عرض مشاركة واحدة
قديم 06-13-2008, 06:53 PM   #1 (permalink)
ظبي الامارات
المراقب العام

 
الصورة الرمزية ظبي الامارات

 آلحـآله ~ : ظبي الامارات غير متواجد حالياً
 رقم العضوية : 3066
 تاريخ التسجيل :  Mar 2008
 فترة الأقامة : 5905 يوم
 أخر زيارة : 09-15-2010 (02:03 AM)
 النادي المفضل :
 الإقامة : 
 المشاركات : 1,445 [ + ]
 التقييم :  21
  معدل التقييم ~ : ظبي الامارات is on a distinguished road
 زيارات الملف الشخصي : 2268

  مشـروبيُ ~

  كآكآوي ~

  قنـآتيُ ~

  مدونتيُ ~

لوني المفضل : Cadetblue
 
 

دموووع تأجلت ثلاثين عاما ...!!



بسم الله الرحمن الرحيم


دموع تأجلت ثلاثين عاما

اليوم هو السبت من شهر يناير ، صرخت بأولى صرخاتها مع فجر هذا اليوم الرابع من الشهر نفسه ، صارت تصرخ وتصرخ وكأنها تعبر عن خوفها من المجهول المظلم ، قامت الأم وحنت وجهها نحوها ، وأبصرتها في الدقائق الأولى من ولادتها ، تفحصتها وهي عارية بنت ذات الساعة الأولى من حياتها ، أمعنت النظر فيها مليا بفؤاد امتلأ بالحب والحنان إلى جانب الخوف الشديد ، هي لم تكرهها لأنها ولدتها ، ولكن كرهت الكيفية التي وضعتها مضغة في رحمها منذ تسعة أشهر خلت حين حملت بها سفاحا .
وبعد أن روت نظرها الملهوف منها ، أدركت فيها شامة في كتفها الأيمن ، وصار الحنان يملأ وجدانها ، والخوف يملأ نفسها ، لكنها استسلمت لقهر الخوف ، فقررت أن تلقيها بالقرب من مسجد مدينة أخرى في أقصى البلد ، وقبل أن تلقيها تركت معها ورقة كتبت فيها ( هذه ابنتي أنا ، وقد أسميتها وعدا ، أرجو ممن يعثر عليها أن يسلمها إلى ملجأ الذين هم مجهولو الأب والأم ، وأن يسموها باسمها الذي كتب على هذه الورقة ، لكنها لم تنس أن تكتب ميعاد ويوم وتاريخ وشهر وسنة ميلادها في تلك الورقة لتترك للزمن والظروف والقدر فرصة ربما تجمعها بها في المستقبل ، ثم أخذتها جدتها العجوز إلى جوار مسجد يبعد عن مدينتها كثيرا مسجد من أقصى جهة في البلد يبعد عن سكن الأم في أقصى جهة معاكسة من البلد نفسها حتى لا يكشف أمرها وتظهر فضيحتها .
وأدخلت الرضيعة الملجأ ، وفعلا دونت البيانات في سجلات الملجأ ، تلك البيانات التي كتبتها الأم في الورقة ، والمكان الذي وجدت فيه واسم المسجد ورقمه .
وبعد ذلك بقيت الأم حينا من الدهر تحمل المشهد الأول لميلاد الطفلة ، وتحمل الألم العميق في فؤادها بسبب الذنبين وإثمهما ، عانت الأم ولكنها كانت تصبر نفسها بأن هذا هو قدرها الذي لا يمكنها أن تفر منه ، ومع عمق الألم الغائر في وجدانها الذي لا يتركها ليلا ولا نهارا ، وهو يظهر لها في ذلك المشهـد الأول ، كانت تمنع دموعها حتى لا تتعرض إلى حرج أعظم من الألم أمام الناس ، ومع مرور الوقت هانت مصيبة الأم وضعفت آلامها ، وسلت نوعا ما ، وأصبحت حياتها شبه عادية ، لكن الذكرى ظلت باقية في مخزون الذاكرة تراود إدراكها ووعيها بين حين وآخر .
مرت السنون تباعا ، كبرت الطفلة ، وأدخلوها المدارس حتى تخرجت من الثانوية ، ورغبت في أن تلتحق بمعهد التمريض ممرضة ، وتخرجت بعدها وألحقت بكادر الممرضات في مستشفى العاصمة .
طبعا عانت البنت خلال هذه السنين من ألم جهل الهوية ، وعدم معرفة الأم والأب ، ولماذا جيء بها إلى الملجأ ، ولكم من مرة عانت من آلامها العظام ، ولكنها استسلمت للأمر الواقع ، وقررت أن تعيش حياتها الواقعة رضيت أم أبت ، ولطالما سألت عن أمها وأبيها ولم تجد لأسئلتها أية إجابة سوى ما كتب عنها في سجلات الملجأ ، وأن الملجأ أضاف إلى اسمها الذي كتب في الورقة ( وعد بنت كذا وكذا وكذا ) أي أن اسمها الحقيقي هو كما كتبته أمها في الورقة ، لكن اسم الأب والجد هو من اختيار الملجأ للتعريف بها والتمييز بينها وبين غيرها بالإضافة إلى مكان وجودها بالتحديد .
درست وعد التمريض وعملت في مستشفى العاصمة ، وخلا ل عملها تعرفت على شاب جيء به إلى المستشفى ، وأنزل في الجناح الذي تعمل فيه وعد ، أعجب بأخلاقها وأدبها وجمالها ، وحسن طباعها ومعاملتها ، التصق القلبان ليكونا قلبا واحدا في جهة منه وعد ، وفي الجهة الأخرى محمد ، واستطاع أن يحصل على رقم هاتفها ، أحبها وأحبته ، وامتلأ قلبيهما بالحب العظيم ، عرض عليها أن يتزوجها ، لكنها ترددت لأنها لم تستطع أن تكشف له الحقيقة ، وأمام إلحاحه وإصراره على أن يتزوجها ، ترددت كثيرا رغم رغبتها فيه وحبها له ، وبعد صراع طويل بين رغبتها وخوفها مقابل رغبته وحبه لها صرحت له بالحقيقة ، فقبل الزواج منها لأنها ليست عارا ، ولا ذنب لها فيما حدث لها ، وانتهت الرغبتين بزواج جمعهما في بيت الزوجية المليء بالحب والاحترام المتبادل ، ومع مرور الوقت أنجبت منه ولدا وبنتا وسارت حياتهما على خير ما يرام ، إلى درجة أن وعدا كادت أن تسلو عن ماضيها المؤلم .
ومساء ذات يوم الواقع بعد ثلاثين عاما ، جيء بامرأة تخطى عمرها الخمسين سنة إلى المستشفى تعاني من كسل كلوي ، كسل كلوي فوق العجز وأقل من الفشل ، وأدخلوها غرفة ما من غرف المستشفى ، وشاءت الأقدار أن تكون وعد هي المسؤولة في ذاك الجناح عن تمريض نزيلات الغرف ومنها الغرفة رقم ( 310 ) .
نظرت المرأة إلى هذه الممرضة فرأت فيها الكثير من ملامحها ، كما قرأت في ثنايا وجهها الكثير من أحداث الماضي المتلاحمة ، فشكت في ذلك ، وفكرت ثم فكرت ، وأدركت اسمها أنها وعد ، فتداعت إلى ذاكرتها مشاعر ما ، وانفجر مخزون الذاكرة عن ذلك المشهد الذي حدث في فجر ذاك اليوم قبل ثلاثين عاما ، وغرقت في التفكير وعقلها يتذبذب بين هل هي حقيقة أم صدفة ، لكنها أغلقت هذا التفكير يقينا منها أن الله قد يخلق كثيرا من التشابه بين الناس ، فقد يوجد في أقصى مشرق الدنيا مثلا امرأة تشبه امرأة أخرى في أقصى مغرب الدنيا .
ولكن كلما دخلت عليها هذه الممرضة بملامحها تعيدها إلى الذاكرة وما هو في مخزون الذاكرة ، وظلت حائرة هل تسألها أم لا تسألها ، وربما إذا سألتها لا تكون هي فتحرج نفسها وتقلب المواجع في فؤادها من جديد .
وزاد في يقينها أن الزائرات لها في المستشفى من صديقاتها يقلن لها أن هذه الممرضة تشبهك كثيرا ، بل وكأنها تشبه ابنتك ( أمل ) فيا سبحان الله من هذا التشابه .
وفي ذات يوم بعد أن خرجت من المستشفى قررت أن تسأل عنها وتتقصى عن حقيقتها ، فذهبت إلى الملجأ وطلبت منهم أن تعرف عن طفلة وجدوها منذ ثلاثين عاما اسمها وعد ، وكان معها ورقة أفضت ببياناتها إليهم ومكان وجودها قبل أن يتسلموها من رجال الشرطة في ذاك الوقت .
وجاءت البيانات في السجلات مطابقة مصادفة لاعتقدتها بكل يقين ، ومطابقة لما حكتها ، فعرفت منهم مسار حياتها خلال الثلاثين عاما ، فانهارت في البكاء المؤلم الذي يقطع الأفئدة .
قررت أن تذهب إلى المستشفى لتلتقي بوعد ، وتحكي لها سر الأمر منذ ثلاثين عاما ، فلما وصلت الجناح طلبت من وعد أن تكون في خلوة معها لحديث هام .
استجابت وعد بحكم إنسانيتها كممرضة ، وقالت لها ( إن شا الله يمه تفضلي ) فما كان من الأم إلا أن قالت لها ، هل فيك شامة في كتفك الأيمن ، استغربت أمل من هذا لأن هذا سر لا يعرفه أحد من الناس مطلقا إلا زوجها ، حتى الملجأ غفلوا عنه لأنه ليس مهما بالنسبة لهم ، فلم يدونوه في سجلاتهم كعلامات فارقة مميزة ، فقالت وعد لها نعم ذلك صحيح ، طلبت منها أن تكشف عن كتفها الأيمن ففعلت وعد ، فخرت الأم باكية من هول الحقيقة ، ثم صرحت لها بتلك الحقيقة ، لتعلمها بأنها ابنتها وهي أمها ، وعرضت عليها حقائق كانت في كتفها وفي سجلات الملجأ . بعد ذهول شديد قالت وعد لها ، أمتأكدة أنت أنك أمي ، قالت الأم ، نعم متأكدة وعندي الثوابت والدلائل في سجلات الملجأ . فقالت لها وعد ، هل تستطيعين أن تعلني أنني ابنتك على الناس جميعا، وهل يمكنك أن تعلميني من هو أبي ، فأنا لست المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام الذي حملت به أمه من غير أب ، وأنت لست مريم عليها السلام الذي انتبذت بعيسى مكانا قصيا عند ولادتها إياه بأمر الرحمن ، فما أنا وأنت إلا بشران عاديان ، أنت لم تنتبذ بي مكانا قصيا عند ولادتي ، ولكنك نبذتيني مكانا قصيا بعد أن ولدتيني بأمر الشيطان ، أقصيتيني من حياتك وعن قلبك ، وحرمت حنان الأم ، ولكم من ليلة بتها أتساءل بألم وحرة أنا بنت من ، من هي أمي ، ومن هو أبي ، ولماذا فعلا بي هكذا .
أدبرت وعد عنها وهي تقول ، أنت لست أمي ، أمي ماتت منذ ولادتي وانتزعتني من حضنها قبل ثلاثين عاما ، فابعدي عن طريقي وابحثي عن ابنتك ، مسكت الأم بفستان وعد وهي تزحف ذلا وألما على ركبها تستحلفها بالله أن لا تتركها ، لكن وعدا قالت ، بل سأتركك الآن وأنا قوية كما تركتيني وأنا ضعيفة قبل ثلاثين عاما ، واعلمي أنني تزوجت ولدي بنت وولد ، فابعدي عني ولا تهدمي حياتي ، وتشتتي أسرتي ، لكن كل ما أملك لك باعتبارك أم ولدت هو أن أسال الله أن يسامحك على ما فعلت بي ، فكما كان سهلا عليك مع عظيم ألمك في ذلك الوقت أن تتنكري لي وتلقيني في الأماكن المجهولة ، جاز لي أن أتنكر لك وأتركك في حياة مجهولة . طلبت الأم رأفة ورحمة من البنت بأن تتيح لها الفرصة برؤيتها كلما رغبت في رؤيتها ، لكن وعدا رفضت ، وانصرفت عنها ، وسارعت إلى تقديم استقالتها من عملها .
حزنت الأم لما علمت أن وعدا قدمت استقالتها من عملها بعد أن عرفتها أمها ، ولم تترك وراءها عنوانا ولا دليلا للوصول إليها وأنه صار مستحيلا أن تراها مرة أخرى فانهملت من الأم دموعا كانت مؤجلة ، دموع لم تنـزل عند الوداع الأول ، ولكنها دموع نزلت لتغرق عينيها وفؤادها في الوداع الآخر بعد ثلاثين عاما .
ومع مرور الوقت قرأت وعد خبر وفاة أمها في إحدى الصحف المحلية ، وأطلقت العنان للحواس والمشاعر التي باتت تؤذيها بعد رحيل أمها ، أحاسيس ومشاعر تشعرها بالندم لأنها لم يرق قلبها لتوسلات أمها ودموعها ، وحارت حيرة أبدية بعد ذلك لأنها لم تعرف أسماء أخواتها ولا عناوينهم ، فتحطمت الآمال وتناثرت حتى تغيبت وضاعت في تراب الحياة القاسية .



بقلم الكاتب والأديب القطري


خليفه بن عيد بن صلهام الكبيسي


قطر يادار آل ثاني الغاليه .....منج الادب والمعنى له شكل ثاني


تحياتي :sm212:


 
 توقيع : ظبي الامارات

قديت الي بسموها ينعرف علووها


رد مع اقتباس