عرض مشاركة واحدة
قديم 07-05-2010, 02:54 AM   #4 (permalink)
قمرهم كلهم
مستشار المؤسس ~

 
الصورة الرمزية قمرهم كلهم

 آلحـآله ~ : قمرهم كلهم غير متواجد حالياً
 رقم العضوية : 9952
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 فترة الأقامة : 5116 يوم
 أخر زيارة : 10-19-2014 (08:38 PM)
 النادي المفضل :
 الإقامة : 
 المشاركات : 8,755 [ + ]
 التقييم :  40
  معدل التقييم ~ : قمرهم كلهم is on a distinguished road
 زيارات الملف الشخصي : 13851
 الدولهـ
Qatar
 الجنس ~
Female

  مشـروبيُ ~

  كآكآوي ~

  قنـآتيُ ~

 MMS ~
MMS ~

  مدونتيُ ~

لوني المفضل : Cadetblue
 
 

افتراضي رد: روايه ""بكاء تحت المطر""



كيف تزوجت والده.. كيف كانت ظروف ولادته.. طفولته.. نوعية حياتكم العائلية.. وهكذا..
خفضت بصرها إلى الأرض قبل أن تقول:
ــ كعادة أهلنا في هذه المنطقة، فقد تزوجت والد خالد وأنا لا أعرفه ولا أعلم عنه شيئاً ولا حتى صورته.. وفوجئت به بعد الزواج.. فقد كان قاسياً متزمتاً جافاً كعود الحطب.. كان يضربني بسبب وبدون سبب.. يئست من الوصول إلى قلبه أو حتى إلى طريق مشترك يجمعنا ببعضنا، فأهملته وأهملت نفسي وتفرغت لرعاية أولادي.. كل حبي ورعايتي وحناني أصبح لأولادي.. ولسوء الحظ والنصب، أنجبت ثلاث بنات على التوالي، مما أغاظ زوجي وفاقم الأزمة بيننا حتى أوشكنا على الطلاق.. ثم أنجبت "خالد" الولد الوحيد بين البنات.. كان رأسمالي في الحياة والورقة الوحيدة الرابحة في عش الزوجية التعيس.. كان مجيئه للدنيا بمثابة المنقذ الذي انتشلني مما كنت أتخبط فيه.. كنت أحبه أكثر من بناتي وأكثر من حياتي نفسها.. أحطته بحناني وحبي ورعايتي وأرضعته ثلاث سنوات كاملة.. حملت وأنجبت شقيقته التي تليه وأنا أرضعه.. حتى تزوج والده.. تزوج بامرأة أخرى غيري وأعادني أنا وأطفالي بدون فلس واحد إلى بيت والدي الذي لم يرض لي بكل هذا الظلم.. فتقدمنا للمحاكم ورفعنا عليه قضية نفقة ليرد لنا اللطمة بأخرى ويطالب بحضانة بناته الكبيرات اللاتي تعدين سن السابعة..
انحدرت دموعاً مرة على وجنتيها وهي تستطرد:
ــ وانتزع مني بناتي وكأنه ينتزع فؤادي.. انتزعهن قبل أن أودعهن الوداع الأخير.. فلم أكن أعتقد ولو للحظة بأنه سيحرمني منهن إلى الأبد..
وبكت بمرارة..
قلت لها بهدوء:
ــ وخالد ما موقفه..؟ وماذا كان يفعل إزاء كل هذه المشاكل بينك وبين والده؟
مسحت دموعها بظهر كفها وهي تقول وكأنها تتذكر:
ــ إنه غالباً يبقى هادئاً صامتاً ولا ينبس بكلمة..
قاطعتها:
ــ ولا حتى انفعال من أي نوع؟
كررت كلماتي ببطء:
ــ ولا حتى انفعال من أي نوع..
ثم لمعت عيناها فجأة وأردفت بعد هنيهة صمت:
ــ إنه أحياناً يندفع خارجاً من البيت وكأنه يهرب من شيء ما..
سألتها:
ــ ومتى كان يحدث هذا؟
أجابت بهدوء:
ــ لا أدري.. ولكن أعتقد أنه بعد أن يراني أبكي بشدة يفعل هذا.. وقد كان هذا سابقاً.. ولا..
قاطعتها بسرعة:
ــ ولما أصبح شاباً تغيرت حالة الهروب هذه إلى نوبات.. بمعنى أنه عندما يراك تبكين بقوة بدلاً من أن يهرب من البيت كالسابق عندما كان طفلاً فأنه يحاول أن يقتل نفسه بغير إرادته.. هل هذا صحيح؟
نهضت من مقعدها لتواجهني بعينيها الخائفتين:
ــ ما معنى هذا يا دكتورة..؟
ألقيت بنفسي على مقعدي متثاقلة وأنا أقول:
ــ لا أدري.. حقاً.. مازلت حتى الآن لا أدري.. ولكن هل تتذكرين بالضبط ماذا حدث في نوبته الأولى.. أول نوبة تحدث له؟
امتلأت عيناها بالدموع وقالت بصوت متهدج:
ــ كنت مستلقية في سريري أحاول عبثاً النوم حينما اقتحمت حجرتي ابنتي الصغرى صارخة:
ــ أمي.. أسرعي.. خالد يحاول الإنتحار..
أسرعت إليه بدون شعور بينما انطلقت شقيقته لتبلغ خالها في الجوار.. تحلقنا حوله نحاول انتزاع سلك المدفأة من بين يديه الذي كان يلفه حول عنقه بإحكام شديد وكأنه يود الخلاص من حياته..
بعد محاولات عدة وبكاء وصراخ، فتح عينيه فجأة، وكأنه يفيق من حلم مزعج.. عاتبناه على فعلته.. نظر إلينا بدهشة شديدة وأنكر أنه يحاول الانتحار ثم بكى منهاراً وهو يقول بأنه لم يكن يدري ما يفعل..
قلت لها فجأة:
ــ وكيف كانت هيئته حينذاك.. أقصد حينما كان يحاول الانتحار؟
أغمضت عينيها كمن يحاول التذكر.
قلت لها هامسة:
ــ أرجوك تذكري.. فالأمر مهم..
عمّّ الصمت أرجاء الحجرة لعدة ثوان قبل أن تهتف فجأة:
ــ نعم.. نعم تذكرت.. كان وجهه محتقناً بشدة وعيناه محمرتين وكأنه قد شبع من البكاء.. وقد كان خائفاً.. نعم نعم.. لقد كان خائفاً جداً وكأنه يهرب من وحش يطارده.. كان السلك يلتف حول عنقه وهو يتلفت بخوف باحثاً عن شيء ما.. لماذا يا دكتورة؟
كتبت في مفكرتي دون أن أجيب:
( يهرب من شيء ما يرعبه.. تمكن عقدته في الخوف من شيء ما )..
اقتربت منها بهدوء وأنا أقول:
ــ سؤال أخير يا أم خالد.. أرجوك أن تتذكري بالضبط.. ماذا حدث لك في ذلك اليوم الذي حدثت لخالد فيه النوبة.. لماذا كنت تبكين بشدة؟
نظرت إلي بسرعة.. ثم نكست رأسها وصمتت.. طال صمتها حتى اعتقدت أنها لن تجيب عن سؤالي..
أخيراً قالت بصوت جاف:
ــ لم أنس بناتي طوال تلك السنوات حتى وإن نسيهن من حولي.. كنت أنام كل ليلة وصورتهن بين أحداقي.. كنت أتساءل بالسر والعلن عن مكان وجودهن.. وقبل أن تحدث لخالد النوبة الأولى بأيام صادفت امرأة تعرفني منذ أيام زواجي الأولى فقد كانت قريبة لزوجي من بعيد.. تعلقت بها كما يتعلق الغريق بقطعة خشب طافية على الماء.. عرفت منها أن اثنتين من بناتي قد تزوجن وإن كانت لا تعرف على وجه التحديد أين يقيمان والثالثة ما زالت باقية عند أبيها وزوجته وأولاده..
حاولت أن أحصل منها على العنوان لكنها لم تكن تعرفه.. كل ما أخذته منها هو رقم هاتف منزلهم.. عايشت صراعاً مريراً مع نفسي حتى انتصرت عاطفتي على كرامتي وبقيت إرادة الأم هي الأقوى..
لم يكن يجيب على الهاتف سوى زوجي السابق.. لذلك رجحت بأن هذا الرقم ربما يكون هاتف المكتب أو العمل..
في ذلك اليوم البائس حادثته.. رجوته أن أرى ابنتي أو الأخريات.. عنفني وبصق في وجهي.. ذكرته بأولاده الباقين هدى وخالد.. وما أن نطقت بإسم خالد حتى صرخ بشدة:
ــ فلتشبعي به.. أنني لا أريد أن اعرفه ولا أن أراه..
وأغلق سماعة الهاتف في وجهي..
فأجهشت في بكاء مرير.. ودخل خالد.. كان قادماً من الجامعة متعباً.. منهمكاً.. أخبرته بما حدث.. ولم يعلق بكلمة.. دلف إلى حجرته بصمت وأنا غارقة وسط دموعي الحارة.. ثم حدث ما حدث..
دونت في المفكرة:
( النوبات تحدث له بعد مواجهة صريحة مع ماضيه.. مع والده على وجهه التحديد.. شيء ما يخيفه من والده )..
قلت بصوت ناعم:
ــ لقد أتعبتك اليوم يا أم خالد.. ولكن أرجو أن تخبريني هل كان والد خالد يضربه؟
اختلجت شفتاها بقوة واهتزت رموش عينيها.. قالت بعد جهد.. وكأنها تهرب من الإجابة:
ــ نعم..
لاحقتها بالسؤال:
ــ هل كان ضرباً مبرحاً؟
أجابت بحسم وكأنها تنهي الموضوع:
ــ نعم.. ولكن ما علاقة ذلك بالموضوع؟
فاجأتها بسؤالي:
ــ أم خالد.. لماذا أنت خائفة؟
ارتعدت أوصالها بعنف.. وكأن قشعريرة باردة قد تخللت جسدها المنهمك.. شرد عيناها.. أجابت بشردود:
ــ إنني خائفة على ابني.. خائفة على خالد..
ثم استطردت بعد أن استجمعت شتات نفسها:
ــ أرجوك يا دكتورة حاولي أن تنقذيه..
شددت على يدها بحرارة وأنا أعدها بكل خير..
خرجنا من الحجرة لأجد خالد يذرع غرفة الاستقبال جيئة وذهاباً..
ابتسم قائلاً حين رآنا معاً:
ــ هل انتهيتما من الحديث عني؟
بادلته الابتسامة وأما أهمس:
ــ لا تنس يا خالد.. أرجو أن تعود إلي بعد ثلاثة أيام.. اتفقنا..
وغادرني متأبطاً ذراع والدته أو على الأصح هي المتشبثة به وكأنه سيغادرها إلى غير رجعة..
عدت إلى حجرتي وأنا أمسح دموعي الكثيرة.. جاءني صوت الممرضة حانياً:
ــ أنت عاطفية يا دكتورة.. ستتعبين كثيراً إذا لم تفصلي بين عملك كطبيبة.. وبين أحوال الناس ومآسيهم..
ابتسمت ظاهرياً وأنا ابتلع غصة.. إنها لا تدري ولن تدري بأن خالد هو جزء لا يتجزأ من حياتي.. إنه حسن يعود في صورة أخرى.. وليته لم يعد..


 
 توقيع : قمرهم كلهم




رد مع اقتباس