عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-2010, 02:56 AM   #7 (permalink)
قمرهم كلهم
مستشار المؤسس ~

 
الصورة الرمزية قمرهم كلهم

 آلحـآله ~ : قمرهم كلهم غير متواجد حالياً
 رقم العضوية : 9952
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 فترة الأقامة : 5116 يوم
 أخر زيارة : 10-19-2014 (08:38 PM)
 النادي المفضل :
 الإقامة : 
 المشاركات : 8,755 [ + ]
 التقييم :  40
  معدل التقييم ~ : قمرهم كلهم is on a distinguished road
 زيارات الملف الشخصي : 13851
 الدولهـ
Qatar
 الجنس ~
Female

  مشـروبيُ ~

  كآكآوي ~

  قنـآتيُ ~

 MMS ~
MMS ~

  مدونتيُ ~

لوني المفضل : Cadetblue
 
 

افتراضي رد: روايه ""بكاء تحت المطر""





استقبلت خالد كعادتي كل يوم.. ولكنه هو لم يكن كعادته دائماً.. كان مطرق الرأس بخجل والاصفرار يكسو وجهه بلمحة من حزن.. حزن صارخ يملأ وجهه وتفيض بها عيناه.. انه لا يحتمل كل هذا الألم.. يا إلهي إنه يتعذب..
ابتسمت بوجهه وأنا أقوده إلى مقعده المعتاد..
نظر إلي بعذوبة وغشاوة من دمع تكتسح عينيه السوداوين..
قلت له بهدوء ووجهي لا يبدو عليه ما يعتمل داخل نفسي من اضطراب شديد..
ــ خالد.. نحن لم نتحدث عن طفولتك.. فماذا تتذكر منها؟
ألقى برأسه إلى الوراء وهو يقول:
ــ كنت أعود من مدرستي حزيناً مكتئباً فقد كا.....
قاطعته بحسم:
ــ أقصد قبل ذلك.. مرحلة ما قبل المدرسة.. طفولتك الأولى إلى جوار والدتك في البيت.. كيف كانت تعاملك.. وألعابك في البيت..
قبض على رأسه بعصبية وكأنه يعتصره.. ثم قال بنفاذ صبر:
ــ كلا.. لا أتذكر شيئاً عن تلك المرحلة على الإطلاق..
ركزت عيني في عينيه وأنا أقول:
ــ ألا تتذكر أبداً.. والدتك وحبها لك كيف كانت تلاعبك بحنان..
ابتلع ريقه وهو يهمس:
ــ نعم.. أمي كانت تحبني كثيراً.. وكانت تلعب معي دائماً.. ربما أكثر مما كانت أخواتي يفعلن معي..
وصمت.. ولم يقل شيئاً آخر..
أعدت عليه السؤال بصيغة أخرى:
ــ ووالدك ألا تتذكره.. كيف كان يعاملك وأنت صغير.. هل كان يحنو عليك أم كان يضربك بقسوة؟
قال بخشونة:
ــ كلا.. أنا لا أتذكره.. لا أتذكر أي شيء على الإطلاق.. اقتربت منه وقد أصررت على ملاحقته قائلة:
ــ تذكر يا خالد.. كيف كان بيتكم القديم.. الفناء الواسع وشجرة التين العتيقة.. حجرة الألعاب.. كما كنت تسميها.. هل تتذكر يا خالد؟
بدأت أنفاسه تعلو وتهبط والعرق يتفصد من جسمه بغزارة.. هتف بيأس:
ــ كلا.. لا أتذكر..
لاحقته هامسة:
ــ وحجرة نوم والدتك.. الغطاء الأزرق الملون.. والمطبخ.. هل تذكر المطبخ يا خالد..
صرخ بقوة:
ــ لا.. لا..
اقتربت هامسة:
ــ تذكر يا خالد.. والدك.. والمطبخ.. وأمك تبكي..
نظر إلي بجنون وهو يهتف:
ــ نعم أراد والدي أن يقتلني.. إني أتذكر بوضوح وهو يمسكني بقوة ليغرقني بالبنزين.. أتذكر وهو يحاول قتلي بالسكين.. وأمي تبكي.. وهو يهدد ويتوعد.. نعم أنا أتذكر كل شيء الآن..
صمت فجأة ثم أسرع نحو فتاحة الورق وهو يهدد بقوة:
سأحقق رغبة أبي.. سأقتل نفسي، فأنا غير مرغوب في وجودي.. لا أحد يريدني.. لا أحد يريدني.. أنا تعيس جداً، وسأنهي حياتي بنفسي لا بيد والدي..
وسبقته إلى الفتاحة لأخفيها بدرجي وضغطت الجرس لتسرع الممرضة بالحضور.. فأطلب منها حقنة مهدئة.. لأحقنه بها.. وما أن استلقى خالد على الأريكة وهو يلهث وكأنه قد عاد من رحلة قطعها ركضاً، حتى غامت عيناه بتأثير المهدئ.. وأحسست بالهدوء الشامل يلفني..
فعلاً لم أتوقع ثورته تلك.. ولم أضع حساباً لرد الفعل العنيف الذي تلقيته.. ولكن حمداً لله.. فلقد مرت الأزمة بسلام..
وبعد فترة لا أدري كم طالت.. فتح خالد عينيه.. ابتسمت له وبادلني الابتسام بهدوء.. قلت له بفرحة لم أستطع كتمانها..
ــ ماذا تشعر الآن يا خالد؟
قال وابتسامة هادئة تلوح على محياه:
ــ لقد أدركت يا دكتورة كم كنت شقياً فيما مضى.. فلم أكن أرف أن لهذا الحادث الأثر الكبير في حياتي.. ولكنني كنت قد نسيته.. فعلاً نسيته ولم أعد أذكر منه شيئاً على الإطلاق..
ولكنني الآن فهمت كل شيء.. فهمت سبب عذابي ومرضي ومحاولاتي الانتحار..
قلت له باسمة:
ــ أفهمت كيف أن محاولة والدك لقتلك وأنت طفل قد تسربت في عقلك الباطن، لتهرب منها وتنساها.. ولكنها لم تنساك، مضت تنغص عليك عيشك وتدفعك دفعاً لقتل نفسك مدفوعاً بإحساس إنه لا أحد يرغب بوجودك، وأن والدك بنفسه قد حاول قتلك.. فماذا عن الناس؟
ولكنني سعيدة لأنك فهمت كل شيء وأدركت كل شيء ومنذ الآن ولاحقاً أنا مطمئنة عليك..
قال وقد استعاد ثقته الكاملة وفي نفسه:
ــ الفضل لله ثم لك يا دكتورة.. ولكن ألن تعاودني تلك النوبات مرة أخرى؟
ابتسمت له معززة ثقته بنفسه وأنا أقول:
ــ اطمئن بإذن الله لن ترى شيئاً من ذلك.. لقد ولدت من جديد يا خالد.. وبإمكانك الآن مغادرتي مصحوباً بالسلامة.. إلى اللقاء يا خالد..
تردد برهة.. أحسست أنه يريد أن يقول شيئاً، ولكنه لا يستطيع.. قلت له مشجعة:
ــ خالد.. لا تتحرج من إلقاء أي سؤال.. فثق ثقة تامة أنك قد شفيت تماماً.. ومن حقك أن تسأل أي سؤال بشأن حالتك السابقة..
نظر إلي نظرة تفضح ما تضطرم به أعماقه.. أبيت أن أصدق ما وشت به عيناه.. أشحت بوجهي لأسمعه يقول لي بصوت متلجلج:
ــ ألن أراك مرة أخرى.. يا.. دكتورة..؟
قلت دون أن ألتفت إليه:
ــ لن تحتاج لي بإذن الله.. أنت الآن رجل كامل وأمامك المستقبل كله.. أتمنى لك حياة سعيدة..
مضى إلى الباب متثاقل الخطى.. ثم وقف فجأة..
تناهى إلى سمعي صوته المعهود:
ــ هل.. أقصد.. هل تسمحين لي بأن أزورك لاحقاً؟
رباه.. أن صوته قد أيقظ في نفسي كل شيء.. الحنين والحب والتعاسة.. سأقاوم حتى آخر رمق.. ان تهزمني لحظة ضعف.. إن شعوره طبيعي كمريض يتعلق بطبيبته.. ولكن ماذا عني أنا؟
الطبيبة المحترمة التي تفضل مصلحة مريضها على أي شيء في الدنيا.. حتى ولو كان في هذا تحطم لقلبها ومشاعرها..
قلت بخشونة تعمدتها وأنا أتظاهر بانشغالي بأوراقي:
ــ إن وقتي ضيق.. مع السلامة يا خالد..
صفعت أذني كلماته الأخيرة:
ــ مع السلامة.. الوداع يا دكتورة..
وانهرت على مكتبي في بكاء مرير.. لقد انتهى الحلم الوردي الذي عشت فيه أشهر طويلة من الفرح الممزوج بقلق وانتظار.. انتهى الفرح.. ووقف القلق.. وبقي الانتظار!!



النهايه


 
 توقيع : قمرهم كلهم




رد مع اقتباس