوي
قل لأهلنا ماصار بيننا توافق وخلاص

ناصر لا يعلم أي جنون وتناقض يسيره: مهوب الحين..

لا يعلم حتى ما السبب الذي دفعه لطلب رؤيتها مرة أخرى..
شعر أن شيئا عميقا في مشاعره انتفض وتحرر فيما يشبه الثورة الحقيقية وهو يراها في مكان آخر غير بيته...
وهو يراها في مكانها القديم قبل أن تصبح زوجته
شعر أن نبضات قلبه تتصاعد بشكل هستيري وهو يتمعن في كل تفصيل من تقاصيلها
ووجودها ينسفه بشكل غير مسبوق عاجز هو عن تفهم غرابته
شعر أنه عاجز عن التنفس بحضرتها.. وقلبه يكاد ينفجر من الألم..
ولكن الغريب أنه يشعر بالحرية أخيرا
يشعر أنه حر فعلا.. ومشاعره تتحرر وناصر القديم يعاود الإطلال برأسه


مشاعل أجابته بعتب عميق مشبع بالألم: حرام عليك تعذبني وتهيني كذا يا ناصر

ناصر وقف ليهرب من أسر مشاعره التي فاجأته واكتسحته في سيل متتال من الصدمات..
والتي شعر بصداع حقيقي وهو يحاول مقاومتها أو حتى مجرد تفهمها..
همس بثقة أخفى خلفها طوفان مشاعره الكاسح: أستأذن.. تبين شيء؟؟

مشاعل باستغراب متألم: أبيك ترسيني على بر.. أنا ماني بلعبة عندك..

ناصر فتح الباب ليخرج وهمس لها هو عند الباب: لو احتجتي شيء دقي علي

مشاعل غاية في الاستغراب..
اليوم عند الظهر طردها من منزله.. وبعد المغرب يأتي لزيارتها وكأن شيئا لم يكن
أي تفكير مجنون يخطر بباله؟!!
وأي غرابة تسيطر على أفكاره؟!!

ولكن ليفكر ما يشاء
فهي على كل الأحوال يستحيل أن تعود له
فإذا كان قد قال (من عافنا عفناه لو كان غالي)
فهي قالت ( لو طلعت من بيتك مستحيل أرجع له)



************************



لندن
مركز التحقيق الرئيسي

مشعل يتمدد وهو ينظر للسقف
نعم هو متجلد لأبعد حد ويعتبر أن ما يمر به هو مجرد أزمة ستمضي
وليس هو من يعجز عن مواجهة الأزمات
ولكن إحساس الظلم إحساس مؤذ
أن يتعرض للاتهام والظلم هو وكل عرقه العربي وكأنهم يتعرضون لحملة اتهام عالمية تحصرهم في زاوية مظلمة
أن تُختزل كل عظمة المسلمين والعرب وتاريخهم العريق في خندق اتهام مفصل جاهز اسمه "الإرهاب"
ويُجند كل إعلام العالم في حملة منظمة مقصودة لتعزيز هذه الصورة وتكثيفها حتى يصبح الإرهاب رديفا لاسم كل عربي ومسلم
لتغطية جرائم حكومات معينة وإبعاد النظر عنها

كل هذا كان مؤذيا لروحه الوثابة المشبعة بالإيمان.. يعلم أن راكان طمئنه أن الوضع مؤقت وسيحل الأشكال
ولكن كم من المظلومين ذهبوا في اتهامات ظالمة وانتهى مستقبلهم على عتبة الظلم الغير قابل للنقاش
ماذا لو اخترعوا له تهمة وخصوصا أنه له سابقة عنف مثبتة في ملفاتهم
لمن يترك أسرته؟؟
سلطان مازال صغيرا.. ووالده رغم قوته ولكنه يزحف للشيخوخة
والدته العميقة الصامتة الحنونة.. هل يُكتب عليها حزن تتجرعه بصمت؟!!
ريم مازالت صغيرة..
وهيا؟؟
هيا لمن يتركها.. لن تحتمل مطلقا.. فهي تعبت من الحزن واليأس والفراق
وشقيقاته المتزوجات من سيقف جوارهن لو تعرضن للضيم من أزواجهن
آلاف الأفكار المؤلمة والهموم تزاحمت في عقل مشعل الذي يحمل هموم غيره قبل همه

تنهد بعمق
ثم نهض ليتناول المصحف الذي أحضره له راكان
ويبدأ في تلاوة عميقة
تلاها دعوات عميقة لله عز وجل أن يفرج همه ويشرح صدره



**************************



قبل المغرب بتوقيت لندن
شقة آل مشعل

هيا بودها أن تقول شيئا ولكنها مترددة
جلست بجوار موضي ثم عاودت النهوض
موضي بغيظ: تراش حولتيني.. في بطنش علم.. خلصيني

هيا بارتباك: خلينا نروح الصيدلية

موضي باستغراب: ليش الصيدلية؟؟

هيا بهمس: يا أختي أنا أدل هنا عدل.. بأطلع أنا وياش شوي ونرجع
أبي لي شغلة

موضي بخبث: اللي هي؟؟

هيا بخجل: تيست حمل

موضي قفزت وهي تصرخ بفرح مجنون: يا الخايسة وتوش تقولين
من متى؟؟ من متى؟؟

هيا بخجل عميق: فضحتيني.. راكان سمع صياحش..
أخر دورة شهرية جاتني في واشنطن تاريخ 13/12
واحنا الحين في أخر شهر واحد.. ودورتي كانت منتظمة مثل الساعة

موضي تضحك بفرحة عميقة: لا وكبدش لايعة عليش.. ومنتي مشتهية الأكل
ودمش ثقيل... يعني حامل بدون شك..
بس مايضر خلنا ننزل ونجيب تست وإلا نروح دكتورة أحسن؟؟

هيا بخفوت: تيست يكفي.. وعقب بأروح للدكتورة لا طلع مشعل.. عشان أسالها عن السفر

موضي بتأثر: فديته مشعل يا هو بينبسط.. لا تقولين له لين يطلع.. خلي فرحته فرحتين

هيا بتأثر مشابه: خله يطلع بس

موضي قامت تلبس عباءتها ونقابها: بأروح أصحي راكان وأستاذنه على ما تلبسين أنتي

موضي توجهت للمجلس.. فتحت الباب بهدوء وأطلت برأسها
كان يتمدد على الكنبة ويده تغطي وجهه همست موضي بهدوء خجل: راكان راكان

راكان أزال يده عن وجهه وصوته الناعس بدا لها مؤلما في رجولته: خلاص قايم قايم

موضي بتردد: ماعليه راكان بأنزل أنا وهيا شوي نبي الصيدلية؟؟

راكان استوى جالسا وهو يقول بثقة: انتظري دقايق ألبس وأوديكم

موضي بارتباك: مافيه داعي راكان.. احنا بنروح مشي للصيدلية القريبة وبنرجع

راكان بذات الثقة والهدوء: موضي قلت انتظري دقايق.. بألبس الحين وعقب بأرجعكم هنا وأروح للمسجد

موضي تراجعت وهي تهمس باستسلام: خلاص منتظرينك..



****************************



بيت فارس
الساعة 11 مساء

فارس والعنود يدخلان غرفتهما بعد عودتهما من العشاء في الخارج

فارس يخلع غترته ويهمس لها بنبرة خاصة: يعني ما سألتي عن المفاجأة؟؟

العنود تخلع عباءتها وترد بخجل: شفتك سكتت.. قلت يمكن نسيت

فارس يبتسم: أنا لو وعدت بشيء ما أنساه
روحي افتحي الدرج اللي جنب سريرنا

العنود توجهت للجارور وفتحته واستخرجت تذاكر سفر منه
ابتسمت: شنو يعني؟؟ بتسفرني؟؟

ابتسم فارس: شنو أسفرش ذي.. لا تكونين هندية هاربة من كفيلها

العنود تبتسم وتقرص خده: ياملغك بس
زين وين بنسافر؟؟

فارس بهدوء: أنتي باقي لش حوالي أسبوعين لين ترجعين للدراسة
واحنا ماسافرنا مكان
والدنيا الحين كلها برد
فأنا قلت يا ماليزيا يا تركيا.. أهون شوي
بس أدري إنش سافرتي ماليزيا كم مرة.. قلت خلاص نروح تركيا ولو أنها أبرد الحين من ماليزيا..
وش رأيش؟؟

العنود تسند رأسها لصدره وتهمس برقة: أي مكان معك حلو

ثم رفعت رأسها وهمست باهتمام صادق: زين وأمي وضحى؟؟ بنخليها؟؟

فارس احتضنها بشدة وهو يتأثر بعمق من اهتمامها بالسؤال عن والدته:
فديت اللي مانست أم فارس
أمي قلت لها وكنت أبيها تروح معنا بعد.. بس هي مارضت
تقول فرصة تقعد عند خالي سعد وعياله.. كاسرين خاطرها
يوم يشوفونها كنها نازلة عليهم من السماء



*************************



الدوحة
مابعد منتصف الليل
بيت ناصر


أطال ناصر السهرة لأنه كان يتجنب عودته للبيت
وكان ينكر حتى على نفسه سبب هذا التجنب
كان يبحث لنفسه عن أعذار غير السبب الحقيقي

أنه لا يطيق فكرة البيت من غير وجودها
ولا يتخيل زواياه دون حركتها العذبة في أرجاءه

دخل البيت بخطوات مترددة
مازالت رائحة عطرها تعبق في الجو أو ربما يتخيل ذلك!!

دخل بخطوات أكثر ترددا للغرفة
ما زالت كل أغراضها موجودة..
عطورها على منضد التسريحة
ملابسها في الدولايب

بعد فترة ما سيختفي كل هذا
بالتأكيد ستأخذ كل أغراضها بعد انفصالهما

انتفض بعنف
"انفصال!!"
ويختفي كل ما يخصها من حياته كأنها سحابة صيف مرت واختفت؟!!

مشوش لأبعد حد.. مازال عاجزا عن مسامحتها على ما فعلته به ليلة زواجهما
ولكنه يحتاجها.. يحتاجها
يحتاجها حتى آخر قطرة في دمه.. وآخر نفس في صدره
أي تناقض يعيشه؟!!
أي تناقض؟!!

تنهد بعمق وهو يخلع ملابسه ثم يتوضأ ويصلي قيامه
تمدد بعدها على سريره وهو يخلع ساقه ويضعها جواره
إنها الليلة الأولى مع ساقه الجديدة
والليلة الأولى بدون مشاعل
ليلة باردة.. لن تدفئها كل سيقان العالم الحقيقية والصناعية بدون تلك الضئيلة الرقيقة

تناول هاتفه.. فهو مستمر في جنونه وتناقضه...
اتصل برقم معين.. جاءه بعد لحظات صوتها مرتبكا متعبا: هلا

ناصر بهدوء: هلا بش.. أشلونش الليلة؟؟

مشاعل بصوت مستنزف من التعب والارتباك: أحسن.... ناصر فيه شيء؟؟

ناصر يهمس بهدوء: مافيه شيء.. حبيت أتطمن عليش.. صحيتش من النوم؟؟

مشاعل بحزن: ما نمت أصلا

ناصر يعدل وضع المخدة وراء ظهره وهو يهمس: وليش ما نمتي؟؟

مشاعل بذات النبرة المثقلة: أعتقد أنت آخر واحد يسأل.. لأنك عارف

ناصر لا يعرف هو نفسه ماذا يريد: ماني بعارف.. عرفيني

مشاعل بألم: ناصر أنت وش تبي مني؟؟

ناصر ببوح حقيقي: تبين الصدق؟؟ والله ما أدري وش أبي.. اشتقت أسمع صوتش فاتصلت بدون تفكير

مشاعل مصدومة: ناصر من يوم أنت رجعت من السفر لك أكثر من 3 أسابيع
وما كنت طايق تكلمني
الحين مشتاق لصوتي؟!!..

ناصر يبتسم رغم غرابة الموقف: أدري شيء غريب.. بس هذا اللي صاير
وتبين تسمعين شيء أغرب؟؟

مشاعل بحذر: اللي هو؟؟

ناصر بعمق: ما أبيش تأخذين شيء من أغراضش.. خليهم عندي

مشاعل باستغراب: ناصر أنا قلت لك لو طلعت مستحيل أرجع.. فايش اللي بيخلي أغراضي عندك؟؟

ناصر يبتسم باتساع: مهوب قلت لش شيء أغرب

مشاعل ابتسمت بتلقائية وهي تشتم رائحة ابتسامته في صوته لتسأله سؤالا أكثر غرابة:
وإذا أنت تزوجت.. أشلون بتبرر للزوجة الجديدة أغراضي وملابسي عندك؟؟

يتمدد ناصر وهو يسند رأسه للمخدة ويحتضن هاتفه وهو يعلم أن الحوار الغريب سيطول
يقول بابتسامة: بأشرط عليها أغراضش تقعد

مشاعل عادت للحزن وهي تهمس: يعني تبي الأغراض وأنت مابغيت صاحبتهم؟!!!

ناصر يمد يده للمكان الخالي جنبه ويلمسه بحنو واشتياق
ثم يهمس بعمق: تدرين إني ماني بقادر أنام وأنتي منتي بجنبي

مشاعل صعقت.. يبدو كما لو كان من يحاورها شخصا آخر غير ناصر الذي عاشت مع قسوته ونفوره طيلة الأيام الماضية

مشاعل بحرج بالغ: ناصر أشفيك الليلة.. منت بطبيعي

ناصر يبتسم: بالعكس أنا الليلة طبيعي جدا.. هذا أنا ناصر مثل ما أعرف نفسي

مشاعل بألم: وناصر اللي طردني من بيته وحياته.. أي ناصر كان؟؟

ناصر بضيق: ناصر الثاني اللي شوفتش في بيته طلعت كل عيوبه

مشاعل بألم: ناصر أنا قلت لك أكثر من مرة أنا ماني براجعة.. فليش تسوي كذا فيني؟؟

ناصر بعمق: وأنا ما أبيش ترجعين.. وماقلت لش روحي لبيت هلش وأنا أبيش ترجعين

مشاعل باستغراب: زين وليش تتصل فيني؟؟

ناصر بابتسامة: وأنتي ليش تردين علي؟؟

مشاعل بخجل: ما أدري

ناصر بإبتسامة: وأنا ما أدري..

همست مشاعل في اتجاه آخر : تعشيت زين؟؟

ناصر بنفي: لا.. ولا حتى تغديت.. الليلة جلست مع الرياجيل على العشا مجاملة لعمي بس ماقدرت أكل

مشاعل بعتب: وزين ليش كذا؟؟

ناصر بصراحة غريبة: متضايق وما أشتهيت أكل

مشاعل بقلق: وش اللي مضايقك؟؟

ناصر بعمق: يعني ما تدرين

مشاعل باختناق موجع: ناصر حرام عليك اللي تسويه فيني

ناصر بأسف عميق: صدقيني ما أقصد أضايقش.. أنا نفسي ما أدري وش اللي فيني
ثم أردف في بوح أعمق:
من يوم طلعتي من البيت وأنا مثل المجنون.. وكل زاوية في البيت تذكرني فيش
لكن في نفس الوقت ما أفكر أبد أرجعش
أدري جنون غير معقول.. بس هذا اللي صاير
أنتي وأنتي قدامي في البيت يرجع لي كل ذكريات نفورش مني.. أحس ما أقدر أسامح أو أتقبل
لكن من لما طلعتي من البيت وذكراش تعذبني..

مشاعل بألم عميق: يعني تبي تعيش مع ذكراي وتشوف أغراضي وتسمع صوتي
لكن أنا كمخلوق حقيقي متجسد لا؟!!

ناصر بعمق: جرحتش.. صح؟؟

مشاعل بعمق مشابه: جرحتني شوي على اللي سويته فيني.. لكن خلاص ماعاد يهم

ناصر بشفافية: أنا آسف والله آسف

مشاعل بشفافيه مشابهة: وأنا آسفة والله آسفة على اللي صار في ليلة .....

قاطعها ناصر بحدة: مشاعل لا تذكريني

مشاعل بارتباك وخجل: أنا آسفة

ناصر يتنهد: خلاص لا تعتذرين.. أنا طولت عليش واجد.. وأنتي تعبانة

صمتت بخجل.. ماذا تقول؟؟ أنها لا تريد أن تنتهي هذه المكالمة الغريبة التي أشعرتها لأول مرة بأنها امرأة متزوجة فعلا
وإن كانت متزوجة بطريقة غريبة

ناصر همس: تدرين إنه بكرة أول يوم دوام عندي
كنت أتمنى أصحى على صوتش

مشاعل بعذوبة: خل تلفونك جنبك وأنا بأصحيك

أي غرابة مستعصية تجمع هذين المخبولين؟!!

ناصر ابتسم: أكيد؟؟

مشاعل برقة: أكيد

ناصر بحنان: خلي بالش من نفسش وتصبحين على خير

مشاعل بخفوت: وأنت من أهله

انتهى الاتصال
ولكن الأفكار بدأت وتعمقت
كل واحد منهم تمدد على سريره وتفكيره في مكان آخر
وشبح ابتسامة تلوح على الشفتين بينما القلب غارق في أساه

مرت دقائق وكلاهما غارق في تفكيره
حتى انتفض هاتف مشاعل إعلانا لرسالة قادمة
تناولت مشاعل هاتفها وأشتعل وجهها احمرارا وهي تقرأ مضمون الرسالة وتهتف في داخلها
(ناصر أكيد استخف.. والله العظيم مهوب طبيعي)

"تدرين إن ريحتش اللي تدوخ معبية مخدتش
والمخدة الحين في حضني
أشم فيها ريحة أميرتي اللي ماقدرت أحضنها
واللي بأموت عشان أحضنها صدق"



****************************



مرت خمسة أيام على الأحداث السابقة


انتهت التحقيقات المكثفة في قضية مشعل
وتأكدوا أن قضيته لا تتجاوز المشاجرة قبل 12 سنة
وهو حينها كان دون السن القانونية لأنه كان في السابعة عشرة
لذا فلا أساس أصلا لمنعه من دخول بريطانيا
والمحامي الذي كلفه راكان بالقضية كان محاميا شهيرا وبارعا
وأستطاع أن يستصدر حكما بإزالة اسم مشعل من القائمة السوداء
والسماح له بدخول بريطانيا دون قيود
لذا فخروج مشعل سيكون من التوقيف سيكون اليوم
وعودة موضي وراكان للدوحة ستكون غدا
وكذلك عودة مشعل وهيا لواشنطن ستكون غدا


هيا تأكدت من حملها.. وذهبت للدكتورة وأجرت فحوصات كاملة حتى تتأكد من وضعها قبل السفر
لأنها علمت أنه لا وقت لديها بعد خروج مشعل من التوقيف لأنها سيسافران فورا في اليوم التالي


هيا وموضي أصبح بينهما مساحة أوسع للبوح
وموضي اكتشفت أن هيا تعرف الكثير عن علاقتها بحمد وضربه لها
وتعرف عن علاج حمد في مصر
مما جعل العلاقة بينهما مفتوحة للحد الأقصى


موضي وراكان مازال الحال كما هو عليه
رفيقا سفر لطيفان شهمان مستعدان لتقديم المساعدة حتى آخر نفس
ولكن بينهما لا شيء خاص مطلقا
سوى خجل موضي في حضرته
واحترامه المبالغ فيه لها
وشرارات غريبة تنطلق حال تواجدهما في ذات المكان!!!!!!!


فارس والعنود مستمعان برحلتهما في اسطنبول
علاقتهما بين حب مصفى وقسوة فارس التي لا تلبث أن تبرز مع أبسط موقف
ولكن العلاقة بينهما تتعمق بتجذر
فارس بات مولعا بها لدرجة الوله الخيالي.. ولكنه يغار عليها بصورة غير طبيعية
والعنود باتت مشاعرها تتعمق ناحيته أكثر واكثر
فرغم قسوته التي تجرحها.. لكنها لا تستطيع أن تنكر أنه يغرقها في بحر مشاعر شديدة العمق والدفء والاحتواء


عائلة آل مشعل في الدوحة لا أحد منهم علم بما حدث لمشعل
إلا مشاعل
فهي اتصلت بموضي وأصرت عليها أن تخبرها لأنها تعلم أن هناك شيء ما حدث لمشعل
أخبرتها موضي وطمئنتها أن الوضع مؤقت وطلبت منها الكتمان



باكينام ويوسف
باكينام مازالت في السكن
يتصل بها يوسف فترد عليه بفتور واقتضاب
(كيف حالك؟)
(بخير)
وتنتهي المكالمة


أما المعضلة الغريبة غير المعقولة فهي وضع ناصر ومشاعل
ناصر يكاد يجن من غيابها.. يفتقدها بوجع غير طبيعي
يكاد يجزم أنه بدأ يقع في غرامها
ولكنه ينكر ذلك على نفسه.. كما يستنكر مجرد التفكير بإعادتها إلى حياته
ورغم هذا وذاك
فهو يهاتفها بشكل متكرر بل ومبالغ فيه
لا ينام إلا على صوتها ولا يصحو إلا عليه
زارها خلال الأيام الماضية مرتين ولكن في لقاءتهما المباشرة
يحضر نوع من الحذر مختلف عن انطلاقهما وهما لا يريان بعضهما
ولا يذكر وجه كل منهما الآخر الإهانة التي وجهها كل منهما للآخر


بيت عبدالله بن مشعل
بعد المغرب
غرفة مشاعل


مشاعل أمام المرآة تتأنق
تدخل عليها لطيفة.. تخلع جلالها وتجلس على السرير:
وش هالحلا؟؟ وين رايحة؟؟

مشاعل بتلقائية: ماني برايحة مكان.. ناصر بيجي الحين

لطيفة باستغراب: مشاعل خلاص تراش مسختيها
كنتي مريضة وسلمتي.. لمتى وأنتي محفية المسكين وراش تلفونات وجيات
ارجعي بيتش

مشاعل بتوتر: بعدني تعبانة

لطيفة باستغراب أكبر: وش تعبانته؟؟ هذا أنتي قدامي كنش حصان

مشاعل تخفي وجهها عن أختها الكبيرة حتى لا تقرأ ملامحها وهي تضع بعض الكحل داخل عينيها

لطيفة نهضت ووقفت خلف مشاعل وهي تنظر لوجهها في المرآة لتقول لها بحزم:
ميشو.. وش صاير بينش وبين ناصر؟؟
ليه منتي براضية ترجعين لبيتش؟؟
صار لي كم يوم ألمح لش وانتي تهربين مني
الحين مافيه.. قولي لي

مشاعل تنهدت: إذا أنا دريت وش بيني وبين ناصر.. قلت لش

لطيفة باستغراب: والمعنى؟؟

مشاعل بألم: والله العظيم أني ما أدري.. إذا قدرت ألاقي كلام ممكن يوصف الحال الغريبة اللي أنا وناصر عايشينها قلت لش

لم تكن لطيفة تنوي الاقتناع بكلام مشاعل وكانت تريد الاستمرار في التحقيق لولا أن سلطان دخل عليهم وهو يقول بتقطيب:
مشاعل انزلي.. الشيخ ناصر يتناش تحت في مجلس النسوان

لطيفة تضحك: وشفيك تقولها وانت زعلان

سلطان من بين أسنانه: إيه زعلان.. هي عندنا الحين.. وشو له كل شوي ينط عندنا

لطيفة تقف وتحتضنه: عشانها مرته.. عندك مانع؟؟

سلطان يبتسم: إيه عندي.. مرته في بيته.. الحين أختي وحقتي وفي بيتي

مشاعل أنهت زينتها برشات عطر .. لتقترب من سلطان وتقرص خده وتهمس له لتسكته:
سليطين ترا غلاك ما حد يلحقه.. لا ناصر ولا غيره.. فلا تحاتي

سلطان يضحك: فديت أختي ياناس

مشاعل خرجت ولطيفة تقرص ذراع سلطان وهي تقول له بإبتسامة:
زين مشاعل أختك.. لا أكون أنا أخت الشارع

سلطان يحتضن خصرها ورأسه في صدرها ويقول ببراءة الخبثاء: أنتي أكثر من أختي
أنتي أمي



مشاعل تنزل وهي متوترة نوعا ما.. رؤيته توترها.. عكس اتصاله بها الذي يشعرها بالإرتياح

فتحت باب المجلس ثم أغلقته وراءها
وهو وقف حين دخلت وهو يشبع عينيه نظرا إليها..
سلمت ثم جلست في مقعد قريب منه ولكن بينهما مسافة

همست باهتمام: ليش لابس ثوب أبيض.. مهوب برد عليك؟؟

ناصر يبتسم: وين برد الله يهداش اليوم أول يوم في شهر 2.. البرد خلاص.. الله يذكره بالخير

ابتسمت مشاعل بعمق.. لأول مرة ترى ابتسامته بعد تلك الليلة المشئومة
همست: ليش ما جيت أمس؟؟

همس: جيت قبل أمس.. وأنحرج أنط لكم كل يوم

مشاعل بهمس فيه مساحة شاسعة من الألم: ولمتى واحنا على ذا الحال
أمي تسألني ولطيفة.. وأنا ماعندي جواب

ناصر لم يجبها ولكنه وقف وتوجه للأريكة حيث تجلس.. وجلس جوارها
انتفضت بعنف.. للمرة الأولى يفعلها ويلتصق بها هكذا وبرغبته
كانت ترتعش كعصفور مبلل
وهو يمد ذراعه ليحيط بها كتفيها.. فيزداد ارتعاشها
همس لها من قرب بنبرة عميقة خافتة وهو يلاحظ ارتعاشها : خايفة مني؟؟



************************



لندن
شقة آل مشعل
بعد صلاة العصر


موضي وهيا غاية في التوتر والترقب واللهفة انتظارا لوصول مشعل
وخصوصا هيا التي لديها خبر سعيد تفاجئه به

موضي تهمس بمرح وسعادة: شوفي إذا جاء مشعل روحي داخل

هيا تبتسم: وليش يعني؟؟

موضي برقة: لأنه عندش خبر خاص.. يستحق استقبال خاص
وأخاف تخورونها قدامي
فروحوا انلموا في غرفتكم

هيا تغمز لها: لا تكونين تبين تسكرين علينا.. تروحين لراكان

موضي تبتسم: والله مهوب شغلش.. أنتي مع رجالش.. وش حاشرش بيني وبين رجالي؟؟

هيا بخبث: عشتو.. تطورات.. تطورات يا مويضي.. اليوم رجّالي.. بكرة حبيبي

موضي كحت: وجع هيا يا قليلة الحيا

هيا تضحك: اللي يشوف سحاش من راكان.. يقول سامحيني على الكلمة.. كنش أول مرة تزوجين

موضي تبتسم: مع أنه مفروض أزعل من كلامش.. بس مالي خلق أزعل
وأنا بروحي حاسة كني أول مرة أتزوج

ثم انقلب مزاجها مع التذكر: مع حمد ما عشت حياة زوجية بمعناها الحقيقي
على كثر هو ما كان يتغزل فيني.. عمري ما قدرت أقول له كلمة حلوة وحدة
لا حبيبي.. ولا قلبي.. ولا عيني
أي حبيب.. وأي قلب.. وأي عين!!! وأنا عارفة أنه ممكن يخلي وجهي شوارع بعد ثواني من تغزله فيني..
حمد ماقدر يفتح قلبي لكنه نحره وهو مسكر على مشاعره.. علاقتي معه قائمة على الشفقة والخوف وبس
كنت أشفق عليه وفي نفس الوقت أخاف منه
ولولا عمتي وخالي وغلاهم عندي.. كان مستحيل أصبر عليه لو يوم واحد

هيا جلست جوارها واحتضنت ذراعها وهي تهمس لها بمودة: عطي نفسش انتي وراكان فرصة

موضي بألم: أنا وراكان ما بيننا حتى شبح فرصة.. أنا ماعدت امرأة طبيعية
وماعدت متقبلة إنه رجال يلمسني.. لأنه أصلا ما عندي حتى لا جسد ولا روح ينفعون أي رجّال

هيا باستغراب: موضي أنتي ماعليش قاصر زين ولا أخلاق.. ليش تحطين من قدر نفسش كذا؟!!

موضي بضيق: خلينا نغير الموضوع..
ثم أردفت بابتسامة مصنوعة: مشعل جاي وأنتي وهو والنونو الأهم

ومع انهائها لجملتها كان باب الشقة الرئيسي يُفتح
وموضي توقف هيا وتدفعها لداخل الشقة
وهي تقول بمرح: يالله يالله روحي داخل





قمرهم كلهم 10-07-2010 11:14 AM

رد: أسى الهجران
 
بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة المغرب
مجلس النساء
لقاء ناصر ومشاعل الغريب


فتحت مشاعل باب المجلس ثم أغلقته وراءها
وهو وقف حين دخلت وهو يشبع عينيه نظرا إليها..
سلمت ثم جلست في مقعد قريب منه ولكن بينهما مسافة

همست باهتمام: ليش لابس ثوب أبيض.. مهوب برد عليك؟؟

ناصر يبتسم: وين برد الله يهداش اليوم أول يوم في شهر 2.. البرد خلاص.. الله يذكره بالخير

ابتسمت مشاعل بعمق.. لأول مرة ترى ابتسامته بعد تلك الليلة المشئومة
همست: ليش ما جيت أمس؟؟

همس: جيت قبل أمس.. وأنحرج أنط لكم كل يوم

مشاعل بهمس فيه مساحة شاسعة من الألم: ولمتى واحنا على ذا الحال
أمي تسألني ولطيفة.. وأنا ماعندي جواب

ناصر لم يجبها ولكنه وقف وتوجه للأريكة حيث تجلس.. وجلس جوارها
انتفضت بعنف.. للمرة الأولى يفعلها ويلتصق بها هكذا وبرغبته
كانت ترتعش كعصفور مبلل

وهو يمد ذراعه ليحيط بها كتفيها.. فيزداد ارتعاشها
همس لها من قرب بنبرة عميقة خافتة وهو يلاحظ ارتعاشها : خايفة مني؟؟

كانت أنفاسه الدافئة تصطدم بخدها لشدة قربه منه

مشاعل أجابته بصدق رقيق: خايفة شوي ومستغربة كثير

ناصر ينهي مرحلة الحذر في لقاءاتهما المباشرة وهو يهمس بنبرة أكثر عمقا:
ولو سويت شيء نفسي أسويه من أول يوم شفتش واقفة على الدرج قبل زواجنا بكم شهر.. يوم جيت أسلم على جدتي مع فارس
بتخافين أو بتستغربين؟؟

مشاعل بتوتر وخجل: ما فهمت

ناصر مد كفه الأخرى ليمسك ذقنها بلطف ويقرب وجهها منه
مشاعل شعرت أن قلبها سيتوقف وهي ترى كيف اقترب منها
لينهي رحلة اقترابه بقبلة طويلة .. عميقة.. مشحونة بالتأويلات والشوق والألم

مشاعل تعطل تفكيرها ومشاعر عميقة تغتالها وهي تستكين لاحتضان ناصر الأول لها.. لقبلته الأولى
ولكن حينما عاد لها تفكيرها انتزعت نفسها منه وهي تهمس بصوت مبهور الأنفاس مشبع بالألم: ناصر أنت ليش تسوي كذا؟؟ ليش؟؟
دامك ما تبيني.. وش ذا الجنون اللي حن نسويه؟؟!!

ناصر مازال هائما في سماواتها.. وانفعال أعمق يهزه بعنف ..ولكنه رد عليها بثبات:
هل أنا سويت شيء حرام أو عيب؟؟

مشاعل بخجل عميق: لا.. بس....

ناصر قاطعها بابتسامة: غريب

مشاعل قامت لتجلس على كرسي لوحدها وهي تهمس بحرج: غريب واجد مهوب شوي

ناصر بمرح يعيده لشخصيته القديمة بالكامل: يعني قمتي من جنبي.. تعتقدين هربتي مني.. كلها خطوتين بيني وبينش..

مشاعل تبتسم: تعبت أسأل وأنت ما تجاوبني.. وش آخرتها؟؟

ناصر قام ليجلس جوارها ويحتضن كفها..ثم يهمس بعمق: والله العظيم أنا ما أدري وش أخرتها
طلعتش من بيتي وعشرتي حررت مشاعري.. وماني بمستعد أرجع أقيدها



*************************



شقة آل مشعل في لندن

موضي في الصالة
يُفتح الباب الواصل بين المجلس والصالة ..ليطل وجهه الحبيب عليها

موضي تقفز وهو يدخل لتتعلق بعنقه وهي تهتف بفرح عميق:
الحمدلله على سلامتك فديتك...
ثم تكمل بمرح: الحبس للجدعان

مشعل يقبل رأسها وهو يقول بود عميق: جعل عيني ما تبكيش يا أخيش
سامحيني..
أدري أني حديتش على أقصاش يوم خليتش تجين مع راكان

موضي بتأثر: فديت قلبك.. لو مهما سويت لك.. والله ما يلحق ذرة في غلاك عندي
ثم أردفت برقة: خليتنا نهذر وفيه ناس ينتظرونك داخل

مشعل بقلق: ليش قاعدة داخل؟؟ لا تكون تعبانة؟؟

موضي بلهجة قلق مصطنعة: إيه تعبانة.. رح لها

مشعل باستعجال: زين بأروح لها.. وترى فيه كلام مهم أبي أقوله لش.. راجع لش
يبي لنا قعدة

موضي تخفي ابتسامتها: أنت الحين رح.. والقعدة لاحقين عليها

مشعل يتوجه للداخل.. لا يعرف أي غرفة.. ولكنه اختار التي وجد بابها مشرعا
وبالفعل كانت هيا تقف وظهرها للباب تنظر مع النافذة للخارج.. وتحاول أن تتحكم بلهفتها الكاسحة

اقترب منها بهدوء حتى وصل خلفها وهي مازالت سارحة
همس بالقرب من أذنها بشوق بالغ: وحشتيني

التفتت هيا بابتسامة شاسعة لترتمي بين ذراعيه وهو يهمس لها بحنان: بدون بكا

هيا وهي تدفن رأسها في صدره.. همست بسعادة: ماني بباكية

مشعل أبعدها قليلا لينظر إلى وجهها.. ثم وضع يده على جبينها ليهتف باستغراب: أشوفش زينة
ليش موضي تقول إنش تعبانة؟؟

ابتسمت هيا: لأني تعبانة

مشعل يبتسم: أول مرة أشوف حد يقول أنا تعبان.. وابتسامته شاقة كذا

هيا بابتسامة أكثر إتساعا: لأنه تعب يونس

مشعل باستغراب: حيرتيني.. وش السالفة؟؟

هيا تقرص خده لتقول بوله: مشكلتك بريء بزيادة.. ما أدري متى بتفهم التلميح من أول مرة؟!!

مشعل يضحك: نعنبو دار عدوينش رجّال داخل على الثلاثين وتقولين لي بريء بزيادة

هيا تبتسم وهي تبتعد خطوة للوراء: يعني لازم أقول لك على بلاطة أنك خلاص بتصير بابا.. تعبت ألمح وأنت ما فهمت

مشعل بهت.. بهت تماما
والكلمات تخرج متقطعة من بين شفتيه والفرحة تخترقه حتى أقصى وريد وشريان ونفس:
أنـ ـا.. أنــ تــ ـي.. أنــ ــا بــ ـابــ ــا

ثم انسابت الكلمات كالشلال من بين شفتيه وهو يمسك عضديها ويهزها بفرح عميق:
تكلمين جد.. والله.. والله؟؟؟ أنتي حامل.. حامل.. أنا بأصير أب يعني؟؟
جد؟؟ جد؟؟

هيا تبتسم من فرحته العميقة: ليه المواضيع هذي فيها مزح

مشعل بسعادة: خلاص ترجعين مع موضي وراكان للدوحة..
تعبت عليش حمل ودراسة

هيا برفض قاطع: ولا تحاول ولا تفكر.. طلعنا من الدوحة سوا.. نرجع لها سوا
وبعدين حبيبي خلاص كل اللي باقي لي كم شهر..
خلني أخلصهم قبل أولد وأنشغل بالبيبي

مشعل بتردد: والله تعب عليش يا قلبي

هيا تضع رأسها على صدره: التعب الصحيح أنه أول حمل لي يمر وأنت بعيد عني
أبيك معي كل يوم بيومه..
وأنا رحت للدكتورة وطمنتي.. وعطتني إبرة مثبت وحبوب.. يعني مستعدة لروحة واشنطن تمام التمام إن شاء الله



***********************



شقة آل مشعل

مشعل يعود لموضي الجالسة في الصالة وابتسامة شاسعة ترتسم على وجهه
موضي تبتسم لابتسامته وهي تهمس: مكتوب على وجهك بابا خايب

مشعل يجلس جوارها وهو يهمس بسعادة حقيقية: أنا بأصير أحسن أب.. خله ياتي بس

موضي تضحك: أشهد أن الولد خرب من الدلع

مشعل بابتسامة: وانتي وش عليش.. خليه يتدلع

موضي بسعادة: فديت قلبه الولد اللي أنا عمته.. مبروك يا مشعل مبروك فديتك

مشعل يدخل مباشرة فيما يريد قوله: وأنتي متى بنقول لش مبروك؟؟

موضي انتفضت بعنف: تو الناس

مشعل بحزم رقيق: لا مهوب تو الناس..
اسمعيني يا موضي عدل
ماحد بجابرش على شيء ما تبينه.. بس اسمعي كلامي للآخر
راكان يقول انه يبي يسوي عشاء وتجين لبيته على طول عقب ما ترجعون الدوحة

موضي وقفت بشكل مفاجئ.. وهي تقول برعب: وشو؟؟

مشعل أمسك كفها بحنان وهو يشدها ليجلسها جواره ويكمل:
اسمعيني.. انتي الحين سافرتي مع راكان وصار لكم تقريبا أسبوع مع بعض
إذا رجعتي للدوحة ورجعتي بيت هلي.. وش تبين الناس يقولون؟؟

موضي بانفعال: مشعل ما اتفقنا على كذا

مشعل بقلق: موضي أنتي ما تبين راكان؟؟

موضي بوغتت: لا مهوب كذا.. بس.........

مشعل يقاطعها: دام إنش تبينه..موعد العرس شيء شكلي ماله معنى
والله يا موضي مهيب زينة تسافرين معه وعقبه تبين ترجعين بيت هلي
أدري إني أنا السبب.. بس خلاص المنطق يقول إنش ترجعين لبيت راكان

موضي بتساءل مفاجئ وحذر: هذا كلامك أو كلام راكان؟؟

مشعل بتلقائية: راكان قال لي.. وأنا وافقته على طول.. لأن الفكرة نفسها كانت تدور ببالي بس ماقدرت أقولها له

موضي بسكون وهي تجد نفسها مجبرة منطقيا على الموافقة: خلاص مشعل مثل ما تبون

مشعل يبتسم: خلاص أنا باتصل في الدوحة يسوون العشاء بكرة في الليل عشان يلحقون يعزمون... معارف راكان واجد

موضي برعب: وليش مستعجل كذا؟؟

مشعل بهدوء: دامك فيها وش أنت تتنيها
طيارتكم بكرة الفجر.. قبل الظهر انتو واصلين الدوحة.. ترتاحون .. وعشاكم في الليل



************************




اليوم التالي
فجرا

طائرة راكان وموضي اقلعت
وبعدها بساعات طائرة مشعل وهيا

وهاهما راكان وموضي يجلسان متجاورين
كل منهما غارق في تفكيره الخاص
ويشعر بضيق خاص وتوجس عميق لحياتهما التي ستبدأ فعليا مع بعضهما الليلة

كلاهما صامت ومعتصم بمقعده الذي يشكل حدود مملكة وجوده الخاص به
والتي يوشك الآخر على اقتحامها

بعد صمت استمر لساعات همس راكان بهدوء: موضي

موضي انتفضت بعنف: لبيه

راكان بثبات واثق: لبيتي في مكة..عطيني رقم حسابش.. أبي أحط مهرش فيه أول ما نوصل الدوحة

موضي بحرج: راكان.. مافيه داعي وش باشتري يعني؟؟ وأنا أساسا عندي فلوس

راكان بحزم: فلوسش لش.. وهذا مهرش وحقش..
خلاص بأخلي مشعل يأخذه من أم محمد دامش مستحية تقولينه

صمتت موضي بخجل

راكان تنهد ثم همس: اسمعيني
عندي شور.. وأنتي بكيفش

موضي بحرج: آمرني.. ولا تشاور

راكان بذات هدوءه المعهود: أيش رايش نسافر الليلة عقب العشاء على طول؟؟

موضي باستغراب: نسافر مرة ثانية.. حجزت لمكان يعني؟؟

راكان يشرح لها : لا بنسافر على السيارة.. نروح دبي مثلا وإلا أبوظبي
أسبوع ونرجع

موضي بارتباك: وليش السفر في هالوقت بالذات؟؟

راكان بابتسامة: بصراحة أنا لحد الحين ماني بفاهم أشلون زواجنا بيكون
وأنتي عارفة إنه بنسكن مع هلي.. ما أبي يبين شيء قدامهم يضايقش
حاب أنه احنا نحط إطار لحياتنا مع بعض ونتفاهم عليه قبل نرجع لهم
وخصوصا أنه أنا حتى غرفتي ما جهزت.. أبي أخليهم يفتحون غرفتي على غرفة ناصر القديمة ويرتبونها ويأثثونها من جديد لين نرجع

موضي تهز رأسها بتوتر: مثل ما تبي راكان

موضي تشعر بضيق عميق.. ولكنها من أدخلت نفسها في هذه الدوامة من البداية.. وماعادت تستطيع التراجع
مجبرة أن تعيش حياة مجهولة تنتظرها مع راكان..

حين طلبت من راكان أن يتزوجها.. لم تفكر أن هذا الأمر هو زواج فعلا قد تطول مدته لسنوات..
فكرت فيما سيحدث لحظتها.. خانتها كل منطقيتها لرسم تراتبية حقيقية للأحداث المتوقعة..
ستصبح زوجته فعليا غدا في إتفاق زواج صوري لا تعلم كم قد تطول مدته
أو كيف ستتعامل مع راكان فعلا؟!!



*********************



الدوحة
الجو مشحون تماما لدى عائلة آل مشعل
فخبر عودة راكان وموضي واحتفال العشاء أحدث فوضى ترتيب.. تحملت معظمها لطيفة كالعادة
التي بدأت بالتجهيز بالعشاء والاستعجال في الحجز.. مشعل اتصل بها البارحة وأبلغها..
وزوجها مشعل أعطاها بطاقته المصرفية وطلب منها أن تصرف منها بكامل حريتها
أنهت حجز العشاء والمضيفات والحلويات والضيافة وبدأت في توجيه الدعوة لقريباتهن
أما ما أنهكها فهو أن تجد خبيرة تجميل توافق على حجز متأخر كهذا.. ولكنها وجدت في النهاية
واليوم تريد أن تذهب لتشتري لموضي بعض الأغراض على عجل
أهمها فستان لليلة.. وملابس وغيارات تكفيها لأسبوع أو اثنين على الأقل
لذا قررت أن تخرج مبكرة وتأخذ معها مشاعل ومعالي وعلياء وعالية حتى يتفرقن ويستغللن الوقت في أن تشتري كل واحدة منهن أشياء معينة
وصنعت لكل واحدة منهن قائمة محددة..
علياء وعالية الأحذية والحقائب
معالي العطور والمكياج
ومشاعل التايورات والملابس والجلابيات
ولطيفة تتفرغ لاختيار الفستان واكسسوراته إضافة لملابس النوم والعبايات


بينما عشاء الرجال تكفل به ناصر ومشعل

كل شيء بدأ تجهيزه على عجالة

وهاهما العريسان يصلان للدوحة.. ويتوجه كل منهما لبيت أهله حرا للمرة الأخيرة



***************************



موضي وشقيقاتها في غرفتها
بعد صلاة الظهر


لطيفة كعادتها تدور كإعصار نشيط رقيق .. مهتمة بكل التفاصيل
وهاهي تهتف باستعجال: يالله موضي أنا حاجزة لش كورس سريع في الصالون
بعد ساعة
يا الله ترجعين تأخذين شاور وتصلين المغرب.. بتكون الكوافيره اللي بتسوي لش الشعر والمكياج واصلة

موضي بحرج: لطيفة وش ذا كله الله يهداش؟؟

مشاعل كانت من ردت وهي تبتسم: يأختي أنتي عروس.. لازم تعدلين

موضي التفتت لمشاعل وهي تبتسم: وعروسنا حرم الأستاذ ناصر وش أخبارها؟؟

مشاعل صمتت بحرج وكانت لطيفة من أجابت بنبرة بها غضب:
أختش الشيخة مشاعل.. صار لها أسبوع هنا عند أمي.. أول كانت مريضة.. والحين ما تبي ترجع
مع أن المسكين كل شوي يتصل وكل يوم جاي يزورها

موضي التفتت لمشاعل باستغراب: ميشو شاللي صاير بينش وبين ناصر؟؟

مشاعل بحرج: موضي الليلة ليلتش.. خليني أنا وناصر على جنب

موضي بإصرار: لا مافيه.. قولي لي

لطيفة بدورها همست بإصرار: حتى أنا أبي أعرف.. وأنتي أظني عارفة إنه مستحيل وحدة منا يطلع منها سر لش

مشاعل تنهدت: والله العظيم ما أدري.. في بيته ما كان طايقني.. وهو اللي قال لي روحي مع أمش ولا ترجعين
ومن يوم جيت هنا وهو متغير 180 درجة.. أو بالأصح رجع لشخصيته الطبيعية اللي قبل... واللي أنا ما عشتها معه
الحين تصدقوني لو أقول لكم.. قاعدين نعيش حب جديد.. كل واحد يكتشف الثاني..
الغريب إني أنا قلت له إني مستحيل أرجع بيته عقب ما طردني منه
وهو يقول لي أنا ما أبيش ترجعين أصلا
وش آخرتها بيننا أنا ما أدري..

لطيفة بصدمة: أنتي ورجالش صاحين وإلا مجانين؟؟
تبين أقول لمشعل يكلمه؟؟

مشاعل برجاء جازع: لا لطيفة تكفين.. ما أبي حد يعرف باللي بيني وبين ناصر

موضي باستغراب عميق: بس الوضع اللي انتو فيه وضع غير طبيعي

مشاعل تريد انتهاء الحديث: كثير أزواج يعانون أوضاع غريبة
ومشكلتي أنا وناصر حن بنحلها.. لا تشغلون بالكم فيني
خلنا الحين في موضي



************************



بيت محمد بن مشعل
قبل صلاة العصر


أم مشعل متوترة للغاية
مريم تبتسم وهي تحتضن كف والدتها: يمه وش فيش متوترة كذا؟؟

أم مشعل بتوتر: أخيش هذا جلطني
يبي يفشلنا في موضي.. حتى مكانهم مارتبناه بعد

مريم بحنان: يمه راكان بيسافر الليلة
ومكانهم بنرتبه على راحتنا
ويقول إنه بيقول لمشعل يغير الديكور كامل

أم مشعل باستفسار: متى قال لش؟؟

مريم برقة: قبل شوي قبل يطلع يرتاح

أم مشعل بارتياح: إيه كذا زين.. أنا ما ودي موضي تحس إنها أقل من غيرها
مسكينة راحت معه عشان تعب مرت أخيها
وعقبه انغصبت على ذا العجلة..

مريم بمحبة عميقة: إذا الغصيبة على راكان.. ياحظها اللي غصبت

أم مشعل تبتسم: عشانه أخيش

مريم بعمق: لا والله إنه يستاهل أبو محمد.. ومثله نادر.. جعل يومي قبل يومه

أم مشعل بحنان: العمر الطويل لش في الطاعة.. وجعلني أشوف عيالش
ودام حن في الطاري.. ترا مشعل كلمني البارحة
يقول سعد يبي العرس نص شهر 5 إذا خلصتي دوامش.. وش رأيش؟؟

مريم صمتت بخجل
وقلق عميق ينتابها.. وخوف أعمق يغتال مشاعرها من حياتها المقبلة مع سعد

أم مشعل تبتسم: توكلنا على الله.. بأقول له مافيه مانع..



**********************


تركيا
اسطنبول
أوتيل جيلان انتركونتنتال القريب من ساحة التقسيم الشهيرة
بعد صلاة العصر
توقيت اسطنبول الصيفي ذات توقيت الدوحة ولكن الشمس تغرب في وقت متأخر بين الثامنة والثامنة والنصف مساء

كانت العنود تلبس استعدادا للخروج
بينما فارس الذي كان قد انتهى من ارتداء ملابسه يقف في الشرفة يتحدث في هاتفه

حينما أنهى المكالمة عاد للعنود وعلى وجهه ابتسامة شاسعة
كانت العنود ترتدي نقابها وهي تهمس له: الله يونسك بالعافية

فارس بذات الابتسامة: ويونسش
وإذا دريتي استانستي بعد

العنود باستفسار: أدري عن ويش؟؟

فارس يبتسم: الليلة بيسوون عشاء لراكان وموضي.. وخلاص موضي بتصير من سكان بيت هلش

العنود شهقت: وشو؟؟ وشو؟؟ الخونة... وبدون ما يسوون عرس..وبدون ما ينتظرونا حتى

فارس يحتضن كتفها وهو يربت عليه: خلي الناس ينبسطون..هم مربوطين فينا؟!!

العنود بضيق عميق: كان ودي أكون معهم.. هو راكان بيتزوج كل يوم

فارس قبل رأسها وهمس لها بحنان: ياقلبي المهم التوفيق.. وهذا مجرد عشاء بسيط جاء بدون تخطيط
والحين نكلم راكان ونبارك الله



***************************



بعد المغرب
بيت عبدالله بن مشعل
الترتيب على أشده بين حديقة البيت حيث ترتب الطاولات والمقاعد
وبين داخل البيت حيث يتأنقن الصبايا

يرن هاتف مشاعل
تبتسم موضي: لا تقولين إنه ناصر..

تهز مشاعل رأسها وهي تبتسم وتقوم لتكلمه

وموضي تضحك: قولي له يثقل شوي.. هذي ثالث مرة يتصل خلال ذا الساعة والنص اللي قعدتيها معي

مشاعل تبتعد لتذهب لغرفتها وتغلق عليها الباب: هلا ناصر

ناصر بمرح: هلا بعيون ناصر وقلبه

كحت مشاعل بحرج لأول مرة يتغزل بها بشكل صريح هكذا.. ثم صمتت

ناصر بنفس النبرة المرحة: أحلى كحة سمعتها في حياتي.. وعقب الكحة ياقلبي؟؟

مشاعل بحرج أكبر: ناصر الله يهداك وش فيك؟؟

ناصر بابتسامة: الحين اللي يقول لمرته كلام حلو.. يكون فيه شي؟؟

مشاعل تبتسم: أنت متصل وأنت عارف إني مشغولة عشان تقول لي كلام حلو؟!!

ناصر برجاء لطيف: لا عشان أطلب طلب من حبيبي الحلو

مشاعل بحذر: أي طلب؟؟

ناصر بمناشدة عذبة: أبي أشوفش عقب العشاء.. باشوف شكلش

مشاعل بحزن رقيق: تبي تشوفني بلبس المهرجين وأنا مصبغة وجهي بعشرين ألف لون؟؟!!

ناصر شعر بلوعة ومرارة عميقتين: آسف ياقلبي.. والله آسف.. أنتي لازم تطلعين كل موقف بايخ سويته معش من عيني

مشاعل شعرت بحرج من أريحيته ولطفه: ما أقصد ناصر آسفة

ناصر عاد للابتسام: يا كثر ما نتعذر من بعض.. ترا ماحنا في مدرسة
ثم أكمل: ها أشوفش؟؟

مشاعل بخجل: ما أدري السالفة محرجة.. والوقت بيكون متاخر

ناصر يستعد لانتهاء المكالمة: أنا بأسكر فيه عمال جايين للترتيب
وأنتي شوفي لي حل.. لو ماشفتش الليلة بيصير لي شيء
أهون عليش يعني؟؟!!



*************************



بعد صلاة العشاء
مجلس آل مشعل

هاهو راكان يجرب البشت الأسود كمظهر عريس
دون إحساس فعلي بمشاعر العريس
لا ينكر أن هناك شعور بسعادة ما وهو يرى الكثير من أصدقائه ومعارفه الذين ملئوا المجلس الضخم عن آخره
ولكن هناك شيء يرفض التحرك داخل قلبه
تنهد بعمق.. (كيف يتحرك الأموات؟!!)

بعد العشاء
ومغادرة الكثير من الضيوف كان مشعل شقيقه يجلس جواره
همس له راكان بهدوء: أبي منك خدمة يابو محمد

مشعل بهدوء: آمر يابو محمد اس 2

راكان بذات الثبات: أبيك تفتح غرفتي على غرفة ناصر
وتعيد ديكورها وترتيبها وفرشها خلال أقل من أسبوع
تقدر؟؟

مشعل يبتسم: أفا عليك يا أخيك.. لو تبي خلصتها في 3 أيام
ثم أردف: بس منت بشايف إنك مستعجل على سالفة السفر
انتظروا لبكرة

راكان بهدوء: لا مستعجل ولا شيء.. بنسافر نغير جو لين تخلص غرفتي
أنا حتى الحجز للأوتيل خلصته اليوم العصر



***********************




على الجبهة الأخرى
جبهة العروس المتوترة

كانت موضي متألقة جدا في فستان ذهبي ضيق.. ليس فستان عروس
لكنه يوحي بأجواء العروس
اختارته لطيفة لأنها تعلم أن موضي يستحيل أن تلبس فستان عروس
لكنها في ذات الوقت أرادت إشعار راكان حين يراها أنها عروس فعلا

لطيفة ومشاعل أنهيتا ترتيب حقيبتها وأغراضها
لأنهما علمتا أنهما سيسافران فورا بعد العشاء
ولكن مالم تتوقعاه أن راكان رفض أن يدخل ليرى موضي ويجلس معها
بحجة أنه مستعجل
الأمر الذي أراح موضي على عكس توقع شقيقتيها وضيقهما
فراكان وموضي كلاهما متوتران من مظهرهما أمام الجمهور الذي سيشاهد مسرحيتهما
التي بدءآ بتمثيلها..

وفي حدود الساعة الحادية عشرة
كان راكان يقف بسيارته خارجا
وموضي خلعت فستانها لترتدي طقما خفيفا
وتمسح مكياجها على عجل.. فمكياجها الصارخ لا ينفع للمرور عبر الحدود
ولكن الوقت لم يسعفها لفك تسريحة شعرها

لبست عباءتها وخرجت له
لتجد والدها وسلطان معه
باركا لها بعمق وهما يسلمان عليها

والدها احتضنها وهمس في أذنها بعمق: حلفتش بالله عز وجل إنش ماتدسين علي لو ضايقش راكان في يوم
مثل ما دسيتي علي اللي حمد كان يسويه فيش.. ترا لحد الحين السالفة موجعتني يا أبيش
ووالله ما أسامحش لو دسيتي علي مرة ثانية

موضي همست في أذنه بتأثر عميق: جعلني ما أبكيك.. أنا متأكدة إنه راكان عمره مايضايقني بشيء

ثم ألتفت لراكان الذي كان واقفا بكامل أناقته وهيبته وقال له بحزم أبوي:
وصاتك موضي ياراكان.. موضي ما توجع كبد حد
طالبك ما توجعها يوم

راكان برجولة خالصة: موضي في عيوني وفوق رأسي.. ازهلها إنها ما تضام عندي وربي شاهد علي

موضي تشعر أن كل هذا كثير عليها وهي عاجزة عن مجرد رفع عينيها للنظر لراكان

راكان همس لها : يالله موضي اركبي

سلطان فتح لها الباب الأمامي وهي وقفت لتحتضنه بشدة
ثم تجلس بجوار راكان
وتوتر عميق بعمق الموقف الذي تعيشه يغتالها ويبعثر مشاعرها
وسيارة راكان تنطلق بهما


قمرهم كلهم 10-07-2010 11:16 AM

رد: أسى الهجران
 
سيارة راكان التي تخرج من الدوحة متجهة لطريق سلوى


استحكم الصمت بين الطرفين منذ انطلاق السيارة
ومشاعر غامضة عميقة يحوطها ستار حديدي من احترام وتبجيل تكبل راكبي السيارة تجاه بعضهما

السيارة تنطلق في عتمة الليل وظلامه
ليبدآن سويا حياة تبدو معتمة غير معروفة التفاصيل
كلا الطرفين إنسان رائع مفعم بالإنسانية بكل معناها الحقيقي
نذر نفسه لسواه.. ولم يعش يوما لنفسه
بددا سعادتهما من أجل سعادة الآخرين
كان اهتمامهما بنفسيهما في ذيل أولويات كل منهما
كل شيء كان يأتي أولا
ليأتي راكان وموضي في آخر القائمة
قلة من البشر من تعرف هذا النوع من الإيثار النادر
الذي يستجلب إلى عمق الروح نوعا مختلفا من السعادة مقرون بعمق إنساني متجذر في الحنايا
{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}


راكان ضحى بحبه وسعادته ليكفل أيتاما ويحفظ سمعة والدتهم
وموضي ضحت بسعادتها لتحفظ تماسك عائلتها وتحافظ على مشاعر عمتها وخالها
وشفقة بحمد المريض الذي رجت أن صبرها عليه سيدفعه يوما للعلاج


وهاهما المثقلان بالأسى الدنيوي والعظمة الإنسانية
ينطلقان ليبدآن حياتهما سويا
حياة مجهولة
لا يعرفان حتى كيف سيكون شكلهما وتعاملهما في إطار هذا الزواج الصوري أمام أعين أهلهما
كلاهما يحمل للآخر مشاعر احترام عميق.. ومشاعر ود دافئة هي أقرب للود الأخوي
ولكن هل تكفي هذه المشاعر الرسمية لاستمرار حياتهما معا؟!!!
قد يكون الاحترام أحيانا أقوى من الحب
وعشرات من الزواجات الناجحة قامت على احترام متبادل قد يخلو من الحب كما يُفهم بمعناه المشتعل بالشوق والولع
السكينة.. الرحمة.. الود.. التقدير.. الاحتياج... مصطلحات قد تفي بمتطلبات حياة زوجية ناجحة
ولكن هل هذه المصطلحات تكفي راكان وموضي وقلبيهما المشبعين بالأسى؟!!



ظل الصمت شعار الزوجين الجديدين طوال المئة كيلومتر الأولى الفاصلة بين الدوحة ومنفذ (أبو سمرة) الحدودي
كلاهما غارق في أفكاره الخاصة
نقاشات بسيطة في المركزين الحدودين
ثم حينما تجاوزا سلوى لأول طريق الإمارات
همست موضي بخجل:
راكان أقدر أشيل نقابي وشيلتي .. أبي أفك شعري
الساعة الحين وحدة الليل والطريق مغدر وماحد يشوفني
ورأسي يوجعني من الشباصات اللي فيه

شعور ما.. شعور غامض انتاب راكان
هل يرى وجهها أخيرا؟؟

لا ينكر أنه في لندن تمنى أمنيات غير مفهومة أن يفاجئها يوما بدون نقاب
ليرى كيف أصبح وجهها الذي لم يرَ تقاطيعه منذ كانت في الخامسة عشرة
وفي ذات الوقت شعر بالتوجس الغريب وهو يتمنى ألا يراه
فمهما يكن.. فذاك الوجه الفتي كان الوجه الوحيد الذي سكن أحلامه
مازال كل تفصيل من تفاصيل تلك الصبية المراهقة محفورا في أعماقه
فتلك الصبية هي كل مابقي له من أحلام صبا اندثر.. وتمنيات عاشق عشق ولم يطل
لأن موضي الصبية كانت له.. ولكن موضي المرأة لم تكن له
وإن كان انتزع موضي زوجة حمد من قلبه
فذكرى موضي المراهقة بقيت تسكن ديوان شعر مغبر اصفرت أوراقه

ولكن أيام لندن مرت دون أن يراها
وتمنياته وتوجسه.. أمنياته وأمنياته المضادة.. تؤجل حتى اليوم

همس لها راكان بهدوء عميق لا يكشف مايدور بتفكيره:
براحتش

موضي بدأت بفك شيلتها ونقابها
راكان شعر أن حركتها ألهته عن الطريق وهو يسترق النظرات لحركات أناملها التي تتحرك بتوتر وخجل.. ورشاقة ناعمة

فكت نقابها وطوته بجوارها
ثم أنزلت شيلتها على كتفيها
وهي تفك شعرها الذي ألمتها المشابك فيه.. فهو كان مرفوعا في شنيون غير معقد للخلف في لفات ناعمة دون تشابك

انهت مهمتها وهي تنثر شعرها على كتفيها بعفوية وتدلك فروة رأسها
راكان كان عاجزا رؤيتها بشكل واضح بسبب عتمة الطريق
ولكنه لاحظ بوضوح انثيال شعرها الكثيف على كتفيها
شعر بألم غير مفهوم
وكأن كل هذا كثير.. كثير عليه
همس لها بهدوء: موضي لفي شعرش وألبسي شيلتش

كره أن عينا ما خائنة متطفلة قد تلمح شبح شعرها يغفو على كتفيها
ليس شعورا خاصا بقدر ما هو إحساس بالتملك ربما!!!


موضي شعرت بالحرج وهي تجمع شعرها وتدخله تحت شيلتها
وتلف شيلتها حول وجهها الذي مازال لم يرَ تفاصيله بعد

شعر بحرجها ..فحاول تغيير الجو المشحون حولهما
سألها بمودة: تسمعين شيلات؟؟ (الشيلة: قصيدة تُجر بالصوت فقط دون أي نوع من الموسيقى)

ابتسمت: أكيد

أدخل قرصه المرن الـ cd المفضل
كانت شيلة (الله يسامحني) لتركي الميزاني بصوته العذب تتعالى بشجن عال
كان راكان يبحر في عالمه الخاص وهو يردد القصيدة مع الميزاني بصوت خافت وهو لا يعلم لماذا اختار هذه القصيدة الموجعة الرائعة بالذات

همست موضي بعذوبة تلقائية: تعرف تشيل؟؟

فأجابها بتلقائية مشابهة: أعرف

موضي بخجل: أنا أمزح

اعتقدت أنه يسخر من سؤالها
فهي لم تسمع مطلقا أن راكان يعرف لجر القصائد
ولا تتخيل أن راكان بمكانته ورزانته قد يجر القصائد أمام أحد

راكان أجابها بإبتسامة: وأنا أتكلم جد

موضي هزت كتفيها بتعجب: عمري ماسمعت إنك تجر قصايد أو تشيل

ابتسم راكان: أخيش مشعل هو جمهوري الوحيد
ماعمري جريت قدام أحد.. ولا أحد يعرف
زين شكلي والشيبان يقولون: ياراكان جر لنا شيلة.. وأنا قاعد في المجلس وسط الرياجيل!!!
لا والله ولا عمرها بتصير إن شاء الله

شعرت موضي بشجن عميق أنه يأتمنها بهذه السرعة على سر لا يعرفه حتى أشقائه
وراكان لا يعرف ما الذي دفعه لاخبارها بشيء لا يعرفه أحد عنه
ولكن في أعماقه كان يحضر خاطر يقول: إذا كانت حفظت سر زواجي
الذي لا أعلم حتى الآن كيف علمت فيه
فهي لكل أسراري أحفظ

موضي ابتسمت: فعلا ما أتخيل شكلك تجر وسط المجلس بهيبتك اللي تخوف

راكان بعمق: تشوفيني أخوف يا موضي؟؟

انتفضت موضي للسؤال المباغت ولكنها أجابت برقة: هيبتك تجبر على إلتزام الحدود
وأجمل أنواع الخوف اللي يكون مصدره الاحترام مهوب التخويف

ابتسم راكان: حكيمة يعني؟؟

ابتسمت موضي: بس ما أدعي

كان راكان يحاول لسبب يجهله اصطياد شيئا من ملامحها فلا يفلح

خيال انحناء أنفها.. حركة شفتيها هو كل ما استطاع أن يلمحه في خضم من الضبابية
حاول التلهي عن تفكيره هذا وهو يعود للابتسام ويهمس: وصاحب الهيبة والاحترام يقول تحبين تسمعين نفس الشلة بصوته؟!!

شعرت موضي بألم حاد ورائع وهو يحاول إدخالها في حدوده التي هي تهابها
وتوجس أكبر لما بعد دخول هذه الحدود
فهذا الرجل تحمل له من الاحترام الكثير.. الكثير
ورحلتهما إلى لندن عرّفتها عليه عن قرب.. كل مافيه يدفع لسيل كاسح من الاحترام والتقدير
تفكيره.. كلامه.. تصرفاته... وحتى صمته!!!

أجابته بخجل: براحتك

بدأ راكان بجر قصيدة (الله يسامحني) بطريقته الخاصة..
وبعمق صوته الممتلئ بعبق الرجولة.. والمؤلم حقا هو مضمون القصيدة ذاتها:

الله ولا الهاجس اللي ما يريحني
اسهر عيوني وعناني وعنيته

أحاول أخفيه مير الحزن يفضحني
متمركز(ن) بالحشا كن الحشا بيته

ياللي تعاتب غموضي لا توضحني
ما باقي في الخفوق إلاَّ تناهيته

أصافح الهم قبل إنه يصافحني
وأحب خشمه وأردد في الخفا ليته

ليته قبل لا تزل خطاي ينصحني
وإلا يريّح خفوقي من عفاريته

والغالي اللي عليه الشوق ذابحني
أقفى به الوقت ما جاني ولا جيته

يا سيد الغيد قبل أقول لك بحني
بخبرك عن كلام (ن) عنك خفيته

تدري وش أكبر خطاي الله يسامحني؟
اقفايتي عنك وأنت اللي تمنيته

وهذا هو اللي معذبني وجارحني
أقول ابنساه وأنا ما تناسيته


موضي أبحرت مع صوته في عالم آخر.. آخر.. عنفوان صوته وجبروته ورجولته وحنانه
لصوته فضاءات من شجن شاسع..
وآفاق من وجع مستشرٍ
ومساحات من رجولة رحبة
وامتدادات من جبروت حنون لا يشبه أحدا سواه...


انتهى راكان من الشيلة وموضي صامتة
ابتسم: شكله الجمهور غير راضي وبننحذف بالطماط

موضي انتفضت بعنف لأنه أخرجها من صومعة إحساسها الخيالي بصوته..
وإحساسها الأعمق بما هو خلف الصوت.. مضمون القصيدة وإيحاءات صوته بتغير المعاني..
ولكنها ابتسمت وهي تهمس بصدق شفاف: والله الجمهور مبهور ووده يصفق ويرميك بالورد

ثم أردفت وهي تسأل بحرج عما شعرت أنه يرشح من خلف الصوت:
لو سألتك سؤال خاص ما تزعل مني؟؟

راكان بهدوء راقٍ: إسألي.. ولا عمرش يوم تستأذنين يا موضي قبل السؤال

موضي بعمق: أنت حبيت قبل يا راكان؟؟

راكان بوغت تماما.. المباغتة قلبت كيانه!!
تنفس بعمق ثم همس ويداه مثبتتان على المقود: وأيش اللي خلاش تسألين؟؟

موضي بحرج: شيلتك للقصيدة كنت حاسة إنك قاصد كل حرف فيها خصوصا البيت اللي يقول:

تدري وش أكبر خطاي الله يسامحني؟
اقفايتي عنك وأنت اللي تمنيته


حسيت إنه طالع من قلبك جد.. وفيه رنة حزن توجع


راكان صمت كان مبهوتا..مصعوقا.. للمرة الأولى يكون مرتبكا
(مازلنا في الساعات الأولى من زواجنا الفعلي وبدأت بدك حصون كل أسراري الدفينة)
كيف علمت أنه شعر فعلا أن أكبر ذنوبه هو تركها لحمد
وكيف شعر بعظم هذا الذنب حين علم بضرب حمد لها
مازال يتذكر حين جلس على حاجز الكورنيش الحجري ذلك اليوم يمزقه ألمه عليها
وهو يرجوها أن تسامحه.. لأنه كان سببا لمأساتها حين تركها لحمد
الذي لم يحترم جسد حبيبته السابقة وروحها فمزقهما ضربا وإهانة

كثيرا ما سُئل راكان هذا السؤال.. (هل أحببت أو تحب؟؟) كرد فعل على رفضه القاطع للزواج
وأكثر من كان يسأله مشعل ومشعل
ولكنه كان يرفض أن يجيب ..
ولكن مع سؤال موضي له وجد نفسه يهمس كأنه يحادث نفسه: حبيت ولا طلت.. راحت حبيبتي علي

موضي شعرت بألم غريب..غريب وعميق
لم يكن ألم غيرة ولكنه ألم مساندة.. أن هذا الرجل العظيم المتفاني حين أحب لم يستطع أن يسعد بحبه

همست موضي بابتسامة رقيقة: أكيد إنها الخسرانة

راكان يهز كتفيه: ويمكن أنا الخسران

موضي بعمق: مستحيل.. أي مره خسرتك وخسرت حبك أكيد هي الخسرانة

صمت راكان بدا له الموقف أكبر من كل الكلمات..
نعم قد يكون الحب انتهى من قلبه.. ولكنه كان حبا كبيرا بقيت له ذكرى عظيمة مازالت تتغلغل في ثنايا الروح..
وللذكريات سحر لا ينفذ.. وحضور لا ينتهي
قد تتلاشى الأجساد وحتى الأرواح.. وتبقى الذكرى باقية في كل الأمكنة المشبعة بما يستحضرها

كانت موضي من همست: وباقي لها في قلبك مشاعر؟؟

راكان بصدق: باقي لها الذكرى الحلوة وبس
بعدها الحب كله اندفن ولا عاد له قيمة

موضي بتلقائية هزت راكان بعنف: ياحظها اللي قدرت على قلبك حتى لو مابقى لها إلا مجرد الذكرى
كفاية إنها ذكرى في قلب راكان

وبداخلها كانت تردد:
(أي أنثى تلك التي استطالت إلى هامتك الرفيعة؟!!
أي أنثى تلك التي أسعدتها الأقدار بانتزاع قلبك؟!!
أي أنثى هذه التي استطاعت أن تروض مشاعرك لتمتلكها؟!!
حتى وإن كان لم يبقَ لها إلا الذكرى
فتكفيها هذه الذكرى
يكفيها فخرا أن تكون حب راكان الوحيد
ليتني أستطيع أن أتجرأ أن أساله عنها
أتمنى أن أراها
أتعرف عليها
أشبع عيني نظرا إلى هذه الأنثى الاستثنائية التي استطاعت تطويع قلب هذا الرجل الاستثنائي)

ابتسم راكان رغم تأثره العميق: ما تشوفين إنش معطيتني أكبر من حجمي؟؟

ابتسمت موضي: وماتشوف إنك متواضع زيادة عن اللزوم؟؟

راكان يتجه بالحديث لمنحنٍ أكثر خطورة: تحبين تسمعين وحدة من قصايدي فيها؟؟

"هل تعبث بالنار يا راكان؟!!
إلى أين ستقودك مغامرتك الخطيرة هذه؟!!!"

موضي ابتسمت: وحدة؟؟
ليه أنت كم وحدة كاتب لها؟؟

راكان بابتسامة شاسعة وهو يتكلم معها بإريحية: كاتب لها ديوان كامل

موضي بهمس: ياحظها..شكلها أكثر نساء العالم حظ...سمعني وحدة على ذوقك

راكان بدأ بجر قصيدة من قصائده فيها
ولكنه اختار قصيدة بدون ذكر اسمها فيها
لأن كثيرا من قصائده الأخرى اسم موضي منصوص فيها
كان شيئا غريبا وإحساسا أغرب
أن يلقي قصيدة أمام ملهمته في القصيدة.. أن تسمع القصيدة من كُتبت فيها.. دون أن تعلم أنها المقصودة
وحتى وإن كان كلاهما ..المعشوقة والقصيدة.. مابقي منهما إلا الذكرى

موضي كانت مذهولة تماما
توقعت حين قال لها أنه يقول الشعر.. أن يكون شعرا بسيطا للتعبير عن مشاعر وقتية
ولكنها صُدمت أنه كان شاعرا ومجيدا.. وشعره مشبع بأحاسيس عميقة
شعرت أن قصيدته تصب في عمق نقطة مجهولة من قلبها المنحور وجعا

همست موضي بعد أن انتهى تحليقها مع القصيدة: كنت تحبها ذا الحب كله؟؟

راكان بهدوء: هذا أنتي قلتيها.. كنت
كنت أحبها

(كنت تحبها؟؟!! كنت!!
كم هي موجعة هذه الكلمة
لِـمَ مثلك يحب ولا ينال حبه؟!!
ومثلي لا يعرف للحب لونا أو نكهة؟!!)

موضي باستغراب: تدري أول مرة أدري إنك تكتب شعر لا وبذا المستوى العالي
يظهر إن الليلة ليلة المفاجآت.. وأنت رجل المواهب المتعددة

راكان بهمس هادئ: قلة اللي يدرون إن أكتب شعر

موضي بابتسامة: يعني أفتخر إني وحدة من ذا القلة

راكان بنبرة خاصة: انتي كنتي من أقل القلة اللي عرفوا بأمر أخطر.. زواجي من مرت محمد

موضي صمتت

وراكان يستكمل حديثه: يا ترى أقدر أعرف أشلون عرفتي
ولو مابغيتي تقولين براحتش

موضي هزت كتفيها وابتسمت: عادي وليش ما أقول لك
أنا شلت السر هذا وحفظته فوق سبع سنين..

راكان باستغراب: يعني من أول ما تزوجت

موضي بتأثر بالغ: وما تتخيل أشلون كنت خايفة عليك إنه حد يدري
كنت أعرف إنه أهلنا مستحيل يتفهمون تصرفك ..
وخفت إن قصة عمي سلطان ترجع تكرر معك...
ويا الله اللي سويته خلاك تكبر في عيني أكثر مع أنك طول عمرك كبير
بس معرفتي للموضوع خلتني أحس إن عظمتك وشهامتك مالهم حد
حسيت إني فخورة فيك فعلا.. وأفتخر أنه في عروقنا يمشي نفس الدم

شعر راكان بألم عميق.. عميق.. لا حدود لتجذره في روحه
هو أبى أن يخدعها بإخفاءه خبر زواجه عنها لذا تركها تذهب لحمد
بينما هي كانت تعرف بخبر زواجه فعلا
أي ظلم فادح ظلمه لنفسه وظلمه لها؟!!
وتأثر بعمق أنها فكرت فيه هذا التفكير المشبع اهتماما ومؤازرة..
و شاركته في خوفه الأعظم..
أن تتكرر مأساة عمه سلطان معه

(أي قلب شاسع تحملين؟!!
وأي حاسة مرهفة تتمتعين بها؟!
الإنسانية في حضورك محض شبح باهت
كيف تظهر أمام رهان عظيم للإنسانية تمثلينه؟!!
هأنا أكتشفك كأنسان أفتخر بمعرفتي له
بعد أن فقدت اهتمامي بكل عالم الإناث
بعد أن فقدتكِ أنتِ كأنثى)


خطر لراكان خاطر ما.. خاطر ماعاد له معنى.. ولكن هي حاجة في النفس

همس لها: موضي لو كنت خطبتش وقتها وأنتي عارفة إني متزوج
كنتي توافقين علي؟؟

موضي شعرت أن صاعقة نارية شطرتها نصفين ولكنها ردت بثقة:
اللي تردك تكون مجنونة

راكان بهدوء: أنا ماسألت بشكل عام ..أنا أسألش أنت

موضي بحزن عميق: أنت وقتها مثل ما أنت الحين.. شيء فوق أحلامي
لكن وقتها وبصراحة.. لا طبعا كان مستحيل أرفضك
مالي وجه أصلا أرفض.. مين يجيها راكان وترفض
لكن لو كان الأمر بيدي.. أنقي لك أحسن بنت في الدوحة

راكان شعر أن الحزن بقلبه يتجذر يتجذر ويتجذر.. يشعر أنه أضاع أجمل أحلامه وبدد سعادته دون سبب فعلي
فهي كان لديها استعداد أن توافق عليه مع معرفتها بزواجه
بل كانت فخورة به وترى في زواجه عظمة وشهامة
ولكن ماعاد للندم معنى
فما مضى مضى.. وهذا هو ما كتبه الله له

همس لها بهدوء: موضي للمرة الأخيرة أسمح لش تقللين من نفسش قدامي
وأظني إني قلت لش قبل سالفة أتزوج أو ما أتزوج ما أبيش تفتحينها

موضي بألم: والله راكان حرام تضيع شبابك هدر
خل نشوف لك وحدة تستاهلك

راكان بنبرة غضب: موضي لا تخليني أعصب
أنا نادرا جدا جدا ما أعصب لكن ينطبق علي احذر الحليم إذا غضب
الله لا يوريش زعلي.. بتمنين عمرش ما شفتيه

موضي بارتباك: ما أقصد راكان

راكان يعود لهدوءه: خلاص خليني من موضوع الزواج الثالث ونرجع للأول أشلون عرفتي؟؟

مضي كانت على وشك إخباره بالحكاية ولكنها رأت شيئا أمامها فصرخت:
أرانب

راكان باستغراب: وشو؟؟

موضي بجذل حماسي: شفت أرانب على الشارع.. تبي توقف؟؟

راكان بحماس: نتنور؟؟ تعرفين؟؟

موضي بحماس مشابه: أفا عليك.. أنا اللي أعرف

(التنور: الصيد بالإضاءة)

راكان لف سيارته ودخل بها إلى المنطقة الصحراوية الموزاية للشارع
حيث رأت موضي الأرانب تفر

الصيد من الهوايات التي تنغرس بعمق في روح هاويها
وكثير من الصيادين قد يصطاد ويعاود إطلاق ما اصطاده
لأن هدفه ليس تجميع الفرائس ولكن الاستمتاع بالمطاردة المركزة
وهذا ماخطر ببال راكان
يتسليان قليلا بمطاردة الأرانب.. ولو اصطاد شيئا سيعاود إطلاقه
وفي هذا تشارك عميق لهما في هوايته التي يحبها

راكان أوقف السيارة
ووجه إنارتها للجحور ونزل
موضي نزلت خلفه
ولكنها قبل أن تصل إليه سمعته يقول بهدوء ساكن وأمر حاد:
موضي ارجعي السيارة وسكري على روحش
وإياني وإياش تنزلين لو مهما صار لي

نظرت ناحيته برعب متوحش واستغراب عميق
فالمنطقة هذه قد تكثر بها الثعالب
ولكن



ليس الذئاب..

ليس الذئاب...


فمن أين أتى هذا الذئب الضخم المخيف
الذي كان لعابه يسيل بشكل مرعب
وهو يستعد لغرس أنيابه في جسد راكان الأعزل من كل سلاح؟؟!!




الساعة الآن 10:23 PM.

Powered by vBulletin Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd Trans
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.0 BY: ! ωαнαм ! © 2010
جميع الحقوق والطبع محفوظه لدى موقع بنوتة نت ©2007 - 2009

a.d - i.s.s.w


d3am - by kious99 : Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.3.0