مشاهدة النسخة كاملة : مـــلآك حــبـــي ..
الســلآم عليكم ورحمه الله وبركاته ..
كيفكم إن ششاء الله بخير ..
حبيت اليووم انزلك روايه
طبعا الرواية منقولة للأمانة
كاتبتها المبدعة اسمها SMiLe Angel Smile
نوعها رومانسية .. حزينة ..و مشوقة
"فاقد الشيء.. لا يعطيه"
هل سمعت هذه المقولة من قبل؟..بغض النظر ان كنت قد سمعتها ام لا..ما رأيك بها؟..ان أردت رأيي فأنا لا أؤيد هذه المقولة..ففاقد الشيء هو الذي يستطيع ان يعطيه ..لأنه الوحيد الذي شعر بألم فقدانه لهذا الشيء..وهو الوحيد الذي يمكنه ان يعوض من أمامه بالشيء الذي خسره ذات يوم..فمن فقد حنانا ..يشعر بألم فقدانه ويمنحه لكل من حوله..ومن فقد حبا..يعوضه لمن فقده..لانه يشعر بحقيقة آلامه..أظنكم قد فهمتم ما اعنيه لكم..لذا أترككم مع الحكاية ..صحيح انها من محض الخيال..ولكن من يدري؟..ربما تحدث يوما ما..
مقدمة:
ملاك هو اسمها..ملاك هي ملامحها..ملاك هي ابتسامتها..ملاك هي صفاتها..قلبها الكبير بحب الناس..لم يعرف معنى الكره ..معنى الكذب او الخداع..معنى الغرور والطمع..تخيلت إنها تحيا في عالم لا وجود للشر فيه..عالم ملئ بالخير والحب..بالتسامح والطيبة..
هل أخطأت عندما عاشت على أفكارها تلك ؟..على صفاتها تلك..واي صدمة ستعيشها لو علمت بالواقع المر؟..هل سيستطيع أحد أن يمنحها حبا يساوي حبها لكل هؤلاء الناس؟..هل سيأتي يوم وترى الحب في عيون من حولها؟..وذلك الشخص الذي طالما تمنته والذي لم يختفي من أحلامها لحظة ..يقترب منها وبهمس قائلا..(انت ملاك حبي)..(ملاك حبي انا)..
الجزء الأول
"هي.. وهو"
ابتسمت تلك الفتاة وهي تمشط شعرها الأسود الذي ينسدل على كتفيها بنعومة ورقة..وتتطلع الى نفسها في المرآة..كانت بيضاء البشرة..جميلة وبريئة الملامح.. تصرفاتها تجعلها اقرب الى الأطفال..مع انها قد تجاوزت سن الثامنة عشرة..
كانت أشبه بالملاك عندما تبتسم..ابتسامتها يمكن ان تذيب جبالا من الغضب الذي تعيش بداخلك..وكانت مدللة والدها وخصوصا بعد وفاة والدتها..وبعد ذلك الحادث المشئوم الذي أثر بالجميع فيما عداها هي لأنها كانت صغيرة السن لحظتها..لم تعلم بم يدور حولها..او بم يحدث..فطفلة لم تتعدى الثانية من عمرها كيف لها ان تدرك ان والدتها قد توفت في ذلك الحادث..وإنها هي..تلك الطفلة الصغيرة باتت سجينة هذا المقعد الى الأبد....
فبعد حادث السيارة المشئوم..أصيبت (ملاك)..الطفلة التي لم تتعدى الثانية من عمرها يومها..بالشلل..إثر إصابة بعمودها الفقري..
لكن هذا لم يؤثر بها كثيرا..فمن جهة والدها..يغدق عليها بلطفه وحنانه وحبه..ومن جهة أخرى هي لم تختلط بمن يماثلونها العمر ويشعرونها بعجزها..فقد كانت تحيا بمعزل تقريبا عن الآخرين..فهي تقوم بالدراسة بالمنزل..تحت إشراف مدرسين متخصصين..
التقطت ملاك تلك الزهرة الصغيرة وثبتتها بأحد أطراف شعرها ..وما لبثت ان سمعت صوت طرق الباب فقالت مبتسمة: ادخل..
دلف والدها الى الداخل وقال مبتسما وهو يميل نحوها ويلثم جبينها: كيف حال ملاكي اليوم؟..
قالت ملاك مبتسمة: في أحسن حال..ماذا عنك يا ابي؟..
قال وهو يهز كتفيه: لاشيء..عمل في عمل..
ومن ثم لم يلبث ان ابتسم وهو يغمز بعينه: وهذا ما دعاني لأعود في سرعة الى صغيرتي الغالية..
قالت وهي تفكر: ابي..لم يبقى على رأس السنة الميلادية شيء ونحن لم نقم بالتجهيز لها..
قال في هدوء: لا يحتاج الأمر لكل تلك التجهيزات..سوف نقوم بتزيين المنزل بالإضافة الى شراء بعض الحلويات..
قالت في سرعة: لا أريدها ان تكون كالعام الماضي ..أريدها ان تكون مختلفة ومميزة..
مسح على شعرها وقال: حسنا وما رأيك..ما الذي سيجعلها مميزة هذا العام؟..
قالت برجاء: ان ندعو اليها ابناء عمي ..
عقد والدها حاجبيه وقال: الم نتحدث في هذا الموضوع كثيرا يا ملاك؟..اطلبي أي شي الا هذا..
قالت متسائلة: ولماذا؟..في كل مرة ترفض البوح لي بالأمر ..إنني لم أرهم منذ ان كنت في السادسة من عمري وبعدها لم أرهم ابدا..
قال وهو يزفر بحدة: لا تسأليني عن السبب..نحن هكذا نعيش براحة بمعزل عنهم..
قالت ملاك برجاء: الى متى يا ابي؟..الى متى؟..لابد ان يأتي يوم ونضطر لأن نكون معهم..ففي النهاية عمي هو أخيك ..وابناءه بمثابة ابناء لك..
صمت والدها وهو يعلم انها على حق..ولكنه لم يعد يزور اخيه وانقطعت بينهم كل أواصر العلاقات..وهذا قبل اثني عشر عاما..أسباب عديدة دفعته لقطع تلك العلاقة..اولها كان..إصرارهم بزواجه..انه ابدا لا يفكر باحضار امرأة الى هذا المنزل لتكون بمثابة زوجة اب لابنته..ثم لا يريد ان تشعرها بعجزها وخصوصا وهو يعلم بحال ابنته وبأي آثار قد يسببه جرح مشاعرها..وإشعارها بالواقع الذي تحياه..
والسبب الثاني هو انهم دائما ما يشعرونه بعجز ابنته ويحاولون التلميج بهذا لها.. يحاولون دائما الإشارة انها لن تعيش كباقي البشر .. دون عمل ..و دون قدرة على فعل شيء ..يستكثرون عليها هذه الحياة التي تحياها .. ويطمعون بكل قطعة نقدية تمتلكها وكأنها لا تمتلك الحق في الحياة لمجرد عجزها..انهم لا يفهمون انها ابنته..حياته كلها ..ولو طلبت نجمة في السماء لأحضرها لها.. ولهذا لا يريد لأي من اخوته او أبناءهم ان يعودوا للظهور في حياته ..لا يريدهم ان يجرحوا ابنته ولو بكلمة..انها ملاك..الا يفهمون..؟..
(ابي الى اين ذهبت؟..)
قالتها ملاك لتنتزع والدها من أفكاره..والتفت لها ليقول بابتسامة باهتة: أفكر في صغيرتي الغالية وماذا اشتري لها بمناسبة رأس السنة..
- لا أريد إلا ما أخبرتك به..
قال متجاهلا عبارتها: أتعلمين يا ملاك ..اليوم وانا اقود السيارة شاهدت متجرا للمجوهرات..دلفت اليه ولم استطع مقاومة ان اشتري هذا لملاكي الصغير..
قالها وهو يخرج قلادة من جيبه ويهبط الى مستواها ويرفعها أمام ناظريها..اتسعت ابتسامتها وهي تلمح تلك القلادة الذهبية التي كانت عبارة عن شكل لقلب وبداخله يتوسط قلب اصغر غير ثابت ومتأرجح..وقالت بسعادة: هذا لي..
اقترب منها والدها وقام بوضع القلادة حول رقبتها..وقال مبتسما: ما رأيك بها؟..
قالت بفرحة : اقترب مني يا أبي..
اقترب منها وقال: لم؟..
سقطت بين ذراعيه وقالت: احبك يا ابي ..احبك..
ضمها والدها اليه بحنان شديد..وهو يفكر بالمستقبل المجهول الذي ينتظر ابنته التي لا تعرف عن العالم شيئا...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
على طرف آخر وفي مدينة اخرى..وفي ذلك المنزل الكبير الذي كان اشبه بالقصر..هتفت تلك الفتاة قائلة بانزعاج: (مازن)..اعد الي أحمر الشفاه..
قال مازن وهو يبتسم بسخرية: لا يوجد لدينا فتيات يضعون احمر شفاه..
قالت بحنق: انها حفلة..ماذا تريدني أن أضع اذا؟..
قال وهو يميل نحوها: يكفيك ما تلطخين به وجهك من ألوان..
قالت بغضب وهي تمد يدها اليه: أعدها الي..
قال وهو يلوح بأحمر الشفاه في وجهها ليغيظها: وإذا لم افعل يا آنسة (مها)؟..
قالت بانفعال:سأخبر والدي..
قال بعدم اهتمام: اخبريه..
اسرعت مها تهبط درجات السلم وتتوجه نحو والده الذي كان يحتسي كوب القهوة في الردهة الرئيسية..وسمع صوت ابنته مها وهي تقول: والدي..يجب ان تجد حلاً مع مازن..
التفت لها وقال: وماذا به شقيقك ذاك؟..
قالت بحنق: لقد أخذ احمر الشفاه الخاص بي.. ويرفض إعادته لي..
قال والدها بضجر: وليس لي عمل غير فض الخلافات بينك وبين أخيك..
قالت بسخط: هو من بدأ..
جاءها صوت مازن وهو يقول: بل هي..تود وضع احمر شفاه في حفل ساهر..لا تزال طفلة على مثل هذا الأمور..
قالت بحدة: انت الطفل..
قال والده بملل: ألم تكبر على مثل هذا الأمور يا مازن؟..لقد تجاوزت الخامسة والعشرين..
قالت مها وهي تعقد ساعديها وقالت: أخبره بذلك يا والدي..وقل له ان يعيد أحمر الشفاه الخاص بي..
قال مازن مبتسما: سأعيده ولكن بشرط..
التفتت له فأردف: ان تعرفيني على احدى صديقاتك بالحفل..
قالت وعيناها متسعتان: لا بد وان عقلك قد اصابه خلل ما..
تطلع الى احمر الشفاه الذي بيده وقال: فليكن اذا.. لا تحلمي ان تري هذا مرة اخرى.. ودعيه الآن قبل ان يصل الى سلة المهملات..
قالت باحتجاج: لا تفعل هذا.. انه باهض الثمن..
- أمامك حلان إما احمر الشفاه او أحدى صديقاتك؟..
مطت شفتيها وقالت: فليكن سأعرفك على إحداهن.. أعدها لي الآن..
كاد أن يعطيها إياه ولكنه تراجع قائلا: أقسمي أولا..
قالت بضجر: اقسم على ذلك..هل ارتحت؟.. هيا اعطني إياه..
قدم لها أحمر الشفاه.. فاختطفته منه في سرعة وعادت أدراجها الى الطابق الأعلى..اما والده فقد تطلع اليه بضيق ومن ثم قال: الا تخجل من نفسك يا مازن من ان تطلب من أختك أن تعرفك على إحدى صديقاتها؟.. وأمامي أيضا..
هز مازن كتفيه ومن ثم قال: انها مجرد صداقة بريئة يا والدي.. وجميع الفتيات اللواتي اعرفهن يعلمون مسبقا اني لن ارتبط بإحداهن.. أنا لم اخدع أحدا.. جميعهن يعرفن حدود العلاقة التي بيننا..
قال والده بضيق: ألا ترى إن هذه العلاقات لا تصلح لشاب مثلك؟.. ألا تفكر في الاستقرار؟..
ابتسم مازن وقال: أن كنت تعني الزواج.. فكلا.. لا أفكر به مطلقا..
هز والده رأسه بضيق اكبر وقال: انظر الى أخيك انه لا يتصرف مثل تصرفاتك..على الرغم من انه شقيقك الأصغر..
قال مازن بسخرية: (كمال).. انه لا يبالي بشيء ابدا.. انظر اليه على الرغم من اننا سنغادر بعد قليل.. فلم يحضر حتى الآن..
- اتصل به لتعلم اين هو اذا..
التقط مازن هاتفه ليتصل بكمال ولكن قبل ان يفعل سمع صوت الباب الرئيسي وهو يُفتح.. فابتسم مازن بسخرية وقال: لابد وانه قد ترك أصدقائه من اجلنا أخيرا.. وقرر الحضور..
التفت والده الى حيث كمال وقال وهو يعقد حاجبيه: لماذا تأخرت يا كمال؟..
قال كمال بلامبالاة: لقد نسيت أمر حفلة الليلة.. ولم أتذكر إلا قبل وقت قصير..
عقد والده حاجبيه وقال باستنكار: وهل هذا أمر يستطيع المرء نسيانه يا كمال؟..
هز كمال كتفيه ومن ثم قال: لقد نسيته وانتهى الامر..
قال الوالد بعصبية وهو يلتفت الى مازن: استدعي شقيقتك لنغادر .. فلو تناقشت معكم اكثر من هذا.. قد اصاب بمرض القلب..
ألقى مازن نظرة حانقة على كمال الذي بدا غير مباليا أبدا بما يحدث حوله.. ومن ثم عاد ليهتف مناديا مها: مها.. أسرعي سنغادر بعد قليل..
سمع صوتها من أعلى الدرج وهي تقول بصوت عالي: سوف آتي .. دقيقة واحدة فقط..
وما لبثت ان هبطت بعد قليل.. ليغادروا جميعا المنزل.. متوجهين إلى الحفلة المنشودة...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
شعرت ملاك التي كانت تنام بهدوء في غرفتها بلمسات حانية تداعب وجنتها ..فهمست قائلة: أريد ان انام..
سمعت صوت والدها يقول: هيا استيقظي ايتها الكسولة..
فتحت عينيها ببطء وارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها وهي تقول : ابي.. الم تذهب الى عملك اليوم؟..
هز رأسه نفيا.. فسألته قائلة وهي تعتدل جالسة: ولم؟..
قال والدها بهدوء: هذا ما جئت لأحدثك عنه..
تطلعت ملاك اليه بحيرة وقالت: وما هو الذي جئت لتحدثني عنه؟..
مسح على شعرها بحنان ومن ثم قال: أنت تعلمين إن أعمالي كثيرة داخل وخارج البلاد.. واليوم قد حدث أمر طارئ يستدعيني للسفر..
عقدت ملاك ساعديها امام صدرها وقالت بضيق: ليس مرة اخرى يا والدي.. ستتركني وتسافر..
زفر والدها قائلا: وماذا عساي ان افعل يا ملاك؟.. انني مضطر صدقيني والا لما غادرت البلاد وتركتك..أتظنين إن أمرا بسيطا قد يجبرني على تركك وحدك.. لا إن الأمر اكبر من هذا وعلي أن أكون هناك لأستطيع تدارك أي خطأ قد يحدث..
أشاحت بوجهها عنه وقالت وهي تشعر بغصة في حلقها: في المرة الماضية ايضا تركتني.. هنا لوحدي.. لا اجد ما افعله.. سوى التحدث الى نفسي..
قال والدها بحنان وهو يضمها الى صدره: ملاك يا صغيرتي.. لا تقولي هذا.. انت اكثر من يعلم انني اتضايق عندما اراك حزينة..
أمسكت ملاك بسترته وقالت برجاء: اذا خذني معك .. أرجوك..
ربت على ظهرها وقال بأسف: ليتني استطيع.. سأكون منشغلا طوال الوقت.. وسأضطر لانتقال من مكان الى آخر.. وقد لا استقر في مكان ما الا بعد ايام من وجودي هناك..
ابتعدت ملاك عن والدها وقالت وعيناها متسعتان: ايام؟؟.. اتعني انك ستغيب كثيرا هذه المرة.. وستتركني وحيدة هنا..
- اسبوع لا اكثر..
ترقرقت الدموع في عينيها وقالت بحزن: لقد سأمت البقاء لوحدي يا ابي .. لا اريد ان ابقى لوحدي مرة أخرى.. اريد ان اجد من اتحدث اليه..
قال والدها بحنان وهمس وهو يمسح تلك الدموع التي سالت على وجنتيها: لا أريد أن أرى هذه الدموع.. تعلمين إني لا اتأثر الا عندما أرى دموعك..
قالت ملاك بإصرار: أريد أن آتي معك..
- ليتني أستطيع يا ملاك..
صمتت ملاك بحزن وهي تشعر بأن الماضي سيتكرر وتظل وحيدة من جديد.. كل عام يغادر والدها البلاد.. ليومين او ثلاثة ويتركها وحيدة.. ولكن هذه المرة سيغادره لأسبوع كامل.. لا تستطيع ان تبقى في المنزل مع عدد من الخدم فقط.. تريد ان تتحدث الى احد يفهمها وتفهمه..
وقال والدها بابتسامة: ستكون معك السيدة (نادين).. وهي المسئولة عنك كما تعلمين فلا تقلقي لن تحتاجي لأي شيء في غيابي..
قالت ملاك بحزن: لا أريد ان أبقى وحيدة..
شعر والدها بالعطف تجاهها وقال وقد احس انه يمكن ان يوافق على أي طلب تطلبه.. وهو يراها في حالتها هذه: ما الذي تريدينه اذا؟..
التفتت له ومسحت دموعها في سرعة لتقول: اريد ان اذهب لمنزل عمي للبقاء عندهم..
قال والدها في عدم تصديق ودهشة: منزل عمك؟..انت لا تعرفين احدا منهم ابدا..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها بالم: على الاقل سأجد من اتحدث اليه هناك..
قال والدها بحزم: ملاك.. كل شيء إلا هذا.. أنا لا أريد لك أن تذهبي إلى هناك وتختلطي بهم لأن...
قاطعته ملاك برجاء: أرجوك يا أبي.. لن اطلب شيئا آخر سوى هذا.. أرجوك..
رق قلب والدها وهو يراها تتوسل إليه.. وشعر انه ربما اخطأ عندما جعلها بمعزل عن الآخرين.. قد يكون ذلك في صالحها.. ولكنه أيضا سبب لها الشعور بالوحدة.. الشعور بأن ليس لديها أصدقاء ممن يماثلونها العمر.. وقد يكون ذلك سببا في عدم إدراكها لطبيعة البشر من حولها..
وارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي والدها ليقول: كما تشائين يا صغيرتي.. سأفعل لك كل ما تريدينه..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع والد مازن الذي كان يجلس خلف مائدة الطعام الى المقعد الفارغ وقال متسائلا: اين كمال؟..
اجابته مها التي كانت تجلس بجوار والدها: لا يزال نائما..
قال والدها بضيق: انها الثانية ظهرا.. أي نوم ينامه الى الآن؟..
قال مازن الذي جلس على الطرف الآخر للمائدة: الم اخبرك انه لا يبالي بأي شيء؟..
قالت مها بحنق: على الاقل هو ليس مثلك.. دائم الشجار معي..
قال مازن بابتسامة: أنا أقوم بتسليتك.. فلو لم أكن أتشاجر معك لشعرت بالملل..
قالت مها وهي تتناول القليل من طبقها: الملل لدي افضل الف مرة من شجار واحد معك..
ضحك مازن وقال:ألأني المنتصر دائما في هذا الشجار؟..
مطت شفتيها بضيق ولم تجبه..وكاد أن يهم بقول شيء ما.. لولا ان ارتفع صوت رنين هاتف المنزل.. فقال والد مازن وهو يواصل تناول طعامه: اجب يا مازن على الهاتف..
ابتسم مازن وقال وهو يتطلع الى مها: اجيبي يا مها على الهاتف..
قالت مها بحنق: ابي قد طلب ذلك منك انت..
قال بسخرية: عليك الامتثال لاوامر شقيقك الاكبر..
قالت بتحدي: وعليك انت الامتثال لاوامر والدك..
قال والده بغضب: الا تحترمون وجودي حتى؟..
نهض مازن من مكانه وقال وهو يزفر بحدة: سأجيب يا والدي على الهاتف .. لا داعي لكل هذا الغضب.. لقد كنت امزح فحسب..
قالت مها بصوت خفيض وحانق: مزاحك ثقيل جدا..
توجه الى الردهة الرئيسية حيث الهاتف ليرفع سماعته ويجيب قائلا: الو.. من المتحدث؟..
تسائل الطرف الآخر قائلا: هل هذا هو منزل السيد امجد محمود؟ ..
اجابه مازن قائلا : اجل هذا منزله .. من المتحدث؟..
- انا خالد .. شقيقه..
قال مازن بحيرة: هل انت عمي خالد حقا؟..
قال خالد بابتسامة باهتة: اجل ..وانت من تكون؟ ..مازن ام كمال؟..
ابتسم مازن وقال : انا مازن يا عمي.. كيف حالك؟.. لم نرك منذ مدة طويلة..
- انا بخير.. هل لك ان تنادي لي والدك؟..
استغرب مازن رغبته في ان ينهي المحادثة معه سريعا ولكنه لم يفكر بهذا طويلا وقال بهدوء: حسنا سأفعل..
والتفتت الى حيث والده ليهتف بصوت مرتفع: والدي.. عمي يريدك على الهاتف..
نهض والده من خلف طاولة الطعام التي كانت تحتل ركنا من الردهة وقال متسائلا: أي عم تعني؟..
قالها وهو يقترب من حيث يقف مازن في حين اجاب هذا الاخير وهو يتطلع الى والده: انه عمي خالد..
توقف والده فجأة وقد سيطرت عليه الدهشة والاستغراب.. فشقيقه خالد لم يتصل منذ فترة طويلة تجاوزت العام والنصف.. واتصالاته كانت تنحصر على أمر يتعلق بالعمل.. او امر مهم ما..فلابد ان امر ما قد حدث حتى يتصل به..وواصل طريقه ليلتقط السماعة من مازن ويجيب قائلا: اهلا خالد.. كيف حالك؟..
هز مازن كتفيه بلامبالاة وسار مبتعدا عن المكان في حين أجاب خالد قائلا ببرود: بخير..
قال والد مازن كمن اعتاد على هذه النبرة من شقيقه : وكيف حال ملاك؟..
توقف مازن في تلك اللحظة عن السير.. ملاك؟؟.. هل لعمه ابنة؟.. لم يعرف هذا حتى الآن.. انه يستغرب عدم حديث والده عن عمه خالد بالذات.. ويستغرب هذه القطيعة بين والده وعمه.. وعقد حاجبيه وهو لا يزال واقفا في مكانه منصتا لما يقال..
وعلى الطرف الآخر قال خالد بهدوء: وهذا ما جعلني اتصل بك..
قال أمجد -والد مازن- بحيرة: ماذا تعني .. هل اصابها مكروه؟..
ازداد انعقاد حاجبي مازن.. الآن هو قد فهم من هذه المحادثة ان هناك فتاة تدعى ملاك.. وربما تكون ابنة عمه.. وابيه يتحدث عن مكروه.. وكأنها من المحتمل ان تصاب به في أي لحظة.. لكن.. لماذا؟..
قال خالد بحدة على الرغم منه: ملاك على ما يرام .. فلا داعي لان تتمنى لها ان تصاب بأي مكروه ..
قال امجد بهدوء: خالد.. انت تعلم جيدا انني لست كباقي اخوتك.. وانا الوحيد فيهم الذي عارضهم على ما يفكرون به تجاه ابنتك.. اليس هذا صحيحا؟..
قال خالد وقد هدأت حدة صوته: ولهذا اخترتك انت بالذات.. ولكن اعلم جيدا يا شقيقي العزيز انهم لو طلبوا منك أي شيء لتضر ابنتي لما تأخرت..انت لا تستطيع ان ترفض لهم مطلبا واحدا وهم شركائك.. اليس كذلك؟..
قال امجد بلامبالاة: لا فائدة منك.. على الرغم من كل ما فعلته من اجل ابنتك قبل اثني عشر عاما..
ازدادت دهشة مازن وهو يستمع لكل هذه الأمور التي اخذت تتدفق من بين شفتي والده.. اذا ملاك هي ابنة عمي حقا..وهناك شيء قد حدث قبل اثني عشر عاما أدى إلى هذه القطيعة بين عمي خالد والبقية من أشقاءه..وأبي هو الوحيد الذي عارضهم على ما يفكرون به تجاه ابنة عمي.. ولكن بم كانوا يفكرون بالضبط؟.. أو ما الذي ينون عليه؟..
قال خالد بهدوء: قبل أي شيء يا امجد اطلب منك ان تعدني.. او ان تمنحني كلمة منك.. ان ابنتي ستكون على مايرام ولن تتأذى من قبل أي منكم سواء بمضايقتها او بالتلميح لها..
قال امجد موافقا: أمنحك كلمة شرف ان ابنتك ستكون على مايرام ولن يجرؤ احد على الاقتراب منها حتى لو كانوا ابنائي نفسهم..واقسم على ذلك ايضا..
واردف بتساؤل: ولكن لم تطلب مني ذلك؟..أهناك امر ما قد حدث؟..
- انت تعلم بأعمالي العديدة.. وان علي ان اسافر بين الحين والآخر حتى أنجز أعمالي بالخارج..وفي كل مرة اترك ملاك فيها ليومين او ثلاثة.. ولكن هذه المرة الفترة قد تطول الى ما هو أكثر من ذلك.. ربما أسبوع او أكثر بقليل.. وعندما أخبرتها بالأمر صدقني لم أراها في حياتي حزينة كما رأيتها في تلك اللحظة وهي تطلب مني ان آخذها معي..
تساءل امجد بقليل من الدهشة: وهل وافقت؟..
اجابه خالد قائلا: بكل تأكيد لا.. الأمور لا تستقر الا بعد فترة من الوقت كيف لي ان اتركها وحيدة كل هذا الوقت .. وفي الوقت ذاته لا استطيع ان اتركها لمفردها في المنزل.. لهذا فقد كنت انت بمثابة الحل الوحيد..
قال امجد بهدوء: انت تعني ان تاتي لتبقى عندي في وقت غيابك .. اليس كذلك؟..
- بلى واعِلم انها هي من طلبت مني ذلك.. انها تشعر بالوحدة لمفردها وتتمنى ان يكون لها أصدقاء.. وحسبما اذكر فابنتك مها بمثل عمرها تقريبا.. لهذا ارجو ان لا يخيب ظنها بما تتمنى رؤيته في منزل عمها..
قال امجد بحزم: بيت عمها هو بيتها الآخر.. فلا داعي لاي تلميحات..
- على العموم سترافقها السيدة نادين.. ولن تكون بحاجة لأي شيء..
- ابنتك مرحب بها في أي وقت..
- سأحضرها غدا صباحا وأرجو ان تكون عند وعدك..
- لا تقلق سأكون كذلك واكثر..
- الى اللقاء..
اغلق امجد سماعة الهاتف وقال بضيق: لا يزال يضعني في دائرة الاتهام على الرغم من اني كنت اقف بجانبه هو وابنته دائما ..
سأله مازن بعتة والذي بدأ يفهم بعض الشيء من الحديث الذي دار بين والده وعمه: ابي من هي ملاك؟.. وهل هي سبب القطيعة بينك وبين عمي خالد؟..
التفت له والده وكأنه قد تنبه الى وجود مازن للتو وقال وهو يعقد حاجبيه: هل كنت تستمع لما اقوله؟..
هز مازن كتفيه وقال: ليس تماما.. ولكن الحديث عن هذه الفتاة اثار دهشتي وخصوصا وانك لم تتحدث عنها ابدا..
زفر والده بحدة وقال: اجل هي ابنة عمك.. وهي سبب القطيعة التي بيننا..
تسائل مازن بفضول: ولماذا؟..
صمت والده للحظات ومن ثم قال: لا داعي لأن نفتح صفحة الماضي.. الامور هكذا افضل..
ومن ثم توجه الى احدى الخادمات ومازن يراقبه بحيرة.. وسمع هذا الاخير والده وهو يقول لتلك الخادمة: جهزوا غرفة النوم التي بالطابق الارضي قبل الغد..
أومأت الخادمة برأسها وابتعدت.. في حين شعر مازن بحيرته تزداد.. فمن الغريب ان يطلب والده تجهيز غرفة نوم بالطابق السفلي على الرغم من ان لديه غرف نوم اكثر بالطابق الاعلى.. فما فهمه من حديث والده ان ابنة عمه ستأتي للبقاء عندهم لفترة من الوقت ريثما ينهي عمه أعماله بالخارج.. ولكن لم اختار والده الغرفة الموجودة بالطابق الأرضي بالذات؟..هل يريد ان تكون ابنة عمي بعيدة عنا ام ماذا؟! ..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(ملاك توقفي عن البكاء يا صغيرتي)
قالها خالد والد ملاك بحنان وهو يتطلع الى هذه الأخيرة التي جلست الى جواره على المقعد الخلفي للسيارة ولم تتوقف عيناها عن ذرف الدموع وهي تشيح بوجهها لتتطلع الى من النافذة بألم ..واردف والدها ليقول بصوت هادئ: انها ليست المرة الاولى التي اسافر فيها يا ملاك.. لا تبكي هكذا يا صغيرتي وكأني لن اعود اليك..
قالت ملاك من بين شهقاتها: ولكنها المرة .. الأولى التي ..تتركني لوقت طويل..
مسح على شعرها وقال بابتسامة: أريد أن أرى ابتسامة على الأقل قبل ان أسافر.. حتى اشعر بالراحة وأنا مسافر.. لا أريد ان أتركك وانا اشعر بالقلق عليك..
التفتت له وقالت بعينين مغرورقتين بالدموع: كيف ابتسم وقلبي يبكي بدموع من دم على فراقك يا ابي ..كيف؟..
التقط والدها من جيبه منديلا وشرع يمسح دموعها برفق وحنان وقال بابتسامة مغيرا دفة الحديث لينسيها القليل من احزانها: الا زلت مصرة على الذهاب الى منزل عمك؟..
قالت ملاك بعناد طفولي: بكل تأكيد على الاقل سيكون هناك من اتحدث اليه من اخبره باحاسيسي.. برغباتي.. لا ان أكون كالتائهة لا اعلم الى من اتحدث او الى أي شخص اشكي همومي..
قال والدها وهو يربت على كتفها: سأتصل بك يوميا ويمكنك ان تشكي لي ما اردت.. اخبريني ماذا تريدين ان احضر لك معي..
تنهدت وقالت وهي تنظر اليه: ما يهمني هو سلامتك يا ابي..
قال مبتسما بمكر: الا تريدين أي شيء حقا؟..
وجدت نفسها تبتسم وتقول: بلى اريد..
واردفت قائلة: اريد ان تجلب لي معك طيرا..
قال بحيرة: يمكنك شراء ما تريدين يا صغيرتي من هنا .. سأمنحك المبلغ الذي تريدين و...
قاطعتها قائلة وهي تهز رأسها نفيا: لا.. لا اريد شراءه من هنا.. بل اريده ان يكون على ذوقك.. ويكون مميزا حتى اتذكرك كلما غبت عني..
قال والدها بحب وهو يحيط كتفها بذراعه ويضمها اليه: لك ما شئت يا صغيرتي..
عقب قوله توقف السيارة.. وسمعا صوت السائق وهو يقول: لقد وصلنا يا سيد خالد..
التفتت ملاك في سرعة الى منزل عمها.. وفغرت فاهها بدهشة .. والتمع في عيناها بريق اعجاب وهي تقول: اهذا هو منزل عمي حقا؟..
فما امامها لم يكن اشبه بالمنازل التي رأتها.. بل كان اشبه بالقصور.. ببوابته الكبيرة.. وضخامة بناءه وروعة تصميمه .. وحديقته التي كانت ترى منها القليل فقط.. وان كانت تشعر بمساحتها الكبيرة..وازدردت لعابها لتتغلب على دهشتها وتشير الى المنزل باصابع متوترة بعض الشيء: اهذا منزل عمي حقا؟؟..
قال والدها بابتسامة باهتة: لا تخدعك المظاهر يا صغيرتي..
- ماذا تعني يا ابي؟..
قال بهدوء وهو يلتفت عنها: قد يبدوا لك المنزل جميلا من الخارج ولكن ماذا عن الداخل؟..
كان يعني بقوله اصحاب ذلك المنزل.. ولكنها لم تفهمه وظنت انه يعني المنزل بتأثيثه الداخلي.. وقالت مبتسمة: اكثر جمالا بكل تأكيد..
ابتسم وقال متحدثا الى نفسه: ( لن يمكنك فهم ما اعنيه ابدا يا صغيرتي.. لانك لم تكن لك اية علاقات الا معي ومع السيدة نادين..اشعر بالخوف تجاهك من كل ما حولك.. وكل ما يحيط بك.. كيف يمكن ان تواجهي العالم لو لم اكن انا موجودا .. كيف لك ان تواجهي جشع اعمامك ومكرهم .. كيف لك ان تواجهي خبث الناس من حولك.. هل اخطأت يا صغيرتي عندما ابعدتك عن الناس خوفا من ان يجرحوا مشاعرك؟ .. هل هذا هو خطأي انا؟..)
وتطلع الى المنزل وهو يتمنى من كل قلبه ان يعاملها اخيه وابناءه كما يتمنى هو او كما تتمنى هذه الملاك الصغير.. لو جرحوا مشاعرها لمرة فما الذي قد يحدث لها.. لو حاولوا ان يلمحوا يوما عن عجزها.. كيف ستتصرف؟..
ووجد نفسه يتردد في ان يترك ملاك عند اخيه .. ولكن حماسة ملاك المفاجأة جعلته يتراجع عندما سمعها تقول بسعادة: ابي اريد ان ارى المنزل من الداخل ايضا.. متى سنهبط من السيارة؟ ..
قال والدها بابتسامة شاحبة بعض الشيء وهو يفتح الباب المجاور له: الآن يا صغيرتي..
واردف وهو يتحدث الى السائق: افتح صندوق السيارة..
اسرع السائق ينفذ الامر.. فخرج خالد من سيارته وتوجه الى خلف السيارة ليلتقط ذلك الكرسي المتحرك الذي اصبح رفيق ملاك الدائم.. وفرده ليحركه الى جانب الباب المجاور لملاك.. وفتح الباب ليقول بابتسامة: هل اساعدك؟..
قالت مبتسمة: لقد اعتدت هذا.. صدقني..
قالتها وهي ترفع نفسها قليلا من على مقعد الكرسي باستخدام كلتا ذراعيها.. وتوجه ثقل جسدها الى الكرسي الموضوع بجانب السيارة..واستقرت عليه .. فابتسم والدها وهو يدفع المقعد قليلا ويغلق باب السيارة والتفت الى السائق قائلا: انتظرني هنا ريثما اعود..
عاد السائق ليومئ برأسه.. فدفع خالد مقعد ملاك امامه.. وابتسم يشرود وهو يتطلع الى المنزل الموجود امامه.. وتوقف لوهلة وهو يقول: هيا يا سيدة نادين..
كانت نادين سيدة تجاوزت الثامنة والثلاثين.. طيبة القلب وتهتم بكل شئون ملاك.. وهذا ما كان عزاءه في محنة ابنته.. ان تجد القلب الذي يعطف عليها.. وتكون كأم او اخت لها..
خرجت السيدة نادين من السيارة وهي تحمل حقيبة متوسطة الحجم وقالت في سرعة : في الحال يا سيد خالد..
وابتسمت ملاك ابتسامة تحمل ما بين السرور والقلق..القلق مما قد يصادفها خلف ابواب ذلك المنزل.. ضمت معطفها الى جسدها وتساءلت بالرغم منها متحدثة الى نفسها : (هل سيكون العيش بمنزل عمي كما تخيلته وتمنيته؟ .. أم أني سأنصدم بالحقيقة القاسية ؟)
الجزء الثاني
"هناك"
قالت مها بحنق وهي تشير الى باب غرفتها: هلاّ خرجت يا مازن والا ناديت لك والدي الآن..
قال بسخرية: لم اثر جنونك بعد..
قالت بحدة: اخرج .. اخرج الآن..
هز كتفيه وقال: على كل حال كنت سأخرج لان لدي موعد مع صديق لي.. لذا.. مع السلامة يا اختي العزيزة..
توجه إلى الخارج ليسير في الممر ومن ثم يهبط درجات السلم .. وتوقف بغتة وهو يستمع صوت رنين جرس الباب..ورأى الخادمة وهي تتوجه الى الباب وتفتحه..ومن ثم سمعها تقول: تفضل يا سيد خالد بالدخول..
عمه خالد هنا؟..يا للغرابة انه لم يزرهم منذ مدة طويـ.. لحظة.. كيف نسي هذا؟.. عمه اتصل بالأمس من اجل ابنته ..صحيح!..لقد قال انه سيأتي غدا ليصحب معه ابنته الى هنا.. كيف نسي هذا؟..
وتطلع الى الباب وهي ينتظر ظهور ابنة عمه المرتقبة بلهفة..ترى كيف شكلها؟.. هل هي جميلة ام لا؟.. وكم عمرها؟ .. إذا كان ما حدث قبل اثني عشر سنة.. يعني ربما تكون هي الآن على الاقل ذات أربعة عشرة عاما.. ابتسم لنفسه بسخرية.. قد تكون ابنة عمه التي ينتظرها طفلة ليس الا.. يا لغباءه.. ايظن انها يجب ان تكون فتاة في العشرين من عمرها و...
((انا لست طفلة))..
((كمال.. دعها وشأنها))
اتسعت عيناه وهو يشعر بغرابة ما جال بباله.. ما هذه الكلمات التي دارت بذهنه.. بل من قال هذه العبارات.. يشعر انها مدفونة في عقله منذ زمن طويل.. ما باله؟.. ما الذي يقوله الآن؟..
ورفع عيناه ليتطلع إلى عمه خالد الذي دلف إلى الداخل وأخذت عيناه تجول بحثا عن ابنة عمه.. ورأى السيدة نادين وهي تدخل حاملة حقيبة أمامها.. وعقد حاجبيه.. ان هذه المرأة كبيرة جدا.. اذا اين هي ابنة عمه؟.. ربما لم تدخل بعد او...
وانتبه في تلك اللحظة فقط الى المقعد الذي كان موجودا أمام عمه خالد..وتوجهت أنظاره الى تلك الجالسة امامه.. والتي كانت تطرق برأسها وهي تداعب قلادتها بأناملها.. واتسعت عيناه في دهشة وذهول.. هل ابنة عمه تلك كانت فتاة مشلولة عاجزة ؟؟!..
فالوحيدة التي كانت يمكن ان تكون ابنة عمه هي الجالسة على ذلك المقعد.. الآن فقط فهم لم والده اختار الغرفة الموجودة بالطابق السفلي..ولم يستطع مازن ان يلمح ملامحها بشكل جيد وخصوصا وهي تطرق برأسها ولكنه لمح شعرها الأسود الذي ينسدل على كتفيها كشلال من الماء..وهبط آخر الدرجات ليتقدم منهم ويقول بابتسامة رسمها على شفتيه: اهلا عمي خالد.. لم نرك منذ مدة..
قال خالد ببرود: اهلا مازن.. اين والدك؟..الم تناديه الخادمة بعد؟..
في تلك اللحظة رفعت ملاك عينيها لتتطلع الى المكان من حولها.. وشعرت بالانبهار وهي ترى مظاهر الفخامة والثراء الذي ينعكس في اللوحات الفنية والتحف والاثاث الفاخر.. والثريات التي تملأ سقف الردهة.. ومن ثم لم تلبث ان تطلعت الى مازن الواقف امامهم.. كان شابا وسيم الملامح.. طويل القامة. . ذا شعر اسود وعينان سوداوان كذلك.. يرتدي بنطالا اسود وقميصا يجمع مابين اللونين الرمادي والأسود..وقال هذا الاخير مرحبا: تفضل يا عمي بالدخول..
قال خالد بلامبالاة: الطائرة ستغادر بعد ساعتين.. انا مستعجل .. هلاّ ناديت لي والدك..
التفت مازن ليفعل لولا ان رأى والده يتقدم منهم وهو يقول بابتسامة: اهلا خالد..كيف حالك؟.. وكيف حال ملاك؟..
قالها وهو يتطلع الى ملاك.. فقال خالد بهدوء: بخير.. لا تنسى وعدك لي يا امجد..ملاك امانة عندك..
قال امجد وهو يتطلع الى ملاك بابتسامة: ستكون في منزلها..
وأردف قائلا وهو يتحدث إلى ملاك: كيف حالك يا ملاك؟.. لقد أصبحت عروسا جميلة.. آخر مرة رأيتك فيها كنت في السادسة من عمرك..
ارتسمت ابتسامة تجمع مابين السرور والخجل وهي تقول: بخير ..
في تلك اللحظة وجدها مازن فرصة ليتطلع الى ملاك.. وخصوصا وانها غير منتبهة له.. وبرقت عينيه ببريق الاعجاب وهو يتأمل ملامحها التي تقطر براءة.. وابتسامتها التي تجعلها كالأطفال ..بشرتها الناصعة البياض وشعرها الاسود الناعم الذي ينسدل على كتفيها برقة..ليصنعا ضدان غاية في الروعة..ولون عينيها السوداوان والذي جعلها كالدمية ..كانت ترتدي معطفا بني اللون ذا ياقة من الفراء ..
وايقظه من تأملاته كف والده الذي وضعت على كتفه.. وسمع صوته وهو يقول: هذا ابني مازن كما تعرف.. اكمل دراسته الجامعية وهو يعمل معي الآن بالشركة..
واردف قائلا: اما كمال فهو في سنته الرابعة بالجامعة.. ومها في السنة الاولى..
قال خالد بهدوء: اذا ملاك أصغرهم سنا.. فهي ستبدأ دراستها الجامعية للتو..
في تلك اللحظة لاحظ مازن أخته التي هبطت درجات السلم وقالت بابتسامة: ما الأمر؟.. لم كلكم مجتمعين هنا؟..
وانتبهت الى عمها الواقف وقالت بابتسامة واسعة: عمي .. انت هنا.. منذ متى لم تزورنا؟..
قال خالد بهدوء:ظروف العمل..
واردف وهو يتحدث الى امجد: ملاك كما تعلم تدرس تحت إشراف أساتذة متخصصين وسيأتون في موعدهم.. ان لم يكن لديك مانع..
قال امجد وهو يهز رأسه: أبدا.. فليحضروا في أي وقت..
شعرت مها في تلك اللحظة بمازن وهو يلكزها ويقول بسخرية: لقد أدركت اليوم فقط انك لا تملكين أي جمال..
قالت مها وهي تلتفت له بحنق: ماذا؟؟..
قال مبتسما وهو يلتفت عنها ويتطلع الى ملاك: انظري إلى ابنة عمي وستدركين مدى صحة قولي..
تطلعت مها الى حيث ينظر..ومن ثم لم تلبث ان قالت بذهول وهي تلتفت له وبصوت حاولت ان تجعله خفيض قدر الامكان: تلك المقعدة؟!..
أومأ مازن برأسه ومن ثم قال: هل فهمت الآن سر تجهيز غرفة بالطابق الأرضي لها..
- ولكن.. لم أتخيل أبدا ان ابنة عمي.. مقعدة.. لم اتخيل ذلك ابدا..
- اصمتي الآن والا انتبهوا لنا..
في الوقت ذاته كان خالد يلتفت الى ملاك ويقول بصوت حاني: والآن يا صغيرتي علي ان اغادر..
اسرعت تمسك بذراعه وتقول برجاء: ابقى قليلا معي..
تطلع الى ساعته وقال بابتسامة باهتة: ليتني أستطيع.. ولكن لم يبقى على موعد الطائرة إلا ساعة وأربعون دقيقة وهي بالكاد تكفيني للوصول الى المطار وإنهاء الإجراءات..
ترقرقت في عينيها الدموع فهبط والدها الى مستواها وقال وهو يمسح على شعرها: كم مرة قلت لك؟.. لا اريد ان ارى دموعك.. لا اريد ان اقلق عليك قبل ان أغادر..
قالت وهي تشد من مسكتها لذراعه: لا تنسى ان تتصل بي عندما تصل.. اتصل بي كل يوم.. ارجوك..
- سأفعل يا صغيرتي..اهتمي بنفسك جيدا.. ستكونين في أيدي أمينة..
واردف متحدثا الى نفسه: (او هذا ما اتمناه)..
اومأت ملاك برأسها بصمت.. وهي تشعر انها لو تحدثت فدموعها ستسيل دون استئذان.. فقال والدها وهو يداعب وجنتها: سأغادر الآن يا صغيرتي.. أراك بخير..
وجذب كفه بهدوء من يدها واعتدل واقفا ليقول للسيدة نادين: اعتني بها جيدا..
قالت السيدة نادين بهدوء: لا تقلق عليها يا سيد خالد.. ملاك هي اختي الصغيرة..
ومال خالد على ملاك ليقبل جبينها بحنان ومن ثم يقول: الى اللقاء يا ملاكي الصغير..
قالها وسار عنها مبتعدا الى باب المنزل وقلبه يعتصر بالألم وهو يرى نفسه مرغما على ترك ملاك في منزل شقيقه.. والذي كان يرفض دخولها اليه مهما حصل.. لكن هي من توسلته وترجته ان تذهب الى هناك.. وهو يتمنى الآن ان لا يكون قد اخطأ عندما نفذ لها رغبتها تلك...
لم يشعر احد بملاك التي اطرقت برأسها في الم وحزن وهي تسمع صوت الباب يغلق خلف والدها..تبخر كل انبهارها بالمنزل.. وتبخرت رغبتها في المكوث بنزل عمها منذ ان رأت والدها يخرج منه.. تريد ان تلحقه.. تذهب معه.. لا تريد البقاء هنا.. فليأخذها معه ولو الى الجحيم.. وهتفت بغتة بحزن: ابي ارجوك.. لا تغادر وتتركني.. ارجوك..
قالت نادين بهدوء وهي تتطلع الى ملاك: آنستي .. لا داعي لكل هذا الحزن.. سيتصل كما وعدك..
عضت ملاك على شفتيها بحزن وقالت: لقد غادر ولن استطيع ان اراه قبل اسبوع.. اسبوع كامل..اريد الذهاب معه.. فليأخذني معه.. لا اريد البقاء هنا..
لم تهتم ملاك بكل من يراقبونها.. أمجد الذي شعر انه يتطلع بطفلة متعلقة بوالدها حتى الجنون.. ومها ومازن اللذان شعرا بمدى قوة العلاقة بين ملاك ووالدها..والتفتت نادين الى امجد في تلك اللحظة وقالت: سيد امجد.. هلاّ أرشدتني الى غرفة ملاك.. انها بحاجة الى الراحة الآن..
شعرت مها بالشفقة والعطف تجاه ملاك .. وهي ترى هذه الفتاة التي في مثل عمرها والتي قدر لها ان تبقى حبيسة هذا المقعد الى الابد.. واجابت هي عوضا عن والدها: سأرشدك اليها انا..
قالتها وتوجهت الى ما خلف مفعد ملاك لتدفعها وتحرك المقعد ولكن ملاك قالت باعتراض وهي تمسح دموعها في سرعة: لا تدفعيه.. يمكنني ان أحركه بنفسي..
قالت مها بحيرة: ولكني سأساعدك فقط..
قالت ملاك بألم: لا احتاج لمساعدة من احد.. فطوال عمري كنت اتصرف بمفردي ولا يفكر احد بمساعدتي.. لا احد سوى والدي الذي رحل..
قالت مها بابتسامة: ولكنه سيعود على اية حال.. والآن تعالي معي سأرشدك الى غرفتك..
قالتها وهي تسير الى جوار مقعد ملاك التي كانت تحرك المقعد الى جوار مها..وفتحت مها أخيرا باب الغرفة بعد ان وصلوا اليها وقالت متسائلة: ما رأيك بها؟..
ومع ان الغرفة كانت اكبر من غرفة ملاك التي بمنزلها بمرتين ومع انها كانت ملحقة بصالة صغيرة ودورة مياه خاصة بالغرفة.. الا ان ملاك أحست بالحنين لغرفتها السابقة والتي لم تفارقها يوما قط.. لا تعلم كيف ستنام خارج منزلها.. وكيف ستقضي هذه الايام مع ابناء عمها اللذين لا تعرفهم جيدا..وقالت ملاك اخيرا بهدوء: جميلة..
ابتسمت مها بمرح وقالت وهي تدلف الى الغرفة: من؟.. الغرفة ام انا؟..
وقبل ان تجيب جاءهم صوت مازن وهو يقول بسخرية: بالتأكيد الغرفة..
وضعت مها يدها عند خصرها وقالت بحنق: ما الذي جاء بك الى هنا؟.. انها غرفة ابنة عمي..
قال بدهشة مصطنعة: حقا؟.. لم اكن اعلم.. لقد ظننت انها غرفتي انا..
واردف وهو يضع حقيبة ملاك التي كان يحملها بجوار الخزانة: لقد جئت لأوصل هذه الحقيبة الى ابنة عمي..
قالت مها مستفسرة: واين تلك المرأة المسئولة عن ملاك والتي كانت تحمل هذه الحقيبة اذا؟..
قال مازن بابتسامة وهو يلتفت الى حيث ملاك الجالسة بصمت: لقد طلبت من الخادمة ان توصلها الى حيث غرفتها..
قالت مها وهي تتوجه نحوه: لو رآك والدي هنا يا مازن.. فسوف يغضب من دخولك الى غرفة ابنة عمي..
قال مازن بابتسامة وهو يستند الى باب الغرفة: اهذا جزائي لاني اوصلت الحقيبة الى الغرفة؟..
قالت مها باستخفاف: يالك من شاب مكافح ونشيط.. اتعبت نفسك كثيرا..كان يمكنك ان تمنح الحقيبة لاحدى الخادمات وهي ستجلبها الى هنا..
قال مازن وهو يعقد ساعديه امام صدره: لا اثق بالخادمات..
- منذ متى؟..
- منذ اليوم ان اردت..
التفتت مها الى ملاك التي اطرقت برأسها بألم وكانت شاردة بافكارها.. وكأنها غير موجودة في المكان.. فاقتربت مها من مازن وقالت برجاء: اخرج الآن.. دعها لوحدها حتى ترتاح.. لا اريد ان نزيد عليها همومها بشجاراتنا هذه..
تطلع مازن الى ملاك وابتسم قائلا: معك حق..
ومن ثم اردف وهو يهتف بملاك: ملاك..
رفعت ملاك رأسها الى مازن الذي هتف بها.. وتطلعت اليه بصمت.. فقال بابتسامة: سعدت برؤيتك يا ابنة عمي..
قالها واستدار عنهم ليغادر الغرفة.. في حين شعرت ملاك بغرابة حديثه اليها فهي لم تعتد ان يكون لها ابناء عم بعد.. حتى كلمة ابنة عمي.. تشعر بوقعها غريب على أذنيها ..ولكنها لم تهتم كثيرا لذلك..واخذت تطلع الى قلادتها وتداعبها بأناملها..
اما مها فقد تنهدت بارتياح وقالت: واخيرا ذهب..
سمعت بغتة صوت مازن وهو يعود الى المكان قائلا: لا تفرحي بسرعة هكذا .. ها قد عدت..
- ماذا تريد الآن؟..
قال مبتسما:والدي يقول ان الغداء سيكون بعد ساعتين.. فأرجو ان لا يتخلف احد..
قالت مها بسخرية: لا احد سيتخلف عن موعد الغداء سواك..
غمز لها بعينه وقال: لا اظن ان هذا سيحصل هذه المرة..
قالها وابتعد.. فالتفتت مها الى ملاك وقالت وهي تسير الى حيث هذه الأخيرة: معذرة ان كنا قد أزعجناك.. ولكن هذه هي طبيعة مازن دائما يهوى استفزازي..وانا بدوري أتشاجر معه..
هزت ملاك رأسها وقالت: لا عليك..
تطلعت مها الى ملاك وهي تشعر انها تبدوا هادئة اكثر من اللازم.. ولا تتحدث الا اذا حدثها احدهم.. وقالت متسائلة لعلها تجعل ملاك تتحدث اليها وتعتاد المكان: في أي سنة دراسية انت يا ملاك؟..
- سأبدأ دراستي الجامعية للتو..
قالت مها بابتسامة باهتة وهي تجلس على طرف الفراش: هذا يعني انك تصغريني بعام..
لم تعلق ملاك على عبارتها.. فقالت مها وهي تستحثها على الحديث: كيف تبدوا الدراسة تحت إشراف اساتذة بالمنزل؟.. بالتأكيد افضل بمائة مرة من الدراسة في جو الجامعة والطلبة والحصص.. اليس كذلك؟..
تطلعت لها ملاك ومن ثم قالت: بل اتمنى ان أكون في جو كهذا.. بدلا من ان اكون حبيسة المنزل.. وهذا المقعد ايضا..
اسرعت مها تغير الموضوع عندما شعرت انه قد يألم ملاك وقالت: انت لم تري شقيقي كمال بعد.. انه يكبرني بثلاثة اعوام.. و غير مبالي ابدا.. ولكنه افضل من مازن على الاقل.. فهو لا يتشاجر معي ابدا..
قالت ملاك وهي تتنهد: ليت لدي شقيق مثلك.. حتى لو كان سيتشاجر معي طوال اليوم..
شعرت مها ان كل حديثها لملاك يرجع هذه الاخيرة الى الواقع المرير التي تحياه..وقالت مبتسمة: اتعلمين.. لم نرى عمي خالد منذ فترة طويلة.. ولم اكن اعلم انه لديه ابنة.. ولولا ذلك لطلبت منه ان ياتي بك الى منزلنا معه عندما يحضر..
قالت ملاك وهي تهز رأسها: لن يوافق..
- ولم؟..
قالت ملاك وهي تزفر بحدة: لطالما طلبت منه ان يدعو كم الى منزلنا.. ولكنه كان يرفض..
عقدت مها حاجبيها وقالت بغرابة: ولماذا؟..
قالت ملاك وهي تهز كتفيها بقلة حيلة: لست اعلم.. في كل مرة يقول هذا افضل لك..الامور هكذا افضل..
ومن جانب آخر تطلع مازن الى والده وقال بحيرة: ماذا تعني يا والدي بقولك ان الأمور هكذا افضل؟..
تطلع اليه امجد بحزم وقال : اعني ان لا تفتح صفحات الماضي .. فالامور هكذا افضل بكثير..
قال مازن بحيرة: ولكني أريد ان اعرف سبب هذه القطيعة بينك وبين عمي..
قال امجد بحدة: أخبرتك أنها بسبب ابنته ملاك..
- اعلم.. ولكن لماذا هي؟.. ما الذي فعلته لتكون سببا في هذه القطيعة بين أسرتها وجميع اسر أعمامي؟..
تنهد امجد بقوة ومن ثم قال: ان أردت الحقيقة فهي لم تفعل شيئا ابدا..
تسائل مازن باهتمام: اذا؟؟..
أشار له والده ليجلس على المقعد ومن ثم قال: الأمر بدأ بعد وفاة والدة ملاك بعامين تقريبا.. فمن حينها وخالد يبدوا غريبا.. صامتا.. انطوائيا.. لا يهتم بشيء سوى ابنته وخصوصا بعد أن علم انها أصيبت بعمودها الفقري وستظل عاجزة الى الابد..
قال مازن في سرعة: وبعد؟؟..
اكمل امجد قائلا:وحينها فعل شقيقي مالم يتوقعه احدنا.. فقد سجل نصف شركته باسم ابنته ملاك..
جلس مازن على المقعد وقال بهدوء: لو كنت مكانه لفعلت المثل..
عقد امجد حاجبيه ومن ثم واصل قائلا: وهذا التصرف لم يعجب عميك وعمتك ابدا.. فلو حدث شيء لا قدر الله لخالد.. فستنتقل نصف الشركة الى ابنته ملاك.. مع ان نصيبها في الميراث سيكون اقل من هذا بكثير..وخصوصا وانه ليس لديه ابناء فستتوزع حينها باقي الورثة على اخوته.. المهم انهم يومها قرروا ان يبدأوا بأبسط الطرق اليه.. فحاولوا اقناعه بالزواج من فتاة ما .. وبالتأكيد كانوا متفقين معها ان تقنعه بعد الزواج بكتابة نصف الشركة باسمها وبالتالي يكون خالد وشركته في أيديهم..
قال مازن بغرابة: كل هذا وانت صامت يا ابي لا تفعل شيئا..
- وماذا عساي ان افعل؟.. لو وقفت الى جوار اخي لسحبوا رأس المال من شركاتي ولخسرت شركاتي ولاضطررت لدفع الخسارة من جيبي الخاص..
قال مازن بحنق: ولكن عمي لم يأبه لكل هذا.. وجعلهم يسحبون أموالهم من شركته ويتخلون عنه اليس كذلك؟ ..
تنهد امجد وقال وهو يومئ برأسه: بلى.. ولا يزال للحكاية بقية.. فبعد ذلك ذهبوا اليه جميعا..وطالبوه ان يتراجع عن تسجيل نصف الشركة باسم ملاك.. فهي ستكون عاجزة طوال عمرها.. لن تستفيد من الشركة.. ويمكنه بدلا من ذلك ان يضع مبلغ في حسابها.. ولكن شقيقي خالد عارضهم وبشدة وطلب منهم ان لا يتدخلوا في حياته.. لان تلك هي شركته ومن حقه ان يسجلها باسم من يشاء.. واستمروا بتهديده بأنه لو لم يفعل لهم ما يريدون فسيحيلون حياته وحياة ابنته الى جحيم وخصوصا ستظل عاجزة طوال عمرها واي كلمة منهم قد تؤذيها.. ولهذا انعزل خالد مع ابنته في منزل بمكان ما من البلاد.. ولا احد يعرف مكانه ابدا حتى الآن..
عقد مازن حاجبيه وقال باستغراب: الم يحاول احد اعمامي الاتصال به.. او البحث عنه؟..
- بلى ولكن دونما فائدة.. وعندما رأوا انهم يعجزون عن الوصول الى بيته.. اكتفوا بتهديده بالشركة.. ولكن.. حتى الآن لا يزال خالد صامد في وجههم..
قال مازن بحزم: والى متى سيصمد يا والدي؟.. هل ستتركه لوحده يتحدى جشع أعمامي؟..
زفر امجد وشبك أصابع كفيه وهو يقول: لست اعلم..فليس في يدي ما افعله..المهم الآن..إنني لا أريد لأحد ان يعلم ان ملاك ابنة أخي موجودة في هذا المنزل..
قال مازن بحيرة: وماذا نقول لعمي أو عمتي لو جاءوا لزيارتنا؟..
قال امجد وهو بلوح بكفه: أي شيء.. صديقة مها وقد جاءت لتقضي بضع أيام هنا.. ريثما يأتي والدها من الخارج.. ولا تنسى نبه على شقيقك وشقيقتك ان لا يعلم احد عن وجود ملاك ابنة عمك في منزلنا.. وبالنسبة للخدم فسأتصرف بالأمر..
وأردف بلهجة قاطعة: يمكنك الآن الخروج بعد ان عرفت كل ما تريد ان تعرفه..
هز مازن كتفيه بلامبالاة ومن ثم نهض من مجلسه ليغادر غرفة المكتب.. وان كان يشعر بالشفقة تجاه ابنة عمه التي ولدت لتواجه قسوة الحياة وواقعها المر...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
جلست ملاك خلف مائدة الطعام بصمت.. لم تحاول الحديث الى أي احد وهي تكتفي بالانشغال بالأكل.. او التظاهر بهذا الانشغال.. كل ما كان يشغل بالها هو والدها وحسب.. لقد كانت في هذا الوقت .. تتناول طعام الغداء معه.. يتحدث اليها ويمزح معها.. ويحاول بشتى الطرق ان يرفه عنها ولو في ساعاته المعدودة التي يقضيها معها..
ايقظها من شرودها صوت عمها وهو يقول: هل استيقظت للتو يا كمال؟..
رفعت رأسها الى من يتطلع اليه عمها وشاهدت ابن عمها كمال.. الذي كان يهبط درجات السلم في تلك اللحظة..كان يشبه مازن في لون شعره الاسود.. ولكنه كان حاد النظرات.. بشرته تتمتع بسمرة خفيفة ووسامة واضحة.. وان كان في طول مازن تقريبا.. ويرتدي بنطالا من نوع الجينز .. وقميصا ذا لون اسود..
وتثاءب كمال وهو يقول بلامبالاة: اجل..
قال والده بتهكم: ولم لم تكمل نومك اذا؟..
قال كمال وهو يقترب من طاولة الطعام: لا داعي للسخرية يا والدي.. ها انذا استيقظت وجئت لتناول طعام الغداء معـ...
بتر عبارته وعقد حاجبيه وهو يتطلع الى ملاك التي كانت تحرك الملعقة في الطبق بلا هدف..فأسرع والده يقول: نسيت ان أعرفك .. هذه ابنة عمك ملاك..وقد جاءت لتقضي بضعة ايام هنا ريثما يأتي والدها من السفر..
جذب كمال مقعدا وقال بدهشة: ابنة عمي؟؟.. أي عم؟..
- عمك خالد..وكما اخبرت مازن ومها من قبل.. هذا الكلام لا نريد ان يعرف به احد سوانا نحن.. انا اثق بكم جميعا لانكم ابنائي.. الجميع من خارج المنزل سيعرفون ملاك على انها صديقة مها.. هل هذا مفهوم؟..
قال كمال وهو يتناول قطعة من الجزر: ولم كل هذه السرية؟..
قال والده بحزم: افعل كما اخبرتك فقط..
التفت كمال الى ملاك ليتطلع اليها بنظرة قصيرة.. وعاد يلتفت الى والده وهو يقول: واين كانت ابنة عمي عنا كل هذه السنين؟..
توقفت ملاك عن تحريك الملعقة في الطبق وهي تنصت لما سيقال .. لو كان يعلم انها كانت تتمنى الحضور الى هنا طويلا.. ولكن والدها كان دائما ما يرفض.. لما قال هذا..
في حين قال امجد بحدة: تكلم بأدب يا كمال.. فهي ابنة عمك اولا.. وفي منزلنا ثانيا..
هز كمال كتفيه وقال: لم اقل ما يزعج.. فقط استفسر عن سر اختفاءها كل هذه السنوات.. ولم لم نرها الا عندما سافر والدها..
اجابه والده قائلا: لم يكن لدى والدها حل الا إبقاءها هنا.. وخصوصا انه سيقضي فترة بالخارج ستتجاوز الأسبوع وربما...
( عن اذنكم)
قالتها ملاك وهي تستدير بمقعدها مغادرة الطاولة .. فقالت مها بضيق: هل أعجبك هذا يا كمال؟.. بالكاد وافقت ان تتناول طعام الغداء معنا.. والآن انت تجعلها تغادر الطاولة بعدم مبالاتك بها وبشعورها وانت تتحدث عنها هكذا..
صمت كمال بدهشة وهو يتطلع الى ملاك التي ابتعدت عن المكان وتوجهت الى غرفتها.. ومن ثم لم يلبث ان قال وهو يلتفت اليهم والدهشة لا زالت تعلو قسماته: لم اكن اعلم من قبل انها مقعدة...
قال مازن بحنق: وهل كان هذا سيغير من لا مبالاتك شيئا؟ ..
قال كمال وهو يمط شفتيه: لست انسان معدوم الإحساس يا مازن..
قال مازن وهو يلتفت عنه: واضح جدا..
في حين قال امجد بحدة: يكفي جميعا.. وأنت يا مها.. اذهبي إليها في غرفتها.. وحاولي ان تتحدثي إليها..
أومأت مها برأسها وهي تغادر طاولة الطعام وتتجه الى غرفة ملاك .. في حين قال امجد بعصبية: اسمع يا كمال.. ان كنت ستتحدث بهذه الطريقة الى ابنة اخي.. فالأفضل ان لا تتناول طعام الغداء او العشاء معنا مرة اخرى..
قال كمال بضيق: لم اقل ما يغضب يا والدي..ثم لم كن اعلم انها فتاة حساسة اكثر من اللازم..
- لقد تربت ملاك وعاشت طوال عمرها وحيدة.. ولهذا فهي لا تستطيع ان تتقبل الامور بسهولة.. لو اردت رأيي فهي لن تكون حساسة فقط.. بل ربما عدائية ايضا.. ولهذا ارجو ان تعاملوها جميعا بلطف.. انه اسبوع واحد لا اكثر..
قال كمال وهو ينهض واقفا: ليس ذنبي ان احتمل فتاة مثلها..
قال مازن بحدة: انها ابنة عمك قبل كل شيء..
قال والده وهو يحاول ان يهدئ نفسه: حسنا لن اطلب منك ان تحتمل وجودها.. فقط اطلب منك ان لا تجرحها بأي كلمات.. ولو تجاهلت وجودها سيكون ذلك افضل..
قال كمال وكأنه لم يسمع أي حرف مما قيل: عن اذنكم..
- الى اين؟..
قال كمال وهو يمط شفتيه: الى النادي..
قالها وغادر المكان.. وفي تلك اللحظة عادت مها قائلة وهي تهز رأسها: لقد رفضت العودة لتناول طعام الغداء معنا مرة اخرى..وتقول انها متعبة وستنام..
واحس مازن بالشفقة تجاه ملاك وخصوصا وهو يلمح صحنها الذي كان ممتلأ عن آخره ولم تتناول منه ولا قطعة واحدة...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت ملاك بملل الى باب غرفتها.. هل جاءت هنا لتسجن نفسها؟.. ثلاث ساعات منذ ان غادرت طاولة الطعام.. لم تعلم لم شعرت بكل ذلك الضيق والالم من كلمات كمال .. ربما لانه وجه لها اتهاما صريحا في كلماته على انها لم تأتي هنا الا من اجل مصلحة ليس الا.. لا يعلم شيئا عن إلحاحها المستمر للقدوم الى هنا.. واصرارها الكبير في ان يدعوهم والدها على الاقل في احدى المناسبات.. وكيف له ان يعلم.. وهو يحظى بعائلة كبيرة تغمره بكل مايريده من حب وحنان..مال وأخوة وأقارب.. اما هي فلم تحظى الا بحب والدها وحنانه.. والذي لم تكن لتراه الا ساعتين او ثلاث ساعات في اليوم على الاكثر..
وتنهدت مرة اخرى وهي تتطلع الى باب الغرفة.. وأحست برغبة جارفة تدفعها للخروج والترويح عن نفسها قليلا بالتحدث الى أي احد..واندفعت وراء رغبتها لتفتح باب الغرفة وتغادرها وهي تدفع مقعدها بهدوء.. وتلفتت حولها الى الردهة الخالية من أي شيء سوى الاثاث والتحف المنتشرة بالمكان.. وتلفتت حولها مرة اخرى قبل ان تواصل تحركها في المنزل .. لعلها تقضي وقت فراغها هذا برؤية ارجاء هذا المنزل وتحفه الثمينة..و...
(واخيرا خرجت من غرفتك)
التفتت ملاك الى ناطق العبارة .. وتطلعت ال مازن بهدوء الذي يعقد ساعديه امام صدره بثقة.. ولم تعلق هي على عبارته بل آثرت الصمت..فقال مبتسما: أتبحثين عن شيء ما؟..
اومأت براسها بهدوء.. فقال متسائلا: وما هو هذا الشيء؟..
كانت تظن انه سيتركها وشأنها ولن يتساءل اكثر.. وفكرت قليلا ومن ثم قالت: مها..
مال نحوها قليلا ومن ثم قال: ولم تبحثين عن مها؟..
اشاحت بوجهها بصمت وهي تداعب قلادتها بأناملها.. فقال متسائلا: هل تودين ان اناديها لك؟..
عادت لتومئ برأسها.. فابتسم هو قائلا: اظن انك ترغبين في ان أغادر اكثر من رغبتك في نداء مها لك.. اليس كذلك؟..
لم تجبه وظلت صامتة.. وان وافقته في اعماقها على ما قاله.. فهي حقا لا ترغب في التحدث الى أي احد لا تثق به.. او تشعر به قريبا منها.. تريد ان يكون لها اصدقاء.. ولكن على الاقل اشخاص تثق بهم.. ولكنهم ابناء عمها.. ومن هم ابناء عمها؟.. لم يحاولوا زيارتها لمرة واحدة في منزلها وهي تشعر بالوحدة والخوف من بقاءها في المنزل بمفردها.. حتى انهم لم يكلفوا نفسهم مشقة السؤال عنها وعن والدها طوال السنين الماضية.. لقد جاءت الى هنا لسبب واحد فقط.. لا تريد ان تشعر انها لوحدها في المنزل.. لا تريد ان تعود اليها مخاوف الوحدة.. تريد ان تشعر بالامان والاطمئنان الى ان هناك من يشاركها المنزل الذي تعيشه..
(لم تجيبيني .. تريدين مني ان اغادر .. اليس كذلك؟)
رفعت رأسها وتطلعت الى مازن الذي ايقظها من شرودها وقالت باقتضاب: اجل..
اتسعت ابتسامة مازن وقال: فليكن..
واسرع ينادي الخادمة التي جاءت على عجل قائلة: ما الامر يا سيد مازن؟..
قال بمكر: اذهبي لنداء الآنسة مها من الطابق العلوي واخبريها ان تهبط الى الردهة فالآنسة ملاك ترغب بالحديث اليها..
أسرعت الخادمة تبتعد .. فقال مازن وهو يلتفت الى ملاك مرة اخرى: عذرا.. ولكن لن استطيع تلبية رغبتك..
تطلعت له ملاك بدهشة.. ومن تصرفه الغريب تجاهها.. منذ متى يهتم احد بالبقاء معها.. او الحديث معها عندما نرفض هي ذلك..وشعرت بغرابة ذلك الواقف امامها.. ولكنها لم تلبث ان استدارت بمقعدها مغادرة وقالت: سأفعل انا..
اسرع مازن يقول: لحظة..
توقفت عن دفع مقعدها.. فقال: اظن انك تشعرين بالملل.. ما رأيك ان نذهب جميعا انا وانت ومها الى النادي.. على الاقل تخرجين من عزلتك قليلا..
شعرت برغبة كبيرة حقا في الخروج وقالت متسائلة بحيرة: وهل لديك الوقت لذلك؟..
قال مبتسما براحة من تجاوبها معه: ولم لا.. اليوم اجازة وهي من حقي في الخروج.. ما رأيك هل توافقين؟..
هزت كتفيها وقالت: لا ما نع لدي..
وشعرت ببعض السعادة تتسلل الى نفسها.. فها هي ذا ستخرج من المنزل وستروح عن نفسها قليلا.. وستجد من تتحدث اليه ايضا..هذه السعادة التي كانت تتمناها مع والدها المنشغل دائما باعماله.. ولكن عليها ان تلومه.. انه يبذل كل ذلك الجهد في عمله من اجلها..ومن اجل ان تحيا برفاهية وسعادة.. ولكن لو يعلم انها لا تريد أكثر من لمسته الدافئة.. وقلبه الحاني ليحتويها به بعيدا عن هذا العالم.. بعيدا جدا...
الجزء الثاني
"هناك"
قالت مها بحنق وهي تشير الى باب غرفتها: هلاّ خرجت يا مازن والا ناديت لك والدي الآن..
قال بسخرية: لم اثر جنونك بعد..
قالت بحدة: اخرج .. اخرج الآن..
هز كتفيه وقال: على كل حال كنت سأخرج لان لدي موعد مع صديق لي.. لذا.. مع السلامة يا اختي العزيزة..
توجه إلى الخارج ليسير في الممر ومن ثم يهبط درجات السلم .. وتوقف بغتة وهو يستمع صوت رنين جرس الباب..ورأى الخادمة وهي تتوجه الى الباب وتفتحه..ومن ثم سمعها تقول: تفضل يا سيد خالد بالدخول..
عمه خالد هنا؟..يا للغرابة انه لم يزرهم منذ مدة طويـ.. لحظة.. كيف نسي هذا؟.. عمه اتصل بالأمس من اجل ابنته ..صحيح!..لقد قال انه سيأتي غدا ليصحب معه ابنته الى هنا.. كيف نسي هذا؟..
وتطلع الى الباب وهي ينتظر ظهور ابنة عمه المرتقبة بلهفة..ترى كيف شكلها؟.. هل هي جميلة ام لا؟.. وكم عمرها؟ .. إذا كان ما حدث قبل اثني عشر سنة.. يعني ربما تكون هي الآن على الاقل ذات أربعة عشرة عاما.. ابتسم لنفسه بسخرية.. قد تكون ابنة عمه التي ينتظرها طفلة ليس الا.. يا لغباءه.. ايظن انها يجب ان تكون فتاة في العشرين من عمرها و...
((انا لست طفلة))..
((كمال.. دعها وشأنها))
اتسعت عيناه وهو يشعر بغرابة ما جال بباله.. ما هذه الكلمات التي دارت بذهنه.. بل من قال هذه العبارات.. يشعر انها مدفونة في عقله منذ زمن طويل.. ما باله؟.. ما الذي يقوله الآن؟..
ورفع عيناه ليتطلع إلى عمه خالد الذي دلف إلى الداخل وأخذت عيناه تجول بحثا عن ابنة عمه.. ورأى السيدة نادين وهي تدخل حاملة حقيبة أمامها.. وعقد حاجبيه.. ان هذه المرأة كبيرة جدا.. اذا اين هي ابنة عمه؟.. ربما لم تدخل بعد او...
وانتبه في تلك اللحظة فقط الى المقعد الذي كان موجودا أمام عمه خالد..وتوجهت أنظاره الى تلك الجالسة امامه.. والتي كانت تطرق برأسها وهي تداعب قلادتها بأناملها.. واتسعت عيناه في دهشة وذهول.. هل ابنة عمه تلك كانت فتاة مشلولة عاجزة ؟؟!..
فالوحيدة التي كانت يمكن ان تكون ابنة عمه هي الجالسة على ذلك المقعد.. الآن فقط فهم لم والده اختار الغرفة الموجودة بالطابق السفلي..ولم يستطع مازن ان يلمح ملامحها بشكل جيد وخصوصا وهي تطرق برأسها ولكنه لمح شعرها الأسود الذي ينسدل على كتفيها كشلال من الماء..وهبط آخر الدرجات ليتقدم منهم ويقول بابتسامة رسمها على شفتيه: اهلا عمي خالد.. لم نرك منذ مدة..
قال خالد ببرود: اهلا مازن.. اين والدك؟..الم تناديه الخادمة بعد؟..
في تلك اللحظة رفعت ملاك عينيها لتتطلع الى المكان من حولها.. وشعرت بالانبهار وهي ترى مظاهر الفخامة والثراء الذي ينعكس في اللوحات الفنية والتحف والاثاث الفاخر.. والثريات التي تملأ سقف الردهة.. ومن ثم لم تلبث ان تطلعت الى مازن الواقف امامهم.. كان شابا وسيم الملامح.. طويل القامة. . ذا شعر اسود وعينان سوداوان كذلك.. يرتدي بنطالا اسود وقميصا يجمع مابين اللونين الرمادي والأسود..وقال هذا الاخير مرحبا: تفضل يا عمي بالدخول..
قال خالد بلامبالاة: الطائرة ستغادر بعد ساعتين.. انا مستعجل .. هلاّ ناديت لي والدك..
التفت مازن ليفعل لولا ان رأى والده يتقدم منهم وهو يقول بابتسامة: اهلا خالد..كيف حالك؟.. وكيف حال ملاك؟..
قالها وهو يتطلع الى ملاك.. فقال خالد بهدوء: بخير.. لا تنسى وعدك لي يا امجد..ملاك امانة عندك..
قال امجد وهو يتطلع الى ملاك بابتسامة: ستكون في منزلها..
وأردف قائلا وهو يتحدث إلى ملاك: كيف حالك يا ملاك؟.. لقد أصبحت عروسا جميلة.. آخر مرة رأيتك فيها كنت في السادسة من عمرك..
ارتسمت ابتسامة تجمع مابين السرور والخجل وهي تقول: بخير ..
في تلك اللحظة وجدها مازن فرصة ليتطلع الى ملاك.. وخصوصا وانها غير منتبهة له.. وبرقت عينيه ببريق الاعجاب وهو يتأمل ملامحها التي تقطر براءة.. وابتسامتها التي تجعلها كالأطفال ..بشرتها الناصعة البياض وشعرها الاسود الناعم الذي ينسدل على كتفيها برقة..ليصنعا ضدان غاية في الروعة..ولون عينيها السوداوان والذي جعلها كالدمية ..كانت ترتدي معطفا بني اللون ذا ياقة من الفراء ..
وايقظه من تأملاته كف والده الذي وضعت على كتفه.. وسمع صوته وهو يقول: هذا ابني مازن كما تعرف.. اكمل دراسته الجامعية وهو يعمل معي الآن بالشركة..
واردف قائلا: اما كمال فهو في سنته الرابعة بالجامعة.. ومها في السنة الاولى..
قال خالد بهدوء: اذا ملاك أصغرهم سنا.. فهي ستبدأ دراستها الجامعية للتو..
في تلك اللحظة لاحظ مازن أخته التي هبطت درجات السلم وقالت بابتسامة: ما الأمر؟.. لم كلكم مجتمعين هنا؟..
وانتبهت الى عمها الواقف وقالت بابتسامة واسعة: عمي .. انت هنا.. منذ متى لم تزورنا؟..
قال خالد بهدوء:ظروف العمل..
واردف وهو يتحدث الى امجد: ملاك كما تعلم تدرس تحت إشراف أساتذة متخصصين وسيأتون في موعدهم.. ان لم يكن لديك مانع..
قال امجد وهو يهز رأسه: أبدا.. فليحضروا في أي وقت..
شعرت مها في تلك اللحظة بمازن وهو يلكزها ويقول بسخرية: لقد أدركت اليوم فقط انك لا تملكين أي جمال..
قالت مها وهي تلتفت له بحنق: ماذا؟؟..
قال مبتسما وهو يلتفت عنها ويتطلع الى ملاك: انظري إلى ابنة عمي وستدركين مدى صحة قولي..
تطلعت مها الى حيث ينظر..ومن ثم لم تلبث ان قالت بذهول وهي تلتفت له وبصوت حاولت ان تجعله خفيض قدر الامكان: تلك المقعدة؟!..
أومأ مازن برأسه ومن ثم قال: هل فهمت الآن سر تجهيز غرفة بالطابق الأرضي لها..
- ولكن.. لم أتخيل أبدا ان ابنة عمي.. مقعدة.. لم اتخيل ذلك ابدا..
- اصمتي الآن والا انتبهوا لنا..
في الوقت ذاته كان خالد يلتفت الى ملاك ويقول بصوت حاني: والآن يا صغيرتي علي ان اغادر..
اسرعت تمسك بذراعه وتقول برجاء: ابقى قليلا معي..
تطلع الى ساعته وقال بابتسامة باهتة: ليتني أستطيع.. ولكن لم يبقى على موعد الطائرة إلا ساعة وأربعون دقيقة وهي بالكاد تكفيني للوصول الى المطار وإنهاء الإجراءات..
ترقرقت في عينيها الدموع فهبط والدها الى مستواها وقال وهو يمسح على شعرها: كم مرة قلت لك؟.. لا اريد ان ارى دموعك.. لا اريد ان اقلق عليك قبل ان أغادر..
قالت وهي تشد من مسكتها لذراعه: لا تنسى ان تتصل بي عندما تصل.. اتصل بي كل يوم.. ارجوك..
- سأفعل يا صغيرتي..اهتمي بنفسك جيدا.. ستكونين في أيدي أمينة..
واردف متحدثا الى نفسه: (او هذا ما اتمناه)..
اومأت ملاك برأسها بصمت.. وهي تشعر انها لو تحدثت فدموعها ستسيل دون استئذان.. فقال والدها وهو يداعب وجنتها: سأغادر الآن يا صغيرتي.. أراك بخير..
وجذب كفه بهدوء من يدها واعتدل واقفا ليقول للسيدة نادين: اعتني بها جيدا..
قالت السيدة نادين بهدوء: لا تقلق عليها يا سيد خالد.. ملاك هي اختي الصغيرة..
ومال خالد على ملاك ليقبل جبينها بحنان ومن ثم يقول: الى اللقاء يا ملاكي الصغير..
قالها وسار عنها مبتعدا الى باب المنزل وقلبه يعتصر بالألم وهو يرى نفسه مرغما على ترك ملاك في منزل شقيقه.. والذي كان يرفض دخولها اليه مهما حصل.. لكن هي من توسلته وترجته ان تذهب الى هناك.. وهو يتمنى الآن ان لا يكون قد اخطأ عندما نفذ لها رغبتها تلك...
لم يشعر احد بملاك التي اطرقت برأسها في الم وحزن وهي تسمع صوت الباب يغلق خلف والدها..تبخر كل انبهارها بالمنزل.. وتبخرت رغبتها في المكوث بنزل عمها منذ ان رأت والدها يخرج منه.. تريد ان تلحقه.. تذهب معه.. لا تريد البقاء هنا.. فليأخذها معه ولو الى الجحيم.. وهتفت بغتة بحزن: ابي ارجوك.. لا تغادر وتتركني.. ارجوك..
قالت نادين بهدوء وهي تتطلع الى ملاك: آنستي .. لا داعي لكل هذا الحزن.. سيتصل كما وعدك..
عضت ملاك على شفتيها بحزن وقالت: لقد غادر ولن استطيع ان اراه قبل اسبوع.. اسبوع كامل..اريد الذهاب معه.. فليأخذني معه.. لا اريد البقاء هنا..
لم تهتم ملاك بكل من يراقبونها.. أمجد الذي شعر انه يتطلع بطفلة متعلقة بوالدها حتى الجنون.. ومها ومازن اللذان شعرا بمدى قوة العلاقة بين ملاك ووالدها..والتفتت نادين الى امجد في تلك اللحظة وقالت: سيد امجد.. هلاّ أرشدتني الى غرفة ملاك.. انها بحاجة الى الراحة الآن..
شعرت مها بالشفقة والعطف تجاه ملاك .. وهي ترى هذه الفتاة التي في مثل عمرها والتي قدر لها ان تبقى حبيسة هذا المقعد الى الابد.. واجابت هي عوضا عن والدها: سأرشدك اليها انا..
قالتها وتوجهت الى ما خلف مفعد ملاك لتدفعها وتحرك المقعد ولكن ملاك قالت باعتراض وهي تمسح دموعها في سرعة: لا تدفعيه.. يمكنني ان أحركه بنفسي..
قالت مها بحيرة: ولكني سأساعدك فقط..
قالت ملاك بألم: لا احتاج لمساعدة من احد.. فطوال عمري كنت اتصرف بمفردي ولا يفكر احد بمساعدتي.. لا احد سوى والدي الذي رحل..
قالت مها بابتسامة: ولكنه سيعود على اية حال.. والآن تعالي معي سأرشدك الى غرفتك..
قالتها وهي تسير الى جوار مقعد ملاك التي كانت تحرك المقعد الى جوار مها..وفتحت مها أخيرا باب الغرفة بعد ان وصلوا اليها وقالت متسائلة: ما رأيك بها؟..
ومع ان الغرفة كانت اكبر من غرفة ملاك التي بمنزلها بمرتين ومع انها كانت ملحقة بصالة صغيرة ودورة مياه خاصة بالغرفة.. الا ان ملاك أحست بالحنين لغرفتها السابقة والتي لم تفارقها يوما قط.. لا تعلم كيف ستنام خارج منزلها.. وكيف ستقضي هذه الايام مع ابناء عمها اللذين لا تعرفهم جيدا..وقالت ملاك اخيرا بهدوء: جميلة..
ابتسمت مها بمرح وقالت وهي تدلف الى الغرفة: من؟.. الغرفة ام انا؟..
وقبل ان تجيب جاءهم صوت مازن وهو يقول بسخرية: بالتأكيد الغرفة..
وضعت مها يدها عند خصرها وقالت بحنق: ما الذي جاء بك الى هنا؟.. انها غرفة ابنة عمي..
قال بدهشة مصطنعة: حقا؟.. لم اكن اعلم.. لقد ظننت انها غرفتي انا..
واردف وهو يضع حقيبة ملاك التي كان يحملها بجوار الخزانة: لقد جئت لأوصل هذه الحقيبة الى ابنة عمي..
قالت مها مستفسرة: واين تلك المرأة المسئولة عن ملاك والتي كانت تحمل هذه الحقيبة اذا؟..
قال مازن بابتسامة وهو يلتفت الى حيث ملاك الجالسة بصمت: لقد طلبت من الخادمة ان توصلها الى حيث غرفتها..
قالت مها وهي تتوجه نحوه: لو رآك والدي هنا يا مازن.. فسوف يغضب من دخولك الى غرفة ابنة عمي..
قال مازن بابتسامة وهو يستند الى باب الغرفة: اهذا جزائي لاني اوصلت الحقيبة الى الغرفة؟..
قالت مها باستخفاف: يالك من شاب مكافح ونشيط.. اتعبت نفسك كثيرا..كان يمكنك ان تمنح الحقيبة لاحدى الخادمات وهي ستجلبها الى هنا..
قال مازن وهو يعقد ساعديه امام صدره: لا اثق بالخادمات..
- منذ متى؟..
- منذ اليوم ان اردت..
التفتت مها الى ملاك التي اطرقت برأسها بألم وكانت شاردة بافكارها.. وكأنها غير موجودة في المكان.. فاقتربت مها من مازن وقالت برجاء: اخرج الآن.. دعها لوحدها حتى ترتاح.. لا اريد ان نزيد عليها همومها بشجاراتنا هذه..
تطلع مازن الى ملاك وابتسم قائلا: معك حق..
ومن ثم اردف وهو يهتف بملاك: ملاك..
رفعت ملاك رأسها الى مازن الذي هتف بها.. وتطلعت اليه بصمت.. فقال بابتسامة: سعدت برؤيتك يا ابنة عمي..
قالها واستدار عنهم ليغادر الغرفة.. في حين شعرت ملاك بغرابة حديثه اليها فهي لم تعتد ان يكون لها ابناء عم بعد.. حتى كلمة ابنة عمي.. تشعر بوقعها غريب على أذنيها ..ولكنها لم تهتم كثيرا لذلك..واخذت تطلع الى قلادتها وتداعبها بأناملها..
اما مها فقد تنهدت بارتياح وقالت: واخيرا ذهب..
سمعت بغتة صوت مازن وهو يعود الى المكان قائلا: لا تفرحي بسرعة هكذا .. ها قد عدت..
- ماذا تريد الآن؟..
قال مبتسما:والدي يقول ان الغداء سيكون بعد ساعتين.. فأرجو ان لا يتخلف احد..
قالت مها بسخرية: لا احد سيتخلف عن موعد الغداء سواك..
غمز لها بعينه وقال: لا اظن ان هذا سيحصل هذه المرة..
قالها وابتعد.. فالتفتت مها الى ملاك وقالت وهي تسير الى حيث هذه الأخيرة: معذرة ان كنا قد أزعجناك.. ولكن هذه هي طبيعة مازن دائما يهوى استفزازي..وانا بدوري أتشاجر معه..
هزت ملاك رأسها وقالت: لا عليك..
تطلعت مها الى ملاك وهي تشعر انها تبدوا هادئة اكثر من اللازم.. ولا تتحدث الا اذا حدثها احدهم.. وقالت متسائلة لعلها تجعل ملاك تتحدث اليها وتعتاد المكان: في أي سنة دراسية انت يا ملاك؟..
- سأبدأ دراستي الجامعية للتو..
قالت مها بابتسامة باهتة وهي تجلس على طرف الفراش: هذا يعني انك تصغريني بعام..
لم تعلق ملاك على عبارتها.. فقالت مها وهي تستحثها على الحديث: كيف تبدوا الدراسة تحت إشراف اساتذة بالمنزل؟.. بالتأكيد افضل بمائة مرة من الدراسة في جو الجامعة والطلبة والحصص.. اليس كذلك؟..
تطلعت لها ملاك ومن ثم قالت: بل اتمنى ان أكون في جو كهذا.. بدلا من ان اكون حبيسة المنزل.. وهذا المقعد ايضا..
اسرعت مها تغير الموضوع عندما شعرت انه قد يألم ملاك وقالت: انت لم تري شقيقي كمال بعد.. انه يكبرني بثلاثة اعوام.. و غير مبالي ابدا.. ولكنه افضل من مازن على الاقل.. فهو لا يتشاجر معي ابدا..
قالت ملاك وهي تتنهد: ليت لدي شقيق مثلك.. حتى لو كان سيتشاجر معي طوال اليوم..
شعرت مها ان كل حديثها لملاك يرجع هذه الاخيرة الى الواقع المرير التي تحياه..وقالت مبتسمة: اتعلمين.. لم نرى عمي خالد منذ فترة طويلة.. ولم اكن اعلم انه لديه ابنة.. ولولا ذلك لطلبت منه ان ياتي بك الى منزلنا معه عندما يحضر..
قالت ملاك وهي تهز رأسها: لن يوافق..
- ولم؟..
قالت ملاك وهي تزفر بحدة: لطالما طلبت منه ان يدعو كم الى منزلنا.. ولكنه كان يرفض..
عقدت مها حاجبيها وقالت بغرابة: ولماذا؟..
قالت ملاك وهي تهز كتفيها بقلة حيلة: لست اعلم.. في كل مرة يقول هذا افضل لك..الامور هكذا افضل..
ومن جانب آخر تطلع مازن الى والده وقال بحيرة: ماذا تعني يا والدي بقولك ان الأمور هكذا افضل؟..
تطلع اليه امجد بحزم وقال : اعني ان لا تفتح صفحات الماضي .. فالامور هكذا افضل بكثير..
قال مازن بحيرة: ولكني أريد ان اعرف سبب هذه القطيعة بينك وبين عمي..
قال امجد بحدة: أخبرتك أنها بسبب ابنته ملاك..
- اعلم.. ولكن لماذا هي؟.. ما الذي فعلته لتكون سببا في هذه القطيعة بين أسرتها وجميع اسر أعمامي؟..
تنهد امجد بقوة ومن ثم قال: ان أردت الحقيقة فهي لم تفعل شيئا ابدا..
تسائل مازن باهتمام: اذا؟؟..
أشار له والده ليجلس على المقعد ومن ثم قال: الأمر بدأ بعد وفاة والدة ملاك بعامين تقريبا.. فمن حينها وخالد يبدوا غريبا.. صامتا.. انطوائيا.. لا يهتم بشيء سوى ابنته وخصوصا بعد أن علم انها أصيبت بعمودها الفقري وستظل عاجزة الى الابد..
قال مازن في سرعة: وبعد؟؟..
اكمل امجد قائلا:وحينها فعل شقيقي مالم يتوقعه احدنا.. فقد سجل نصف شركته باسم ابنته ملاك..
جلس مازن على المقعد وقال بهدوء: لو كنت مكانه لفعلت المثل..
عقد امجد حاجبيه ومن ثم واصل قائلا: وهذا التصرف لم يعجب عميك وعمتك ابدا.. فلو حدث شيء لا قدر الله لخالد.. فستنتقل نصف الشركة الى ابنته ملاك.. مع ان نصيبها في الميراث سيكون اقل من هذا بكثير..وخصوصا وانه ليس لديه ابناء فستتوزع حينها باقي الورثة على اخوته.. المهم انهم يومها قرروا ان يبدأوا بأبسط الطرق اليه.. فحاولوا اقناعه بالزواج من فتاة ما .. وبالتأكيد كانوا متفقين معها ان تقنعه بعد الزواج بكتابة نصف الشركة باسمها وبالتالي يكون خالد وشركته في أيديهم..
قال مازن بغرابة: كل هذا وانت صامت يا ابي لا تفعل شيئا..
- وماذا عساي ان افعل؟.. لو وقفت الى جوار اخي لسحبوا رأس المال من شركاتي ولخسرت شركاتي ولاضطررت لدفع الخسارة من جيبي الخاص..
قال مازن بحنق: ولكن عمي لم يأبه لكل هذا.. وجعلهم يسحبون أموالهم من شركته ويتخلون عنه اليس كذلك؟ ..
تنهد امجد وقال وهو يومئ برأسه: بلى.. ولا يزال للحكاية بقية.. فبعد ذلك ذهبوا اليه جميعا..وطالبوه ان يتراجع عن تسجيل نصف الشركة باسم ملاك.. فهي ستكون عاجزة طوال عمرها.. لن تستفيد من الشركة.. ويمكنه بدلا من ذلك ان يضع مبلغ في حسابها.. ولكن شقيقي خالد عارضهم وبشدة وطلب منهم ان لا يتدخلوا في حياته.. لان تلك هي شركته ومن حقه ان يسجلها باسم من يشاء.. واستمروا بتهديده بأنه لو لم يفعل لهم ما يريدون فسيحيلون حياته وحياة ابنته الى جحيم وخصوصا ستظل عاجزة طوال عمرها واي كلمة منهم قد تؤذيها.. ولهذا انعزل خالد مع ابنته في منزل بمكان ما من البلاد.. ولا احد يعرف مكانه ابدا حتى الآن..
عقد مازن حاجبيه وقال باستغراب: الم يحاول احد اعمامي الاتصال به.. او البحث عنه؟..
- بلى ولكن دونما فائدة.. وعندما رأوا انهم يعجزون عن الوصول الى بيته.. اكتفوا بتهديده بالشركة.. ولكن.. حتى الآن لا يزال خالد صامد في وجههم..
قال مازن بحزم: والى متى سيصمد يا والدي؟.. هل ستتركه لوحده يتحدى جشع أعمامي؟..
زفر امجد وشبك أصابع كفيه وهو يقول: لست اعلم..فليس في يدي ما افعله..المهم الآن..إنني لا أريد لأحد ان يعلم ان ملاك ابنة أخي موجودة في هذا المنزل..
قال مازن بحيرة: وماذا نقول لعمي أو عمتي لو جاءوا لزيارتنا؟..
قال امجد وهو بلوح بكفه: أي شيء.. صديقة مها وقد جاءت لتقضي بضع أيام هنا.. ريثما يأتي والدها من الخارج.. ولا تنسى نبه على شقيقك وشقيقتك ان لا يعلم احد عن وجود ملاك ابنة عمك في منزلنا.. وبالنسبة للخدم فسأتصرف بالأمر..
وأردف بلهجة قاطعة: يمكنك الآن الخروج بعد ان عرفت كل ما تريد ان تعرفه..
هز مازن كتفيه بلامبالاة ومن ثم نهض من مجلسه ليغادر غرفة المكتب.. وان كان يشعر بالشفقة تجاه ابنة عمه التي ولدت لتواجه قسوة الحياة وواقعها المر...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
جلست ملاك خلف مائدة الطعام بصمت.. لم تحاول الحديث الى أي احد وهي تكتفي بالانشغال بالأكل.. او التظاهر بهذا الانشغال.. كل ما كان يشغل بالها هو والدها وحسب.. لقد كانت في هذا الوقت .. تتناول طعام الغداء معه.. يتحدث اليها ويمزح معها.. ويحاول بشتى الطرق ان يرفه عنها ولو في ساعاته المعدودة التي يقضيها معها..
ايقظها من شرودها صوت عمها وهو يقول: هل استيقظت للتو يا كمال؟..
رفعت رأسها الى من يتطلع اليه عمها وشاهدت ابن عمها كمال.. الذي كان يهبط درجات السلم في تلك اللحظة..كان يشبه مازن في لون شعره الاسود.. ولكنه كان حاد النظرات.. بشرته تتمتع بسمرة خفيفة ووسامة واضحة.. وان كان في طول مازن تقريبا.. ويرتدي بنطالا من نوع الجينز .. وقميصا ذا لون اسود..
وتثاءب كمال وهو يقول بلامبالاة: اجل..
قال والده بتهكم: ولم لم تكمل نومك اذا؟..
قال كمال وهو يقترب من طاولة الطعام: لا داعي للسخرية يا والدي.. ها انذا استيقظت وجئت لتناول طعام الغداء معـ...
بتر عبارته وعقد حاجبيه وهو يتطلع الى ملاك التي كانت تحرك الملعقة في الطبق بلا هدف..فأسرع والده يقول: نسيت ان أعرفك .. هذه ابنة عمك ملاك..وقد جاءت لتقضي بضعة ايام هنا ريثما يأتي والدها من السفر..
جذب كمال مقعدا وقال بدهشة: ابنة عمي؟؟.. أي عم؟..
- عمك خالد..وكما اخبرت مازن ومها من قبل.. هذا الكلام لا نريد ان يعرف به احد سوانا نحن.. انا اثق بكم جميعا لانكم ابنائي.. الجميع من خارج المنزل سيعرفون ملاك على انها صديقة مها.. هل هذا مفهوم؟..
قال كمال وهو يتناول قطعة من الجزر: ولم كل هذه السرية؟..
قال والده بحزم: افعل كما اخبرتك فقط..
التفت كمال الى ملاك ليتطلع اليها بنظرة قصيرة.. وعاد يلتفت الى والده وهو يقول: واين كانت ابنة عمي عنا كل هذه السنين؟..
توقفت ملاك عن تحريك الملعقة في الطبق وهي تنصت لما سيقال .. لو كان يعلم انها كانت تتمنى الحضور الى هنا طويلا.. ولكن والدها كان دائما ما يرفض.. لما قال هذا..
في حين قال امجد بحدة: تكلم بأدب يا كمال.. فهي ابنة عمك اولا.. وفي منزلنا ثانيا..
هز كمال كتفيه وقال: لم اقل ما يزعج.. فقط استفسر عن سر اختفاءها كل هذه السنوات.. ولم لم نرها الا عندما سافر والدها..
اجابه والده قائلا: لم يكن لدى والدها حل الا إبقاءها هنا.. وخصوصا انه سيقضي فترة بالخارج ستتجاوز الأسبوع وربما...
( عن اذنكم)
قالتها ملاك وهي تستدير بمقعدها مغادرة الطاولة .. فقالت مها بضيق: هل أعجبك هذا يا كمال؟.. بالكاد وافقت ان تتناول طعام الغداء معنا.. والآن انت تجعلها تغادر الطاولة بعدم مبالاتك بها وبشعورها وانت تتحدث عنها هكذا..
صمت كمال بدهشة وهو يتطلع الى ملاك التي ابتعدت عن المكان وتوجهت الى غرفتها.. ومن ثم لم يلبث ان قال وهو يلتفت اليهم والدهشة لا زالت تعلو قسماته: لم اكن اعلم من قبل انها مقعدة...
قال مازن بحنق: وهل كان هذا سيغير من لا مبالاتك شيئا؟ ..
قال كمال وهو يمط شفتيه: لست انسان معدوم الإحساس يا مازن..
قال مازن وهو يلتفت عنه: واضح جدا..
في حين قال امجد بحدة: يكفي جميعا.. وأنت يا مها.. اذهبي إليها في غرفتها.. وحاولي ان تتحدثي إليها..
أومأت مها برأسها وهي تغادر طاولة الطعام وتتجه الى غرفة ملاك .. في حين قال امجد بعصبية: اسمع يا كمال.. ان كنت ستتحدث بهذه الطريقة الى ابنة اخي.. فالأفضل ان لا تتناول طعام الغداء او العشاء معنا مرة اخرى..
قال كمال بضيق: لم اقل ما يغضب يا والدي..ثم لم كن اعلم انها فتاة حساسة اكثر من اللازم..
- لقد تربت ملاك وعاشت طوال عمرها وحيدة.. ولهذا فهي لا تستطيع ان تتقبل الامور بسهولة.. لو اردت رأيي فهي لن تكون حساسة فقط.. بل ربما عدائية ايضا.. ولهذا ارجو ان تعاملوها جميعا بلطف.. انه اسبوع واحد لا اكثر..
قال كمال وهو ينهض واقفا: ليس ذنبي ان احتمل فتاة مثلها..
قال مازن بحدة: انها ابنة عمك قبل كل شيء..
قال والده وهو يحاول ان يهدئ نفسه: حسنا لن اطلب منك ان تحتمل وجودها.. فقط اطلب منك ان لا تجرحها بأي كلمات.. ولو تجاهلت وجودها سيكون ذلك افضل..
قال كمال وكأنه لم يسمع أي حرف مما قيل: عن اذنكم..
- الى اين؟..
قال كمال وهو يمط شفتيه: الى النادي..
قالها وغادر المكان.. وفي تلك اللحظة عادت مها قائلة وهي تهز رأسها: لقد رفضت العودة لتناول طعام الغداء معنا مرة اخرى..وتقول انها متعبة وستنام..
واحس مازن بالشفقة تجاه ملاك وخصوصا وهو يلمح صحنها الذي كان ممتلأ عن آخره ولم تتناول منه ولا قطعة واحدة...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت ملاك بملل الى باب غرفتها.. هل جاءت هنا لتسجن نفسها؟.. ثلاث ساعات منذ ان غادرت طاولة الطعام.. لم تعلم لم شعرت بكل ذلك الضيق والالم من كلمات كمال .. ربما لانه وجه لها اتهاما صريحا في كلماته على انها لم تأتي هنا الا من اجل مصلحة ليس الا.. لا يعلم شيئا عن إلحاحها المستمر للقدوم الى هنا.. واصرارها الكبير في ان يدعوهم والدها على الاقل في احدى المناسبات.. وكيف له ان يعلم.. وهو يحظى بعائلة كبيرة تغمره بكل مايريده من حب وحنان..مال وأخوة وأقارب.. اما هي فلم تحظى الا بحب والدها وحنانه.. والذي لم تكن لتراه الا ساعتين او ثلاث ساعات في اليوم على الاكثر..
وتنهدت مرة اخرى وهي تتطلع الى باب الغرفة.. وأحست برغبة جارفة تدفعها للخروج والترويح عن نفسها قليلا بالتحدث الى أي احد..واندفعت وراء رغبتها لتفتح باب الغرفة وتغادرها وهي تدفع مقعدها بهدوء.. وتلفتت حولها الى الردهة الخالية من أي شيء سوى الاثاث والتحف المنتشرة بالمكان.. وتلفتت حولها مرة اخرى قبل ان تواصل تحركها في المنزل .. لعلها تقضي وقت فراغها هذا برؤية ارجاء هذا المنزل وتحفه الثمينة..و...
(واخيرا خرجت من غرفتك)
التفتت ملاك الى ناطق العبارة .. وتطلعت ال مازن بهدوء الذي يعقد ساعديه امام صدره بثقة.. ولم تعلق هي على عبارته بل آثرت الصمت..فقال مبتسما: أتبحثين عن شيء ما؟..
اومأت براسها بهدوء.. فقال متسائلا: وما هو هذا الشيء؟..
كانت تظن انه سيتركها وشأنها ولن يتساءل اكثر.. وفكرت قليلا ومن ثم قالت: مها..
مال نحوها قليلا ومن ثم قال: ولم تبحثين عن مها؟..
اشاحت بوجهها بصمت وهي تداعب قلادتها بأناملها.. فقال متسائلا: هل تودين ان اناديها لك؟..
عادت لتومئ برأسها.. فابتسم هو قائلا: اظن انك ترغبين في ان أغادر اكثر من رغبتك في نداء مها لك.. اليس كذلك؟..
لم تجبه وظلت صامتة.. وان وافقته في اعماقها على ما قاله.. فهي حقا لا ترغب في التحدث الى أي احد لا تثق به.. او تشعر به قريبا منها.. تريد ان يكون لها اصدقاء.. ولكن على الاقل اشخاص تثق بهم.. ولكنهم ابناء عمها.. ومن هم ابناء عمها؟.. لم يحاولوا زيارتها لمرة واحدة في منزلها وهي تشعر بالوحدة والخوف من بقاءها في المنزل بمفردها.. حتى انهم لم يكلفوا نفسهم مشقة السؤال عنها وعن والدها طوال السنين الماضية.. لقد جاءت الى هنا لسبب واحد فقط.. لا تريد ان تشعر انها لوحدها في المنزل.. لا تريد ان تعود اليها مخاوف الوحدة.. تريد ان تشعر بالامان والاطمئنان الى ان هناك من يشاركها المنزل الذي تعيشه..
(لم تجيبيني .. تريدين مني ان اغادر .. اليس كذلك؟)
رفعت رأسها وتطلعت الى مازن الذي ايقظها من شرودها وقالت باقتضاب: اجل..
اتسعت ابتسامة مازن وقال: فليكن..
واسرع ينادي الخادمة التي جاءت على عجل قائلة: ما الامر يا سيد مازن؟..
قال بمكر: اذهبي لنداء الآنسة مها من الطابق العلوي واخبريها ان تهبط الى الردهة فالآنسة ملاك ترغب بالحديث اليها..
أسرعت الخادمة تبتعد .. فقال مازن وهو يلتفت الى ملاك مرة اخرى: عذرا.. ولكن لن استطيع تلبية رغبتك..
تطلعت له ملاك بدهشة.. ومن تصرفه الغريب تجاهها.. منذ متى يهتم احد بالبقاء معها.. او الحديث معها عندما نرفض هي ذلك..وشعرت بغرابة ذلك الواقف امامها.. ولكنها لم تلبث ان استدارت بمقعدها مغادرة وقالت: سأفعل انا..
اسرع مازن يقول: لحظة..
توقفت عن دفع مقعدها.. فقال: اظن انك تشعرين بالملل.. ما رأيك ان نذهب جميعا انا وانت ومها الى النادي.. على الاقل تخرجين من عزلتك قليلا..
شعرت برغبة كبيرة حقا في الخروج وقالت متسائلة بحيرة: وهل لديك الوقت لذلك؟..
قال مبتسما براحة من تجاوبها معه: ولم لا.. اليوم اجازة وهي من حقي في الخروج.. ما رأيك هل توافقين؟..
هزت كتفيها وقالت: لا ما نع لدي..
وشعرت ببعض السعادة تتسلل الى نفسها.. فها هي ذا ستخرج من المنزل وستروح عن نفسها قليلا.. وستجد من تتحدث اليه ايضا..هذه السعادة التي كانت تتمناها مع والدها المنشغل دائما باعماله.. ولكن عليها ان تلومه.. انه يبذل كل ذلك الجهد في عمله من اجلها..ومن اجل ان تحيا برفاهية وسعادة.. ولكن لو يعلم انها لا تريد أكثر من لمسته الدافئة.. وقلبه الحاني ليحتويها به بعيدا عن هذا العالم.. بعيدا جدا...
إن ششاء الله بكرا اكملهاSmile1
بإنتظار ردوودكم bre2
يسلمرووو علي الموضوع
الي رجعه
يسلمرووو علي الموضوع
الي رجعه
روايه جميله جدا ^^
تسلم عنونكك يآ قمره
الجزء الثالث
"معهم"
التفت مازن الى ملاك التي كانت شاردة في أفكارها وقال: تفكرين في والدك.. صحيح؟..
التفتت له ملاك وقالت بحيرة: وكيف عرفت ذلك؟..
ابتسم بثقة ومن ثم قال: لا يحتاج الامر الى الذكاء.. حزنك.. وعزلتك.. ولا تتحدثين مع احد هنا الا نادرا ..كل هذا لا يدل الا على حزنك لفراقه..
أومأت برأسها وقالت بألم: انه الوحيد الذي يفهمني في هذا العالم..
هز مازن كتفيه وقال: بالتأكيد فهو والدك..
وأردف بابتسامة مغيرا دفة الحديث: اذهبي لترتدي ملابس اكثر دفئا.. فالجو بارد بالخارج..
ارتسم شبح ابتسامة على شفتيها وهي تستدير عائدة بمقعدها الى الغرفة.. في حين استند مازن بظهره الى الجدار المجاور للدرج .. سببه الوحيد للاهتمام بملاك.. هو طبيعته بتكوين الصداقات مع الفتيات.. لقد اعتاد ذلك منذ زمن.. واحيانا يأخذ الامر كوسيلة للتسلية.. وان كان الأمر لا يأخذ أي منحنى جدي.. ولكن هذه المرة الأمر يختلف.. فملاك ابنة عمه.. ولا يستطيع ان يتسلى .. على العكس يجب ان يكون خائفا عليها كأخت له تماما.. انها أمانة في أعناقهم جميعا..اجل سيكون اهتمامه محصورا في إطار الاخوة.. تماما كما كان سيهتم بمها..
وفي تلك اللحظة هبطت مها درجات السلم وقالت متسائلة: أين هي ملاك؟..
اجابها مازن قائلا: لقد ذهبت لترتدي ملابس تدفئها لأننا سنخرج بعد قليل..
قالت مها بدهشة: انت وهي؟؟..
قال مازن بحنق: بالطبع لا ايتها الذكية.. ستكونين معنا..
قالت مها مبتسمة بمكر: ظننت انك لن تأخذني معكما..
قال في سرعة: اسرعي بارتداء شيء مناسب.. فسنذهب الى النادي..
قالت بمرح: حسنا في الحال..
وعاودت صعودها الى الطابق العلوي.. في حين تحرك مازن الى حيث الأريكة وألقى بجسده عليها.. وتطلع بشرود الى التحفة الموضوعة على طاولة صغيرة بجواره.. الى ان سمع صوت ملاك وهي تناديه قائلة: مازن..
التفت في سرعة اليها وقال مبتسما: اجل..
قالت ملاك بهدوء وهي تقلب كتابا بين يديها: انا جاهزة..
- فلننتظر مها.. فسوف ترتدي ملابسها وتأتي معنا..
لم تعلق ملاك وهي تقلب الكتاب بين كفيها..وأبعدت خصلات شعرها المتهدلة على جبينها..في حين اعتدل في جلسته وكاد مازن ان يقول شيئا..لولا ان هبطت مها على درجات السلم وقالت بمرح: ها انذا قد جهزت..
قال مازن باستخفاف: ستعاقبين على تأخرك.. ولن نأخذك معنا..
قالت مها وهي تضع يدها عند خصرها:حاول فقط..
قال مازن وهو يلتفت عنها: هيا يا ملاك .. لنذهب نحن..
لم تتحرك ملاك من مكانها قيد انملة فقالت مها مبتسمة: هل رأيت؟.. ان ملاك تقف في صفي..
وتوجهت الى ملاك لتقول بمرح: يالك من فتاة.. لقد حطمت غروره..
قال مازن وهو يشير الى مها: هيي انت يا فتاة.. لا اسمح لك بقول ذلك.. لم تخلق بعد من تستطيع تحطيم غرور مازن امجد..
قالت مها وهي تغمز له بعينها: بل انها موجودة امامك ايها الاعمى وقد حطمت غرورك منذ قليل..
- ما حدث منذ قليل اسميه مجرد جولة وانتهت.. ثم لم تكثرين الكلام.. فلنغادر الآن ايتها المزعجة..
قالت مها وهي تفكر: لحظة واحدة .. ماذا عن السيدة نادين؟.. هل نأخذها معنا؟..
تطلع مازن الى ملاك .. فأجابت هذه الاخيرة قائلة وهي تهز رأسها: لا داعي لذلك..
قال مازن بتردد: ولكن قد تحتاجين الى شيء ما.. وهي من تعرف كل احتياجاتك..
قالت ملاك بضيق: وانا ايضا اعرف احتياجاتي..
قال مازن مهدئا: حسنا.. حسنا لا تتضايقي.. لقد اردتها ان تأتي معنا لتساعدك ليس الا..
قالت ملاك بعصبية: لا احتاج الى مساعدة من احد.. واستطيع التصرف لوحدي.. لست طفلة.. اتفهم..
استغرب مازن غضبها المفاجئ.. فلم يقل ما يستدعي العصبية او الغضب.. انه يفكر في مصلحتها ليس الا.. ولكن طبيعة ملاك الانطوائية والتي لم تكن تختلط الا بوالدها الذي يغمرها بحنانه وعطفه يجعلها لا تتقبل الحديث من احد وخصوصا اذا اشار في حديثه ذاك عن شيء عن حاجتها للمساعدة ..وشاهدها مازن وهي تستدير بمقعدها مغادرة المكان.. فأسرع يقف امامها ويقول: ما الامر؟..هل اغضبك ما قلته؟..
اشاحت بوجهها عنه فقال بابتسامة: حسنا انا آسف وأرجو ان تقبلي اعتذاري.. اعلم انك لست طفلة وتستطيعين تدبر أمورك بمفردك..
استدارت له ملاك في تلك اللحظة.. فاتسعت ابتسامته وهو يردف: والآن هل نخرج؟..
رفعت ملاك رأسها له ولأول مرة رآها تبتسم وتومئ برأسها بهدوء..بادلها الابتسامة وابتعد عنها متوجها الى حيث باب المنزل الرئيسي.. والتفتت مها الى ملاك وقالت وهي تتوجه نحوها: هل أساعدك؟..
قالت ملاك بلهجة تطوي بعض المرح غير التي اعتادتها مها منها: ان شئت..
أمسكت مها المقعد وأخذت تدفعه ببطء..فقالت ملاك مستغربة: لم تدفعينه هكذا؟..
قالت مها بقلق: أخشى ان اكون سببا في مكروه قد يصيبك..
- لا عليك.. اسرعي اكثر..
قالت مها مستسلمة: كما تشائين..
واسرعت في سيرها لتصل الى السيارة ووقفت امام الباب الخلفي لتقول : مازن تعال وساعدنا..
اسرعت ملاك تقول: لا داعي لقد اعتدت ذلك.. فقط افتحي الباب.. واستطيع الجلوس على المقعد الخلفي بمفردي..
كان مازن قد تحرك من مكانه وجاء اليهم بناء على هتاف مها..وشاهد ملاك وهي تحاول بكل جهدها وقوتها رفع نفسها عن المقعد المتحرك والجلوس على مقعد السيارة الخلفي.. وتساءل.. لم تفعل كل هذا وتكلف نفسها كل هذا العناء؟.. كان بامكاني ان اساعدها دون ان تتعب نفسها هكذا.. لم يكن يدرك ان ملاك كانت تحب فعل كل شيء بمفردها.. تريد ان تثبت للناس جميعا انها ليست عاجزة ابدا.. وتستطيع فعل الكثير حتى وان كانت قدماها لا تتحركان..كان اصرارها على عدم حاجتها للمساعدة من احد هو ما يدفعها لأن تبذل كل الجهد لفعل كل شيء بنفسها..
وتحرك مازن الى حيث المقعد الذي تركته ملاك ليطويه ويضعه في صندوق السيارة.. وعاد ادراجه الى مقعد السائق..لينتظر مها لصعد اليها وينطلق بالسيارة الى حيث النادي...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع كمال بغرابة الى مازن الذي اقترب منه وقال : لماذا تتطلع إلي هكذا؟..
قال كمال بحيرة: ليس من عادتك ان تأتي الى النادي في وقت كهذا..
اشار مازن الى ما خلفه ومن ثم قال: رأيت انا ومها.. ان ملاك ابنة عمي تعزل نفسها كليا عن الجميع.. فقررنا اخراجها من المنزل واحضارها الى هنا لترفه عن نفسها..
هز كمال كتفيه وقال وهو يدير ظهره عنه ويتجه الى قسم الفروسية: لا شأن لي بأحوال ابنة العم تلك..
زفر مازن بحدة ومن ثم تبعه بدوره الى ذلك القسم.. ومن جانب آخر جلست مها مع ملاك حول احدى الطاولات بكافتيريا النادي..وانشغلت الاخيرة بقراءة الكتاب الذي بين يديها..فسألتها مها قائلة: ماذا تقرئين؟..
قالت ملاك وهي تتوقف عن القراءة وتضع الكتاب على الطاولة: كتاب عن الحياة ومشاكلها المختلفة..
قالت مها متسائلة: وهل يوجد حلول لهذه المشاكل في الكتاب؟ ..
قالت ملاك بهدوء: نوعا ما..
ابتسمت مها وقالت: مشكلتي الوحيدة في هذه الحياة هي مازن .. فهل يوجد حل لها في كتابك هذا؟..
ابتسمت ملاك وقالت: لا اظن..
تطلعت لها مها وقالت: لأول مرة أراك تبتسمين.. ان كان ذكر مازن سيجعلك تبتسمين فسأردد اسمه دائما..
ولما وجدتها صامتة ولم تعلق سألتها قائلة: وانت.. ما هي مشكلتك؟..
اجابتها ملاك بكلمة واحدة: الوحدة..
رددت مها مستغربة: الوحدة؟..
التفتت لها ملاك وقالت بحزن: اصعب شعور قد يمر على الانسان او الفتاة بشكل خاص ان تشعر انها وحيدة في هذا العالم بدون اخوة او اصدقاء..او حتى شخص ما في مثل عمرها..انه شعور يخنقك..يقتلك.. وكل مخاوفك تتضاعف وانت تشعرين بوحدتك..
قالت مها متسائلة: وماذا عن والدتك؟..
وضعت ملاك كفها عند وجنتها وقالت وهي تشعر بغصة في حلقها: واين هي والدتي؟.. لم أرها حتى.. لم يعد لي الحق في ذلك بعد ان فقدتها.. لا اذكر شكلها او صوتها.. والشيء الوحيد الذي بات من حقي هو ان أراها في الصور..
قالت مها معتذرة: انا آسفة لم اكن اعلم..
تنهدت ملاك دون ان تعلق على عبارتها.. وطغى الصمت على المكان لعدة دقائق قبل ان تقول ملاك ببعض التردد: وماذا عن والدتك؟.. لم أرها منذ ان جئت الى المنزل..
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي مها وقالت: والدتي؟.. لا اظن انك سترينها في المنزل.. فهي لا تأتي اليه ابدا..
تطلعت اليها ملاك باستغراب وحيرة فأردفت: لقد انفصلت والدتي عن والدي وانا في الخامسة عشرة من عمري.. اذكر يومها اني لحقت بها لتأخذني معها..وترجيتها بعيني الدامعتين ان لا تترك المنزل .. ولكنها قالت ان الحياة في منزل والدي افضل لي ولأخوتي..وهي لن تعيشنا ولو بعد عشرين عاما في مثل هذا المستوى.. لهذا تركتنا جميعا وغادرت المنزل دون أي كلمة أخرى..
تسائلت ملاك باهتمام: وهل ترونها؟..
اومأت مها برأسها وقالت وهي تحرك اصابعها على الطاولة بلا اهتمام: بلى.. نذهب لزيارتها من حين الى آخر.. ولكن هي لا تأتي لزيارتنا في المنزل ابدا.. لان والدي موجود فيه كما تقول..
تطلعت ملاك الى مها وشعرت بقلبها يرق تجاهها.. ليست هي الوحيدة التي تتألم.. وليست هي الوحيدة التي تعاني الحرمان من والدتها.. ولكن مها افضل منها.. على الاقل هي ترى والدتها وتسمعها.. شعرت بحنانها.. وبلمسات اناملها الدافئة.. اما هي فانها حتى لا تذكر أي شيء مما جمعها بوالدتها كيف لا وهي كانت بالثانية من عمرها عندما فقدت امها..
وظل الصمت مخيما على المكان قبل ان يقطعه صوت مرح وهو يقول: مها جالسة بالكافتيريا وليست بأي قسم من النادي.. يا للمعجزة..
التفتت مها بلهفة الى صاحب الصوت وقالت: (حسام)..
حسام هو ابن خال مها..في الثالثة والعشرين من عمره..ذا شعر بني قاتم وعينان من اللون ذاته..يتمتع بوسامة محببة ومظهرا جذابا..وذا جسم رياضي..
ابتسم وقال: اجل حسام.. اخبريني لم تجلسين هنا فقط.. ولا اراك في أي قسم من اقسام النادي..
ابتسمت مها ابتسامة واسعة وقالت وهي تلتفت الى ملاك: لقد كنت اجلس مع ابنــ...
اطبقت شفتيها قبل ان تكمل.. يالغباءها.. هل نسيت كلام والدها بهذه السرعة.. واردفت بسرعة وارتباك: مع صديقتي..
تطلع حسام الى ملاك وقال بابتسامة يغيظ بها مها: انها تبدوا كالملاك..
قالت مها بحنق: انت لم تخطئ ان اسمها ملاك حقا..
قال حسام وهو يجذب له مقعدا ويجلس ليشاركهما الطاولة : حقا؟.. يا للمصادفة..
قالت مها وهي تشير الى حسام : ملاك اعرفك.. ابن خالي حسام..وهو عضو في هذا النادي..
قال حسام وهو يرفع حاجبيه: فقط..
ابتسمت مها وقالت: وصديق الطفولة ايضا..
قال حسام معترضا: لقد نسيت اهم شيء..
اسرعت مها تهرب بنظراتها وقالت بخجل وارتباك: وما الذي نسيته؟..
قال حسام وهو يعقد ساعديه امام صدره: انني صديق مازن وكمال المقرب..
احست مها بالغيظ .. وقالت وهي تمط شفتيها: عذرا لاني نسيت هذه المعلومة المهمة يا صديق كمال ومازن المقرب..
التفت لها حسام وقال متسائلا: واين تعرفت على ملاك؟.. هنا بالنادي؟..
ارتبكت مها وتطلعت الى ملاك التي عاودت قراءة كتابها ومن ثم قالت: اجل..
تطلع حسام بحيرة الى ملاك.. فهو لم يرها في النادي قبل الآن ابدا.. ولكنه لم يأبه بالامر كثيرا والتفت الى مها ليتحدث اليها.. بينما كانت ملاك تجلس في صمت وهي تقرأ الكتاب الذي بين يديها.. ومن ثم لم تلبث ان تنهدت.. وهي ترفع أنظارها الى ما امامها.. وارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها وهي تتطلع الى حلبة السباق التي يتدرب بها كل اعضاء الفروسية..واستقرت عيناها على مازن الذي كان يمتطي جواده ويقوده بكل مهارة.. كان يقفز الحواجز واحدا تلو الآخر وبمهارة متقطعة النظير..وشعرت ملاك انها ترى امامها فارسا بارعا يقود الجواد ويحلق به في الهواء..كانت عيناها تتابعان مازن في تلك اللحظة..وشاهدته يوقف الجواد بهتاف واحد منه وهو يشد لجامه بكل قوة..ويهبط منه ومن ثم لم يلبث ان ربت على رأسه وداعبه قبل ان يمسك بلجامه ويعيده الى الاسطبل و...
(ملاك..ملاك..)
التفتت ملاك الى مها ناطقة العبارة وقالت وهي تلتفت لها: اجل..
قالت مها مبتسمة: ماذا تريدين ان تشربي؟..
وقال حسام وهو يغمز بعينه: وعلى حسابي بكل تأكيد..
قالت ملاك بهدوء: عصير الفواكة..
قال حسام وهو ينهض من مقعده: سأحضر لكما طلبكما في الحال و...
جاءه صوت مازن وهو يقول: واي عصير لي ايضا..
التفتت ملاك الى مازن الذي اقترب منها ورمى بنفسه على احد المقاعد بطاولة مجاورة لهم بانهاك وهو يقول بتعب: لقد اقترب السباق..و لا اظن اني سأفوز به ابدا..
غادر حسام المكان ليحضر مطالبهم في حين قالت مها بسخرية: جيد انك قد اعترفت بذلك..
قال مازن وهو يلتفت لها ويرسم ابتسامة على شفتيه: لم تسأليني لماذا؟..
- ولماذا؟..
قال باستهزاء: ذلك لانك انت ستكونين موجودة بالنادي وقتها وانا أتشاءم من وجودك..
قالت مها بحنق: لن آتي اذا وقتها ولا تحلم ان افكر بالمجيء حتى.. ابحث عمن يشجعك..
قال مازن وهو يعقد ساعديه امام صدره: من قال اني احتاج لتشجيعك.. لدي من المعجبين اكثر مما تتصورين..
كادت مها ان تجيبه بعبارة غاضبة لولا ان قالت ملاك همسا وهي تهتف بها: مها.. اريد ان اطلب منك طلبا..
قالت مها وهي تلتفت اليها: وما هو؟..
قالت ملاك بتردد وحرج: اريد ان آتي الى النادي يوم السباق ..
قالت مها بحيرة: جميعنا سنحضر .. فكمال ومازن مشتركان بالسباق..
قالت ملاك بدهشة: ولكنك قلت منذ قليل بانك لن تذهبي..
ضحكت مها ومن ثم قالت: هذا حتى اغيظ مازن فقط..
قالت ملاك بدهشة اكبر: تكذبين حتى تغيظيه؟؟..
قالت مها بمرح: لا عليك.. لقد كنت امزح ولم اقصد الكذب..
في تلك اللحظة وضع حسام المشروبات امامهم على الطاولة وهو يقول: لا تصدقيها .. دائما ما تكذب وخصوصا علي..
قالت مها وهي تشير الى نفسها بغرور: ولم اكذب على شخص مثلك..
قال حسام بابتسامة: اسألي نفسك..
ومن ثم لم يلبث ان التقط المشروب الثالث ليأخذه الى حيث طاولة مازن ويجلس عليها برفقته وقال: ها هو ذا ما طلبته..
قال مازن وهو يلتقط الكأس من يده: اشكرك..
وقبل ان يرتشف منه رشفة واحدة سمع صوت انثوي يناديه قائلا: مازن .. مازن..
التفت الى صاحبة الصوت وقال بملل: اجل يا حنان.. ماذا تريدين؟..
قالت حنان وهي تقترب منه: اين انت؟.. اني اتصل بك منذ يومين ولا تجيبني..
قال مازن بضجر: منشغل بأعمال والدي..
قالت مها في تلك اللحظة بصوت خفيض: الم تسأم تلك الفتاة؟..
قالت ملاك متسائلة: من هي هذه الفتاة؟..
قالت مها بلامبالة وهي تلوح بكفها: احدى صديقات مازن.. وهي تلاحقه اينما كان.. يبدوا وانها معجبة به بشدة..
قالت ملاك باهتمام: وماذا عنه هو؟..
قالت مها وهي تبتسم بسخرية: هو؟.. هو لا يهتم بأي فتاة ابدا.. ترينه يعجب بفتاة ما في لحظة.. وينساها بعد يوم واحد فقط..
اتسعت عينا ملاك وقالت : ماذا تعنين بالضبط؟..
قالت مها وهي تهز كتفيها: لا شيء سوى ان أخي لا تهمه أي من الفتيات اللواتي حوله ابدا..
لم تفهم ملاك ما تنطوي عليه هذه العبارة.. فقد كانت مها تعني انه يأخذ من الفتيات وسيلة للتسلية ولا يأبه بهن ابدا.. اما ملاك فقد فهمت ان مازن لا يهتم بالفتيات اشباه حنان والتي يلاحقن الشباب..وعادت لتلتفت الى مازن الذي كان يتحدث الى حنان بسخرية ومن ثم لم تلبث حنان ان سارت عنه غاضبة.. وفي الوقت ذاته قال حسام بعتاب: انت من جلبتها لنفسك وعليك ان تتحمل ما جنته يداك..
قال مازن بحدة: انها بلهاء.. لقد اخبرتها منذ البداية انني صديق لها لا اكثر وسيكون كلامنا كله في حدود الصداقة.. ولكنها تصر على انها تحمل لي ما هو اكثر من الصداقة واني لا اهتم بمشاعرها ابدا..
قال حسام وهو يشير اليه: لو لم تتحدث اليها منذ البداية وتطلب صداقتها لما حدث كل هذا.. والآن تحمل نتيجة فعلتك..
قالت ملاك بغتة جعلت الجميع يلتفت لها: كم الساعة الآن؟..
تطلع حسام الى ساعته وقال: السادسة والنصف.. لم؟..
قالت ملاك بسرعة: اريد ان اعود الى المنزل.. سيأتي استاذ اللغة الانجلينزية بعد نصف ساعة..
قال مازن وهو ينهض من على مقعده: حسنا سنعود.. هيا يا مها..
قال حسام متسائلا بدهشة: هل تعرف ملاك يا مازن؟..
قال مازن بابتسامة: اجل .. فهي صديقة مها وستقضي بعض الوقت في منزلنا ريثما يعود والدها من السفر..
التفت حسام الى مها وقال وهو يعقد حاجبيه: لم تقولي لي هذا يا مها..
قالت مها بارتباك وهي تنهض من على مقعدها وتلتقط حقيبتها: لقد نسيت..
اوقفها حسام وقال بشك:اشعر وكأن في الأمر سرا تخفينه عني..
تهربت مها من نظراته وأسرعت خلف مقعد ملاك وقالت: أبدا .. لا شيء..
وأخذت تدفع المقعد بهدوء.. في حين قال حسام وهو يراقبهم وهم يبتعدون: بل هو كذلك يا مها.. وهو يتعلق بتلك الفتاة المدعوة.. ملاك..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كان الهدوء يعم المكان وذلك المنزل الكبير قبل ان يفتح باب المنزل وصوت مها وهي تقول بحدة: ارجوك اصمت فقط وارحنا من سماع صوتك..
قال مازن بابتسامة: لماذا تغارين من صوتي؟.. ما ذنبي اذا كان اجمل من صوتك..
قالت مها بحنق: اصمت فقط..
اما ملاك فقد اكتفت بالصمت ولم تحاول ان تعلق على عبارتهما ..وجاء صوت نادين بغتة ليقطع على مازن ومها شجاراتهم وهي تقول: آنسة ملاك اين كنت كل هذا الوقت؟..
رفعت ملاك رأسها الى نادين وقالت بهدوء: لقد ذهبت الى النادي ..
قالت السيدة نادين باستنكار: ولماذا لم تخبريني؟..
اشاحت ملاك بوجهها ولم تجبها فقالت نادين بهدوء: آنستي أنت تعلمين انني المسئولة عنك .. ولو حصل لك أي شيء سأكون انا الملامة أولا وأخيرا..
قالت ملاك وهي تلتفت لها: عمري ثمانية عشرة عاما ولست طفلة حتى لا أستطيع ان اهتم بنفسي جيدا..
وضعت نادين كفها على كتف ملاك وقالت: انا افهم ذلك جيدا.. ولكن عملي يحتم علي ان اكون بجوارك دائما.. وان اكون محل الثقة التي منحني اياها السيد خالد..
كادت ملاك ان تهم بقول شيء ما.. لولا ان ارتفع صوت رنين هاتف المنزل.. فتوجه مازن اليه ورفع سماعته قائلا: الو.. من المتحدث؟..
صمت مازن للحظات ومن ثم قال مبتسما: اجل.. لحظة واحدة..
والتفت الى حيث ملاك وقال بابتسامة : ملاك.. لدي خبر سعيد لك.. والدك على الهاتف..
صاحت ملاك بفرح: ابي!!..
ومن ثم اسرعت تحرك مقعدها الى ان وصلت الى مازن وقالت بلهفة وشوق: اعطني سماعة الهاتف.. اريد ان اتحدث اليه..
قال مازن وهو يتطلع اليها: مقابل ماذا؟..
قالت برجاء: ارجوك.. اريد ان اتحدث اليه..
قال مازن مبتسما وهو يناولها السماعة: لو كان خطيبك هو المتصل لما كانت لهفتك اليه الى هذه الدرجة..
لم تستمع ملاك الى حرف واحد مما قاله مازن بل اختطفت السماعة وقالت بلهفة كبيرة: أبي اشتقت إليك كثيرا..
قال خالد بحنان: وأنا كذلك يا ملاك.. اخبريني يا ملاك ما هي اخبارك؟..
قالت ملاك متسائلة:انا بخير يا ابي..كيف حالك انت؟..و منذ متى وصلت ؟.. ومتى ستعود؟..
ضحك خالد وقال: رويدك يا ملاك.. انا بخير.. وانا اتحدث اليك الآن من المطار لأني قد وصلت لتوي اليه.. وسأعود بعد اسبوع ان سارت الأمور كما يجب..
قالت ملاك برجاء: ابي عد سريعا أرجوك..
تساءل والدها وهو يعقد حاجبيه: ما هي أحوالك مع عمك وابناءه؟..
تطلعت ملاك الى مازن ومها ومن ثم قالت: على ما يرام.. لا تشغل نفسك..
قال والدها باهتمام: هل يعاملونك جيدا؟.. وهل حاولوا مضايقتك؟..
- الجميع يعاملني بشكل جيد يا ابي .. لا تقلق.. انت عد فقط .. انا احتاج الى وجودك الى جانبي كثيرا..
قال والدها وهو يتنهد بارتياح: حمدلله.. لقد أرحتني يا صغيرتي .. لو ضايقك احدهم او تضايقت من العيش معهم.. اخبريني حتى أتصرف..
واردف قائلا:والآن يا صغيرتي .. سأنهي المكالمة.. اراك بخير واهتمي بنفسك جيدا.. سأعود ومعي قفص الطائر الذي طلبته..الى اللقاء يا ملاكي الصغير..
قالت ملاك والدموع تترقرق في عينيها: الى اللقاء يا ابي..
قالتها وأغلقت سماعة الهاتف وهي تتنهد بحزن. . فقال مازن وهو يهز رأسه وهو جالس على إحدى المقاعد: لو كنت اعلم ان هذه المحادثة ستجعلك تبكين من جديد.. لما منحتك السماعة منذ البداية..
قالت مها باستنكار: مازن .. ماذا تقول؟..
واردفت وهي تقترب من ملاك وتربت على كتفها: لا عليك انه يمزح..
قالت ملاك بصوت مختنق: اعلم..
واردفت وهي تستدير عنهم: عن اذنكم..
قالت مها لمازن وهي تراها تبتعد عنهم: الم تكن تستطيع تأجيل حديثك هذا قليلا؟..
قال مازن وهو يهز كتفيه: لقد اردت ان اجعلها تنسى حزنها قليلا..
قالت مها بعتاب: ملاك ليست مثلي.. انا يمكنني ان اتقبل مزاحك وسخريتك.. ولكن هي ربما لا.. انت اعلم بظروفها ..
اومأ مازن برأسه ومن ثم قال: بلى اعلم بظروفها اكثر من أي شخص آخر..
ومن ثم نهض من على مقعده وقال: سأذهب الى غرفتي..
ابتسمت مها وقالت: ومن سألك عن مكان وجهتك الآن..
تطلع لها مازن بنظرة طويلة قبل ان يلتفت عنها ويصعد درجات السلم..امام مها فقد التفتت الى باب غرفة ملاك وتوجهت لها .. ولكن اوقفها بغتة صوت رنين هاتفها المحمول.. فالتقطته من حقيبتها وابتسمت ابتسامة واسعة وهي ترى رقم حسام يضيئه وأجابته بلهفة مازحة: اهلا حسام.. الم تصبر على فراقي بهذه السرعة؟..
قال حسام بابتسامة: تحلمين.. لقد اتصلت فقط لاعرف منك بعض الامور..
استغربت مها حديثه وقالت بحيرة: أي امور هذه التي تود معرفتها؟..
قال حسام وهو يضغط على حروف كلماته: عن تلك الفتاة المدعوة ملاك..
قالت مها بتلعثم: صديقتي.. ماذا بها؟..
قال حسام بشك: لقد قلت انك قد تعرفتي عليها في النادي.. ومع اني لم ارها في النادي ابدا.. الا انني ظننت انني لم انتبه لوجودها به قبل الآن..ولكن عندما رأيت انها فتاة مقعدة ازدادت شكوكي حولها.. فمن مثلها لا يمكن ان تشترك بالنادي..
قالت مها بارتباك: حسام ماذا جرى لك؟.. هل تعمل ضابط مباحث او محقق بالشرطة؟.. الامر لا يستدعي كل هذا .. لقد جاءت الى النادي لمرة او مرتين من قبل لمجرد الزيارة وتعرفت بها خلال هذه الاثناء..
قال حسام بارتياب: لا اعلم لم اشعر انك لا تقولين الصدق..
ازدردت مها لعابها وقالت وهي تحاول ان تنهي الموضوع: بل انا كذلك.. استمع الي.. اتصل بي بعد قليل.. فلدي مكالة اخرى.. الى اللقاء..
قالتها دون ان تستمع الى جوابه.. وفي الطرف الآخر قال حسام وهو يبتسم بزاوية فمه: لا تزالين لا تعرفين الكذب علي يا مها.. استطيع ان اكشف كذبك من ارتباك صوتك وتلعثمه .. ومن إنهاءك السريع للمكالمة.. ولكن سأعلم بكل شيء قريبا.. ان اردت ذلك...
الجزء الثالث
"معهم"
التفت مازن الى ملاك التي كانت شاردة في أفكارها وقال: تفكرين في والدك.. صحيح؟..
التفتت له ملاك وقالت بحيرة: وكيف عرفت ذلك؟..
ابتسم بثقة ومن ثم قال: لا يحتاج الامر الى الذكاء.. حزنك.. وعزلتك.. ولا تتحدثين مع احد هنا الا نادرا ..كل هذا لا يدل الا على حزنك لفراقه..
أومأت برأسها وقالت بألم: انه الوحيد الذي يفهمني في هذا العالم..
هز مازن كتفيه وقال: بالتأكيد فهو والدك..
وأردف بابتسامة مغيرا دفة الحديث: اذهبي لترتدي ملابس اكثر دفئا.. فالجو بارد بالخارج..
ارتسم شبح ابتسامة على شفتيها وهي تستدير عائدة بمقعدها الى الغرفة.. في حين استند مازن بظهره الى الجدار المجاور للدرج .. سببه الوحيد للاهتمام بملاك.. هو طبيعته بتكوين الصداقات مع الفتيات.. لقد اعتاد ذلك منذ زمن.. واحيانا يأخذ الامر كوسيلة للتسلية.. وان كان الأمر لا يأخذ أي منحنى جدي.. ولكن هذه المرة الأمر يختلف.. فملاك ابنة عمه.. ولا يستطيع ان يتسلى .. على العكس يجب ان يكون خائفا عليها كأخت له تماما.. انها أمانة في أعناقهم جميعا..اجل سيكون اهتمامه محصورا في إطار الاخوة.. تماما كما كان سيهتم بمها..
وفي تلك اللحظة هبطت مها درجات السلم وقالت متسائلة: أين هي ملاك؟..
اجابها مازن قائلا: لقد ذهبت لترتدي ملابس تدفئها لأننا سنخرج بعد قليل..
قالت مها بدهشة: انت وهي؟؟..
قال مازن بحنق: بالطبع لا ايتها الذكية.. ستكونين معنا..
قالت مها مبتسمة بمكر: ظننت انك لن تأخذني معكما..
قال في سرعة: اسرعي بارتداء شيء مناسب.. فسنذهب الى النادي..
قالت بمرح: حسنا في الحال..
وعاودت صعودها الى الطابق العلوي.. في حين تحرك مازن الى حيث الأريكة وألقى بجسده عليها.. وتطلع بشرود الى التحفة الموضوعة على طاولة صغيرة بجواره.. الى ان سمع صوت ملاك وهي تناديه قائلة: مازن..
التفت في سرعة اليها وقال مبتسما: اجل..
قالت ملاك بهدوء وهي تقلب كتابا بين يديها: انا جاهزة..
- فلننتظر مها.. فسوف ترتدي ملابسها وتأتي معنا..
لم تعلق ملاك وهي تقلب الكتاب بين كفيها..وأبعدت خصلات شعرها المتهدلة على جبينها..في حين اعتدل في جلسته وكاد مازن ان يقول شيئا..لولا ان هبطت مها على درجات السلم وقالت بمرح: ها انذا قد جهزت..
قال مازن باستخفاف: ستعاقبين على تأخرك.. ولن نأخذك معنا..
قالت مها وهي تضع يدها عند خصرها:حاول فقط..
قال مازن وهو يلتفت عنها: هيا يا ملاك .. لنذهب نحن..
لم تتحرك ملاك من مكانها قيد انملة فقالت مها مبتسمة: هل رأيت؟.. ان ملاك تقف في صفي..
وتوجهت الى ملاك لتقول بمرح: يالك من فتاة.. لقد حطمت غروره..
قال مازن وهو يشير الى مها: هيي انت يا فتاة.. لا اسمح لك بقول ذلك.. لم تخلق بعد من تستطيع تحطيم غرور مازن امجد..
قالت مها وهي تغمز له بعينها: بل انها موجودة امامك ايها الاعمى وقد حطمت غرورك منذ قليل..
- ما حدث منذ قليل اسميه مجرد جولة وانتهت.. ثم لم تكثرين الكلام.. فلنغادر الآن ايتها المزعجة..
قالت مها وهي تفكر: لحظة واحدة .. ماذا عن السيدة نادين؟.. هل نأخذها معنا؟..
تطلع مازن الى ملاك .. فأجابت هذه الاخيرة قائلة وهي تهز رأسها: لا داعي لذلك..
قال مازن بتردد: ولكن قد تحتاجين الى شيء ما.. وهي من تعرف كل احتياجاتك..
قالت ملاك بضيق: وانا ايضا اعرف احتياجاتي..
قال مازن مهدئا: حسنا.. حسنا لا تتضايقي.. لقد اردتها ان تأتي معنا لتساعدك ليس الا..
قالت ملاك بعصبية: لا احتاج الى مساعدة من احد.. واستطيع التصرف لوحدي.. لست طفلة.. اتفهم..
استغرب مازن غضبها المفاجئ.. فلم يقل ما يستدعي العصبية او الغضب.. انه يفكر في مصلحتها ليس الا.. ولكن طبيعة ملاك الانطوائية والتي لم تكن تختلط الا بوالدها الذي يغمرها بحنانه وعطفه يجعلها لا تتقبل الحديث من احد وخصوصا اذا اشار في حديثه ذاك عن شيء عن حاجتها للمساعدة ..وشاهدها مازن وهي تستدير بمقعدها مغادرة المكان.. فأسرع يقف امامها ويقول: ما الامر؟..هل اغضبك ما قلته؟..
اشاحت بوجهها عنه فقال بابتسامة: حسنا انا آسف وأرجو ان تقبلي اعتذاري.. اعلم انك لست طفلة وتستطيعين تدبر أمورك بمفردك..
استدارت له ملاك في تلك اللحظة.. فاتسعت ابتسامته وهو يردف: والآن هل نخرج؟..
رفعت ملاك رأسها له ولأول مرة رآها تبتسم وتومئ برأسها بهدوء..بادلها الابتسامة وابتعد عنها متوجها الى حيث باب المنزل الرئيسي.. والتفتت مها الى ملاك وقالت وهي تتوجه نحوها: هل أساعدك؟..
قالت ملاك بلهجة تطوي بعض المرح غير التي اعتادتها مها منها: ان شئت..
أمسكت مها المقعد وأخذت تدفعه ببطء..فقالت ملاك مستغربة: لم تدفعينه هكذا؟..
قالت مها بقلق: أخشى ان اكون سببا في مكروه قد يصيبك..
- لا عليك.. اسرعي اكثر..
قالت مها مستسلمة: كما تشائين..
واسرعت في سيرها لتصل الى السيارة ووقفت امام الباب الخلفي لتقول : مازن تعال وساعدنا..
اسرعت ملاك تقول: لا داعي لقد اعتدت ذلك.. فقط افتحي الباب.. واستطيع الجلوس على المقعد الخلفي بمفردي..
كان مازن قد تحرك من مكانه وجاء اليهم بناء على هتاف مها..وشاهد ملاك وهي تحاول بكل جهدها وقوتها رفع نفسها عن المقعد المتحرك والجلوس على مقعد السيارة الخلفي.. وتساءل.. لم تفعل كل هذا وتكلف نفسها كل هذا العناء؟.. كان بامكاني ان اساعدها دون ان تتعب نفسها هكذا.. لم يكن يدرك ان ملاك كانت تحب فعل كل شيء بمفردها.. تريد ان تثبت للناس جميعا انها ليست عاجزة ابدا.. وتستطيع فعل الكثير حتى وان كانت قدماها لا تتحركان..كان اصرارها على عدم حاجتها للمساعدة من احد هو ما يدفعها لأن تبذل كل الجهد لفعل كل شيء بنفسها..
وتحرك مازن الى حيث المقعد الذي تركته ملاك ليطويه ويضعه في صندوق السيارة.. وعاد ادراجه الى مقعد السائق..لينتظر مها لصعد اليها وينطلق بالسيارة الى حيث النادي...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع كمال بغرابة الى مازن الذي اقترب منه وقال : لماذا تتطلع إلي هكذا؟..
قال كمال بحيرة: ليس من عادتك ان تأتي الى النادي في وقت كهذا..
اشار مازن الى ما خلفه ومن ثم قال: رأيت انا ومها.. ان ملاك ابنة عمي تعزل نفسها كليا عن الجميع.. فقررنا اخراجها من المنزل واحضارها الى هنا لترفه عن نفسها..
هز كمال كتفيه وقال وهو يدير ظهره عنه ويتجه الى قسم الفروسية: لا شأن لي بأحوال ابنة العم تلك..
زفر مازن بحدة ومن ثم تبعه بدوره الى ذلك القسم.. ومن جانب آخر جلست مها مع ملاك حول احدى الطاولات بكافتيريا النادي..وانشغلت الاخيرة بقراءة الكتاب الذي بين يديها..فسألتها مها قائلة: ماذا تقرئين؟..
قالت ملاك وهي تتوقف عن القراءة وتضع الكتاب على الطاولة: كتاب عن الحياة ومشاكلها المختلفة..
قالت مها متسائلة: وهل يوجد حلول لهذه المشاكل في الكتاب؟ ..
قالت ملاك بهدوء: نوعا ما..
ابتسمت مها وقالت: مشكلتي الوحيدة في هذه الحياة هي مازن .. فهل يوجد حل لها في كتابك هذا؟..
ابتسمت ملاك وقالت: لا اظن..
تطلعت لها مها وقالت: لأول مرة أراك تبتسمين.. ان كان ذكر مازن سيجعلك تبتسمين فسأردد اسمه دائما..
ولما وجدتها صامتة ولم تعلق سألتها قائلة: وانت.. ما هي مشكلتك؟..
اجابتها ملاك بكلمة واحدة: الوحدة..
رددت مها مستغربة: الوحدة؟..
التفتت لها ملاك وقالت بحزن: اصعب شعور قد يمر على الانسان او الفتاة بشكل خاص ان تشعر انها وحيدة في هذا العالم بدون اخوة او اصدقاء..او حتى شخص ما في مثل عمرها..انه شعور يخنقك..يقتلك.. وكل مخاوفك تتضاعف وانت تشعرين بوحدتك..
قالت مها متسائلة: وماذا عن والدتك؟..
وضعت ملاك كفها عند وجنتها وقالت وهي تشعر بغصة في حلقها: واين هي والدتي؟.. لم أرها حتى.. لم يعد لي الحق في ذلك بعد ان فقدتها.. لا اذكر شكلها او صوتها.. والشيء الوحيد الذي بات من حقي هو ان أراها في الصور..
قالت مها معتذرة: انا آسفة لم اكن اعلم..
تنهدت ملاك دون ان تعلق على عبارتها.. وطغى الصمت على المكان لعدة دقائق قبل ان تقول ملاك ببعض التردد: وماذا عن والدتك؟.. لم أرها منذ ان جئت الى المنزل..
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي مها وقالت: والدتي؟.. لا اظن انك سترينها في المنزل.. فهي لا تأتي اليه ابدا..
تطلعت اليها ملاك باستغراب وحيرة فأردفت: لقد انفصلت والدتي عن والدي وانا في الخامسة عشرة من عمري.. اذكر يومها اني لحقت بها لتأخذني معها..وترجيتها بعيني الدامعتين ان لا تترك المنزل .. ولكنها قالت ان الحياة في منزل والدي افضل لي ولأخوتي..وهي لن تعيشنا ولو بعد عشرين عاما في مثل هذا المستوى.. لهذا تركتنا جميعا وغادرت المنزل دون أي كلمة أخرى..
تسائلت ملاك باهتمام: وهل ترونها؟..
اومأت مها برأسها وقالت وهي تحرك اصابعها على الطاولة بلا اهتمام: بلى.. نذهب لزيارتها من حين الى آخر.. ولكن هي لا تأتي لزيارتنا في المنزل ابدا.. لان والدي موجود فيه كما تقول..
تطلعت ملاك الى مها وشعرت بقلبها يرق تجاهها.. ليست هي الوحيدة التي تتألم.. وليست هي الوحيدة التي تعاني الحرمان من والدتها.. ولكن مها افضل منها.. على الاقل هي ترى والدتها وتسمعها.. شعرت بحنانها.. وبلمسات اناملها الدافئة.. اما هي فانها حتى لا تذكر أي شيء مما جمعها بوالدتها كيف لا وهي كانت بالثانية من عمرها عندما فقدت امها..
وظل الصمت مخيما على المكان قبل ان يقطعه صوت مرح وهو يقول: مها جالسة بالكافتيريا وليست بأي قسم من النادي.. يا للمعجزة..
التفتت مها بلهفة الى صاحب الصوت وقالت: (حسام)..
حسام هو ابن خال مها..في الثالثة والعشرين من عمره..ذا شعر بني قاتم وعينان من اللون ذاته..يتمتع بوسامة محببة ومظهرا جذابا..وذا جسم رياضي..
ابتسم وقال: اجل حسام.. اخبريني لم تجلسين هنا فقط.. ولا اراك في أي قسم من اقسام النادي..
ابتسمت مها ابتسامة واسعة وقالت وهي تلتفت الى ملاك: لقد كنت اجلس مع ابنــ...
اطبقت شفتيها قبل ان تكمل.. يالغباءها.. هل نسيت كلام والدها بهذه السرعة.. واردفت بسرعة وارتباك: مع صديقتي..
تطلع حسام الى ملاك وقال بابتسامة يغيظ بها مها: انها تبدوا كالملاك..
قالت مها بحنق: انت لم تخطئ ان اسمها ملاك حقا..
قال حسام وهو يجذب له مقعدا ويجلس ليشاركهما الطاولة : حقا؟.. يا للمصادفة..
قالت مها وهي تشير الى حسام : ملاك اعرفك.. ابن خالي حسام..وهو عضو في هذا النادي..
قال حسام وهو يرفع حاجبيه: فقط..
ابتسمت مها وقالت: وصديق الطفولة ايضا..
قال حسام معترضا: لقد نسيت اهم شيء..
اسرعت مها تهرب بنظراتها وقالت بخجل وارتباك: وما الذي نسيته؟..
قال حسام وهو يعقد ساعديه امام صدره: انني صديق مازن وكمال المقرب..
احست مها بالغيظ .. وقالت وهي تمط شفتيها: عذرا لاني نسيت هذه المعلومة المهمة يا صديق كمال ومازن المقرب..
التفت لها حسام وقال متسائلا: واين تعرفت على ملاك؟.. هنا بالنادي؟..
ارتبكت مها وتطلعت الى ملاك التي عاودت قراءة كتابها ومن ثم قالت: اجل..
تطلع حسام بحيرة الى ملاك.. فهو لم يرها في النادي قبل الآن ابدا.. ولكنه لم يأبه بالامر كثيرا والتفت الى مها ليتحدث اليها.. بينما كانت ملاك تجلس في صمت وهي تقرأ الكتاب الذي بين يديها.. ومن ثم لم تلبث ان تنهدت.. وهي ترفع أنظارها الى ما امامها.. وارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها وهي تتطلع الى حلبة السباق التي يتدرب بها كل اعضاء الفروسية..واستقرت عيناها على مازن الذي كان يمتطي جواده ويقوده بكل مهارة.. كان يقفز الحواجز واحدا تلو الآخر وبمهارة متقطعة النظير..وشعرت ملاك انها ترى امامها فارسا بارعا يقود الجواد ويحلق به في الهواء..كانت عيناها تتابعان مازن في تلك اللحظة..وشاهدته يوقف الجواد بهتاف واحد منه وهو يشد لجامه بكل قوة..ويهبط منه ومن ثم لم يلبث ان ربت على رأسه وداعبه قبل ان يمسك بلجامه ويعيده الى الاسطبل و...
(ملاك..ملاك..)
التفتت ملاك الى مها ناطقة العبارة وقالت وهي تلتفت لها: اجل..
قالت مها مبتسمة: ماذا تريدين ان تشربي؟..
وقال حسام وهو يغمز بعينه: وعلى حسابي بكل تأكيد..
قالت ملاك بهدوء: عصير الفواكة..
قال حسام وهو ينهض من مقعده: سأحضر لكما طلبكما في الحال و...
جاءه صوت مازن وهو يقول: واي عصير لي ايضا..
التفتت ملاك الى مازن الذي اقترب منها ورمى بنفسه على احد المقاعد بطاولة مجاورة لهم بانهاك وهو يقول بتعب: لقد اقترب السباق..و لا اظن اني سأفوز به ابدا..
غادر حسام المكان ليحضر مطالبهم في حين قالت مها بسخرية: جيد انك قد اعترفت بذلك..
قال مازن وهو يلتفت لها ويرسم ابتسامة على شفتيه: لم تسأليني لماذا؟..
- ولماذا؟..
قال باستهزاء: ذلك لانك انت ستكونين موجودة بالنادي وقتها وانا أتشاءم من وجودك..
قالت مها بحنق: لن آتي اذا وقتها ولا تحلم ان افكر بالمجيء حتى.. ابحث عمن يشجعك..
قال مازن وهو يعقد ساعديه امام صدره: من قال اني احتاج لتشجيعك.. لدي من المعجبين اكثر مما تتصورين..
كادت مها ان تجيبه بعبارة غاضبة لولا ان قالت ملاك همسا وهي تهتف بها: مها.. اريد ان اطلب منك طلبا..
قالت مها وهي تلتفت اليها: وما هو؟..
قالت ملاك بتردد وحرج: اريد ان آتي الى النادي يوم السباق ..
قالت مها بحيرة: جميعنا سنحضر .. فكمال ومازن مشتركان بالسباق..
قالت ملاك بدهشة: ولكنك قلت منذ قليل بانك لن تذهبي..
ضحكت مها ومن ثم قالت: هذا حتى اغيظ مازن فقط..
قالت ملاك بدهشة اكبر: تكذبين حتى تغيظيه؟؟..
قالت مها بمرح: لا عليك.. لقد كنت امزح ولم اقصد الكذب..
في تلك اللحظة وضع حسام المشروبات امامهم على الطاولة وهو يقول: لا تصدقيها .. دائما ما تكذب وخصوصا علي..
قالت مها وهي تشير الى نفسها بغرور: ولم اكذب على شخص مثلك..
قال حسام بابتسامة: اسألي نفسك..
ومن ثم لم يلبث ان التقط المشروب الثالث ليأخذه الى حيث طاولة مازن ويجلس عليها برفقته وقال: ها هو ذا ما طلبته..
قال مازن وهو يلتقط الكأس من يده: اشكرك..
وقبل ان يرتشف منه رشفة واحدة سمع صوت انثوي يناديه قائلا: مازن .. مازن..
التفت الى صاحبة الصوت وقال بملل: اجل يا حنان.. ماذا تريدين؟..
قالت حنان وهي تقترب منه: اين انت؟.. اني اتصل بك منذ يومين ولا تجيبني..
قال مازن بضجر: منشغل بأعمال والدي..
قالت مها في تلك اللحظة بصوت خفيض: الم تسأم تلك الفتاة؟..
قالت ملاك متسائلة: من هي هذه الفتاة؟..
قالت مها بلامبالة وهي تلوح بكفها: احدى صديقات مازن.. وهي تلاحقه اينما كان.. يبدوا وانها معجبة به بشدة..
قالت ملاك باهتمام: وماذا عنه هو؟..
قالت مها وهي تبتسم بسخرية: هو؟.. هو لا يهتم بأي فتاة ابدا.. ترينه يعجب بفتاة ما في لحظة.. وينساها بعد يوم واحد فقط..
اتسعت عينا ملاك وقالت : ماذا تعنين بالضبط؟..
قالت مها وهي تهز كتفيها: لا شيء سوى ان أخي لا تهمه أي من الفتيات اللواتي حوله ابدا..
لم تفهم ملاك ما تنطوي عليه هذه العبارة.. فقد كانت مها تعني انه يأخذ من الفتيات وسيلة للتسلية ولا يأبه بهن ابدا.. اما ملاك فقد فهمت ان مازن لا يهتم بالفتيات اشباه حنان والتي يلاحقن الشباب..وعادت لتلتفت الى مازن الذي كان يتحدث الى حنان بسخرية ومن ثم لم تلبث حنان ان سارت عنه غاضبة.. وفي الوقت ذاته قال حسام بعتاب: انت من جلبتها لنفسك وعليك ان تتحمل ما جنته يداك..
قال مازن بحدة: انها بلهاء.. لقد اخبرتها منذ البداية انني صديق لها لا اكثر وسيكون كلامنا كله في حدود الصداقة.. ولكنها تصر على انها تحمل لي ما هو اكثر من الصداقة واني لا اهتم بمشاعرها ابدا..
قال حسام وهو يشير اليه: لو لم تتحدث اليها منذ البداية وتطلب صداقتها لما حدث كل هذا.. والآن تحمل نتيجة فعلتك..
قالت ملاك بغتة جعلت الجميع يلتفت لها: كم الساعة الآن؟..
تطلع حسام الى ساعته وقال: السادسة والنصف.. لم؟..
قالت ملاك بسرعة: اريد ان اعود الى المنزل.. سيأتي استاذ اللغة الانجلينزية بعد نصف ساعة..
قال مازن وهو ينهض من على مقعده: حسنا سنعود.. هيا يا مها..
قال حسام متسائلا بدهشة: هل تعرف ملاك يا مازن؟..
قال مازن بابتسامة: اجل .. فهي صديقة مها وستقضي بعض الوقت في منزلنا ريثما يعود والدها من السفر..
التفت حسام الى مها وقال وهو يعقد حاجبيه: لم تقولي لي هذا يا مها..
قالت مها بارتباك وهي تنهض من على مقعدها وتلتقط حقيبتها: لقد نسيت..
اوقفها حسام وقال بشك:اشعر وكأن في الأمر سرا تخفينه عني..
تهربت مها من نظراته وأسرعت خلف مقعد ملاك وقالت: أبدا .. لا شيء..
وأخذت تدفع المقعد بهدوء.. في حين قال حسام وهو يراقبهم وهم يبتعدون: بل هو كذلك يا مها.. وهو يتعلق بتلك الفتاة المدعوة.. ملاك..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كان الهدوء يعم المكان وذلك المنزل الكبير قبل ان يفتح باب المنزل وصوت مها وهي تقول بحدة: ارجوك اصمت فقط وارحنا من سماع صوتك..
قال مازن بابتسامة: لماذا تغارين من صوتي؟.. ما ذنبي اذا كان اجمل من صوتك..
قالت مها بحنق: اصمت فقط..
اما ملاك فقد اكتفت بالصمت ولم تحاول ان تعلق على عبارتهما ..وجاء صوت نادين بغتة ليقطع على مازن ومها شجاراتهم وهي تقول: آنسة ملاك اين كنت كل هذا الوقت؟..
رفعت ملاك رأسها الى نادين وقالت بهدوء: لقد ذهبت الى النادي ..
قالت السيدة نادين باستنكار: ولماذا لم تخبريني؟..
اشاحت ملاك بوجهها ولم تجبها فقالت نادين بهدوء: آنستي أنت تعلمين انني المسئولة عنك .. ولو حصل لك أي شيء سأكون انا الملامة أولا وأخيرا..
قالت ملاك وهي تلتفت لها: عمري ثمانية عشرة عاما ولست طفلة حتى لا أستطيع ان اهتم بنفسي جيدا..
وضعت نادين كفها على كتف ملاك وقالت: انا افهم ذلك جيدا.. ولكن عملي يحتم علي ان اكون بجوارك دائما.. وان اكون محل الثقة التي منحني اياها السيد خالد..
كادت ملاك ان تهم بقول شيء ما.. لولا ان ارتفع صوت رنين هاتف المنزل.. فتوجه مازن اليه ورفع سماعته قائلا: الو.. من المتحدث؟..
صمت مازن للحظات ومن ثم قال مبتسما: اجل.. لحظة واحدة..
والتفت الى حيث ملاك وقال بابتسامة : ملاك.. لدي خبر سعيد لك.. والدك على الهاتف..
صاحت ملاك بفرح: ابي!!..
ومن ثم اسرعت تحرك مقعدها الى ان وصلت الى مازن وقالت بلهفة وشوق: اعطني سماعة الهاتف.. اريد ان اتحدث اليه..
قال مازن وهو يتطلع اليها: مقابل ماذا؟..
قالت برجاء: ارجوك.. اريد ان اتحدث اليه..
قال مازن مبتسما وهو يناولها السماعة: لو كان خطيبك هو المتصل لما كانت لهفتك اليه الى هذه الدرجة..
لم تستمع ملاك الى حرف واحد مما قاله مازن بل اختطفت السماعة وقالت بلهفة كبيرة: أبي اشتقت إليك كثيرا..
قال خالد بحنان: وأنا كذلك يا ملاك.. اخبريني يا ملاك ما هي اخبارك؟..
قالت ملاك متسائلة:انا بخير يا ابي..كيف حالك انت؟..و منذ متى وصلت ؟.. ومتى ستعود؟..
ضحك خالد وقال: رويدك يا ملاك.. انا بخير.. وانا اتحدث اليك الآن من المطار لأني قد وصلت لتوي اليه.. وسأعود بعد اسبوع ان سارت الأمور كما يجب..
قالت ملاك برجاء: ابي عد سريعا أرجوك..
تساءل والدها وهو يعقد حاجبيه: ما هي أحوالك مع عمك وابناءه؟..
تطلعت ملاك الى مازن ومها ومن ثم قالت: على ما يرام.. لا تشغل نفسك..
قال والدها باهتمام: هل يعاملونك جيدا؟.. وهل حاولوا مضايقتك؟..
- الجميع يعاملني بشكل جيد يا ابي .. لا تقلق.. انت عد فقط .. انا احتاج الى وجودك الى جانبي كثيرا..
قال والدها وهو يتنهد بارتياح: حمدلله.. لقد أرحتني يا صغيرتي .. لو ضايقك احدهم او تضايقت من العيش معهم.. اخبريني حتى أتصرف..
واردف قائلا:والآن يا صغيرتي .. سأنهي المكالمة.. اراك بخير واهتمي بنفسك جيدا.. سأعود ومعي قفص الطائر الذي طلبته..الى اللقاء يا ملاكي الصغير..
قالت ملاك والدموع تترقرق في عينيها: الى اللقاء يا ابي..
قالتها وأغلقت سماعة الهاتف وهي تتنهد بحزن. . فقال مازن وهو يهز رأسه وهو جالس على إحدى المقاعد: لو كنت اعلم ان هذه المحادثة ستجعلك تبكين من جديد.. لما منحتك السماعة منذ البداية..
قالت مها باستنكار: مازن .. ماذا تقول؟..
واردفت وهي تقترب من ملاك وتربت على كتفها: لا عليك انه يمزح..
قالت ملاك بصوت مختنق: اعلم..
واردفت وهي تستدير عنهم: عن اذنكم..
قالت مها لمازن وهي تراها تبتعد عنهم: الم تكن تستطيع تأجيل حديثك هذا قليلا؟..
قال مازن وهو يهز كتفيه: لقد اردت ان اجعلها تنسى حزنها قليلا..
قالت مها بعتاب: ملاك ليست مثلي.. انا يمكنني ان اتقبل مزاحك وسخريتك.. ولكن هي ربما لا.. انت اعلم بظروفها ..
اومأ مازن برأسه ومن ثم قال: بلى اعلم بظروفها اكثر من أي شخص آخر..
ومن ثم نهض من على مقعده وقال: سأذهب الى غرفتي..
ابتسمت مها وقالت: ومن سألك عن مكان وجهتك الآن..
تطلع لها مازن بنظرة طويلة قبل ان يلتفت عنها ويصعد درجات السلم..امام مها فقد التفتت الى باب غرفة ملاك وتوجهت لها .. ولكن اوقفها بغتة صوت رنين هاتفها المحمول.. فالتقطته من حقيبتها وابتسمت ابتسامة واسعة وهي ترى رقم حسام يضيئه وأجابته بلهفة مازحة: اهلا حسام.. الم تصبر على فراقي بهذه السرعة؟..
قال حسام بابتسامة: تحلمين.. لقد اتصلت فقط لاعرف منك بعض الامور..
استغربت مها حديثه وقالت بحيرة: أي امور هذه التي تود معرفتها؟..
قال حسام وهو يضغط على حروف كلماته: عن تلك الفتاة المدعوة ملاك..
قالت مها بتلعثم: صديقتي.. ماذا بها؟..
قال حسام بشك: لقد قلت انك قد تعرفتي عليها في النادي.. ومع اني لم ارها في النادي ابدا.. الا انني ظننت انني لم انتبه لوجودها به قبل الآن..ولكن عندما رأيت انها فتاة مقعدة ازدادت شكوكي حولها.. فمن مثلها لا يمكن ان تشترك بالنادي..
قالت مها بارتباك: حسام ماذا جرى لك؟.. هل تعمل ضابط مباحث او محقق بالشرطة؟.. الامر لا يستدعي كل هذا .. لقد جاءت الى النادي لمرة او مرتين من قبل لمجرد الزيارة وتعرفت بها خلال هذه الاثناء..
قال حسام بارتياب: لا اعلم لم اشعر انك لا تقولين الصدق..
ازدردت مها لعابها وقالت وهي تحاول ان تنهي الموضوع: بل انا كذلك.. استمع الي.. اتصل بي بعد قليل.. فلدي مكالة اخرى.. الى اللقاء..
قالتها دون ان تستمع الى جوابه.. وفي الطرف الآخر قال حسام وهو يبتسم بزاوية فمه: لا تزالين لا تعرفين الكذب علي يا مها.. استطيع ان اكشف كذبك من ارتباك صوتك وتلعثمه .. ومن إنهاءك السريع للمكالمة.. ولكن سأعلم بكل شيء قريبا.. ان اردت ذلك...
الجزء الرابع
" لماذا؟"
(لم يحضر كمال على العشاء أيضا)
قالها امجد وهو يجلس حول مائدة الطعام وتبدوا على ملامحه العصبية.. واردف بحدة: الى متى سيستمر هذا الشاب في تصرفاته؟..
قال مازن بهدوء: لا عليك يا والدي.. سيأتي بعد قليل..
انفعل والده وقال: منذ نصف ساعة وانت تقول لي مثل هذا الكلام.. لو كان سيأتي لجاء مبكرا..
واردف قائلا: اتصل به بسرعة واطلب منه ان ياتي فورا..
- حسنا يا والدي سأفعل.. اهدئ انت فقط..
نهض مازن من مكانه واتجه الى الطاولة الصغيرة القريبة من المائدة ليلتقط هاتفه المحمول ويتصل بكمال.. اما ملاك فقد استمرت في تحريك الملعقة كعادتها في الطبق دون هدف.. فقالت مها بعطف: ملاك .. لماذا لا تأكلين؟..
قالت ملاك بابتسامة باهتة وهي ترفع رأسها الى مها:من قال هذا؟..
قالت مها وهي تشير الى طبقها: طبقك المليء بالطعام..
تركت ملاك الملعقة من يدها وقالت وهي تتنهد: لا اشعر برغبة في ذلك..
قالت مها متسائلة: ولماذا؟.. ان كان والدك هو السبب.. فقد اتصل بك اليوم وتحدث اليك كما وعدك..
قالت ملاك بصوت خفيض وهي تتطلع الى نقطة وهمية: ليس الامر سهلا كما تظنين.. ان فراق ابي يعني لي فراق العالم بأسره.. اني لا اعرف احدا سواه..
قال مازن الذي سمع صوتها على الرغم من انخفاضه: وماذا عنا.. الا تعرفينا ايضا؟..
قالت ملاك وهي تلتفت له: ولكن ليس مثل ابي..
هز مازن كتفه وسار ليكمل طريقه ولكنه اصطدم بالملعقة المجاورة بملاك دون قصد.. فانحنت ملاك لتلتقطها.. ولكن مازن كان الاسرع الذي انحنى وقال بابتسامة وهو يعيد وضع الملعقة على الطاولة وينهض واقفا : لا تتعبي نفسك..انا من أسقطها وانا من عليه ان يحضرها..
وجدت ملاك نفسها تزدرد لعابها وتقول بصوت خافت: شكرا لك..
((خذي دميتك))
((شكرا لك))
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره وهو يحاول فهم مادار بذهنه.. أي كلمات تلك التي مرت بباله.. ومن قالها؟.. أيكون هو؟.. ولماذا قالها ومتى؟.. ولماذا جالت بذهنه الآن؟..لم يستطع الاجابة على أي من تساؤلاته وهو يعود الى مقعده.. ويلتقط الملعقة ليتناول طعامه من جديد..ولكن.. لماذا لم تدر هذه الكلمات في ذهنه الا عندما جاءت ملاك الى منزلهم؟.. لماذا؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
جلست مها في غرفتها بعد العشاء وهي تشعر بالتعب وهي ترى أكوام الكتب امامها على الطاولة.. وقالت بضجر: لقد تعبت..
واردفت بسأم: لا اعرف حل لهذه المعادلة الحسابية.. لقد سأمت..
نهضت من على المقعد ورمت بنفسها على الفراش بتعب.. واخذت تفكر بأي شيء غير الكتب التي لا تزال مفتوحة .. وفجأة قالت بابتسامة: ربما كان حسام يعلم حل هذه المعادلة..
وكأنها لم تكن تريد الا أي حجة لتتصل به.. فالتقطت هاتفها المحمول واتصلت به قائلة بابتسامة: الو .. اهلا حسام كيف حالك؟..
عقد حسام حاجبيه وقال: انا بخير.. ماذا بك يا مها ولم تتصلين في هذه الاثناء..
قالت مها وهي تتوجه نحو الطاولة وتجلس خلفها: لدي معادلة حسابية ولا اعرف حلها.. ولم اجد سواك ليساعدني على ذلك..
قال حسام بابتسامة: مها.. ماذا جرى لك؟ .. انسيت ان تخصصي مختلف تماما عنك؟..
قالت مها وهي تلتقط قلمها وتقلبه بين اصابعها: لم انسى.. ولكن..لم اجد من يساعدني سواك..
ادرك حسام منذ البداية انها لم تتصل من اجل المعادلة الحسابية وقال بمكر: ومن قال لك اني اعرف حل هذه المسائل؟..
قالت بابتسامة: لقد حللت معي سابقا مسألة مماثلة لها..
قال حسام وهو يجلس على طرف فراشه: مشكلتك انك لا تعرفين التمثيل والكذب..ولكن لا يهم اخبريني الآن بما عندك..
اخبرته مها بالمسألة.. فحاول ان يشرح لها طريقة حلها بهدوء.. اما الاولى فقد كان اعجابها به يزداد.. لقد كانت معجبة به منذ ان كانت طفلة ..لا تنكر هذا.. وتولد شعور بداخلها تجاهه مع الايام كلما يأتي الى منزلهم من اجل مازن او كمال.. كانت تلعب معه احيانا وهي صغيرة..واحيانا اخرى كانت تلعب معه هو واخوتها.. وحتى عندما كان كمال يرفض اشراك فتاة في اللعب.. كان حسام يدافع عنها.. منذ ان كانت طفلة وهي تراه فارس احلامها الذي يذود عنها..ولكن.. مشكلتها هي انها لا تعرف مشاعر حسام تجاهها.. احيانا تشعر به يهتم بها.. واحيانا يعاملها كأخت له تماما.. ولكن لم تعلم ابدا بما يخفيه في قلبه.. واذا كان يحمل لها ذات الشعور الذي تحمله له..
وقال حسام عندما انتهى من شرح الحل لها: والآن هل فهمت الطريقة..
قالت بتأكيد وثقة: بالطبع ما دمت قد شرحتها لي..
قال حسام بهدوء: حسنا اذا ما دام الامر كذلك.. فالى اللفاء..
اسرعت تقول: حسام انتظر..
قال حسام بابتسامة: منذ البداية وانا انتظر الموضوع الاساسي لاتصالك.. اخبريني ما هو؟..
ازدردت لعابها وقالت : الموضوع الاساسي؟.. لا يوجد أي موضوع اساسي.. فقط أردت ان أسألك ان كنت ستأتي غدا لمنزلنا ام لا..
قال حسام متسائلا: وما الداعي لحضوري؟..
مطت مها شفتيها وقالت: لا يوجد أي داع ابدا.. الى اللقاء..
قال حسام بابتسامة واسعة: اراك في النادي اذا.. الى اللقاء..
انهت مها المكالمة لتضع الهاتف على الطاولة ومن ثم تعود لترمي بنفسها مرة اخرى على الفراش.. وقالت وهي تتنهد: احيانا اتخيل او ربما اتوهم انك تحمل لي مشاعر ما في قلبك يا حسام ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت ملاك من نافذة غرفتها الى النجوم المتلألأة في السماء.. والتي بدت كماسات تبرق في ثوب الليل الممتد بلا نهاية ..كانت شاردة الذهن.. تفكر في اشياء كثيرة.. ولكن محور تفكيرها كان ابيها..واطرقت برأسها للحظة لتتطلع الى القلادة التي حول عنقها.. كانت على شكل قلب يتوسطه قلب متأرجح.. كانت القلادة التي اهداها لها والدها ذلك اليوم..
شعرت بملل شديد وهي لا تشعر بأي رغبة في النوم.. خصوصا وان المكان غريب عليها ولم تعتد النوم الا في منزلها وفي غرفتها..القت نظرة سريعة على ساعة يدها التي كانت تشير عقاربها الى الثانية بعد منتصف الليل.. وتنهدت قائلة وهي تتطلع الى السماء من جديد: يا لهذا الليل الطويل.. متى تشرق الشمس؟ ..
حركت عجلات مقعدها الى حيث حقيبتها.. وتطلعت الى مجموعة من الكتب والروايات التي جلبتها معها الى هنا.. ولكنها لم تشعر بأي رغبة في القراءة..لذا وجدت نفسها تحرك عجلات مقعدها من جديد الى الباب ومن ثم تحرك مقبضه وتدفعه بهدوء..وتخرج الى الردهة التي كانت اشبه بصورة ثابتة.. لا يتحرك فيها أي شيء.. ولا يسمع فيها أي صوت سوى صوت انفاسها .. ودارت بعينيها في ارجاء الردهة قبل ان تحرك عجلات مقعدها وهي تشعر بالخوف.. الخوف من الوحدة.. الخوف من الظلام.. الخوف من كل شيء.. ووجدت قبضتاها تنقبضان على عجلتي المقعد.. تمالكت نفسها وحاولت ان تهدئ نفسها .. وهي تردد ان ليس هناك ما يخيف.. فالصمت يعم ارجاء المكان و...
وبغتة سمعت صوت ما..صوت حركة ما.. فانتفضت بقوة .. وسرت في جسدها ارتجافة خوف..وهي منكمشة في مكانها لا تقوى على الحراك.. ودون ان تحاول رفع عينيها .. سمعت الباب الرئيسي للمنزل يفتح.. ازداد خوفها وهي نخشى ان يكون القادم لصا.. حاولت العودة من حيث أتت.. ولكن يداها لم تطيعاها في تحريك عجلتي المقعد.. رفعت عيناها بخوف وهي تزدرد لعابها وشاهدت ذلك الظل الاسود يدخل الى لمنزل بهدوء شديد ..وبينما هو يسير الى حيث الدرج.. التفت بغتة الى اليسار.. الى حيث تجلس ملاك! ..وهنا اخذ قلب ملاك يخفق بقوة وخوف وشعرت بانمالها ترتجف ..ولكن سمعت صوت ذلك الظل فجأة وهو يقول: من هناك؟..
ارتجفت مرة اخرى.. ولكن تذكرت انها سمعت هذا الصوت من قبل وانها تذكره.. رفعت رأسها الى الواقف عند السلم وقالت وهي تزدرد لعابها بتوتر: انا..هل انت كمال حقا؟..
تنهد كمال وقال: لقد ظننت ان هناك متسللا دخل الى المنزل..
وابتسم بسخرية وهو يتحدث الى نفسه: ( مع اني حالك لا يختلف كثيرا)..
في حين قالت ملاك وهي تحاول تمالك اعصابها: لقد ظننت الشيء ذاته عندما رأيتك تدخل الى المنزل..
قال متسائلا وهو يعقد حاجبيه: ما الذي يبقيك مستيقظة حتى هذه الساعة المتأخرة؟..
زفرت ملاك بحدة وقالت: انه الارق.. وانت اين كنت حتى هذه الساعة المتأخرة؟..لقد سأل والدك عنك كثيرا..
التفت كمال عنها وقال بلامبالاته المعهودة: اهتمي بشؤونك ولا تتدخلي في خصوصيات غيرك..
ارتفع حاجبا ملاك بمزيج من الدهشة والالم وتطلعت اليه للحظة قبل ان تقول وهي تطرق برأسها بمرارة وتدير عجلات مقعدها: معك حق.. لم يكن علي التدخل في خصوصيات الغير..
قالتها وتوجهت الى غرفتها.. واغلقت الباب خلفها بقوة.. وقالت بمرارة وهي تشعر بغصة تملأ حلقها: ما الذي فعلته له حتى يعاملني هكذا؟.. ما الذي فعلته؟..
ووجدت نفسها تتوجه نحو السرير وهي تشعر بدموعها تترقرق في عينيها.. وترفع جسدها من المقعد بالم ومرارة.. عضت على شفتيها وهي تجد نفسها تفشل في رفع جسدها فقالت بعصبية: لماذا؟..لماذا؟.. تبا.. تبا..
نجحت أخيرا وارتفع جسدها لتجلس على الفراش وتترك لجسدها الفرصة ليرتاح.. تنهدت بحزن قبل ان تلقي برأسها على الوسادة..وعلى الرغم من حزنها وجدت نفسها تغط في النوم.. نوم عميق وبلا أحلام...
ولكن اسمحوا لي ان اقول لملاك..انها البداية فقط.. وان ما تراه اليوم.. هو ابسط شيء قد يواجهها في حياتها هذه المليئة بالصراعات...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ضوء الشمس القوي سقط على عيني ملاك.. ليجعلها تعقد حاجباها بقوة .. ومن ثم تغطي وجهها بالغطاء وهي تقول وهي تشعر بالنعاس: اريد ان انام يا ابي..
شعرت نادين التي فتحت ستارة الغرفة بالاشفاق تجاهها وهي تسمعها تقول عبارتها تلك.. وقالت بصوت هادئ: آنستي انها الساعة العاشرة.. الن تستيقظي؟..
قالت ملاك وهي تتثاؤب: لا .. انا متعبة لم انم امس الا في ساعة متأخرة..
قالت نادين متسائلة: ولماذا؟..
فتحت ملاك احدى عينيها وقالت وهي تبعد الغطاء عن وجهها: لقد شعرت بالارق ولم استطع النوم و...
بترت ملاك عبارتها وارتسم على ملامحها الحزن وهي تتذكر ما حصل بالامس والكلمات التي قالها لها كمال..ولكن نادين لم تنتبه لذلك وهي تقول بابتسامة: ذلك لانك لم تعتادي النوم هنا بعد.. والآن هيا استيقظي..
قالت ملاك وهي تعتدل في جلستها: اخبريني اولا من يوجد بالمنزل؟..
قالت نادين وهي تقترب منها وتضع الوسادة خلف ظهرها: لا احد يا آنستي سواك انت وانا و الخدم..
قالت ملاك بدهشة: واين ذهب الجميع؟..
قالت نادين بهدوء: السيد امجد والسيد مازن غادرا الى الشركة منذ الساعة الثامنة صباحا.. اما السيد كمال والآنسة مها فقد ذهبا الى الجامعة منذ ساعة..
قالت ملاك بهدوء مماثل: فليكن.. ساستبدل ملابسي واخرج لأتناول الفطور..
قالت نادين وهي تهم بالخروج من الباب: سيكون الفطور جاهزا..
قاليها واغلقت الباب خلفها.. اما ملاك فقد استبدلت ملابس النوم.. بفستان ذا لون وردي.. جعلها تبدو كالزهرة المتفتحة.. ورفعت خصلات شعرها بواسطة ربطة شعر من اللون ذاته..تطلعت الى نفسها في المرآة لتطمأن الى شكلها ومن ثم لم تلبث ان غادرت الغرفة وهي تتوجه الى طاولة الطعام.. رأت الطاولة خالية الا منها وقالت بابتسامة مريرة: الامر لم يختلف كثيرا عن وجودي بالمنزل..
قالت نادين التي كانت تقف قريبة منها: آنستي لقد اتصل استاذ الرياضيات منذ قليل وقال انه سيأتي بعد ساعة..
هزت ملاك كتفيها بعدم اهتمام.. ومن ثم شرعت تتناول افطارها بصمت وهدوء..وان لم تكن تشعر بمذاق أي شيء مما تتناوله..وما لبثت ان قالت بعد انتهاءها من تناول طعام الفطور:أريد ان أذهب للتنزه في الحديقة الخارجية..خذيني الى هناك..
قالت نادين بابتسامة: كما تشائين آنستي ولكن الجو بارد بالخارج .. اذهبي لترتدي ملابس أكثر دفئا..
قالت ملاك وهي تحرك مقعدها: لا اريد..
- ولكن آنستي الجو بارد..
قالت ملاك باعتراض: انا احب الخروج في جو كهذا وبملابسي الاعتيادية..
قالتها وواصلت طريقها فقالت نادين باستسلام: كما تشائين..
غادرت المكان مع نادين الى الحديقة الخارجية للمنزل.. وتطلعت ملاك حولها بابتسامة وقالت وهي تلتفت الى نادين: خذيني الى حيث توجد الزهور..
قالت نادين مداعبة: انها تجلس امامي..
اتسعت ابتسامة ملاك وقالت وهي تشعر بالهواء البارد يداعب شعرها ووجنتيها: هيا خذيني الى حيث الزهور..
قالت نادينة وهي تدفع مقعد ملاك بهدوء: لست اعلم اين توجد الزهور في هذه الحديقة.. ولكن لنبحث عنها..
أخذت نادين تدفع ملاك أمامها في تلك الحديقة الواسعة.. والممتلأة بالحشائش والأشجار.. وقالت ملاك بغتة: إنها هناك ..
قالتها وأشارت بيدها الى الجانب الأيسر لها..فدفعت نادين المقعد وتوقفت بها امام حوض الأزهار تماما..فأغمضت ملاك عينيها وهي تتنهد.. ورسمت على شفتيها ابتسامة حالمة وقالت: كم أتمنى ان ابقى هنا طويلا..طويلا جدا..
شعرت بنسمات الهواء الباردة تعود لتداعب وجنتيها وتحرك خصلات شعرها الاسود..فتحت عينيها وتطلعت الى الطيور المحلقة في ذلك الفضاء.. وارهفت السمع الى صوت الرياح.. ومن قم لم تلبث ان مدت يدها لتداعب زهرة ما و...
(حذار ان يجرحك شوكها)
تراجعت ملاك بيدها اثر الصوت الذي سمعته.. واسرعت تلتفت الى القادم نحوهم وقالت بدهشة: مازن.. الم تذهب الى الشركة مع ابيك؟..
ابتسم مازن الذي كان يرتدي زيا مكونا من بنطال وسترة ذا لون بني قاتم وقميص ذا لون بني هادئ (البيج) .. ولم يكن يرتدي أي ربطة للعنق..فمازن لم يكن يحب ارتداء ما يخنقه كما كما يقول..وقال: بلى.. ولكني عدت.. فقد شعرت بالملل..
وتساءل قائلا: اخبريني .. ما الذي تفعلينه هنا؟..
هزت كتفيها وقالت: كما ترى ..اتطلع الى الطيور .. اداعب الزهور.. واستمع الى صوت الرياح..
قال مازن بسخرية: تستمعين الى صوت ماذا؟..
وقبل ان تجيبه ملاك.. التفت الى نادين وقال: هل لك ان تحضري لي كأس من الماء؟..
قالت نادين مترددة: وماذا عن ملاك؟..
قال مازن بهدوء: سأبقى معها ولن اتحرك من مكاني ريثما تعودين..
اومأت نادين برأسها وقالت : حسنا اذا.. لن اتأخر..لحظات وأعود ..
في حين قالت ملاك وهي تتطلع الى البعيد: قد تظن اني طفلة لو أخبرتك انني أحيانا أتحدث الى الزهور .. لاني لا اجد سواها لأتحدث اليها.. على الاقل .. اشعر اني أستطيع ان أتحدث كما يحلوا لي.. وانها لن تتضايق مما سأقوله ابدا..
تطلع لها مازن بدهشة وحيرة.. تتحدث الى الزهور.. وتستمع الى الرياح.. أمجنونة هذه الفتاة؟..في حين اردفت ملاك وهي تغمض عينيها: الوحدة شعور صعب يجعلك تتحدث الى كل ما حولك.. والى أي شيء كان..
قال مازن بهدوء غير عابئ لما تقوله: الجو بارد.. ادخلي الى المنزل الآن..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا اريد..
قالت السيدة نادين بغتة: دعها انها عنيدة.. لن تفعل الا ما تريده هي..
التفط مازن كأس الماء من نادين وأخذ يشربه في حين عادت ملاك لتفتح عينيها وقالت مبتسمة: وهل أفوت على تفسي مشاهدة مثل هذا المنظر الجميل؟.. على الاقل قبل ان يصل الأستاذ واكون محتجزة في المنزل لأكثر من ساعة..
ما ان انتهت من عبارتها حتى عادت الرياح لتلفح وجهها ولكن هذه المرة بشدة اكثر.. وبنسمات باردة.. جعلت جسد ملاك يقشعر.. فقال مازن وهو يزفر بحدة: هل ستظلين بالخارج حتى تمرضي.. هيا ادخلي الى المنزل وارتدي على الاقل ما يدفئك..
قالت ملاك بعناد طفولي: لا..
ابتسم مازن وقال: معك حق يا سيدة نادين.. انها عنيدة حقا..
مدت ملاك يدها في تلك اللحظة وداعبت زهرة ما ذات لون وردي يشبه لون فستانها.. فقال مازن وهو يخلع سترته ويقترب منها: ولم لا تقطفينها ما دامت تعجبك؟..
قالت ملاك باعتراض: ان قطفتها ستبتعد عن بقية الوردات وستذبل بين يدي.. ولكن ان بقيت في مكانها فستزهر دائما..
ارتسمت ابتسامة على شفتي مازن وقال وهو يضع سترته على كتفيها: معك حق.. ستكون بحال جيدة ان بقيت مكانها ..
التفتت ملاك بدهشة الى مازن .. ورفعت حاجباها باستغراب لتصرفه.. ولكنها لم تلبث ان تذكرت والدها وما يفعله لها كلما احست بالبرد..لقد كان يخلع سترته ويضعها على كتفيها تماما كما فعل مازن!.. ازدردت ملاك لعابها وتطلعت اليه لوهلة قبل ان تقول بابتسامة مرتبكة: شكرا لك..
قال مازن مبتسما: لا عليك..
وظل صامتا وهو يعتدل في وقفته ويتطلع الى أي شيء مما حوله..في حين وجدت ملاك نفسها تقول: ولكن الن يغضب والدك ان غادرت العمل هكذا؟..
قال مازن بسخرية وهو يطوح بحجر صغير بعيدا: بلى.. ولكننها رغبته ..
قالت ملاك متسائلة: رغبته؟.. وكيف؟..
قال مازن وهو يلتفت لها: هو من أرادني ان اعمل معه.. لم أكن اريد ذلك ولكنه أرغمني على هذا العمل الذي اكرهه.. لهذا عليه ان يعلم اني من المستحيل ان اجد نفسي في عمل ابغضه ولا احتمل القيام به..
تطلعت له ملاك لوهلة ومن ثم قالت: ولكن يجب عليك مساعدة أبيك..
قال مازن وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله: وها انذا افعل.. ولكن على طريقتي الخاصة..
ترددت ملاك قليلا قبل ان تقول: ولكن هذا يعتبر خداعا له..
- فليكن ما يكون.. اريد ان اعمل في عمل اجد نفسي فيه لا ان اعمل في عمل أكون مرغما على ادائه.. كل ما يهم والدي ان أكون الى جواره فقط.. وماذا عني ايظن ان ليس لي طموح اتمنى تحقيقه..
صمتت ملاك ولم تجد ما تقول.. فقال مازن بهدوء: الم يحن الوقت للدخول؟.. الجو يزداد برودة..
ابعدت ملاك السترة عن كتفيها وناولتها لمازن وقالت بابتسامة باهتة: اعلم انك تشعر بالبرد .. لهذا خذها..
قال مازن باستنكار: لا.. انت فتاة ويجب علي ان...
قاطعته ملاك لتقول بهدوء: فليكن .. سأدخل الى الداخل.. حتى أريحك من عبئي عليك..
قالتها وحركت عجلات مقعدها بكلتا يديها وقد عادت اليها ذكرى الامس.. وما دار بينها وبين كمال.. وتساءلت للمرة العاشرة.. لماذا؟...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قالت مها بمرح وهي تودع صديقتها عند مواقف الجامعة: الى اللقاء اراك غدا.. ولا تنسي اتصلي بي لتخبريني ما حدث..
قالت صديقتها مبتسمة: بكل تأكيد لن أنسى.. الى اللقاء..
لوحت لها مها بيدها وهي تجري مبتعدة دون ان تنتبه لعيني ذلك الشاب الذي اخذتا تراقبانها وهي لا تزال تلوح بيدها.. وقال ذلك الشاب بغتة وهو يراها تقترب منه: كيف حالك يا ايتها الجميلة؟..
التفتت مها بحدة الى مصدر الصوت.. وارتفع حاجباها بدهشة وهي ترى الواقف امامها .. وزفرت بحدة وهي تقول: أرعبتني يا حسام؟؟
قال حسام مبتسما: احقا؟.. تستحقين ان تصابي بالرعب بكل صراحة..
قالت مها وهي تضع كفها عند خصرها: ولماذا؟..
ولكنها اردفت بحيرة: ولكن اخبرني.. هل انتهت محاضراتك في مثل موعد انتهاء محاضراتي؟..
قال بهدوء: بل قبلها بنصف ساعة.. ولكن أخذني الحديث مع احد الاصدقاء ولم اشعر بالوقت حينها.. وبعد مغادرته.. رأيتك وانت تغادرين الجامعة..
قالت مبتسمة: من الغريب ان تنتظرني.. انها المرة الاولى التي تفعلها..
- اولا انا لم انتظرك بل رأيتك مصادفة.. وثانيا اظن انها ستكون المرة الاخيرة..
ضحكت مها بمرح وقالت: لن تستطيع..
رفع حاجبيه باستخفاف وقال: ولم؟..
قالت مبتسمة وهي تتطلع الى مبنى الجامعة: لاننا في جامعة واحدة.. وسأراك كثيرا رغما عنك..
قال وهو يلوح بكفه مغيرا جفة الحديث: اخبريني هل هناك من سيوصلك.. ام أوصلك انا؟..
ومع انها لمحت سيارة والدها الذي يرسلها لها الى الجامعة مع السائق .. الا انها قالت: لا ادري لقد تأخر السائق كثيرا ولا اريد ان اتأخر على المنزل..
صمت حسام قليلا ومن ثم قال : حقا؟.. هل تأخر السائق يا مها؟ ..
اومأت برأسها وهي تزدرد لعابها.. فقال وهو يشير الى بقعة ما ويبتسم: وماهذه السيارة التي تقف هناك اذا؟.. اليست سيارتكم؟.. والسائق.. اليس السائق الخاص بوالدك؟..
قالت مها بحنق وهي تحرك قدمها بعصبية: بلى هو.. لم اره.. الى اللقاء الآن..
قال في سرعة: انتظري..
التفتت له وقالت بحدة: ماذا؟..
قال بابتسامة جذابة: لا يهون علي ان تذهبي وانتي متضايقة هكذا.. اذهبي الى السائق واطلبي منه ان يغادر.. وسأوصلك انا..
قالت بفرحة لم تستطع ان تكتمها بداخلها: حقا؟؟.. سأذهب اليه في الحال..
ومن ثم تنبهت الى نفسها فقالت بخجل: اعني حتى لا أأخره عن والدي..
ابتسم حسام وهو يراها تبتعد وتبلغ السائق حتى يغادر.. وما ان غادر السائق حتى أسرعت بخطواتها اليه وقالت بابتسامة واسعة: هاقد غادر السائق..
قال وهو يلتفت عنها: اتبعيني اذا الى حيث سيارتي..
قالت وهي تسير الى جواره: لا احب ان اتبع احد..
التفت لها وفي عينيه نظرة استخفاف.. ومن ثم واصل طريقه الى حيث السيارة.. ففتح قفلها عن طريق جهاز التحكم عن بعد.. واشار لهاحتى تركبها.. وابتسمت مها بسرور وهي تدلف اليها.. صحيح انها ليست المرة الأولى التي يوصلها فيها حسام الى مكان ما.. ولكنها مع هذا تشعر بسعادة كبيرة كلما شعرت بنفسها قريبة منه..
في حين استقر حسام خلف مقعد القيادة وأدار المحرك لينطلق بالسيارة .. وران الصمت عليهم بضع دقائق.. فقالت مها لتقطع هذا الصمت: ستأتي الى النادي اليوم.. اليس كذلك؟ ..
اومأ برأسه وقال: بلى.. ثم انت تعلمين ذلك.. فلم تسألين؟ ..
قالت متجاهلة عبارته: ما اخبار الدراسة معك؟..
هز كتفيه بالمبالاة وقال: جيدة..
قالت مها بصيق: ولم تجيبيني باقتضاب هكذا؟..
قال مبتسما:ماذا بك؟.. الست أجيب عن أسألتك؟..
اشاحت بوجهها نحو النافذة وقالت بحنق: اجل..
سالها حسام بغتة: ما هي أخبار ملاك؟..
قالت مها بعصبية: وما شأنك بها؟.. ثم هل طلبت توصيلي الى المنزل حتى تسألني عن ملاك؟..
قال حسام بهدوء شديد أثار أعصاب مها: انه مجرد سؤال عابر ..
قالت مها بحدة: اشك في هذا.. وعلى العموم فهي بخير.. اطمأن ..
ضحك وقال: ومن قال انني اردت ان اطمأن عليها؟..
قالت بعصبية: اذا لم تسأل عن أحوالها اذا لم ترد الاطمئنان عليها ..
أوقف حسام سيارته بجوار منزل مها وقال وهو يغمز بعينه: ربما لسبب آخر..
تطلعت له لوهلة دون ان تستشف من قوله أي شيء يروي فضولها .. ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تفتح باب السيارة: أشكرك على توصيلي ..
قال مبتسما: على الرحب والسعة..
ألقت مها نظرة أخيرة على حسام قبل ان تغادر السيارة وتنطلق الى المنزل.. وما ان ابتعد بسيارته حتى أحست بأنها قد فقدت شيئا هاما.. شيئا عزيزا وغاليا واهم من كل ما لديها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
جلس امجد في الردهة يحتسي القهوة.. ويتطلع الى الصحيفة بلا اكتراث.. والتفت الى حيث الدرج للحظات ومن ثم قال وهو يلمح مازن وهو يهبط درجاته: كيف حال العمل بالشركة يا مازن؟..
توقف مازن عن النزول .. وقال وهو يشعر بلهجة والده التي تخفي شيئا ما: على ما يرام.. لم تسأل يا والدي؟..
لم يجبه امجد بل ظل صامتا وهو ينتظر من مازن نزول الدرج.. وقال هذا الاخير وهو يهبط درجات السلم ويقترب من حيث يجلس والده: هل هناك امر ما يا والدي؟..
قال امجد وهو يشير له بالجلوس: انت ابني الأكبر يا مازن.. ويجب ان تكون ذراعي اليمنى في العمل.. اليس كذلك؟ ..
جلس مازن فوق المقعد الذي أشار له والده وظل مازن صامتا فقال امجد بحدة: اجبني .. اليس كذلك يا مازن؟.. ام تفضل ان تكون مجرد فأر يتسلل الى خارج الشركة كل يوم في العاشرة واحيانا حتى التاسعة صباحا؟..
اتسعت عينا مازن وقال وهو يزدرد لعابه: من قال لك هذا يا والدي؟..
قل امجد بسخرية: أتظن اني أحمق لا اعلم ما يدور في الشركة .. انني ارصد كل نفس فيها.. ولكن ابني الأكبر الذي يجب ان يكون قدوة للموظفين يتسلل خارجا كل يوم كالفئران..
قال مازن وهو يكور قبضته: أرجوك ابي لا داعي لمثل هذا الكلام..
- هل لك ان تفسر لي تصرفك هذا اذا؟..
دس مازن أصابعه بين خصلات شعره وقال: انت تعلم منذ البداية اني لا اجد نفسي في هذا العمل.. واني لم اكن ارغب في ان اقوم به..
قال والده بانفعال: وكنت تريدني ان أتركك تعمل لدى شركة اخرى منافسة.. لا.. انت ابني ومن حقي عليك ان تكون الى جوار والدك وتساعده..
قال مازن برجاء: ولكن لي طموح في هذه الحياة يا ابي.. ولو عملت في شركتك فلن أحققه...
اشار له والده بالصمت وقال: كفى يا مازن لقد انتهى النقاش .. وحذار ان تغادر الشركة مرة اخرى والا سيكون لي تصرف آخر معك..
زفر مازن بعصبية وقال: هل تريد أي شيء آخر يا والدي؟..
قال والده باقتضاب : لا..
نهض مازن من كرسيه وأسرع يتوجه الى أي مكان المهم ان يهدئ من اعصابه قليلا..ووجد نفسه امام الباب الرئيسي.. فأسرع يفتحه و ...
(الى اين؟..)
تردد ذلك الصوت الهامس الرقيق من خلفه.. فالتفت الى ملاك ناطقة العبارة السابقة وتطلع اليها للحظات .. في حين ظنت ملاك ان صمته يعني انه لم يسمعها جيدا.. فعادت تكرر عبارتها وقالت بصوت مرتفع أكثر: الى اين تذهب يا مازن؟..
مط مازن شفتيه بغضب ومن ثم قال وهو يستدير عنها: الى الجحيم..
لم يكن الوقت المناسب ابدا لملاك ان تتحدث اليه وهو في هذه الحالة من الغضب.. في حين تطلعت اليه ملاك للحظات بألم ومن ثم لم تلبث ان قالت بمرارة : ما بالكم جميعا؟..الكل يكره ان احدثه..ليتني لم آتي الى هنا.. ليتني لم افعل..
التفت مازن اليها بدهشة وسرعة ومن ثم قال: من تعنين بالجميع يا ملاك؟.. هل هناك من ضايقك؟..
اشاحت بوجهها لتخفي الدموع التي ترقرقت في عينيها ومن ثم قالت بألم: وماذا يهم؟.. انت مثله تماما.. تكره التحدث الي..
عاد مازن ادراجه الى حيث تجلس ملاك وافتعل ابتسامة على شفتيه وهو يقول: لم اقصد محادثتك بهذا الاسلوب.. فقد كانت اعصابي مشدودة بعض الشيء.. ولكن لم تخبريني من الآخر الذي ضايقك..
تطلعت اليه بتردد ومن ثم لم تلبث ان قالت بصوت خافت: كمال..
تساءل باهتمام: وما الذي فعله؟..
- لقد سألته عن شيء ما يعنيه.. فطلب مني ان لا اتدخل في شؤونه وان اهتم بشؤوني فقط..
عقد مازن حاجبيه وقال وهو يهبط الى مستواها: سألته؟.. وعن ماذا سألته؟..
ازدردت ملاك لعابها وقالت: لقد أصابني الارق ليلة البارحة.. ورأيته يدخل في ساعة متأخرة.. فسألته عن سبب تأخيره كل هذا الوقت لأن عمي كان قلقا عليه..
قال مازن بابتسامة باهتة: ملاك.. لا تدعي هذا يضايقك.. فهذه هي عادة كمال.. لا يحب ان يتدخل احد في شؤونه وحتى والدي نفسه.. ثم ان تأخره امر طبيعي فهو يتأخر يوميا عن المنزل..
صمتت ملاك دون ان تعلق على عبارته.. فقال وهو يتطلع اليها: أظن اني ادين لك بالاعتذار عما فعلته قبل قليل.. انا آسف.. واعتذر كذلك نيابة عن كمال.. ولكن لا تتضايقي.. فلا احب رؤية ابنة عمي عابسة هكذا..
التفتت اليه وارتسمت ابتسامة حملت كل ما بداخلها من امتنان له فقال مبتسما وهو يربت على كفها وينهض واقفا: والآن مادمت قد رايتك مبتسمة.. فعن اذنك سأزور احد أصدقائي ..
قالها ولوح لها بكفه.. ولكن ملاك لم تكن تطلع اليه في تلك اللحظة.. بل الى كفها التي ربت عليها مازن.. وشعرت بقشعريرة باردة تجري في جسدها.. وهي تتذكر لمسته لها.. ووجدت قلبها يخفق بقوة..
ولهفة...
الجزء الخامس
"اعجاب"
اخذت مها تتحرك في أرجاء الطابق الأول.. ولم تلبث ان تنهدت بملل.. وهي تهبط درجات السلم الى الطابق الأرضي ..وتوجهت الى غرفة ملاك لتطرق الباب عدة مرات ولما لم تسمع جوابا فتحت الباب ودلفت الى الداخل لتقول بهدوء: ملاك.. هل انت نائمة؟..
وعقدت حاجبيها وهي تتطلع الى ارجاء الغرفة الخالية من ملاك .. وسمعت بغتة صوت نادين تقول من خلفها: الآنسة ملاك ليست هنا .. انها بالردهة ..
قالت مها بحيرة: من الغريب ان تخرج ملاك الى الردهة..
قالت نادين بهدوء: لقد فعلت ذلك لأني كنت اقوم بتنظيف وترتيب الغرفة حينها..
فهمت مها الأمر.. فغادرت غرفة ملاك وتوجهت الى الردهة .. وهناك رأتها جالسة على الاريكة وامامها طاولة صغيرة عليها كتابين وبعض الاوراق المبعثرة..وابتسمت مها وهي تقترب من ملاك قائلة: ماذا تفعلين؟..
يبدوا ان ملاك لم تنتبه لقدوم مها فانتفضت بخوف والتفتت الى مها ومن ثم لم تلبث ان قالت بابتسامة باهتة: كما ترين.. ادرس ..
تقدمت مها من ملاك وجلست الى جوارها.. كانت المرة الاولى التي تراها فيها مها بدون مقعدها المتحرك.. تجلس بشكل طبيعي وكأنها سليمة معافاة من أي عجز.. ولكن مها لم تصرح بأي شيء مما دار بخلدها وقالت وهي تتطلع الى الاوراق المبعثرة: يبدوا وانك مجتهدة في دروسك..
تنهدت ملاك وقالت: شيء اشغل به وقتي بدل ان اقضيه وحيدة في القيام بأشياء من غير فائدة..
قالت مها وهي تلتفت لها: ولكنك لم تخبريني بعد.. ما هو تخصصك الذي وقع اختيارك عليه..
قالت ملاك مبتسمة: تخصص تمنى ابي دوما ان اختاره.. انه الأدب..
قالت مها وهي تبتسم: ممتاز .. انه تخصص جميل جدا..
قالت ملاك متسائلة: وانت يا مها.. ماهو تخصصك؟..
قالت مها وهي تعتدل في جلستها وتقول بمرح وبلهجة تمثيلية: بصراحة لقد بحثت عن شيء ما يليق بي .. فلم اجد الا...
(التشريح)
جاءت هذه العبارة الساخرة من بين شفتي مازن وهو يتقدم منهما بعد ان دخل الى المنزل من الباب الرئيسي.. فالتفتت له مها وقالت وهي تستهزئ به: يا لخفة دمك.. أكاد اموت من الضحك..
اما ملاك فقد اعتراها التوتر لأول مرة وهي ترى مازن يقترب منهما ولكنها سرعان ما نفضت هذا الشعور والتفتت الى مها لتقول مكررة: ما هو تخصصك يا مها؟..
قالت مها بكل فخر: الكيمياء..
قال مازن ساخرا وهو يجلس على احد المقاعد القريبة من الأريكة التي تجلسان عليها: لا اظن ان مثل هذا التخصص يصلح لحمقاء مثلك.. فربما تتسببي يوما في تفجير مختبر الجامعة ..
قالت مها بحنق وغيظ: ولا تخصص السياحة يصلح لغبي مثلك.. فقد تتسبب في ايصال كل مسافر لبلد آخر..
لم يأبه مازن بما قالته بل التفت الى ملاك الجالسة على الاريكة بهدوء وقال مبتسما: لم اكن اعلم انك تدرسين الادب من قبل.. اتهوين القراءة ام الشعر؟..
شعرت ملاك بالدهشة من سماعه الحوار بأكمله تقريبا بينها وبين مها.. ثم لم تلبث ان قالت بهدوء: الاثنان معا..
وهبطت عيناه الى الاوراق المبعثرة ومن ثم قال وعيناه تتطلعان الى احد الاجابات التي كتبتها ملاك: انها خاطئة..
قالت ملاك بحيرة: خاطئة؟..أأنت متأكد؟..
اومأ برأسه ومن ثم قال وهو يلتقط قلما ويعيد كتابة الاجابة: انها تحل هكذا..
تابعت ملاك خطوات اجابته وتطلعت له بإعجاب.. في حين قالت مها وهي تمط شفتيها: من اين أشرقت الشمس هذا اليوم؟.. مازن يساعد في حل مسألة ما..
قال مازن بابتسامة واسعة وعيناه تتطلعان الى ملاك: لا تظني اني ما دمت لا أساعدك انت.. فلن اساعد ابنة عمي..
قالت مها بحنق: انك لم تساعد احدا ابدا.. انها المرة الأولى التي تفعل..
- اظن اني حر في تصرفاتي وحر في مساعدة من اشاء..
قالت ملاك بخفوت: ارجوكما لا تتشاجرا بسببي..
ضحك مازن وقال: أتظنين اننا نتشاجر؟.. لا ابدا.. انه مجرد حديث عادي..
ابتسمت ملاك بالرغم منها وهي تراه يضحك .. وشعرت بالتوتر يعود ليراودها..في حين سمعت مازن يقول في تلك اللحظة وهو ينقل بصره بين المقعد المتحرك الذي يجوارها وبين الاريكة التي تجلس عليها:اتعرفين لأول مرة اراك تجلسين على مكان يختلف عن مقعدك..ان جلوسك معنا هكذا افضل بكثير ..
كانت مها تشير لمازن ان يصمت منذ بدأ حديثه ولكن مازن لم ينتبه لها.. في حين كانت ملاك صامتة وما انتهى من حديثه حتى التفتت الى ملاك لترى ردة فعلها.. توقعت ان تغضب.. ان تغادر المكان ولكنها لم تتوقع ابدا ان تقول وعلى شفتيها ابتسامة : اترى ذلك حقا؟..
اومأ مازن برأسه ايجابيا وهو يبتسم..في حين نقلت مها نظراتاها بينهما .. كانت نظرات مازن عادية جدا.. ولكن بالنسبة لملاك.. كانت نظراتها تجمع ما بين الخجل واللهفة.. مها تعلم ان مازن يعتبر ملاك مجرد ابنة عم له لا اكثر ولا اقل..وهو يتحدث اليها كما يتحدث الى مئات الفتيات الاخريات.. ولكن كيف لملاك التي لم تتعلم شيئا من هذا العالم ان تدرك هذا؟..
قالت مها بغتة: ما رأيكم ان نذهب الى النادي الآن؟..
قالت ملاك باعتراض: ولكن لم انهي دراستي بعد..
قال مازن وهو ينهض من مقعده: يمكنك ان تكملي دراستك بعد ان نعود..
واردف دون ان يترك لها مجالا للرفض: سأذهب لأستبدل ملابسي ريثما تجهزان..
تابعته ملاك بانظارها وهو يغادر ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تتحدث الى مها: انه لم يمنحني فرصة للاعتراض..
ضحكت مها وقالت: حتى لا ترفضي الحضور.. والآن هيا.. اسرعي باستبدال ملابسك حتى نغادر..
رفعت ملاك جسدها بكلتا يديها ومن ثم لم تلبث ان قالت لمها بابتسامة شاحبة: هل لك ان تدفعي المقعد الى الامام قليلا..
أسرعت مها تنهض من مجلسها وتقول وهي تتحرك نحو المقعد وتدفعه: بكل تأكيد..
رفعت ملاك جسدها من على الاريكة لتجلس على مقعدها المتحرك اخيرا.. وان شعرت بالضعف لانها احتاجت الى مساعدة مها.. وتحركت بمساعدة مقعدها الى حيث غرفتها ..في حين قالت مها محدثة نفسها وهي تتطلع الى ملاك وتتذكر نظراتها الى مازن منذ قليل: ارجو ان يكون ما افكر به خاطئا يا ملاك.. أرجو ذلك..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
طرقات هادئة سمعها كمال على باب غرفته وهو جالس على طرف الفراش يرتدي حذائه استعدادا للخروج وقال بهدوء دون ان يرفع عينيه الى الباب: ادخل..
فتح الباب واطل من خلفه مازن الذي تقدم منه وقال وهو يتطلع الى ما يفعله: ستخرج ايضا..
قال كمال ببرود: انت ايضا تذهب الى النادي في هذه الاثناء ..
قال مازن وهو يجذب له مقعدا ويجلس عليه: أردت ان أتحدث اليك قليلا يا كمال..
رفع كمال انظاره الى مازن وقال: بشأن ماذا؟..
- ابنة عمك..
قال كمال بلامبالاة مقصودة: أي ابنة عمة فيهن؟..
قال مازن بحزم: انت تعلم اني اعني ملاك..
- وماذا بها الآنسة ملاك حتى تأتي لتحدثني بشأنها؟..
قال مازن دون ان يأبه بسخرية كمال: ابنة عمك ملاك قد جاءت لتقضي اسبوعا واحدا هنا.. فدعه يمضي على خير..
ضيق كمال عينيه وقال : هل اخبرتك هي بشيء؟..
اومأ مازن برأسه ومن ثم قال: بكل شيء..استمع الي يا كمال .. ملاك فتاة عاجزة لا تستحق منك هذه التصرفات .. على الاقل تجاهلها ولكن لا تتحدث اليها بكلماتك الجارحة هذه ..
قال كمال وهو يبتسم باستخفاف: ولم انت مهتم هكذا؟ ..
- لانها ابنة عمي أولا.. ولانها امانة في أعناقنا جميعا ثانيا..
ونهض من مكانه وهو يكمل: فأرجو ان تكون رجلا تستطيع ان تحمل المسئولية وتحافظ على الأمانة التي كلفك بها عمك ..
لم يبد على كمال أي بادرة فعل.. فزفر مازن بحدة وخرج من غرفته .. ليسير بالممر ومن ثم يهبط درجات السلم الى الطابق الارضي..وهناك لم يشاهد أي من ملاك او مها.. فصاح قائلا بصوت عالي: مها.. ملاك.. اين انتما؟..
اقتربت منه احدى الخادمات وقالت بهدوء: لقد رأيت الآنستين يخرجان الى الحديقة يا سيد مازن..
مط مازن شفتيه بملل ومن ثم غادر المنزل الى الحديقة الخارجية .. وهناك سمع صوت ضحكات.. كانت ضحكات مها وملاك.. لأول مرة يسمع ضحكات هذا الملاك الرقيق.. ووجد قدماه تقودانه الى حيث تقف مها وبجوارها ملاك.. وقال مبتسما: علام تضحكان؟..
قالت مها وهي مستمرة في الضحك: لقد سألتني ملاك عن شيء ما في الكيمياء ولم استطع الإجابة عليه..
قال مازن بسخرية: اخبرتك انك لا تصلحين لدراسة الكيمياء و...
قاطعه مها قائلة وهي تشير الى ملاك: وحتى انتقم من ملاك سألتها شيء ما في الأدب ولم تستطع الإجابة عليه هي الأخرى..
ابتسم مازن وقال وهو يعقد ساعديه امام صدره: ربما ارادت ان تجاملك فحسب..
تطلعت اليه بحنق فقال وهو يدير ظهره عنهما: هيا اسرعا لا اريد ان اتأخر..
توجهت مها الى ملاك ودفعت مقعدها بهدوء الى ان اوصلتها الى السيارة ..في حين كانت عينا ملاك معلقة بمازن وابتسامة مرتسمة على شفتيها.. لم تعلم لم شعرت بكل هذا الانجذاب تجاه مازن .. ربما لأنه الوحيد الذي عاملها برقة ولطف.. وربما لأنها للمرة التي تتعامل فيها مع شاب ما..شاب يحترمها ويقدرها ويعاملها بهذا اللطف ..ويشعرها بأنها انسانة مرحب بها وانها فتاة قبل كل شيء.. فتاة من حقها ان تعيش الحياة التي تتمناها .. فتاة من حقها ان تعجب بشاب ما.. ويختاره قلبها من كل الناس من حولها حتى يخفق من اجله.. وتترك العنان لمشاعرها لـ ...
شعرت بأن افكارها قد اخذت اتجاها لم تفكر به بالمرة في حياتها.. بم تفكر؟..بالمشاعر ؟..هل من حقها ان تعجب بشاب ما وتميل اليه؟..هل من حقها ان تحب حقا؟.. ولم لا؟..اليست فتاة كبقية الفتيات؟.. انها كذلك..ولهذا لن تضع أي حاجز امامها يمنعها من ترك الحرية لمشاعرها.. فهاهي ذي تعترف لنفسها انها معجبة بمازن ..ومن يدري ما الذي تخفيه الايام لها ولمصير اعجابها بمازن هذا؟..
توقفت عن الاسترسال في أفكارها عندما وصلت السيارة الى النادي..ووجدت مها تفتح لها الباب.. في حين كان مازن يتوجه نحو حقيبة السيارة ليخرج مقعدها ويقترب به منها.. وقال مازن بهدوء وهو يتطلع باتجاهها: أترغبين في المساعدة؟ ..
هزت رأسها نفيا ومن ثم رفعت جسدها عن مقعد السيارة لتجلس على مقعدها.. اما مها فقد عقدت حاجبيها بحيرة.. انها تذكر ان اول مرة أشار فيها مازن الى حاجة للمساعدة اثار ذلك عصبيتها على نحو واضح.. اما الآن فهي تقابل الامر بهدوء..
هزت مها كتفيها ومن ثم اخذت تدفع مقعد ملاك التي كانت تتطلع الى ارجاء النادي الواسع .. وبغتة سمعت صوت مازن وهو يقول: اهلا حسام ..
لم تستطع مها منع نفسها من الالتفات له بسرعة.. ولم تستطع منع تلك اللهفة التي أطلت من عينيها وهي تطلع الى حسام بقامته الممشوقة وهو يتحدث الى مازن وابتسامته مرتسمة على شفتيه .. ومن ثم لم تلبث ان رأته يلتفت لها ويقول: اهلا مها..
ابتسمت مها ابتسامة واسعة وقالت: اهلا بك.. كيف حالك؟..
- على ما يرام..
ومن ثم لم يلبث ان قال مردفا وهو يوجه حديثه الى ملاك: اهلا آنسة ملاك..كيف حالك؟..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: بخير..
في حين قالت مها بابتسامة مرحة: لم تخبرني ما هي أحوالك بالنادي؟..
قال حسام وهو يشير بإبهامه علامة النصر: ممتازة جدا..
قال مازن وهو يضع احدى كفيه في جيب بنطاله: سأذهب انا الى قسم الفروسية..اذهبوا انتم الى حيث تريدون..
مالت مها باتجاه ملاك وقالت: الى اين تودين الذهاب يا ملاك؟..
هزت ملاك كتفيها وقالت: أي مكان..
توجهت بها الى الكافتيريا ليجلسوا ثلاثتهم حول المائدة.. فقال حسام مبتسما: سأذهب الى قسم الرماية.. اترغبين في الحضور يا مها؟..
قالت مها في سرعة: بكل تأكيد سـ...
وكأنها قد تنبهت الى ملاك للتو.. فقالت بتردد: ولكن ملاك ستبقى وحيدة هنا..
قالت ملاك بابتسامة: لا عليك اذهبي الى حيث تريدين.. لقد اعتدت الجلوس لوحدي حتى اتأمل الطبيعة من حولي..
قالت مها متساءلة: الن تتضايقي حقا لو ذهبت وتركتك وحدك قليلا؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: ابدا..
قالت مها بابتسامة واسعة: لن اتأخر..
كان مبعث فرحتها هو ذهابها مع حسام .. فاسرعت تنهض من على مقعدها لتسير الى جوار حسام الذي غادر المائدة بدوره ..وازدردت لعابها لتقول له: اتعلم ياحسام.. لا ازال اتذكر قبل عشر سنوات تقريبا عندما كنا طفلين وكنا نأتي الى النادي احيانا فتتسخ ملابسنا.. وحينها كنت اتهرب من العقاب واضع اللوم عليك..
قال حسام مبتسما: وانا الاحمق الذي كنت اتحمل عقوبتي وعقوبة طفلة شقية.. من اجل ان لا تعاقبي انت..
ضحكت مها وقالت: أنادم انت على ما فعلت وقتها؟..
التفت لها وقال بابتسامة: ان اردت الحقيقة فكلا.. لست نادم على ما فعلته وقتها ولو عاد الزمن الى الوراء لفعلت الشيء ذاته..
قالت مها بحيرة: وما الذي كان يدفعك لتتحمل عقوبتي انا ايضا؟ ..
قال حسام وهو يهز كتفيه: لا شيء محدد بالضبط.. ولكني اكره ان اراك تتألمين او حتى تتضايقي من أي شيء.. كنت مستعد دائما لتحمل عنك العقاب حتى لا تشعري بأي الم..
مست كلماته شغاف قلبها..وجعلت حلقها يجف من التوتر ..وشعرت كم هو رائع حسام هذا .. كم هو شهم ونبيل معها منذ صغره.. كيف لها ان تجد انسان يساويه شهامته وحنانه هاذين و.. ولكن.. انها لا تزال تجهل مشاعره نحوها..انها لا تدرك ان كان اهتمامه بها ينطوي على مشاعر ما ام لا..
ووجدت مشاعرها تدفعها لسؤاله قائلة: لماذا؟..
ارتفع حاجباه بدهشة وقال: لماذا ماذا؟..
تطلعت اليه بعينين تنطوي على اللهفة وقالت: لماذا كنت تكره ان تراني اتألم؟.. لماذا كنت مستعد لأن تتحمل العقاب عني في كل مرة؟..
التفت عنها وتطلع بنظرات شاردة الى الطريق وقال بصوت خافت النبرات: ربما لأني...
بتر عبارته بغتة مما جعل مها تستحثه على المواصلة قائلة: لأنك ماذا؟..
التفت لها بغتة وقال بابتسامة: ربما لاني اكره ان ارى دموع الفتيات..
قالت مها كالمصعوقة: هااا.. ماذا تعني بقولك هذا؟..
هز كتفيه وقال: ما سمعته.. المهم دعينا من هذا الحديث الآن.. وراقبي مهارتي في الرماية..
لم يكن حسام يعلم عن الغضب والاحباط الذي خلفه في قلب مها.. لقد ارادت ان تسمع ولو كلمة واحدة تشعرها انه يحمل لها ولو القليل من المشاعر.. على الاقل حتى تتمسك بأي امل.. ولكن اجابته لها صدمتها وجعلتها تشعر بفقدان الامل واليأس من وجود مشاعر في قلب حسام لها..وأخذت تراقبه وهو يصوب على الاهداف التي امامه بعيون شاردة لا تريان...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كانت عينا ملاك معلقتان بتلك السماء الصافية.. وهي تتطلع اليها بشرود كبير.. ولكن وعلى الرغم منها وجدت عيناها تهبطان الى حلبة السباق مع اصوات صهيل تلك الخيول .. رأت العديد من المتسابقين يتدربون في حلبة السباق وخصوصا وانه لم يبقى على يوم السباق سوى عدة ايام فقط.. وكل منهم يسعى للحصول على احدى المراكز الاولى.. ومن هؤلاء مازن وكمال ..
مازن الذي تعلقت به عينا ملاك هذه المرة.. وهي تراقب كل حركة من حركاته.. وكل خلجة من خلجاته.. ابتسامته.. نظراته..حركات ذراعيه .. هدوءه.. حزمه .. وحتى طريقة مشيته..ووجدت نفسها تبتسم باعجاب لشخصيته.. بمرحه ولطفه وحنانه..وبحزمه ورجولته ..وجدت قلبها اخذ يخفق في قوة عندما رأته ترك حلبة السباق بغتة واقترب من المكان الذي تجلس عنده بعد ان ترك حصانه لكمال حتى يأخذه الى الإسطبل..
واخيرا رمى بجسده على المقعد المجاور لها وقال متسائلا: أين مها؟..
اشارت الى حيث ذهبت مها مع حسام وقالت وهي تشعر ببعض الارتباك: لقد ذهبت مع حسام الى قسم الرماية منذ قليل..
- لم يكن عليها ان تتركك لمفردك..
قالت ملاك بصوت خافت: لقد اعتدت الجلوس لمفردي..
نهض من مجلسه وقال في سرعة: سأذهب لاحضار العصير لكلينا واعود لأجلس معك.. بدلا من تلك الحمقاء التي تركتك لمفردك..
قالت ملاك وهي تهز رأسها نفيا: لم تود مها تركي لمفردي.. ولكني انا التي اصررت عليها بالذهاب واخبرتها انني استمتع بالجلوس وحدي لأراقب الطبيعة..
قال مازن بسخرية: وتستمعين الى صوت الرياح.. اليس كذلك؟..
اشاحت ملاك عنه بوجهها وقالت وصوتها يحمل بعض الضيق من سخريته: لن تفهم ما اقوله الا لو عشت ظروفا مما ثلة لي..
اشار لها بسبابته قائلا: سأذهب لإحضار العصير ثم سنتناقش في ظروفك هذه..
قالها ومضى عنها.. تاركا اياها تتنهد بحرارة.. من حقه ان يستغرب ما تقوله .. ولكنها حقا بدأت تندمج مع العالم الذي تحياه .. وتصبح جزءا منه.. كيف لا وقد عاشت في هذا العالم منذ ستة عشر عاما.. منذ يوم اصابتها.. وهي تجد هدوءها وشعورها بالراحة بالتطلع الى الطبيعة من حولها.. والاستماع الى صوت الريح.. ليت الجميع يفهم هذا.. ولا يعاملونها على انها فتاة غريبة التصرفات و...
(العصير)
ايقظها من شرودها وافكارها صوت مازن .. اعقبه بأن وضع كأس العصير امامها وقال مبتسما وهو يجلس على مقعده: لقد نسيت ان اسألك عن شرابك المفضل.. لهذا احضرت لك على ذوقي..
تطلعت ملاك الى كأسي العصير ومن ثم قالت مبتسمة: اتفضل شراب البرتقال؟..
اومأ برأسه وقال وقد اتسعت ابتسامته: كما ترين.. انها عادة التصقت بي منذ ان كنت طفلا.. فقد كانت والدتي تعد لنا عصير البرتقال على الغداء كل يوم.. ومنذ ذلك الحين وانا لا اشرب عصير سواه..
وقبل ان تقول ملاك شيئا.. عقد حاجبيه وهو يتطلع لها قائلا: اتعلمين يا ملاك.. لا اعلم لم اشعر وكأني قد التقيت بك من قبل ..
قالت ملاك بدهشة: حقا؟.. ولكن المرة الاولى التي رأيتك فيها هي عندما جئت الى منزلكم قبل يومين..
قال مازن باصرار: ليس قبل الآن بوقت قصير.. بل ربما التقيت بك منذ وقت طويل..أوربما قبل سنوات عدة..
قالت ملاك بمرارة وهي تطرق برأسها: لا اظن.. فأنا لا اخرج من المنزل الا نادرا جدا..
- ربما احدى هذه المرات او...
قاطعته ملاك قائلة: مستحيل.. فخروجي في هذه الحالة ينطوي على الاهمية.. اما للمشفى.. او ذهاب الى مكان ما مع ابي ..
قال مازن وهو يحث نفسه على التذكر: ولكني اشعر اني قد ...
قاطعه صوت احدى الفتيات وهي تقول بصوت مرح: مازن.. ياللصدفة الجميلة الذي اتاحت لي رؤيتك اخيرا..
التفت لها مازن في حدة وكذلك فعلت ملاك.. كانت امامها فتاة تمتلأ رقة ودلالا.. بملامح وجهها الحسناء.. وبابتسامتها الرقيقة.. ووجدت مازن يقول في صوت هادئ: اهلا.. كيف حالك؟..
قالت الفتاة مبتسمة بمرح: في افضل حال مادمت قد رأيتك.. المهم سأذهب الآن لألعب التنس.. لو اردت رؤيتي سأكون هناك..لا اريد الذهاب سريعا ولكن صديقتي تنتظرني..
واردفت وهي تغمز بعينها له: وكف عن ما تفعله قليلا.. فكل يوم اراك مع فتاة جديدة..
واردفت بخبث: واجمل من سابقتها..
اسرع مازن يقول: ان هذه الفتاة هي ملاك صديقة اختي مها.. وانا اجالسها ريثما تعود مها فحسب..
قالت بخبث وهي تتطلع الى ملاك الصامتة: وماذا يهم؟.. اغلبهن صديقات لشقيقتك..
كان يريد ان يخبرها انها ابنة عمه.. ولكنه لم يأبه بها.. فلا تهمه ان علمت انه على علاقة بفتاة جديدة ام لا.. ووجدها تبتعد غير آبهة بملاك.. الذي ظهر على وجهها علامات التساؤل والضيق .. وقالت متسائلة لمازن: هل يمكنني ان اسألك سؤالا؟..
ادرك انها ستسأله عن تلك الفتاة فقال بابتسامة: انها زميلة لي في النادي..
ازدردت لعابها وقالت: وماذا عنت بما قالته لك منذ قليل؟..
اجابها وهو يهز كتفيه بحركة لا مبالية مصطنعة: كما تعلمين.. انني مشترك في قسم الفروسية.. وقد فزت في احدى المرات لهذا فلدي العديد من المعجبين والمعجبات هنا بالنادي ..
خبرة ملاك البسيطة بالعالم الذي حولها جعلها تصدقه ودون ان تشكك في كلماته..وان ظل شعورها بالضيق يلازمها عندما ادركت ان هناك العديد من المعجبات حوله..اما مازن فقد قال وهو ينهض من مجلسه: هاقد جاءت مها .. سأذهب انا الآن..
قالها وغادر المكان..وان خلف وراءه قلبا يتلهف لعودته.. وعينان تترقبان رؤيته من جديد...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كانت نظرات الضيق واضحة في عيني مها وهي تقترب من الطاولة التي تجلس خلفها ملاك.. وكذلك في عيني هذه الأخيرة ..كلاهما كانتا تفكران في شخص ما يشغل تفكيرها عن الاخرى وعن العالم الخارجي بأكمله ..ووجدت مها نفسها تزفر بقوة وهي تجلس على الطاولة وقالت وكأنها تحادث نفسها: لماذا لا يفهم؟..
التفتت لها ملاك وقالت بدهشة: هل تتحدثين إلي؟..
قالت مها وهي تمط شفتيها وتسند ظهرها للمقعد: لا بل أحادث نفسي..
ابتسمت ملاك وقالت: ومن هذا الذي تريدينه أن يفهم؟..
تجاهلت مها سؤالها وقالت: ما رأيك أن نغادر النادي ونعود إلى المنزل؟ ..
قالت ملاك بحيرة: لا يزال الوقت مبكرا..
قالت مها وهي تلوح بذراعها: الم تقولي إن لديك دروس لم تنهيها بعد .. فلنعد اذا لتكمليها..
قالت ملاك بهدوء: لا بأس..
اسرعت مها تخرج هاتفها المحمول من حقيبتها وتتصل بالسائق ليحضر الى النادي .. في حين قالت لها ملاك بعد ان انهت المكالمة: الن تخبري مازن او كمال بمغادرتنا؟..
قالت مها وهي ترفع حاجباها بدهشة: ولماذا افعل؟..
- قد يغضبان ان علما اننا قد غادرنا دون ان نخبرهما..
ضحكت مها وقالت: بل سيغضبان لو اننا اخبرناهما وقطعنا عليهما التدريب.. دعك منهما..
ثم لم تلبث ان استرعى انتباهها كأس العصير الموجود امامها فتساءلت قائلة: كأس من هذا؟..
تطلعت ملاك الى كاس العصير الذي لم يشرب منه مازن الا القليل ومن ثم قالت: انه لمازن..
- هل جاء الى هنا؟..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا.. فقالت مها مستغربة:جاء الى هنا ليجلس معك وترك التدريب .. ياله من شاب متقلب..
تطلعت لها ملاك بحيرة ولم تفهم سر وصف مها لمازن بالمتقلب فجعلت افكارها تتحول الى سؤال اسرعت تهتف به قائلة: ماذا تعنين بأنه شاب متقلب؟..
قالت مها بسخرية: منذ اسبوع فقط كاد ان يتشاجر معي امام كل من في النادي لاني طلبت منه ان يترك التدريب ويأتي ليوصلني الى احد الاقسام..
- ربما كان مشغولا حينها..
هزت مها رأسها نفيا ومن ثم قالت: بل انه يكره ان يساعد أي احد..
قالت ملاك بشك وقلق: لست اظن ان مازن على هذه الصورة..
قالت مها وهي تبتسم بسخرية مريرة: انت لا تعرفينه كما اعرفه انا..
ظهر التساءل في عيني ملاك وقبل ان تجيب مها هذا التساؤل ارتفع صوت رنين هاتف مها المحمول فأجابته قائلة: الو.. اجل.. حسنا انتظر قليلا وسنحضر في الحال..
واغلقت الهاتف لتقول بهدوء: لقد حضر السائق..
- بهذه السرعة..
- لقد كان قريبا من المكان.. هيا فلنذهب..
لم تجد ملاك سببا لمعارضة المغادرة فقالت وهي تزيح خصلات من شعرها عن جبينها: حسنا..
اسرعت مها تنهض من خلف مقعدها وتدفع مقعد ملاك متوجهتان الى الطريق المؤدي الى خارج النادي..وقالت ملاك بابتسامة باهتة في تلك اللحظة: هل سنحضر الىالنادي غدا؟..
قالت مها بابتسامة: ان شئت ذلك..
اطرقت ملاك برأسها قليلا ومن ثم داعبت قلادتها الذهبية وقالت: كان بودي البقاء اكثر حتى ارى جميع ارجاء النادي ولكنك...
بترت ملاك عبارتها عندما لاحظت ان مها لا تستمع اليها بل تتطلع الى يمينها باهتمام.. فالتفتت ملاك بدورها لتشاهد حسام يقترب منهما ويقول مبتسما: الى اين ايتها الهاربتان؟..
قالت مها وهي تمط شفتيها: الى الخارج كما ترى..
قال متسائلا وهو يعقد ساعديه امام صدره ويتطلع الى مها: ولماذا تغادران الآن؟..
قالت مها بحنق: لدي بعض الدروس التي ارغب في ان انهيها .. هل من سؤال آخر؟..
مال حسام نحوها وقال بصوت خافت: وستتصلين بي حتى اشرحها لك .. اليس كذلك؟..
شعرت مها على الرغم منها بانعقاد لسانها وتوتر اطرافها وهي ترى نظراته المثبتة عليها.. وابتسامته الواسعة التي ملأت وجهه ..واسرعت تنتزع نفسها من مشاعرها لتقول وهي تشيح بوجهها عنه: لن اتصل حتى لو لم افهم أي كلمة مما سأدرسه ..
ضحك حسام وقال: لا تقلقي سيكون الشرح مجانا..
تطلعت له مها بغيظ.. الا يفهم هذا الشاب؟..واسرعت تقول وهي تستدير عنه: افضل ان ادفع لمن سيشرح لي ما لم يكن هو انت..
كادت ان تمضي في طريقها لولا ان امسك بذراعهاليوقفها قائلا بجدية: ماذا بك يا مها؟..
قالت ببرود: لا شيء ابدا..
ولكنها اجابت عن سؤاله لنفسها.. قالت بكل اللوعة في اعماقها: ( لقد سأمت يا حسام.. سأمت حقا من كلماتك التي لا تحمل ذرة مشاعر تجاهي.. الا تشعر بحبي لك حقا؟ ..اتظن اني حجر لا تؤثر في كلماتك الأخوية تجاهي.. اريد ان اسمع ولو كلمة واحدة تجدد الامل في اعماقي.. حتى عيناك لا ارى فيهما الا اهتمام فحسب.. لا ارى اية مشاعر.. سأمت هذا كله يا حسام.. اتفهمني؟ ..)
تطلع اليها حسام طويلا ومن ثم قال: بل هناك امر يضايقك يا مها .. اخبريني من الذي ضايقك.. كمال ام مازن؟.. ام احد الزملاء بالنادي؟..
قالت مها بحدة: ولم يجب ان يكونوا هؤلاء؟.. الا يوجد شخص آخر من الممكن ان اتضايق منه؟..
قال بحيرة: شخص آخر؟.. ومن يكون؟..
قالت مها بانفعال: انه يقف امامي..انت..
اتسعت عينا حسام بدهشة من قولها هذا.. حتى ملاك التي كانت تحاول ان تتظاهر بالانشغال بمداعبة قلادتها التفتت لها بحدة وهي تستغرب جرأة مها وردها هذا الذي لم تتوقعه ابدا..
وتوقفت نظرات حسام امام عيني مها وكأنه يحاول ان يعرف ما يدور في داخلها من افكار ومن ثم ابتسم ابتسامة باهتة وقال: مني انا؟.. اصدقك القول اني لم اتوقع هذا الجواب منك.. فطالما حاولت ان اكون سببا في سعادتك وابتسامتك.. لا ضيقك .. ولكنني وجدت نفسي اليوم اكون سببا في ضيق مها العزيزة دون ان اشعر.. اخبريني بالله عليك.. فيم ضايقتك؟ .. وانا مستعد لأشرح لك موقفي كله..
ارتبكت مها أمام نظراته التي تحاصرها.. ارتبكت أمام كلماته التي امتلأت بالاهتمام والحنان تجاهها.. ارتبكت من مسكة كفه لذراعها عندما حاول إيقافها.. وأشاحت بوجهها عنه لتخفي تأثيره عليها عن ناظريه وقالت وهي تزدرد لعابها وتحاول السيطرة على ارتباكها: المعذرة .. لم اقصد.. انسى ما قلته ..
وابتعدت بسرعة عن المكان.. كاد حسام ان يتبعها ولكنه لم يفعل.. ادرك انه لو تبعها فلن تخبره بسبب ضيقها منه ابدا.. لهذا عليه ان يعرف السبب بنفسه.. وان كان قد بدأ يشك في سبب ضيقها ذاك...
الجزء الخامس
"اعجاب"
اخذت مها تتحرك في أرجاء الطابق الأول.. ولم تلبث ان تنهدت بملل.. وهي تهبط درجات السلم الى الطابق الأرضي ..وتوجهت الى غرفة ملاك لتطرق الباب عدة مرات ولما لم تسمع جوابا فتحت الباب ودلفت الى الداخل لتقول بهدوء: ملاك.. هل انت نائمة؟..
وعقدت حاجبيها وهي تتطلع الى ارجاء الغرفة الخالية من ملاك .. وسمعت بغتة صوت نادين تقول من خلفها: الآنسة ملاك ليست هنا .. انها بالردهة ..
قالت مها بحيرة: من الغريب ان تخرج ملاك الى الردهة..
قالت نادين بهدوء: لقد فعلت ذلك لأني كنت اقوم بتنظيف وترتيب الغرفة حينها..
فهمت مها الأمر.. فغادرت غرفة ملاك وتوجهت الى الردهة .. وهناك رأتها جالسة على الاريكة وامامها طاولة صغيرة عليها كتابين وبعض الاوراق المبعثرة..وابتسمت مها وهي تقترب من ملاك قائلة: ماذا تفعلين؟..
يبدوا ان ملاك لم تنتبه لقدوم مها فانتفضت بخوف والتفتت الى مها ومن ثم لم تلبث ان قالت بابتسامة باهتة: كما ترين.. ادرس ..
تقدمت مها من ملاك وجلست الى جوارها.. كانت المرة الاولى التي تراها فيها مها بدون مقعدها المتحرك.. تجلس بشكل طبيعي وكأنها سليمة معافاة من أي عجز.. ولكن مها لم تصرح بأي شيء مما دار بخلدها وقالت وهي تتطلع الى الاوراق المبعثرة: يبدوا وانك مجتهدة في دروسك..
تنهدت ملاك وقالت: شيء اشغل به وقتي بدل ان اقضيه وحيدة في القيام بأشياء من غير فائدة..
قالت مها وهي تلتفت لها: ولكنك لم تخبريني بعد.. ما هو تخصصك الذي وقع اختيارك عليه..
قالت ملاك مبتسمة: تخصص تمنى ابي دوما ان اختاره.. انه الأدب..
قالت مها وهي تبتسم: ممتاز .. انه تخصص جميل جدا..
قالت ملاك متسائلة: وانت يا مها.. ماهو تخصصك؟..
قالت مها وهي تعتدل في جلستها وتقول بمرح وبلهجة تمثيلية: بصراحة لقد بحثت عن شيء ما يليق بي .. فلم اجد الا...
(التشريح)
جاءت هذه العبارة الساخرة من بين شفتي مازن وهو يتقدم منهما بعد ان دخل الى المنزل من الباب الرئيسي.. فالتفتت له مها وقالت وهي تستهزئ به: يا لخفة دمك.. أكاد اموت من الضحك..
اما ملاك فقد اعتراها التوتر لأول مرة وهي ترى مازن يقترب منهما ولكنها سرعان ما نفضت هذا الشعور والتفتت الى مها لتقول مكررة: ما هو تخصصك يا مها؟..
قالت مها بكل فخر: الكيمياء..
قال مازن ساخرا وهو يجلس على احد المقاعد القريبة من الأريكة التي تجلسان عليها: لا اظن ان مثل هذا التخصص يصلح لحمقاء مثلك.. فربما تتسببي يوما في تفجير مختبر الجامعة ..
قالت مها بحنق وغيظ: ولا تخصص السياحة يصلح لغبي مثلك.. فقد تتسبب في ايصال كل مسافر لبلد آخر..
لم يأبه مازن بما قالته بل التفت الى ملاك الجالسة على الاريكة بهدوء وقال مبتسما: لم اكن اعلم انك تدرسين الادب من قبل.. اتهوين القراءة ام الشعر؟..
شعرت ملاك بالدهشة من سماعه الحوار بأكمله تقريبا بينها وبين مها.. ثم لم تلبث ان قالت بهدوء: الاثنان معا..
وهبطت عيناه الى الاوراق المبعثرة ومن ثم قال وعيناه تتطلعان الى احد الاجابات التي كتبتها ملاك: انها خاطئة..
قالت ملاك بحيرة: خاطئة؟..أأنت متأكد؟..
اومأ برأسه ومن ثم قال وهو يلتقط قلما ويعيد كتابة الاجابة: انها تحل هكذا..
تابعت ملاك خطوات اجابته وتطلعت له بإعجاب.. في حين قالت مها وهي تمط شفتيها: من اين أشرقت الشمس هذا اليوم؟.. مازن يساعد في حل مسألة ما..
قال مازن بابتسامة واسعة وعيناه تتطلعان الى ملاك: لا تظني اني ما دمت لا أساعدك انت.. فلن اساعد ابنة عمي..
قالت مها بحنق: انك لم تساعد احدا ابدا.. انها المرة الأولى التي تفعل..
- اظن اني حر في تصرفاتي وحر في مساعدة من اشاء..
قالت ملاك بخفوت: ارجوكما لا تتشاجرا بسببي..
ضحك مازن وقال: أتظنين اننا نتشاجر؟.. لا ابدا.. انه مجرد حديث عادي..
ابتسمت ملاك بالرغم منها وهي تراه يضحك .. وشعرت بالتوتر يعود ليراودها..في حين سمعت مازن يقول في تلك اللحظة وهو ينقل بصره بين المقعد المتحرك الذي يجوارها وبين الاريكة التي تجلس عليها:اتعرفين لأول مرة اراك تجلسين على مكان يختلف عن مقعدك..ان جلوسك معنا هكذا افضل بكثير ..
كانت مها تشير لمازن ان يصمت منذ بدأ حديثه ولكن مازن لم ينتبه لها.. في حين كانت ملاك صامتة وما انتهى من حديثه حتى التفتت الى ملاك لترى ردة فعلها.. توقعت ان تغضب.. ان تغادر المكان ولكنها لم تتوقع ابدا ان تقول وعلى شفتيها ابتسامة : اترى ذلك حقا؟..
اومأ مازن برأسه ايجابيا وهو يبتسم..في حين نقلت مها نظراتاها بينهما .. كانت نظرات مازن عادية جدا.. ولكن بالنسبة لملاك.. كانت نظراتها تجمع ما بين الخجل واللهفة.. مها تعلم ان مازن يعتبر ملاك مجرد ابنة عم له لا اكثر ولا اقل..وهو يتحدث اليها كما يتحدث الى مئات الفتيات الاخريات.. ولكن كيف لملاك التي لم تتعلم شيئا من هذا العالم ان تدرك هذا؟..
قالت مها بغتة: ما رأيكم ان نذهب الى النادي الآن؟..
قالت ملاك باعتراض: ولكن لم انهي دراستي بعد..
قال مازن وهو ينهض من مقعده: يمكنك ان تكملي دراستك بعد ان نعود..
واردف دون ان يترك لها مجالا للرفض: سأذهب لأستبدل ملابسي ريثما تجهزان..
تابعته ملاك بانظارها وهو يغادر ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تتحدث الى مها: انه لم يمنحني فرصة للاعتراض..
ضحكت مها وقالت: حتى لا ترفضي الحضور.. والآن هيا.. اسرعي باستبدال ملابسك حتى نغادر..
رفعت ملاك جسدها بكلتا يديها ومن ثم لم تلبث ان قالت لمها بابتسامة شاحبة: هل لك ان تدفعي المقعد الى الامام قليلا..
أسرعت مها تنهض من مجلسها وتقول وهي تتحرك نحو المقعد وتدفعه: بكل تأكيد..
رفعت ملاك جسدها من على الاريكة لتجلس على مقعدها المتحرك اخيرا.. وان شعرت بالضعف لانها احتاجت الى مساعدة مها.. وتحركت بمساعدة مقعدها الى حيث غرفتها ..في حين قالت مها محدثة نفسها وهي تتطلع الى ملاك وتتذكر نظراتها الى مازن منذ قليل: ارجو ان يكون ما افكر به خاطئا يا ملاك.. أرجو ذلك..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
طرقات هادئة سمعها كمال على باب غرفته وهو جالس على طرف الفراش يرتدي حذائه استعدادا للخروج وقال بهدوء دون ان يرفع عينيه الى الباب: ادخل..
فتح الباب واطل من خلفه مازن الذي تقدم منه وقال وهو يتطلع الى ما يفعله: ستخرج ايضا..
قال كمال ببرود: انت ايضا تذهب الى النادي في هذه الاثناء ..
قال مازن وهو يجذب له مقعدا ويجلس عليه: أردت ان أتحدث اليك قليلا يا كمال..
رفع كمال انظاره الى مازن وقال: بشأن ماذا؟..
- ابنة عمك..
قال كمال بلامبالاة مقصودة: أي ابنة عمة فيهن؟..
قال مازن بحزم: انت تعلم اني اعني ملاك..
- وماذا بها الآنسة ملاك حتى تأتي لتحدثني بشأنها؟..
قال مازن دون ان يأبه بسخرية كمال: ابنة عمك ملاك قد جاءت لتقضي اسبوعا واحدا هنا.. فدعه يمضي على خير..
ضيق كمال عينيه وقال : هل اخبرتك هي بشيء؟..
اومأ مازن برأسه ومن ثم قال: بكل شيء..استمع الي يا كمال .. ملاك فتاة عاجزة لا تستحق منك هذه التصرفات .. على الاقل تجاهلها ولكن لا تتحدث اليها بكلماتك الجارحة هذه ..
قال كمال وهو يبتسم باستخفاف: ولم انت مهتم هكذا؟ ..
- لانها ابنة عمي أولا.. ولانها امانة في أعناقنا جميعا ثانيا..
ونهض من مكانه وهو يكمل: فأرجو ان تكون رجلا تستطيع ان تحمل المسئولية وتحافظ على الأمانة التي كلفك بها عمك ..
لم يبد على كمال أي بادرة فعل.. فزفر مازن بحدة وخرج من غرفته .. ليسير بالممر ومن ثم يهبط درجات السلم الى الطابق الارضي..وهناك لم يشاهد أي من ملاك او مها.. فصاح قائلا بصوت عالي: مها.. ملاك.. اين انتما؟..
اقتربت منه احدى الخادمات وقالت بهدوء: لقد رأيت الآنستين يخرجان الى الحديقة يا سيد مازن..
مط مازن شفتيه بملل ومن ثم غادر المنزل الى الحديقة الخارجية .. وهناك سمع صوت ضحكات.. كانت ضحكات مها وملاك.. لأول مرة يسمع ضحكات هذا الملاك الرقيق.. ووجد قدماه تقودانه الى حيث تقف مها وبجوارها ملاك.. وقال مبتسما: علام تضحكان؟..
قالت مها وهي مستمرة في الضحك: لقد سألتني ملاك عن شيء ما في الكيمياء ولم استطع الإجابة عليه..
قال مازن بسخرية: اخبرتك انك لا تصلحين لدراسة الكيمياء و...
قاطعه مها قائلة وهي تشير الى ملاك: وحتى انتقم من ملاك سألتها شيء ما في الأدب ولم تستطع الإجابة عليه هي الأخرى..
ابتسم مازن وقال وهو يعقد ساعديه امام صدره: ربما ارادت ان تجاملك فحسب..
تطلعت اليه بحنق فقال وهو يدير ظهره عنهما: هيا اسرعا لا اريد ان اتأخر..
توجهت مها الى ملاك ودفعت مقعدها بهدوء الى ان اوصلتها الى السيارة ..في حين كانت عينا ملاك معلقة بمازن وابتسامة مرتسمة على شفتيها.. لم تعلم لم شعرت بكل هذا الانجذاب تجاه مازن .. ربما لأنه الوحيد الذي عاملها برقة ولطف.. وربما لأنها للمرة التي تتعامل فيها مع شاب ما..شاب يحترمها ويقدرها ويعاملها بهذا اللطف ..ويشعرها بأنها انسانة مرحب بها وانها فتاة قبل كل شيء.. فتاة من حقها ان تعيش الحياة التي تتمناها .. فتاة من حقها ان تعجب بشاب ما.. ويختاره قلبها من كل الناس من حولها حتى يخفق من اجله.. وتترك العنان لمشاعرها لـ ...
شعرت بأن افكارها قد اخذت اتجاها لم تفكر به بالمرة في حياتها.. بم تفكر؟..بالمشاعر ؟..هل من حقها ان تعجب بشاب ما وتميل اليه؟..هل من حقها ان تحب حقا؟.. ولم لا؟..اليست فتاة كبقية الفتيات؟.. انها كذلك..ولهذا لن تضع أي حاجز امامها يمنعها من ترك الحرية لمشاعرها.. فهاهي ذي تعترف لنفسها انها معجبة بمازن ..ومن يدري ما الذي تخفيه الايام لها ولمصير اعجابها بمازن هذا؟..
توقفت عن الاسترسال في أفكارها عندما وصلت السيارة الى النادي..ووجدت مها تفتح لها الباب.. في حين كان مازن يتوجه نحو حقيبة السيارة ليخرج مقعدها ويقترب به منها.. وقال مازن بهدوء وهو يتطلع باتجاهها: أترغبين في المساعدة؟ ..
هزت رأسها نفيا ومن ثم رفعت جسدها عن مقعد السيارة لتجلس على مقعدها.. اما مها فقد عقدت حاجبيها بحيرة.. انها تذكر ان اول مرة أشار فيها مازن الى حاجة للمساعدة اثار ذلك عصبيتها على نحو واضح.. اما الآن فهي تقابل الامر بهدوء..
هزت مها كتفيها ومن ثم اخذت تدفع مقعد ملاك التي كانت تتطلع الى ارجاء النادي الواسع .. وبغتة سمعت صوت مازن وهو يقول: اهلا حسام ..
لم تستطع مها منع نفسها من الالتفات له بسرعة.. ولم تستطع منع تلك اللهفة التي أطلت من عينيها وهي تطلع الى حسام بقامته الممشوقة وهو يتحدث الى مازن وابتسامته مرتسمة على شفتيه .. ومن ثم لم تلبث ان رأته يلتفت لها ويقول: اهلا مها..
ابتسمت مها ابتسامة واسعة وقالت: اهلا بك.. كيف حالك؟..
- على ما يرام..
ومن ثم لم يلبث ان قال مردفا وهو يوجه حديثه الى ملاك: اهلا آنسة ملاك..كيف حالك؟..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: بخير..
في حين قالت مها بابتسامة مرحة: لم تخبرني ما هي أحوالك بالنادي؟..
قال حسام وهو يشير بإبهامه علامة النصر: ممتازة جدا..
قال مازن وهو يضع احدى كفيه في جيب بنطاله: سأذهب انا الى قسم الفروسية..اذهبوا انتم الى حيث تريدون..
مالت مها باتجاه ملاك وقالت: الى اين تودين الذهاب يا ملاك؟..
هزت ملاك كتفيها وقالت: أي مكان..
توجهت بها الى الكافتيريا ليجلسوا ثلاثتهم حول المائدة.. فقال حسام مبتسما: سأذهب الى قسم الرماية.. اترغبين في الحضور يا مها؟..
قالت مها في سرعة: بكل تأكيد سـ...
وكأنها قد تنبهت الى ملاك للتو.. فقالت بتردد: ولكن ملاك ستبقى وحيدة هنا..
قالت ملاك بابتسامة: لا عليك اذهبي الى حيث تريدين.. لقد اعتدت الجلوس لوحدي حتى اتأمل الطبيعة من حولي..
قالت مها متساءلة: الن تتضايقي حقا لو ذهبت وتركتك وحدك قليلا؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: ابدا..
قالت مها بابتسامة واسعة: لن اتأخر..
كان مبعث فرحتها هو ذهابها مع حسام .. فاسرعت تنهض من على مقعدها لتسير الى جوار حسام الذي غادر المائدة بدوره ..وازدردت لعابها لتقول له: اتعلم ياحسام.. لا ازال اتذكر قبل عشر سنوات تقريبا عندما كنا طفلين وكنا نأتي الى النادي احيانا فتتسخ ملابسنا.. وحينها كنت اتهرب من العقاب واضع اللوم عليك..
قال حسام مبتسما: وانا الاحمق الذي كنت اتحمل عقوبتي وعقوبة طفلة شقية.. من اجل ان لا تعاقبي انت..
ضحكت مها وقالت: أنادم انت على ما فعلت وقتها؟..
التفت لها وقال بابتسامة: ان اردت الحقيقة فكلا.. لست نادم على ما فعلته وقتها ولو عاد الزمن الى الوراء لفعلت الشيء ذاته..
قالت مها بحيرة: وما الذي كان يدفعك لتتحمل عقوبتي انا ايضا؟ ..
قال حسام وهو يهز كتفيه: لا شيء محدد بالضبط.. ولكني اكره ان اراك تتألمين او حتى تتضايقي من أي شيء.. كنت مستعد دائما لتحمل عنك العقاب حتى لا تشعري بأي الم..
مست كلماته شغاف قلبها..وجعلت حلقها يجف من التوتر ..وشعرت كم هو رائع حسام هذا .. كم هو شهم ونبيل معها منذ صغره.. كيف لها ان تجد انسان يساويه شهامته وحنانه هاذين و.. ولكن.. انها لا تزال تجهل مشاعره نحوها..انها لا تدرك ان كان اهتمامه بها ينطوي على مشاعر ما ام لا..
ووجدت مشاعرها تدفعها لسؤاله قائلة: لماذا؟..
ارتفع حاجباه بدهشة وقال: لماذا ماذا؟..
تطلعت اليه بعينين تنطوي على اللهفة وقالت: لماذا كنت تكره ان تراني اتألم؟.. لماذا كنت مستعد لأن تتحمل العقاب عني في كل مرة؟..
التفت عنها وتطلع بنظرات شاردة الى الطريق وقال بصوت خافت النبرات: ربما لأني...
بتر عبارته بغتة مما جعل مها تستحثه على المواصلة قائلة: لأنك ماذا؟..
التفت لها بغتة وقال بابتسامة: ربما لاني اكره ان ارى دموع الفتيات..
قالت مها كالمصعوقة: هااا.. ماذا تعني بقولك هذا؟..
هز كتفيه وقال: ما سمعته.. المهم دعينا من هذا الحديث الآن.. وراقبي مهارتي في الرماية..
لم يكن حسام يعلم عن الغضب والاحباط الذي خلفه في قلب مها.. لقد ارادت ان تسمع ولو كلمة واحدة تشعرها انه يحمل لها ولو القليل من المشاعر.. على الاقل حتى تتمسك بأي امل.. ولكن اجابته لها صدمتها وجعلتها تشعر بفقدان الامل واليأس من وجود مشاعر في قلب حسام لها..وأخذت تراقبه وهو يصوب على الاهداف التي امامه بعيون شاردة لا تريان...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كانت عينا ملاك معلقتان بتلك السماء الصافية.. وهي تتطلع اليها بشرود كبير.. ولكن وعلى الرغم منها وجدت عيناها تهبطان الى حلبة السباق مع اصوات صهيل تلك الخيول .. رأت العديد من المتسابقين يتدربون في حلبة السباق وخصوصا وانه لم يبقى على يوم السباق سوى عدة ايام فقط.. وكل منهم يسعى للحصول على احدى المراكز الاولى.. ومن هؤلاء مازن وكمال ..
مازن الذي تعلقت به عينا ملاك هذه المرة.. وهي تراقب كل حركة من حركاته.. وكل خلجة من خلجاته.. ابتسامته.. نظراته..حركات ذراعيه .. هدوءه.. حزمه .. وحتى طريقة مشيته..ووجدت نفسها تبتسم باعجاب لشخصيته.. بمرحه ولطفه وحنانه..وبحزمه ورجولته ..وجدت قلبها اخذ يخفق في قوة عندما رأته ترك حلبة السباق بغتة واقترب من المكان الذي تجلس عنده بعد ان ترك حصانه لكمال حتى يأخذه الى الإسطبل..
واخيرا رمى بجسده على المقعد المجاور لها وقال متسائلا: أين مها؟..
اشارت الى حيث ذهبت مها مع حسام وقالت وهي تشعر ببعض الارتباك: لقد ذهبت مع حسام الى قسم الرماية منذ قليل..
- لم يكن عليها ان تتركك لمفردك..
قالت ملاك بصوت خافت: لقد اعتدت الجلوس لمفردي..
نهض من مجلسه وقال في سرعة: سأذهب لاحضار العصير لكلينا واعود لأجلس معك.. بدلا من تلك الحمقاء التي تركتك لمفردك..
قالت ملاك وهي تهز رأسها نفيا: لم تود مها تركي لمفردي.. ولكني انا التي اصررت عليها بالذهاب واخبرتها انني استمتع بالجلوس وحدي لأراقب الطبيعة..
قال مازن بسخرية: وتستمعين الى صوت الرياح.. اليس كذلك؟..
اشاحت ملاك عنه بوجهها وقالت وصوتها يحمل بعض الضيق من سخريته: لن تفهم ما اقوله الا لو عشت ظروفا مما ثلة لي..
اشار لها بسبابته قائلا: سأذهب لإحضار العصير ثم سنتناقش في ظروفك هذه..
قالها ومضى عنها.. تاركا اياها تتنهد بحرارة.. من حقه ان يستغرب ما تقوله .. ولكنها حقا بدأت تندمج مع العالم الذي تحياه .. وتصبح جزءا منه.. كيف لا وقد عاشت في هذا العالم منذ ستة عشر عاما.. منذ يوم اصابتها.. وهي تجد هدوءها وشعورها بالراحة بالتطلع الى الطبيعة من حولها.. والاستماع الى صوت الريح.. ليت الجميع يفهم هذا.. ولا يعاملونها على انها فتاة غريبة التصرفات و...
(العصير)
ايقظها من شرودها وافكارها صوت مازن .. اعقبه بأن وضع كأس العصير امامها وقال مبتسما وهو يجلس على مقعده: لقد نسيت ان اسألك عن شرابك المفضل.. لهذا احضرت لك على ذوقي..
تطلعت ملاك الى كأسي العصير ومن ثم قالت مبتسمة: اتفضل شراب البرتقال؟..
اومأ برأسه وقال وقد اتسعت ابتسامته: كما ترين.. انها عادة التصقت بي منذ ان كنت طفلا.. فقد كانت والدتي تعد لنا عصير البرتقال على الغداء كل يوم.. ومنذ ذلك الحين وانا لا اشرب عصير سواه..
وقبل ان تقول ملاك شيئا.. عقد حاجبيه وهو يتطلع لها قائلا: اتعلمين يا ملاك.. لا اعلم لم اشعر وكأني قد التقيت بك من قبل ..
قالت ملاك بدهشة: حقا؟.. ولكن المرة الاولى التي رأيتك فيها هي عندما جئت الى منزلكم قبل يومين..
قال مازن باصرار: ليس قبل الآن بوقت قصير.. بل ربما التقيت بك منذ وقت طويل..أوربما قبل سنوات عدة..
قالت ملاك بمرارة وهي تطرق برأسها: لا اظن.. فأنا لا اخرج من المنزل الا نادرا جدا..
- ربما احدى هذه المرات او...
قاطعته ملاك قائلة: مستحيل.. فخروجي في هذه الحالة ينطوي على الاهمية.. اما للمشفى.. او ذهاب الى مكان ما مع ابي ..
قال مازن وهو يحث نفسه على التذكر: ولكني اشعر اني قد ...
قاطعه صوت احدى الفتيات وهي تقول بصوت مرح: مازن.. ياللصدفة الجميلة الذي اتاحت لي رؤيتك اخيرا..
التفت لها مازن في حدة وكذلك فعلت ملاك.. كانت امامها فتاة تمتلأ رقة ودلالا.. بملامح وجهها الحسناء.. وبابتسامتها الرقيقة.. ووجدت مازن يقول في صوت هادئ: اهلا.. كيف حالك؟..
قالت الفتاة مبتسمة بمرح: في افضل حال مادمت قد رأيتك.. المهم سأذهب الآن لألعب التنس.. لو اردت رؤيتي سأكون هناك..لا اريد الذهاب سريعا ولكن صديقتي تنتظرني..
واردفت وهي تغمز بعينها له: وكف عن ما تفعله قليلا.. فكل يوم اراك مع فتاة جديدة..
واردفت بخبث: واجمل من سابقتها..
اسرع مازن يقول: ان هذه الفتاة هي ملاك صديقة اختي مها.. وانا اجالسها ريثما تعود مها فحسب..
قالت بخبث وهي تتطلع الى ملاك الصامتة: وماذا يهم؟.. اغلبهن صديقات لشقيقتك..
كان يريد ان يخبرها انها ابنة عمه.. ولكنه لم يأبه بها.. فلا تهمه ان علمت انه على علاقة بفتاة جديدة ام لا.. ووجدها تبتعد غير آبهة بملاك.. الذي ظهر على وجهها علامات التساؤل والضيق .. وقالت متسائلة لمازن: هل يمكنني ان اسألك سؤالا؟..
ادرك انها ستسأله عن تلك الفتاة فقال بابتسامة: انها زميلة لي في النادي..
ازدردت لعابها وقالت: وماذا عنت بما قالته لك منذ قليل؟..
اجابها وهو يهز كتفيه بحركة لا مبالية مصطنعة: كما تعلمين.. انني مشترك في قسم الفروسية.. وقد فزت في احدى المرات لهذا فلدي العديد من المعجبين والمعجبات هنا بالنادي ..
خبرة ملاك البسيطة بالعالم الذي حولها جعلها تصدقه ودون ان تشكك في كلماته..وان ظل شعورها بالضيق يلازمها عندما ادركت ان هناك العديد من المعجبات حوله..اما مازن فقد قال وهو ينهض من مجلسه: هاقد جاءت مها .. سأذهب انا الآن..
قالها وغادر المكان..وان خلف وراءه قلبا يتلهف لعودته.. وعينان تترقبان رؤيته من جديد...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كانت نظرات الضيق واضحة في عيني مها وهي تقترب من الطاولة التي تجلس خلفها ملاك.. وكذلك في عيني هذه الأخيرة ..كلاهما كانتا تفكران في شخص ما يشغل تفكيرها عن الاخرى وعن العالم الخارجي بأكمله ..ووجدت مها نفسها تزفر بقوة وهي تجلس على الطاولة وقالت وكأنها تحادث نفسها: لماذا لا يفهم؟..
التفتت لها ملاك وقالت بدهشة: هل تتحدثين إلي؟..
قالت مها وهي تمط شفتيها وتسند ظهرها للمقعد: لا بل أحادث نفسي..
ابتسمت ملاك وقالت: ومن هذا الذي تريدينه أن يفهم؟..
تجاهلت مها سؤالها وقالت: ما رأيك أن نغادر النادي ونعود إلى المنزل؟ ..
قالت ملاك بحيرة: لا يزال الوقت مبكرا..
قالت مها وهي تلوح بذراعها: الم تقولي إن لديك دروس لم تنهيها بعد .. فلنعد اذا لتكمليها..
قالت ملاك بهدوء: لا بأس..
اسرعت مها تخرج هاتفها المحمول من حقيبتها وتتصل بالسائق ليحضر الى النادي .. في حين قالت لها ملاك بعد ان انهت المكالمة: الن تخبري مازن او كمال بمغادرتنا؟..
قالت مها وهي ترفع حاجباها بدهشة: ولماذا افعل؟..
- قد يغضبان ان علما اننا قد غادرنا دون ان نخبرهما..
ضحكت مها وقالت: بل سيغضبان لو اننا اخبرناهما وقطعنا عليهما التدريب.. دعك منهما..
ثم لم تلبث ان استرعى انتباهها كأس العصير الموجود امامها فتساءلت قائلة: كأس من هذا؟..
تطلعت ملاك الى كاس العصير الذي لم يشرب منه مازن الا القليل ومن ثم قالت: انه لمازن..
- هل جاء الى هنا؟..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا.. فقالت مها مستغربة:جاء الى هنا ليجلس معك وترك التدريب .. ياله من شاب متقلب..
تطلعت لها ملاك بحيرة ولم تفهم سر وصف مها لمازن بالمتقلب فجعلت افكارها تتحول الى سؤال اسرعت تهتف به قائلة: ماذا تعنين بأنه شاب متقلب؟..
قالت مها بسخرية: منذ اسبوع فقط كاد ان يتشاجر معي امام كل من في النادي لاني طلبت منه ان يترك التدريب ويأتي ليوصلني الى احد الاقسام..
- ربما كان مشغولا حينها..
هزت مها رأسها نفيا ومن ثم قالت: بل انه يكره ان يساعد أي احد..
قالت ملاك بشك وقلق: لست اظن ان مازن على هذه الصورة..
قالت مها وهي تبتسم بسخرية مريرة: انت لا تعرفينه كما اعرفه انا..
ظهر التساءل في عيني ملاك وقبل ان تجيب مها هذا التساؤل ارتفع صوت رنين هاتف مها المحمول فأجابته قائلة: الو.. اجل.. حسنا انتظر قليلا وسنحضر في الحال..
واغلقت الهاتف لتقول بهدوء: لقد حضر السائق..
- بهذه السرعة..
- لقد كان قريبا من المكان.. هيا فلنذهب..
لم تجد ملاك سببا لمعارضة المغادرة فقالت وهي تزيح خصلات من شعرها عن جبينها: حسنا..
اسرعت مها تنهض من خلف مقعدها وتدفع مقعد ملاك متوجهتان الى الطريق المؤدي الى خارج النادي..وقالت ملاك بابتسامة باهتة في تلك اللحظة: هل سنحضر الىالنادي غدا؟..
قالت مها بابتسامة: ان شئت ذلك..
اطرقت ملاك برأسها قليلا ومن ثم داعبت قلادتها الذهبية وقالت: كان بودي البقاء اكثر حتى ارى جميع ارجاء النادي ولكنك...
بترت ملاك عبارتها عندما لاحظت ان مها لا تستمع اليها بل تتطلع الى يمينها باهتمام.. فالتفتت ملاك بدورها لتشاهد حسام يقترب منهما ويقول مبتسما: الى اين ايتها الهاربتان؟..
قالت مها وهي تمط شفتيها: الى الخارج كما ترى..
قال متسائلا وهو يعقد ساعديه امام صدره ويتطلع الى مها: ولماذا تغادران الآن؟..
قالت مها بحنق: لدي بعض الدروس التي ارغب في ان انهيها .. هل من سؤال آخر؟..
مال حسام نحوها وقال بصوت خافت: وستتصلين بي حتى اشرحها لك .. اليس كذلك؟..
شعرت مها على الرغم منها بانعقاد لسانها وتوتر اطرافها وهي ترى نظراته المثبتة عليها.. وابتسامته الواسعة التي ملأت وجهه ..واسرعت تنتزع نفسها من مشاعرها لتقول وهي تشيح بوجهها عنه: لن اتصل حتى لو لم افهم أي كلمة مما سأدرسه ..
ضحك حسام وقال: لا تقلقي سيكون الشرح مجانا..
تطلعت له مها بغيظ.. الا يفهم هذا الشاب؟..واسرعت تقول وهي تستدير عنه: افضل ان ادفع لمن سيشرح لي ما لم يكن هو انت..
كادت ان تمضي في طريقها لولا ان امسك بذراعهاليوقفها قائلا بجدية: ماذا بك يا مها؟..
قالت ببرود: لا شيء ابدا..
ولكنها اجابت عن سؤاله لنفسها.. قالت بكل اللوعة في اعماقها: ( لقد سأمت يا حسام.. سأمت حقا من كلماتك التي لا تحمل ذرة مشاعر تجاهي.. الا تشعر بحبي لك حقا؟ ..اتظن اني حجر لا تؤثر في كلماتك الأخوية تجاهي.. اريد ان اسمع ولو كلمة واحدة تجدد الامل في اعماقي.. حتى عيناك لا ارى فيهما الا اهتمام فحسب.. لا ارى اية مشاعر.. سأمت هذا كله يا حسام.. اتفهمني؟ ..)
تطلع اليها حسام طويلا ومن ثم قال: بل هناك امر يضايقك يا مها .. اخبريني من الذي ضايقك.. كمال ام مازن؟.. ام احد الزملاء بالنادي؟..
قالت مها بحدة: ولم يجب ان يكونوا هؤلاء؟.. الا يوجد شخص آخر من الممكن ان اتضايق منه؟..
قال بحيرة: شخص آخر؟.. ومن يكون؟..
قالت مها بانفعال: انه يقف امامي..انت..
اتسعت عينا حسام بدهشة من قولها هذا.. حتى ملاك التي كانت تحاول ان تتظاهر بالانشغال بمداعبة قلادتها التفتت لها بحدة وهي تستغرب جرأة مها وردها هذا الذي لم تتوقعه ابدا..
وتوقفت نظرات حسام امام عيني مها وكأنه يحاول ان يعرف ما يدور في داخلها من افكار ومن ثم ابتسم ابتسامة باهتة وقال: مني انا؟.. اصدقك القول اني لم اتوقع هذا الجواب منك.. فطالما حاولت ان اكون سببا في سعادتك وابتسامتك.. لا ضيقك .. ولكنني وجدت نفسي اليوم اكون سببا في ضيق مها العزيزة دون ان اشعر.. اخبريني بالله عليك.. فيم ضايقتك؟ .. وانا مستعد لأشرح لك موقفي كله..
ارتبكت مها أمام نظراته التي تحاصرها.. ارتبكت أمام كلماته التي امتلأت بالاهتمام والحنان تجاهها.. ارتبكت من مسكة كفه لذراعها عندما حاول إيقافها.. وأشاحت بوجهها عنه لتخفي تأثيره عليها عن ناظريه وقالت وهي تزدرد لعابها وتحاول السيطرة على ارتباكها: المعذرة .. لم اقصد.. انسى ما قلته ..
وابتعدت بسرعة عن المكان.. كاد حسام ان يتبعها ولكنه لم يفعل.. ادرك انه لو تبعها فلن تخبره بسبب ضيقها منه ابدا.. لهذا عليه ان يعرف السبب بنفسه.. وان كان قد بدأ يشك في سبب ضيقها ذاك...
الجزء السادس
"مشاعرها"
اغلقت مها عينيها وهي تغط في تفكير عميق شغل ذهنها عن كل ما حولها منذ بداية صعودها للسيارة حتى تغادر النادي ..انها تشعر بخطأ تصرفها.. وبخطأ ما فعلته.. لم يكن ينبغي عليها ان تنفعل هكذا مندفعة وراء مشاعرها.. هو لا يعلم انها تحبه.. لهذا ليس ذنبه ان لم يشعر بها.. كان من الافضل لها ان تصبر وتخفي مشاعرها.. على الاقل حتى تنجح في تحريك مشاعره تجاهها.. ولكن كيف؟..
لقد حاولت مرارا وتكرارا ان تلمح له و لا تستطيع ان تفعل اكثر من ذلك.. لا تستطيع ان تصرح بحبها له هكذا علانية ..لا يوجد أي منطق يجعل الفتاة تتمتع بكل تلك الجرأة لتصرح بحبها للشاب.. الفتاة بطبيعتها الرقيقة والخجولة .. تنتظر من الشاب ان يقدم على هذه الخطوة اولا.. وليست هي من تـ...
(مها..هل انت بخير؟)
فتحت مها عينيها لتنتشل نفسها من دوامة افكارها والتفتت الى ملاك ناطقة العبارة السابقة.. ومن ثم قالت وهي تزفر بحدة: اجل .. لم تسألين؟..
قالت ملاك وهي تشير الى وجهها: لقد كنت تعقدين حاجبيك بطريقة تدل على تعبك..
- لقد كنت افكر في امر ما ليس الا..
ازدردت ملاك لعابها وتجرأت لتقول: بخصوص.. حسام؟..
التفتت لها مها في حدة وكأنها لم تتخيل ابدا ان تفهم ملاك بما جال في افكارها طوال الطريق.. وقالت بحدة على الرغم منها: وما دخل حسام بالموضوع؟..
قالت ملاك وهي تهز كتفيها: لست ادري.. ولكن حديثك الاخير معه في النادي.. جعلني اظن انك تفكرين به..
قالت مها وهي تشيح بوجهها عنها في ضيق: لست افكر به ابدا.. ولن افعل في يوم..
كانت تعلم انها كاذبة.. لم تكذب على ملاك فحسب .. بل كذبت على نفسها ايضا.. وهي تأمل ان يغيب عن افكارها تماما.. ولكن كيف لشمس الحب ان تغيب وهي في كبد سماء الاحلام؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قال مازن وهو يشير لكمال من بعيد هاتفا بصوت مرتفع: كمال.. الن تغادر؟..
اكتفى كمال بأن اشار له بكفه اشارة (لا)..فزفر مازن وقال وهو يبتعد عنه: هذا شأنك..
وابتعد عن المكان وهو يجوب ارجاء النادي..كان النادي في هذا الوقت بالذات قليل الزوار..نظرا للجو البارد ونسمات الهواء التي ترجف الابدان بعد ان انتصر الظلام على النور في تلك السماء الواسعة..مما سمح لمازن ان يجوب كما يشاء فيه دون ان يأبه بهذا او ذاك .. وطال سيره حتى توقف بغتة عند كافتيريا النادي .. وتوجهت انظاره الى الطاولة التي جلست عليها ملاك اليوم .. وتذكر ما دار بينهما اليوم من حديث.. وتذكر عبارته الساخرة لها عن سماعها لصوت الريح.. ووجد نفسه يغمض عينيه.. ويترك المجال لاصوات الرياح ونسمات الهواء لتتسلل الى اذنيه.. وبغتة فتح عينيه بقوة ودهشة.. وابتسم لنفسه بسخرية قائلا: ما بالك يا مازن؟.. هل دفعتك ابنة عمك لفعل هذا؟.. الم تتهمها بالجنون لفعلها ذاك؟.. فلم قمت بما فعلت هي اذا؟.. هل جننت انت ايضا؟..
هز رأسه وابتسامته الساخرة لم تفارق شفتيه ومن ثم قال وهو يسير مبتعدا عن المكان: ربما اردت ان اشعر بما تشعر به وهي في هذه الحال..
لم يزد على ما قاله حرفا.. بل اسرع بمغادرة المكان بسيارته متوجها الى المنزل.. ولكن اتصال هاتفي جعله يعقد حاجبيه بتفكير ومن ثم يتطلع الى الرقم للحظة.. وما ان فعل حتى زفر في حدة وقال: يا الهي.. الن تتعب هذه الفتاة ابدا؟..
واجابه قائلا: اجلا يا حنان.. ماذا تريدين؟..
قالت في سرعة: اهلا مازن.. كيف حالك؟..
قال ببرود: بخير..
قالت بالم: لم لا تجيب على مكالماتي..انني اتصل بك منذ الصباح؟ ..
عاد ليقول بملل: اخبريني ماذا تريدين؟..
قالت برجاء: اريد ان اراك .. أين انت؟..
تنهد بقوة وقال: لقد غادرت النادي وفي طريقي الى المنزل.. ربما غدا.. الى اللقاء..
انهى المكالمة في سرعة ومن ثم اغلق الهاتف بأكمله.. يعلم انه خطأه منذ البداية في تكوين علاقة مع أي فتاة.. ولكنه مع هذا لا يزال مستمرا في هذا الخطأ.. انه لا يعد أي فتاة يعرفها بأي شيء .. مجرد صداقة عابرة لا اكثر ان ارادت .. ولكن حنان هي الوحيدة التي لا تزال متشبثة به.. وتصر على ملاحقته اينما كان.. ليس ذنبه ان كانت مشاعرها تفوق الصداقة .. لقد اوضح لها الامر منذ البداية.. وهي التي تركت مشاعرها تسترسل حتى وصلت الى ما هي عليه الآن..
وصل في تلك اللحظة الى المنزل..فأوقف سيارته في الموقف الخاص بها.. ومن ثم غادرها ليدخل الى المنزل.. ويسير عبر ردهته الكبيرة والواسعة..وهناك رأى ملاك.. اعاده مرآها لما فعله قبل قليل بالنادي.. وابتسم على الرغم منه.. ولكن شيئا آخر جال بذهنه في تلك اللحظة.. شيء يتعلق بملاك.. فاليوم بدت اكثر تجاوبا مع الجميع وليس معه هو فقط.. اصبحت تتحدث بحرية.. ولا تكتفي بالكلمات المقتضبة .. وهذا يعني انها قد بدأت ترتاح لوجودها هنا وتعتاد على المكان ..
واقترب من مكان جلوس ملاك.. التي لم تكن منتبهة له بل منشدة بحواسها كلها بقراءة قصة بين يديها ..وتسلل مازن بخفة ليجذب القصة من بين يديها فجأة وفي غمرة دهشتها ويقول مبتسما: ماذا تقرئين؟..
رفعت عينيها اليه وقالت بدهشة: مازن.. متى جئت؟..
قال وهو يلوح بكفه بلا اهتمام: منذ قليل..
واردف وهو يتطلع الى عنوان القصة التي كانت تقرأها: والآن فلنر ماذا كنت تقرئين..
ابعدت نظراتها عنه في صمت فاستطرد هو بسخرية: (حب الى الابد).. اهذا ما تقرئينه؟.. لم اكن اعلم بأنك تصدقين مثل هذه التفاهات..
التفتت له ملاك بحدة وقالت بدهشة: تفاهات؟؟..
قال بسخرية وهو يقلب صفحات الرواية بين يديه: اجل تفاهات.. فمن يصدق وجود مثل هذا الحب الرومنسي في هذا العالم سوى في الافلام والروايات..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: هذا ليس صحيحا ابدا.. فقيس وليلى كانا من الواقع وليسا مجرد رواية..
قال مازن بابتسامة : انهما من زمن ولى وانتهى.. ولم يعد هناك ما يسمى بهذا الحب الرومنسي ..
قالت ملاك معترضة: من قال هذا؟.. لا يزال هذا الحب موجودا والا لما كتب عنه المؤلفين..
- لانه مجرد خيال ينبع من رؤوسهم..
- بل هو دليل على ان الحب لا يزال موجودا في هذا العالم.. ولكن انت من يرفض هذا الواقع..
قال مازن وهو يميل نحوها: اخبريني انت..اين ترين مثل هذا الحب في العالم من حولك؟..
ازدردت لعابها بتوتر حتى جف حلقها.. كانت الاجابة موجودة في اعماقها وبين مشاعرها.. كان قلبها يريد ان يجيبه بأنه اقرب مما يتصور.. فمشاعرها تجاهه تزداد لحظة بعد اخرى..وصمتت للحظة وهي تبحث عن جواب في عقلها ومن ثم قالت بابتسامة باهتة: في حب الزوج لزوجته.. في حب الابن لأمه.. في حب الاخ لأخيه..
قال مازن وهو يتخذ مجلسه على احد المقاعد ويرمي الرواية على الطاولة الصغيرة الموجودة امامه: هذا غير صحيح ابدا.. فمشاعر الابن تجاه امه هو عبارة عن عاطفة قوية تتولد مع الايام وتجعله يتعلق بها ..
قالت ملاك باصرار: ويحبها ايضا..
اومأ برأسه ومن ثم قال: ولكنه يختلف تماما عن هذا الحب الرومنسي.. حب الشاب لفتاة.. يجعله هذا الحب ينغمس حتى اذنيه فيه.. ولا يفكر في شيء سوى الحب.. ومستعد للتضحية بكل شيء من اجل هذا الحب..
قالت ملاك بهدوء: وما الخطأ في كل هذا؟..
دس اصابعه بين خصلات شعره وقال مبتسما: ان اكون محكوما ومقيدا بمشاعر لا قيمة لها..
عقدت ملاك حاجبيها من منطقه الغريب.. وقالت بضيق: ولم تعارض انت هذه المشاعر؟..
- اخبرتك لانها لا اساس لها من الصحة..
ارادت ملاك ان تسأله عن شيء آخر ولكن وجدت خجلها يمنعها فلاذت بالصمت.. وفي تلك اللحظة اقتربت مها من المكان وقالت : وان اردت ان تختار شريكة حياتك.. كيف ستختارها اذا؟..
التفتت لها ملاك بحدة.. وارتفع حاجباها بدهشة.. فهذا هو نفس السؤال الذي دار بأعماقها ولم تقو على التصريح به.. في حين قال مازن بلامبالاة: لا يجب ان يكون الحب اساس للزواج .. هناك الاعجاب.. المعرفة.. الثقة وغيرها من تلك الامور ..
قالت مها بحنق: انت شاب معقد.. ترى الفتيات من حولك.. فتظن انهن لعبة في يدك.. وانك اذا اردت ان تختار ستختار فتاة سيكون لك مصلحة ما بزواجك منها..
قال مازن وهو يسترخي بمقعده: ربما...
اما ملاك فقد تطلعت له بمرارة وحزن.. احقا يرى الحب مشاعر تافهة لا اساس لها.. ويرى اختيار شريكة حياته التي ستعيش معه طوال حياتهما لا يجب ان ينبني على الحب.. اتكون بهذا فقدت املها في مازن.. ام لأنه لم يشعر بتلك المشاعر الدافئة التي تتسلل الى قلبه فبات يتكلم عن الحب بمثل هذه الطريقة؟..لا تدري ابدا.. ولكنها قد اصبحت تخشى مشاعرها تجاه مازن.. ربما لانها تزداد قوة مع مرور الوقت.. دون ان تعلم ما هي مصير مشاعرها هذه؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الساعة العاشرة وقت اجتماع العائلة حول مائدة العشاء.. والجميع كان حاضرا في هذا الوقت.. وحتى كمال الذي يتغيب معظم ايام الاسبوع..وكان الصمت مخيما على تلك المائدة مكتفين جميعهم بتناول ملعقة ومتظاهرين بتناول الاخرى ..دون ان يعلم احدا منهم بالافكار الكثيرة التي تدور في رأس الآخرين..
فمن جهة كان امجد يفكر في مصير ابناءه وفي ملاك التي اقتحمت حياتهم فجأة والتي قد تكون سببا في حدوث الكثير من المشاكل بينه وبين اشقاءه..ومن جهة اخرى كانت مها تفكر في حسام وحبها الصامت له.. وكيف تشعره بهذا الحب الذي تحمله له في قلبها.. بينما كان كل من مازن وكمال يقكران في سباق الخيل ويتمنى كلاهما الحصول على احد المراكز الاولى.. واخيرا تفاوتت افكار ملاك ما بين مشاعرها التي بدأت تخشاها تجاه مازن وما بين والدها.. والدها الذي لم يتصل بها اليوم ابدا.. ترى هل هو مشغول بأمر منعه من الاتصال بها؟...
(عزيزتي ملاك.. فيم تفكرين؟)
التفتت ملاك الى صاحب العبارة وقالت بابتسامة باهتة: لا شيء يا عمي..
قال امجد بنبرة هادئة: اخبريني يا عزيزتي.. الست عمك؟..
اومأت برأسها ومن ثم قالت وهي تحاول ان تخفي القلق من نبرة صوتها: ابي.. لم يتصل بي اليوم ابدا..
قال امجد بابتسامة مشفقة: ربما كان مشغولا..
وتدخل مازن في الحديث قائلا: او ربما قد نسي الاتصال بك..
التفتت ملاك لمازن وقالت باستنكار: لا يمكن ان يحدث ذلك .. من المستحيل ان ينسى ابي الاتصال بي..
قال مازن بدهشة: ولماذا مستحيل؟.. اننا بشر..
قالت ملاك وهي تهز رأسها نفيا: انت لا تعرف ابي.. انه ينسى كل شيء فيما عداي..
واردفت وهي تعض على شفتها السفلى: اخشى ان يكون قد اصابه مكروه او...
قاطعها مازن في سرعة: لم لا تتصلين به انت وتطمئني عليه؟..
اشارت الى نفسها مندهشة: انا؟؟..
- اجل انت.. ما الذي يدهشك في الامر؟..
بعثرت ملاك نظراتها بعيدا عن مازن وكأنها اصبحت تخشى مواجهته ومن ثم قالت: لا اعلم ولكني اعتدت ان يتصل بي هو دائما..
قال مازن بابتسامة مرحة: اذا غيري من عادتك هذه واتصلي به .. لن تخسري شيئا..بل نحن من سيضاف الى فاتورة هاتف منزلنا سعر مكالمة دولية..
هزت ملاك رأسها نفيا ولم تتحرك من مكانها قيد انملة..فقال امجد بهدوء بعد ان رمق مازن بنظرة حازمة: حقا يا ملاك.. ان ما يقوله مازن صحيح.. لم لا تتصلين به انت وتطمئني عليه؟..
قالت ملاك وهي تشعر بغصة في حلقها: سيتصل.. انا اعلم انه سيتصل.. من المستحيل ان ينسى الاتصال بي.. لقد وعدني..
زفر مازن بحرارة ومن ثم قال: خذي..
لم تفهم ملاك مغزى عبارته ولكنها فهمت عندما تطلعت اليه ورأته يمد لها يده بهاتفه المحمول.. فتطلعت اليه بدهشة دون ان تقوى على مد يدها لأخذ الهاتف من يده.. في حين التفتت لها مها وقالت مبتسمة: خذي هاتفه يا ملاك.. واتصلي بوالدك حتى تطمئني عليه..
ترددت ملاك طويلا دون ان تجرأ على مد كفها لأخذ الهاتف من مازن.. ولكن شيء ما في نظرات مازن المشجعة.. جعلها تتخلى عن ترددها هذا للحظة وتمد كفها لتأخذ الهاتف منه.. واستنكرت هذا الشعور الذي اخذ يراودها تجاه مازن.. واخذت تتطلع الى هاتف هذا الاخير وكأنها تحاول ان تستشف منه شخصيته.. كان هاتفا اسود اللون في حجم كف اليد.. ولا شيء آخر يميزه.. ولكن اللون اثار انتباه ملاك ربما لانها ربطت بين لون الهاتف وبين لون القميص الذي يرتديه.. ربما كان يفضل هذا اللون.. فمنذ اليوم الاول لها وهي تراه يرتدي اما قميصا او بنطالا اسود اللون..
ابعدت مازن عن تفكيرها واسرعت تتصل بوالدها.. واستمر الهاتف على الجانب الآخر بالرنين لعدة دقائق قبل ان ينقطع الرنين..فقالت ملاك بصوت خافت ومتوتر: لا احد يجيب ..
قال لها مازن: عاودي الاتصال به مرة اخرى..
من جانب آخر كان كمال يتطلع لكل ما يحدث امامه دون ان يعلق ولو بحرف واحد.. مكتفي بالصمت والتفكير في ذلك السباق الذي اقترب موعده كثيرا..وكأن لا شيء يحدث امامه وفي وجوده ..
اما ملاك فقد عاودت الاتصال بوالدها واستمعت الى الرنين طويلا.. ولكن في هذه المرة سمعت اجابة على الهاتف وصوت متعب يقول: الو من المتحدث؟..
قالت ملاك بكل اللهفة والسعادة في اعماقها:انا ملاك يا ابي.. كيف حالك؟.. لم لم تتصل بي حتى الآن؟..
قال خالد والد ملاك بابتسامة مرهقة: اعذريني يا صغيرتي.. لقد انشغلت طوال هذا اليوم.. وكنت سأتصل بك بعد ان انهي اعمالي ..
قالت ملاك بحب: اشتقت اليك يا ابي.. بأكثر مما تصور.. متى ستعود؟..انا بحاجة اليك.. اريدك ان تعود..
قال خالد وهو يتنهد: ربما نهاية هذا الاسبوع..
اقلقها استخدامه لكلمة (ربما).. فقالت باضطراب: ماذا تعني بأنك ربما تعود نهاية هذا الاسبوع يا ابي؟.. هل تعني انك ستتأخر لأكثر من ذلك؟..
قال خالد وهو معتاد على اسلوب ابنته وتعلقها به: انني اعد الايام حتى اعود يا صغيرتي.. اعمل ليل نهار حتى اعود قبل الوقت المحدد.. ولكن العمر ينتهي والعمل لا ينتهي..
واردف بابتسامة ابوية وكأن ملاك ستراها او تشعر بها: اهتمي بنفسك جيدا يا ملاك.. انا مضطر لانهاء المكالمة الآن حتى انهي ما بيدي.. اراك بخير..
قالت ملاك بصوت متحشرج: وانت كذلك يا ابي.. الى اللقاء ..
ابعدت الهاتف عن اذنها ببطء.. وشعرت بضيق كبير يعتمر في صدرها من جراء انهاء والدها للمكالمة بهذه السرعة.. ومن ثم قالت بصوت متحشرج وهي ترفع نظراتها الى مازن وتمد له يدها بالهاتف: اشكرك..
التقط الهاتف من يدها وقال مبتسما: العفو.. ولا نريد ان نرى دموعا..
وكأن عبارته قد لمست وترا حساسا بداخلها.. فسرعان ما ترقرقت الدموع في عينيها واطرقت برأسها في الم وحزن.. والتفتت عنهم دون ان تقوى على نطق حرف واحد.. وابتعدت بمقعدها عن المكان وعلى وجنتيها سالت دموع حزن ومرارة ..
وعلى تلك الطاولة تابعتها عيون الجميع.. وارتسم الاشفاق جليا في تلك العيون..ولكن عيني مازن وحدها كانت تحملان لها الاهتمام.. اهتمام اثار دهشته هو نفسه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تثاءبت ملاك وهي تستيقظ من نومها على صوت نادين.. واعتدلت في جلستها لتقول ولا تزال اثار النعاس بادية في صوتها: هل اعددتي طعام الفطور؟..
اومأت نادين براسها .. فعادت ملاك لتسألها وهي تزفر بحدة: ولا يوجد احد بالمنزل كالعادة.. اليس كذلك؟..
ارتسمت ابتسامة على شفتي نادين وقالت: لا.. بل يوجد.. مها لم تغادر اليوم..
قالت ملاك بدهشة ممزوجة بالسعادة: لم تغادر؟.. حقا؟.. ولم؟..
واستطردت ملاك بقلق: ربما كانت مريضة..
قالت نادين وهي تهز رأسها نفيا: لا ليست مريضة.. ولكني سمعتها تقول لشقيقها ان ليس لديها أي محاضرات هامة هذا اليوم ..
قالت ملاك في سرعة: اذا اذهبي اليها واخبريها انني اريد ان اتناول طعام الافطار معها..
ابتسمت نادين وقالت وهي تضع المقعد المتحرك قريبا من فراش ملاك: حسنا سأفعل آنستي..
قالتها نادين ومن ثم غادرت الغرفة .. في حين اسرعت ملاك تنهض من على فراشها لتجلس على مقعدها المتحرك.. وتحركت بمقعدها لتبحث في تلك الخزانة عن ملابس ترتديها ..ومن ثم لم تلبث ان ان غادرت الغرفة بعد ان القت على نفسها نظرة اخيرة في المرآة..وبالردهة اسرعت تحرك مقعدها المتحرك حتى وصلت عند اسفل درجات السلم..ورأت حينها نادين تهبط من على درجاته وتقول بهدوء: لقد قالت لي الآنسة مها انها ستستبدل ملابسها وتهبط في الحال..
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي ملاك..شعرت بالسعادة لان مها ستتناول معها طعام الافطار هذا اليوم.. ستجد من تتحدث اليه .. بدلا من الصمت المطبق الذي يسيطر على المائدة باكملها حتى يفقدها شهية تناول أي شيء..
في تلك اللحظة قالت نادين وهي تقترب من ملاك: اترغبين بأي شيء آنستي؟..
هزت ملاك رأسها نفيا فقالت نادين وهي تهم بالانصراف: سأذهب لأضع اطباق الفطور على المائدة اذا..
لم تعلق ملاك على عبارتها بل اخذت تتطلع الى اعلى درجات السلم وهي ترفع رأسها قليلا بانتظار نزول مها من غرفتها و...
(ما الذي تفعليه هنا؟..)
انتفضت ملاك بخوف والتفتت الى صاحب العبارة وقالت وهي تزدرد لعابها: مازن..
كان واقفا خلفها بمترين تقريبا وقال مبتسما وهو يتقدم منها: اجل هو انا .. لا تخشي شيئا لست شبحا..
قالت ملاك متسائلة: ولكن نادين اخبرتني انه لا يوجد احد بالمنزل سوى مها ..
قال مازن وهو يتحرك باتجاه السلم: لقد عدت من الخارج لاني نسيت اخذ محفظتي معي..
والتفت لها ليقول مستطردا: ولكن ما الذي تفعلينه انت هنا عند السلم؟..
قالت ملاك بابتسامة: انتظر مها..
قال مازن وهو يهز كتفيه: ولم تنتظرينها ؟.. اذهبي اليها انت ..
تلاشت الابتسامة من على شفتي ملاك.. وشعرت بغصة مرارة تملأ حلقها.. وارتسمت تلك المرارة جلية في عينيها.. وظلت صامتة دون ان تتفوه بحرف واحد.. في حين تتطلع اليها مازن بندم.. وهو يلوم نفسه مما قاله.. وسمعها تقول في تلك اللحظة وهي تطرق برأسها وتطلع الى قدميها: وكيف اذهب انا اليها؟.. هل سأصعد اليها بفدمين عاجزتين؟..
حاول مازن ان يصلح ما افسد فقال بمرح مصطنع: اعني ان احملك انا الى الطابق الاعلى..
رفعت ملاك اليه رأسها في دهشة.. ومن ثم لم تلبث وجنتاها ان توردتا بحمرة قانية..وانعقد لسانها عن الحديث.. فقال مازن مبتسما - وقد اسعده تبدل حزنها على هذا النحو - وهو يميل نحوها: لقد كنت امزح ليس الا..
واردف وهو يغمز بعينه: ولكن ان طلبت مني ذلك.. فلن اتأخر ..
ازداد تورد وجنتي ملاك.. وشعرت بضربات قلبها تخفق بقوة وسرعة عجيبة..ورفعت رأسها لمازن لتراه يصعد درجات السلم وهو يطلق صفيرا منغوما من بين شفتيه وكأن لا شيء على باله ابدا.. وكأنه لم يلهب مشاعرها نحوه.. وكأنه لا يتعمد التقرب منها.. لو كان مازن شابا مستهترا كما تقول مها.. فلماذا يهتم بي كل هذا الاهتمام؟.. لماذا هو الوحيد الذي يحنو علي؟.. لماذا هو الوحيد الذي انجذبت له؟.. هل هو قدري يا ترى؟..هل هي لعبة القدر التي تجمع وتفرق كما تشاء؟ ..
قبل ان تواصل افكارها رأت مها تهبط درجات السلم على عجل وقالت مبتسمة بمرح: ما هذا؟.. ملاك بنفسها من يطلب رؤيتي.. وتنتظرني ايضا..
ابتسمت ملاك وقالت: لقد علمت انك لم تذهبي الى الجامعة اليوم.. فقررت ان اتناول طعام الافطار معك..
قالت مها بابتسامة واسعة وهي تقترب منها: خيرا فعلت..
واقتربتا كلاهما من مائدة الافطار.. لتجلسان في مواجهة بعضهما البعض.. وقالت مها متساءلة وهي تتناول رشفة من كوب الشاي الموجود امامها: متى سيحضر استاذك؟..
قالت ملاك مبتسمة: استاذة هذه المرة.. وستحضر بعد ساعتين من الآن..
قالت مها بابتسامة: اذا لدينا الوقت الكافي لنتحدث سويا..
اومأت ملاك برأسها وقالت وهي تتناول قليلا من طبقها: بالتأكيد..
قالت مها وهي تتطلع لملاك: في الحقيقة يا ملاك.. اسعدني انك قد ابتعدت عن انطوائيتك قليلا.. واصبحت تشاركينا الحديث ..
ارتسمت ابتسامة على شفتي ملاك وقالت: لقد كنت منطوية على نفسي عندما لم ار من يهتم بي.. ولكن عندما وجدت هذا الاهتمام منكم.. قررت ان اشارككم الحديث والنزهات..
قالت مها بخبث: من تعنين بمنكم؟.. ممن رأيت الاهتمام؟ ..
ارتبكت ملاك على الرغم منها وقالت بصوت متلعثم: انت وعمي وابناء عمي جميعا..
قالت مها بابتسامة هادئة: لست اظن كمال يهتم بأحد..
واستطردت قائلة بغتة: نسيت ان اخبرك..
قالت ملاك بحيرة: ماذا؟..
- ستقام حفلة غدا في منزلنا.. اعتاد ابي اقامة مثل هذه الحفلات كلما نجح في صفقة ما بشركته.. لهذا عليك ان تجهزي شيئا ما لترتديه..
قالت ملاك وهي ترفع حاجبيها بدهشة: لم اجلب ما يناسب هذه الحفلات ابدا.. لم اظن اني سأحتاج لارتداء فستان يخص الحفلات في منزل عمي ..
قالت مها في سرعة: دعينا نرى ما جلبته معك من ملابس اذا وربما احدها قد يناسب لتلك الحفلة..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا اظن..
فكرت مها قليلا وقالت: لو استلزم الامر سنذهب الى احد المحال التجارية المشهورة ونشتري لك ما تحتاجينه من...
(وانا من سيوصلكم بكل تأكيد)
التفت كلاهما الى ناطق العبارة بدهشة .. وازدادت دهشتهم عندما رأوا مازن يعقد ذراعيه امام صدره وابتسامة على شفتيه .. وقالت مها متطلعة اليه: وما دخلك انت؟.. سنخبر السائق حتى يوصلنا الى حيث نريد..
اقترب مازن اكثر وجذب له اقرب المقاعد اليه والتي كانت عند رأس الطاولة.. أي بين ملاك ومها..وقال: بل سأوصلكم انا .. ماذا تريدون اكثر من هذا؟..مازن بنفسه يتطوع لأخذكم الى السوق..
قالت مها وهي تمط شفتيها: لا نريد.. وفر خدماتك لنفسك..
تطلعت اليها ملاك بحيرة وتساءلت بالرغم منها..ربما كان فضولا لمعرفة السبب: ولماذا؟..
قالت مها وهي تشير الى مازن: لو وافقنا على ان يأخذنا هذا الى السوق .. فأنه لن يكف عن ترديد عباراته المعتادة.." لقد تعبت".. "لقد تأخرنا".. "يكفي هذا".. لا يجعلك تأخذين راحتك بالشراء..
ابتسمت ملاك بهدوء في حين قال مازن بابتسامة: سأترك لكم حريتكم هذه المرة..
مالت مها نحوه وقالت بحنق: اتظن اني لا اعرفك يا مازن.. بعد ساعة واحدة فقط ستردد علينا هذه العبارات.. اخبرتك بأننا لا نريد الذهاب معك..
تحركت اصابع مازن على الطاولة ومن ثم قال وهو يرفع احدى حاجبيه: ولماذا تجمعين؟.. ربما كان لملاك رأي آخر..
والتفت لها ليقول: ما رأيك يا ملاك؟.. اترفضين انت ايضا ان اوصلكم الى السوق؟..
تطلعت اليه ملاك لوهلة ومن ثم ابعدت عينيها عنه.. ربما هو الخجل من ان ترفض قدوم مازن معهم.. او ربما هو قلبها الذي كان يتمنى حضور مازن معها جعلها تجيب: لا .. لست ارفض ..
شهقت مها وقالت بحدة: ما الذي فعلته؟.. اتظنين انه سيتركنا وشأننا الآن.. انه لن يتوقف عن اذلالنا طول فترة ذهابنا معه..
ازدردت ملاك لعابها وقالت بارتباك: وكيف لي ان ارفض؟ ..
اسرعت مها تلتفت لمازن وتقول: مازن ارجوك لا تتدخل.. انها امور خاصة بالفتيات.. دعنا نتصرف لوحدنا واذهب انت الى أي مكان تشاء.. لقد وافقت ملاك لمجرد الخجل منك.. اذهب الى عملك الآن..
قال مازن بعناد: بل سأنتظر حتى تجهزون لاوصلكم الى حيث تشاءون..
قالت مها بسخط: الآن فهمت لماذا تفعل كل هذا.. لانك لا تريد الذهاب الى العمل.. ولو سألك والدي سبب مغادرتك ستخبره انك كنت توصلنا الى السوق.. اليس كذلك؟..
دفع رأسها بسبابته وقال مبتسما: جيد انك عرفت الامر بنفسك ..
واردف وهو ينهض من مقعده: متى شئتم سأوصلكم ..سأذهب الى الطابق الاعلى..
اسرعت مها تقول: لدى ملاك حصة دراسية بعد ساعة ونصف ..
هز مازن كتفيه وقال وهو يغادر: لا بأس.. سننتظرها ومن ثم نغادر..
عقدت مها حاجبيها وقالت بضيق: ولماذا لا تذهب الى العمل في هذا الوقت؟..
قال منهيا النقاش: لقد انتهى الامر..
قالها وانصرف في حين قالت مها بحنق: ينتظرنا اكثر من ثلاث ساعات افضل عنده من الذهاب والعمل عند ابي..
قالت ملاك بهدوء: ربما يشعر ان العمل لدى عمي لا يشبع طموحه ..
قالت مها وهي تلوح بكفها: عمل ابي مختلف تماما عن تخصص مازن.. لهذا ترين مازن يكره العمل الذي لا يفهم منه شيئا.. ولكنه مخطأ.. ابي يحتاجه في العمل.. يحتاجه ليسيطر على الموظفين ويراقب سير العمل..
قالت ملاك بشرود: ربما كان من الصعب عليه ان يتأقلم مع عمل غير الذي تمناه في يوم..
هزت مها رأسها بقلة حيلة ومن ثم قالت: دعينا منه الآن.. هل ترغبين بمشاهدة احد الافلام؟.. لدي فيلم رائع جدا..
قالت ملاك بابتسامة: لا ما نع لدي ابدا..
تحركت ملاك بمقعدها وكذلك مها التي نهضت من خلف الطاولة.. ولكن.. توقفت ملاك بغتة وهي تتطلع الى ذلك الشخص الذي كان واقفا امامها .. رفعت رأسها له ..وعرفت حينها انه كمال...
توترت ملاك بغتة لمرآه.. ربما لانها خشت ان يجرحها بكلماته.. وازدردت لعابها دون ان تقوى على التحرك من مكانها.. في حين قالت مها بدهشة وهي تقترب من كمال: ما الذي تفعله هنا الآن يا كمال؟..
قال كمال ببرود: وما الذي تريني افعله؟..
قالت مها وهي تتنهد بحرارة: اعني لماذا جئت؟..
قال كمال وهو يلقي نظرة باردة على ملاك اقشعر لها جسد هذه الاخيرة: ليس هذا من شأنك..
قالت مها وهي تناديه: كمال .. توقف..
ولكنه تجاهلها تماما مغادرا المكان فقالت مها وهي تهز كتفيها: سيثير جنوني كمال هذا.. مع انه هو ومازن شقيقان الا انهما يختلفان في كل شيء..
قالت ملاك بصوت خافت: معك حق..
اسرعت مها قائلة: دعك منهما .. ولنذهب نحن..
اومأت ملاك برأسها وان كانت تشعر بالقلق بسبب كمال ونظرته الباردة لها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
توجهت مها بخطوات هادئة الى غرفة مازن وقالت وهي تطرق الباب: مازن .. هل استطيع الدخول؟..
وبدلا من ان يجيبها فتح الباب وقال: هل انتما جاهزتان؟..
قالت مها وهي تضع يدها عند خصرها: بلى.. ولكن الم تفكر بتغيير رأيك بعد؟..
قال مبتسما: لا تخشي شيئا لن ازعجكم هذه المرة.. فقد اتصلت بحسام واخبرته بأن يلتقي بنا في احد المراكز التجارية .. فمن حقنا ان نشتري ملابس جديدة للحفل نحن ايضا..
وجدت مها نفسها تتساءل بلهفة: حسام سيأتي ايضا؟؟..
اومأ برأسه بهدوء.. فقالت وهي تتدارك نفسها حتى لا يفهم ان لهفتها مصدرها مجيء حسام: هذا جيد حتى نرتاح من ازعاجك لنا والحاحك المستمر حتى نغادر ..
قال مازن بسخرية: لا تنسي انني انا من سيأخذكم الى هناك.. ويمكنني ان ان اعيدكم الى المنزل بعد ان اشتري انا ما اريد..
التفتت عنه مها وقالت بحنق: لا استغرب ذلك عليك ابدا..
وقالت وهي تبتعد عنه: اجهز سريعا.. نحن ننتظرك بالاسفل ..
لم يجبها مازن بل اكتفى بالدخول الى غرفته مرة اخرى.. في حين ارتسمت على شفتي مها ابتسامة واسعة وهي تبتعد عن المكان..ابتسامة تعبر عن مدى فرحتها بلقاء حسام هذا اليوم...
الجزء السادس
"مشاعرها"
اغلقت مها عينيها وهي تغط في تفكير عميق شغل ذهنها عن كل ما حولها منذ بداية صعودها للسيارة حتى تغادر النادي ..انها تشعر بخطأ تصرفها.. وبخطأ ما فعلته.. لم يكن ينبغي عليها ان تنفعل هكذا مندفعة وراء مشاعرها.. هو لا يعلم انها تحبه.. لهذا ليس ذنبه ان لم يشعر بها.. كان من الافضل لها ان تصبر وتخفي مشاعرها.. على الاقل حتى تنجح في تحريك مشاعره تجاهها.. ولكن كيف؟..
لقد حاولت مرارا وتكرارا ان تلمح له و لا تستطيع ان تفعل اكثر من ذلك.. لا تستطيع ان تصرح بحبها له هكذا علانية ..لا يوجد أي منطق يجعل الفتاة تتمتع بكل تلك الجرأة لتصرح بحبها للشاب.. الفتاة بطبيعتها الرقيقة والخجولة .. تنتظر من الشاب ان يقدم على هذه الخطوة اولا.. وليست هي من تـ...
(مها..هل انت بخير؟)
فتحت مها عينيها لتنتشل نفسها من دوامة افكارها والتفتت الى ملاك ناطقة العبارة السابقة.. ومن ثم قالت وهي تزفر بحدة: اجل .. لم تسألين؟..
قالت ملاك وهي تشير الى وجهها: لقد كنت تعقدين حاجبيك بطريقة تدل على تعبك..
- لقد كنت افكر في امر ما ليس الا..
ازدردت ملاك لعابها وتجرأت لتقول: بخصوص.. حسام؟..
التفتت لها مها في حدة وكأنها لم تتخيل ابدا ان تفهم ملاك بما جال في افكارها طوال الطريق.. وقالت بحدة على الرغم منها: وما دخل حسام بالموضوع؟..
قالت ملاك وهي تهز كتفيها: لست ادري.. ولكن حديثك الاخير معه في النادي.. جعلني اظن انك تفكرين به..
قالت مها وهي تشيح بوجهها عنها في ضيق: لست افكر به ابدا.. ولن افعل في يوم..
كانت تعلم انها كاذبة.. لم تكذب على ملاك فحسب .. بل كذبت على نفسها ايضا.. وهي تأمل ان يغيب عن افكارها تماما.. ولكن كيف لشمس الحب ان تغيب وهي في كبد سماء الاحلام؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قال مازن وهو يشير لكمال من بعيد هاتفا بصوت مرتفع: كمال.. الن تغادر؟..
اكتفى كمال بأن اشار له بكفه اشارة (لا)..فزفر مازن وقال وهو يبتعد عنه: هذا شأنك..
وابتعد عن المكان وهو يجوب ارجاء النادي..كان النادي في هذا الوقت بالذات قليل الزوار..نظرا للجو البارد ونسمات الهواء التي ترجف الابدان بعد ان انتصر الظلام على النور في تلك السماء الواسعة..مما سمح لمازن ان يجوب كما يشاء فيه دون ان يأبه بهذا او ذاك .. وطال سيره حتى توقف بغتة عند كافتيريا النادي .. وتوجهت انظاره الى الطاولة التي جلست عليها ملاك اليوم .. وتذكر ما دار بينهما اليوم من حديث.. وتذكر عبارته الساخرة لها عن سماعها لصوت الريح.. ووجد نفسه يغمض عينيه.. ويترك المجال لاصوات الرياح ونسمات الهواء لتتسلل الى اذنيه.. وبغتة فتح عينيه بقوة ودهشة.. وابتسم لنفسه بسخرية قائلا: ما بالك يا مازن؟.. هل دفعتك ابنة عمك لفعل هذا؟.. الم تتهمها بالجنون لفعلها ذاك؟.. فلم قمت بما فعلت هي اذا؟.. هل جننت انت ايضا؟..
هز رأسه وابتسامته الساخرة لم تفارق شفتيه ومن ثم قال وهو يسير مبتعدا عن المكان: ربما اردت ان اشعر بما تشعر به وهي في هذه الحال..
لم يزد على ما قاله حرفا.. بل اسرع بمغادرة المكان بسيارته متوجها الى المنزل.. ولكن اتصال هاتفي جعله يعقد حاجبيه بتفكير ومن ثم يتطلع الى الرقم للحظة.. وما ان فعل حتى زفر في حدة وقال: يا الهي.. الن تتعب هذه الفتاة ابدا؟..
واجابه قائلا: اجلا يا حنان.. ماذا تريدين؟..
قالت في سرعة: اهلا مازن.. كيف حالك؟..
قال ببرود: بخير..
قالت بالم: لم لا تجيب على مكالماتي..انني اتصل بك منذ الصباح؟ ..
عاد ليقول بملل: اخبريني ماذا تريدين؟..
قالت برجاء: اريد ان اراك .. أين انت؟..
تنهد بقوة وقال: لقد غادرت النادي وفي طريقي الى المنزل.. ربما غدا.. الى اللقاء..
انهى المكالمة في سرعة ومن ثم اغلق الهاتف بأكمله.. يعلم انه خطأه منذ البداية في تكوين علاقة مع أي فتاة.. ولكنه مع هذا لا يزال مستمرا في هذا الخطأ.. انه لا يعد أي فتاة يعرفها بأي شيء .. مجرد صداقة عابرة لا اكثر ان ارادت .. ولكن حنان هي الوحيدة التي لا تزال متشبثة به.. وتصر على ملاحقته اينما كان.. ليس ذنبه ان كانت مشاعرها تفوق الصداقة .. لقد اوضح لها الامر منذ البداية.. وهي التي تركت مشاعرها تسترسل حتى وصلت الى ما هي عليه الآن..
وصل في تلك اللحظة الى المنزل..فأوقف سيارته في الموقف الخاص بها.. ومن ثم غادرها ليدخل الى المنزل.. ويسير عبر ردهته الكبيرة والواسعة..وهناك رأى ملاك.. اعاده مرآها لما فعله قبل قليل بالنادي.. وابتسم على الرغم منه.. ولكن شيئا آخر جال بذهنه في تلك اللحظة.. شيء يتعلق بملاك.. فاليوم بدت اكثر تجاوبا مع الجميع وليس معه هو فقط.. اصبحت تتحدث بحرية.. ولا تكتفي بالكلمات المقتضبة .. وهذا يعني انها قد بدأت ترتاح لوجودها هنا وتعتاد على المكان ..
واقترب من مكان جلوس ملاك.. التي لم تكن منتبهة له بل منشدة بحواسها كلها بقراءة قصة بين يديها ..وتسلل مازن بخفة ليجذب القصة من بين يديها فجأة وفي غمرة دهشتها ويقول مبتسما: ماذا تقرئين؟..
رفعت عينيها اليه وقالت بدهشة: مازن.. متى جئت؟..
قال وهو يلوح بكفه بلا اهتمام: منذ قليل..
واردف وهو يتطلع الى عنوان القصة التي كانت تقرأها: والآن فلنر ماذا كنت تقرئين..
ابعدت نظراتها عنه في صمت فاستطرد هو بسخرية: (حب الى الابد).. اهذا ما تقرئينه؟.. لم اكن اعلم بأنك تصدقين مثل هذه التفاهات..
التفتت له ملاك بحدة وقالت بدهشة: تفاهات؟؟..
قال بسخرية وهو يقلب صفحات الرواية بين يديه: اجل تفاهات.. فمن يصدق وجود مثل هذا الحب الرومنسي في هذا العالم سوى في الافلام والروايات..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: هذا ليس صحيحا ابدا.. فقيس وليلى كانا من الواقع وليسا مجرد رواية..
قال مازن بابتسامة : انهما من زمن ولى وانتهى.. ولم يعد هناك ما يسمى بهذا الحب الرومنسي ..
قالت ملاك معترضة: من قال هذا؟.. لا يزال هذا الحب موجودا والا لما كتب عنه المؤلفين..
- لانه مجرد خيال ينبع من رؤوسهم..
- بل هو دليل على ان الحب لا يزال موجودا في هذا العالم.. ولكن انت من يرفض هذا الواقع..
قال مازن وهو يميل نحوها: اخبريني انت..اين ترين مثل هذا الحب في العالم من حولك؟..
ازدردت لعابها بتوتر حتى جف حلقها.. كانت الاجابة موجودة في اعماقها وبين مشاعرها.. كان قلبها يريد ان يجيبه بأنه اقرب مما يتصور.. فمشاعرها تجاهه تزداد لحظة بعد اخرى..وصمتت للحظة وهي تبحث عن جواب في عقلها ومن ثم قالت بابتسامة باهتة: في حب الزوج لزوجته.. في حب الابن لأمه.. في حب الاخ لأخيه..
قال مازن وهو يتخذ مجلسه على احد المقاعد ويرمي الرواية على الطاولة الصغيرة الموجودة امامه: هذا غير صحيح ابدا.. فمشاعر الابن تجاه امه هو عبارة عن عاطفة قوية تتولد مع الايام وتجعله يتعلق بها ..
قالت ملاك باصرار: ويحبها ايضا..
اومأ برأسه ومن ثم قال: ولكنه يختلف تماما عن هذا الحب الرومنسي.. حب الشاب لفتاة.. يجعله هذا الحب ينغمس حتى اذنيه فيه.. ولا يفكر في شيء سوى الحب.. ومستعد للتضحية بكل شيء من اجل هذا الحب..
قالت ملاك بهدوء: وما الخطأ في كل هذا؟..
دس اصابعه بين خصلات شعره وقال مبتسما: ان اكون محكوما ومقيدا بمشاعر لا قيمة لها..
عقدت ملاك حاجبيها من منطقه الغريب.. وقالت بضيق: ولم تعارض انت هذه المشاعر؟..
- اخبرتك لانها لا اساس لها من الصحة..
ارادت ملاك ان تسأله عن شيء آخر ولكن وجدت خجلها يمنعها فلاذت بالصمت.. وفي تلك اللحظة اقتربت مها من المكان وقالت : وان اردت ان تختار شريكة حياتك.. كيف ستختارها اذا؟..
التفتت لها ملاك بحدة.. وارتفع حاجباها بدهشة.. فهذا هو نفس السؤال الذي دار بأعماقها ولم تقو على التصريح به.. في حين قال مازن بلامبالاة: لا يجب ان يكون الحب اساس للزواج .. هناك الاعجاب.. المعرفة.. الثقة وغيرها من تلك الامور ..
قالت مها بحنق: انت شاب معقد.. ترى الفتيات من حولك.. فتظن انهن لعبة في يدك.. وانك اذا اردت ان تختار ستختار فتاة سيكون لك مصلحة ما بزواجك منها..
قال مازن وهو يسترخي بمقعده: ربما...
اما ملاك فقد تطلعت له بمرارة وحزن.. احقا يرى الحب مشاعر تافهة لا اساس لها.. ويرى اختيار شريكة حياته التي ستعيش معه طوال حياتهما لا يجب ان ينبني على الحب.. اتكون بهذا فقدت املها في مازن.. ام لأنه لم يشعر بتلك المشاعر الدافئة التي تتسلل الى قلبه فبات يتكلم عن الحب بمثل هذه الطريقة؟..لا تدري ابدا.. ولكنها قد اصبحت تخشى مشاعرها تجاه مازن.. ربما لانها تزداد قوة مع مرور الوقت.. دون ان تعلم ما هي مصير مشاعرها هذه؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الساعة العاشرة وقت اجتماع العائلة حول مائدة العشاء.. والجميع كان حاضرا في هذا الوقت.. وحتى كمال الذي يتغيب معظم ايام الاسبوع..وكان الصمت مخيما على تلك المائدة مكتفين جميعهم بتناول ملعقة ومتظاهرين بتناول الاخرى ..دون ان يعلم احدا منهم بالافكار الكثيرة التي تدور في رأس الآخرين..
فمن جهة كان امجد يفكر في مصير ابناءه وفي ملاك التي اقتحمت حياتهم فجأة والتي قد تكون سببا في حدوث الكثير من المشاكل بينه وبين اشقاءه..ومن جهة اخرى كانت مها تفكر في حسام وحبها الصامت له.. وكيف تشعره بهذا الحب الذي تحمله له في قلبها.. بينما كان كل من مازن وكمال يقكران في سباق الخيل ويتمنى كلاهما الحصول على احد المراكز الاولى.. واخيرا تفاوتت افكار ملاك ما بين مشاعرها التي بدأت تخشاها تجاه مازن وما بين والدها.. والدها الذي لم يتصل بها اليوم ابدا.. ترى هل هو مشغول بأمر منعه من الاتصال بها؟...
(عزيزتي ملاك.. فيم تفكرين؟)
التفتت ملاك الى صاحب العبارة وقالت بابتسامة باهتة: لا شيء يا عمي..
قال امجد بنبرة هادئة: اخبريني يا عزيزتي.. الست عمك؟..
اومأت برأسها ومن ثم قالت وهي تحاول ان تخفي القلق من نبرة صوتها: ابي.. لم يتصل بي اليوم ابدا..
قال امجد بابتسامة مشفقة: ربما كان مشغولا..
وتدخل مازن في الحديث قائلا: او ربما قد نسي الاتصال بك..
التفتت ملاك لمازن وقالت باستنكار: لا يمكن ان يحدث ذلك .. من المستحيل ان ينسى ابي الاتصال بي..
قال مازن بدهشة: ولماذا مستحيل؟.. اننا بشر..
قالت ملاك وهي تهز رأسها نفيا: انت لا تعرف ابي.. انه ينسى كل شيء فيما عداي..
واردفت وهي تعض على شفتها السفلى: اخشى ان يكون قد اصابه مكروه او...
قاطعها مازن في سرعة: لم لا تتصلين به انت وتطمئني عليه؟..
اشارت الى نفسها مندهشة: انا؟؟..
- اجل انت.. ما الذي يدهشك في الامر؟..
بعثرت ملاك نظراتها بعيدا عن مازن وكأنها اصبحت تخشى مواجهته ومن ثم قالت: لا اعلم ولكني اعتدت ان يتصل بي هو دائما..
قال مازن بابتسامة مرحة: اذا غيري من عادتك هذه واتصلي به .. لن تخسري شيئا..بل نحن من سيضاف الى فاتورة هاتف منزلنا سعر مكالمة دولية..
هزت ملاك رأسها نفيا ولم تتحرك من مكانها قيد انملة..فقال امجد بهدوء بعد ان رمق مازن بنظرة حازمة: حقا يا ملاك.. ان ما يقوله مازن صحيح.. لم لا تتصلين به انت وتطمئني عليه؟..
قالت ملاك وهي تشعر بغصة في حلقها: سيتصل.. انا اعلم انه سيتصل.. من المستحيل ان ينسى الاتصال بي.. لقد وعدني..
زفر مازن بحرارة ومن ثم قال: خذي..
لم تفهم ملاك مغزى عبارته ولكنها فهمت عندما تطلعت اليه ورأته يمد لها يده بهاتفه المحمول.. فتطلعت اليه بدهشة دون ان تقوى على مد يدها لأخذ الهاتف من يده.. في حين التفتت لها مها وقالت مبتسمة: خذي هاتفه يا ملاك.. واتصلي بوالدك حتى تطمئني عليه..
ترددت ملاك طويلا دون ان تجرأ على مد كفها لأخذ الهاتف من مازن.. ولكن شيء ما في نظرات مازن المشجعة.. جعلها تتخلى عن ترددها هذا للحظة وتمد كفها لتأخذ الهاتف منه.. واستنكرت هذا الشعور الذي اخذ يراودها تجاه مازن.. واخذت تتطلع الى هاتف هذا الاخير وكأنها تحاول ان تستشف منه شخصيته.. كان هاتفا اسود اللون في حجم كف اليد.. ولا شيء آخر يميزه.. ولكن اللون اثار انتباه ملاك ربما لانها ربطت بين لون الهاتف وبين لون القميص الذي يرتديه.. ربما كان يفضل هذا اللون.. فمنذ اليوم الاول لها وهي تراه يرتدي اما قميصا او بنطالا اسود اللون..
ابعدت مازن عن تفكيرها واسرعت تتصل بوالدها.. واستمر الهاتف على الجانب الآخر بالرنين لعدة دقائق قبل ان ينقطع الرنين..فقالت ملاك بصوت خافت ومتوتر: لا احد يجيب ..
قال لها مازن: عاودي الاتصال به مرة اخرى..
من جانب آخر كان كمال يتطلع لكل ما يحدث امامه دون ان يعلق ولو بحرف واحد.. مكتفي بالصمت والتفكير في ذلك السباق الذي اقترب موعده كثيرا..وكأن لا شيء يحدث امامه وفي وجوده ..
اما ملاك فقد عاودت الاتصال بوالدها واستمعت الى الرنين طويلا.. ولكن في هذه المرة سمعت اجابة على الهاتف وصوت متعب يقول: الو من المتحدث؟..
قالت ملاك بكل اللهفة والسعادة في اعماقها:انا ملاك يا ابي.. كيف حالك؟.. لم لم تتصل بي حتى الآن؟..
قال خالد والد ملاك بابتسامة مرهقة: اعذريني يا صغيرتي.. لقد انشغلت طوال هذا اليوم.. وكنت سأتصل بك بعد ان انهي اعمالي ..
قالت ملاك بحب: اشتقت اليك يا ابي.. بأكثر مما تصور.. متى ستعود؟..انا بحاجة اليك.. اريدك ان تعود..
قال خالد وهو يتنهد: ربما نهاية هذا الاسبوع..
اقلقها استخدامه لكلمة (ربما).. فقالت باضطراب: ماذا تعني بأنك ربما تعود نهاية هذا الاسبوع يا ابي؟.. هل تعني انك ستتأخر لأكثر من ذلك؟..
قال خالد وهو معتاد على اسلوب ابنته وتعلقها به: انني اعد الايام حتى اعود يا صغيرتي.. اعمل ليل نهار حتى اعود قبل الوقت المحدد.. ولكن العمر ينتهي والعمل لا ينتهي..
واردف بابتسامة ابوية وكأن ملاك ستراها او تشعر بها: اهتمي بنفسك جيدا يا ملاك.. انا مضطر لانهاء المكالمة الآن حتى انهي ما بيدي.. اراك بخير..
قالت ملاك بصوت متحشرج: وانت كذلك يا ابي.. الى اللقاء ..
ابعدت الهاتف عن اذنها ببطء.. وشعرت بضيق كبير يعتمر في صدرها من جراء انهاء والدها للمكالمة بهذه السرعة.. ومن ثم قالت بصوت متحشرج وهي ترفع نظراتها الى مازن وتمد له يدها بالهاتف: اشكرك..
التقط الهاتف من يدها وقال مبتسما: العفو.. ولا نريد ان نرى دموعا..
وكأن عبارته قد لمست وترا حساسا بداخلها.. فسرعان ما ترقرقت الدموع في عينيها واطرقت برأسها في الم وحزن.. والتفتت عنهم دون ان تقوى على نطق حرف واحد.. وابتعدت بمقعدها عن المكان وعلى وجنتيها سالت دموع حزن ومرارة ..
وعلى تلك الطاولة تابعتها عيون الجميع.. وارتسم الاشفاق جليا في تلك العيون..ولكن عيني مازن وحدها كانت تحملان لها الاهتمام.. اهتمام اثار دهشته هو نفسه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تثاءبت ملاك وهي تستيقظ من نومها على صوت نادين.. واعتدلت في جلستها لتقول ولا تزال اثار النعاس بادية في صوتها: هل اعددتي طعام الفطور؟..
اومأت نادين براسها .. فعادت ملاك لتسألها وهي تزفر بحدة: ولا يوجد احد بالمنزل كالعادة.. اليس كذلك؟..
ارتسمت ابتسامة على شفتي نادين وقالت: لا.. بل يوجد.. مها لم تغادر اليوم..
قالت ملاك بدهشة ممزوجة بالسعادة: لم تغادر؟.. حقا؟.. ولم؟..
واستطردت ملاك بقلق: ربما كانت مريضة..
قالت نادين وهي تهز رأسها نفيا: لا ليست مريضة.. ولكني سمعتها تقول لشقيقها ان ليس لديها أي محاضرات هامة هذا اليوم ..
قالت ملاك في سرعة: اذا اذهبي اليها واخبريها انني اريد ان اتناول طعام الافطار معها..
ابتسمت نادين وقالت وهي تضع المقعد المتحرك قريبا من فراش ملاك: حسنا سأفعل آنستي..
قالتها نادين ومن ثم غادرت الغرفة .. في حين اسرعت ملاك تنهض من على فراشها لتجلس على مقعدها المتحرك.. وتحركت بمقعدها لتبحث في تلك الخزانة عن ملابس ترتديها ..ومن ثم لم تلبث ان ان غادرت الغرفة بعد ان القت على نفسها نظرة اخيرة في المرآة..وبالردهة اسرعت تحرك مقعدها المتحرك حتى وصلت عند اسفل درجات السلم..ورأت حينها نادين تهبط من على درجاته وتقول بهدوء: لقد قالت لي الآنسة مها انها ستستبدل ملابسها وتهبط في الحال..
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي ملاك..شعرت بالسعادة لان مها ستتناول معها طعام الافطار هذا اليوم.. ستجد من تتحدث اليه .. بدلا من الصمت المطبق الذي يسيطر على المائدة باكملها حتى يفقدها شهية تناول أي شيء..
في تلك اللحظة قالت نادين وهي تقترب من ملاك: اترغبين بأي شيء آنستي؟..
هزت ملاك رأسها نفيا فقالت نادين وهي تهم بالانصراف: سأذهب لأضع اطباق الفطور على المائدة اذا..
لم تعلق ملاك على عبارتها بل اخذت تتطلع الى اعلى درجات السلم وهي ترفع رأسها قليلا بانتظار نزول مها من غرفتها و...
(ما الذي تفعليه هنا؟..)
انتفضت ملاك بخوف والتفتت الى صاحب العبارة وقالت وهي تزدرد لعابها: مازن..
كان واقفا خلفها بمترين تقريبا وقال مبتسما وهو يتقدم منها: اجل هو انا .. لا تخشي شيئا لست شبحا..
قالت ملاك متسائلة: ولكن نادين اخبرتني انه لا يوجد احد بالمنزل سوى مها ..
قال مازن وهو يتحرك باتجاه السلم: لقد عدت من الخارج لاني نسيت اخذ محفظتي معي..
والتفت لها ليقول مستطردا: ولكن ما الذي تفعلينه انت هنا عند السلم؟..
قالت ملاك بابتسامة: انتظر مها..
قال مازن وهو يهز كتفيه: ولم تنتظرينها ؟.. اذهبي اليها انت ..
تلاشت الابتسامة من على شفتي ملاك.. وشعرت بغصة مرارة تملأ حلقها.. وارتسمت تلك المرارة جلية في عينيها.. وظلت صامتة دون ان تتفوه بحرف واحد.. في حين تتطلع اليها مازن بندم.. وهو يلوم نفسه مما قاله.. وسمعها تقول في تلك اللحظة وهي تطرق برأسها وتطلع الى قدميها: وكيف اذهب انا اليها؟.. هل سأصعد اليها بفدمين عاجزتين؟..
حاول مازن ان يصلح ما افسد فقال بمرح مصطنع: اعني ان احملك انا الى الطابق الاعلى..
رفعت ملاك اليه رأسها في دهشة.. ومن ثم لم تلبث وجنتاها ان توردتا بحمرة قانية..وانعقد لسانها عن الحديث.. فقال مازن مبتسما - وقد اسعده تبدل حزنها على هذا النحو - وهو يميل نحوها: لقد كنت امزح ليس الا..
واردف وهو يغمز بعينه: ولكن ان طلبت مني ذلك.. فلن اتأخر ..
ازداد تورد وجنتي ملاك.. وشعرت بضربات قلبها تخفق بقوة وسرعة عجيبة..ورفعت رأسها لمازن لتراه يصعد درجات السلم وهو يطلق صفيرا منغوما من بين شفتيه وكأن لا شيء على باله ابدا.. وكأنه لم يلهب مشاعرها نحوه.. وكأنه لا يتعمد التقرب منها.. لو كان مازن شابا مستهترا كما تقول مها.. فلماذا يهتم بي كل هذا الاهتمام؟.. لماذا هو الوحيد الذي يحنو علي؟.. لماذا هو الوحيد الذي انجذبت له؟.. هل هو قدري يا ترى؟..هل هي لعبة القدر التي تجمع وتفرق كما تشاء؟ ..
قبل ان تواصل افكارها رأت مها تهبط درجات السلم على عجل وقالت مبتسمة بمرح: ما هذا؟.. ملاك بنفسها من يطلب رؤيتي.. وتنتظرني ايضا..
ابتسمت ملاك وقالت: لقد علمت انك لم تذهبي الى الجامعة اليوم.. فقررت ان اتناول طعام الافطار معك..
قالت مها بابتسامة واسعة وهي تقترب منها: خيرا فعلت..
واقتربتا كلاهما من مائدة الافطار.. لتجلسان في مواجهة بعضهما البعض.. وقالت مها متساءلة وهي تتناول رشفة من كوب الشاي الموجود امامها: متى سيحضر استاذك؟..
قالت ملاك مبتسمة: استاذة هذه المرة.. وستحضر بعد ساعتين من الآن..
قالت مها بابتسامة: اذا لدينا الوقت الكافي لنتحدث سويا..
اومأت ملاك برأسها وقالت وهي تتناول قليلا من طبقها: بالتأكيد..
قالت مها وهي تتطلع لملاك: في الحقيقة يا ملاك.. اسعدني انك قد ابتعدت عن انطوائيتك قليلا.. واصبحت تشاركينا الحديث ..
ارتسمت ابتسامة على شفتي ملاك وقالت: لقد كنت منطوية على نفسي عندما لم ار من يهتم بي.. ولكن عندما وجدت هذا الاهتمام منكم.. قررت ان اشارككم الحديث والنزهات..
قالت مها بخبث: من تعنين بمنكم؟.. ممن رأيت الاهتمام؟ ..
ارتبكت ملاك على الرغم منها وقالت بصوت متلعثم: انت وعمي وابناء عمي جميعا..
قالت مها بابتسامة هادئة: لست اظن كمال يهتم بأحد..
واستطردت قائلة بغتة: نسيت ان اخبرك..
قالت ملاك بحيرة: ماذا؟..
- ستقام حفلة غدا في منزلنا.. اعتاد ابي اقامة مثل هذه الحفلات كلما نجح في صفقة ما بشركته.. لهذا عليك ان تجهزي شيئا ما لترتديه..
قالت ملاك وهي ترفع حاجبيها بدهشة: لم اجلب ما يناسب هذه الحفلات ابدا.. لم اظن اني سأحتاج لارتداء فستان يخص الحفلات في منزل عمي ..
قالت مها في سرعة: دعينا نرى ما جلبته معك من ملابس اذا وربما احدها قد يناسب لتلك الحفلة..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا اظن..
فكرت مها قليلا وقالت: لو استلزم الامر سنذهب الى احد المحال التجارية المشهورة ونشتري لك ما تحتاجينه من...
(وانا من سيوصلكم بكل تأكيد)
التفت كلاهما الى ناطق العبارة بدهشة .. وازدادت دهشتهم عندما رأوا مازن يعقد ذراعيه امام صدره وابتسامة على شفتيه .. وقالت مها متطلعة اليه: وما دخلك انت؟.. سنخبر السائق حتى يوصلنا الى حيث نريد..
اقترب مازن اكثر وجذب له اقرب المقاعد اليه والتي كانت عند رأس الطاولة.. أي بين ملاك ومها..وقال: بل سأوصلكم انا .. ماذا تريدون اكثر من هذا؟..مازن بنفسه يتطوع لأخذكم الى السوق..
قالت مها وهي تمط شفتيها: لا نريد.. وفر خدماتك لنفسك..
تطلعت اليها ملاك بحيرة وتساءلت بالرغم منها..ربما كان فضولا لمعرفة السبب: ولماذا؟..
قالت مها وهي تشير الى مازن: لو وافقنا على ان يأخذنا هذا الى السوق .. فأنه لن يكف عن ترديد عباراته المعتادة.." لقد تعبت".. "لقد تأخرنا".. "يكفي هذا".. لا يجعلك تأخذين راحتك بالشراء..
ابتسمت ملاك بهدوء في حين قال مازن بابتسامة: سأترك لكم حريتكم هذه المرة..
مالت مها نحوه وقالت بحنق: اتظن اني لا اعرفك يا مازن.. بعد ساعة واحدة فقط ستردد علينا هذه العبارات.. اخبرتك بأننا لا نريد الذهاب معك..
تحركت اصابع مازن على الطاولة ومن ثم قال وهو يرفع احدى حاجبيه: ولماذا تجمعين؟.. ربما كان لملاك رأي آخر..
والتفت لها ليقول: ما رأيك يا ملاك؟.. اترفضين انت ايضا ان اوصلكم الى السوق؟..
تطلعت اليه ملاك لوهلة ومن ثم ابعدت عينيها عنه.. ربما هو الخجل من ان ترفض قدوم مازن معهم.. او ربما هو قلبها الذي كان يتمنى حضور مازن معها جعلها تجيب: لا .. لست ارفض ..
شهقت مها وقالت بحدة: ما الذي فعلته؟.. اتظنين انه سيتركنا وشأننا الآن.. انه لن يتوقف عن اذلالنا طول فترة ذهابنا معه..
ازدردت ملاك لعابها وقالت بارتباك: وكيف لي ان ارفض؟ ..
اسرعت مها تلتفت لمازن وتقول: مازن ارجوك لا تتدخل.. انها امور خاصة بالفتيات.. دعنا نتصرف لوحدنا واذهب انت الى أي مكان تشاء.. لقد وافقت ملاك لمجرد الخجل منك.. اذهب الى عملك الآن..
قال مازن بعناد: بل سأنتظر حتى تجهزون لاوصلكم الى حيث تشاءون..
قالت مها بسخط: الآن فهمت لماذا تفعل كل هذا.. لانك لا تريد الذهاب الى العمل.. ولو سألك والدي سبب مغادرتك ستخبره انك كنت توصلنا الى السوق.. اليس كذلك؟..
دفع رأسها بسبابته وقال مبتسما: جيد انك عرفت الامر بنفسك ..
واردف وهو ينهض من مقعده: متى شئتم سأوصلكم ..سأذهب الى الطابق الاعلى..
اسرعت مها تقول: لدى ملاك حصة دراسية بعد ساعة ونصف ..
هز مازن كتفيه وقال وهو يغادر: لا بأس.. سننتظرها ومن ثم نغادر..
عقدت مها حاجبيها وقالت بضيق: ولماذا لا تذهب الى العمل في هذا الوقت؟..
قال منهيا النقاش: لقد انتهى الامر..
قالها وانصرف في حين قالت مها بحنق: ينتظرنا اكثر من ثلاث ساعات افضل عنده من الذهاب والعمل عند ابي..
قالت ملاك بهدوء: ربما يشعر ان العمل لدى عمي لا يشبع طموحه ..
قالت مها وهي تلوح بكفها: عمل ابي مختلف تماما عن تخصص مازن.. لهذا ترين مازن يكره العمل الذي لا يفهم منه شيئا.. ولكنه مخطأ.. ابي يحتاجه في العمل.. يحتاجه ليسيطر على الموظفين ويراقب سير العمل..
قالت ملاك بشرود: ربما كان من الصعب عليه ان يتأقلم مع عمل غير الذي تمناه في يوم..
هزت مها رأسها بقلة حيلة ومن ثم قالت: دعينا منه الآن.. هل ترغبين بمشاهدة احد الافلام؟.. لدي فيلم رائع جدا..
قالت ملاك بابتسامة: لا ما نع لدي ابدا..
تحركت ملاك بمقعدها وكذلك مها التي نهضت من خلف الطاولة.. ولكن.. توقفت ملاك بغتة وهي تتطلع الى ذلك الشخص الذي كان واقفا امامها .. رفعت رأسها له ..وعرفت حينها انه كمال...
توترت ملاك بغتة لمرآه.. ربما لانها خشت ان يجرحها بكلماته.. وازدردت لعابها دون ان تقوى على التحرك من مكانها.. في حين قالت مها بدهشة وهي تقترب من كمال: ما الذي تفعله هنا الآن يا كمال؟..
قال كمال ببرود: وما الذي تريني افعله؟..
قالت مها وهي تتنهد بحرارة: اعني لماذا جئت؟..
قال كمال وهو يلقي نظرة باردة على ملاك اقشعر لها جسد هذه الاخيرة: ليس هذا من شأنك..
قالت مها وهي تناديه: كمال .. توقف..
ولكنه تجاهلها تماما مغادرا المكان فقالت مها وهي تهز كتفيها: سيثير جنوني كمال هذا.. مع انه هو ومازن شقيقان الا انهما يختلفان في كل شيء..
قالت ملاك بصوت خافت: معك حق..
اسرعت مها قائلة: دعك منهما .. ولنذهب نحن..
اومأت ملاك برأسها وان كانت تشعر بالقلق بسبب كمال ونظرته الباردة لها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
توجهت مها بخطوات هادئة الى غرفة مازن وقالت وهي تطرق الباب: مازن .. هل استطيع الدخول؟..
وبدلا من ان يجيبها فتح الباب وقال: هل انتما جاهزتان؟..
قالت مها وهي تضع يدها عند خصرها: بلى.. ولكن الم تفكر بتغيير رأيك بعد؟..
قال مبتسما: لا تخشي شيئا لن ازعجكم هذه المرة.. فقد اتصلت بحسام واخبرته بأن يلتقي بنا في احد المراكز التجارية .. فمن حقنا ان نشتري ملابس جديدة للحفل نحن ايضا..
وجدت مها نفسها تتساءل بلهفة: حسام سيأتي ايضا؟؟..
اومأ برأسه بهدوء.. فقالت وهي تتدارك نفسها حتى لا يفهم ان لهفتها مصدرها مجيء حسام: هذا جيد حتى نرتاح من ازعاجك لنا والحاحك المستمر حتى نغادر ..
قال مازن بسخرية: لا تنسي انني انا من سيأخذكم الى هناك.. ويمكنني ان ان اعيدكم الى المنزل بعد ان اشتري انا ما اريد..
التفتت عنه مها وقالت بحنق: لا استغرب ذلك عليك ابدا..
وقالت وهي تبتعد عنه: اجهز سريعا.. نحن ننتظرك بالاسفل ..
لم يجبها مازن بل اكتفى بالدخول الى غرفته مرة اخرى.. في حين ارتسمت على شفتي مها ابتسامة واسعة وهي تبتعد عن المكان..ابتسامة تعبر عن مدى فرحتها بلقاء حسام هذا اليوم...
الجزء السابع
"ابنة عمي"
قال مازن مبتسما وهو ينطلق بالسيارة الى المركز التجاري: والآن يا فتيات.. اريد هدوء طوال الطريق.. لا صراخ.. لا حديث.. ولا حتى صوت انفاسكن..
قالت مها التي تجلس بجواره بسخرية: بدأت رحلة الاوامر والاذلال..
والتفتت الى ملاك لتقول بابتسامة: الم اخبرك؟.. ها انتذا ترينه يعدد اوامره قبل ان ننطلق.. ما رأيك ان تغيري رأيك ونذهب مع السائق؟..
اسرع مازن يقول وهو يهز اصبعه السبابة نفيا: ممنوع.. ما دمتما قد ركبتما معي الآن فتحملا ما سيأتيكما..
قالت مها بضيق وهي تتطلع اليه: سخيف..
التفت لها وقال: بل احسن استغلال الفرص يا عزيزتي..
مطت مها شفتيها دون ان تعلق.. في حين اكتفت ملاك بابتسامة هادئة ارتسمت على شفتيها .. اما مازن فقد شرد ذهنه للحظات.. رأى خلالها طفلة صغيرة جالسة على مقعد ما .. تبتسم برقة وبراءة.. عيناها وشعرها كسواد الليل ..وبشرتها بيضاء كالثلج..تصنعان ضدان غريبان ورائعان ..و شاهد اثناء شروده نفسه وهو بعد في الثالثة عشرة من عمره يقترب منها ويقول متسائلا: من انت؟..
اتسعت ابتسامتها وقالت: انا اسمي ...
(مازن انتبه!)
افاق من شروده على صوت مها الخائف والمذعور.. ورأى امامه سيارة يكاد ان يصطدم بها .. وبأقصى ما امكنه من سرعة ادار مقود السيارة الى اليمين.. وتفادى الاصطدام ..وتنهد بقوة ومن ثم لم يلبث ان قال مبتسما: ما رأيكم في قيادتي للسيارات؟..
قالت مها بغضب: اتسأل ايضا؟.. اطلبت منا ان نأتي معك حتى تقتلنا؟..
قال بمرح : لا بل لأريكم براعتي في قيادة السيارات.. ارأيت كيف تفاديت السيارة؟..
قالت مها بعصبية: كيف تمزح في مثل هذه الامور ؟..
اما ملاك فقد كانت تشعر بالخوف في البداية من هذا الاصطدام الذي كاد ان يحدث .. ولكن كلمات مازن المرحة اخرجتها من الخوف الذي كانت تشعر به.. وابدلتها بابتسامة من تعليقاته التي يواجه بها غضب مها..
وتوقف بعد فترة من الوقت عند باب المركز التجاري وغادر سيارته ليخرج مقعد ملاك من صندوق السيارة.. وبالنسبة لملاك فقد شعرت برهبة تغزو قلبها بغتة.. لاول مرة تأتي الى مكان كهذا.. لاول مرة ترى كل هذا الجمع من الناس .. انتابها القلق والتردد من مغادرة السيارة..صحيح انها كانت تذهب الى النادي ولكن لم تكن ترى كل هذا الجمع وقتها وكانت تبقى وحيدة مع مها في ركن منه..اما الآن فعليها ان تندمج في كل تلك الافواج...
والتفتت بحدة وخوف عندما فتح الباب الذي يجاورها بغتة وسمعت صوت مها وهي تقول بابتسامة: هيا يا ملاك.. اجلسي على مقعدك حتى نغادر..
تطلعت ملاك الى المقعد.. شعرت انه قد يكون شيء غير مألوف لكل اولئك الناس ..وهمست وهي تلتفت عن مها: لا اريد النزول..
تطلع اليها مها بدهشة وقالت: ماذا تقولين؟..
قالت ملاك باصرار: اريد ان اعود الى المنزل.. لا اريد البقاء هنا..
اقترب مازن من باب المجاور لملاك وقال بحيرة: ما الذي يجعلك تقولين مثل هذا الكلام بعد ان وصلنا؟..
تطلعت ملاك الى الاشخاص اللذين يدخلون المركز التجاري او يخرجون منه.. فالتفت مازن خلفه ليتطلع الى ما تتطلع ومن ثم قال بابتسامة وهو يلتفت لملاك وقد فهم ما يقلقها ويجعلها ترفض النزول من السيارة: لا تقلقي.. الكل هنا يكون مشغولا بشأنه.. ولا احد يهتم الا بنفسه..
هزت ملاك راسها نفيا وقالت وهي تضم قبضيتها: لا اريد النزول.. اعيدوني الى المنزل..
وبدل من ان يجيبها مازن مد يده لها وقال مشجعا: لا تخافي ابدا.. نحن هنا معك..
تطلعت ملاك الى يده الممدودة بحيرة ونقلت بصرها بين مازن ومها.. وقالت الاخيرة مبتسمة: ما يقوله مازن صحيح.. لا داعي للخوف ما دمنا معك..
ترددت ملاك طويلا وهي ترى نظراتهم اليها ومن ثم لم تلبث ان حسمت امرها ومدت يدها لمازن ليتقطها ويعاونها على الجلوس على مقعدها.. كانت ارتجافة كف ملاك بين انامله اكبر دليل على ما حدث لمشاعرها في تلك اللحظة.. فقد كانت لمسة انامله فقط.. كفيلة لان تفجر كل المشاعر التي تحملها تجاه مازن..وتطلعت الى هذا الاخير وهي تزدرد لعابها بارتباك ورأته يبتسم لها ويقول: يالك من فتاة عنيدة..
لم تعلم ملاك لم بادلته الابتسامة بدلا من ان يحنقها ما قاله.. ربما لان مشاعرها تجاه مازن في هذه اللحظة بالذات.. كانت كافية لتجعلها تتقاضى عن أي شيء يقوله..لا تسألوها لماذا مازن بالذات.. هي نفسها لا تعلم.. ربما اهتمامه وحنانه.. ربما مرحه وسخريته.. ربما شخصيته الحازمة عند الجد.. وربما كل هذا.. لا تسألوها لماذا؟.. فليس هي من تختار بل قلبها..
واصلوا طريقهم الى داخل المركز التجاري وتوقف مازن بغتة عن السير فتوقفت مها عن دفع مقعد ملاك بدورها عندما رأت حسام وهو يقترب منهم ويقول: واخيرا حضرتم..
قال مازن بسخرية: معذرة.. ولكن الفتيات يحتجن لساعتين لتجهيز انفسهن..
قال حسام مبتسما: حمدلله ان ليس لدي أي شقيقة..
عقدت مها حاجباها وكأن لم يعجبها ما قاله حسام.. فتمنيه من عدم وجود شقيقة في حياته يعني تمنيه عدم وجود أي فتاة اخرى في حياته ايضا..والتفت لها بغتة وقال مبتسما: اهلا مها..
قالت ببرود: اهلا..
تطلع حسام الى ملاك للحظة ومن ثم قال بابتسامة غامضة: وملاك هنا ايضا.. اهلا.. كيف حالك؟..
تطلعت اليه ملاك وقالت: على ما يرام..
في حين قالت مها وقد شعرت بأنه يشك بأمر ملاك: لقد جاءت معنا لتشتري فستان للحفلة.. فكما تعلم فهي ستكون موجودة يوم الحفل..
التفت حسام عنهما ومن ثم قال متحدثا لمازن: هل سنذهب للتسوق معهما.. ام لوحدنا؟..
قال مازن بسخرية: بل لوحدنا.. هل جننت حتى اذهب للتسوق مع الفتيات؟.. لن استطيع شراء أي شيء حينها..
عقدت مها حاجباها بغضب وقالت: كف عن السخرية يا مازن.. فلا اظنك تنتهي من الشراء في اقل من ساعتين..
غمز بعينه ومن ثم قال: بل اقل من ذلك.. استمعي الي ستذهبون للشراء الآن انت وملاك وبعد ساعتين سنذهب لتناول طعام الغداء في أي من مطاعم المركز التجاري..اتفقنا؟..
اومأت كل من ملاك ومها برأسيهما.. في حين راقبت هذه الاخيرة حسام وهو يبتعد بنظرات حسرة.. يأس.. فقدان امل.. جميعها تجمعت في عيني مها في تلك اللحظة.. وقالت بصوت هادئ النبرات: فالنذهب للشراء الآن يا ملاك..
دخلتا عدد من المحلات دون ان يعجبهما شيء.. او يعجب مها بالاحرى.. فعندما كان يعجب ملاك احد الفساتين كانت مها تقول: لا.. لا يناسب الحفلة التي سيقيمها والدي.. انها ارقى من ذلك بكثير..
لم تكن ملاك تفهم سر اصرار مها على شراء شيء اكثر فخامة.. فملاك لم تعتاد مثل هذه الحفلات.. بعكس مها التي اعتادت هذا الجو والفته.. واصبحت تدرك جيدا أي من الفساتين التي تصلح لحفلة والدها ..واخيرا وقع اختيار مها على الفستان الذي سترتديه للحفل وقلت مبتسمة وهي تريه لملاك: ما رأيك به؟ ..
التفتت لها ملاك وقالت وهي تتطلع الى الفستان الذي بين يديها: رائع جدا.. سيجعلك تبدين كالنجمة في السماء..
صحكت مها بمرح ومن ثم تسائلت قائلة: وماذا عنك؟.. هل اخترت فستان ما؟..
اومأت ملاك براسها وقالت بابتسامة: بلى ولكني اخشى ان تقولي انه لا يصلح للحفل..
اسرعت مها تقول: دعيني اراه اولا..
اشارت ملاك اليه .. فقالت مها وهي تهز رأسها نفيا وتضع كفها اسفل ذقنها: انه لا يصلح حقا.. دعيني اختار انا لك..
وتلفتت حولها في المحل وقالت: دعينا نرى.. شيء راقي ومناسب لحفل والدي..
وتوقفت نظراتها بغتة عند احد الفساتين وتوجهت اليه وقالت مبتسمة: هذا مناسب جدا..
تطلعت ملاك الى الفستان وقالت بتردد: اترين ذلك حقا؟..
اومأت مها برأسها ومن ثم قالت وهي تنقل بصرها بين الفستان وبين ملاك التي تتطلع الى الفستان: ثم انه يشبهك..
اشارت ملاك الى نفسها وقالت بدهشة: يشبهني؟؟..
من جانب آخر كان مازن يتطلع الى ساعة معصمه ويقول متحدثا الى حسام: ما رأيك ان نذهب الآن لتناول طعام الغداء؟.. لقد بدأت اشعر بالجوع..
قال حسام مبتسما: وانا ايضا.. اتصل بمها وملاك واخبرهما بأننا ذاهبين لنتناول الغداء..
قال مان بسخرية: يالك من رقيق القلب.. دعهما وشأنهما ولا يهمك ان تناولا الطعام ام لا..
قال حسام وهو يخرج هاتفه من جيبه: اذا لم تتصل انت سأتصل انا..
ابتسم مازن وقال: لا بأس سأتصل..ولكن اخبرني الى هذه الدرجة تهمك الفتيات؟..
قال حسام وهو يرفع حاجبيه: اعرفك جيدا.. ستتركهن دون طعام ولا يهمك امرهن ابدا..
قال مازن وهو يهز رأسه نفيا: لا تنسى ان ملاك معنا .. من غير اللائق ان افعل بها ما افعله بمها..
زفر حسام بحدة ومن ثم قال: انني اشيد بمها التي صبرت عليك على الرغم من كل ما تفعله بها..
ضحك مازن ومن ثم لم يلبث ان اتصل بمها وقال : اين انتما؟..
اجابته قائلة: عند المطاعم..
- حسنا.. سنأتي في الحال..
اغلق هاتفه ومن ثم التفت الى حسام ليقول بسخرية: ارايت يا رقيق القلب لقد سبقونا هم الى حيث المطاعم..
هز حسام كتفيه دون ان يعلق في حين اردف مازن قائلا: فلنذهب نحن لهم الآن..
غادرا المكان صاعدين الى الطابق الاعلى باستخدام السلم الكهربائي.. ومن ثم توجها الى حيث ركن المطاعم وهناك لمح حسام مها جالسة خلف احدى الطاولات وبمواجهتها ملاك..فأشار حسام باتجاههم ومن ثم قال: ها هي مها وكذلك ملاك..
تطلع مازن الى حيث يشير حسام ومن ثم تقدم من الطاولة وقال وهو يميل باتجاه مها: لماذا لم تتصلي بنا فور انتهاءكما؟..
قالت مها وهي تلتفت له بسخرية: الم تقل اننا سنحتاج الى الكثير من الوقت حتى ننتهي من الشراء؟.. لهذا فقد ظننت انكما قد سبقتمونا الى هنا..
عقد مازن حاجبيه ومن ثم قال وهو يبتسم بسخرية: بالفعل لقد انتهينا قبلكما.. فلا اظن انكم قد انتهيتما من شراء جميع حاجاتكم بعد..
اشارت مها الى الاكياس الموضوعة بجوار مقعدها ومن ثم قالت بابتسامة نصر: اجل والدليل امامك..
ضحك حسام وهو يقترب من مازن ومن ثم قال وهو يضع يده على كتفه: اعترف.. لقد هزمتك..
التفت مازن الى حسام وقال وهو يغمز بعينه: ليس بعد..
وعاد ليلتفت الى مها قائلا: لقد انتهينا قبل هذا بكثير ولكننا انا وحسام كنا نسير في ارجاء المركز التجاري حتى يمضي الوقت وتنتهيا انت وملاك من الشراء..
قال حسام وهو يرفع حاجبيهمستغربا: نحن؟..
اومأ مازن برأسه ومن ثم قال مبتسما: والآن هيا انهضي واذهبي للجلوس بجوار ملاك..
نهضت مها من مكانها وقالت بحنق: سأفعل دون ان تقول.. فأنا اكره الجلوس الى جوارك..
واتجهت لتجلس بجوار ملاك التي ابتسمت لها وقالت بصوت منخقض: لا تغضبي.. فأنت من انتصر عليه..
لم تجبها مها بل زفرت بحدة وعقدت ذراعيها امام صدرها.. وبالمصادفة فقد اصبح حسام في مواجهة مها ومازن في مواجهة ملاك..وقال مازن وهو يحرك اصابعه على الطاولة: ماذا تريدون من الطعام الآن؟..
قال حسام هو ومها في نفس الوقت: (البيتزا)..
التفتت مها الى حسام بدهشة ومن ثم لم تلبث ان ابتسمت عندما رأته يتطلع اليها بابتسامة.. فقال مازن وهو يتطلع الى ملاك: وانت يا ملاك..
اجابته ملاك قائلة وهي لا تقوى على رفع عينيها لمواجهة نظراته: لا اعلم.. احضر لي أي شيء..
نهض مازن من مكانه وقال: فليكن..
وغادر الطاولة مبتعدا عن المكان وهنا قال حسام وهو يلتفت الى مها: صحيح يا مها.. لقد نسيت ان اسألك.. ما سر تغيبك اليوم عن الجامعة؟..
تطلعت اليه مها وابتسمت وهي تشعر بسعادة لانه اهتم بغيابها عن الجامعة ومن ثم قالت: لم يكن لدي أي محاضرات مهمة اليوم..
قال حسام بهدوء: لقد ظننت انك متعبة وكدت اتصل بك لاسال عن احوالك..ولكن عندما اتصل بي شقيقك واخبرني بأنك ستخرجين للتسوق.. علمت ان الامر ليس كذلك..
قالت مها متسائلة وسعادتها تزداد لاهتمامه بها على هذا النحو: وكيف علمت انني متغيبة هذا اليوم؟..
كانت ملاك تستمع الى الحوار الدائر بصمت.. لم تحاول التعليق او التحدث وان شعرت بأن ما قالته لها مها في ذلك اليوم غير صحيح وانها كانت تفكر بحسام..واجاب هذا الاخير قائلا:يسبب صديقتك التي تسيرين معها دائما.. فأنا لم ارك معها اليوم..
عقدت مها حاجبيها..صديقتي انا؟..وهل يعرفها هو؟.. لو كان يعرفها هو فلماذا؟.. يا الهي!.. هل يعقل ان يكون هو وصديقتي ... لا .. لا مستحيل.. لا يمكن ان يحدث هذا .. انا احبه وهو يشعر بذلك بالتأكيد يشعر .. وبالتأكيد سيبادلني هذا الحب يوما ما و... ولكن ما الذي يجعلني واثقة هكذا و...
(أنسة ملاك)
نداء حسام لملاك جعل مها تستيقظ من شرودها وتلتفت لملاك التي قالت وهي تبعد يدها التي تسند وجنتها: اجل..
قال حسام وكانه يريد التأكد من امر ما: متى سيعود والدك من سفره؟..
اجابته ملاك بحيرة: ربما بعد ثلاثة ايام..
- وهل تضايقك مها او مازن؟..
اسرعت ملاك تقول وهي تبتسم وتلتفت الى مها: على العكس.. انني اشعر ان مها اخت لي تماما..
واردفت وهي تزدرد لعابها بصوت خافت: وكذلك مازن ..
عقد حسام حاجبيه كان يريد ن يتأكد من صدق ما تقوله مها بأن ملاك هي صديقة لها.. ولكن ملاك لم تتحدث بشيء يدله على صدق او كذب ما قالته مها.. واستمر في اسالته قائلا: ومنذ متى تعرفين مها؟..
همت ملاك بقول شيء ما عندما اسرعت مهاوقاطعتها قائلة: منذ شهر تقريبا..
التفت حسام الى مها وقال ببرود: ولم لم تدع ملاك تجيب بنفسها؟.. فأنا قد سألتها هي..
احست مها بشكوكه وقالت بابتسامة وبلهجة حاولت ان تجعلها واثقة: ملاك صديقتي وسواء اجبت انا او هي..فذلك لا يهم..
التفت حسام عنها وتطلع الى مازن الذي اقترب بصينية المأكولات من الطاولة وقال بسخرية متحدثا الى حسام: اجل استمتع انت بالحديث الى مها وملاك ودعني انا احضر الطعام الى هنا ..
ابتسم حسام وقال: انت لم تنادني حتى اساعدك..
قال مازن وهو يضع الصينية على الطاولة: اذهب انت لاحضار المشروبات..
نهض حسام من مكانه مغادرا الطاولة.. في حين قال مازن وهو يشير الى احد الاطباق: لم اعرف ماذا اختار لك يا ملاك.. فأخترت لك الطعام الذي اختاره لي دائما..
ابتسمت ملاك وقالت وهي ترفع عينيها اليه: حتى عصير البرتقال؟..
ابتسم مازن وقال: وحتى هو..
قالت مها مستغربة: ما امر عصير البرتقال هذا؟..
تطلع مازن الى ملاك بابتسامة ومن ثم قال وهو يلتفت الى مها: وما شأنك انت؟.. امر بيني وبين ملاك..
قالت مها بخبث: حقا؟..
توردت وجنتا ملاك وارتبكت اطرافهافاخذت تداعب قلادتها .. وسألها مازن في تلك اللحظة: هل اهداك احد هذه القلادة؟..
قالت ملاك بدهشة وهي ترفع نظراتها له: اجل .. كيف عرفت؟..
قال وكأنه لم يسمع تتمة عبارتها: ومن هو؟..
ابتسمت ملاك وقالت وهي تعود لتداعب القلادة: انه شخص غالي جدا على قلبي..
عقد مازن حاجبيه .. ايعقل ان تكون ملاك على علاقة بشاب ما؟..ولم لا؟.. انها فتاة رائعة الجمال.. بريئة بتصرفاتها .. كبيرة بقلبها.. ولكن ماذا عن عجزها؟.. ايعقل ان الشاب الذي على علاقة معها لم يهتم بهذا الامر ابدا؟.. ربما..
وسألها قائلا: ومن هو هذا الشخص الغالي على قلبك؟..
اجابته قائلة: انه...
قاطعها حسام وهو يضع المشروبات امامهم: ها هي المشروبات..ماذا تريدين انت يا مها؟..
قالت مها مبتسمة: (كولا)..
قال حسام مبتسما وهو يضعه امامها: الن تغيريه ابدا؟..
ووضع عصير البرتقال امام مازن وقال: اعرفك لا تشرب مشروب سواه..
قال مازن وهو يتطلع له بطرف عينه: وما شانك انت.. لا تدعني اتحدث عن كأس الحليب الذي تشربه على الافطار..
قال حسام وهو يضحك بمرح ويتوجه الى مقعده: حسنا.. حسنا لا شأن لي.. اشرب ما تريد.. ولكن ما ذنب ملاك ايضا؟ ..
التفت له مازن وقال: هي من طلبت مني ان احضر لها أي شيء وانا فعلت..
- لقد قالت أي شيء ولم تقل على ذوقك..
قالت مها وهي تتناول قطعة من (البيتزا): سيبرد الطعام ان لم تتناولوه سريعا..
بدأ الجميع في تناولهم للطعام..وكان هناك احاديث متفرقة بين مازن وحسام ومها.. في حين اكتفت ملاك بكلمات بسيطة ومقتضبة عندما يسألها احد منهم عن شيء ما ..وبعد انتهاءهم قال مازن بابتسامة: كفاكم ما اكلتموه من طعام .. هيا انهضوا..
التفت له حسام وقال مازحا: ما هذا ؟..هل ستحاسبنا على ما اكلناه من طعام؟..
قالت مها ساخرة: لا تستغرب ان فعلها مازن..
التفت لها مازن وقال : كفي عن الحديث ايتها الثرثارة ولنغادر ..
- لا يوجد ثرثار غيرك هنا..
قال حسام وهو ينهض من مكانه ويجذب مازن معه: عدنا للشجار .. اخبرتك ان تدع مها وشأنها..يجب ان تحمد الله تعالى على ان لديك شقيقة تتحملك مثلها..
ابتسمت مها من عبارته.. وكذلك ملاك.. فقال مازن وهو يبتسم: ان اردت الصراحة .. فأنا لا استمتع الا عندما استفزها..
عقدت مها حاجبيها فضحك حسام وقال: لا بأس.. لا بأس.. سر امامي هيا..وكذلك انتما.. مها وملاك.. اسرعا لنغادر..
سارت مها وهي تدفع مقعد ملاك خلف حسام .. واحست ببضع النشوة والسرور لدفاعه عنها امام مازن.. وما لبثتا مها وملاك ان ركبتا سيارة هذا الاخير بعد ان غادروا جميعا المركز التجاري.. في حين انطلق حسام بسيارته .. ولم تنسى مها عبارته الاخيرة عندما قال وهو يميل باتجاه نافذة مازن قبل ان يغادر: اياك ومضايقة مها مرة اخرى ..
حينها اجابه مازن بسخرية: اظن ان مها هي شقيقتك وانا لا اعلم..
قال حسام بابتسامة: لو كان لدي شقيقة مثلها لما ضايقتها ابدا..
جعلتها عبارته الاخيرة هذه ان تحلق في سماء السعادة والاحلام .. وهي تشعر بقلبها يخفق بقوة ..واغمضت عينيها وهي تتخيل ان حسام يبادلها مشاعرها هذه.. وسيارة مازن تنطلق مبتعدة عن المكان...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
توقفت سيارة مازن بجوار المنزل وقال مازن وهو يفتح باب سيارته: اهبطي بسرعة يا مها.. فسأذهب الى النادي الآن..
تأففت مها من تصرفاته وقالت وهي تفتح باب السيارة وتتناول الاكياس معها: حسنا .. وهذه آخر مرة اذهب معك فيها الى أي مكان..
لم يهتم بعبارتها وهو يراها تتوجه الى داخل المنزل بل هبط من سيارته.. ومن ثم توجه خلف السيارة ليفتح صندوقها ويخرج مقعد ملاك وفتح الباب المجاور لها وقال مبتسما: هل اساعدك؟ ..
قالها ومن ثم مد يده لها.. مشاعر شتى هاجمت ملاك في هذه اللحظة.. وجعلت اطرافها ترتجف وهي تتذكر ما احست به عند لامست اناملها كفه..ولم تقوى على مد يدها له.. فقال مازن مستغربا: ماذا بك؟.. سأساعدك ليس الا.. اعطني يدك..
اطاعته ملاك هذه المرة.. ربما للنبرة الآمرة في صوته .. واجلسها على مقعدها ومن ثم ابتسم وقال: لا زلت مصرا على انني قد رأيتك من قبل..
قالت ملاك بابتسامة خجلة وهي تشعر برجفة جسدها كله من لمسته: ربما..
مال نحوها مازن وقال: اخبريني الم تأتي الى هنا من قبل؟..
تجمدت اطرافها للحظة وهي تراه يميل نحوها ويتطلع اليها على هذا النحو..ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تطرق برأسها: لا.. لم آتي الى هنا من قبل..
تساءل مازن بشك: أأنت متأكدة؟..
كانت ملاك تذكر انها ذهبت يوما ما الى منزل عمها وهي بعد في السادسة من عمرها.. ولكن لا تذكر أي عم .. ولا تذكر أي شيء مما حدث لها هناك.. وقالت وهي تهز كتفيها: ربما جئت الى هنا وانا بعد طفلة..
طفلة.. ترددت هذه الكلمة في رأس مازن.. وتذكر تلك الطفلة التي خطرت على ذهنه فجأة..والتي كادت ان تتسبب في الاصطدام ومن ثم لم يلبث ان قال بتفكير: اجل ربما..
واشار الى احدى الخادمات التي كانت واقفة بجوار الباب: اصطحبي ملاك الى الداخل..
عقدت حاجبيها وقالت: اعرف ان ادخل لوحدي..
ابتسم وقال: حسنا فهمت..
ولوح لها بيده مردفا: الى اللقاء..
ابتعد مازن عن المكان وبقيت ملاك تتطلع الى سيارته التي ابتعدت.. ومن ثم لم تلبث ان تنهدت وهي تدخل الى داخل المنزل متوجهة الى غرفتها و...
( اهلا بابنة العم..)
التفت ملاك بحدة الى مصدر الصوت.. وانتابها القلق والتوتر عندما شاهدت كمال يبتسم ببرود ويقول مردفا: كيف الحال؟..
ازدردت لعابها مرتين متتاليتين ومن ثم قالت بصوت خافت: بخير..
احست ملاك بغرابة سؤاله.. فلم يسبق له ان اهتم بالسؤال عنها من قبل.. ولكن من يدري ربما هي لا تفهمه.. وقال وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله: لم ارك اليوم على الغداء فظننت انك غادرت المنزل..
لم تفهم ملاك ما يقصده بعبارته.. هل يريد ان يشير الى انه لا يرغب بوجودها في المنزل او يشير الى انه قد اقلقه عدم وجودها؟ .. لن تفهم ابدا هذا الانسان..واجابت قائلة: لقد خرجنا للتسوق و..
قاطعها قائلا وهو يلتفت عنها: اعلم..
ومن ثم غادر دون ان يضيف أي كلمة اخرى.. لو فهم أي احد مغزى ما قاله فليفهم ملاك.. فقد ظلت في مكانها في حيرة من امرها تتطلع الى النقطة التي اختفى فيها..ومن ثم لم تلبث ان تحركت بقعدها باتجاه غرفتها لتدلف اليها ةتغلق الباب من خلفها.. واغمضت عينيها لوهلة..وهي تتذكر مازن ..ومساعدته لها .. لطفه واهتمامه بها..جعلاها تشعر بميل اكثر له .. كل هذا ومها تقول عنه انه يكره مساعدة الآخرين .. ولكنه ساعدني.. ليس مرة واحدة فحسب بل عدة مرات.. انه طيب القلب ولكن ربما لا يحب اظهار طيبته هذه..ربما يحاول ان يبدوا حازما غير مبالي.. ربما...
توجهت الى حيث فراشها ورفعت جسدها من على المقعد.. لتجلس على السرير وراودتها ذكرى اول لقاء لها مع مازن..
وتطلعت الى القلادة التي تحتل رقبتها ومن ثم قالت وكأنه تحادث والدها: ارأيت يا ابي.. ابناء عمي اللذين كنت تمنعني عن رؤيتهم في السابق يهتمون بي.. وليس كما ظننت.. لم يحاول احد منهم مضايقتي ابدا.. وحتى كمال.. ربما هي مجرد كلمات يقولها نظرا لشخصيته.. ولكن كل هذا لا يهمني.. ما يهمني الآن اني مع ابناء عمي .. لو تعلم يا ابي كم اشعر بالسعادة وانا معهم.. اتمنى من كل قلبي ان تسمح لي بزيارتهم بعد ان تعود من السفر.. اتمنى ذلك..
لم تشعر بنفسها وهي تغيب عن الواقع وتغط في عالم الاحلام.. ليكون رفيقها في الحلم هو.. مازن.. ولا احد سواه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت مها بعينان حالمتين الى الرسائل القصيرة التي يرسلها لها حسام ليمازحها احيانا.. رسائل عادية جدا.. ولكنها تعني لها الكثير لأنها منه..وشعرت برغبة شديدة في سماع صوته على الرغم من ان آخر لقاء لهما في المركز التجاري لم يمض عليه اقل من ساعتين.. ولكن لم تعلم لم.. ربما لانها لم تأخذ حريتها في الحديث معه هناك.. او ربما لانها تتمنى سماع المزيد من كلمات الاهتمام والحنان منه..
ولم تكتمل افكارها.. فقد قاطعها صوت رنين هاتفها المحمول وشهقت بدهشة عندما رأت المتصل هو حسام نفسه..واجابت قائلة ودهشتها لم تفارقها بعد: حسام!..
قال حسام مبتسما: اجل هو انا لم انت مندهشة هكذا؟..
قالت مها وهي تزدرد لعابها: لاني لم اتوقع اتصالك هذا ابدا..
قال حسام مبتسما: وما هو شعورك الآن بعد ان اتصلت بك؟..
كانت تريد ان تخبره انها سعيدة.. لا بل تكاد تطير من السعادة.. ولكنها لم تستطع قول شي من هذا.. وقالت مبتسمة: في الحقيقة.. اشعر ان وراء مكالمتك هذه امر ما..
ضحك حسام وقال: معك حق انها كذلك..
قالت بفضول: ما الامر اذا؟.. اخبرني بسرعة..
صمت حسام للحظة ومن ثم قال بغتة: ملاك...
مطت مها شفتيها. ملاك من جديد.. وما شأنه هو بملاك؟.. وقالت ببرود: ماذا بها ملاك؟..
قال حسام بتساؤل: انها ليست صديقتك .. اليس كذلك؟ ..
قالت وهي تحاول ان تخفي ارتباكها: بل هي كذلك..
قال حسام بجدية: مها لم لا تقولي الصدق وتريحي نفسك؟..الم اكن دائما موجودا عندما تحتاجين الي وكنت كاتم اسرارك؟.. ما الذي تغير الآن؟.. هل تتوقعين ان أي شيء تخبرينه لي سأفشيه من فوري؟..
قالت مها وهي ترمي بنفسها على الفراش: الامر ليس كذلك..
- اذا؟..
اغمضت مها عينيها.. ماذا تقول له.. ان والدها قد حذرهم من ان ينطقوا بهذا الامر لأي مخلوق.. ولكن هذا حسام صديق الطفولة والصبا.. حسام الذي تثق به اكثر من نفسها.. حسام الذي منحته قلبها دون ان تجد أي امل من مبادلته لها هذا الحب.. انها تعلم جيدا انه سيحافظ على الامر سرا لو اخبرته.. ولكن ماذا لو سأله والده واصر على ان يجيبه.. هل سيضطر حينها للكذب؟.. لا تعلم ابدا.. انها تشعر بالحيرة من اخباره من عدمه.. ولكن عليها ان تحسم امرها ..
وقالت بعدان اخذت نفسا عميقا: ملاك هي... صديقتي..
قال حسام بحدة: الى متى ستستمرين في هذا الكذب يا مها؟ .. اخبريني لماذا؟.. لا احد يفهمك كما افهمك انا.. وادرك جيدا انك تكذبين.. اخبريني من هي ملاك؟..
احست بغصة في حلقها وهي تشعر باهتمامه الكبير بملاك وبعصبيته تجاهها وقالت بصوت مختنق: اخبرتك..
- لم تخبريني سوى بالكذب..
قالت مها وهي تحاول ان تتمالك مشاعرها: اتعني اني كاذبة؟..
- اجل مادمت ترفضين قول الحقيقة..
ظلت صامتة دون ان تجيبه.. فهتف بحدة وعصبية: من هي ملاك؟..
اندهشت مها من اسلوبه في الحديث للمرة الاولى تراه على هذا النحو من العصبية والغضب.. اكل هذا من اجل ملاك؟.. وانا.. ماذا عني انا؟.. الست امثل أي شيء في حياتك يا حسام؟...
وقالت مها بمرارة: لماذا تحدثني بهذه الطريقة يا حسام؟..
تنهد حسام ودس اصابعه بين خصلات شعره ومن ثم قال: انا آسف يا مها لم اقصد.. ولكن تضايقت قليلا عندما شعرت انك تكذبين علي.. وانا اكره ان يكذب علي احد وخصوصا انت..
وخصوصا انا!!.. ما الذي يقصده؟.. واردف هو بهدوء هذه المرة وبنبرة حانية تسمعها مها نادرا منه: الن تخبريني من هي ملاك حقا يا مها؟..
ازدردت مها لعابها من عبارته ولهجته الحانية ومن ثم قالت :ولم انت مهتم هكذا بملاك؟..
قال حسام وهو يجلس على احد المقاعد بغرفته: ان اردت الصدق.. فلست مهتم بملاك.. بل مهتم بمعرفة الحقيقة منك ..
- ولم لم تسأل مازن؟.. لم انا؟..
قال مبتسما: لاني اعلم انك لا تعرفين الكذب ولن تستطيعي ان تستمري فيه معي.. اما شقيقك فلن احصل منه على حرف واحد يروي فضولي..
واستطرد قائلا: ثم انك اثبت لي ان ما اشعر به صحيح وان ملاك ليست صديقتك بعد ان طلبت مني ان اسأل مازن عوضا عنك..
قالت مها بنبرة خافته: ارجوك يا حسام.. لا اريد ان يعلم احد هذا الامر..
قال حسام بصدق: اطمئني لن يعلم عن هذا الامر مخلوق سواي.. ولكن اجيبيني عن سؤالي اولا..
قالت مها بتردد: ان ملاك هي.. هي...
- من هي ملاك؟.. اكملي..
قالت وهي ترمي المفاجاة في وجهه: ان ملاك هي ابنة عمي ..
ولم يعد هناك مجالا للتراجع..
الجزء السابع
"ابنة عمي"
قال مازن مبتسما وهو ينطلق بالسيارة الى المركز التجاري: والآن يا فتيات.. اريد هدوء طوال الطريق.. لا صراخ.. لا حديث.. ولا حتى صوت انفاسكن..
قالت مها التي تجلس بجواره بسخرية: بدأت رحلة الاوامر والاذلال..
والتفتت الى ملاك لتقول بابتسامة: الم اخبرك؟.. ها انتذا ترينه يعدد اوامره قبل ان ننطلق.. ما رأيك ان تغيري رأيك ونذهب مع السائق؟..
اسرع مازن يقول وهو يهز اصبعه السبابة نفيا: ممنوع.. ما دمتما قد ركبتما معي الآن فتحملا ما سيأتيكما..
قالت مها بضيق وهي تتطلع اليه: سخيف..
التفت لها وقال: بل احسن استغلال الفرص يا عزيزتي..
مطت مها شفتيها دون ان تعلق.. في حين اكتفت ملاك بابتسامة هادئة ارتسمت على شفتيها .. اما مازن فقد شرد ذهنه للحظات.. رأى خلالها طفلة صغيرة جالسة على مقعد ما .. تبتسم برقة وبراءة.. عيناها وشعرها كسواد الليل ..وبشرتها بيضاء كالثلج..تصنعان ضدان غريبان ورائعان ..و شاهد اثناء شروده نفسه وهو بعد في الثالثة عشرة من عمره يقترب منها ويقول متسائلا: من انت؟..
اتسعت ابتسامتها وقالت: انا اسمي ...
(مازن انتبه!)
افاق من شروده على صوت مها الخائف والمذعور.. ورأى امامه سيارة يكاد ان يصطدم بها .. وبأقصى ما امكنه من سرعة ادار مقود السيارة الى اليمين.. وتفادى الاصطدام ..وتنهد بقوة ومن ثم لم يلبث ان قال مبتسما: ما رأيكم في قيادتي للسيارات؟..
قالت مها بغضب: اتسأل ايضا؟.. اطلبت منا ان نأتي معك حتى تقتلنا؟..
قال بمرح : لا بل لأريكم براعتي في قيادة السيارات.. ارأيت كيف تفاديت السيارة؟..
قالت مها بعصبية: كيف تمزح في مثل هذه الامور ؟..
اما ملاك فقد كانت تشعر بالخوف في البداية من هذا الاصطدام الذي كاد ان يحدث .. ولكن كلمات مازن المرحة اخرجتها من الخوف الذي كانت تشعر به.. وابدلتها بابتسامة من تعليقاته التي يواجه بها غضب مها..
وتوقف بعد فترة من الوقت عند باب المركز التجاري وغادر سيارته ليخرج مقعد ملاك من صندوق السيارة.. وبالنسبة لملاك فقد شعرت برهبة تغزو قلبها بغتة.. لاول مرة تأتي الى مكان كهذا.. لاول مرة ترى كل هذا الجمع من الناس .. انتابها القلق والتردد من مغادرة السيارة..صحيح انها كانت تذهب الى النادي ولكن لم تكن ترى كل هذا الجمع وقتها وكانت تبقى وحيدة مع مها في ركن منه..اما الآن فعليها ان تندمج في كل تلك الافواج...
والتفتت بحدة وخوف عندما فتح الباب الذي يجاورها بغتة وسمعت صوت مها وهي تقول بابتسامة: هيا يا ملاك.. اجلسي على مقعدك حتى نغادر..
تطلعت ملاك الى المقعد.. شعرت انه قد يكون شيء غير مألوف لكل اولئك الناس ..وهمست وهي تلتفت عن مها: لا اريد النزول..
تطلع اليها مها بدهشة وقالت: ماذا تقولين؟..
قالت ملاك باصرار: اريد ان اعود الى المنزل.. لا اريد البقاء هنا..
اقترب مازن من باب المجاور لملاك وقال بحيرة: ما الذي يجعلك تقولين مثل هذا الكلام بعد ان وصلنا؟..
تطلعت ملاك الى الاشخاص اللذين يدخلون المركز التجاري او يخرجون منه.. فالتفت مازن خلفه ليتطلع الى ما تتطلع ومن ثم قال بابتسامة وهو يلتفت لملاك وقد فهم ما يقلقها ويجعلها ترفض النزول من السيارة: لا تقلقي.. الكل هنا يكون مشغولا بشأنه.. ولا احد يهتم الا بنفسه..
هزت ملاك راسها نفيا وقالت وهي تضم قبضيتها: لا اريد النزول.. اعيدوني الى المنزل..
وبدل من ان يجيبها مازن مد يده لها وقال مشجعا: لا تخافي ابدا.. نحن هنا معك..
تطلعت ملاك الى يده الممدودة بحيرة ونقلت بصرها بين مازن ومها.. وقالت الاخيرة مبتسمة: ما يقوله مازن صحيح.. لا داعي للخوف ما دمنا معك..
ترددت ملاك طويلا وهي ترى نظراتهم اليها ومن ثم لم تلبث ان حسمت امرها ومدت يدها لمازن ليتقطها ويعاونها على الجلوس على مقعدها.. كانت ارتجافة كف ملاك بين انامله اكبر دليل على ما حدث لمشاعرها في تلك اللحظة.. فقد كانت لمسة انامله فقط.. كفيلة لان تفجر كل المشاعر التي تحملها تجاه مازن..وتطلعت الى هذا الاخير وهي تزدرد لعابها بارتباك ورأته يبتسم لها ويقول: يالك من فتاة عنيدة..
لم تعلم ملاك لم بادلته الابتسامة بدلا من ان يحنقها ما قاله.. ربما لان مشاعرها تجاه مازن في هذه اللحظة بالذات.. كانت كافية لتجعلها تتقاضى عن أي شيء يقوله..لا تسألوها لماذا مازن بالذات.. هي نفسها لا تعلم.. ربما اهتمامه وحنانه.. ربما مرحه وسخريته.. ربما شخصيته الحازمة عند الجد.. وربما كل هذا.. لا تسألوها لماذا؟.. فليس هي من تختار بل قلبها..
واصلوا طريقهم الى داخل المركز التجاري وتوقف مازن بغتة عن السير فتوقفت مها عن دفع مقعد ملاك بدورها عندما رأت حسام وهو يقترب منهم ويقول: واخيرا حضرتم..
قال مازن بسخرية: معذرة.. ولكن الفتيات يحتجن لساعتين لتجهيز انفسهن..
قال حسام مبتسما: حمدلله ان ليس لدي أي شقيقة..
عقدت مها حاجباها وكأن لم يعجبها ما قاله حسام.. فتمنيه من عدم وجود شقيقة في حياته يعني تمنيه عدم وجود أي فتاة اخرى في حياته ايضا..والتفت لها بغتة وقال مبتسما: اهلا مها..
قالت ببرود: اهلا..
تطلع حسام الى ملاك للحظة ومن ثم قال بابتسامة غامضة: وملاك هنا ايضا.. اهلا.. كيف حالك؟..
تطلعت اليه ملاك وقالت: على ما يرام..
في حين قالت مها وقد شعرت بأنه يشك بأمر ملاك: لقد جاءت معنا لتشتري فستان للحفلة.. فكما تعلم فهي ستكون موجودة يوم الحفل..
التفت حسام عنهما ومن ثم قال متحدثا لمازن: هل سنذهب للتسوق معهما.. ام لوحدنا؟..
قال مازن بسخرية: بل لوحدنا.. هل جننت حتى اذهب للتسوق مع الفتيات؟.. لن استطيع شراء أي شيء حينها..
عقدت مها حاجباها بغضب وقالت: كف عن السخرية يا مازن.. فلا اظنك تنتهي من الشراء في اقل من ساعتين..
غمز بعينه ومن ثم قال: بل اقل من ذلك.. استمعي الي ستذهبون للشراء الآن انت وملاك وبعد ساعتين سنذهب لتناول طعام الغداء في أي من مطاعم المركز التجاري..اتفقنا؟..
اومأت كل من ملاك ومها برأسيهما.. في حين راقبت هذه الاخيرة حسام وهو يبتعد بنظرات حسرة.. يأس.. فقدان امل.. جميعها تجمعت في عيني مها في تلك اللحظة.. وقالت بصوت هادئ النبرات: فالنذهب للشراء الآن يا ملاك..
دخلتا عدد من المحلات دون ان يعجبهما شيء.. او يعجب مها بالاحرى.. فعندما كان يعجب ملاك احد الفساتين كانت مها تقول: لا.. لا يناسب الحفلة التي سيقيمها والدي.. انها ارقى من ذلك بكثير..
لم تكن ملاك تفهم سر اصرار مها على شراء شيء اكثر فخامة.. فملاك لم تعتاد مثل هذه الحفلات.. بعكس مها التي اعتادت هذا الجو والفته.. واصبحت تدرك جيدا أي من الفساتين التي تصلح لحفلة والدها ..واخيرا وقع اختيار مها على الفستان الذي سترتديه للحفل وقلت مبتسمة وهي تريه لملاك: ما رأيك به؟ ..
التفتت لها ملاك وقالت وهي تتطلع الى الفستان الذي بين يديها: رائع جدا.. سيجعلك تبدين كالنجمة في السماء..
صحكت مها بمرح ومن ثم تسائلت قائلة: وماذا عنك؟.. هل اخترت فستان ما؟..
اومأت ملاك براسها وقالت بابتسامة: بلى ولكني اخشى ان تقولي انه لا يصلح للحفل..
اسرعت مها تقول: دعيني اراه اولا..
اشارت ملاك اليه .. فقالت مها وهي تهز رأسها نفيا وتضع كفها اسفل ذقنها: انه لا يصلح حقا.. دعيني اختار انا لك..
وتلفتت حولها في المحل وقالت: دعينا نرى.. شيء راقي ومناسب لحفل والدي..
وتوقفت نظراتها بغتة عند احد الفساتين وتوجهت اليه وقالت مبتسمة: هذا مناسب جدا..
تطلعت ملاك الى الفستان وقالت بتردد: اترين ذلك حقا؟..
اومأت مها برأسها ومن ثم قالت وهي تنقل بصرها بين الفستان وبين ملاك التي تتطلع الى الفستان: ثم انه يشبهك..
اشارت ملاك الى نفسها وقالت بدهشة: يشبهني؟؟..
من جانب آخر كان مازن يتطلع الى ساعة معصمه ويقول متحدثا الى حسام: ما رأيك ان نذهب الآن لتناول طعام الغداء؟.. لقد بدأت اشعر بالجوع..
قال حسام مبتسما: وانا ايضا.. اتصل بمها وملاك واخبرهما بأننا ذاهبين لنتناول الغداء..
قال مان بسخرية: يالك من رقيق القلب.. دعهما وشأنهما ولا يهمك ان تناولا الطعام ام لا..
قال حسام وهو يخرج هاتفه من جيبه: اذا لم تتصل انت سأتصل انا..
ابتسم مازن وقال: لا بأس سأتصل..ولكن اخبرني الى هذه الدرجة تهمك الفتيات؟..
قال حسام وهو يرفع حاجبيه: اعرفك جيدا.. ستتركهن دون طعام ولا يهمك امرهن ابدا..
قال مازن وهو يهز رأسه نفيا: لا تنسى ان ملاك معنا .. من غير اللائق ان افعل بها ما افعله بمها..
زفر حسام بحدة ومن ثم قال: انني اشيد بمها التي صبرت عليك على الرغم من كل ما تفعله بها..
ضحك مازن ومن ثم لم يلبث ان اتصل بمها وقال : اين انتما؟..
اجابته قائلة: عند المطاعم..
- حسنا.. سنأتي في الحال..
اغلق هاتفه ومن ثم التفت الى حسام ليقول بسخرية: ارايت يا رقيق القلب لقد سبقونا هم الى حيث المطاعم..
هز حسام كتفيه دون ان يعلق في حين اردف مازن قائلا: فلنذهب نحن لهم الآن..
غادرا المكان صاعدين الى الطابق الاعلى باستخدام السلم الكهربائي.. ومن ثم توجها الى حيث ركن المطاعم وهناك لمح حسام مها جالسة خلف احدى الطاولات وبمواجهتها ملاك..فأشار حسام باتجاههم ومن ثم قال: ها هي مها وكذلك ملاك..
تطلع مازن الى حيث يشير حسام ومن ثم تقدم من الطاولة وقال وهو يميل باتجاه مها: لماذا لم تتصلي بنا فور انتهاءكما؟..
قالت مها وهي تلتفت له بسخرية: الم تقل اننا سنحتاج الى الكثير من الوقت حتى ننتهي من الشراء؟.. لهذا فقد ظننت انكما قد سبقتمونا الى هنا..
عقد مازن حاجبيه ومن ثم قال وهو يبتسم بسخرية: بالفعل لقد انتهينا قبلكما.. فلا اظن انكم قد انتهيتما من شراء جميع حاجاتكم بعد..
اشارت مها الى الاكياس الموضوعة بجوار مقعدها ومن ثم قالت بابتسامة نصر: اجل والدليل امامك..
ضحك حسام وهو يقترب من مازن ومن ثم قال وهو يضع يده على كتفه: اعترف.. لقد هزمتك..
التفت مازن الى حسام وقال وهو يغمز بعينه: ليس بعد..
وعاد ليلتفت الى مها قائلا: لقد انتهينا قبل هذا بكثير ولكننا انا وحسام كنا نسير في ارجاء المركز التجاري حتى يمضي الوقت وتنتهيا انت وملاك من الشراء..
قال حسام وهو يرفع حاجبيهمستغربا: نحن؟..
اومأ مازن برأسه ومن ثم قال مبتسما: والآن هيا انهضي واذهبي للجلوس بجوار ملاك..
نهضت مها من مكانها وقالت بحنق: سأفعل دون ان تقول.. فأنا اكره الجلوس الى جوارك..
واتجهت لتجلس بجوار ملاك التي ابتسمت لها وقالت بصوت منخقض: لا تغضبي.. فأنت من انتصر عليه..
لم تجبها مها بل زفرت بحدة وعقدت ذراعيها امام صدرها.. وبالمصادفة فقد اصبح حسام في مواجهة مها ومازن في مواجهة ملاك..وقال مازن وهو يحرك اصابعه على الطاولة: ماذا تريدون من الطعام الآن؟..
قال حسام هو ومها في نفس الوقت: (البيتزا)..
التفتت مها الى حسام بدهشة ومن ثم لم تلبث ان ابتسمت عندما رأته يتطلع اليها بابتسامة.. فقال مازن وهو يتطلع الى ملاك: وانت يا ملاك..
اجابته ملاك قائلة وهي لا تقوى على رفع عينيها لمواجهة نظراته: لا اعلم.. احضر لي أي شيء..
نهض مازن من مكانه وقال: فليكن..
وغادر الطاولة مبتعدا عن المكان وهنا قال حسام وهو يلتفت الى مها: صحيح يا مها.. لقد نسيت ان اسألك.. ما سر تغيبك اليوم عن الجامعة؟..
تطلعت اليه مها وابتسمت وهي تشعر بسعادة لانه اهتم بغيابها عن الجامعة ومن ثم قالت: لم يكن لدي أي محاضرات مهمة اليوم..
قال حسام بهدوء: لقد ظننت انك متعبة وكدت اتصل بك لاسال عن احوالك..ولكن عندما اتصل بي شقيقك واخبرني بأنك ستخرجين للتسوق.. علمت ان الامر ليس كذلك..
قالت مها متسائلة وسعادتها تزداد لاهتمامه بها على هذا النحو: وكيف علمت انني متغيبة هذا اليوم؟..
كانت ملاك تستمع الى الحوار الدائر بصمت.. لم تحاول التعليق او التحدث وان شعرت بأن ما قالته لها مها في ذلك اليوم غير صحيح وانها كانت تفكر بحسام..واجاب هذا الاخير قائلا:يسبب صديقتك التي تسيرين معها دائما.. فأنا لم ارك معها اليوم..
عقدت مها حاجبيها..صديقتي انا؟..وهل يعرفها هو؟.. لو كان يعرفها هو فلماذا؟.. يا الهي!.. هل يعقل ان يكون هو وصديقتي ... لا .. لا مستحيل.. لا يمكن ان يحدث هذا .. انا احبه وهو يشعر بذلك بالتأكيد يشعر .. وبالتأكيد سيبادلني هذا الحب يوما ما و... ولكن ما الذي يجعلني واثقة هكذا و...
(أنسة ملاك)
نداء حسام لملاك جعل مها تستيقظ من شرودها وتلتفت لملاك التي قالت وهي تبعد يدها التي تسند وجنتها: اجل..
قال حسام وكانه يريد التأكد من امر ما: متى سيعود والدك من سفره؟..
اجابته ملاك بحيرة: ربما بعد ثلاثة ايام..
- وهل تضايقك مها او مازن؟..
اسرعت ملاك تقول وهي تبتسم وتلتفت الى مها: على العكس.. انني اشعر ان مها اخت لي تماما..
واردفت وهي تزدرد لعابها بصوت خافت: وكذلك مازن ..
عقد حسام حاجبيه كان يريد ن يتأكد من صدق ما تقوله مها بأن ملاك هي صديقة لها.. ولكن ملاك لم تتحدث بشيء يدله على صدق او كذب ما قالته مها.. واستمر في اسالته قائلا: ومنذ متى تعرفين مها؟..
همت ملاك بقول شيء ما عندما اسرعت مهاوقاطعتها قائلة: منذ شهر تقريبا..
التفت حسام الى مها وقال ببرود: ولم لم تدع ملاك تجيب بنفسها؟.. فأنا قد سألتها هي..
احست مها بشكوكه وقالت بابتسامة وبلهجة حاولت ان تجعلها واثقة: ملاك صديقتي وسواء اجبت انا او هي..فذلك لا يهم..
التفت حسام عنها وتطلع الى مازن الذي اقترب بصينية المأكولات من الطاولة وقال بسخرية متحدثا الى حسام: اجل استمتع انت بالحديث الى مها وملاك ودعني انا احضر الطعام الى هنا ..
ابتسم حسام وقال: انت لم تنادني حتى اساعدك..
قال مازن وهو يضع الصينية على الطاولة: اذهب انت لاحضار المشروبات..
نهض حسام من مكانه مغادرا الطاولة.. في حين قال مازن وهو يشير الى احد الاطباق: لم اعرف ماذا اختار لك يا ملاك.. فأخترت لك الطعام الذي اختاره لي دائما..
ابتسمت ملاك وقالت وهي ترفع عينيها اليه: حتى عصير البرتقال؟..
ابتسم مازن وقال: وحتى هو..
قالت مها مستغربة: ما امر عصير البرتقال هذا؟..
تطلع مازن الى ملاك بابتسامة ومن ثم قال وهو يلتفت الى مها: وما شأنك انت؟.. امر بيني وبين ملاك..
قالت مها بخبث: حقا؟..
توردت وجنتا ملاك وارتبكت اطرافهافاخذت تداعب قلادتها .. وسألها مازن في تلك اللحظة: هل اهداك احد هذه القلادة؟..
قالت ملاك بدهشة وهي ترفع نظراتها له: اجل .. كيف عرفت؟..
قال وكأنه لم يسمع تتمة عبارتها: ومن هو؟..
ابتسمت ملاك وقالت وهي تعود لتداعب القلادة: انه شخص غالي جدا على قلبي..
عقد مازن حاجبيه .. ايعقل ان تكون ملاك على علاقة بشاب ما؟..ولم لا؟.. انها فتاة رائعة الجمال.. بريئة بتصرفاتها .. كبيرة بقلبها.. ولكن ماذا عن عجزها؟.. ايعقل ان الشاب الذي على علاقة معها لم يهتم بهذا الامر ابدا؟.. ربما..
وسألها قائلا: ومن هو هذا الشخص الغالي على قلبك؟..
اجابته قائلة: انه...
قاطعها حسام وهو يضع المشروبات امامهم: ها هي المشروبات..ماذا تريدين انت يا مها؟..
قالت مها مبتسمة: (كولا)..
قال حسام مبتسما وهو يضعه امامها: الن تغيريه ابدا؟..
ووضع عصير البرتقال امام مازن وقال: اعرفك لا تشرب مشروب سواه..
قال مازن وهو يتطلع له بطرف عينه: وما شانك انت.. لا تدعني اتحدث عن كأس الحليب الذي تشربه على الافطار..
قال حسام وهو يضحك بمرح ويتوجه الى مقعده: حسنا.. حسنا لا شأن لي.. اشرب ما تريد.. ولكن ما ذنب ملاك ايضا؟ ..
التفت له مازن وقال: هي من طلبت مني ان احضر لها أي شيء وانا فعلت..
- لقد قالت أي شيء ولم تقل على ذوقك..
قالت مها وهي تتناول قطعة من (البيتزا): سيبرد الطعام ان لم تتناولوه سريعا..
بدأ الجميع في تناولهم للطعام..وكان هناك احاديث متفرقة بين مازن وحسام ومها.. في حين اكتفت ملاك بكلمات بسيطة ومقتضبة عندما يسألها احد منهم عن شيء ما ..وبعد انتهاءهم قال مازن بابتسامة: كفاكم ما اكلتموه من طعام .. هيا انهضوا..
التفت له حسام وقال مازحا: ما هذا ؟..هل ستحاسبنا على ما اكلناه من طعام؟..
قالت مها ساخرة: لا تستغرب ان فعلها مازن..
التفت لها مازن وقال : كفي عن الحديث ايتها الثرثارة ولنغادر ..
- لا يوجد ثرثار غيرك هنا..
قال حسام وهو ينهض من مكانه ويجذب مازن معه: عدنا للشجار .. اخبرتك ان تدع مها وشأنها..يجب ان تحمد الله تعالى على ان لديك شقيقة تتحملك مثلها..
ابتسمت مها من عبارته.. وكذلك ملاك.. فقال مازن وهو يبتسم: ان اردت الصراحة .. فأنا لا استمتع الا عندما استفزها..
عقدت مها حاجبيها فضحك حسام وقال: لا بأس.. لا بأس.. سر امامي هيا..وكذلك انتما.. مها وملاك.. اسرعا لنغادر..
سارت مها وهي تدفع مقعد ملاك خلف حسام .. واحست ببضع النشوة والسرور لدفاعه عنها امام مازن.. وما لبثتا مها وملاك ان ركبتا سيارة هذا الاخير بعد ان غادروا جميعا المركز التجاري.. في حين انطلق حسام بسيارته .. ولم تنسى مها عبارته الاخيرة عندما قال وهو يميل باتجاه نافذة مازن قبل ان يغادر: اياك ومضايقة مها مرة اخرى ..
حينها اجابه مازن بسخرية: اظن ان مها هي شقيقتك وانا لا اعلم..
قال حسام بابتسامة: لو كان لدي شقيقة مثلها لما ضايقتها ابدا..
جعلتها عبارته الاخيرة هذه ان تحلق في سماء السعادة والاحلام .. وهي تشعر بقلبها يخفق بقوة ..واغمضت عينيها وهي تتخيل ان حسام يبادلها مشاعرها هذه.. وسيارة مازن تنطلق مبتعدة عن المكان...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
توقفت سيارة مازن بجوار المنزل وقال مازن وهو يفتح باب سيارته: اهبطي بسرعة يا مها.. فسأذهب الى النادي الآن..
تأففت مها من تصرفاته وقالت وهي تفتح باب السيارة وتتناول الاكياس معها: حسنا .. وهذه آخر مرة اذهب معك فيها الى أي مكان..
لم يهتم بعبارتها وهو يراها تتوجه الى داخل المنزل بل هبط من سيارته.. ومن ثم توجه خلف السيارة ليفتح صندوقها ويخرج مقعد ملاك وفتح الباب المجاور لها وقال مبتسما: هل اساعدك؟ ..
قالها ومن ثم مد يده لها.. مشاعر شتى هاجمت ملاك في هذه اللحظة.. وجعلت اطرافها ترتجف وهي تتذكر ما احست به عند لامست اناملها كفه..ولم تقوى على مد يدها له.. فقال مازن مستغربا: ماذا بك؟.. سأساعدك ليس الا.. اعطني يدك..
اطاعته ملاك هذه المرة.. ربما للنبرة الآمرة في صوته .. واجلسها على مقعدها ومن ثم ابتسم وقال: لا زلت مصرا على انني قد رأيتك من قبل..
قالت ملاك بابتسامة خجلة وهي تشعر برجفة جسدها كله من لمسته: ربما..
مال نحوها مازن وقال: اخبريني الم تأتي الى هنا من قبل؟..
تجمدت اطرافها للحظة وهي تراه يميل نحوها ويتطلع اليها على هذا النحو..ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تطرق برأسها: لا.. لم آتي الى هنا من قبل..
تساءل مازن بشك: أأنت متأكدة؟..
كانت ملاك تذكر انها ذهبت يوما ما الى منزل عمها وهي بعد في السادسة من عمرها.. ولكن لا تذكر أي عم .. ولا تذكر أي شيء مما حدث لها هناك.. وقالت وهي تهز كتفيها: ربما جئت الى هنا وانا بعد طفلة..
طفلة.. ترددت هذه الكلمة في رأس مازن.. وتذكر تلك الطفلة التي خطرت على ذهنه فجأة..والتي كادت ان تتسبب في الاصطدام ومن ثم لم يلبث ان قال بتفكير: اجل ربما..
واشار الى احدى الخادمات التي كانت واقفة بجوار الباب: اصطحبي ملاك الى الداخل..
عقدت حاجبيها وقالت: اعرف ان ادخل لوحدي..
ابتسم وقال: حسنا فهمت..
ولوح لها بيده مردفا: الى اللقاء..
ابتعد مازن عن المكان وبقيت ملاك تتطلع الى سيارته التي ابتعدت.. ومن ثم لم تلبث ان تنهدت وهي تدخل الى داخل المنزل متوجهة الى غرفتها و...
( اهلا بابنة العم..)
التفت ملاك بحدة الى مصدر الصوت.. وانتابها القلق والتوتر عندما شاهدت كمال يبتسم ببرود ويقول مردفا: كيف الحال؟..
ازدردت لعابها مرتين متتاليتين ومن ثم قالت بصوت خافت: بخير..
احست ملاك بغرابة سؤاله.. فلم يسبق له ان اهتم بالسؤال عنها من قبل.. ولكن من يدري ربما هي لا تفهمه.. وقال وهو يضع كفيه في جيبي بنطاله: لم ارك اليوم على الغداء فظننت انك غادرت المنزل..
لم تفهم ملاك ما يقصده بعبارته.. هل يريد ان يشير الى انه لا يرغب بوجودها في المنزل او يشير الى انه قد اقلقه عدم وجودها؟ .. لن تفهم ابدا هذا الانسان..واجابت قائلة: لقد خرجنا للتسوق و..
قاطعها قائلا وهو يلتفت عنها: اعلم..
ومن ثم غادر دون ان يضيف أي كلمة اخرى.. لو فهم أي احد مغزى ما قاله فليفهم ملاك.. فقد ظلت في مكانها في حيرة من امرها تتطلع الى النقطة التي اختفى فيها..ومن ثم لم تلبث ان تحركت بقعدها باتجاه غرفتها لتدلف اليها ةتغلق الباب من خلفها.. واغمضت عينيها لوهلة..وهي تتذكر مازن ..ومساعدته لها .. لطفه واهتمامه بها..جعلاها تشعر بميل اكثر له .. كل هذا ومها تقول عنه انه يكره مساعدة الآخرين .. ولكنه ساعدني.. ليس مرة واحدة فحسب بل عدة مرات.. انه طيب القلب ولكن ربما لا يحب اظهار طيبته هذه..ربما يحاول ان يبدوا حازما غير مبالي.. ربما...
توجهت الى حيث فراشها ورفعت جسدها من على المقعد.. لتجلس على السرير وراودتها ذكرى اول لقاء لها مع مازن..
وتطلعت الى القلادة التي تحتل رقبتها ومن ثم قالت وكأنه تحادث والدها: ارأيت يا ابي.. ابناء عمي اللذين كنت تمنعني عن رؤيتهم في السابق يهتمون بي.. وليس كما ظننت.. لم يحاول احد منهم مضايقتي ابدا.. وحتى كمال.. ربما هي مجرد كلمات يقولها نظرا لشخصيته.. ولكن كل هذا لا يهمني.. ما يهمني الآن اني مع ابناء عمي .. لو تعلم يا ابي كم اشعر بالسعادة وانا معهم.. اتمنى من كل قلبي ان تسمح لي بزيارتهم بعد ان تعود من السفر.. اتمنى ذلك..
لم تشعر بنفسها وهي تغيب عن الواقع وتغط في عالم الاحلام.. ليكون رفيقها في الحلم هو.. مازن.. ولا احد سواه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت مها بعينان حالمتين الى الرسائل القصيرة التي يرسلها لها حسام ليمازحها احيانا.. رسائل عادية جدا.. ولكنها تعني لها الكثير لأنها منه..وشعرت برغبة شديدة في سماع صوته على الرغم من ان آخر لقاء لهما في المركز التجاري لم يمض عليه اقل من ساعتين.. ولكن لم تعلم لم.. ربما لانها لم تأخذ حريتها في الحديث معه هناك.. او ربما لانها تتمنى سماع المزيد من كلمات الاهتمام والحنان منه..
ولم تكتمل افكارها.. فقد قاطعها صوت رنين هاتفها المحمول وشهقت بدهشة عندما رأت المتصل هو حسام نفسه..واجابت قائلة ودهشتها لم تفارقها بعد: حسام!..
قال حسام مبتسما: اجل هو انا لم انت مندهشة هكذا؟..
قالت مها وهي تزدرد لعابها: لاني لم اتوقع اتصالك هذا ابدا..
قال حسام مبتسما: وما هو شعورك الآن بعد ان اتصلت بك؟..
كانت تريد ان تخبره انها سعيدة.. لا بل تكاد تطير من السعادة.. ولكنها لم تستطع قول شي من هذا.. وقالت مبتسمة: في الحقيقة.. اشعر ان وراء مكالمتك هذه امر ما..
ضحك حسام وقال: معك حق انها كذلك..
قالت بفضول: ما الامر اذا؟.. اخبرني بسرعة..
صمت حسام للحظة ومن ثم قال بغتة: ملاك...
مطت مها شفتيها. ملاك من جديد.. وما شأنه هو بملاك؟.. وقالت ببرود: ماذا بها ملاك؟..
قال حسام بتساؤل: انها ليست صديقتك .. اليس كذلك؟ ..
قالت وهي تحاول ان تخفي ارتباكها: بل هي كذلك..
قال حسام بجدية: مها لم لا تقولي الصدق وتريحي نفسك؟..الم اكن دائما موجودا عندما تحتاجين الي وكنت كاتم اسرارك؟.. ما الذي تغير الآن؟.. هل تتوقعين ان أي شيء تخبرينه لي سأفشيه من فوري؟..
قالت مها وهي ترمي بنفسها على الفراش: الامر ليس كذلك..
- اذا؟..
اغمضت مها عينيها.. ماذا تقول له.. ان والدها قد حذرهم من ان ينطقوا بهذا الامر لأي مخلوق.. ولكن هذا حسام صديق الطفولة والصبا.. حسام الذي تثق به اكثر من نفسها.. حسام الذي منحته قلبها دون ان تجد أي امل من مبادلته لها هذا الحب.. انها تعلم جيدا انه سيحافظ على الامر سرا لو اخبرته.. ولكن ماذا لو سأله والده واصر على ان يجيبه.. هل سيضطر حينها للكذب؟.. لا تعلم ابدا.. انها تشعر بالحيرة من اخباره من عدمه.. ولكن عليها ان تحسم امرها ..
وقالت بعدان اخذت نفسا عميقا: ملاك هي... صديقتي..
قال حسام بحدة: الى متى ستستمرين في هذا الكذب يا مها؟ .. اخبريني لماذا؟.. لا احد يفهمك كما افهمك انا.. وادرك جيدا انك تكذبين.. اخبريني من هي ملاك؟..
احست بغصة في حلقها وهي تشعر باهتمامه الكبير بملاك وبعصبيته تجاهها وقالت بصوت مختنق: اخبرتك..
- لم تخبريني سوى بالكذب..
قالت مها وهي تحاول ان تتمالك مشاعرها: اتعني اني كاذبة؟..
- اجل مادمت ترفضين قول الحقيقة..
ظلت صامتة دون ان تجيبه.. فهتف بحدة وعصبية: من هي ملاك؟..
اندهشت مها من اسلوبه في الحديث للمرة الاولى تراه على هذا النحو من العصبية والغضب.. اكل هذا من اجل ملاك؟.. وانا.. ماذا عني انا؟.. الست امثل أي شيء في حياتك يا حسام؟...
وقالت مها بمرارة: لماذا تحدثني بهذه الطريقة يا حسام؟..
تنهد حسام ودس اصابعه بين خصلات شعره ومن ثم قال: انا آسف يا مها لم اقصد.. ولكن تضايقت قليلا عندما شعرت انك تكذبين علي.. وانا اكره ان يكذب علي احد وخصوصا انت..
وخصوصا انا!!.. ما الذي يقصده؟.. واردف هو بهدوء هذه المرة وبنبرة حانية تسمعها مها نادرا منه: الن تخبريني من هي ملاك حقا يا مها؟..
ازدردت مها لعابها من عبارته ولهجته الحانية ومن ثم قالت :ولم انت مهتم هكذا بملاك؟..
قال حسام وهو يجلس على احد المقاعد بغرفته: ان اردت الصدق.. فلست مهتم بملاك.. بل مهتم بمعرفة الحقيقة منك ..
- ولم لم تسأل مازن؟.. لم انا؟..
قال مبتسما: لاني اعلم انك لا تعرفين الكذب ولن تستطيعي ان تستمري فيه معي.. اما شقيقك فلن احصل منه على حرف واحد يروي فضولي..
واستطرد قائلا: ثم انك اثبت لي ان ما اشعر به صحيح وان ملاك ليست صديقتك بعد ان طلبت مني ان اسأل مازن عوضا عنك..
قالت مها بنبرة خافته: ارجوك يا حسام.. لا اريد ان يعلم احد هذا الامر..
قال حسام بصدق: اطمئني لن يعلم عن هذا الامر مخلوق سواي.. ولكن اجيبيني عن سؤالي اولا..
قالت مها بتردد: ان ملاك هي.. هي...
- من هي ملاك؟.. اكملي..
قالت وهي ترمي المفاجاة في وجهه: ان ملاك هي ابنة عمي ..
ولم يعد هناك مجالا للتراجع..
الجزء الثامن
"حفل"
صمت دام لأكثر من دقيقة كاملة ران على كل من مها وحسام بعد عبارتها الاخيرة له.. لم يسمع خلالها الا صوت انفاسهما .. صمت شعرت خلاله مها بخطأ ما فعلته وقالته.. وصمت قضاه حسام في تفكير عميق..وقاطع هذا الاخير هذا الصمت اخيرا ليقول: اذا فهي ابنة عمك..
ازدردت مها لعابها دون ان تقوى على الحديث .. احست بفداحة ما فعلته .. لقد ااتمنها والدهاعلى ملاك فخانت ثقته هذه .. لم تعلم ماذا تقول او بم تجيب فآثرت الصمت.. في حين اردف حسام وهو يزفر بحدة: ابنة عمك ملاك التي يبحث عنها جميع اعمامك.. واللذين لا يعلمون لها طريق.. وفي النهاية تكون موجودة في منزلكم..
قالت مها بقلق وخوف: ارجوك يا حسام.. ارجوك لا تخبر احدا بما قلته لك..
قال بهدوء: لن افعل..ولكن اخبريني كيف وافق والدك على ان يترك ملاك عنده.. الم يخشَ عليها من اخوته؟..
- بلى ولكن.. لم يكن هناك من حل سواه.. فوالد ملاك مسافر الى الخارج وربما سيطول سفره.. لهذا لا يريد ان تبقى وحيدة كل هذا الوقت في المنزل.. فاقترح ان يأتي بها الى المنزل .. ومن جانب والدي فقد وافق على هذا الامر وطلب منا ان لا نخبر مخلوق عن هذا الامر..
واردفت بتوتر وهي لاتزال تشعر بخطأها عندما اخبرته: ولكني اخبرتك لاني اثق بك.. واعلم جيدا انك لن تخبر عنها أي احد.. اليس كذلك؟..
ابتسم حسام وقال في لهجة صادقة: ايراودك أي شك في ذلك؟ ..
ازدردت لعابها ومن ثم قالت: لا ولكني اخشى على ملاك.. فكما رأيتها هي فتاة قليلة الخبرة والتجارب.. وليس لها أي قوة لمواجهة أعمامي اللذين لا يستهدفون من وراءها سوى الثروة..
- معك حق..ان ملاك كالطفلة التي لم تلوثها هذه الحياة بسوادها بعد..
قالت مها في غيرة واضحة: ولم تمتدح ملاك هكذا؟..
ابتسم حسام قوال: ليس مديحا بل حقيقة..
قالت مها في ضيق: حقا؟..
قال حسام مبتسما: ولم تتضايقين عندما امتدح ملاك؟..
قالت بحدة: ولم تمتدح ملاك وتهتم لأمرها من الاساس؟..
قال حسام بحيرة: من قال اني مهتم بأمر ملاك؟..
قالت بحدة اكبر: تصرفاتك.. لا تلبث ان تسأل عنها بين الفينة والاخرى..
قال حسام مبتسما: ايتها الغبية من قال ان ملاك تهمني.. ما يهمني فعلا هو ان لا تكذبي علي مرة اخرى..
قالت مها بصوت خافت وبلهجة خجلة: وهل يهمك ان قلت لك الصدق ام لا؟..
- اجل..يهمني كثيرا..
واردف بلهجة حانية: لا اريد ان تكذبي علي مرة اخرى.. مهما حصل.. اخبريني بالحقيقة وسأفعل المستحيل لمساعدتك ان تطلب الامر..
قالت مها وهي تذكره: ملاك من تحتاج الينا الآن..
تنهد حسام وقال: اعلم.. لا تقلقي.. اقسم لك اني لن انطق بأي حرف لاي شخص كان عن هذا الامر..
قالت مها مبتسمة: اشكرك لأنك تفهمت الموقف..
قال حسام وهو يتطلع الى ساعة يده: اتركك الآن يا مها.. وعذرا على الازعاج..
قالت مها في سرعة: ابدا لم يكن هناك أي ازعاج..
ابتسم حسام وقال: حسنا اذا اراك بخير..
قالت مها مبتسمة: الى اللقاء يا حسام..
وما ان انهى الاتصال حتى ردفت بلهجة حانية ومليئة بكل ما اعتمر قلبها من حب: يا اول من احببت في حياتي..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
((من انت؟))
((انا اسمي ملاك))
((هل جئت الى هنا وحدك؟))
((لا.. جئت مع ابي))
فتحت ملاك عينيها بغتة لتستيقظ من احلامها على صوت طرقات على باب غرفتها.. وتطلعت بارهاق الى الساعة المجاورة لفراشها والتي كانت تشير الى السادسة مساءا..واعتدلت في جلستها لتقول وهي تتثاءب: من؟..
سمعت صوت مازن وهو يقول: انه انا..مازن..
ارتفع حاجباها بدهشة ومن ثم ما لبثت ان قالت وهي تزدرد لعابها: وما الذي تريده؟..
ابتسم مازن الذي يقف خلف الباب وقال: الاطمئنان عليك فحسب..
توترت ملاك قليلا وشعرت ببعض الارتباك والخجل.. مازن جاء ليطمئن عليها هي..رفعت جسدها عن الفراش لتلقيه على المقعد وقالت في سرعة: لحظة واحدة..
حركت عجلات مقعدها الى حيث المرآة والتقطت المشط لتقوم باعادة ترتيب خصلات شعرها المبعثرة من النوم.. واسرعت تفتح الباب بعد ذلك وهي ترفع رأسها لتتطلع اليه.. فقال هو مبتسما وهو يتطلع اليها: لقد جاءت مها قبل قليل وطرقت الباب اكثر من مرة وعندما لم تسمع اجابة منك قلقنا عليك فجئت لأطرق الباب بعدها لأتأكد انك بخير..
قالت ملاك بابتسامة: لقد كنت نائمة..
قال مازن وهو يتطلع اليها بنظرات غامضة: حسنا ما دمت قد اطمأننت عليك فسأغادر.. مع السلامة..
لاحقته ملاك بنظراتها ومن ثم قالت بصوت لم يسمعه سواها: مع السلامة..
شعرت بمشاعر غريبة تغزو قلبها وتزداد كلما رأت مازن ..لا تشعر بهذه المشاعر الا اذا رأت مازن او تحدثت اليه.. مشاعر اخذت تشعرها بالشوق له.. بالاهتمام لأي امر يخصه.. مشاعر شتى تجعل قلبها يخفق بقوة كلما رأته و...
قطع افكارها صوت رنين هاتف مازن المحمول لم يكن قد ابتعد كثيرا عنها بعد.. مما جعلها تسمعه يقول وهو يبتعد مغادرا المنزل: اجل ماذا تريدين؟..
"تريدين".. اذا فهو يحادث فتاة..تتذكر ملاك مرة انه اخبرها ان لديه الكثير من المعجبات بسبب فوزه في احدى المسابقات .. ربما هذه الفتاة هي احدى تلك المعجبات.. ربما..
لم تجد ما تكمل به افكارها فتحركت في ارجاء الردهة بملل ..وسمعت بغتة صوت مها وهي تناديها قائلة: ملاك..
التفتت لها ملاك وقالت بهدوء: اجل..
تطلعت لها مها ومن ثم قالت: لم ارك اليوم بأكمله.. ماذا تفعلين؟..
اشارت ملاك باتجاه غرفتها ومن ثم قالت: لقد كنت نائمة عندما طرقت باب الغرفة..
قالت مها باستغراب: اية غرفة؟..
اجابتها ملاك قائلة: غرفتي..
قالت مها وهي تهز رأسها نفيا: لم اطرق عليك الباب مطلقا.. لقد ظننت انك تدرسين..
قالت ملاك بدهشة: ولكن مازن قال لي انك قد طرقت علي الباب فقلقت علي عندما لم تسمعي مني ردا..
قالت مها بابتسامة واسعة: وصدقتيه بهذه البساطة.. تجدينه هو من طرق عليك الباب في المرة الاولى..
قالت ملاك ببراءة: ولم يكذب علي؟..كان بامكانه اخباري انه هو من طرق علي الباب في المرة الاولى..
- هكذا هو مازن.. مكابر وعنيد..
واردفت مها قائلة: دعك منه واخبريني هل ارتديت فستانك الجديد لتجربيه؟..
هزت ملاك راسها نفيا..فاردفت مها متسائلة: ولم لم تجربيه؟..
قالت ملاك بابتسامة: لا لشيء ولكني احسست انه لا يصلح الا ليوم الحفلة..
قالت مها وهي تتنهد: متى يأتي الغد؟..
تطلعت اليها ملاك وقالت مستغربة: ايهمك هذا الحفل الى هذه الدرجة؟..
قالت مها مبتسمة: ليس الحفل ولكن من سيكون فيه..
- من تعنين؟؟..
صمتت مها دون ان تجيب.. ولكن قلبها اجاب عن هذا السؤال..اجاب بكل الحب الذي يحمله.. اجاب بكلمة واحدة..حسام..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
هبط مازن من على ظهر حصانه وربت على ظهر ه وقال متحدثا الى احد الزملاء: هلا اخذته الى الاسطبل؟..
قال زميله مبتسما: بكل سرور..
والتقط لجام حصان مازن من يده واخذه الى الاسطبل.. في حين غادر مازن حلبة السباق.. وتوجه بخطوات هادئة الى حيث الكافتيريا.. ولكنه توقف بغتة عندما سمع صوت شخص ما يناديه.. زفر بقوة وملل ومن ثم قال: يا الهي ..متى ستمل هذه الفتاة؟..
والتفت الى حنان التي اقتربت منه وقالت بحدة: لماذا تتجاهل نداءاتي وتتهرب من لقاءي يا مازن؟..
قال مازن ببرود: لاني سأمت سماع كلماتك المكررة..
قالت حنان بعصبية: ولكن كنا دائما معا ولم تكن يوما تمل من سماع ما كنت اقوله لك..
قال مازن وهو يرفع كفه منهيا النقاش: حنان اخبرتك مائة مرة ان ما بيننا كان في حدود الصداقة فقط ولا يتعداه..
واردف وهو يهم بالابتعاد عنها: عن اذنك..
ولكن حنان وقفت في وجهه وقالت: لم تكن يوما هكذا يا مازن.. كنت تعاملني بطريقة مختلفة.. وانت تعلم جيدا ان مشاعري لك تفوق حدود الصداقة..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره وقال بسخرية: هل وعدتك بشيء؟..
قالت وفي عينيها نظرة رجاء: ولكنك منحتني اهتماما جعلني ...
صمتت دون ان تكمل عبارتها فقال مازن بملل: ابتعدي عن طريقي اذا..
لم تتحرك من مكانها فقال مازن وهو يزفر بحدة ويعقد ذراعيه امام صدره: وما المطلوب مني الآن؟..ان ابادلك المشاعر بالرغم مني ام ماذا؟..
قالت حنان بصوت خافت: فقط لا تتجاهلني..
ابعدها عن طريقه وسار مبتعدا ومن ثم قال: سأحاول..
واردف بسخرية: مع انك مزعجة..
قالها واكمل طريقه مغادرا النادي.. اكبر خطا فعله بحياته انه تقرب من حنان ليحصل على صداقتها في يوم..لم يتخيل ان مشاعرها ستتعدى حدود الصداقة.. ولكن مع هذا استمر معها حتى شعر بالملل من عبارتها الدائمة له والتي تشير الى ان مشاعرها تفوق الصداقة.. وحينها قرر ان يتركها ويتجاهلها .. ولكنها ظلت تلاحقه على الرغم من ذلك.. لهذا ليس ذنبه ان كانت لا تريد ان تفهم انه لم يحمل أي مشاعر لها في يوم ...
انطلق بسيارته متوجها الى المنزل وما ان وصل حتى غادر سيارته واقفلها بواسطة جهاز التحكم عن بعد.. وفي نفس اللحظة كان كمال قد وصل بسيارته وغادرها بدوره.. واتجه نحوه مازن ليقول: انت تعلم بأمر حفلة الغد اليس كذلك؟..
قال كمال بهدوء: بلى..
قال مازن بحزم: اذا لا تغادر المنزل وتترك الجميع ينتظرك ويسأل عنك مثل ما فعلت قبل ثلاثة اشهر..
قال كمال ببرود: لن افعل..
واردف وهو يلتفت الى مازن: ثم ان هذه الحفلة مختلفة.. فأبنة عمك المصون ستكون موجودة ايضا..
تطلع اليه مازن وقال بتساؤل: ما الذي تعنيه؟..
واصل كمال سيره وقال بلامبالاة: لا شيء..
ولكن مازن امسك بذراعه واوقفه قائلا: ماذا تعني بقولك أن ابنة عمك ستكون هنا هذه المرة؟.. ما الذي اختلف؟..
ابتسم كمال ابتسامة باردة دون ان يعلق فقال مازن بصرامة: لا تنسى ما قاله لنا والدي.. لا يريد لأحد ان يعلم عن موضوع ملاك.. اتفهم..
ابعد كمال ذراع مازن عنه وقال ببرود شديد: هذا ليس من شأنك ..
قال مازن بعصبية : بل من شأني ..ملاك ابنة عمي .. وانت تعلم عواقب الامر لو وصل هذا الامر الى اعمامي..
التفت له كمال وقال: لا تخشى شيئا.. شقيقك ليس حقيرا.. واكمل طريقه دون ان ينطق بحرف زائد.. في حين زفر مازن بحدة وقوة.. ان كان يخشى على امر ملاك ان ينكشف .. فيجب ان يخشى من كمال.. فبأسلوبه اللامبالي ربما يخبر أي من اعمامه عنها لو سألوه عن ملاك..
واصل مازن طريقه الى داخل المنزل..وابتسم بسخرية عندما رأى مها جالسة في الردهة تتطلع الى الخاتمين اللذين ترتديهما وتتحدث الى نفسها قائلة: ايهما ارتديه للغد؟.. هذا ام ذاك؟.. لا اعلم ايهما اجمل فكلاهما...
تقدم منها مازن وقال يقاطعها وهو يجلس على مقعد مجاور لها: واخيرا وجدت الدليل الذي يثبت جنونك..
التفتت له مها ولم تهتم بسخريته التي اعتادتها وقالت وهي تريه الخاتمين: ايهما اجمل؟..
قال مازن بلا اهتمام: لا اعلم..
قالت مها بملل: لا فائدة ترجى منك..
ومن ثم اردفت في سرعة وكأنها تذكرت شيئا ما: مازن .. ما هذا الذي قلته لملاك؟..
تطلع اليها بنظرات مستغربة وقال: ماذا قلت؟..
قالت مها بخبث: لم قلت لها اني انا من طرق باب غرفتها؟..
قال مازن وهو يلوح بكفه: بحثت عن حجة لأبرر لها طرقي لباب غرفتها..
قالت مها وهي تتنهد فجأة: مازن ابتعد عن ملاك..
تطلع لها مازن بدهشة وعيناه متسعتان وقال: مها هل بعقلك خلل ما؟..
قالت مها بجدية: مازن ملاك ليست مثل أي فتاة عرفتها.. انت بنفسك تراها قليلة الخبرة لا علم لها بالحياة..
قال مازن ودهشته لم تفارقه بعد: وماذا فعلت بها؟..
قالت مها وهي تتمالك اعصابها: اهتمامك بها الزائد عن الحد جعلها تراك كشخص مختلف..
قال مازن وهو يسترخي على المقعد: انا اعاملها كابنة عم لا اكثر..
قالت مها بحدة: وهل تعلم هي معنى ان تعاملها كابنة عم.. انها تظن انك مهتم لامرها.. وانا متأكدة مليون بالمائة انها مخطئة وانك من المستحيل ان تفكر فيها..
قال مازن وهو يدافع عن نفسه: انها ابنة عمي..
قالت مها وهي تعاتبه: ولكن لن تنظر اليها في حياتك أي نظرة اخرى.. لهذا اقول لك ابتعد عنها.. انها ستقضي اسبوعا واحدا هنا فدعه يمضي على خير..
(انها ستقضي اسبوعا واحدا هنا فدعه يمضي على خير).. مثل العبارة التي قالها لكمال ذات يوم بعد ان جرح ملاك بكلماته .. لقد قالها يومها لكمال حتى لا يضايق ملاك.. فلم تقولها له مها الآن؟..
والتفت لمها ليقول: ارجوك يا مها.. ان ملاك ابنة عمي وانا اعطف على حالتها ليس الا..
قالت مها وهي تومئ برأسها: اعلم هذا.. ولكن كيف لملاك ان تفهم هذا الامر.. صدقني لو احست بأي مشاعر تجاهك فستكون في موقف لا تحسد عليه.. ملاك طفلة لم ترى الحياة بعد.. فأرجوك لا تكن سبب في آلامها..
قال مازن وهو يتنهد: سأحاول.. اية اوامر اخرى آنسة مها؟..
ابتسمت مها وقالت: لا ابدا.. ثم ان هذا في صالحك انت وملاك.. فحتى والدها يرفض صلة القربى التي تربطنا بملاك.. فكيف لو علم ان الامر قد بتعدى ذلك..
نهض مازن من مقعده.. وقال بحدة: اخبرتك انني سأحاول ..هذا يكفي..
قالها ومضى في طريقه ومن ثم ابتسم بسخرية وهو يتحدث الى نفسه: ( ليت المشكلة تكاد تكون منحصرة على ملاك فقط يا مها..)
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اضواء الثريات التي امتلأت الردهة بها وجماعات الناس الكبيرة التي اجتمعت في ذلك اليوم.. والخدم اللذين كانو يوزعون المأكولات والمشروبات على المدعوين.. كل هذا جعل ابتسامة رضى ترتسم على شفتي امجد.. على ان حفلته تسير على خير ما يرام..
في حين كان مازن واقفا مع حسام وكمال وعدد من ابناء عمه وقال مازحا: اعلم انكم قد جئتم اليوم الى الحفل من اجل الطعام فحسب..
قال حسام مبتسما: اظن ان هذا هو شعورك انت..
قال كمال بابتسامة باردة: صدقت..
تحدث احد ابناء عمه وقال متسائلا: لم نر اختك مها حتى الآن.. اين هي؟..
قال مازن وهو يهز كتفيه: بالتأكيد لا تزال في غرفتها تتزين للحفل..
التفت له حسام وقال: ولم تسأل عنها يا (احمد)؟..
اجابه احمد ابن عم مازن مبتسما: مجرد سؤال.. ثم اني اريد رؤيتها لان مر وقت طويل لم ارها فيه او اسلم عليها..
تقدمت منه احدى الفتيات وقالت مبتسمة: يالك من كاذب.. طوال طريقنا الى هنا وانت تسأل عن مها..
تطلع اليها احمد وقال بحنق: هذا ليس من شأنك يا ندى..
تطلعت ندى الى مازن وقالت له: ارأيت كيف يعامل شقبقته ابن عمك هذا؟..
قال كمال ببرود: لا اظن مازن افضل منه حالا..
التفت له مازن وتطلع له بنظرة غاضبة..ومن جانب آخر كانت مها تتحدث الى ملاك في غرفتها وقالت وهي تتطلع الى نفسها في المرآة: ما رأيك بالفستان يا ملاك؟..
تطلعت ملاك اليها وشاهدتها وهي تلتفت لها وتقف في مواجهتها .. كان فستان مها ذا لون يجمع بين الارجواني والازرق.. يتلألأ بأحجار كريمة صغيرة اعلى الفستان.. لهذا قالت ملاك عنها انها ستبدوا كالنجمة..فقد بدت وهي ترتديه وكأنها نجمة متلألأة وسط النجوم..ورفعت شعرها المتموج لتترك خصلات منه تسقط على جبينها ..وابتسمت ملاك لتقول بانبهار: رائع جدا..
قالت مها باستغراب: لم اعني فستاني بل فستانك..
تطلعت ملاك الى نفسها والتي كانت ترتدي فستان ابيض اللون وهذا ما اثار دهشة ملاك عندما قالت مها ان الفستان يشبهها.. ولكن مها عنت بذلك بياض قلبها الذي يشبه اللون الابيض الصافي والنقي..كانت الورود الصغيرة تتناثر عند الكتف .. لتصنع بما يشبه الخيوط.. وكانت اكمامه شفافة .. في حين ابعدت خصلات شعرها الى الخلف بواسطة تاج فضي اللون.. اقترحت مها عليها ان تشتريه..وقد بدت كالملاك حقا في فستانها هذا..
وازدردت ملاك لعابها لتتطلع الى نفسها ومن ثم تقول بتوتر: لا اعلم.. هل يبدوا شكلي مناسبا حقا للحفل؟؟..
قالت مها وهي تهبط الى مستواها وتمسك بكفها: بل اكثر من ذلك.. انت جميلة جدا.. وهذا الفستان يزيدك جمالا..
قالت ملاك بابتسامة مرتبكة: حقا؟..
اومأت مها برأسها ومن ثم قالت: ما رأيك ان نخرج الآن للحفل.. الجميع ينتظرنا بالخارج..
قالت ملاك بصوت خافت: اشعر بالارتباك والتوتر.. لاول مرة احضر حفلة ما..
ربتت مها على كفها وقالت: لا تجعلي شيئا يربكك.. الامر عادي جدا.. سنستمتع بالحديث ومن ثم سنتناول الطعام .. وفي النهاية سيغادر الجميع..
ترددت ملاك وظلت صامتة.. فلمحت مها هذا التردد عليها وقالت مبتسمة: هل نخرج الآن ام تريدين ان تسترخي قليلا؟..
التقطت ملاك نفسا عميقا ومن ثم قالت بابتسامة شاحبة: لا داعي.. فلنخرج..
اومأت مها برأسها ودفعت مقعد ملاك امامها لتفتح الباب ومن ثم تخرج من الغرفة..لتفاجأ ملاك بالاعداد الكبيرة من الناس الموجودة في الحفل..وقالت بارتباك: انهم كثر..
مالت نحوها مها وهمست في أذنها قائلة: دعك منهم ولنهتم نحن بشؤوننا الخاصة..
توترت ملاك وهي ترى مها تدفعها بين جماعات الناس ..وكورت قبضتيها لتمنع ارتجافة اناملها..واخيرا قالت متسائلة: هل يعرف عمي كل هؤلاء الاشخاص؟..
مالت مها نحوها وقالت: اجل انهم من رجال الاعمال واقرباءنا موجودون هنا ايضا..
واردفت بصوت خافت: لهذا لا تحاولي الاشارة الى ان والدي هو عمك.. اتفقنا..
اومأت ملاك برأسها ولم يفارقها توترها وارتباكها بعد..ومن بعيد.. كان مازن يتحدث الى احمد حين فاجأه صوت حسام وهو يقول:واخيرا وصلتا..
التفت مازن الى حيث يتطلع حسام وقال بسخرية: واخيرا هبطت الاميرتين من قصرهما العاجي..
وتحرك باتجاهما وقبل ان يصل الى حيث هما ببضع خطوات.. وجد نفسه يقف ويتطلع الى هذا الملاك الرقيق الذي يجلس امامه.. نظرات الانبهار لم تبارح عينيه وهو يتقدم منهما .. ومن ثم اطلق صفيرا عاليا واعقبه بأن قال بانبهار واعجاب:واخيرا تكرمت احدى الاميرات بزيارة منزلنا المتواضع..
كانت نظراته مثبتة على ملاك ففهمت انه يقصدها بكلامه.. فتوردت وجنتاها بحمرة الخجل وهي تطرق برأسها.. فاقترب منها وقال مبتسما وهو يتطلع الى مها: ما اسم الاميرة التي تجلس امامي يا ايتها الوصيفة؟..
قالت مها ببرود: لو لم نكن في حفل لأريتك من هو الخادم هنا..
اقترب حسام من مها في تلك اللحظة وقال مبتسما وفي عينيه نظرة اعجاب: هذه انت يا مها.. صدقيني لم اعرفك لولا ان رأيت ملاك معك.. تبدين مختلفة كثيرا..
تطلعت اليه مها بنظرات خجلة فقال مستطردا وهو يتطلع اليها: تبدين كأنك نجمة هذا الحفل اليوم و...
قاطعه صوت احمد الذي تقدم من مها بدوره وقال بابتسامة واسعة: تبدين رائعة الجمال هذا اليوم يا مها..
لم تزد مها على ابتسامة مجاملة وان تقول: شكرا لك..
والتفت الى حسام التي رأت نظرات الضيق في عينيه لمقاطعة احمد له ..وربما كانت نظراته هذه تحمل معنى آخر.. او ربما هي من تتخيل ذلك وتتمناه في الوقت ذاته..
وفي تلك اللحظة قال مازن وهو يتحدث الى مها: لم تأخرتما كل هذا الوقت يا مها؟..
قالت مها وهي تتطلع الى ملاك: ملاك كانت متوترة من الاعداد الموجودة في الحفل..
(اسمها ملاك اذا..)
التفت مازن في حدة وسرعة الى مصدر الصوت.. وعقد حاجبيه دون ان يعلق.. في حين ازدردت مها لعابها وقالت بتوتر: عمي فؤاد.. اهلا بك..
ابتسم فؤاد ومن ثم قال وهو يتطلع الى ملاك : من هذه الجميلة التي معك يا مها؟..
قالت مها وهي تتحاشى نظرات عمها: انها صديقتي..
قال عمها بابتسامة خبث: وحسبما سمعت فان اسمها هو ملاك..
لم تجب مها وظلت صامتة في حين اجابه مازن بلا اهتمام: اجل اسمها هو ملاك..
التفت لها فؤاد وقال متسائلا: وما اسم والدك يا ملاك؟..
فتحت ملاك شفتيها وهمت بنطق شيء ما .. ولكن مازن اسرع يقول: اسمه محمود.. اليس كذلك يا مها؟..
اومأت مها برأسها ايجابيا بتوتر..وتطلعت الى حسام بقلق الذي ابتسم يطمئنها..فاردف مازن وهو يبتسم ويتطلع الى عمه: فحسبما سمعت منذ فترة ان والد ملاك يعمل في احد البنوك التجارية ..
كان مازن يريد ان يضرب عصفورين بحجر واحد.. فمن جانب ينقذ ملاك من الموقف التي هي فيه.. ومن جانب آخر يبعد انظار اعمامه عنها عندما يعلمون ان والدها ليس شقيقهم خالد الذي هو مالك احد الشركات بقوله ان والدها يعمل في احد البنوك..
فقال عمه وهو يضع كفه اسفل ذقنه: هكذا..
ومن ثم التفت عنهم وقال مبتسما وهو يلمح كمال: عن اذنكم اذا..
كان مازن يتابعه بنظراته ولكنه لم يدرك ان عمه يتوجه الى حيث كمال فالتفت عنه وقال متحدثا الى حسام: اتشعر بالجوع؟..
قال حسام بهدوء: بلى..
- اذا تعال معي ..
غادر حسام مكانه بعد ان القى نظرة اخيرة على مها واحمد ..في حين لم تجد ملاك ما تفعله سوى التطلع لما حولها.. وسقطت عيناها بغتة على كمال.. وشاهدته في تلك اللحظة يبتسم وهو يتطلع باتجاهها وفي عينيه بريق اعجاب.. واستغربت ملاك نظراته.. لأول مرة تختلف نظراته من البرود الى الاعجاب..خصوصا ان كانت هي المعنية بتلك النظرات .. ولكن كمال التفت عنها بغتة عندما شعر بأحد يقترب منه وقال بهدوء: اهلا بك يا عمي..
تطلع له فؤاد وقال وهو يضع يده على كتفه: كمال انت مختلف عن اخوتك ولهذا فقد جئت لأسألك انت بالذات..
التفت له كمال وقال متسائلا: عن ماذا؟..
قال فؤاد وهو يضغط على حروف كلمته: ملاك..
- ماذا بها؟..
قال عمه وهو يضيق عينيه: من تكون؟..
التفت كمال الى ملاك وقد كانت لا تزال تنظر اليه ودهشتها لم تفارقها بعد..رأىفي نظراتها البراءة..رأى في ملامحها الطفولة.. وكل هذا جعله يشفق على حالها ويلتفت الى عمه ليقول: انها صديقة مها..
قال عمه بضيق وكأن جواب كمال لم يعجبه: حتىانت..
قال كمال وهو يهز كتفيه وكأنه لم يفهم ما يعنيه عمه: ماذا تعني؟..
قال عمه بحدة: لا شيء.. اخبرني ما اسم والدها؟..
- لست ادري..
احس فؤاد بالغيظ من اسلوب كمال اللامبالي.. فقال وهو يبتعد عنه: فليكن..
وغادر مكانه ليتوجه الى حيث مجموعة من الرجال وقال وهو يضع يده على كتف احدهم: اريد ان اتحدث معك قليلا يا عادل..
قال عادل وهو يعتذر من الرجال اللذين كان يتحدث معهم: عن اذنكم..
والتفت عنهم ليقول لفؤاد: ماذا حدث؟..
قال فؤاد وهو يتطلع بطرف عينه الى ملاك: ملاك هنا..
قال عادل بحيرة: من هي ملاك؟..
قال فؤاد بعصبية: ابنة شقيقك خالد .. ملاك.. انها هنا..
قال عادل بدهشة: حقا.. واين هي؟..
قال فؤاد وهو يزفر بحدة وقوة: لست اعلم بعد ان كانت هي ام لا.. ولكن اشك بانها هي بنسبة سبعون في المائة..
قال عادل في سرعة: حسنا واين هي تلك التي تشك في كونها ابنة خالد؟..
اشار فؤاد اليها بطرف اصبعه وقال: تلك التي تجلس هناك..
واردف فؤاد قائلا: اولا هي في سن ملاك تقريبا وثانيا هي عاجزة كما ترى.. كما وان اسمها هو ملاك..
قال عادل بدهشة وهو يلتفت لشقيقه: تلك هي ملاك؟ .. لقدتغيرت كثيرا.. باتت فتاة في كامل انوثتها ورقتها..
واردف قائلا وهو يعقد حاجبيه: ولكن كيف لنا ان نتأكد ان كانت هي ملاك نفسها ام لا؟..
- لقد سألت ابناء امجد وجميعهم يرفضون البوح بالحقيقة.. لهذا لابد ان اجد وسيلة لمعرفة الحقيقة..
قال عادل متسائلا: وما هي هذه الوسيلة؟..
قال فؤاد بمكر: ان اقرب الطرق لمعرفة اسرار أي منزل.. سؤال من يعملون فيه..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ضحكت مها وقالت وهي تلتفت الى احمد: احقا سكبت العصير على فستان ندى في الحفلة الماضية؟..
قال احمد وهو يضحك بمرح: لقد كانت تستحق ذلك..
قالت ندى بحنق: لقد احرجني يومها كثيرا وغادرت الحفلة بفستان متسخ..
اقترب منهم في تلك اللحظة مازن وحسام وقال الاول: اضحكونا معكم..
كادت مها ان تهم بقول شيء ما.. ولكنها آثرت الصمت وهي ترى حسام يقترب منهم ولم تدل ملامحه على أي شيء مما في اعماقه..وقال مازن في تلك اللحظة وهو يلتفت الى ملاك: اتريدين ان تتناولي شيئا ما يا ملاك؟..
قالت ملاك وهي تهز راسها نفيا: لا شكرا لك..
همس مازن باسمها وهو يتطلع اليها: ملاك..
رفعت عينيها اليه وقالت بارتباك وهي ترى عينيه اللتان تطلعان اليها: ماذا هناك؟..
قال مبتسما : تبدين رائعة هذا اليوم..
رفعت ملاك حاجبيها بدهشة من هذا التصريح المفاجئ منه وامام الجميع..ومن ثم لم تلبث ان خفضت عيناها بخجل وازدردت لعابها بارتباك.. في حين تطلعت مها الى مازن بنظرة حانقة وكأنها تذكره بما دار بينهم من حديث بالامس.. ولكنه لم يأبه بكل هذا وهو يتطلع الى ملاك..في حين قال حسام مبتسما: ما اخبارك يا احمد.. وانت كذلك يا ندى؟..
قال احمد وهو يهز كتفيه: لا شيء مهم.. الدراسة والنادي..
اما ندى فقد قالت: لا تهمني الدراسة.. ما يهمني هو حضور مثل هذه الحفلات..
قال مازن وهو يلتفت الى ندى: لا تنسي يا ندى حضور سباق الخيل بالنادي..
قالت ندى بدلال: وكيف لي ان انسى حضور سباق سيشارك فيه ابن عمي العزيز مازن..
قالت مها مبتسمة: ولم مازن بالذات؟.. حتى كمال سيشارك فيه ..
لم تأبه ملاك بما قيل.. كل ما كان يهمها في تلك اللحظة.. هو حديث مازن الى ندى.. ورد ندى عليه.. يبدوا مهتما بحضور ندى السباق؟.. ولم لا انها ابنة عمه؟..ولكنني انا ايضا ابنة عمه.. لم لم يسألني انا ايضا عن رغبتي في الحضور لمشاهدة السباق؟.. ربما لانه يعلم بأمر حضوري الى النادي يومها.. ربما..
وقالت ملاك بغتة عندما لاحظت وقوف كمال وحيدا: لماذا يقف كمال وحيدا؟..
التفت مازن الى كمال ومن ثم قال وهو يهز كتفيه: دائما هو هكذا..
قالت ملاك وهي تلتفت الى مها: ناديه ليأتي ويتحدث معنا..
قالت مها مبتسمة: لن يقبل..
لم تضف ملاك بقول أي شيء.. في حين همس احمد لمازن قائلا: تبدوا جميلة ملاك هذه.. وان كان ما يفسد جمالها هو عجزها هذا..
التفت له مازن وقال بهمس : ليس ذنبها ان كانت عاجزة ..فهذا هو قضاء الله وقدره..
قال له احمد بهدوء: اعلم ولكني اقول رايي فقط..
- احتفظ به لنفسك..
وعاد ليلتفت الى ملاك ويتطلع اليها.. وفي عقله عادت تلك العبارات لتدو في رأسه..
((انه يرفض اللعب معي))
((دعك منه))
((العب انت معي اذا))
((لا بأس))
وعاد ذلك السؤال يتردد في عقله وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره : (هل انت يا ملاك من جمعتني بها هذه الذكريات؟ ..هل انت هي؟ ..)
الجزء التاسع
"تأخُر"
صوت طرقات على الباب جعلها تفيق من نومها على الرغم من انها لم تنم الا في وقت متأخر من الليل بسبب تلك الحفلة.. واحست بالصداع يغزو رأسها لكنها لم تهتم كثيرا واولت اهتمامها لمن يطرق الباب وقالت بصوت حاولت ان تجعله عاليا قدر الامكان: من؟..
جاءها صوت مها وهي تقول: هل يمكنني الدخول يا ملاك؟..
اسرعت ملاك تعتدل في جلستها وتقول في سرعة: بالتأكيد..
فتحت مها الباب وقالت بابتسامة باهتة: معذرة اعلم اني مزعجة وقد ايقظتك في وقت مبكر.. ولكن هناك امر يخصك يتوجب علي ان اخبرك اياه..
قالت ملاك بدهشة: قبل ان تخبريني ما هو.. اخبريني ما الذي ايقظك في هذا الوقت المبكر ؟..
هزت مها كتفيها وقالت: لقد اعتدت هذا حتى لو نمت في وقت متأخر الليلة الماضية..
واستطردت وهي تتقدم منها وتجلس على طرف الفراش: في الحقيقة يا ملاك.. لقد اتصل والدك قبل ساعة..
قالت ملاك في لهفة: حقا؟..وماذا قال؟.. هل هو بخير؟.. وما هي احواله؟..الم يقل متى سيعود؟.. اخبريني ارجوك..
ازدردت مها لعابها ومن ثم قالت: انه بخير.. ولكنه قال انه لن يعود نهاية هذا الاسبوع..
رددت ملاك بذهول: ماذا لن يعود؟..
اومأت مها برأسها في توتر.. فقالت ملاك وهي تشعر بغصة مرارة في حلقها: ولكن لماذا؟.. لقد وعدني ان يعود في اسرع وقت ممكن..
قالت مها بهدوء وهي تمسك بكفها: لقد اضطر الى ذلك.. والا لما تركك وقت اطول هنا.. تعلمين كم يخشى عليك ..لقد قال لي انه لم ينهي اعماله وانه استجد ما يلزمه البقاء خارج البلاد..وربما يعود بعد اربعة ايام..
اشاحت ملاك وجهها عن مها وقالت وهي تحاول ان تمنع الدموع من ان تسيل على وجنتيها: الم يطلب الحديث الي؟..
اومأت مها برأسها وقالت: بلى فعل.. واكثر من مرة.. ولكني اخبرته انك نائمة بعد حفلة الامس..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها لعلها تسيطر على دموعها: اذا فسأبقى هنا لمدة اطول..
قالت مها وهي تميل نحوها: ايزعجك هذا؟.. اهناك من يضايقك هنا؟..
اسرعت ملاك تقول: لا ابدا.. ولكني اشتقت الى ابي كثيرا واريد رؤيته والاطمئنان عليه..
قالت مها وهي تربت على كتفها: سيعود اليك وهو على مايرام باذن الله..ولكن لا تخشي شيئا.. وحاولي ان تصبري على ابتعاده حتى يعود..
قالت ملاك وهي تتنهد: انها المرة الاولى التي يغيب عني كل هذا الوقت.. ابي هو كل حياتي يا مها.. لم اعرف في حياتي سواه.. ومنذ ان فتحت عيناي على العالم وانا اره امامي .. هو من كان بجانبي في كل خطوة اخطوها.. الكل رحل وتركني فيما عداه هو.. لم يأبه احد بي غير ابي الذي هو عالمي كله..
شعرت مها بالحزن العميق الذي تحمله ملاك بين طيات قلبها ومشاعرها .. وهي تسمع كل كلمة تنطقها هذه الاخيرة .. وكأن المرارة تقطر من حروف كلماتها.. وحاولت مها التخفيف عنها فقالت بابتسامة باهتة: ومن قال لك اننا لو علمنا ان لدينا ابنة عم جميلة مثلك لتركناها.. كنت ستريننا كل يوم عندما نأتي لزيارتك حتى تملي من رؤية وجوهنا..
قالت ملاك وهي تلتفت لها: ليت هذا ممكن.. ليتكم تأتون بالفعل معي.. لقد مللت الوحدة.. اتمنى ان اعيش كبقية البشر .. لدي اقارب واخوة.. ولست وحيدة وسط منزل اكاد اكون احد اثاثه..
قالت مها في سرعة وهي تمسك بكفها: لا تقولي ذلك.. نحن سنكون على اتصال دائم.. سأمنحك رقم هاتف منزلنا ورقم هاتفي المحمول ان اردت.. اتصلي بنا على الدوام.. وسنتصل بك نحن ايضا.. فمن لديه بنة عم مثلك.. كيف يستطيع التفريط فيها؟..
تطلعت لها ملاك وفي عينيها بدى التأثر لما قالته مها.. فقالت مها بابتسامة: ما بالك؟..
قالت ملاك بصوت اقرب للهمس: اشكرك..
- على ماذا؟..لم افعل شيــ...
قاطعتها ملاك قائلة وهي تضع كفها على شفتي مها: بل فعلت الكثير لأجلي .. لو تعلمين كم انا ممتنة لك..
واردفت بصوت اقرب الى البكاء وهي تسقط بين ذراعي مها: يا اختي العزيزة..
تطلعت لها مها بدهشة لوهلة وهي تراها تبكي بين ذراعيها على هذا النحو..ومن ثم لم تلبث ان ابتسمت بحنان ولم تجد ما يمنعها من احاطتها بذراعيها بدورها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اسرع مازن يهبط على درجات السلم وهو يطلق صفيرا من بين شفتيه كعادته.. وسار في الردهة بخطوات هادئة.. ولكنه بغتة التفت الى غرفة ملاك.. وعقد حاجبيه بعد ان خطر على ذهنه امر حيره طويلا واراد السؤال عنه..وتوجه الى مكتب والده وطرق الباب عدة مرات.. وعندما سمع صوت والده يدعوه للدخول.. دخل الى الغرفة واغلق الباب خلفه.. ومن ثم تقدم من والده ليقول بابتسامة: كيف حالك يا والدي؟..
رفع امجد رأسه ال مازن ومن ثم قال وهو يعيد انظاره للملف الذي بين يديه: اخبرني ماذا تريد بسرعة..
اتسعت ابتسامة مازن وقال وهو يحتل احد المقاعد المجاورة لمكتب والده: اذا فقد علمت اني جئت اليك لسبب ما..
قال امجد بلامبالاة: لا اخالكم تأتون لالقاء التحية علي قبل مغادرتكم للمنزل.. لابد وان يكون هناك سببا ما..
اسرع مازن يقول: ذلك لأنك في اغلب الاوقات تغادر قبلنا يا والدي.. لهذا لا نعلم ان كنت بالمنزل وقتها ام لا..
قال امجد بسخرية وهو يرفع رأسه له: وقد علمت الآن عندما احتجت الى شيء ما..
واردف بنفاذ صبر: اخبرني مالديك بسرعة.. فلدي عمل..
صمت مازن للحظات ومن ثم قال: اردت ان اسألك عن ابنة عمي..
عقد والده حاجبيه ومن ثم قال: اتعني ابنة عمك ملاك؟..
اومأ مازن برأسه ايجابيا.. فقال والده بحدة: واليس لديك شخص آخر لتسأل عنه ؟.. في كل مرة تاتي الي لتسألني عن هذه الفتاة ..
- ولم انت متضايق يا والدي؟.. انها ابنة اخيك..
لوح امجد بكفه وقال: اعلم.. والآن تحدث في الامر مباشرة او اخرج من المكتب..
تساءل مازن فجأة: هل ستظل عاجزة الى الابد؟..
تطلع له والده بغير فهم ومن ثم قال: ما الذي تعنيه؟..
قال مازن وهو يزفر بحدة: كلامي لا يحمل سوى معنى واحد يا والدي.. ملاك ستظل حبيسة مقعدها الى الابد؟..
صمت امجد قليلا ومن ثم قال: والدها هو المسئول عن هذا الامر وليس نحن..
اومأ مازن برأسه ومن ثم قال: اعلم.. وبكل تأكيد فوالدها مستعد لأن يدفع لها كل مايملك من مال لكي تشفى من عجزها هذا.. اليس كذلك؟..
قال امجد بلامبالاة: ربما..
اردف مازن وكأنه لم يسمع والده: وبما ان ملاك لازالت عاجزة .. فهذا يعني انه لم يجد وسيلة حتى تشفى من عجزها هذا حتى الآن..
قال والده باهتمام هذه المرة: معك حق..
قال مازن متسائلا: ما اريد معرفته يا والدي.. هو متى هي آخر مرة اخذها والدها من اجل ان يجد علاجا لحالتها هذه؟..
- هذا السؤال ستجيبك عنه ملاك وحدها..ولكن لماذا تسأل سؤالا كهذا؟..
ابتسم مازن وقال: الم تعرف بعد لماذا يا والدي؟.. ان العلم يتقدم باستمرار ومن يدري.. ربما وجدت املا يقود ملاك الى الشفاء..
واردف وهو ينهض من مقعده قائلا: ساذهب لرؤيتها والتحدث اليها بهذا الخصوص..
ومن جانب آخر كانت مها تقول لملاك في تلك اللحظة: اعرف انك تحبين التجوال في حديقة منزلنا.. ما رأيك لو تستبدلين ملابسك ونخرج اليها؟..
هزت ملاك رأسها نفيا.. فقالت مها مبتسمة: ولم هذا العناد؟.. فلتغيري من نفسيتك قليلا حتى تشعري بالراحة والـ...
بترت مها عبارتها عندما سمعت طرقا على الباب.. والتفتت الى الباب لتقول بملل: من؟..
جاءها صوت مازن وهو يقول: انا.. هل استطيع الدخول؟..
اسرعت مها تنهض من مكانها وتقول في سرعة وهي تتوجه نحو الباب: لقد فقد شقيقي عقله ولا شك.. يريد دخول غرفة نوم ابنة عمه هكذا..
ابتسم ملاك بحرج.. في حين فتحت مها الباب وقالت وهي تطل برأسها من خلفه: ماذا تريد؟..
قال وهو يبتسم ويصطنع الدهشة: من مها؟.. انت هنا؟..
رددت بملل: ماذا تريد؟..
قال وهو يشير الى الداخل: اريد ان اتحدث مع ملاك..
قالت مها في حنق: عندما تخرج من غرفتها .. يمكنك الحديث اليها.. ثم انها الآن ليست في مزاج رائق يسمح لها بالحديث معك..عن اذنك..
قالتها واغلقت الباب بقوة.. فقال مازن بحنق وهو يبتعد عن الغرفة: ستندمين يا مها.. لا احد يتحدث الى مازن امجد هكذا.. ستندمين على فعلتك هذه..
وتوجه ليغادر المنزل..وقد غاب عن ذهنه سبب قدومه الى غرفة ملاك وما كان يريد ان يحادثها بشأنه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(اذا .. فحتى الخدم لم يعطوك اجابة مقنعة او واضحة)
قالها عادل وهو يجلس على احد المقاعد في مكتب فؤاد بمنزله.. فقال هذا الاخير بضيق: بصراحة لم اتوقع ابدا ان لا يمنحني من يعملون في منزل امجد اجابات شافية عن اسألتي.. على الرغم من اني عرضت عليهم مبلغ وصل الى الف قطعة نقدية ..
قال عادل بشك: ربما لم تكن هي فعلا..
قال فؤاد بحدة: بل هي ملاك.. انا واثق.. انت رأيتها بنفسك.. انها تشبه والدتها كثيرا..ولها نفس عينين خالد..
اومأ عادل برأسه ومن ثم قال: انا معك في انها تشبه والدتها.. ولكن اين هو الدليل على انها ملاك ابنة خالد فعلا؟..
قال فؤاد بعصبية: انا واثق انه امجد ولاشك.. تدارك الامر بسرعة.. وحرص على الخدم ان لا يبوحوا بالامر ابدا.. وبالتأكيد منحهم مبالغ كبيرة حتى يحفظوا السر..
قال عادل بغير اقتناع: اتظن ذلك؟.. اننا نحن من نملك شركاته تقريبا ولو فعل أي شيءضدنا فهو يعلم جيدا اننا سنهدده بسحب رأس مالنا من شركاته..
قال فؤاد وهو يلوح بكفه بعصبية: لست اعلم.. لست اعلم .. كل ما اعرفه ان هذه الفتاة هي ملاك.. وعلينا ان نتأكد من ذلك ان عاجلا او آجلا..
سأله عادل قائلا: ولو تأكدت انها ملاك فعلا.. ما الذي ستفعله حينها؟..
ابتسم فؤاد بدهاء ومن ثم قال: حينها سيصبح خالد في قبضتنا هو وامواله وشركاته وابنته...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اجتمعت العائلة حول المائدة كالعادة عند وقت الغداء ..وكانت ملاك تتناول طعامها وقتها كما اعتادت ان تتناوله وهي في ايامها الاولى في منزل عمها.. بشرود ودون ان تشعر للطعام أي مذاق او طعم.. كيف لا وهي تجد والدها سيتأخر عن الحضور لأكثر من اسبوع وهي التي لم تعتد على غيابه لاكثر من ثلاثة ايام فحسب..
ولاحظ امجد شرودها وعدم رغبتها في تناول أي شيء من طبقها.. فسألها قائلا: ماذا بك يا ملاك؟..
التفتت له ملاك وقالت وكأنها للتو قد تنبهت لوجودها بينهم: ماذا قلت يا عمي؟..
قال امجد بهدوء: قلت ماذا بك؟.. وما الذي يجعلك شاردة كل هذا الوقت؟..
قال مازن بسخرية في تلك اللحظة: بالتأكيد تفكر في من اهداها تلك القلادة..
لم يعلم مازن ان عبارته صحيحة تماما.. ذلك لانه لا يعلم من اهداها تلك القلادة اصلا.. في حين قالت مها وهي تلتفت الى والدها: لقد اتصل عمي خالد اليوم يا ابي..
التفت لها امجد ومازن في اهتمام في حين اكتفى كمال بارهاف السمع.. فاردفت مهاقائلة: ولقد قال انه ربما سيتأخر لأربعة ايام اخرى..
قال مازن بابتسامة: حقا؟.. هذا امر يدعو للسروربكل تأكيد.. ما دامت ملاك ستبقى هنا وقت اطول..
تطلعت له ملاك بضيق.. ايظن انها راغبة في البقاء هنا لوقت اطول بعيدة عن والدها.. لا ابدا.. انها تريد ان يعود والدها في اسرع وقت.. حتى ان كان هذا سبب في وحدتها.. المهم ان تراه يوميا وتتحدث اليه.. وتتطمأن الى انه معها في نفس البلاد .. نتظره بفارغ الصبر في نهاية كل يوم حتى يمنحها ولو القليل من حنانه وكلماته الدافئة...
وقال امجد باهتمام: ولم لم تخبريني انه اتصل قبل الآن؟..
قالت مها وهي تلتفت الى ملاك: لقد اخبرت ملاك اولا لاني علمت ان الامر يهمها اكثر من أي شخص آخر..
قال مازن وهو يحاول ان يضفي بعض المرح: وان كانت تريد الحديث اليه.. فأنا مستعد لأمنحها هاتفي لتتصل به.. بشرط ان لا تسكب دموعا..
التفتت له ملاك ورمقته بنظرة تجمع ما بين الضيق والحزن.. واحس مازن بالدهشة من نظرتها هذه .. في حين التفتت عنهم ملاك لتقول : لقد شبعت..
واستدارت بمقعدها عن المكان..لتتحرك بين ارجاء الردهة مبتعدة عن طاولة الطعام.. وبينما هي تفعل لم تنتبه لعجلة مقعدها التي اصطدمت بغتة برجل الطاولة الصغيرة الموجود بالردهة.. وشهقت ملاك بقوة وهي ترى نفسها تسقط من على مقعدها اثر الاصطدام ..وشعرت بآلام مبرحة بظهرها ووجدت نفسها تطلق أنات الم دون ان تصرخ طالبة المساعدة..حاولت رفع نفسها مرارا وتكرار دونما فائدة بواسطة ذراعيها.. وهي تشعر بآلام ظهرها المبرحة وبرجليها العاجزتين تماما.. وضربت بقبضتها الارض بقوة وهي تهتف في صوت حمل في طياته الكثير من الالم والمرارة: تبا.. تبا.. اريد النهوض.. لا اريد مساعدة من احد.. اريد ان انهض وحدي..
رأت دموع عينيها تتساقط على كفيها دون ان تشعر بها.. لم تأبه بكل هذا وهي ترى نفسها عاجزة.. لاول مرة تشعر بألم كونها عاجزة وهي ترى نفسها ملقاة على الارض دون ان تكون قادرة على مساعدة نفسها...
وعلى طاولة الطعام.. عقد مازن حاجبيه وقال وهو يرهف سمعه: اتسمعون .. انه صوت ملاك؟..
ارهفت مها سمعها بدورها ومن ثم قالت: اظن انها هي حقا..
اسرع مازن ينهض من مكانه وقال في سرعة: سأرى ما بها..
لحقت به مها وقالت في سرعة : سآتي معك..
لم يهتم مازن بما قالته .. فقد تحرك بخطوات سريعة بين ارجاء الردهة.. واخيرا شاهدها.. كانت تبكي بمرارة وهي غير قادرة على رفع جسدها عن الارض..فقال وهو يرفع حاجبيه باشفاق: ملاك...
واندفع نحوها في سرعة ومال نحوها قائلا: هل انت بخير؟.. هل اصابك مكروه؟..
التفتت له لتتطلع اليه بعينين مغرورقتين بالدموع.. فأمسك مازن بذراعها وقال : دعيني اساعدك..
جذبت ذراعها بقوة من كفه..وقالت بصوت خافت: لا اريد..
اقتربت منهما مها في تلك اللحظة وقالت بخوف وقلق: ملاك.. ما الذي جعلك تسقطين من مقعدك؟.. هل اصابك شيء؟..هل انت بخير؟..
قالت ملاك وهي تمسح دموعها في سرعة: انا بخير..
قال مازن بهدوء: اذا دعيني اساعدك.. لن تستطيعي الجلوس على مقعدك لوحدك..
اسرعت مها تقول مؤيدة وهي تهبط الى مستواها: اجل دعيه يساعدك يا ملاك..
التفتت ملاك في تلك اللحظة الى مازن وشاهدته لا يزال يمسك بذراعها وهو ينتظر منها ردا يسمح له بمساعدتها.. فالتفتت عنه ملاك وقالت بصوت اقرب للهمس: افعلوا ما تريدون..
اسرع مازن يحمل جسدها الصغير بذراعيه ليجلسها على المقعد .. اما ملاك فقد اغمضت عينيها عندما شعرت بأن كل خلية من جسدها ترتجف لقرب مازن منها.. شعرت بانفاسه تكاد تلفح وجهها.. وبقربه يكاد يعصف بمشاعرها وكيانها.. اخذ قلبها يخفق بقوة .. وعرفت حينها ان مشاعرها لم تعد تحمل سوى معنى واحد من قرب مازن لها.. انها ليست معجبة به او تميل اليه فحسب.. انها تحبه.. تحب!!.. تحب مازن.. بهذ السرعة؟.. هل حقا عرف قلبها طريق الحب؟.. ولكن ماذا عن مازن؟..ما هو شعوره تجاهها؟ .. لا تعلم..المهم الآن انها بقربه وهذا ما يهمها في هذه اللحظات ولا شيء آخر..
وقال مازن في تلك اللحظة وهو يميل نحوها: واخيرا انتصرت على عنادك.. وجعلتك تقبلين بفعل شيء بالرغم منك..
تطلعت مها الى مازن بحنق.. وقالت بضيق: مازن هذا ليس وقت مثل هذا الكلام..
والتفتت الى ملاك لتقول: اتشعرين بأي الم يا ملاك؟.. اتودين ان نأخذك الى المستشفى؟..
قالت ملاك بصوت خافت : لا.. اشكركم على مساعدتكم.. انا بخير الآن..
قال مازن متسائلا: سأسألك سؤالا يا ملاك؟..
خفق قلبها والتفتت له لتقول: تفضل..
قال وهو يتطلع لها: لماذا لم تناد احدا ليساعدك وفضلت لابقاء هكذا طوال تلك الـ...؟
اسرعت مها تقاطعه باستنكار: مازن.. ماذا تقول؟..
ولكن ملاك اجابت بهدوء: لا اريد ان اشعر احد بعجزي وضعفي هذا.. اريد ان اكون كأي فتاة اخرى.. افعل كل ما يخصني لوحدي.. هل فهمت الآن لماذا؟..
قال مازن وهو يتطلع اليها: ان اردت الصراحة فلم افهم.. فهاهي ذي مها امامي.. لا تزال تطلب مساعدتنا في اتفه الامور ..
قالت مها بحنق وهي تضربه على كتفه بضيق: هل لك ان تصمت قليلا؟..
امسك بمعصمها وقال بسخرية: جربي فقط ان تحاولي ضربي مرة اخرى..و ستجدين يدك الجميلة هذه محطمة..
قالت مها وهي تجذب معصمها من كفه: يالك من سخيف.. هذا عوضا من ان تدافع عني وتساعدني..
التفت مازن الى ملاك وغمز بعينه قائلا بمرح: الم اخبرك؟.. ها هي ذي تطلب المساعدة امامك..
ابتسمت ملاك بشحوب ومن ثم قالت بصوت خافت: ربما اكون قد بالغت قليلا في عدم حاجتي الى احد..
- بل بكل تأكيد.. اسمعي يا ملاك.. أي شيء ستحتاجينه .. فمازن سيكون موجودا دائما..ثقي بهذا..
ابتسمت ملاك بخجل .. وازدردت لعابها لتخفي ارتباكها.. فقال مازن وهو يهم بالابتعاد: والآن سأعود لأكمل تناول طعام الغداء.. وارجو ان تأتي انت ايضا يا ملاك.. فطبقك لا يزال ممتلأً..
تطلعت له ملاك وهو يبتعد عنها.. احقا لاحظ الطبق الذي كنت اتناول منه؟..شعرت بأن مازن يهتم بها بالفعل ..ويهتم لامرها بشكل خاص.. ربما هو معجب بها.. ربما يحمل لها بعض المشاعر.. ربما وربما... دون ان تجد أي دلائل تأكد او تنفي ما تظنه.. تريد ان يكون ظنها واحساسها صحيح بأن مازن يهتم بها فعلا وليست تتخيل هذا الاهتمام.. .
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
رنين مستمر جعل حسام يلتقط هاتفه ويجيبه بعد ان رأى الرقم على شاشته: اهلا مها..
قالت مها بهدوء: اهلا حسام.. كيف حالك؟..
قال مبتسما: بخير..ماذا عنك انت؟..
- على ما يرام.. المهم اني اردت ان اشكرك..
قال بحيرة: وعلام تشكريني؟..
قالت وهي تبتسم بامتنان: لقد كنت محل ثقة بالفعل عندما اخفيت الامر عن اعمامي ذلك اليوم..
قال حسام وهو يهز كتفيه وعلى شفتيه ابتسامة: انا لم اخف شيئا عن احد.. لقد اكتفيت بعدم التعليق وحسب..
- ولكن حقا اسعدني انك اخفيت الامر عن الجميع..
قال حسام وهو يتحرك في ارجاء غرفته: لقد فعلت ذلك لاني وعدتك ولاني لا اكون سببا في ما قد يصيب ملاك..
- ماذا تعني؟..
- بكل بساطة.. اعمامها قد يكونوا سببا في حزنها والمها ولا اريد ان اكون سببا في حزنها ذاك..
قالت مها بشك: لم انت مهتم بملاك؟..
قال حسام بهدوء: الاشفاق ليس الا.. خصوصا وانا اراها بالامس في عمر الزهور.. لا تكاد تشعر بنعمة السير على قدمين..
وسألها بغتة: ما اخبار احمد؟..
قالت بدهشة: من الذي تحدث عن احمد الآن؟..
قال بابتسامة سخرية: لقد كان مهتم بك بالامس .. فقلت انك ربما تعرفين اخباره..
قالت وهي تصطنع الجدية.. ربما لاثارة غيرته: اظن انه مهتم بي بالفعل..لقد لاحظت هذا بالامس.. ما رأيك انت بالامر؟ ..
قال حسام ببرود: وما شأني به؟.. فليهتم بك.. هذا شأنه.. ولكن اخبرك منذ الآن بأنه شاب عابث.. ليس له مستقبل على الاطلاق..
قالت مها مبتسمة وقد شعرت من تغير نبرة صوته انه ربما ضايقه حديثها عن احمد: ربما.. ولكنه ابن عمي.. ووالده لديه ثروة كبيرة.. لهذا اظن ان مستقبله مضمون..
قال حسام ببرود اكبر: انها حياتك الخاصة.. فأن كنت ترين هذا فهذا شأنك.. اما نظرتي انا فمختلفة عنك تماما تجاه احمد هذا..
- ولم تضايقت هكذا..
قال بهدوء: لو كنت قد تضايقت.. فلأجلك.. لا اريد ان يشغل تفكيرك شاب عابث مثل احمد..
تنهدت مها وقالت متحدثة الى نفسها: (لو تعلم يا حسام انه لا يشغل ذهني سواك..)
وقالت متحدثة الى حسام: لا تقلق علي انه لا يشغل بالي ابدا..
ابتسم وقال: هذا جيد.. فكري بدراستك الآن.. وابعدي هذه الافكار عن رأسك..
قالت مها بخيبة امل وهي تظن انه سيهتم ويسأل عمن يشغل تفكيرها: سأفعل بالتأكيد..
- اعتذر الآن يا مها.. فأنا مضطر لانهي المكالمة لاني سأغادر بعد قليل..
- لا بأس الى اللقاء..
انهت المكالمة ومن ثم تطلعت الى هاتفها بيأس.. احقا لا يشعر بمشاعرها وعواطفها تجاهه.. احقا مشاعرها ليست واضحة على مرأىعينيه.. ليته يفهم.. ليته يسالني مرة واحدة عن سبب اتصالاتي المتكررة له.. او على الاقل يسال نفسه عن سبب لجوئي له اولا كلما احتجت للحديث الى شخص ما..ترى يا حسام.. هل تبادلني مشاعري هذه.. ام اني احلامي اكبر مما اظن و...
قطع افكارها صوت طرقات على باب غرفتها فالتفتت اليه وقالت بهدوء: ادخل..
فتح الباب ليأتيها صوت كمال وهو يقول: ما الذي تفعلينه؟..
عقدت حاجبيها باستغراب.. فالمرات التي يأتي فيها كمال الى غرفتها تكون نادرة .. الا اذا كان في الامر سببا مهما .. واجابته وهي تهز كتفيها: لا شيء مهم.. اخبرني انت... ما الذي...
قاطعها كمال وهو يحتل المقعد المجاور لطاولة الدراسة: بل اخبريني انت.. هل صحيح ما قلتيه اليوم على الغداء؟..
قالت بحيرة: ما الذي قلته؟..
-بشأن ملاك..
قالت مها مستغربة: ماذا تعني بالضبط؟..
قال كمال بملل: ماذا بك يا مها؟.. انسيت بهذه السرعة؟.. الم تقولي بنفسك بأن ملاك لن تذهب غدا وستبقى اربعة ايام اخرى؟ ..
قالت مها بحيرة: بلى قلت هذا..
- حسنا اذا انا جئت الى هنا لاتأكد ان كان ما قلته صحيح ام لا..
قالت مها وهي ترفع حاجبيها: بالطبع صحيح.. اتظن اني كنت اكذب مثلا؟..
قال وهو ينهض من على مقعده: انتهى النقاش اذا..
قالت مها في سرعة: لحظة.. ماذا تعني بقدومك هنا لتتأكد من امر بقاءها من عدمه؟.. هل تضايقت لانها ستبقى..
قال كمال في ضيق: كفاك حماقات انت ومازن..
قالت مها في حدة وهي تراه يبتعد باتجاه الباب: توقف..اخبرني لم سألت عن ملاك؟..
القى عليها نظرة باردة ومن ثم توجه الى الباب ليخرج مغادرا غرفتها .. في حين تنهدت مها بحدة .. وهي تفكر فيما يمكن ان يشغل ذهن كمال ويجعله يسأل عن ملاك....
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
وضعت ملاك كفها اسفل وجنتها وهي تجلس في غرفتها بشرود .. اغمضت عينيها لتتذكر ما الذي حدث لها اليوم .. لا زال جسدها كله يرتجف حتى الآن وهي تتذكر مازن..تذكرت نظراته.. كلماته.. وقربه الذي ارجف جسدها .. ودون ان تشعر عاد ذهنها الى الوراء.. قبل اثنتي عشرة سنة...
ابتسم ذلك الرجل وهو يدفع المقعد المتحرك امامه وقال بحنان: ما بالك يا صغيرتي؟..
التفتت له الطفلة التي تجلس على المقعد وقالت متسائلة: الى اين نحن ذاهبان يا ابي؟..
وضع والدها كفه على رأسها وقال بابتسامة: لدي بعض الاعمال التي يتوجب ان انهيها مع اخي..
قالت وهي تفكر: اذا نحن ذاهبان الى منزل عمي..
اومأ والدها برأسه ومن ثم قال: هذا صحيح يا صغيرتي..
قالت الطفلة بلهفة: هل سأجد هناك من يلعب معي؟..
ابتسم والدها وقال وهو يواصل دفعله للمقعد: اجل..
- حقا.. اذا اسرع .. اسرع يا ابي..
قال والدها وهو يميل نحوها: سأفعل يا ملاك.. ولكن لا تكوني لحوحة هكذا..
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت: انا لست لحوحة..
تلاشت ذكرياتها بغتة مع صوت طرق لباب غرفتها .. فاسرعت تعتدل في جلستها وتقول بصوت هادئ: من؟..
فتحت مها الباب في سرعة وقالت: ملاك .. ملاك..
التفتت لها ملاك وقالت باستغراب: اجل..
قالت مها وهي تشير الى الخارج: والدك على الهاتف..
شهقت ملاك وقالت بغير تصديق : ابي..
اومأت مها برأسها وقالت بابتسامة: اجل .. اسرعي..
اسرعت ملاك تحرك عجلات مقعدها واسرعت مها تساعدها في دفعه.. وهناك شاهدت عمها امجد يتحدث الى والدها وما ان رآها تقترب حتى قال متحدثا الى خالد وهو يبتسم: لقد وصلت صغيرتك.. اتريد التحدث اليها؟..
قال خالد ببرود: بكل تأكيد..
قال امجد وهو يمنح ملاك سماعة الهاتف: خذي تحدثي الى والدك..
قالت ملاك بلهفة وهي تلتقط السماعة وتتحدث الى والدها: ابي.. كيف حالك؟..اشتقت اليك كثيرا..
قال خالد بشوق: بخير .. اخبريني انت كيف هي احوالك؟ .. وهل تنامين وتأكلين جيدا؟..
ضحكت ملاك وقالت: ابي أتظن اني لاازال طفلة؟..
- انت كذلك بالنسبة لي وستبقين كذلك..
واردف بحنان: اشتقت اليك باكثر مما تتصورين.. سأنهي اعمالي قريبا واعود اليك.. هذا وعد..
قالت بسرعة: متى .. متى؟؟..
- ربما بعد يومين..
هتفت بفرحة: حقا؟؟..
قال مبتسما: اجل.. من اجلك فحسب يا صغيرتي..
قالت بابتسامة واسعة : احبك يا ابي..
قال خالد بحنان: وانا احبك اكثر من أي شخص اخر في هذا العالم..
ومن ثم اردف قائلا: والآن مادمت قد جعلتك تفرحين.. سأنهي المكالمة واتصل بك في وقت آخر..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: لا بأس..
- الى اللقاء يا صغيرتي..
- الى اللقاء يا ابي..
وفي هذه المرة ارتسمت على شفتيها ابتسامة واسعة بدل ان تترقرق عيناها بالدموع وهي تغلق السماعة.. حتى ان مها تسائلت وهي ترفع حاجبيها بحيرة: تبدين سعيدة يا ملاك.. ما الامر؟..
قالت ملاك بسعادة: كيف لا وابي سيعود بعد يومين فحسب..
قالت مها بدهشة : ولكنه اخبرني بأنه سيعود بعد اربعة ايام..اخبريني..هل اخبرك هو بذلك؟..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا وابتسامتها لم تفارقها بعد.. في حين قالت مها بابتسامة باهتة: سأفتقد وجودك معنا بالمنزل كثيرا..
قالت ملاك وهي تهز رأسها نفيا: ومن قال اني سأترككم؟ .. سآتي لزيارتكم يوميا..
قالت مها متسائلة: وهل سيوافق والدك على ذلك؟..
قالت ملاك وهي تهز كتفيها بتردد: لا اعلم.. ولكن سأحاول اقناعه..
ربتت مها على كتفها وقالت محاولة تغيير الموضوع: اتذكرين طلبك لي؟..
قالت ملاك بدهشة: أي طلب؟..
قالت مها وهي تغمز بعينها: ان تحضري السباق الذي سيقام في النادي..
- بلى تذكرت.. ماذا عنه؟..
قالت مها بلهجة ذات مغزى: سأحققه لك غدا..
تطلعت لها ملاك باهتمام وهي تنتظر منها ان تشرح لها عبارتها الاخيرة.. وقالت مها وهي ترى اللهفة في عيني ملاك : فالسباق سيقام في الغد..
قالت ملاك بلهفة ممزوجة بالتوتر: حقا؟؟..
- اجل ..وبصراحة لا اعلم من اشجع لان كمال ومازن سيشاركان في هذا السباق.. ما رأيك انت؟.. من فيهما اشجع؟..
قالتها مها بمرح.. في حين خفق قلب ملاك عندما سمعت اسم مازن.. ما الذي يصيبها كلما سمعت اسمه؟.. هل هو الحب الذي يجعل جسمها يقشعر لمجرد ذكر اسمه وكأنه يقف امامها في هذه اللحظة..
وكادت ملاك ان تجيبها بكلمة واحدة.. مازن.. شجعي مازن.. ولكن خجلها عقد لسانها .. فازدردت لعابها وقالت بارتباك: شجعي شقيقيك..
قالت مها وهي تضحك بمرح: لدي اقتراح آخر.. ما رأيك في ان اشجع أي متسابق آخر؟..فكلاهما لا يستحقان التشجيع..
قالت ملاك متسائلة: وحسام.. الن يشارك في هذا السباق؟ ..
قالت مها بابتسامة باهتة: لا.. انه لا يهتم برياضة الفروسية ..
صمتت ملاك للحظة ومن ثم قالت: ومتى سنذهب غدا لرؤية السباق؟..
اجابتها مها بهدوء: عند الساعة الرابعة بعد الظهر..
قالت ملاك بابتسامة : اتمنى ان يحصل على المركز الاول في السباق ..
قالت مها وهي تميل نحوها بابتسامة ماكرة: ومن هو؟..
ارتبكت ملاك واشاحت بنظراتها بعيدا.. واعتلت الحمرة وجنتيها.. وهمت بان تقول شيء ما.. يصحح ما فهمته مها.. لولا ان تعالى صوت بغتة بالردهة يقول: انا...
والتفتت كلاهما الى مصدر الصوت.. وارتسمت الدهشة على وجهيهما .. فقائل تلك العبارة كان ..كمال...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء العاشر
"تجاهل"
تطلعت ملاك بدهشة الى كمال.. وهي تستغرب قوله هذا.. في حين لم تكن مها باقل منها دهشة..فد ارتفع حاجبها بدهشة كبيرة والتفتت الى كمال لتقول : ماذا قلت؟..
عقد كمال ذراعيه امام صدره وقال ببرود: لماذا تتطلعان الي هكذا؟.. اجل انا من سوف يحصل على المركز الاول..
قالت مها وهي تمط شفنيها: ولماذا انت واثق الى هذه الدرجة؟ ..
قال كمال وهو يبتعد عن المكان: لاني اعرف مهارتي جيدا ..
تطلعت له مها بصمت وهو يبتعد عنهم وقالت بحنق: ان تشابه كمال ومازن في شيء.. فهو الغرور..
ابتسمت ملاك بهدوء.. فقالت مها وهي تميل نحوها: اترغبين في الخروج الى حديقة المنزل قليلا؟..
اسرعت ملاك تجيبها قائلة: اجل بالطبع..
ابتسمت مها وقالت وهي تدفعها: في الحال..
ولكنها توقفت بغتة والتفتت الى نادين التي تقدمت منهم وقالت بتأنيب: آنستي.. لم تفعلين كل شيء وحدك دون ان تخبريني..
قالت ملاك ببرود: وما الذي فعلته؟..
قالت نادين وهي تتطلع اليها: لقد خرجت بالامس دون ان تخبريني ..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها: انا لست طفلة..
قالت نادين وهي تومئ برأسها: اعلم ولكنك امانة في عنقي.. لو اصابك شيء.. سأكون انا المسئولة..
عقدت ملاك حاجبيها ومن ثم قالت متحدثة الى مها: فلنذهب الآن يا مها..
قالت مها بصوت خفيض وهي تدفع المقعد: ماذا بك يا ملاك؟..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها: لا تلبث ان تشير الى اني عاجزة ويجب ان اخبرها عن أي خطوة اقوم بها..
قالت مها بهدوء: انه عملها.. الاهتمام بك..
قالت ملاك بمرارة: وانا لا اريد من يهتم بي.. ها انتذا تتصرفين بحرية .. هل يطلب منك احد ان تأخذي مرافق معك حتى لا تتعرضي لأي اذى؟..
ابتسمت مها وقالت وهي تفتح الباب الرئيسي للمنزل وتخرج منه مع ملاك: لو قدر لي ان احصل على كل الاهتمام الذي تحظين به.. لفرحت وانا ارى نفسي محاطة بكل هذا الحب ..لو لم يكونوا يحبونك لما اهتموا بك كل هذا الاهتمام.. اليس كذلك يا ملاك؟..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا وقالت بخفوت: بلى ..
ابتسمت مها وهي تتجول في حديقة المنزل: اذا لا داعي لحزنك كلما حدثتك نادين بشأنك.. فما يهمها هو ان تكوني بخير..
اكتفت ملاك برسم ابتسامة هادئة على شفتيها ولم تعلق على عبارتها.. وقالت بغتة: اتركي المقعد يا مها.. سأتحرك بمفردي ..
نفذت مها ما طلبته منها.. لتراها تتوجه بمفردها الى مكان حوض الازهار.. وابتسمت ملاك وهي تمد يدها لتداعب احدى الزهرات.. ومن ثم اغمضت عينيها وهي تشعر بالهواء البارد يداعب وجنتها ويحرك خصلات شعرها.. كم تحب ان تشرد بخيالها بعيدا وهي وسط هذه الطبيعة والجو الساحر ..تشعر ان كل ما حولها ساكن هادئ.. ينتظر منها ان تتحدث اليه او حتى تتطلع اليه بعينيها..
شعرت بغتة بشيء ما يداعب وجنتها.. فأسرعت تفتح عينيها وتطلعت بدهشة الى مازن الذي كان يداعب وجنتها باحدى الازهار..ازدردت لعابها بارتباك شديد وقالت وهي تشيح بوجهها بعيدا: منذ متى وانت هنا؟..
قال مبتسما وهو يتطلع الى ساعة معصمه: دعيني ارى الوقت للحظة.. حسنا منذ خمس دقائق تقريبا..
تلفتت ملاك حولها وقالت متساءلة: واين مها؟..
اشار مازن الى مها الجالسة تحت احدى المظلات بالحديقة وشاردة الذهن: هناك..
ظلت صامتة دون ان تعلق على عبارته.. فقال متسائلا: هل ضايقتك؟..
اسرعت ملاك تهز رأسها نفيا.. فقال وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة وهو يمد لها يده بالزهرة: خذي اذا..
تطلعت ليده الممدودة لها بالزهرة ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تمد اناملها باصابع مرتجفة لتلتقط الزهرة من يده: شكرا لك..
امسك مازن كفها بغتة حين كانت تهم بأخذ الوردة.. فشهقت ملاك بتوتر وخوف.. فقال بابتسامة وهو يتطلع لها: اجمل زهرة لاجمل ملاك رأته عيناي..
اخذ قلبها يخفق بعنف من كلماته.. وجسدها كله بات جامدا من مسكة كفه لكفها.. لم تعلم ماذا تقول .. واشاحت بعيناها بعيدا لتسيطر على ارتباكها وخوفها وخجلها .. فقال مازن وهو يهمس لها: هل يخيفك وجودي لهذه الدرجة؟..
لم تستطع ان تنطق بحرف واحد واكتفت بهز رأسها نفيا.. فقال وهو يحرر كفها من كفه: اذا لم كنت ترتجفين؟..
شعرت بجفاف حلقها.. يكفي يا مازن ارجوك.. لم اعد احتمل.. وحركت عجلات مقعدها لتبتعد عنه وتتوجه الى مها.. فاسرع مازن يناديها قائلا: ملاك..
توقفت ملاك للحظة ولكنها عادت لتواصل تحركها بالمقعد.. وشعرت بالراحة عندما رأت مها تنهض من على مقعدها وتقول بهدوء: هل ندخل الآن؟..
قالت ملاك وهي تهز رأسها باضطراب: اجل.. اجل..
تطلعت لها مها بشك وقالت: ماذا بك يا ملاك؟.. تبدين متوترة ..
اسرعت ملاك تقول: لا شيء.. اريد الذهاب الى غرفتي..
اقترب مازن في تلك اللحظة منهما وقال مبتسما وهو يلتفت لملاك : لقد نسيت اخذ هذه..
قالها وسلمها الوردة بهدوء وانصرف .. دون ان تقوى على قول شيء ما.. في حين قالت مها بحدة: هل مازن هو سبب توترك هذا؟.. ما الذي قاله لك؟..
اطرقت ملاك برأسها وقالت بتوتر: لا شيء.. لقد اهداني هذه الوردة فحسب..
- اذا لم تبدين متوترة كل هذا الـ...
بترت مها عبارتها وكأنها استوعبت الامر لتوها.. واتسعت عيناها عندما انكشفت لها حقبقة الامر.. وقالت مرددة بينها وبين نفسها: ( لقد صدق ظني اذا.. ملاك متعلقة بمازن.. مازن الذي لديه بدل الفتاة مئة.. يا الهي .. أي صدمة ستتصيبك يا ملاك.. لو علمت بحقيقة مازن الذي تحبين.. أي صدمة؟ )
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
يوم دراسي جديد قضته مها بملل بين ارجاء الجامعة .. ولم تجد امامها سوى السير في ارجاءها وحيدة بعد ان تغيبت صديقتها اليوم عن الحضور..ضمت كتبها الى صدرها وتنهدت بملل وهي تتوجه الى كافتيريا الجامعة.. ولكنها توقفت فجأة عندما سمعت صوتا يهتف باسمها..التفتت الى مصدر الصوت ورأته امامها.. حسام وابتسامته المعهودة على شفتيه.. وقالت بابتسامة تحمل كل اللهفة التي في قلبها: اهلا حسام..
قال حسام مبتسما وهو يتقدم منها: اهلا.. كيف حالك؟..
اجابته قائلة: بخير..
قال متسائلا: الى اين انت ذاهبة؟..
تطلعت الى الامام للحظة ومن ثم عادت تلتفت له وقالت بابتسامة: الى الكافتيريا .. وانت؟..
هز كتفيه وقال: ليس لدي وجهة معينة..
واردف قائلا وهو يسر الى جوارها: كيف حال الدراسة معك؟..
زفرت قائلة: على ما يرام ولكني اشعر بالملل.. متى ينتهي هذا العام؟..
قال متسائلا بغتة: ولم كنت تسيرين وحيدة؟.. اين صديقتك؟ ..
دهشة.. ذهول.. صدمة.. كل هذا سيطر على مها في تلك اللحظة وتوقفت بغت لتقول بحدة: وماذا يعنيك من امر صديقتي؟ ..
توقف حسام بدوره عن السير والتفت لها ليقول وقد استغرب تغير موقفها على هذا النحو: ماذا بك؟.. انا اسأل عنها لاجلك.. فقد رأيتك تسيرين وحيدة و...
قاطعته بانفعال وهي تشعر بمرارة قلبها الذي لم يحب سواه: لماذا تتعمد ذلك؟؟..
قال بدهشة: اتعمد ماذا؟..
قالت مها بصوت مليء بالحزن والالم: تتعمد تجاهلي..
قال حسام وهو يعقد حاجبيه: انا؟.. وكيف اتجاهلك؟..
عضت على شفتيها بمرارة ومن ثم قالت: انت حتى لا تقدر مشاعري..
قال حسام بدهشة: مها .. ماذا تقولين؟.. ماذا تعنين بقولك هذا؟ ..
سمع حسام بغتة صوت صديقه يناديه.. فالتفت له وقال: ماذا؟..
ساله صديقه قائلا: الن تأتي ؟.. المحاظرة ستبدأ بعد دقائق..
قال حسام في سرعة: اذهب انت وسأتبعك بعد قليل..
هز صديقه كتفيه وقال بهدوء: كما تشاء..
ومن ثم اكمل سيره مبتعدا..في حين عاد حسام ليلتفت الى مها التي ضمت كتبها اليها في الم.. والتفتت عنه لتغادر المكان وهي تقول: اذهب لمحاظرتك..
اسرع يتوقف امامها مانعا اياها من التقدم وقال متسائلا: ليس قبل ان تقولي لي ماذا عنيت بقولك؟..
اشاحت بوجهها بعيدا وقالت بضيق والم: لم اكن اعني شيئا..
قال بهدوء: مها .. انا افهمك جيدا.. انت لا تستطيعين الكذب وعيناك في مواجهة عيني .. اليس كذلك؟..
اسرعت تلتفت له وتقول في حنق: لا ليس كذلك..
مال نحوها قليلا وقال: اخبريني ما الامر يا مها؟.. ما الذي غيرك فجأة.. وجعلك تنفعلين على ذلك النحو.. وتتهميني بأني اتجاهلك..
قالت مها وهي تلتقط نفسا عميقا: ارجوك يا حسام.. ابتعد عن طريقي .. الجميع ينظر الينا..
قال حسام في سرعة: حسنا لا بأس.. ولكني سأنتظرك بعد ان تنتهي محاظراتك لأفهم الامر منك.. اخبريني.. متى سوف تنتهين؟..
قالت ببرود: الثانية ظهرا..
قال حسام وهو يهم بالابتعاد عنها:حسنا سأنتهي انا في الواحدة والنصف وسأنتظرك بعدها في المواقف.. اتفقنا؟..
واسرع يبتعد دون ان ينتظر اجابتها.. في حين تنهدت مها وهي تشعر بالحيرة الكبيرة من تصرفاته..ومن موقفه المتناقض.. يهتم بها ويسأل عن صديقتها..ومشاعره التي لا تزال غامضة بالنسبة لها لا تكاد تفهمها.. فلو كان يحبها ما الذي يمنعه من اخفاء هذا الامر.. اما لو كانت مشاعره تجاهها لا تحمل سوى مشاعر صلة القرابة فهذا يعني انه لا داعي لأن يخبرها بشيء من الاساس..
وابتسمت بسخرية مريرة لنفسها.. لقد فقدت الامل تماما تجاه حسام.. من قال انه يبادلها المشاعر.. او حتى يشعر بكل ما تحمله له من حب..انه اذا اهتم بها فهذا لا يعني انه مهتم بها لسبب خاص.. بل لانها ابنة عمته وحسب..
وسارت مها مبتعدة عن المكان.. وهي تكاد تودع حبها الذي لم يرى النور بعد...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت ملاك الى ساعتها للمرة العاشرة.. لا يزال الوقت مبكرا على السباق.. والساعة لم تتجاوز الثانية عشرة بعد.. ولكنها تشعر بالحماس له.. تريد الذهاب والتشجيع .. ستشجع مازن بكل قوة.. لن تنطق اسمه لأن هذه مشاعرها الخاصة.. ستكتفي بترديد عبارات التشجيع فقط.. ثم لم تنطق اسمه وقلبها ينبض به؟...
ارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تتحرك بمقعدها في غرفتها .. تطلعت الى نفسها في المرآة ومن ثم قالت مبتسمة: سأرتدي شيء اجمل هذا اليوم..
اخذت تبحث بين ثيابها.. حتى وجدت تنورة ذات لون ازرق من نوع الجينز..وقميص احمر اللون.. وابعدت خصلات شعرها الى الوراء باستخدام ربطة للشعر حمراء اللون.. وابتسمت برضا عن شكلها..ترا ماذا سيقول لها مازن لو رآها؟.. سيقول انها جميلة..ام رائعة.. ام...
ضحكت بخجل من نفسها وافكارها.. يا ترى هل سيشتاق لها مازن لو غادرت بعد يومين.. تغادر!.. اجل ستغادر مع والدها الى منزلهم.. وستترك مها ومازن وكمال ايضا..ستغادر لتعود الى حياتها الطبيعية.. ولكن ماذا عن مازن؟..هل ستراه مجددا؟...
ورددت بحزم و بصوت مسموع : اجل سأراه .. سأقنع ابي ان يصحبني الى هنا.. وحينها سأراه..سأتحدث اليه و...
بترت عبارتها وتوردت وجنتاها بحمرة الخجل .. ما هذه المشاعر التي سيطرت على تفكيرها وكيانها كلها؟.. اصبحت لا تفكر في شيء سوى مازن.. مازن ولا احد آخر..
اسرعت تلتقط لها رواية من حقيبتها علها تبعد مازن عن ذهنها .. وابتسمت وهي تتطلع الى العنوان (حب الى الابد).. مثل الرواية التي سخر مازن منها.. حتى عندما كانت تريد الهرب من التفكير بمازن عاد الى ذهنها من جديد..
اعادت الرواية الى مكانها واسرعت تغادر الغرفة.. واسرعت تنادي بصوت عالي بعض الشيء: نادين .. نادين..
لم يجبها احد فرددت بصوت اعلى: نادين.. اجيبيني.. نادين ..اين انت؟..
(ليست هنا)
شهقت ملاك بقوة عندما رأت كمال قائل العبارة السابقة يقف خلفها.. وقال ببرود: لا اظن ان شكلي يخيف الى هذه الدرجة؟ ..
ازدردت ملاك لعابها وقالت بصوت خافت: اين نادين؟..
سار كمال متجاوزا ملاك ليجلس على الاريكة ..ومن ثم قال: رأيتها تخرج الى الحديقة..
تساءلت ملاك قائلة: ولماذا؟..
مط شفتيه وقال: وما ادراني..
صمتت ملاك .. اذا تحدثت الى كمال فعليها ان تتجنب ان تتحدث اليه كثيرا والا اتهمها بالازعاج.. وتحركت مبتعدة عنه.. فأسرع يقول: الى اين؟..
ارتفع حاجبيها بحيرة وقالت: الى غرفتي..
قال كمال بهدوء: لماذا تسجنين نفسك؟.. اذهبي الى الحديقة ان اردت..
قالت ملاك بتردد: كنت اود ذلك ولكن .. نادين ليست هنا..
تطلع لها كمال للحظة ومن ثم قال: سأصحبك انا ان شئت..
تطلعت له في دهشة.. هذا كمال.. احقا؟.. انه يتحدث اليها بكل هدوء.. ربما لم تكن تفهم تصرفاته في السابق لهذا هي مندهشة منه..وازدردت لعابها وقالت: لا شكرا لك.. سأذهب وحدي..
قال كمال ببرود وهو ينهض من على الاريكة ويبتعد عن المكان: افعلي ما شئت..
عاد الى بروده من جديد..وابتسمت بينها وبين نفسها.. هذا هو كمال الذي تعرفه.. وتحركت بهدوء لتغادر المنزل الى الحديقة الخارجية.. وابتسمت وهي تطلع الى المكان الذي كانت عنده بالامس.. عاد لها ذكرى مازن والزهرة التي اهداها لها..لقد وضعتها بين صفحات روايتها (حب الى الابد) .. لتثبت له اولا ان الحب لازال موجودا.. وان قلبها سيظل يحبه الى الابد ثانيا.. لا تفهم لماذا يرفض منطق الحب؟.. لو احب يوما فتاة ما بكل مشاعره واحاسيسه.. فيومها سيدافع عن الحب ويؤيده.. ولن يعارضه مطلقا.. سيعرف حينها معنى الحب في هذا العالم.. وربما يكون قد احب فعلا و...
احب؟.. احب من؟.. فتاة من النادي ؟.. لا .. لا.. مازن سيشعر بحبي له وسيبادلني حبا بآخر.. انه يهتم بي كثيرا .. انه يتطلع الي بكل حنان الدنيا.. اشعر بقربه بالامان والراحة..
تنهدت براحة وارتسمت ابتسامة على شفتيها وذهنها يعود ليشرد بالتفكير في مازن.. وقد نست تماما انها جاءت الى هنا حتى تبعد مازن عن ذهنها.. ولكنه بالرغم منها.. عاد يسيطر على تفكيرها.. كما سيطر على قلبها ومشاعرها ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
سارت مها مغادرة بوابة الجامعة وهي تتوجه حيث سيارة ابيها التي تنتظرها عند المواقف.. وعلى الرغم من انها تذكر ما قاله لها حسام بأنه سينتظرها بعد ان تنهي محاظراتها.. لكنها تناست الامر تماما وهي تسير مبتعدة الى سيارة ابيها..لقد تجاهلها كثيرا ولم يقدر مشاعرها في يوم .. من حقها ان تتجاهله وتعامله بالمثل و...
(مها.. الى اين تذهبين؟)
كانت تعلم انه حسام لهذا لم تلتفت له وواصلت طريقها.. فعاد يهتف بها: مها .. توقفي..
لم تتوقف بل واصلت السير فهتف بصوت عالي وصارم: قلت توقفي..
توقفت في مكانها من لهجته الصارمة ولكنها لم تلتفت له ..فتقدم منها وقال بحزم: الى اين كنت تريدين الذهاب؟..
قالت مها ببرود متعمد: الى سيارة ابي.. الى اين تظن اني ذاهبة؟ ..
قال حسام وهو يقف في مواجهتها: الم اطلب منك ان لا تذهبي حتى افهم الامر منك؟..
تظاهرت بعدم فهم ما يقول وقالت: أي امر تعني؟..
عقد حاجبيه وقال: انك تفهمين عن أي امر اتحدث فلا تتظاهري بالغباء..
قالت وهي تعقد ساعديها امام صدرها: على الاقل انا لا اتجاهل الآخرين..
قال حسام بحدة: كفي عن التحدث بالالغاز واخبريني متى تجاهلتك؟..
قالت بحدة مماثلة: دائما كنت تتجاهلني.. اقف امامك.. ومع هذا لا تنظر الي ابدا..
وضع حسام كفه على جبهته وقال وهو يحاول فهم حديثها: تحدثي مباشرة يا مها.. لا اكاد افهم حرفا مما تقولين..
قالت وهي تبتعد عنه: افضل..
قال بعصبية وهو يراها تبتعد: انتظري.. انا لم انتظر نصف ساعة حتى تبتعدي هكذا دون ان تفسري لي الامر..
قالت مها وهي تتطلع اليه بطرف عينها: ان اردت تفسيرا فأبحث عنه بنفسك..عن اذنك..
امسك بمعصمها ليوقفها وقال بعصبية اكبر: اهذا جزاءي يا مها اني انتظرتك كل تلك المدة لاني قلقت عليك؟.. تمضين وتتركيني وكأني لست رجلا اقف امامك.. ولكن.. اعلمي انك انت من اراد هذا.. وداعا..
قال عبارته وابتعد هو هذه المرة .. شعرت مها بغصة في حلقها .. كادت ان تهتف به.. ان تلحقه.. ولكن كرامتها منعتها .. جعلتها تكتفي بأن تتطلع اليه بالم وهو يركب سيارته ويمضي بها.. واطرقت برأسها في الم وهي تكمل سيرها الى سيارة ابيها.. وان شعرت بالحزن يعتصر قلبها.. وتسائلت وهي تتنهد بالم وتجلس على المقعد الخلفي للسيارة.. هل اخطأت في تصرفها مع حسام ام انها فعلت الصواب؟؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(لقد وجدتها)
قال فؤاد هذه العبارة وهو يتطلع الى عادل الذي جلس يتطلع الى احد الملفات الخاصة بالشركة.. والتفت له عادل ليقول باستغراب: ماذا وجدت؟..
قال فؤاد مبتسما: وسيلة قد تكشف لنا امر ملاك..
قال عادل في اهتمام: وهل هذه الوسيلة مضمونة؟..
- لا يمكنني ان اخبرك ان كانت مضمونة ام لا .. لانها تعتمد على شخص ما..
عقد عادل حاجبيه: أي شخص تعني؟..
فكر فؤاد قليلا ومن ثم قال: احتاج الى شخص رآها من قبل وتحدث اليها.. شخص على الاقل له الحق في ان يتحدث معها بحرية وفي الوقت ذاته لا يكون من ابناء امجد..
قال عادل بهدوء: الم تكن تتحدث مع احد في الحفل سوى ابناء امجد؟..
عقد فؤاد حاجبيه وقال: دعني اتذكر.. لقد كانت تتحدث الى حسام ايضا..ما رأيك به؟..
صمت عادل للحظات ومن ثم قال: حسام لا يمت لنا بصلة بل هو من عائلة زوجة امجد-سابقا-..نحتاج الى احد من وسط العائلة .. حتى يكون محل ثقتنا..
فكر فؤاد من جديد وغرق في تفكير عميق لدقائق ومن ثم قال فجأة: اجل ..لقد وجدت الشخص المطلوب..
قال عادل بلهفة: من هو..
قال فؤاد بابتسامة ماكرة: ابنك يا عادل.. احمد..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ابتسمت ملاك بفرحة وهي تجلس في المقعد الخلفي للسيارة مع مها متوجهين للنادي حيث سيقام السباق.. وقالت بسعادة: واخيرا سأذهب لرؤية السباق..
واردفت وهي تنطلع الى مها: لقد كنت متلهفة لرؤيته.. فلاول مرة سأرى سباق للخيل.. وسيكون مشتركا به مازن وكمال.. وبالتأكيد سيكون الـ...
بترت ملاك عبارتها عندما شاهدت مها شاردة الذهن وغير منتبهة لما تقول..ونادتها قائلة: مها.. هل سمعت ما قلته؟..
لم تجبها مها وهي على شرودها وتلك النظرة الحزينة جلية في عينيها..فرددت ملاك وهي تهز كفها بهدوء: مها.. هل تسمعيني؟..
التفت لها مها وقالت وكأنها تفيق من نوم عميق: هه.. هل تحدثيني؟..
تساءلت ملاك وقالت: ماذا بك؟.. انت صامتة وشاردة طوال الوقت.. ما الذي حدث؟..
هزت مها رأسها نفيا دون ان تعلق فعادت ملاك تقول: ولكنك حزينة.. اعلم ذلك.. عيناك تكشفان ما بقلبك من حزن .. وملامح وجهك واضحة للجميع..اخبريني ما الذي يحزنك؟ ..
قالت مها بصوت خافت: لا شيء..
صمتت ملاك عندما رأتها لا ترغب في قول أي شيء يتعلق بسبب حزنها والتفتت الى النافذة لتتطلع منها لدقائق.. ولكنها عادت تلتفت الى مها الواجمة وهي تستغرب حزنها هذا.. فمنذ ان عادت من الجامعة وهي على هذه الحال.. بالتأكيد قد حصل شيء ما هناك...
توقفت سيارة السائق في تلك اللحظة بجوار النادي.. فهزت ملاك كف مها وقالت: مها لقد وصلنا..
قالت مها وهي تلتفت لها: وصلنا الى اين؟..
ابتسمت ملاك ابتسامة باهتة وقالت: الى النادي بالتأكيد..
صمتت مها ولم تجبها.. وهبطت من السيارة لتشير للسائق ان يفتح الصندوق ويأتي ليخرج كرسي ملاك.. نفذ السائق طلبها.. فقالت مها وهي تدفع مقعد ملاك بجوار باب السيارة الخلفي : عندما اتصل بك.. تعال لتأخذنا من النادي..
قال السائق بهدوء: امرك آنستي..
غادرت ملاك السيارة لتجلس على المقعد.. ودفعتها مها بهدوء لتتوجه الى حلبة السباق.. وسألتها ملاك في تلك اللحظة: لم لم نأتي مع مازن مثل كل مرة؟..
قالت مها بهدوء: لانه غادر المنزل قبل ساعة من الآن من اجل ان يستعد جيدا للسباق..
صمتت ملاك واكتفت بأن اومأت برأسها في تفهم.. في حين كانت مها تدفع مقعدها وهي في عالم آخر تماما.. تفكيرها في ما حصل اليوم ..هل ما فعلته كان الصواب؟ .. لقد ثأرت لكرامتها ولكن.. ماذا عنه هو؟؟..هل خسرته؟..لقد بدى غاضبا وعصبيا كما لم تره من قبل.. ولكنه هو من كان يتجاهلها ولا يقدر مشاعرها.. وكأنه يتعمد سؤالها عن أي فتاة حتى يثير اعصابها.. اجل هو من بدأ .. هو من كان يجعلني اتعذب بسببه.. وقد حان الوقت لأثأر لنفسي ولكرامتي ..
ولكن لماذا لا اشعر بالراحة؟.. لماذا اشعر وكأني آلامي قد تضاعفت؟.. وان قلبي يكاد يتمزق الما ومرارة..ربما لان حسام يتألم الآن وانا لا احب ان اراه حزينا او مهموما ابدا .. احب ان اراه والابتسامة تشرق على وجهه..والفرحة تطل من عينيه.. يتحدث بهدوء ومرح.. هذا هو حسام الذي اعرفه .. ولكن...
شعرت بغصة في حلقها ولم تستطع مواصلة التفكير.. لا تريد ان تفكر فيه.. تريد ان تنسى .. تبعده عن ذهنها ولو لخمس دقائق فقط..
زفرت في حدة وهي تدخل الى مدرجات السباق.. ودفعت مقعد ملاك في المكان المخصص..حتى وصلت الى مقدمة المدرجات تقريبا ووجدت مقعدا لها .. فتنهدت وقالت: من الجيد اننا وجدنا مقعد في المدرجات الامامية.. احيانا اضطر للجلوس في الخلف..
قالت ملاك بلهفة طفولية: لا يهم ان نجلس في الامام او الخلف المهم ان يحصل اخويك على المراكز الاولى..
ابتسمت مها وقالت وهي تحتل مقعدها: لا تظني انهما ماهران كما اخبراك.. لم يحصلا ابدا على أي مركز من المراكز الاولى..
تطلعت لها ملاك بدهشة وقالت: ابدا؟؟..
اومأت مها برأسها وقالت: ابدا..
ارتجف قلب ملاك توترا.. اذا لم قال مازن انه حصل على احد المراكز الاولى فيما مضى ؟.. مبررا ان لديه العديد من المعجبين والمعجبات ..هل كان يكذب علي؟.. لا لا بالتأكيد هو يعني امرا آخر.. لا يمكن ان يكذب علي.. ثم لم يكذب؟..
عقدت حاجبيها بتوتر دون ان تفهم سبب قوله هذا.. وان كان يعني امر آخر ام لا؟.. وقالت متسائلة: متى سيبدأ السباق؟..
تطلعت مها الى ساعتها ومن ثم قالت وهي تلتفت الى ملاك: بقي على وقت بدء السباق ربع ساعة تقريــ...
بترت مها عبارتها عندما وقعت عيناها عليه..على حسام.. ازدردت لعابها بتوتر وهي تراه واقفا شارد الذهن يتطلع الى حلبة السباق بصمت.. يبدوا ان حاله لا يختلف كثيرا عن حالها.. هل تذهب اليه؟.. ام تناديه فحسب؟.. ام تتجاهل وجوده؟..لا تعلم الى ايهما تستمع الى قلبها الذي يتلهف للحديث اليه.. ام الى عقلها الذي يصر على المحافظة على كرامتها..
في حين تطلعت لها ملاك للحظة وهي تراها تراقب شيء ما بجوارهما.. فالتفتت بدورها لترى ما الذي تتطلع اليه مها ..وارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تقول: انه حسام..
قالت مها ببرود ظاهر وان كانت لهفتها له تكاد تجعلها تسرع اليه وتعتذر منه: اعلم.. لقد رأيته..
قالت ملاك وهي تلتفت لها: ما رأيك ان نناديه لكي يجلس معنا.. انه يقف وحيدا..
وقبل ان تهم مها بقول حرف واحد.. اسرعت ملاك تهتف بحسام وهي تلوح بكفها: حسام.. حسام.. نحن هنا..
التفت حسام في تلك اللحظة الى مصدر الصوت وتطلع الى ملاك التي قامت بندائه.. في حين ارتبكت مها ولم تجد امامها سوى ان تطرق برأسها هربا من نظراته.. وابتسم ببرود وهو يتقدم من ملاك وقال: اهلا ملاك.. ما هي احوالك؟..
قالت ملاك بابتسامة: بخير.. ماذا عنك؟..
-على مايرام..
تعمد تجاهل مها.. تعمد عدم النظر اليها حتى.. اعتصر قلب مها الحزن وهي تراه يتجاهل وجودها تماما.. هو يتجاهلها فعلا الآن؟.. هل يتعمد هذا؟.. هل يتعمد اخبارها انه لم يتجاهل وجودها في يوم وانه يفعل ذلك اليوم فقط لتعرف الحقيقة؟..
التفتت له مها بالرغم منها وتطلعت اليه بتوتر والم.. فالقى عليها نظرة لا تحمل أي معنى ومن ثم التفت عنها ليتطلع الى حلبة السباق .. لم تنتبه ملاك الى الجو المتوتر بينهما وقالت لحسام: من برأيك سيحصل على المراكز الاولى يا حسام؟..
قال حسام وابتسامة هادئة مرتسمة على شفتيه: أي شخص آخر غير كمال ومازن .. فهما لا يستحقان الفوز..
ضحكت ملاك بمرح.. فالتفت لها حسام وقال مبتسما: هل ما قلته يضحك الى هذه الدرجة..
قالت بمرح وهي تشير الى مها: عندما سالت مها السؤال ذاته.. اجابتني بعبارتك ذاتها.. يبدوا انكما تتشابهان في طريقة التفكير..
التفت حسام الى مها وتطلع لها لوهلة ومن ثم التفت عنها وهو يقول بسخرية لم تنتبه اليها سوى مها: لا اظن..
تطلعت اليه مها بالم.. بندم.. بعتاب..باستنكار لمعاملته لها.. هي لم تطلب اكثر من ان يشعر بها وبمشاعرها تجاهه.. لكنه لا يفهم.. لم تحتمل تجاهله لاكثر من هذا.. ووجدت شفتيها تنفرجان وتهمسان باسمه قائلة: حسام..
ورغم دهشته انها قد نادته .. التفت لها وقال ببرود: نعم..
ارتبكت لوهلة ولم تدر ما تقول.. ووجدت نفسها تهز رأسها قائلة بالم: لاشيء..
تطلع لها حسام وقد شعر بحزنها.. اهي حزينة لما حصل اليوم بينهما .. ربما.. ولكن هي من اخطأت.. وهي من عليها ان تبدي ندمها وتعتذر عما فعلت.. لقد كافأته بالمضي عنه وهو الذي لم يستطع التركيز في أي محاضرة من شدة قلقه عليها؟ ..
زفر بحدة وعاد لبلتفت الى حلبة السباق.. في حين قالت ملاك متحدثة الى مها: كم بقي على السباق؟..
قالت مها بصوت خافت: دقائق فقط..
قالت ملاك مبتسمة وهي تتطلع الى حلبة السباق: لا اكاد اراهم..
قالت مها مبتسمة: بكل تأكيد لن تريهم.. فالخيول تستعد عند بداية الحلبة.. ونحن نجلس الآن تقريبا عند منتصفها..
قالت ملاك مبتسمة: لقد فهمت..
وعند حلبة السباق ذاتها.. ولكن عند خط البداية.. امتطى مازن جواده الذي يحمل الرقم (5) وقال مبتسما: سأحصل هذه المرة على احد المراكز الاولى..هذا وعد..
قال كمال الذي امتطى جواده الذي يحمل الرقم (2)منذ لحظات بابتسامة باردة: لطالما رددت هذا الهتاف ولم تحققه ابدا..
قال مازن وهو يغمز بعينه: سأحققه هذه المرة..
قال كمال بحزم: سنرى من سيحققه هذه المرة.. انا ام انت؟..
قال مازن مبتسما: لاول مرة اراك متحمسا للسباق هكذا..
ابتسم كمال ابتسامة غامضة وقال: لاني قد وعدت شخص ما بالحصول على احد المراكز الاولى..
وقبل ان يسأله مازن عن كنه هذا الشخص.. سمعا صوت في مكبر الصوت يقول: فاليستعد جميع المتسابقين.. سيبدأ السباق بعد لحظات..
تحفزت عضلات الجميع على لجام خيولهم..في حين استطرد الصوت قائلا: استعداد.. ثلاثة .. اثنان .. واحد.. انطلاق...
وانطلق جميع المتسابقين بخيولهم مخلفين وراءهم سحب من الغبار.. وكل منهم يأمل في الحصول على المركز الاول ...
الجزء الحادي عشر
"الحقيقة"
تعالى هتاف الجماهير مع بداية السباق..وضجت المدرجات بهتافات التشجيع والهتاف في حين شهقت ملاك وقالت بتوتر وقلق: لقد بدأ السباق..
ضحكت مها وقالت: وما الذي يقلقك من هذا الامر؟..
ازدردت ملاك لعابها وقالت: ربما لأن اعصابي مشدودة قليلا وانا اترقب الفوز لمازن وكمال..
كانت مها تضحك بمرح دون ان تنتبه لعينا حسام اللتان تطلعان اليها.. وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة هادئة.. وهم بقول شيء ما.. لولا ان قالت ملاك في تلك اللحظة: ما رقم الحصان الذي يمتطيه مازن؟..
تساءلت مها بخبث: ولم مازن بالذات؟..
توردت وجنتي ملاك وقالت متلعثمة: كنت سأسال عن رقم الحصان الذي يمتطيه كمال كذلك..
قالت مها بابتسامة: حسنا.. رقم حصان مازن هو (5).. ورقم حصان كمال هو (2)..
اومأت ملاك برأسها ومن ثم اسرعت تتطلع الى حلبة السباق بشغف وهي تتمنى من كل قلبها ان يربح مازن في هذا السباق ..
ومن جانب آخر امسك مازن اللجام بكل قوة وهو يحاول قدر الامكان ان يسرع بجواده الذي كان يتعدى جوادين فحسب .. وابتسم بسخرية قائلا لنفسه: اظن انك ستحصل على المركز الاول بالفعل يا مازن.. ولكن من الخلف..
في حين التفت كمال له للحظة والذي كان يحتل المرتبة الرابعة بين المتسابقين العشرة..وعاد ليتابع السباق امامه ليقول وهو يبتسم بزاوية فمه: اين الذي سيحصل على المركز الاول؟.. فلنرى مهارتك الفعلية الآن يا اخي..
كان كمال يتقدم بكل قوة وبكل تحدي عكس طبيعته الباردة والغير مبالية.. بدى وكأنه قد تحول لشخص آخر.. شخص مفعم بالنشاط والحماس..شخص يطمح لتحقيق هدفه بالحصول على احد المراكز الاولى..
ولم يستسلم مازن ايضا.. لمع بريق التحدي في عينيه وهو يرى شقيقه يتقدمه.. وقال وهو يضرب الجواد بقدميه: اسرع ولا تخجلني امام كل هذا الجمع..
اسرع الجواد بالفعل وتقدم احد المتسابقين .. وواصل مازن تحديه لكمال بأن يصل اليه مهما حصل.. في حين شدد هذا الاخير قبضته على لجام جواده واقسم ان لا يخرج من هذا السباق خالي الوفاض..وابتسم بكل تحدي وحماس وهو يرى نفسه يكاد يتجاوز احد المتسابقين..
وفي مدرجات الجماهير.. قال حسام مبتسما وهو يتطلع الى البعيد: لا اكاد ارى شيء تقريبا.. ولكن يبدوا ان كمال يحتل المركز الثالث الى الآن..
قالت مها بغير تصديق ولهفة: حقا؟..
واختفت اللهفة من على ملامحها عندما تذكرت الخلاف الحاصل من بينهما .. وعادت ملامحها الى الهدوء من جديد..في حين التفت حسام اليها وقال بهدوء اقرب الى البرود: اجل ..
لم تعلق مها واطرقت برأسها في صمت..وفي تلك الاثناء ارتبكت ملاك وهي تسأله قائلة: ومازن؟..
عقد حسام حاجبيه وقال وهو يتمعن النظر:لا اكاد اراه..
وابتسم وهو يلتفت لملاك: يبدوا انه آخر المتسابقين..
اسرعت ملاك تتطلع الى حلبة السباق ورأت المتسابقين وهم يقتربون في مجال رؤيتها.. تعالت اصوات الجماهير مع اقترابهم من المكان.. وتضاعفت هتافات التشجيع لتدوي في المدرجات ..في حين ازدردت ملاك لعابها قلقا وعيناها تبحثان بلهفة وتوتر عن مازن والجواد الذي يحمل الرقم (5) ..كانت الارقام تتوالى امامها ببطء شديد على الرغم من ان الخيول كانت تشق مرمى البصر بسرعتها.. ولكنها كانت تبحث بينهم عن جواد مازن.. واخيرا رأته.. كان يحتل المركز الخامس الى الآن.. وقالت بلهفة وفرح: مازن .. انه يحتل المركز الخامس..
ضحكت مها بقوة ومن ثم قالت: وهذا ما يسعدك؟.. انه لن يتقدم اكثر من هذا صدقيني..
التفتت لها ملاك وقالت باستنكار: لماذا تقولين هذا؟..
ابتسمت مها وقالت: لانه اخي واعرفه جيدا..
قال حسام فجأة: كمال يتقدم بجواده الى المركز الثاني..
قالت مها غير مصدقة: المركز الثاني؟.. يا الهي .. لا اكاد اصدق..
ومن ثم اردفت بدهشة: منذ بداية اشتراكه بهذا القسم وهو لم يحصل في يوم على اكثر من المركز الرابع..
التفت لها حسام وقال: لعله في هذا المرة قد تدرب جيدا طامحا في تحقيق هذا الفوز..
قالت مها بهدوء وهي تتطلع الى حسام: ربما..
وطالت نظرتها اليه .. تريد ان يشعر بها.. يشعر بقلبها الذي يحبه .. يشعر بعينيها اللتان لا تتلهفان الا لرؤيته..لماذا يتجاهلها؟.. لماذا يهتم بغيرها وهي التي تحبه؟..وهي التي تعشقه.. لا تشعر بطعم الراحة الا اذا رأته على ما يرام.. لا تشعر بالسعادة الا اذا رأت الابتسامة على شفتيه.. تريده ان يفهمها ويفهم مشاعرها.. تريده ان يبادلها مشاعرها بدلا من هذا الاهتمام الذي يعاملني به كلما رآني..
قالت ملاك بغتة لتقطع افكار مها: يوشك المتسابقون على الوصول الى خط النهاية..
اغلب الجماهير قد تركت مقاعدها وهي تهتف صارخة بحماس لتشجيع المتسابقين..وانشدت اعصاب الجميع وهم يرونهم وهم يكادون يقتربون من خط النهاية.. وصرخت ملاك بغتة وهي تتطلع الى حيث جواد مازن: لقد تقدم مازن.. تقدم..
التفتت مها الى حيث تتطلع ملاك.. والتفت حسام بدوره وقال بابتسامة واسعة ومسرورة: معك حق.. مازن الآن اصبح في المركز الرابع.. ياله من شاب.. لقد استطاع ان يتقدمهم وهو الذي كان آخر المتسابقين تقريبا..
ابتسمت ملاك بفرحة وهي تستمع الى كلمات حسام.. وظلت تتابع المتسابقين بكل لهفة.. وهي تتمنى ان يتقدم اكثر ويكون الفائز بالمركز الاول.. في حين تطلعت مها الى حلبة السباق وقالت وهي تنهض من مكانها وتتطلع الى المتسابقين بحماس وقلق: كمال يكاد يتقدم ويصبح في المركز الاول..
كان كمال في تلك اللحظة يبذل كل ما في وسعه ويسرع بجواده بكل ما يستطيع من طاقة.. فقط ليحصل على المركز الاول كما تمنى.. او كما وعد...
كان يقترب من المتسابق الذي امامه بكل سرعة.. وخط النهاية كان يقترب أسرع منه.. ومازن ايضا كان يحاول تجاوز المتسابق الذي امامه ليكون في المرتبة الثالثة.. وخط يقترب مع كل ثانية وكل خطوة تخطوها الجياد...
واخيرا عبرت جميع الجياد خط النهاية.. وحان الوقت لاعلان الفائزين بالمراكز الثلاث الاولى..
توقف مازن بجواده وهو يجذب اللجام بقوة .. وقال مبتسما وهو يربت على ظهر حصانه: لقد كنت كالسهم حقا وهو يشق الرياح.. ولكن.. المشكلة في الفارس الذي يقودك.. لقد ابليت بلاءا حسنا.. وانا الذي عليه ان يدفع ثمن هذا التأخر الذي حدث قبل خط النهاية..
اما كمال فقد ابتسم برضى وهبط من على ظهر جواده وهو يربت على رقبة حصانه ويداعبه وقال بهدوء: انها المرة الاولى التي احصل فيها على المركز الثاني.. وانا مدين لهذا لله تعالى.. ومن ثم سرعتك وقوة تحملك يا جوادي العزيز..
ومن بعيد تطلعت ملاك بعينين جامدتين لنهاية السباق وقالت وهي تلتقط انفاسها بتوتر: كيف كان ترتيبهم بالسباق؟..هل تقدم مازن وكمال ام لا؟..
قالت مها وهي تربت على كتفها: سنعلم ذلك عند توزيع الميداليات..
قال حسام بهدوء: لقد رأيتهما جيدا.. لقد حصل كمال على المركز الثاني ومازن على الرابع..
قالت مها بحماس: يا للروعة.. للمرة الاولى بعد سنوات يحصلان على مركزين متقدمين في السباق..
توقفت الهتافات تدريجيا مع صوت مدير النادي وهو يقول عبر مكبر الصوت: سيتم توزيع الميداليات على الفائزين بالمراكز الثلاثة الاولى..الفائز بالمركز الاول هو (....)..
تعالت هتافات الفرحة والاحتجاج بين الجماهير.. في حين واصل المدير قائلا بعد ان البس المتسابق الميدالية الذهبية : اما الفائز بالمركز الثاني هو (كمال امجد)..
صرخت مها بفرحة وقالت بصوت عالي: مرحى يا كمال.. انت تستحق الفوز عن جدارة..
تطلع لها حسام بطرف عينه وقال ببرود: اخفضي صوتك ولا داعي لان تثيري الانتباه..
التفتت له مها ومن ثم رفعت حاجبيها وقالت بكبرياء: انا احيي اخي.. ومن حقي تهنئته كما اشاء..
قال ببرود: هذا لو كنت في المنزل لوحدك وليس امام الجميع..
قالت بحدة: الجميع هنا يصرخ ويهتف بصوت عالي.. انا لا اختلف عنهم بشيء..
مال نحوها وقال بحزم: بل تختلفين..
توترت من نبرته الحازمة في حين قال هو مردفا: لانك ابنة عمتي..
قالت وهي تشيح بوجهها عنه: لقد سأمت سماع هذه العبارة..
ابتعد عنها بضع خطوات مبتعدا ومن ثم قال: هذا شأنك..
عضت مها على شفتيها بقهر وغضب.. يهتم بها.. يلقي عليها النصائح..وحتى يتحكم بتصرفاتها.. ولكن يحبها لا..
جلست على المقعد بقهر.. في حين ابتسمت ملاك ابتسامة باهتة وقالت وهي تحاول تغيير الموضوع: الم تقولي يا مها ان كمال لا يستحق التشجيع؟.. وها انتذا تهتفين له بكل قوة الآن..
زفرت مها بحدة ومن ثم قالت بابتسامة شاحبة: لقد استحق هذا التشجيع لانه وللمرة الاولى قد حصل على المركزالثاني ..
واردفت قائلة: تعالي لنخرج الآن فقد تم توزيع الميداليات ولم يعد لبقاءنا اي داع..
اومأت ملاك برأسها وهي تسير بصحبة مها لتغادرا المدرجات .. ومن بعيد ابتسم مازن لشقيقه الذي احاطت برقبته الميدالية الفضية: مبارك يا كمال.. لم اكن اعلم انك وصلت لهذا المستوى من المهارة..
قال كما بهدوء: ذلك لانك كنت تترك التدريب قبلي في كل مرة..
قال مازن وهو يغمز بعينه: ولكنك كنت بارعا جدا.. احسدك على هذه المهارة..
قال كمال وهو يبتسم بزاوية فمه: يبدوا انها المرة الاخيرة التي سأحصل عليها على ميدالية ما..
قال مازن بابتسامة واسعة: لا تفقد الامل بهذه السرعة..
قال كمال وهو يتطلع لمازن: وانت ايضا كنت ماهرا فبعد ان كنت في المرتبة الثامنة بين المتسابقين واصلت طريقك بكل قوة لتصبح في المرتبة الرابعة..
قال مازن بثقة: انت تعرفني جيدا لو وضعت شيئا ما برأسي فسأنفذه بكل تأكيد و...
(مغرور كما اعرفك دائما يا مازن)
التفت مازن الى قائل العبارة.. وابتسم بمرح وهو يتطلع اليه قائلا: بل انها ثقة بالنفس يا حسام..
ابتسم حسام وقال: ثقة زائدة عن الحد..
واردف وهو يلتفت الى كمال: مبارك يا كمال.. لقد ادهشتنا بمهارتك بالفعلل..لم يتوقع احد ان تحصل على المركز الثاني..ولكن يبدوا انك كنت تخبئ لنا مفاجأة هذا العام..
ابتسم كمال بهدوء ومن ثم قال: تدريباتي المتواصلة زادتني مهارة..وها انتذا ترى اليوم مهارتي الحقيقية..
التفت مازن في تلك اللحظة الى حسام وقال: ارأيت ملاك ومها؟ ..
اومأ حسام برأسه ومن ثم قال: بلى لقد كانوا بالمدرجات يتابعونكم بكل شغف وحماس.. ومنذ قليل فقط غادروها ..
قال مازن في سرعة: سأذهب اليهم..
قال كمال وهو يوقفه: وماذا عن حصانك؟..
غمز مازن بعينه له وقال: اخي العزيز سيعيده الى الاسطبل..
مط كمال شفتيه ومن ثم قال: لا بأس..
وامسك بلجام جواد مازن وهو يجره خلفه مبتعدا عنهم..في حين قال مازن وهو يتحدث الى حسام: فلنذهب لهما..
قال حسام بهدوء: اذهب وحدك.. فلدي ما اقوم به..
هز مازن كتفيه وقال بلامبالاة: كما تشاء..
واسرع بخطواته مغادرا المكان..ليتحرك خارج الحلبة وخارج المدرجات بين اقسام النادي المختلفة.. وهناك لمح مها وهي تتجه نحو بوابة النادي.. فهتف بها قائلا: مها..
توقفت مها في مكانها.. في حين خفق قلب ملاك في قوة لسماع صوته..وقالت الاولى وهي تلتفت له: لماذا لحقت بنا؟..
قال مستهزءا: بسبب شدة حبي لكم..
ومع ان ملاك كانت تعلم ان عبارته ساخرة فحسب.. الا ان قلبها ارتجف بين ظلوعها وهي تتخيل ان مازن يبادلها المشاعر وانه يحمل لها الحب في قلبه..في حين اردف هو: الى اين انتما ذاهبتان؟..
- سنغادر النادي..
قال مازن مبتسما: لم تهنئاني انا وكمال على الفوز..
قالت مها بسخرية: بالنسبة لكمال فسأهنئه في المنزل على الفوز.. ولكن انت اهنئك على ماذا؟..
قال بمرح: على حصولي على المركز الرابع لأول مرة هذا العام ..
قالت مها مبتسمة: واظنها آخر مرة..
تطلع مازن الى ملاك وقال بابتسامة واسعة: من يدري.. ربما لو قامت ملاك بتشجيعي في السباق القادم ايضا ساحصل على المركز الاول ..
قالت مها بسخرية: احلم كما تشاء..
اما ملاك فقد توترت من نظراته لها وابتسمت بخجل وهي تطرق برأسها.. في حين قال مازن: سأوصلكما بدلا من السائق .. هيا بنا..
عقدت مها حاجبيها وقالت بضيق: ارجوك لا تستعرض لنا شهامتك الآن.. لقد اتصلت بالسائق وهو في الطريق الى هنا..
قال وهو يهز كتفيه: سيعود من حيث جاء لو اكتشف انكما غادرتما النادي.. لقد انهيت الامر بكل سهولة..
ابتسمت مها وقالت وهي تدفع مقعد ملاك امامها: يالأفكارك العبقرية..
ابتسم مازن وهو يغادر النادي برفقتهم وقال: اعلم هذا..
واردف قائلا: ولكن من كان يتوقع ان كمال سيحصل على المركز الثاني..
قالت مها بابتسامة واسعة: هذا صحيح.. لقد فاجأنا بحق..
توجه مازن الى سيارته ومن ثم قال وهو يفتح اقفالها بجهاز التحكم عن بعد: عندما قال لي انه سيحصل على احد المراكز الاولى لم اصدقه..ولكن هاهوذا اثبت انه اكثر مهارة مني..
قالت مها وهي تساعد ملاك على الدخول الى السيارة.. وتشير لمازن: بدل ثرثرتك هذه تعال وساعدنا..
قال مازن وهو يصطنع الجدية: انا بخدمة ملاك دائما..
ضحكت مها وقالت: ساصدقك يوما ما..
اما ملاك فقد كانت تراقب مازن بكل حركة يقوم بها.. عندما يبتسم.. يسخر.. وحتى وهو يسير.. ورأته في تلك اللحظة يقترب منها ويقول: اتحتاجين الى أي مساعدة؟..
هزت رأسها نفيا ورفعت جسدها لتجلس على مقعد السيارة فقال مازن مردفا بابتسامة: يا لاصرارك..
ابتسمت ملاك بهدوء وهي تراه يطوي مقعدها ليضعه في صندوق السيارة..ومن ثم احتل مقعد السائق واحتلت مها بدورها المقعد المجاور له..وقال مازن في تلك اللحظة وهو يدير المحرك: لقد استغربت من شيء قاله لي كمال قبل بدء السباق.. لقد قال انه وعد شخصا ما بهذا الفوز..
انشد اهتمام ملاك لما تسمعه.. وهي تتذكر جيدا ان كمال قد وعدها هي ومها على الحصول على المركز الاول..
في حين قالت مها مبتسمة: لقد وعدنا انا وملاك بهذا..
قال مازن بدهشة: حقا؟.. لقد ظننت ان لفتاة ما دخل بالموضوع ..
ضحكت مها وقالت: كمال ليس مثلك..
تحفزت حواس ملاك.. ماذا تعني بأن كمال لا يشابه مازن في هذا.. وما دخل امر الفتاة بالشبه بينهما.. هزت رأسها وهي تشعر بالتوتر من التفكير في هذا الامر..
قال مازن في تلك اللحظة وهو يتطلع الى ملاك من مرآة السيارة: متى سيأتي والدك من السفر يا ملاك؟..
ازدردت ملاك لعابها بتوتر..وهي تتساءل ..لماذا سألت هذا السؤال يا مازن؟.. وقالت بهدوء: غدا..
قال مازن باستنكار: مبكرا هكذا..
قالت مها وهي تمط شفتيها: ما الذي تقوله؟..وهذا وقد تأخر عمي يومين عن موعده الحقيقي لعودته..
قال مازن بابتسامة: بصراحة لقد اعتدت وجود ملاك بيننا.. لا اعلم كيف سيكون المنزل من دونها..
قالت ملاك وهي تشعر بغصة في حلقها: سأحاول ان آتي لويارتكم بين الفترة والاخرى..
- اتمنى هذا..
قالت مها مبتسمة: لا تنسي.. اتصلي بي كلما وجدت الوقت لذلك يا ملاك..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: لن انسى..
كان موضوع مغادرتها منزل عمها يضايقها.. ويالمها.. لانها ستضطر لمغادرة مها اول صديقة لها.. واخت تفهمت مشاعرها وشخصيتها .. ومازن اول شخص ينبض له قلبها.. وتشعر بكل تلك المشاعر تجاهه.. وحتى كمال وعباراته الباردة لها .. ستشتاق لهم جميعا..وستحاول قدر الامكان ان تأتي لزيارتهم كلما سمح لها والدها بذلك ...
توقفت السيارة بغتة بجوار المنزل وقال مازن مبتسما: انتهت الرحلة يا فتيات..
فتحت مها باب السيارة وقالت: متى ستكون جادا في حياتك؟..
قال مازن مبتسما وهو يخرج من السيارة بدوره: عندما تتزوج اختي الوحيدة..
لماذا تفتح جروحا لم تلتئم بعد يا مازن؟.. وقالت بابتسامة باهتة: سأسبقك الى الداخل يا ملاك..
اومأت ملاك برأسها وهي تطلع اليها من نافذة السيارة.. في حين اخرج مازن مقعد ملاك من صندوق السيارة..واقترب به من الباب المجاور لها وقال وهو يفتحه: اريني اصرارك الآن..
ابتسمت ملاك ورفعت جسدها بكلتا ذراعيها لتجلس على المقعد وقالت مبتسمة: ما رأيك؟..
اشار لها بابهامه اشارة الانتصار وقال: رائع..
ابتسمت بخجل..وكادت ان تتحرك بمقعدها لولا ان رأته يتطلع الى الشارع الرئيسي ويقول: ما الذي جاء به الى هنا؟..
قالت ملاك بحيرة: من؟..
قال بهدوء: لا عليك .. ادخلي انت الى المنزل..
تحركت ملاك بمقعدها وهي في حيرة من امرها.. من هذا الذي يعنيه مازن؟.. والقت حيرتها خلف ظهرها وهي تطلع الى مها شاردة الذهن التي تطلع الى التلفاز وعقلها في مكان آخر.. وتطلعت ملاك الى ما تشاهده مها في التلفاز.. وشاهدت انها نشرة الاخبار.. ابتسمت ملاك لحظتها.. منذ متى كانت مها تهتم بالاخبار وهي بالكاد دلفت الى المنزل منذ لحظات.. وقالت مبتسمة: مها .. ماذا تفعلين؟..
قالت مها بلا مبالاة: اتطلع الى التلفاز..
قالت ملاك بهدوء: وهل تهتمين بنشرة الاخبار حقا؟..
قالت مها متسائلة: اية نشرة؟..
- التي تعرض بالتلفاز..
انتبهت مها لتوها لنشرة الاخبار التي تعرض بالتلفاز وقالت ببعض الارتباك: اجل .. لقد رأيت فيها موضوعا شد انتباهي..
صمتت ملاك وهي تعلم جيدا ان مها لا تقول الحقيقة لتخفي شرود ذهنها البادي عليها.. وظلت صامتة تراقبها وتتساءل فيما بينها.. ما الذي يحزن مها هذا اليوم؟.. منذ ان عادت من الجامعة وهي على هذه الحال..لقد رأت في نظراتها حزنا عميقا وهي تتطلع الى حسام هذا اليوم.. هل السبب هو حسام وخلاف قد يكون حصل بينهما؟.. ربما..
وبغتة سمعت صوت مازن وهو يتحدث الى شخص ما وهو يقول: تفضلا بالدخول.. المنزل منزلكما..
التفتت ملاك الى مصدر الصوت وكذلك فعلت مها التي قاطع شرودها صوت مازن..ورأت ندى واحمد يدخلان الى داخل الردهة وقال مازن مردفا: يا ترى ما سر زيارتكما هذه؟ ..
قال احمد وهو يهز كتفيه: للسؤال عن احوالكم..
قال مازن بابتسامة ساخرة: اشك في هذا..
واردف وهو يشير لهما بالجلوس: تفضلا انتما.. سأذهب انا الى الغرفة لأغير ملابسي المتسخة هذه وارتاح قليلا ومن ثم اعود.. فكما تعلمان السباق كان هذا اليوم..
لم يكلفا نفسيهما سؤاله عن نتيجة السباق.. ومازن لم ينتظر منهما سؤالا فقد واصل طريقه الى حيث الدرج ليصعد الى الطابق الاعلى..فاسرعت مها تقول وهي تشير الى الاريكة: تفضل يا احمد.. وانت كذلك يا ندى..
قال احمد وهو يبتسم لمها: كيف حالك يا ابنة العم؟..
مطت مها شفتيها وقالت: بخير..
في حين التفت احمد الى ملاك وقال:وانت يا ملاك؟..
اجابته ملاك بهدوء: على مايرام..
قالت ندى مبتسمة: بصراحة انا احسد مها لان لديها صديقة مثلك..
تطلعت لها مها ببرود.. بدأ النفاق..في حين قالت ملاك بابتسامة: وانا ايضا احسدها لأن لديها عائلة مثلكم..
تساءل احمد بغتة: وماذا عن عائلتك؟..
ارتبكت ملاك بشدة.. وقالت وهي تزدرد لعابها: عائلتي؟ ..ماذا بها؟ ..
قالت احمد بخبث: اليس لديك عائلة كمها حتى تحسديها عليها؟..
قالت مها بحدة: احمد.. ما الذي تقوله؟.. انتبه جيدا لكلماتك ..
قال احمد وهو يهز كتفيه: انه مجرد سؤال..
قالت ملاك بألم: لدي عائلة ولكن ليس بمثل حجم عائلة مها..
قال متسائلا: وماذا عن والدك؟..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها: انه مسافر للخارج..
قال احمد بخبث: بلى لقد سمعت ان رجل الاعمال خالد محمود قد ترك البلاد من اجل صفقة تجارية في الخارج.. اليس هذا صحيحا؟ ..
قالت ملاك وهي تومئ برأسها: بلى صحيح..
توقفت عقارب الساعة بغتة بالنسبة لمها.. لقد اتسعت عيناها عندما ادركت مكر احمد وخبثه بعد ان استدرج ملاك لقول الحقيقة..تبا له..يالك من ماكر وخبيث انت ووالدك ..وقالت بحدة وهي غير قادرة على تحمل ما فعله: تعني محمود سالم بكل تأكيد..يبدوا ان ملاك لم تسمع الاسم جيدا..
ضحك احمد باستفزاز وقال بخبث: ربما..
يا الهي .. ماذا فعلت يا ملاك؟.. ستوقعين بنفسك في مشاكل وانت غير قادرة على مواجهة ابسطها..وقالت ندى في تلك اللحظة وهي تحاول استثارة ملاك: ولكن الم يقل مازن في تلك المرة ان والدك يعمل موظفا في البنك؟..
ارتبكت ملاك واضطربت ملامحها بشدة.. ولم تستطع النطق بحرف واحد بعد ان علمت بأي امر اوقعت نفسها.. وانقذها من هذا الموقف صوت مازن وهو يقترب منهم ويقول بصوت حازم: بلى قلت هذا.. من لديه شك فيما قلته..
قال احمد بسخرية: لا احد..
ومن ثم اردف وهو ينهض من مكانه: هيا يا ندى لقد تأخرنا ..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: لم تشربا شيئا بعد..
قال احمد بابتسامة غامضة: لا يهم.. المهم انناحصلنا على ما نريد ..
لم يفهم مازن مايعنيه ولكنه نهض من مكانه وهو يوصلهم الى الباب الرئيسي وما ان خرجا من الباب حتى قالت مها بانفعال: لقد انتهى الامر.. لقد علما بكل شيء..
قال مازن بدهشة: ماذا تقولين؟..
قالت مها بعصبية: ذلك الاحمق احمد.. لقد استدرج ملاك في الحديث حتى اكدت له ان والدها هو خالد محمود رجل الاعمال ..
ارتفع حاجبا مازن وقال بتوتر: ماذا؟..
- هذا ما حدث.. ما الذي سنفعله الآن؟..
قال مازن وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره بتوتر: لقد انكرت هذا امامهم مرارا .. وسنقول ان ملاك قد سمعت الاسم بشكل خاطئ..
قالت مها بحدة: اتظن انهم سيصدقوننا..
قالت ملاك في تلك اللحظة بصوت مرتجف: انها غلطتي..
التفت لها مازن ومها وشاهدا وجهها الذي بات شاحبا بشدة ..واقرب الى شحوب الموتى..وقال باشفاق: لا تدعي هذا يؤثر عليك.. جميعنا كنا سنقع في الخطأ ذاته..
التفتت له وقالت بصوت اقرب الى البكاء: ماذا عسانا ان نفعل الآن؟..
قالت مها في سرعة: مازن.. ما رأيك ان نأخذها الى مكان ما؟.. ريثما يعود عمي من السفر .. حتى الغد فحسب..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه مفكرا: مكان؟.. مثل ماذا؟ ..
والتفت بغتة الى ملاك وقال متساءلا: انت تعرفين اين يقع منزلكم جيدا وتعرفين الطريق الى هناك .. صحيح؟..
اومأت ملاك برأسها.. فقال بهدوء: سآخذك الى هناك اذا.. لأن منزل والدك لا احد يعلم مكانه سواك الآن..
صمتت ملاك بتردد..فقالت مها بهدوء متحدثة الى مازن: لا تحرجها يا مازن .. بكل تأكيد والدها طلب منها ان لا تخبر احد عن مكانه ..
قال مازن بنفاذ صبر: اذا ما الحل في رأيك؟..
قالت مها وهي تزدرد لعابها: لدينا منزل صغير عند البحر .. اليس كذلك؟.. خذها الى هناك..
قال مازن بحدة: يالغبائك.. انهم سيبحثون هناك بكل تأكيد ..
قالت مها بقلة حيلة: اذا ما الحل؟.. ما الحل؟..
صمت مازن وزفر بحدة وتوتر.. والتفت الى ملاك التي ظلت ملامح وجهها على شحوبها.. وعقد حاجبيه في تفكير عميق .. والسؤال نفسه يتكرر في عقله.. ما الحل ياترى؟..ما الحل؟ ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ابتسم فؤاد بانتصار وهو يربت على كتف احمد وقال: لقد اثبت لي الآن بأنك ابن اخي.. وان الدماء التي تجري في عروقي ..هي ذاتها التي تجري في عروقك..
ابتسم احمد وقال: انا طوع امرك دائما يا عمي.. واي شيء ستحتاج الى مساعدتي فيه..اتصل بي واخبرني دون تردد ..وسأنفذه على الفور..
قال فؤاد بابتسامة واسعة: انت تذكرني بشبابي بذكائك الحاد هذا..وخصوصا عندما استدرجت ابنة خالد في الحديث ..
قال ندى بغتة بتردد: عمي.. هل لي بسؤال؟..
التفت لها فؤاد فقالت : ما الذي سيحدث لملاك الآن؟..
قال فؤاد ببرود: لا تقلقي بشأنها فلن نؤذيها.. فقط ستكون وسيلة للضغط على خالد.. حتى يغير رأيه ويترك لناورثة والدنا.. بدلا من ان تكون من نصيب تلك العاجزة..
ازدردت ندى لعابها وآثرت الصمت .. في حين قال احمد : لقد قمت بما طلبت يا عمي.. ولكن لي عندك طلب بسيط..
ابتسم فؤاد وقال: اطلب ما شئت يا احمد.. لن ارفض لك طلبا ابدا..
ظل احمد صامتا لبرهة .. فقال فؤاد وابتسمته تتسع: لا تخجل يا احمد.. نقودي تحت امرك من عشرة الى مائة الف..
قال احمد وهو يهز رأسه نفيا: لا اريد نقودا..
قال فؤاد متسائلا وهو يعقد حاجبيه: اذا ماذا تريد؟..
قال احمد فجأة:اريد ان اطلب يد ابنة عمي امجد.. مها..
ارتفع حاجبا ندى في دهشة.. في حين ضحك فؤاد وقال: هذا فقط ما تريده..
اومأ احمد برأسه وقال: اجل.. وكنت اريد طلب يدها منذ فترة.. ولكني خشيت ان عمي امجد لن يوافق.. نظرا لكوني لازلت ادرس بالجامعة ولم احصل علىعمل بعد..
ابتسم فؤاد بثقة وقال: دعك من عمك.. سيوافق بالرغم منه ..
قال احمد بلهفة وفرح: حقا؟.. هل تستطيع اقناعه؟..
- بكل تأكيد..
قال احمد متسائلا بقلق: ومها؟.. ماذا عنها؟.. هل تستطيع اقناعها هي ايضا؟..
قال فؤاد بابتسامة خبيثة: لا عليك.. ستوافق بكل تأكيد .. عندما تعلم ان مستقبل الجميع يتوقف على موافقتها..
قال احمد وقد انفرجت اساريره: انت داهية يا عمي..
قال فؤاد بابتسامة سخرية: في عالم رجال الاعمال ان لم تكن تفكر بدهاء وتتخطى جميع القوانين لتصل الى كل ما تريده.. فستجد نفسك يوما خارج هذا العالم .. بعد ان يخطوا فوقك من هو الادهى منك ..
واردف بهدوء: والآن انتهت مهمتك يا احمد.. يمكنك العودة الى منزلك..
واستطرد بابتسامة صفراء: اما البقية فاتركها لي انا.. سينتهي هذا الامر كما اريد انا بالضبط..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قال مازن بعصبية: وبعد يا مها؟.. الا يوجد حل لهذا؟.. هل سنستمر في التفكير طوال اليوم حتى يأتي عمي فؤاد الى هنا؟ ..
قالت مها بتوتر: ولماذا تتحدث الي هكذا؟.. ما شأني انا؟ .. الست انت الرجل هنا؟.. وعليك ايجاد حل لابنة عمك..
زفر مازن بحدة وقال: الحل الوحيد هو منزل ملاك..ولكن هي من ترفض اخبارنا بمكانه..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها: حسنا .. سافعل ما تشاء يا مازن.. وسأعود الى المنزل..
قال مازن وهو يلتقط مفاتيح سيارته: حسنا اذا .. هيا اســ...
قاطعته ملاك قائلة: سأتصل بالسائق ليوصلني الى هناك..
قال مازن بحدة: الا تثقين بي؟..
قالت ملاك بصوت مضطرب: لقد وعدت ابي ان لا اخبر احدا مهما كان بمكان منزلنا..
قال مازن بحدة اكبر: ولكني ابن عمك اولا.. وانت في ظروف طارئة ثانيا.. لهذا يتوجب عليك اخباري..
قالت ملاك وهي تتحاشى نظراته: لا استطيع .. صدقني..
كانت مها طوال فترة النقاش صامتة.. كانت تعلم ان الحل الوحيد هو منزل ملاك.. وفي الوقت ذاته تعلم ان مازن على حق في اصراره.. فقد يتأخر السائق في الوصول الى هنا ويصل عمها فؤاد قبلهم الى هنا..
واسرع مازن يقول بصوت حاني: ملاك.. اسمعيني.. انت لا تعلمين السائق اين موجود الآن.. قد تقعين في مشكلة لو جاء عمي الى هنا قبله.. لهذا اطلب منك ان تخبريني لمصلحتك..
ظلت ملاك صامته لفترة زادت على الثلاث دقائق ومن ثم قالت بصو خافت: عدني اولا بأنك مهما حدث او سيحدث لن تخبر احد بما سأخبرك اياه..
ابتسم مازن وقال: اعدك ولو على قطع رقبتي..
ازدردت ملاك لعابها .. فمال نحوها وهو ينتظر ان تخبره بكل لهفة.. ربما لفضوله.. ربما لقلقه عليها.. المهم انه يريد معرفة مكان اقامتها.. وقالت ملاك بصوت هامس: انه يقع في المنطقة الـ...
(لا داعي لان تقولي أي شيء يا ملاك.. فقد انتهى الامر تماما)
التفت الجميع الى مصدر الصوت.. وتفجرت الدهشة على ملامحهم.. فقائل العبارة ذاك كان آخر شخص يتوقعون وجوده بينهم في هذه اللحظة...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الثاني عشر
"وداع"
كان الصمت هو سيد الموقف.. الصمت الذي سيطر على الاذهان وشل الاقدام.. ليتوقف الجميع متطلعين بذهول الى الواقف امامهم ناطق العبارة السابقة.. كان آخر شخص يتوقعون وجوده بينهم الآن.. آخر شخص من الممكن ان يخطر على اذهانهم.. ولكنه حطم توقعاتهم وجاء.. وهاهوذا واقف بينهم.. يتطلع اليهم جميعا بنظرة غامضة.. ومن ثم توقفت نظراته على احدهم..على ملاك على وجه التحديد...
وكان مازن هو اول من انتزع نفسه من ذهوله بينهم وقال بغير تصديق: عمي ؟!..كيف جئت الى هنا ؟.. ومتى؟..
اجابه قائلا: ما رأيك انت يا مازن؟.. كيف سأحضر غير بسيارتي.. ومنذ قليل ان كان هذا يهمك..
اما ملاك فقد ارتجفت شفتاها وهي تهمس بصوت خافت: هل انت حقا هنا يا ابي؟.. ام هو حلم كبقية احلامي يا ترى؟ ..
تطلع لها خالد بنظرة حانية ومن ثم قال : بل هو واقع يا صغيرتي.. انا هنا .. وقد عدت من اجلك..
ومن ثم تحرك باتجاهها ليميل نحوها ويقول بصوت دافئ: اشتقت اليك يا صغيرتي وبأكثر مما تتصورين..
سقطت ملاك بين ذراعيه لتقول ودموعها تتفجر من عينيها: وانا اكثر يا ابي.. لا تتركني مرة اخرى ارجوك..
مسح خالد على شعرها بحنان ومن ثم احاط جسدها بذراعيه وقال بهمس: تركت كل مالدي من اعمال .. فقط لاعود اليك يا ملاكي..
ازدرد مازن لعابه وقال مقاطعا: عفوا لمقاطعتي .. ولكن يتوجب عليك يا عمي ان تغادرانت وملاك المكان على وجه السرعة.. فعمي فؤاد علم بأمرها..
عقد خالد حاجبيه بضيق وقال: هذا ما كنت اخشاه..
واردف بشك: ولكن من اخبره ؟..
كاد مازن ان يهم بقول شيء ما..ولكن ملاك اسرعت تقول وهي تمسح دموعها وتبتعد عن والدها قليلا: ليس لأحد شأن فيما حدث يا ابي.. انها غلطتي.. لقد زل لساني امامهم بالحقيقة ..
واردفت وهي تلتفت لتتطلع الى مازن ومها بامتنان: وانا اشكرهم من كل قلبي.. على ما فعلوه لأجلي.. لقد حاولوا اخفاء الامر قدر المستطاع.. هذا بالاضافة لمحاولتهم حمايتي..لقد كانوا لي مثال الاخوة يا ابي..
لم تعجب خالد النظرة التي كانت في عيني ملاك وهي تتطلع الى مازن وكذلك مها.. فقال بصوت هادئ يخفي الكثير من الضيق: يبدوا ان اشياءا كثيرة قد تغيرت في عدم وجودي..
واردف وهو ينهض من مكانه: من فضلك يا مها اطلبي من نادين ان تجهز حقيبتها وحقيبة ملاك.. لنغادر المنزل..
اومأت مها برأسها وكادت ان تنهض من مكانها.. لولا ان قال مازن: لقد طلبت منها ذلك قبل قليل.. لاني كنت في طريقي الى اخراجها من المنزل بالفعل..
قال خالد ببرود: اذا اطلبي منها ان تحضر الحقائب وتتبعني الى السيارة ..
اما ملاك فقدرأت والدها في تلك اللحظة يهم بدفع مقعدها.. فاسرعت تقول: اسبقني انت يا ابي.. سأذهب لأحضر شيء ما من غرفتي واودع ابناء عمي والحق بك..
تطلع لها بنظرة صامتة ومن ثم قال: لا بأس ولكن اسرعي..
قالت وهي تومئ برأسها: سأفعل..
اسرعت ملاك تحرك عجلات مقعدها الى حيث تقف مها التي كانت تتحدث الى نادين.. وما انتهت من حديثها معها.. حتى قالت ملاك وهي تشعر بغصة مرارة في حلقها: اردت ان اودعك قبل ان اذهب يا مها..
التفتت لها مها وقالت بتأثر: الم تغادري بعد يا ملاك؟.. والدك ينتظرك..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: اردت ان اودعكم اولا.. فمن يدري متى سأراكم مرة اخرى..
انحنت مها وهبطت الى مستوى ملاك لتقول بصوت حاني وهي تمسك بكلتا كفيها: ستريننا وقتما تريدين يا ملاك.. ويمكنك الاتصال بنا كذلك في أي وقت..
قالت ملاك بصوت اقرب الى البكاء: انت تعلمين بالظروف التي استجدت الآن.. لا اظن ان ابي سيسمح لي بزيارتكم تحت هذه الظروف..
شددت مها من قبضتها على كف ملاك وقالت بابتسامة شاحبة: ولكننا سنظل دائما اخوات.. اليس كذلك؟..
أومأت ملاك برأسها وترقرقت الدموع في عينيها.. فاسرعت مها تمسح دموعها وتقول برقة ولطف: والآن يا ملاك.. عليك ان تسرعي بالمغادرة.. الوقت ليس في مصلحتك..
قالت ملاك بصوت خافت: لا يوجد شيء في مصلحتي ابدا..
قالت مها وهي تزدرد لعابها لتبتلع الغصة التي في حلقها: لا تقولي هذا.. جميعنا الى جانبك.. والله تعالى سيكون معك دائما..
ابتسمت ملاك بامتنان.. ومن ثم التفتت بمقعدها مبتعدة وقالت بهمس: اتمنى ان اراك عما قريب يا مها..
قالت مها بابتسامة حانية:وانا كذلك يا ملاك ..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها: سأطلب منك طلبا اخيرا..
والتفتت لها لتردف: لقد تركت الفستان هنا يا مها.. لا اريد ان آخذه معي.. احتفظي به لاجلي لو عدت الى هنا يوما ما..
قالت مها بدهشة: ماذا تعنين يا ملاك؟..
قالت ملاك بألم: اعني ان تتركيه كذكرى عندك.. لتتذكريني به.. والايام الجميلة بالنسبة لي التي قضيتها في منزلكم..
قالت مها بحيرة: لم لا تأخذينه معك؟.. نحن سنذكرك دائما به او من دونه..
- لن يقبل ابي صدقيني..
واردفت وهي تمضي في طريقها: الى لقاء لعله يتجدد يوما ما..
وابتعدت بمقعدها مبتعدة عن المكان.. لتعبر الردهة ومن ثم تتوجه الى الباب الرئيسي و...
(ستغادرين دون ان تودعيني يا ملاك)
خفق قلب ملاك بقوة.. وازدردت لعابها لتخفي توترها واضطرابها..وحاولت ان تنطق بحرف واحد ولكنها لم تستطع.. المها على فراقه.. جعلها تكتفي بنظرات الحزن على الكلام..وقال مازن مستطردا وهو يتقدم منها بابتسامة: لو فعلت هذا لم اكن لاسامحك ابدا..
قالت ملاك وهي تحث نفسها على الحديث: ربما لا تحتاج في التفكير في ان تسامحني او لا.. فقد تكون هذه آخر مرة اراك فيها..
قال مازن بحزم وتهديد: اياك وان تقولي شيئا كهذا يا ملاك.. مهما حدث سنجتمع مرة اخرى..
واردف بابتسامة حانية: صدقيني.. اعلم ان الذهاب الى منزلك من مصلحتك.. ولكن منزلنا من غيرك سيكون كئيبا و...
بتر عبارته بغتة واردف بصوت هامس: وسأشتاق اليك كثيرا ..
ارتجفت اطراف ملاك وتسارعت دقات قلبها وهي ترى نظراته لها.. وابتسامته الحانية الموجهة اليها.. وكلماته التي تحمل حنان الدنيا بأكمله.. وازدردت لعابها لتقول بصوت خافت يحمل الكثير من المرارة: سـأشتاق اليكم جميعا..وحاولوا ان تتصلوا بي عندما تتذكروني..
قال مازن بتأنيب: نحن لن ننساك حتى نتذكرك يا ملاك..
واردف وهو يفسح لها المجال للمغادرة: اهتمي بنفسك جيدا يا ملاك..
كادت ان تغادر المكان ولكنه استوقفها مرة اخرى وهو يقول بصوت هامس ورقيق: فأنت غالية علينا جميعا..
ارتفع حاجبا ملاك.. بدهشة.. بفرحة.. بتوتر..خفضت عيناها بخجل وارتباك.. واسرعت بمقعدها مغادرة المنزل.. هربا من مشاعرها التي لا تتفجر الا بوجود مازن.. دون ان تنتبه الى الشخص الذي يسير باتجاه الباب الرئيسي.. واصطدمت به فجأة .. فقالت بارتباك شديد وهي ترفع رأسها اليه: معذرة لم اقصد..
وازداد ارتباكها اضعافا وهي ترى كمال يقف امامها بنظراته الباردة.. وانتظرت أي عبارة من عبارات تجريحه لها او عبارة باردة غير مبالية يلقيها على مسامعها.. ولكنه قال بهدوء: اذا ستغادرين..
اومأت برأسها بهدوء فقال: الى اللقاء يا ملاك.. واعتذر ان كنت قد تسببت في المك في يوم..
ابتسمت ابتسامة شاحبة وقالت: ابدا.. لم يحدث شيء..
رسم ابتسامة باهتة على شفتيه وقال: سنفتقدك كثيرا..
قالت ملاك بابتسامة شاحبة: وانا كذلك..سأفتقدكم جميعا..
واردفت وهي تخفي المها ومرارتها خلف ابتسامتها الشاحبة: اراك بخير يا كمال.. وداعا..
هز كمال رأسه نفيا وقال: بل الى اللقاء يا ملاك..
ازدردت ملاك لعابها وقالت وهي تومئ برأسها: معك حق.. الى اللقاء..
وسارت مبتعدة عنه.. وقلبها يعتصره الحزن لفراقهم جميعا.. كمال لا يعلم أي شيء مما حدث لها.. لهذا يظن انها ستعود يوما ما.. لكنه لا يعلم انها قد تكون المرة الاخيرة التي يراها فيها..
ترقرقت في عينيها الدموع وهي تصعد في سيارة والدها لتجلس الى جواره.. والذي ابتسم لها ابتسامة حانية وهو يقول للسائق: انطلق للمنزل..
ادار السائق محرك السيارة منطلقا بها الى المنزل.. وبدورها وجدت دموع ملاك طريقها لتسيل على وجنتيها بكل الم وحزن ومرارة.. واعتصرت قبضة باردة قلبها وهي تلقي نظرة اخيرة على منزل عمها.. وشريط ذكريات اسبوع تقريبا قد مضى يمر امام عينيها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تنهد مازن بقوة وهو يهم بالصعود الى غرفته.. حين استوقفه صوت كمال وهو يقول بهدوء: مازن..
التفت له مازن وقال بسخرية: لا يزال الوقت مبكرا يا اخي.. لم جئت؟..
قال كمال ببرود وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لم ؟.. ما الذي حصل وكان يستوجب حضوري؟..
قال مازن وهو مستمر في سخريته: لا شيء ابدا.. فقط ان ملاك كادت ان تقع في مشكلة مع عمي فؤاد..لولا ان جاء والدها في الوقت المناسب..
عقد كمال حاجبيه وقال متسائلا: ما الذي حصل؟.. واي مشكلة تعني؟..
قال مازن وهو يمط شفتيه: لقد علم عمي بحقيقة ملاك.. وذلك بسبب احمد وندى اللذان جاءا الى هنا فقط لاستدراجها في الحديث..
قال كمال بضيق: وانت؟.. اين كنت ليحصل كل هذا؟..
زفر مازن بحدة ومن ثم قال: لم اكن اعلم بما يخططون له.. لقد ذهبت لغرفتي حتى استبدل ملابسي واعود اليهم.. ولكني عدت بعد فوات الاوان..
قال كمال مستفسرا: وبعد ماذا فعلت؟..
- بحثت عن حل من اجل ابعاد ملاك لمكان آمن.. ولكن عمي خالد اختصر علينا الامر وجاء ليأخذها الى منزله..
- ولماذا لم تتصل بي و تعلمني بالامر؟.. فربما استطعت فعل شيء ما لملاك..
ابتسم مازن بسخرية وقال: لا اظنك تهتم بأي شخص في هذا العالم.. وخصوصا ملاك..
قال كمال ببرود: ولم ملاك بالذات التي لن اهتم لامرها؟..
قال مازن وهو يلوح بكفه: انسيت؟.. منذ اليوم الاول لها هنا وانت تتعمد ان تجرحها بكلماتك القاسية.. وانت تعلم جيدا انها لم تتعامل مع احد من قبل.. وان كلماتك لها ستجرحها..
قال كمال بهدوء: لم اكن اتعمد ذلك.. ولكن لم اكن استطيع قول غيركلماتي تلك..
تطلع له مازن بنظرة طويلة متشككة ومن ثم قال: ماذا تعني بقولك هذا؟..
قال كمال متجاهلا سؤاله: ثم لا تبرئ نفسك.. فما فعلته مع ملاك يفوق ما فعلته انا بأضعاف المرات..
اشار مازن الى نفسه وقال باستنكار: ما فعلته انا؟.. وماذا فعلت؟.. اخبرني .. هل ضايقتها بكلماتي القاسية؟.. هل جعلتها تبكي الما لتجريحي لها؟..
قال كمال و يشير له ويتطلع اليه بقوة: لا هذا ولا ذاك.. ولكنك فعلت ما هو اعظم.. لقد عاملتها كأي فتاة اخرى تعرفها.. كمئات الفتيات الذين تقابلهن يوميا.. وتجعلهن يتعلقن بك.. ومن ثم تقول لهن بكل برود.. ان ما كان بينكم طوال تلك الفترة هي الصداقة ولا شيء آخر.. وتخبرهن ايضا بأنك لم تعدهن بشيء ابدا.. ولكن اعلم يا شقيقي العزيز.. ان نظراتك وتصرفاتك تكون سببا لأن تتعلق الفتاة بك.. وانت تفهم جيدا ما اعنيه..
صمت مازن مدهوشا للحظة ولكنه لم يلبث ان قال وهو يهز كتفيه: ملاك مختلفة.. انها ابنة عمي..واما عن بقية الفتيات فأنا لم اجبرهن على تكوين علاقة معي.. على العكس.. هن من يطلبن ذلك..
قال كمال ببرود: نظراتك التي تخص بها احدى الفتيات تدفعها لذلك.. تظن انك مهتم لأمرها.. ولكن على العكس.. انت لم تهتم يوما ولا بأي فتاة قد خصصتها باحدى نظراتك..
واستطرد كمال وهو يزفر بقوة: وملاك التي هي ابنة عمك كما تقول..لم تحترم صلة القرابة التي بينكما..بل كنت تخصها دائما بنظراتك يا مازن.. وكأنك تدفعها للتعلق بك كالاخريات..
قال مازن بحدة: من قال هذا؟..
سار كمال عنه ليصعد درجات السلم ومن ثم قال وهو يلتفت له ويلقي عليه نظرة باردة: نظراتها لك ..
قالها ومضى في طريقه ..دون ان يترك لمازن فرصة للسؤال عما يعنيه بقوله هذا..وليتركه في حيرة من امره..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ربت خالد على كتف ملاك وقال بصوت حاني والسيارة لا تزال في طريقها الى منزلهم: ملاك.. يكفي هذا.. ونحن قادمين الى منزل عمك كنت تبكين لأني سأسافر.. فلم تبكين الآن ايضا وها انذا قد عدت؟..
قالت ملاك بصوت مبحوح من شدة البكاء: انا سعيدة بعودتك يا ابي.. ولكني ابكي لفراق عمي وابناءه..
قال والدها وهو يتنهد: ولم تبكين لفراقهم؟.. ايستحقون دمعة واحدة من دموعك الغالية؟..
قالت ملاك بصوت خافت بعض الشيء: مها كانت كأخت لي تماما يا ابي.. وهي ومازن كثيرا ما كانوا يخففون عني آلامي واحزاني..
قال خالد بحزم: ملاك لقد اخذتك الى منزل عمك حتى لا تشعري بالوحدة فحسب في عدم غيابي.. وقد اخبرتك مرارا وها انذا اعيدها على مسامعك.. تناسي ان لديك ابناء عم وحاولي ان تواصلي حياتك بدون أي مشاكل..
قالت ملاك بصوت مختنق: بدون مشاكل وبدون اصدقاء وبدون اهل.. اعيش وحيدة في هذا العالم والى الابد.. اهكذا تريديني ان احيا يا ابي؟.. وحيدة الى الابد..
قال خالد بدهشة: ماذا تقولين يا ملاك؟..وانا اين ذهبت؟.. الست والدك ومعك دائما؟..
اشاحت بوجهها وقالت بمرارة: بلى.. ولكنك مشغول دائما بأعمالك وشركاتك.. وانا لا اجد سوى ساعتين في اليوم تقضيها معي..
- اليس كل هذا لاجلك يا صغيرتي؟..
التفتت له ملاك وقالت بصوت اقرب الى البكاء: لا اريد مالا.. لا اريد حياة ارقى وافخم.. اريد ان احيا مع اشخاص يفهموني وافهمهم.. يحبوني واحبهم.. هذا كل ما اريده يا ابي.. لااريد ان احيا وحيدة.. فهل طلبت الكثير؟ ..
ابتسم خالد بحب وحنان وقال: صغيرتي.. انا اعلم انك تشعرين بالوحدة .. ولكن الحياة ليست كما تظنينها.. وليس جميع الناس طيبون مثلك.. هناك الجيد والسيء.. وانت لن تستطيعي الحكم عليهم ابدا.. فبراءتك تحجب عنك كل ما يعتمل في صدروهم.. قد يكون الشخص الذي امامك يبدوا طيبا .. ولكن يحمل بداخله شرا ليس له آخر..انت تفهمين ما اعنيه يا ملاك .. اليس كذلك؟..
قالت ملاك برجاء: ولكنهم ابناء عمي.. لن يضروني بشيء..
قال والدها باستهزاء: ان كان عمك تفسه يريد ان يضرك.. فكيف بابناءه؟..
- انا اتحدث عن مازن ومها يا ابي..
قال خالد بحزم: واتظنين امجد طيبا يا ملاك؟.. لقد وقف في صف اخوته ضدي .. لمجرد اني كتبت الشركة باسمك.. لقد اعمت النقود اعينهم.. ولم يعودوا يستطيعون التفريق بين شخص غريب او قريب لهم..
عضت ملاك على شفتيها وقالت بمرارة: ولكني اعتدت وجودي بينهم يا ابي.. اريد ان اراهم مرة اخرى.. ارجوك ..
قال خالد بهدوء: اخبريني يا ملاك.. كيف تريدين ان تعودي اليهم بعدما حصل اليوم.. لو وجدك فؤاد فلن ترينني انا ايضا يا صغيرتي.. ارجوك.. انسي ابناء عمك.. وفكري بنفسك.. وفي حياتك..
قالت ملاك بمرارة: وبوحدتي الدائمة..
ربت والدها على كتفها بحنان وقال: سأحاول ان أكون الى جوارك قدر المستطاع.. وسأترك اعمالي للموظفين بالشركة .. ما رأيك؟..
تساءلت ملاك للمرة الاخيرة وصوتها يحمل كل رجاء والم: اهذا يعني اني قد رأيت ابناء عمي للمرة الاخيرة واني لن اراهم مرة اخرى؟..
زفر والدها ومن ثم قال : حاولي ان تتفهمي هذا يا صغيرتي..
قالت ملاك ودموعها تعود لأن تترقرق في عينيها: سأحاول يا ابي..
واردفت وهي تتنهد بمرارة: فليس امامي سوى المحاولة بتفهم الواقع بعد الآن...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
غياب ملاك عن المنزل جعل مها تشعر بفراغ كبير..وخصوصا بعد ان اعتادت وجودها والحديث معها يوميا.. وهذا ما جعل تفكيرها بحسام يزداد..كان اول شخص يخطر على ذهنها اذا حدثت لها أي مشكلة.. ليس لديها اخوات لتتحدث وتتناقش معهن في مشاكلها.. ومازن وكمال لم يهتما ابدا بها.. ووالدتها لا تراها الا مرة واحدة بالشهر.. ولا تريد ان تزيد همومها بمشاكلها.. ووالدها منشغل بأعماله وشركاته ليكون هذا على حساب ابناءه..
والآن بعد ان توترت العلاقة بينها وبين حسام لاول مرة.. الى من تتحدث ؟.. الى من تشكي همومها؟.. لقد كان دائما القلب الكبير الذي يعطف عليها.. ويحاول ان يسدي لها بالنصائح او يخفف عنها بكلماته الرقيقة معها.. ولكنها حمقاء.. اجل حمقاء عندما طلبت كل شيء.. الاهتمام والحنان والحب ايضا!!.. تريده ان يكون اخا وصديقا وحبيبا في الوقت ذاته..لم تكتف بكونه صديقا .. بل طمع قلبها بأن يبادلها الحب ايضا.. وهاهي ذي خسرته و...
لا .. ليس بعد.. لم تخسره بعد.. يمكنها ان تتصل به وتعتذر له عن تجاهلها له.. وتصرفها معه..وسينتهي الامر على ما يرام.. حسام طيب القلب وسيسامحها..
ولكن.. ماذا عن كرامتها وكبريائها؟.. اتدوس عليهما من اجل قلبها؟.. اترمي كرامتها خلف ظهرها وتتصل به بعد ان قابلها بنظراته الباردة؟.. ثم انه المخطأ ايضا بتجاهله لي طوال الوقت .. اجل هو المخطأ..
ترددت طويلا وهي تذرع غرفتها جيئة وذهابا ومن ثم لم تلبث ان التفتت الى حقيبتها حيث هاتفها المحمول .. وبغتة.. حطم سكون الغرفة.. صوت رنين هاتفها.. فشهقت بقوة وهي تقول: ربما كان حسام..
وابتسمت بفرحة وهي تسرع باتجاه حقيبتها وتلتقط هاتفها منها.. ولكن الابتسامة اختفت.. وفرحتها تلاشت عندما شاهدت انه رقم صديقتها.. وشعرت بالسخط وهي ترمي هاتفها على الفراش وتزفر بحدة.. وما ان توقف الرنين حتى قالت وهي تزدرد لعابها بتوتر: لن يتصل.. انا اعرف جيدا انه لن يتصل بي.. لاني انا من ضايقه.. ولكني اكابر واحاول ابعاد هذه الحقيقة عن ذهني..ليس امامي سوى الاتصال به ..حتى تعود العلاقة بيننا كما كانت..
التقطت هاتفها وباصابع متوترة أخذت تضغط ارقام هاتف حسام .. وشعرت بدقات قلبها المضطربة وهي تستمع الى الرنين المتواصل..وهي تتمنى من كل قلبها ان يجيب على اتصالها وان لا يتجاهلها.. واخيرا سمعت صوته الذي وتر جسدها كله وهو يقول بنبرة لا مبالاية: نعم..
رفعت مها حاجبيها بدهشة واستنكار.. منذ البداية يتحدث اليها بجفاء هكذا.. واردف حسام عندما لم يسمع منها جوابا: ماذا هناك يا مها؟.. ماذا تريدين؟..
لم يكلف نفسه حتى عناء السؤال عنها.. وقالت مها وهي تحاول السيطرة على مرارتها لقسوته معها: كيف حالك يا حسام؟ ..
اجابها ببرود: بخير..
ران الصمت عليهما لدقيقة كاملة فقال حسام باستهزاء: انت لم تتصلي بي حتى تصمتي .. اليس كذلك؟.. لديك ما تقولينه بكل تأكيد.. لهذا تحدثي بسرعة حتى اعود لدراستي..
شعرت مها بغصة في حلقها وهي ترى اسلوبه معها.. هذا ليس حسام الذي تعرفه.. انه يبدوا شخص آخر تماما.. شخص لا مبالي ومتبلد المشاعر والاحاسيس.. وتحاملت مها على كرامتها وهي تلاقي كل هذا البرود منه وقالت: بلى .. لقد اتصلت بك حتى اسألك عن شيء ما..
قال حسام بلامبالاة: وما هو هذا الشيء؟..
قالت مها وهي تعض على شفتيها: اردت ان اسالك.. عن سبب معاملتك لي بكل هذا البرود واللا مبالاة..
قال حسام وهو يرفع حاجبيه: اعاملك ببرود ولامبالاة.. الم تقولي بنفسك اني اتجاهلك؟.. وها انتذا تعرفين المعنى الحقيقي لتلك الكلمة..
قالت مها بحدة: اذا انت تعاقبني الآن..
قال حسام وهو يزفر بحدة: لست في حاجة لمعاقبة احد.. هذا اولا.. وثانيا انت تدركين جيدا ما دفعني للتعامل معك بهذا الاسلوب..
صمتت مها للحظة ومن ثم قالت بخفوت: بلى اعرف..لهذا اردت ان اقول لك.. اني آسفة.. لم اقصد مضايقتك صدقني..
ران الصمت عليهم للحظات ومن ثم قال حسام بهدوء: لا بأس يا مها ان كنت حقا آسفة على ما فعلت..
قالت مها بنبرة تحمل الكثير من المشاعر التي في قلبها: حسام انا احتاج اليك ..لا تتركني مرة اخرى.. ارجوك..
قال حسام بابتسامة باهتة: انا معك دائما يا مها.. لا تقلقي..
قالت مها وقد شعرت بالسعادة.. لان طبيعة حسام عادت كما كانت..وانه قد عاد حسام الذي تعرفه..وقالت بصوت متوتر بعض الشيء: لقد حدثت اشياء كثيرة يا حسام هذا اليوم ..
قال بحيرة: اشياء؟.. مثل ماذا؟..
قالت مها وهي تزدرد لعابها بتوتر: ملاك قد غادرت المنزل قبل ساعة من الآن..
قال حسام بهدوء: كان لابد لها ان تغادر بعد ان يعود والدها من السفر.. وان كان الامر يتعلق باعتيادك عليها فـ...
قاطعته مها وقالت بهدوء: صحيح انني افتقد ملاك كثيرا ولكن الامر اكبر من هذا..
عقد حسام حاجبيه وقال: ماذا تعنين؟..
قالت مها وهي تتنهد: لقد جاء احمد وندى الى منزلنا اليوم ..ولم يكن غرضهما سوى استدراج ملاك بالحديث حتى زلت بلسانها بقول الحقيقة لهما..
قال حسام بحدة: لقد حذرتك من احمد هذا كثيرا.. ياله من حقير عندما يفكر باساليب خبيثة كهذه لمعرفة الحقيقة..
- لقد علمت من يكون احمد اليوم ..وعلمت انك محق في كل كلمة قد قلتها عنه واكثر..
قال حسام متسائلا: وبعد؟.. ماذا حصل بعد ذلك؟..
شرحت له الامر باختصار..فقلب حسام وهو يتنهد: من الجيد ان والدها قد جاء في الوقت المناسب.. والا وقعت ملاك في مشكلة هي بغنى عنها..
قالت مها وهي تحرك خصلات شعرها بتوتر: ولكن يا حسام ما حدث سيجعلها تمتنع عن الحضور مرة اخرى.. قد لا اراها بعد الآن ابدا..
قال حسام مبتسما: تفاءلي يا مها.. ومن يدري ماذا قد يحصل في المستقبل؟.. ربما ترين ملاك مرة اخرى و تقضي معك فترة اطول من سابقتها..
لم يعلم حسام لحظتها ان عبارته قد مست شيئا من الحقيقة دون ان يدرك ذلك.. والايام القادمة ستثبت له صحة مقولته هذه ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
التقط مازن مفتاح سيارته.. ودسه في جيب بنطاله..وواصل طريقه الى الطابق الاسفل ليعبر الردهة وابتسم وهو يلمح باب ملاك اثناء سيره.. وقال: لقد كان اسبوعا جميلا بحق..
وهز كتفيه وابتسامته لا تزال على شفتيه.. وهو يمضي في طريقه الى الباب الرئيسي.. لولا ان استوقفته الخادمة وهي تقول: سيد مازن.. هناك من يطلب رؤيتك..
التفت لها وقال: ومن الذي يطلب رؤيتي؟..
جاءه الصوت من عند الباب الرئيسي وصاحبه يقول: انا..
التفت مازن الى صاحب الصوت ومن ثم قال بصوت هادئ تشوبه رنة سخرية: اهلا عمي.. كيف حالك؟..
ابتسم فؤاد بثقة وهو يتقدم من مازن وقال: بخير.. ما احوالك انت واخوتك.. وابنة عمك؟..
ضغط على حروف كلمتي(ابنة عمك)..وكأنه يريد ان ينبهه بأنه قد عرف الحقيقة.. ولكن مازن قال بابتسامة ساخرة: جميعهم بخير.. وندى على ما اظن في منزل والدها وقد غادرت منذ ساعتين تقريبا..يتوجب عليك السؤال عنها هناك..
قال فؤاد ببرود: انت تعلم جيدا انني لا اعني ندى..
قال مازن وهو يصطنع التفكير: اذا من تعني.. ليس لدي ابنة عم غيرها على ما اظن.. وانت لم ترزق بأبناء كما اعلم ..
قال فؤاد وهو يعقد حاجبيه:لا تصطنع الغباء يا مازن.. فأنت تعلم جيدا انني اعني ملاك..
قال مازن بدهشة مصطنعة: وماذا بها ملاك؟..لقد غادرت منذ ساعة مع والدها.. فهل حدث لها شيء ما؟..
اتسعت عينا فؤاد وقال بغضب: غادرت؟؟.. كيف؟.. ومنذ متى؟..
ابتسم مازن ابتسامة انتصار وقال: لقد جاء والدها الى هنا واصطحبها الى منزله..
واردف مازن بسخرية وهو يتطلع الى عمه: ولكن لم كل هذه الاسألة عن ملاك يا عمي؟.. اتفكر بخطبتها لأحمد؟..
قال فؤاد بانفعال: لن يحلم خالد بأن نضع يدنا في يده الا بعد ان يعيد حقنا الينا..
قال مازن بمكر: ومن تحدث عن عمي خالد الآن؟.. انا اتحدث عن ملاك ووالدها يدعى محمود على ما اذكر.. وليس بينك وبينه أي مشكلات لأنك لا تعرفه اساسا..
وارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي مازن بعد عبارته الاخيرة.. ولكن فؤاد قال والغضب يشتعل في عينيه: مهما حاولت ان تكذب او تخفي الامر.. فلن تفلح.. لقد فات الاوان.. وادركت جيدا ان ملاك هي ابنة خالد.. مهما انكرت او انكر الجميع ذلك..
قال مازن مواصلا في سخريته: لكن بعد فوات الاوان..
ضيق فؤاد عينه بغضب وانفعال.. ومن ثم قال وهو يشير الى مازن: وليكن في علمك.. ان الحق سيعود لنا.. وملاك لن تهنئ بعد ان اصل اليها واضع يدي على مكانها.. خذ هذا وعدا مني..
والتفت مغادرا المكان.. في حين توتر مازن ودس اصابعه بين خصلات شعره.. وقال : لماذا انا دائما من يوضع في مثل هذه المواقف؟..
زفر بحدة وقوة.. وعندها سمع صوت كمال وهو يقترب منه ويقول : ما الذي حدث يا مازن؟.. كأني سمعت صوت عمي فؤاد قبل قليل..
التفت له مازن وقال : دائما تصل متأخرا يا كمال..
قال كمال وهو يعقد حاجبيه: ماذا تعني؟..
قال مازن وهو يمضي في طريقه: لقد انهيت الامر بطريقتي .. يمكنك الآن ان تعودمن حيث جئت..
تطلع له كمال ببرود ومن ثم قال: لا اتوقع ان الامر سيمضي على خير .. ما دمت قد تصرفت بطريقتك الخاصة..لهذا ان احتجت الى أي مساعدة.. اخبرني..
قال مازن وهو يمط شفتيه: لن احتاج اطمئن..
واكمل سيره ليغادر المنزل ويزفر بقوة.. ومن ثم قال متحدثا الى نفسه: ما هذا الحمل الكبير الذي اصبحت مسئولا عنه؟.. هل اسطيع حمل كل هذا على عاتقي ومواجهة اعمامي ايضا؟ ..
واردف بابتسامة : ولكن اتعلمين يا ملاك.. اشعر بأنك قد اصبحت مسئولة مني بالرغم مني .. وعلي حمايتك بكل الوسائل والطرق لدفع أي خطر عنك..
قالها وواصل سيره الى حيث سيارته.. وما ان انطلق بها.. حتى ابعد ملاك عن ذهنه.. فهو لم يتخيل ابدا.. بعد كل تلك الصداقات التي كونها مع مختلف الفتيات.. ان تشغل تفكيره في النهاية فتاة عاجزة...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قال خالد وهو يطرق باب غرفة ملاك: هل يمكنني الدخول يا صغيرتي؟..
قالت ملاك في سرعة: بالتأكيد يا ابي..
فتح الباب وقال وهو يتقدم منها: كيف حالك الآن؟..
قالت بهدوء: بخير..
مال نحوها وقال بابتسامة واسعة: الم تنسي ان تسألي عن شيء ما؟..
قالت ملاك بحيرة: شيء؟؟..
اومأ خالد برأسه ايجابيا وقال: اجل .. شيء انت طلبته بنفسك.. ونسيت امره تماما..
قالت ملاك وهي تتنهد: ما حدث اليوم في منزل عمي يا ابي.. جعل كثير من الامور تغيب عن ذهني..
قال خالد وهو يبتسم بحنان: ما حدث في منزل عمك.. هو كابوس ولن يتكرر.. انسيه تماما..
- سأحاول..
قال والدها مغيرا دفة الحديث: حسنا سأساعدك على تذكره .. شيء طلبت ان اشتريه من الخارج بالذات.. ولم تقبلي ان اشتريه من هنا..
ارتفع حاجبا ملاك ومن ثم قالت فجأة: الطائر..
ضحك وقال: اجل هو.. لم احضره الى هنا حتى افاجئك به.. من الغريب انك لم تسألي عنه ابدا منذ حضورنا الى هنا.. وهو الذي كان ينتظرك..
ابتسمت ملاك وقالت: اريد ان اراه يا ابي.. ارجوك..
قال خالد بابتسامة: في الحال يا صغيرتي..
ونهض من مكانه ليخرج خارج الغرفة.. ومن ثم يعود ليدخل غرفة ملاك وهو يحمل في يده هذه المرة قفصا صغيرا وبداخله طائر اصفر اللون وقال والدها مبتسما: ما رأيك في ذوق والدك؟ .. لقد اخترت لك طائر (الكناري) لأجلك .. اعجبني صوت تغريده .. وتوقعت ان يعجبك ايضا..
تطلعت ملاك الى الطائر بلهفة ومن ثم قالت بفرحة: رأئع يا ابي.. اشكرك كثيرا..
تطلع الى الطائر ومن ثم قال وهو يلتفت اليها: ماذا ستطلقين عليه؟ ..
قالت ملاك مستفسرة: هل هو ذكر ام انثى يا ابي؟..
قال خالد مبتسما: على ما اذكر.. لقد قال لي البائع انه ذكر ..
قالت ملاك وعيناها معلقتان بالطائر الاصفر: اذا .. سأطلق عليه اسم..مازن..
عقد والدها حاجبيه بقوة ومن ثم قال وهو يضع القفص على الطاولة المستديرة الموجودة بغرفتها: ولم مازن بالذات؟.. لديك آلاف الاسماء.. الم يعجبك الا اسم ابن عمك ذاك؟..
قالت ملاك وهي تستنكر عصبيته هذه: لو كان انثى لأطلقت عليه اسم مها.. ابي لقد وقف مازن ومها معي وقفة لن انساها مدى حياتي.. اتستكثر ان اطلق على طائر اسم احدهم؟ ..
قال والدها بحدة:ان كان الامر يتعلق بأبناء عمك فبلى.. استكثر ان تطلقي اسمهم امامي حتى..
قالت ملاك بلهجة اقرب الى البكاء: لماذا تكرههم يا ابي؟ .. لقد كانوا طيبين معي.. لم يسيئوا الي ابدا..
قال خالد وهو مستمر في حدته: لقد فعل والدهم وهذا سبب كافي بالنسبة لي لكي اكره ابناءه..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها عنه: بل غير كافي ابدا..
هبط خالد الى مستواها وزفر بحدة ليقول وهو يحاول ان يرسم على شفتيه ابتسامة: ملاك يا صغيرتي.. لا تحزني .. انا افكر فيما هو في مصلحتك دائما..
واردف وهو يربت على كتفها بحنان: وان كنت تريدين اطلاق على الطائر اسم مازن.. فليس لدي أي مانع.. مادام الاسم يعجبك.. فقط لا تتضايقي.. فأنت تعلمين اني لا احب ان اراك عابسة هكذا..
التفتت له ملاك وقالت بابتسامة باهتة: هل هذا افضل؟..
قال مبتسما: بكثير.. والآن.. هيا غادري غرفتك لنتناول طعام العشاء سويا..
اومأت ملاك برأسها وقالت بهدوء: حسنا..
ومن ثم اردفت متحدثة الى نفسها: (فقط لو تفهم ابناء عمي على حقيقتهم يا ابي.. لما اضمرت لهم كل هذا الكره )
ولكن.. من منهما على صواب؟.. وايهما المخطئ؟.. والدها بحقده على ابناء من كانوا سببا في تعاسته هو وابنته.. ام ملاك بطيبتها وتسامحها؟.. سأترك الجواب لكم انتم.. فأنا عن نفسي اجهل الجواب تماما...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الثالث عشر
"غيرة"
شعرت ملاك بتردد كبير وهي تتطلع الى ورقة صغيرة الحجم .. خط عليها ارقام هاتف منزل وآخر محمول..وشعرت بالتوتر من افكارها.. وهي تجلس على اريكة الردهة.. وهاتف المنزل يجاورها.. اتتصل بمها؟.. لقد مضى يوم واحد فقط على مغادرتها لمنزل عمها.. ولكنها تشعر بشوق كبير لمها.. وخصوصا وهي اول صديقة في حياتها..اول اخت شعرت بها وشاركتها احزانها وافراحها.. ولكنها تخشى ان يتضايق والدها اذا علم انها اتصلت بمها..
تنهدت وحسمت امرها لترفع سماعة الهاتف.. وتضغط رقم هاتف مها المحمول.. وعلى الطرف الآخر كانت مها تجلس في الردهة وهي تتطلع بملل الى احد الافلام..وانطلق رنين هاتفها المحمول.. ليجعلها تلتفت له باهتمام.. وتعقد حاجبيها بحيرة وهي تتطلع الى الرقم المجهول الذي يضئ على شاشة هاتفها.. واجابت على الهاتف وهي تقول بحيرة: الو.. من معي؟ ..
اجابها صوت ملاك وهي تقول بخفوت وقد ارادت التأكد من ان من تحدثها هي مها نفسها: مها؟؟..
قالت مها وهي تعقد حاجبيها: اجل مها.. من معي؟..
ابتسمت ملاك بفرحة وقالت: انها انا.. ملاك..
قالت مها بلهفة: ملاك..كيف حالك؟.. اشتقت اليك كثيرا ..
قالت ملاك بابتسامة واسعة: بخير.. وانا ايضا اشتقت لكم كثيرا .. كيف حالكم جميعا؟.. انت وكمال و .. مازن ..
شعرت مها بالتغير الذي طرأ على صوتها عندما نطقت اسم مازن.. ولكنها تجاهلت هذا الامر وقالت مبتسمة: جميعنا بخير.. كيف حال دراستك؟..
قالت ملاك مبتسمة: مثل كل يوم.. اخبريني يا مها.. كيف حالك انت وحسام؟..
استغربت مها سؤالها وقالت: ماذا تعنين؟..
- لقد تضايقت بالامس بسببه.. اليس كذلك؟..
قالت مها وابتسامة ترتسم على شفتيها: يالك من فتاة.. اجل بسببه.. كيف عرفت؟..
قالت ملاك بابتسامة: نظرات الاهتمام التي كان يوجهها لك لم تعد في عينيه.. بل على العكس لم ارى سوى اللامبالاة ..وشعرت انه يتعمد ذلك.. فقد كان يتحدث الي متجاهلا وجودك .. وانت ايضا كنت تلاحقينه بعينيك.. والحزن يملأهما ..هل انا محقة؟..
قالت مها بدهشة: اكاد اشك انك على علم بشاجرنا مسبقا ..
ضحكت ملاك وقالت: ربما..
قالت مها متسائلة:هذا هو رقم هاتف منزلك .. اليس كذلك؟..
اجابتها ملاك بهدوء: اجل..
واصلت مها اسالتها وقالت: اليس لديك هاتف محمول؟.. على الاقل عندما اتصل بك.. اضمن ان تكوني انتي من سيجيبني..
- لا.. ليس عندي.. فلم احتاج الى هاتف محمول وانا لا اغادر المنزل الا نادرا وليس لدي من يسأل عني ابدا؟..
قالت مها بصوت حاني: ليس بعد الآن .. انا من سيسأل عنك دائما منذ الآن..
في هذه اللحظة سمعت مها صوت مازن وهو يتقدم منها ويجلس على مقعد مجاور..وقال وهو غير مهتم لتحدثها بالهاتف: الى من تتحدثين؟..
تجاهلته مها وهي تستمع الى صوت ملاك التي كانت تقول: انا سعيدة جدا لأن لدي ابناء عم مثلكم.. فقط لو يقبل ابي بان ازوركم مرة اخرى..
قالت مها مبتسمة: سيقبل .. صدقيني.. فقط حاولي ان تقنعيه.. فها هوذا قد وافق اول مرة عندما غادر البلاد و...
قال مازن مقاطعا مها: الى من تتحدثين يا مها؟.. اجيبي..
قالت مها وهي تتحدث الى ملاك: لحظة واحدة ..
ومن ثم التفتت الى مازن وقالت: وما شأنك انت من احادث؟ ..
قال مازن بسخرية: الست شقيقتي؟..
قالت مها : للاسف اجل..
وواصلت تحدثها الى ملاك قائلة: وكما اخبرتك يا ملاك.. سيوافق والدك .. حتى وان اختلف الامر بعض الشيء وفي ظل ما حدث...
شهقت مها بقوة عندما اختطف منها مازن هاتفها المحمول وقالت بحنق: اعد الي هاتفي يا مازن..
قال مازن بسخرية: هذا عقابك لأنك لم تخبريني الى من تتحدثين..
واردف وهو يضع الهاتف على اذنه: اهلا ملاك.. كيف حالك؟.. انا مازن..
ارتجف قلب ملاك بقوة.. لم يكن هناك أي حاجة لأن يعرف مازن عن نفسه.. فقد عرفته ملاك منذ اول كلمة نطقها.. كيف لا وصوته محفور في قلبها قبل عقلها..
وازدردت لعابها بارتباك وحاولت ان تنطق أي شيء.. ولكن انعقد لسانها.. وسيطر عليها اضطرابها.. فقال مازن مستفسرا: ملاك .. الا زلت على الخط؟..
اما مها فقد وقفت لتتقدم منه وتقول بانفعال: اعد الي الهاتف يا مازن ..
لم يأبه بها مازن .. وهو يستمع الى ملاك التي قالت اخيرا بصوت مرتبك: اهلا مازن..
قال مازن بلهفة: اهلا ملاك.. كيف هي احوالك بعد مغادرتك لمنزلنا؟.. اشتقنا اليك كثيرا..
قالت ملاك بصوت اقرب الى الهمس: وانا ايضا..
قال مازن مبتسما وهو يبعد عنه مها التي تحاول اخذ الهاتف من يده: المنزل يفتقد وجودك يا ملاك.. اتعلمين اني احيانا اتطلع الى غرفتك واتخيل انك ستخرجين منها؟..
توردت وجنتا ملاك بحمرة الخجل.. هل مازن يهتم بها الى هذه الدرجة حقا؟.. ام انها تتخيل؟.. اما مها فقالت بصوت عالي وهي تقف في مواجهة مازن: هذا يكفي .. اعطني الهاتف ..
فجأة سمعت صوت كمال وهو يقترب من المكان ويقول: مابك؟.. لم تصرخين هكذا؟..
قالت مها وهي تشير الى مازن بغضب: لقد كنت اتحدث الى ملاك .. عندما اخذ الهاتف من يدي واخذ يتحدث اليها كما يشاء .. ويرفض اعادة الهاتف لي..
التفت لها مازن عندما سمع عبارتها وغمز بعينه.. في حين قال كمال ببرود: تصرف لا يستغرب من شقيقك هذا..
قالت مها برجاء: كمال .. دعه يعيد لي الهاتف.. اريد التحدث الى ملاك..
التفت كمال الى مازن وقال: اعد اليها الهاتف يا مازن..
قال مازن بابتسامة: فلتحلم..
واردف متحدثا الى ملاك: وما هي آخر اخبارك؟..
سالته ملاك بغتة قائلة: اخبرني .. ماذا بها مها ؟..اسمع صوت صراخها ..
ضحك مازن وقال: الم تعلمي بعد؟.. لقد اخذت منها الهاتف عندما كانت تتحدث اليك..
قالت ملاك بدهشة: ولم فعلت هذا؟..
قال مازن ببرود: لقد رفضت اخباري الى من تتحدث اولا.. وثانيا لانني اردت التحدث اليك..
شعرت ملاك بخجلها يتضاعف.. مازن اراد ان يتحدث اليها هي.. لابد ان كل ماحدث قبل قليل هو مجرد حلم جميل وستستيقظ منه بعد قليل..وعلى الرغم من فرحتها بحديثها اليه.. قالت وهي تزدرد لعابها لتخفي ارتباكها وخجلها: اعده اليها..ربما تريد ان تخبرني بشيء ما..
قال مازن مبتسما: سأفكر..
اما مها فقد قالت متحدثة الى كمال بحدة: افعل شيئا يا كمال .. هل ستتحدث اليه وتصمت؟..
قال كمال وهو يمط شفتيه: وماذا تريدينني ان افعل ؟.. اضربه؟ ..
قالت مها بضيق: لا ولكن على الاقل حاول اخذ الهاتف منه..
ابتعد كمال عن المكان وقال ببرود: والدي نفسه لن يستطيع .. فعندما يريد شقيقك ذاك فعل شيء.. سيفعله بالرغم منا جميعا ..
وابتعد عن المكان.. تاركا مها تتطلع الى مازن بغضب الذي كان يستمع الى ملاك التي كانت تقول: اعده اليها.. ارجوك..
قال مازن بابتسامة واسعة: لاجلك فقط يا ملاك.. اما مها فلا تستحق ان اعيده اليها..
واردف بصوت هامس: اهتمي بنفسك جيدا.. وانتظر بكل شوق مكالمتك القادمة..
تسارعت ضربات قلب ملاك.. انه.. انه مهتم بها اكثر من كل مرة.. انه يحمل لها مشاعر ما.. ربما الاعجاب.. الميل .. او ربما.. الحب !!.. اناملها الممسكة بسماعة الهاتف بدأت بالارتجاف.. وتلك الافكار تدور بذهنها.. وعلى الطرف الآخر.. رمى مازن الهاتف لمها وقال بابتسامة واسعة: لم اعيده لك من اجل صراخك..بل من اجل ابنة عمك التي ترجتني ..
امسكت مها الهاتف بسرعة وقالت بحدة: كيف ترميه هكذا؟.. ماذا لو تحطم؟..
قال مازن بسخرية: سيتفتت الى اجزاء وتنتهي المشكلة..
لم تجد مها فائدة ترجى من الحديث الى مازن..فقالت وهي تضع الهاتف على اذنها وتتحدث الى ملاك: المعذرة يا ملاك على ما حدث .. لم اقصد.. ولكن مازن هو من اخذ الهاتف من يدي قجأة ..
قالت ملاك بهدوء: لا داعي للاعتذار يا مها.. فهو اراد الاطمئنان علي فحسب ..
لم تعرفي مازن بعد يا ملاك..في حين اردفت ملاك قائلة: سلمي لي على عمي يا مها.. وكذلك على كمال..اراك بخير..
ابتسمت مها بحنان.. بعد كل ما فعله كمال بك.. وبعد كل تجريحه لك.. تطلبين مني ان اوصل له سلامك.. بالفعل انت ملاك يا ملاك!..
وقالت مها مبتسمة: يصل.. وطمأنينا عليك دائما..
- سأفعل .. الى اللقاء..
- الى اللقاء..
انهت ملاك المكالمة.. وابتسمت بفرحة.. براحة.. بحنان وحب.. مازن.. انه مهتم بأمرها.. يفكر بها كما تفكر به.. ومن يدري ربما يبادلها المشاعر ايضا..
طيبة ملاك وقلة خبرتها بالحياة.. جعلتها ترى الامور من هذا المنظور .. ترى الحياة من خلف قناع الكذب والزيف والخداع.. يحجبها عن ادراك الواقع حاجز يسمى الطيبة والحب والقلب الصافي المحب لجميع الناس...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
سار حسام بين ممرات الجامعة مع رفيقيه.. وابتسم وهو يتحدث الى احدهم متسائلا: هه.. وماذا فعلت بعد ذلك؟..
قال رفيقه وهو يهز كتفيه: لا شيء.. تجاهلت الامر تماما.. فمن يهتم بكون فتاة ما تتطلع اليه ..
قال حسام وهو يغمز بعينه: احقا لا يهمك..
قال زميله بخبث: لست مثلك.. فمنذ ان ترى ابنة عمتك تلك.. وانت تتركنا لتذهب وتتحدث اليها..
قال حسام بهدوء: ها انتذا قلتها.. ابنة عمتي ومسئولة مني..
قال زميله الآخر بابتسامة: ها هي ذي .. لو انكم تحدثتم عن الف قطعة نقدية افضل..
قال حسام بابتسامة واسعة: بل ابنة عمتي اثمن من مليون قطعة نقدية..
قال زميله ساخرا: الن تدعونا للحفل اذا؟..
قال حسام مستغربا: أي حفل؟..
ضحك قائلا: زواجك..
قال حسام بحيرة: ومن تحدث عن الزواج الآن؟..
- لا احد.. فقط اذهب اليها قبل ان تمضي عنك..
قال حسام وهو يغمز بعينه مرة اخرى: حالا..
واسرع يبتعد عنهم..ليتوجه الى مها التي كانت كانت تسير لوحدها وقال مبتسما: مها..
التفتت له مها وقالت بلهفة وعلى شفتيها ابتسامة مسرورة: حسام.. اهلا.. كيف حالك وحال الدراسة معك؟..
قال وهو يهز كتفيه: كل شيء على ما يرام.. وانت؟..
قالت مها بغرور مصطنع: لا تحتاج لأن تسأل.. درجاتي دائما ممتازة..
ابتسم حسام وقال: يا للغرور..
واردف متسائلا: الى اين انت ذاهبة الآن؟..
تطلعت مها الى ساعة معصمها ومن ثم قالت: محاظرتي ستبدا بعد عشر دقائق.. لم؟..
قال حسام بهدوء: لا لشيء.. اردت الحديث معك فقط..
- بشأن؟؟..
- ما الذي استجد بشأن ملاك؟..
اجابته مها وهي تتنهد: اتصلت بي بالامس واخبرتني انها بخير..
قال حسام متسائلا وهو يسير الى جوارها: هذا جيد.. وانت؟.. هل تأقلمت على عدم وجودها معك في مثل المنزل؟..
قالت مها بأسف: اتريد الصدق.. لا.. احيانا اشعر انها سأراها وهي آتية لتتناول معنا طعام العشاء.. فمن يعرف ملاك من الصعب عليه ان ينساها..
قال حسام بابتسامة هادئة: معك حق.. انها فتاة بريئة المشاعر والاحاسيس.. يندر وجودها في هذا العالم..
واردف قائلا فجأة: مها اردت ان اسألك سؤالا منذ فترة..
قالت مها باهتمام: اسأل ما شئت..
قال وهو يشعر ببعض التردد لسؤاله: اتشعرين بالضيق عندما اتحدث امامك عن فتاة ما؟..
تطلعت له مها برهة بدهشة.. ومن ثم مطت شفتيها وقالت: ولم تسأل هذا السؤال؟..
قال حسام بحيرة: لان غضبك مني كان بسبب سؤالي عن صديقتك.. اليس كذلك؟..
قالت مها وهي تتطلع له بنظرة اتهام: ما رأيك انت؟..
وبدلا من ان يجيبها سألها باهتمام: ولم تتضايقين؟...
هل هو احمق الى هذه الدرجة؟.. لماذا تتضايق فتاة اذا تحدث شاب عن فتاة اخرى غيرها امامها؟.. أتكون تكره فتيات العالم اجمع مثلا ؟!!..
وقالت مها بسخرية مريرة: ان لم تكن قد فهمت هذا لوحدك.. فهذه مشكلتك..
قال حسام بتردد: اشعر بأنك يا مها.. أ.. تــهتمين لأمري أو لنقل..انك ...
بتر عبارته بغتة فقالت مها وهي تتسائل باهتمام اكبر على الرغم من توترها: اني ماذا؟..
قال حسام بابتسامة باهتة: لا اعلم ان كان يهيؤ لي ام لا.. ولكني اشعر احيانا انك تشعرين بالغيرة علي..
تطلعت له مها بنظرة غامضة بالنسبة له.. ولكن مها كانت تشعر بالفرح وقتها لانه اخيرا فهم.. اخيرا فهم مشاعرها تجاهه.. ولكن.. لا تريد ان يفهمها الآن.. يفهمها وهو لا يبادلها مشاعرها.. يفهمها وهو لا يحمل في قلبه لها اية مشاعر خاصة.. لهذا ستحاول ابعاد امر الغيرة عن ذهنه الى ان يبادلها مشاعرها..لا ان تكون مشاعرها من طرف واحد فقط..
وقالت اخيرا مصطنعة اللامبالاة بعد جهد كبير: لا..ابدا.. من قال اني اشعر بالغيرة عليك؟..
ابتسم حسام وغمز بعينه قائلا: وماذا في هذا؟.. الست وسيما وتخشين ان انجذب الى احدى الفتيات؟..
قالت مها وهي تشعر بالتوتر: بالنسبة للوسامة فربما معك حق.. ولكن لانجاذبك لاحدى الفتيات فلا اظن..
- ولم لا؟..
لم ترد ان تخبره انها لا تتخيله الا لنفسها.. وانها تشعر انه مهتم بها بشكل خاص.. ولكن ربما كانت كل تلك اوهام من وحي خيالها.. وانه يهتم بها على هذا النحو لانها ابنة عمته ..
وسمعته في تلك اللحظة يقول: اتعلمين معك حق.. فأنا لا اشعر بانجذاب لأي فتاة حتى هذه اللحظة..
كاد لسانها ان يزل وان تهتف به متسائلة بكل اللهفة التي في قلبها قائلة (وحتى انا؟).. ولكنها تدراكت نفسها في اللحظة الاخيرة وقالت بابتسامة شاحبة: الم اقل لك؟..
ومن ثم اردفت عندما وصلت الى القاعة: عن اذنك الآن يا حسام.. واراك بعد الجامعة..
قال بابتسامة: اذنك معك..
والتفت عنها وهو يعترف لنفسه.. انه لا يشعر بالراحة بالحديث الى شخص كما يشعر وهو يتحدث الى مها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(تبا.. تبا.. أي حظ هذا الذي يقف في صفها)
قالها فؤاد بعصبية وهو يجلس في ردهة منزله الفاخرة والمليئة بالتحف واللوحات الفنية الثمينة ..واردف قائلا بعصبية اكبر: تلك العاجزة استطاعت ان تفر هي ووالدها قبل وصولي اليهم .. ياللخسارة.. فقط لو اسرعت في الذهاب اليهم.. لأستطعت ان اصل اليها في الوقت المناسب..
قال عادل الذي كان يجلس في ردهة منزله هو واحمد: فؤاد كن منطقيا.. منزل امجد يبعد عن منزلك مسافة نصف ساعة .. كيف كنت ستصل اليها في الوقت المناسب وهي قد غادرت وقتها قبل ساعة كما تقول..
قال فؤاد بحدة وهو يبحث له عن حل: كنت سأسرع بالسيارة او اتخذ طريقا مختصرا..
واردف بانفعال: يالخالد المحظوظ وابنته استطاع ان يصل ويأخذ ملاك معه في الوقت المناسب.. وكأنه يعلم اني سأصل بعده ..
قال احمد بتردد: عمي.. وماذا عن ما اخبرتك عنه؟..
قال فؤاد بحدة: عما تتحدث؟..
قال احمد وهو يبعد نظراته عن عمه عندما لاحظ عصبيته: مها يا عمي..
قال عادل بدهشة: ماذا اخبرت عمك يا احمد بشأن مها؟..
قال فؤاد بسخرية: الا تعلم؟.. ابنك يفكر بالزواج من مها ..
قال عادل باستنكار: ولم لم يخبرني؟..
قال فؤاد ببرود: لانه يعلم انك لن توافق على زواجه لكونه لا يزال طالبا بالجامعة.. لهذا طلب مني ان اقنعك.. واقنع امجد ومها ايضا..
قال عادل بحدة وهو يلتفت الى ابنه: ولم انت متعجل هكذا؟.. انتظر حتى تكمل دراستك ..
صمت احمد ولم يعلق..اما فؤاد فقال وهو يمط شفتيه: ليس هذا وقته الآن.. المهم الآن ان نجد ملاك.. وليتأجل موضوع احمد لما بعد..
قال عادل بملل: وكيف ستجدها؟..
قال فؤاد بعصبية: بأي وسيلة كانت.. المهم ان نجدها..
- يالك من متفائل..
قال فؤاد فجأة وكأن قد خطر على ذهنه امر ما: خالد.. حالد بنفسه هو من سيرشدنا اليها..
قال عادل بحيرة: وكيف ذلك؟..
قال فؤاد بخبث:سأخبرك..
واخذ يخبرهم بالفكرة التي طرأت على ذهنه.. وبرقت حينها عينا عادل ببريق انتصار واعجاب.. وادرك ان خطة فؤاد عبقرية وخبيثة الى ابعد الحدود...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع خالد الى ملاك بحنان وهو يراها تتناول ملعقة من صحنها ومن ثم تنظر اليه.. فقال مبتسما: اعلم انك تريدين ان تقولي شيئا ما .. لهذا اخبريني عنه بسرعة..
قالت ملاك بارتباك: انه شيئين وليس واحد..
ضحك خالد وقال: لا بأس .. حتى وان كانوا عشرة .. فقط اخبريني..
ترددت ملاك ومن ثم قالت بابتسامة مرتبكة: اريد.. هاتفا محمولا..
رفع والدها حاجبيه بدهشة ومن ثم قال: ما هذا الطلب الغريب؟ .. لاول مرة تطلبين هاتفا محمولا..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها: في الحقيقة يا ابي.. لقد اتصلت بالامس وتحدثت الى مها.. وسالتني ان كان لدي هاتف محمول ام لا.. حتى تستطيع ان تتصل بي وقتما تشاء ..
صمت خالد قليلا ومن ثم قال: ولم لم تخبريني انك ستتصلين بمها من قبل ان تحدثيها؟..
قالت ملاك بارتباك: لقد خشيت ان تغضب .. ثم لقد اشتقت اليها واردت الحديث اليها..
الوضع يزداد سوءا يا ملاك.. لقد تعلقت بهم خلال اسبوع واحد فقط.. كيف يستطيع ان يزيلهم من تفكيرها الآن..وقال بهدوء: وماذا به هاتف المنزل؟..
قالت ملاك وهي تلوح بكفها: انت تعلم يا ابي.. ان الخدم هم اكثر من يجيبون عليه..
قال والدها متجاهلا عبارتها: وما هو الطلب الثاني؟..
لم تعرف ماذا تقول.. بحثت عن عبارة مناسبة لتخبره بما تريد.. ولكن جميع العبارات تفيد نفس المعنى وربما يتضايق والدها من طلبها.. وقالت بارتباك بعد ان اخذت نفسا عميقا: ابي.. في الحقيقة.. اني افكر..اني.. اعني ارغب في زيارة منزل .. عمي.. هذا ان لم يكن لديك مانع..
قال والدها بحدة: ماذا؟؟.. الم ننته من هذا الامر يا ملاك؟.. اجننت؟.. تريدين ان تذهبي لزيارتهم بعد كل ما حدث..
قالت ملاك برجاء: ولكني اشعر بشوق كبير لرؤيتهم ..ارجوك يا ابي.. دعني اذهب لزيارتهم ولو لمرة واحدة فقط ..
تطلع لها والدها بنظرة صامتة ومن ثم قال: سأرى الامر فيما بعد ..
تابعته عيناها هو ينهض من خلف طاولة الطعام ويتجه لدورة المياه كي يغسل يديه.. وتنهد وهو يتحدث الى نفسه قائلا: (يبدوا اني سارضخ للامر على الرغم من كل المشاكل التي قد تواجهنا .. وكل هذا من اجلك يا ملاك .. وحتى لا اشعر بأني قد قصرت في حقك يوما..)
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ارتسمت ابتسامة على شفتي مازن وهو يتطلع الى مها التي كانت جالسة خلف طاولة الدراسة بغرفتها وتحاول حل احد المسائل.. ولم تنتبه لمازن وهو يدخل الى غرفتها ولا وهو يتوقف عند باب الغرفة ويتطلع لها..
واخيرا ابتسم بمكر وهو يقترب منها ببطء.. ومن ثم يختطف هاتفها المحمول من جوارها.. وشهقت مها بقوة ومن ثم التفتت له لتقول بانفعال: ماذا بك؟.. الا تعرف الاستئذان؟..
قال مازن مبتسما وهو يضغط على ازرار الهاتف: دقائق فقط واعيده لك..
قالت وهي تمط شفتيها: لا تتعب نفسك لن تحصل على ما تريد..
توقف مازن عن ضغط ازرار الهاتف وتطلع الى مها قائلا بشك: واتعرفين ماذا اريد اولا؟..
اومأت برأسها وقالت بسخرية: اجل ..فأنت شقيقي وافهم تصرفاتك جيدا..
قال مازن بتحدي: حسنا وما الذي كنت اريده؟..
قالت مها بثقة: رقم هاتف ملاك..اصحيح ام انا مخطأة؟..
تطلع لها مازن بدهشة من اكتشافها لأفكاره.. وقال متسائلا: ولماذا ظننت انني اريد رقم هاتفها؟..
- هذا شيء معروف من مازن.. الذي اخذ نصف ارقام هواتف صديقاتي من هاتفي دون ان اعلم..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره وقال مبتسما: لم يصلن النصف بعد.. ربما كن ثلاثة او اربعة فحسب..
قالت مها باستهزاء: حقا؟.. وماذا يهمك انت بعددهن ما دمت انا من يتحمل اللوم في النهاية منهن؟..
واردفت وهي تلتفت عنه: ثم ان ملاك ليس لديها هاتف محمول ..لهذا لو حصلت على رقمها فستضطر لمحادثة ابيها احيانا والذي سيتساءل عن سر اتصالك بملاك وسيشك بك ايضا..
قال مازن بملل: لماذا تعقدين الامور ؟.. اعطني رقم هاتفها ولينته الامر..
قالت مها وهي تهز رأسها: لن افعل.. ولن تستطيع انت الحصول عليه كذلك..
- قمت بحفظ رقم هاتفها تحت اسم آخر .. اليس كذلك؟ ..
قالت مها ببرود: ليس هذا من شأنك ان قمت بحفظه تحت اسم آخر ام لا.. وربما اكون قد حفظته عن ظهر قلب وحسب ..
قال مازن بسخرية: فلتحفظي ما تدرسينه اولا حتى تحفظي رقم هاتف ملاك..
قالت مها متجاهلة سخريته: والآن من فضلك.. غادر الغرفة لاني ارغب في الدراسة بهدوء..
قال مازن وهو لا يزال مصرا على مطلبه: ورقم الهاتف؟..
- لن امنحك اياه مهما فعلت.. احصل عليه من احد غيري..
قال مازن بحدة: ستندمين يا مها..لا احد يتحدى مازن امجد..
قالت مها بتحدي: وماذا تستطيع ان تفعل؟.. اسمعني جيدا يا مازن .. لطالما تساهلت معك ووافقت بالرغم مني على اعطائك رقم فتاة من رفيقاتي تحت تهديداتك.. ولكن ملاك لا.. اتسمع؟.. لا..
- ولماذا ملاك بالذات؟..
قالت مها وهي تتنهد: لانها مختلفة.. لن تفهم تمثيلك عليها.. لن تفهم انك تستخدمها كوسيلة لتسلية نفسك.. لن تفهم كل ذلك.. وستظن انك تحمل لها مشاعر بقلبك..
قال مازن بتردد: من قال انني افكر بتسلية نفسي على حساب ملاك.. ملاك مختلفة بالنسبة لي صدقيني.. وانا لا افكر بالتسلية ابدا..ثم لو فكرت بأن اتسلى مع فتاة ما فلن اختار ملاك ابدا..
قالت مها بانفعال: اذا ؟.. ماذا ستفعل اخبرني؟.. ماذا وراء كل تلك النظرات والابتسامات والمحادثات؟.. اتفكر بالارتباط بها مثلا؟.. وحتى لو فكرت مع اني لا اظن ان شخص مثلك سيفكر بالارتباط بملاك.. هل سيوافق والدك او والدها على هذا الامر؟.. فكر جيدا بالامر يا مازن.. ربما تكون معجب الآن بملاك.. ولكنه اعجاب وسيزول .. كما زال اعجابك بعشرات الفتيات قبلها..
قال مازن وهو يبعد نظراته عنها: ليس اعجاب بالمعنى المفهوم ..كيف استطيع ان افسر لك؟.. يمكنك القول بأني اشعر بالراحة والسرورعندما اتحدث اليها..اشعر بشيء من اللهفة عندما لا ارها.. هكذا هي مشاعري تجاه ملاك..
- ولكنك تشفق عليها ولن تفكر بالارتباط بها ..صحيح؟ ..
قال مازن ببرود: ومن تحدث عن الارتباط الآن؟..
عادت مها لتكرر: صحيح؟..
زفر مازن بحدة ومن ثم قال: اجل صحيح.. فقد كان من الممكن ان افكر بملاك حقا لو لم تكن...
ظل مترددا ولم يكمل عبارته.. فقالت مها باستهزاء وهي تكمل عنه: عاجزة.. اليس كذلك؟.. قلها ولا تخجل يا اخي.. فهكذا انت دوما تبحث عن كل ما هو جميل ولا يكاد ينقصه شيء.. صحيح انه من حقك ان تختار من تشاء من الفتيات..ولكن ليس من حقك التلاعب بمشاعرهن ما دمت لا تفكر بالارتباط بهن .. وخصوصا ان كان الامر يتعلق بملاك.. فعندها انا من سيقف في وجهك.. وسأخبر عمي خالد بالامر بنفسي..
واردفت بحدة: لهذا اخبرك ومنذ الآن دع ملاك وشأنها ما دمت لا تفكر بها..
زفر مازن بحدة ومن ثم قال: لا استطيع.. ان هذا اقوى مني .. صدقيني..
- فكر بعقلك يا مازن.. انت لن تفكر بها ابدا.. فكر بصدمتها لو انها تعلقت بك.. ما الذي سيحصل لها لو علمت انك تلاعبت بمشاعرها لا اكثر ولا اقل؟..
زفر مازن بحدة وسار مغادرا غرفة مها بعصبية في حين قالت مها بقلق عندما غادر مازن غرفتها: واخشى ان الآوان قد فات لتصليح تصرفاتك هذه يا مازن.. فأكاد اقسم ان ملاك قد تعلقت بك بالفعل.. وان قلبها قد بات ينبض بحبك...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الرابع عشر
"حلم"
جالسة على كرسي فضي اللون.. يعكس اشعة الشمس المسلطة عليه.. وتبدوا شاردة الذهن وتلك الابتسامة ترتسم على شفتيها في تلك الحديقة الخضراء..تلفتت حولها لترى الزهور.. الطيور.. والسماء الزرقاء الصافية.. اشياء لطالما عشقتها وصنعت حوارا طويلا معها..اشياء حاولت ان تبثها مشاعرها وان تندمج معها في هذا العالم الرائع..
تلفتت حولها مرة اخرى وشاهدت وردة حمراء اللون .. حركت مقعدها قليلا لتصل اليها ومن ثم تمتد يدها لتقطفها .. وما ان فعلت حتى تأوهت بألم عندما جرحت اشواك تلك الوردة اصبعها.. وعضت على شفتيها وهي ترى اصبعها المجروح..و...
(ملاك..)
التفتت له بلهفة.. بشوق.. بهيام وحب.. التفتت له وعيناها تحملان كل ما يخفيه قلبها من مشاعر.. وهمست باسمه قائلة: مازن..
قال مبتسما وهو يتطلع اليها: تعالي..
رفعت حاجبيها باستغراب وحيرة ومن ثم قالت: ولكن قدماي عاجزتان..
عاد يكرر باصرار:تعالي .. هيا حاولي..
تطلعت الى قدميها بألم ومن ثم قالت وهي تهز رأسها: لا استطيع..
تقدم منها وقال وهو يمد لها كفه: بل تستطيعين..
مدت له كفها بتوتر.. وامسكت بكفه.. وهنا شد مازن قبضته على كفها وهو يعاونها على الوقوف.. وهنا فقط وقفت على قدميها.. وقالت بدهشة ممزوجة بالفرحة وهي غير مصدقة: انا اقف يا مازن.. اقف..
قال بابتسامة حانية: الم اقل لك؟..
تطلعت له بفرحة وحاولت ان تسير بخطواتها و...
افاقت ملاك فجأة على صوت طرقات على باب غرفتها ..لتنتشلها من عالم احلامها وتعيدها الى عالم الواقع..وارتسمت ابتسامة حالمة على شفتيها وهي تفتح عينيها وتتذكر تفاصيل حلمها ..ترى ما تفسير هذا الحلم؟.. ولم كان مازن بالذات؟.. ربما لانه هو من يشغل ذهنها دائما.. وما معنى وقوفها على قدميها وهي التي لم تشعر بهذا الشعور ابدا منذ ان كانت في الثانية من عمرها.. لا تكاد تتذكر حتى كيف كانت تسير.. وكثيرا ما تستغرب كيف يستطيع الناس السير على قدمين بكل هذه السهولة.. والوردة الحمراء.. ماذا تعني؟..
حاولت تحريك قدميها ولو حتى حركة طفيفة.. ولكن كان الامر اشبه لها بحمل الف طن من الحديد.. فقدماها لم تكن تشعر بهما ابدا.. وكأنهما غير موجودتان من الاساس .. وابتسمت لنفسها بالم وسخرية مريرة.. ما حدث كان حلما وحسب وعليها ان لا تحلق باحلامها بعيدا..
عادت الطرقات لتطرق على باب غرفتها وسمعت صوت والدها وهو يقول: الا زلت نائمة يا صغيرتي؟..
اسرعت ملاك تمسح عينيها بكفيها وتقول: لا ..ادخل يا ابي ..
واعتدلت في جلستها وهي تبتسم لوالدها الذي دلف الى الغرفة وقال وهو يقبل نحوها ويميل اليها ويقول وهو يمسح على شعرها: صباح الخير يا صغيرتي..
رفعت رأسها له وقالت بابتسامة: صباح الخير يا ابي..
جلس على طرف فراشها وقال بابتسامة: كيف حالك؟..
- بخير..
التفت الى حيث قفص الطائر ومن ثم قال: وماذا عن طائرك؟..
وكأنه يتعمد عدم نطق اسمه.. والتفتت ملاك الى طائرها لتقول: مازن.. انه بخير..
قال وهو يداعب وجنتها: سأغادر الآن الى الشركة.. اترغبين بأي شيء يا صغيرتي؟..
داعبت قلادتها ومن ثم قالت وهي تهز رأسها: لا.. شكرا لك..
قبل جبينها بحنان ومن ثم قال وهو ينهض عن فراشها: اهتمي بنفسك جيدا..
التفتت له ملاك وقالت بابتسامة: وانت ايضا يا ابي..
وابتعد مغادرا الغرفة واغلق الباب خلفه.. في حين التفتت ملاك الى طائرها وقالت مبتسمة: أأخبرك بشيء يا مازن؟..
سمعت صوت تغريده العذب فأردفت وفي عينيها نظرة حالمة: اتمنى لو استطيع الاتصال به.. لو تعلم كم اشتقت اليه.. والحلم الذي حلمت به هذا اليوم.. جعل شوقي يزيد تجاهه.. اريد ان اراه.. ولو لدقائق..
غرد العصفور مرة اخرى.. فقالت ملاك بابتسامة باهتة: ادرك جيدا ان ابي لن يوافق ان ازورهم .. وانه لم يأجل الموضوع بالامس الا لأنه غير راغب بالحديث فيه.. في رأيك هل اتصل بمها فربما استطعت التحدث اليه؟..واليوم هو يوم اجازة ومها ستكون بالمنزل صباحا..
ومن ثم التقطت من على الطاولة الصغيرة المجاورة لسريرها قصة تحمل عنوان " حب الى الابد".. وابتسمت وهي تقول متحدثة الى نفسها: لم استطع ان اكمل القصة بعد.. وكل هذا بسببك يا مازن.. فكلما افتح صفحة واحدة اتذكر ما قلته لي في ذلك اليوم..
وتطلعت الى الوردة التي جفت اوراقها بين صفحات الرواية بنظرة حانية ومن ثم قالت : ولكن لقد تضايقت منك بالفعل يا مازن .. فكيف تقول ان الحب ليس موجودا في هذا العالم.. كيف احببتك انا اذا؟..
ابتسمت وهي تغادر سريرها لتجلس على مقعدها ..ومن ثم تستبدل ملابس النوم بقميص احمر اللون وبنطال اسود.. وابتسمت برضا عن شكلها قبل ان تغادر غرفتها.. وتوجهت الى طاولة الطعام لتتناول افطارها..ومن ثم لم تلبث ان ازدردت لعابها بتوتر وهي تتطلع الى هاتف المنزل.. اتتصل بمها؟.. وماذا في هذا؟.. ما المشكلة ان اتصلت بمها؟.. ولكنها كانت تعلم سبب ترددها هو مازن.. تريد ان تسمع صوته.. وفي ذات الوقت.. تشعر ان ما تفعله خاطئ لانها لا تكاد تتحكم بمشاعرها له..
وحركت مقعدها حتى وصلت الى الهاتف.. ومن ثم رفعت سماعته وزفرت بحدة قبل ان تضغط ارقام هاتف مها.. واجابتها مها بسرعة ولهفة: اهلا ملاك.. اشتقت لك على الرغم من اني حدثتك بالامس فقط..
قالت ملاك مبتسما: اهلا.. وانا ايضا.. ولكن لم تتصلي بي ما دمت قد اشتقت الي كما تقولين..
ابتسمت مها وقالت: كنت سأفعل .. صدقيني.. ولكن انت من سبقني..
قالت ملاك بمرح: هذا يعني اني انا من يحبك اكثر..
قالت مها في سرعة: لا ولكنك استيقظت قبلي.. واستطعت الاتصال بي قبل ان انهي تناول طعام الفطور حتى ..ثم ان هذا ليس مقياسا للحب..
ضحكت ملاك بمرح ومن ثم قالت بابتسامة: وبرأيك ما هو المقياس الحقيقي للحب؟..
- بصراحة المشاعر لا تقاس و...
بترت مها عبارتها عندما شعرت بيد على كتفها والتفتت وهي جالسة على طاولة الطعام الى صاحب تلك اليد ومن ثم قالت متحدثة الى ملاك: لحظة يا ملاك..
قالت ملاك بهدوء: خذي وقتك..
اما مها فالتفتت له وقالت: ما الامر يا كمال؟.. ماذا تريد؟..
قال كمال متسائلا: تتحدثين الى ملاك؟..
اومأت مها برأسها ايجابيا باستغراب فابتسم بهدوء وقال: اوصلي سلامي اليها..
قالت مها بحيرة: انت تريد ان توصل سلام الى ملاك؟.. امتأكد من قرارك هذا؟..
عقد كمال حاجبيه ومن ثم قال بضيق: لا تكوني سخيفة..
ابتسمت مها وقالت: حسنا حسنا لا بأس..
واردفت متحدثة اليه: ثم انها هي ايضا طلبت مني ان اوصل لك سلامها بالامس ولكني نسيت اخبارك..
هم بأن يقول شيء ما لولا ان تحدثت مها في تلك اللحظة الى ملاك وقالت مبتسمة: ملاك.. كمال يوصل لك سلامه..
ارتفع حاجبا ملاك باستغراب.. ولكنها قالت مبتسمة: ابلغيه سلامي انا ايضا..
ومن ثم قالت بارتباك: ومازن؟.. ما هي احواله؟..
ضحكت مها وقالت: انني اتلاعب باعصابه.. واعيد جزءا بسيطا من مضايقاته واستفزازه لي..
قالت ملاك بحيرة: وماذا فعلت؟..
- لانني شقيقة مازن واعرفه جيدا.. فقد علمت مسبقا انه سيحاول البحث عن رقم هاتفك بهاتفي.. لهذا فقد قمت بحفظه تحت اسم لن يتوقعه مازن ابدا..
تساءلت ملاك قائلة: وما هو هذا الاسم؟..
ابتسمت مها بمرح ومن ثم قالت: توقعي ماذا؟.. لقد اضفت رقم هاتفك الى رقم منزلنا.. فلن يخطر على بال مازن ابدا ان الرقم الذي يبحث عنه محفوظ تحت اسم منزلنا..
ازدردت ملاك لعابها وقالت بتوتر: ولم يبحث عنه؟..
صمتت مها للحظة وكأنها ادركت خطأ ما قالته.. ستفسر ملاك تصرف مازن الآن انه اهتمام بها.. ولن تفهم انه قد فعل هذا مع عشرات الفتيات غيرها.. وقالت مها بابتسامة باهتة: لا اعلم..
لم تجد حلا سوى ان لا تمنحها اجابة شافية.. فلا تريد ان تصدمها وفي الوقت ذاته لا تريدها ان تتعلق بأمل زائف..وواصلتا حديثهما حين قالت ملاك مبتسمة: اتعلمين.. لقد اخبرت ابي عن رغبتي في الحصول على هاتف محمول..
- هه.. وماذا قال؟..
اجابتها ملاك وهي تهز كتفيها: الجواب المعتاد.. تجاهل الامر ..
ضحكت مها بمرح في حين اردفت ملاك وهي تضغط على حروف كلماتها: ولقد اخبرته ايضا بأني ارغب بزيارتتكم ..
قالت مها بلهفة واهتمام: وهل وافق؟..
تنهدت ملاك ومن ثم قالت: ليته وافق.. لقد قال انه سيأجل الامر لما بعد.. ولكن اظن بما انه تعمد تأجيله لأنه لن يوافق ابدا.. واذا لم يوافق فلن اتضايق او اعتابه.. فهو يفعل ما هو في مصلحتي..
قالت مها باسف: يؤسفني اني لن اراك في الوقت الحالي.. لقد افتقدتك كثيرا..
ابتسمت ملاك وقالت: وانا ايضا..و...
بترت عبارتها بغتة ومن ثم قالت بضيق: معذرة يا مها.. علي المغادرة الآن.. فقد حضر الاستاذ..
قالت مها مبتسمة: لا عليك.. لم يحدث شيء..
- الى اللقاء اذا..
- الى اللقاء..
اغلقت مها هاتفها وواصلت تناولها لطعامها لولا ان انتبهت بغتة لشخص ما يقف خلفها.. فالتفتت في سرعة ومن ثم قالت بدهشة: كمال .. الا تزال واقفا هنا؟..
قال وهو يعقد ساعديه امام صدره: اطلب تفسيرا لما فعلته..
قالت بدهشة: ماذا فعلت بالضبط؟..
قال وهو يمط شفتيه: بشأن رقم هاتف ملاك..
قالت بحنق: انت تعلم جيدا ان مازن سيبحث عن رقم هاتفها بين الارقام المخزنة في هاتفي.. لهذا اضطررت لفعل ذلك.. لكن ارجوك لا تخبره بشيء.. لا اريد ان يتحدث الى ملاك كما يشاء من وراء ظهورنا..
قال كمال ببرود: وهل انا احمق حتى افعل؟..
واردف قائلا: وماذا عن عدم ايصلاك سلام ملاك الي؟..
قالت بابتسامة ساخرة: ظننتك لن تهتم ان ارسلت لك سلاما او حتى هدية باهضة الثمن..
قال كمال وهو يتطلع اليها: ماذا تظنيني يا مها؟..شخص بلا مشاعر..
قالت مها بضيق: فسر تصرفاتك لي انت اذا.. تتعمد ان تضايق ملاك بكلماتك.. تتعمد جرحها بتلميحاتك.. تتطلع اليها ببرود وضيق وكأنك غير راغب برؤيتها.. وبعد كل هذا تطلب مني ان اوصل سلامها لك.. لقد ظننت بعد كل ما رأيته من تصرفات تجاهها.. بأن مجرد سماع اسمها لن يهمك.. فلم اوصل سلامها لك اذا؟..
قال كمال مدافعا عن نفسه: لم اتعمد جرحها او مضايقتها.. لم اتعمد حتى ان اتطلع لها ببرود.. ولكن كل هذا حدث بالرغم مني..
قالت مها باستنكار: كيف بالرغم منك؟.. لا يوجد شيء يحدث بالرغم منك.. مادمت اردت مضايقتها..ففعلت بكل بساطة..
قال كمال بحدة: انت لا تفهمين..
قالت بحدة مماثلة : ولا اريد ان افهم.. لقد اوصلت لها سلامك وانتهى الموضوع.. ماذا تريد ايضا؟..
زفر قائلا: لاشيء.. لا اريد شيئا ابدا..
وابتعد عنها ليتوجه الى السلم ويصعد الطابق الاعلى.. ومها تستغرب تصرفات شقيقيها.. فمازن ان كان مهتما بملاك.. فهي تعلم جيدا ان اهتمامه بها ينطوي على علاقاته بالفتيات.. ولكن ماذا عن كمال؟.. كمال الذي يتعمد ان يجرح ملاك دائما.. مهتم الآن لأن اوصل له سلام منها.. يا للمفارقة! .. حقا لن افهم كمال هذا ابدا...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
رنين متواصل ازعج فؤاد وجعله يتململ في جلسته ويترك مافي يده.. ليلتقط سماعة هاتف مكتبه ويجيبه قائلا: من المتحدث؟..
جاءه صوت عادل وهو يقول: اهلا فؤاد.. كيف تسير اعماك؟..
قال فؤاد بلامبالاة: ممتازة كما هي دائما..
قال عادل باهتمام: وماذا فعلت؟..
قال فؤاد وهو يعقد حاجبيه متسائلا: بشأن خالد؟..
- اجل..
قال فؤاد بهدوء: كل شيء كما خططت له.. لقد ارسلت شخصا لمراقبة تحركاته.. وسيعلم مواعيد ذهابه وايابه من الشركة.. هذا بالاضافة لمعرفته طريق أي مكان سيذهب له..
قال عادل متسائلا: ولم لم تذهب بنفسك لمراقبة تحركاته؟..
قال فؤاد وهو يمط شفتيه: سيتعرف على سيارتي.. وحتى وان قمت بتغييرها.. فقد يتعرف على سائق السيارة..
قال عادل مواصلا تساؤلاته: وان علمت بمكان منزله.. ما الذي ستفعله حينها؟.. هل سنهدده بأمر معرفتنا لمكان منزله وبابنته؟..
- لا بكل تأكيد.. لو هددناه حينها سيغير مكان منزله بكل بساطة.. وسيكون اكثر انتباها وتيقظا لجميع تحركاتنا..
- اذا؟؟..
اجابه فؤاد وهو يبتسم بخبث: اولايجب ان نعرف مكان منزله.. ومن ثم سنترك الامور تسير بهدوء وكأن شيئا لم يكن.. حتى يغادر البلاد.. وتكون لنا الفرصة لنتصرف بحرية..
ابتسم عادل وقال باعجاب: يدهشني تخطيطك لكل هذا يا فؤاد.. وحتى ابسط الامور..
قال فؤاد بغرور: انت تتحدث الى فؤاد محمود.. المشهور بالذكاء والعبقرية في عالم رجال الاعمال..
واردف قائلا: وستكون ملاك بين ايدينا هذه المرة.. حتى نسترجع جميع حقوقنا منه ..فملاك هي نقطة ضعف خالد الوحيدة ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ضيق حسام عينيه وهو يمسك ببندقية التصويب بين يديه.. ويحاول التركيز على الاصابة على نقطة المئة بدائرة التصويب ..وبعد تركيز طويل اطلق برصاصته التي اصابت نقطة الخمسين.. وابتسم قائلا وهو يبعد البندقية عنه: جيد..
سمع صوتا من خلفه يقول : بل سيء جدا..
ابتسم حسام وقال وهو يلتفت الى صاحب الصوت: الا تعرف المجاملة ابدا يا مازن؟..على الاقل شجعني وارفع من معنوياتي قليلا..
ابتسم مازن وقال وهو يهز كتفيه ويتقدم منه: بصراحة لا تصلح لأن تمارس هذه المهارة ابدا..
والتقط البندقية الاخرى وقال وهو يمسكها بين يديه ويصوب على قرص التصويب: التصويب على القرص يكون بهذا الشكل ..
قالها واطلق لتستقر طلقته عند نقطة الخمسة وسبعون.. فالتفت له مازن وقال بغرور: ما رأيك؟..
ابتسم حسام وقال وهو يشير على القرص: منذ متى وانت تمارس هذه المهارة؟..
قال مازن بابتسامة: مضى وقت طويل منذ آخر مرة مارستها فيها.. والا لاستقرت طلقتي في منتصف القرص تماما..
قال حسام وهو يتطلع اليه: الن تكف عن غرورك هذا؟..
- اخبرتك بأنها ثقة بالنفس فحسب..
قال حسام وابتسامة واسعة على شفتيه: دعنا من ثقتك هذه.. واخبرني.. هل جئت وحدك الى هنا؟..
قال مازن وهو يهز رأسه: لا .. مها ايضا جاءت معي.. فقد شعرت بالملل من مكوثها بالمنزل..
قال حسام متسائلا: واين هي؟..
قال مازن وهو يشير الى ما خلفه: بكفتيريا النادي..
واردف مازحا: ولكن اياك ومغازلتها..
رفع حسام حاجب واحد وقال بسخرية: من تظنني؟.. مازن محمود؟..
قال مازن بغرور: وماذا به مازن؟.. على الاقل يصوب على القرص افضل منك..
قال حسام مبتسما: تركت البندقية والقرص لك.. فلتتباهى الآن بمهارتك امام الفتيات..
ضحك مازن وغمز بعينه وهو يقول: حالا..
وامسك بالبندقية ليكمل التصويب.. في حين سار حسام مبتعدا الى كافتيريا النادي.. وهناك شاهد مها جالسة على احدى طاولات النادي ومنشغلة بشرب العصير.. وما ان لمحته حتى تركت العصير وابتسمت وهي تتطلع اليه قائلة: اهلا حسام..
جذب مقعدا وجلس عليه وهو يقول: كيف حالك؟..
قالت وهي تتطلع له وتحاول ان تحفر ملامحه في ذهنها: بخير.. وماذا عنك؟..
- على ما يرام..
واردف متسائلا: ما بك؟..
قالت بحيرة: لا شيء..
اشار الى وجهها باصبعه ومن ثم قال: بل وجهك قبل ان آتي الى هنا يدل على انك كنت تفكرين بأمر ما..
قالت مازحة او متعمدة .. لا تعلم: افكر فيك انت..
قالتها بابتسامة حتى يظن انها كانت تمزح معه.. ولكن الحق انها كانت تفكر فيه قبل ان يأتي الى هنا.. اما حسام فقد ضحك وقال: يالي من محظوظ اذا.. ما دامت فتاة جميلة تفكر في وتشرد بذهنها ايضا عندما تفكر بي..
ابتسمت مها وقالت: شكرا على المجاملة..
قال متسائلا باستغراب: أي مجاملة؟..
قالت مها بارتباك: بوصفك اني.. جميلة..
قال حسام مبتسما: ومن قال اني اجامل..تعرفين اني لا اقول سوى ما اراه.. اليس لديك مرآة في غرفتك لتتطلعي الى وجهك فيها..
قالت مها بابتسامة مرتبكة: بلى لدي وحتى في الحقيبة التي احملها الآن..
عقد ذراعيه امام صدره ومن ثم قال: اذا انظري الى وجهك فيها ومن ثم احكمي علي ان كنت اجامل او اقول الصدق ..
شعرت مها بضربات قلبها المتوترة في تلك اللحظة.. نادرا ما يتحدث حسام عنها بشكل شخصي.. فدائما ما يتحدث معها في امور مختلفة تاركا اياها تتمنى ولو كلمة واحدة منه..
وقال مبتسما في تلك اللحظة: واخيرا سأنتهي من دراستي بالجامعة بعد عام واحد فحسب..
قالت مها بضيق: لا زال امامي انا ثلاث سنوات او ربما اكثر..
قال حسام متحمسا: لا عليك سيمرون عليك مرور البصر.. المهم اني سأتخرج اخيرا وبعدها سأتوظف .. وبعدها...
تغيرت نظرة حسام بغتة وبتر عبارته وهو يتطلع لها.. ما باله اليوم؟.. انه يتطلع اليها بنظرة غريبة تراها لاول مرة في عينيه.. وعينيه تلمعان ببريق اغرب.. هل هذه النظرات لي انا حقا؟..
والتفتت الى ما خلفها لكي تتأكد من انه يتطلع اليها هي حقا..فضحك حسام وقال وهو يتطلع لها: لم تنظرين الى ما وراءك؟..
قالت متسائلة بدهشة: لقد كنت تنظر الي بطريقة غريبة.. فأردت ان اتأكد بأني انا المقصودة بنظرتك تلك..
ضحك حسام مرة اخرى بمرح ومن ثم قال: تطلعي في عيني لكي تتأكدي..
قالت مها بارتباك شديد ووجنتاها تتوردتا باحراج: حسام هل انت بخير هذا اليوم؟.. ما بالك؟..
ابتسم بحنان ومن ثم قال: سعيد يا مها.. لاني سأتخرج قريبا.. وسأتمكن من تحقيق حلمي..
قالت مها متسائلة: وما هو حلمك؟..
قال وهو يفرد اصابعه الثلاثة: احلامي ثلاثة لكنها جميعا تحقق هدف واحد بالنسبة لي.. فأولها ان اعمل واتوظف واستقر بوظيفتي..
قالت مها بحماس: هذا ممتاز..
قال حسام مبتسما: على العكس من شقيقك فأنت تشجيعنني دائما..
ابتسمت على عبارته ومن ثم قالت متسائلة: وما هو حلمك الثاني؟..
قال مبتسما: ان ابني منزل المستقبل..
قالت مها بابتسامة: وبالتأكيد تتخيله ان يكون مثل منازل الاحلام.. لكن لا تقلق والدك لن يقصر معك وسيساعدك في بناءه..
قال وهو يهز رأسه نفيا: لا ارغب بمساعدة من احد.. اريد ان ادفع من جيبي الخاص.. لأشعر باستقلاليتي واني حققت حلمي بمفردي..
وضم اصبعيه ليبقى اصبعه السبابة مفرودا وهو يكمل: اما حلمي الثالث.. فهو الاهم بالنسبة لي.. انه...
تطلعت له مها بترقب ومن ثم قالت بضيق عندما لم يكمل: هل يتوجب علي ان اقول لك ان تكمل حتى تكمــ...
بترت مها عبارتها.. ذلك لانها لم تعد تستطيع الحديث..وهي تشعر بكف حسام تحتضن كفها.. انها تحلم ولا شك.. ما يحصل امامها ليس حقيقة هي متأكدة.. منذ متى كان حسام يمسك بكفها بكل هذه الرقة والحنان؟.. منذ متى وحسام يتطلع لها بهذه النظرات الغريبة والدافئة..
سرت قشعريرة في جسدها بأكمله من لمسته.. وشعرت بأنه يهم بقول شيء ما..و لكنه اطبق شفتيه وقال وهو يترك كفها بهدوء: ماذا ترغبين ان اطلب لك؟..
ارتفع حاجباها بدهشة كبيرة.. لقد عرفت انها تحلم وان ما حدث معها ليس هو من نسج خيالها.. ولكنه تنهد وقال: شقيقك قادم..
التفتت بحدة الى ما خلفها لتدرك صدق ما قاله.. لهذا صمت.. لهذا بتر عبارته.. لهذ غير الموضوع فجأة.. اذا لم تكن تحلم .. حمدلله..وابتسمت لنفسها.. تريد ان تعلم ماذا كان يريد ان يقول.. ربما كان سيسمعها ما كانت تتمناه طويلا.. ولكن.. القدر لا يكاد يمنحها الفرصة.. وكذلك حسام الذي لا يكاد يتحدث عن شيء بشأنها ابدا الا فيما ندر...
تنهدت بدورها وقالت وهي تجيبه عن سؤاله: قطعة من الكعك ..
قال حسام مبتسما وهو يشير الى مازن: لا بأس.. ولكنه سيكون على حساب شقيقك..
اقترب منهما مازن وقال وهو يتطلع الى حسام بحاجب مرفوع: ماذا به شقيقها؟..
قال حسام مبتسما وهو ينهض من مكانه: ادفع ثمن ما طلبته مها..
قال مازن بسخرية: ولم افعل؟.. يكفيك النظر الى حقيبتها لتعلم انها مليئة بالنقود..
قالت مها بحنق:مليئة بالنقود هاا؟.. اتظن اني احمل معي مصرفا متنقلا؟..ثم اني لا اريد شيئا منك..سأدفع بنفسي..
قال مازن بسخرية: هذا افضل بكثير..
قال حسام وهو يلتفت الى مازن: متى سيأتي اليوم الذي سأراك فيه وانت لا تتعمد استفزاز مها او مضايقتها؟..
ابتسم مازن ابتسامة واسعة ومن ثم قال: لقد اخبرتها من قبل .. سأتوقف عن مضايقتها عندما تتزوج..
ارتبكت مها وتوترت بشكل كبير حتى ان الاحراج قد بات واضحا على وجهها.. وضربت مازن على كتفه لتقول بحدة: يالك من سخيف..
ضحك مازن بقوة ومن ثم امسك بمعصمها ليقول وهو يتطلع لها: ماذا قلت لك من قبل.. هل تريدين ان أكسر يدك الآن؟..
قال حسام وهو يعقد ذراعيه امام صدره: حاول فقط..
التفت له مازن وقال بسخرية: محامي الدفاع لا يزال واقفا هنا ..الم تذهب بعد؟..
قال حسام وهو يتطلع له: دع مها وشأنها اولا..
- وما شأنك بشقيقتي؟..
قال حسام وهو يرفع حاجبيه: وهي ابنة عمتي ايضا..وهذا يعني اني لي شأن بها على الرغم منك..
ضحك مازن وقال وهو يترك معصم مها: لقد نسيت انك كنت تتشاجر معي في الماضي عندما كنت اضرب مها..يبدوا انك تريد ان تعيد تلك الايام..
قال حسام وهو يبتسم: ليتها تعود حقا.. وهل يوجد اجمل من ذكريات الطفولة؟..
واردف وهو يهم بالابتعاد عنهم: ثم اذا كان زواج مها سيجعلك تتركها وشأنها وتتوقف عن مضايقتها.. سآتي غدا الى منزلكم لأطلب يدها..
قالها بلهجة مازحة وابتسامة تدل على ان حديثه لم يكن سوى مزاحا .. ولكن مها رفعت عيناها بقوة له وهي تشعر بدهشة كبيرة من قوله.. وكأنها كانت تنتظر أي تلميح منه يدل على الاقل انه يفكر بها كشريكة لحياته.. ولكن حسام لم يمنحها اجابة شافية او يتطلع حتى لنظراتها نحوه .. فقد سار مبتعدا عن المكان.. وعينا مها تتبعانه بدهشة..
وشعرت بغتة بكف مازن توضع على كتفها.. فالتفتت له بحدة وقالت متسائلة: ماذا تريد؟..
قال بخبث: هه.. الم تكتفي من رؤيته بعد؟..
صمتت باحراج ولكنه قال مبتسما: انه يناسبك..
خفق قلب مها في قوة وادركت انه يعني حسام.. ولكنها قالت بتوتر: من تعني؟..
اسند ظهره لمسند المقعد وقال وهو يهز كتفيه: حسام.. ومن غيره؟..
صمتت بخجل وارتباك دون ان تعلق.. وحاولت ان تتطلع الى حسام بطرف عينيها وهي تتساءل في نفسها.. هل يناسبها حقا كما قال مازن ام انه مجرد حديث عابر لا يعنيه؟...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
فتح خالد باب السيارة الخلفي وجلس على المقعد ليقول للسائق: الى المنزل..
تحرك السائق بالسيارة مغادرا مواقف مبنى الشركة ..لينطلق بالسيارة في الشوارع الرئيسية ..وخالد يشعر بتعب وارهاق شديدين .. ولكنه كذلك يشعر بشوق كبير للعودة الى منزله ورؤية صغيرته ملاك..ويتناول طعام العشاء معها كما في كل يوم.. وابتسم وهو يتطلع الى الكيس الذي وضعه الىجواره.. لا تعلم انه نفذ مطلبها.. واشترى لها هاتفا محمولا كما طلبت.. على الرغم من انها لا تحتاجه.. ولكنها رغبتها ولا يريد ان يشعرها بأنها مختلفة عن بقية الفتيات.. فلتحصل على هاتف محمول ولتتحدث فيه كما تشاء.. المهم ان لا يرى نظرة حزن واحدة في عينيها...
(سيدي..)
انشدت حواس خالد كلها الى السائق وقال باهتمام: ماذا؟..
حرك السائق مرآة السيارة قليلا ومن ثم قال: اظن ان هناك من يتبعنا..
عقد حالد حاجبيه وقال متسائلا: هل انت متأكد؟..
اجابه السائق بهدوء: لا اعلم.. ولكني كنت اراها خلفنا تقريبا منذ بداية مغادرتنا لمواقف الشركة..
قال خالد وهو يزفر بحدة: حسنا استمع الي.. انعطف عند اول منعطف تراه.. ان سارت خلفنا ايضا.. فهي تتبعنا بالتأكيد ..
اومأ السائق برأسه.. وكما طلب منه خالد تماما عند اول منعطف ادار المقود وانعطف بالسيارة الى اليمين.. وتسائل خالد قائلا: الا زالت خلفنا؟..
قال السائق وهو يمسك بمرآة السيارة ويحركها قليلا: اجل.. لا زالت خلفنا..
عقد خالد حاجبيه بتوتر وتساؤل.. من هذا الذي يتبعه؟.. وما غرضه؟.. ولم هو بالذات؟.. لابد ان وراءه امر ما.. وقال خالد وهو يستند الى مسند المقعد ويتنهد: حاول ان تفقده اثرنا اذا ..
قالها خالد وغرق في تفكير عميق.. وهو يتساءل عن هوية هذا الشخص الذي يتبعه ويحاول فهم سبب ملاحقته له..و...
وفجأة فهم الامر كله.. ملاحقتهم لابنته عندما كانت في منزل امجد ورغبتهم في معرفة هويتها الحقيقية.. ارسال ابناء عادل ليجعلوها تقول الحقيقة دون ان تدرك.. وصوله الى منزل امجد قبل ان يصل فؤاد او عادل اليه.. هذا كله جعلهم يشعرون برغبة بالمواصلة في استدراج ملاك وخصوصا بعد ان عرفوا شكلها وهويتها..وهذا ايضا سيجعلهم يفكرون في أي خطة تتيح لهم الوصول اليها.. ولابد انه فؤاد صاحب الافكار الخبيثة الذي طلب من احدهم ملاحقته بعد ان دفع له مبلغ ضخم بكل تأكيد..
والآن ما الذي عليه ان يفعله؟.. فؤاد يحاول ان يتذاكى عليه ويصل الى منزله وبعدها يستطيعون استدراج ملاك واخذها معهم في وقت يكون هو غير موجود بالمنزل..ما الذي عليه ان يفعله؟.. فليكن هو اذكى منه اذا..
وابتسم بسخرية وقال للسائق: اسمع.. غير طريقك.. لا تذهب الى المنزل .. بل الى أي مكان آخر..
قال السائق موضحا: يبدوا انه فقد اثرنا يا سيدي.. فلم اعد اراه خلفي..
قال خالد ببرود: لا تستهن به.. لابد وانه محترف.. وانه يتبعنا دون ان نشعر.. او انه سيصل الينا في أي لحظة..
ولم تمض دقيقة حتى قال السائق وعيناه متسعتان: انه وراءنا بالفعل يا سيدي..
قال خالد فجأة: استمع الي.. اسرع قدرما تستطيع وكأنك ستسير في خط مستقيم.. وحاول ان توحي لمن خلفنا اننا طريقنا هو هذا.. وانعطف فجأة في أي منعطف جانبي حتى لا يتمكن من اللحاق بنا..او نعطله على الاقل..
قال السائق موافقا: معك حق يا سيدي.. سأفعل الآن..
وانطلق بالسيارة بسرعة كبيرة بعض الشيء.. وتلك السيارة تتبعه بكل قوة.. وقد خيل لسائقها ان طريقها هو الطريق الرئيسي فعلا.. ولكن بغتة انحرفت سيارة خالد في ممر جانبي.. وهذا مما جعل تلك السيارة تتجاوزها بالرغم منها...
ولكن...
كلمة من ثلاثة حروف.. كانت حدا فاصلا.. بين الفوز والخسارة ..بين النجاح والفشل..وبين الحياة والموت ايضا... فسرعة سيارة خالد لم تتح لسائقه الانتباه لتلك السيارة التي تنطلق مغادرة الممر الفرعي والاتجاه نحو الطريق الرئيسي..
ولم يكن هناك مفر من حدوث الاصطدام...
ابدا...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
جزء الخامس عشر
"ابي"
تحرك عقرب الثواني ليلتحم مع عقرب الدقائق مشيرا الى ان الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة والنصف..وبدا صوت دقات الساعة المنخفض في تلك اللحظة بالنسبة لملاك صوتا صاخبا يكاد يسبب لها الصمم.. وهي تكاد تنهار من التوتر والقلق بسبب تأخر والدها الى هذه الساعة على غير عادته .. والدها الذي كان يأتي يوميا في تمام العاشرة.. يتأخر ساعة ونصف كاملة..روادها الشك والقلق وغزى ملامحها.. ليجعل قطرات العرق تتصبب على جبينها.. وضربات قلبها تتسارع وهي تتطلع الى ساعة الردهة بخوف اخذ يسيطر على تفكيرها كله..
واخذت تداعب قلادتها بعصبية لعلها تسيطر على خوفها .. وهتفت بصوت عالي: نادين.. نادين..
لم تسمع ردا من نادين فصرخت بصوت اعلى: نادين.. اجيبي..
رأت نادين تسرع نحوها وتقول بتوتر: ما الامر آنستي؟.. لم تصرخين هكذا؟..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها بخوف: هل قال لك ابي انه سيتأخر اليوم؟..
اسرعت نادين تقول: لا ابدا..
قالت ملاك بخوف اكبر وصوت مختنق: ولا حتى انه سيذهب الى مكان آخر.. غير مكان عمله..
هزت نادين رأسها نفيا وقالت مجيبة: ولا حتى هذا..
ارتجفت شفتا ملاك وقالت بلهجة اقرب الى البكاء: اذا اين يمكن ان يكون قد ذهب؟.. ولم تأخر؟..
قالت نادين بدهشة: والم يعد سيدي بعد؟..
لم تستطع ملاك النطق واكتفت بهز رأسها نفيا.. فقالت نادين متسائلة بتوتر: هل اتصلت به؟..
عادت ملاك لتهز رأسها نفيا.. فقالت نادين وهي تحاول ان تمنح ملاك الامل: اذا اتصلي به.. واسأليه عن سبب تأخره..
اومأت ملاك برأسها بتوتر.. و حركت عجلات مقعدها - التي اعتادت ان تحركها بيسر- بصعوبة هذه المرة.. ورفعت سماعة هاتف المنزل بانامل مرتجفة حتى انها شعرت ان السماعة اثقل من ان تحملها.. وكادت ان تسقط من يدها اكثر من مرة ..
واخيرا ضغطت ارقام هاتفه المحمول وهي تلتقط انفاسها بصعوبة ..وما ان فعلت حتى اتسعتا عينا ملاك بقوة وهتفت بصوت مرتجف: هاتـ..فه..مـ..مغلق..
فالت نادبن متفاجئة: ماذا؟.. مغلق؟.. لم يعتد سيدي على اغلاقه ابدا..
قالت ملاك وعيناها تترقرقان بالدموع: ما الذي حدث لأبي اذا؟.. ماذا حدث له؟..
ربتت نادين على كتفها باشفاق وقالت: آنستي.. لا تتشائمي .. قد يكون عمل مفاجئ قد اخره.. او ربما.. ازدحام سير ..
غطت ملاك وجهها بين كفيها وسالت دموعها بألم وهي تهتف بصوت باكي: لم يتأخر ابدا في حياته.. لابد وان امرا ما قد حصل له..
لم تعلم نادين ماذا تفعل وهي ترى ملاك تبكي بحرقة هكذا ..وقالت اخيرا وهي تفكر بعمق: ربما يكون قد ذهب الى منزل عمك..
رفعت ملاك عيناها المليئتان بالدموع الى نادين وقالت متسائلة وغصة تمتلأ بها حلقها: أي عم؟..
قالت نادين في سرعة: اتصلي بمنزل عمك امجد واسأليهم ان كان والدك موجود هناك ام لا..
وجدت ملاك نفسها اثر رغبتها وامنيتها بأن يكون ابيها هناك ..ترفع السماعة مرة اخرى وتضغط ارقام هاتف مها.. ومسحت دموعها في سرعة وهي تحاول ان توقف دموعها التي تسيل على وجنتيها بكل اصرار وتأبى التوقف..واستمعت الى الرنين المتواصل .. قبل ان يأتيها صوت مها القلق وهي تقول: من؟.. ملاك؟..
اجابت ملاك بصوت خافت اقرب الى الهمس: اجل..
قالت مها التي كانت مستلقية على فراشها وتهم بالنوم: ماذا بك يا ملاك؟.. اقلقتني باتصالك هذا.. انها الثانية عشرة تقريبا ..
قالت مها بصوت مختنق: آسفة ان كنت قد ازعجتك .. لكن الامر مهم..
واردفت وهي تحاول التقاط انفاسها: ابي.. لم يعد الى المنزل حتى الآن..
اعتدلت مها في جلستها وقالت بدهشة: ماذا؟.. لم يعد بعد؟ ..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها بألم: اتصلت به ووجدت هاتفه مغلق.. الم يأتِ اليكم اليوم؟..
قالت مها ودهشتها تتفاقم: لا ابدا.. ومنذ قليل فقط قد صعدت الى غرفتي والا كنت قد رأيته..
وتساءلت مردفة: وهل اتصلت به؟..
اجابت ملاك وهي تحاول السيطرة على اعصابها: اجل ولكنه مغلق دائما..
صمتت مها دون ان تعلق في حين قالت ملاك بانفعال سببه الخوف والتوتر: ماذا حدث لأبي اذا؟.. اين هو؟..
قالت مها وهي تحاول ان تهدئ ملاك: ملاك عزيزتي.. اهدئي.. ربما يكون في منزل عمي فؤاد او عادل.. وربما يكون قد تأخر بسبب عمل هام.. سأذهب مع ابي او احد اخوتي لنرى الامر.. وسأتصل بك بعدها.. اتفقنا؟..
لم تجبها ملاك وخوفها على ابيها يسيطر على تفكيرها كله.. فقالت مها مردفة: اهدئي انت الآن.. ولا تخشي شيئا.. وباذن الله سيكون والدك بخير..
قالت ملاك بصوت خافت: اتمنى هذا من كل قلبي..
- حسنا اذا .. سأذهب لاستبدل ملابسي الآن..
قالت ملاك بمرارة: معذرة يا مها.. لقد ازعجتك.. وسأتعبك معي.. ولكنه ابي..
قالت مها بصوت حاني: لا عليك.. فكما هو والدك هو عمي كذلك.. ولا تقلقي نفسك..
تنهدت ملاك بصوت مسموع ومن ثم قالت: سأحاول.. واتصلي بي عند سماع أي خبر عنه حتى وان كان بسيطا..
قالت مها بهدوء: لا بأس.. الى اللقاء..
اغلقت ملاك الهاتف بدورها وهي تشعر بأناملها ترتجف بقوة وخوف وهي غير عالمة بما حدث لوالدها بعد.. اما مها فقد اسرعت تغادر فراشها وتستبدل ملابسها .. ومن ثم تحمل حقيبة يدها وتنطلق مغادرة الغرفة..وتسير مسرعة بالممر.. ومن ثم تهبط درجات السلم.. وفاجأها مازن وهو يصعد درجات السلم.. فرفع رأسه لها وقال مستغربا: الم تنامي بعد؟.. والى اين انت ذاهبة؟..
قالت في سرعة وهي تواصل هبوطها لدرجات السلم: لقد اتصلت بي ملاك واخبرتني بأن والدها لم يعد الى المنزل بعد و...
قاطعها مازن وهو يمسك بذراعها ويوقفها: لا تتحدثي بسرعة هكذا.. وافهميني الامر بهدوء..
زفرت بحدة ومن ثم التفتت له وقالت: لقد اتصلت بي ملاك قبل قليل.. واخبرتني ان والدها لم يعد الى المنزل بعد.. وسألتني ان كان جاء الى هنا او لا..فقد اتصلت به وكان هاتفه مغلق ..و تخشى ان يكون مكروها قد اصابه..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: عمي خالد؟.. هذا غريب..
واردف متسائلا: ولكن لم تخبريني.. الى اين انت ذاهبة؟..
قالت مها وهي تزدرد لعابها: لقد وعدتها بأنني انا ووالدي سنبحث عنه..حتى نحصل على أي خبر يوصلنا له..
قال مازن وهو يحك ذقنه: لا اظن ان عمي خالد لا يزال طفلا حتى نبحث عنه ..يبدوا ان ملاك قد بالغت قليلا في وصف ما جرى ..
قالت مها بحدة وانفعال: لو سمعت صوتها ما قلت انها قد بالغت.. لقد كانت تبكي بحرقة.. وصوتها قد بح من كثرة البكاء.. لابد وانه قد تأخر طويلا والا لما اتصلت بنا.. ثم انا لم اطلب منك ان تبحث عنه .. سأطلب من والدي ذلك..او من كمال حتى فهو قد يقدر حالة ملاك ويفكر بالمساعدة..
كانت تهم بالنزول ولكن صوت مازن اوقفها قائلا: انتظري يا مها.. والدي ليس هنا.. وكذلك كمال..
واردف بابتسامة: وسوف اذهب للبحث عن عمي ان اردت.. من اجل ملاك فقط..
قالت مها وهي تتطلع له بطرف عينها: الن تتوقف عن تصرفاتك هذه ابدا؟..
قال مصطنعا اللامبالاه: أي تصرفات؟..
قالت مها وهي تمط شفتيها وتهبط درجات السلم: تمثيل دور المحب لكل فتاة تعرفها..
قال مازن بضيق: لم اخبر أي فتاة عرفتها بأني احبها..
قالت مها وهي تعبر معه الردهة: ولكن تصرفاتك واهتمامك بهن.. يجعلهن يشعرن بذلك..
قال مازن وهو يشعر بالملل: هذا ليس وقت الحديث عن علاقاتي .. فلنذهب للبحث عن عمي اولا..
اومأت مها برأسها وآثرت الصمت وهي تغادر بصحبة مازن المنزل..ومن ثم تصعد الى سيارته.. وما ان انطلقا بها حتى تساءل مازن: اخبريني .. هل اتصلت ملاك بوالدها في الشركة؟..
قالت مها وهي تحاول التذكر: لا اظن انها اخبرتني شيئا كهذا.. اتصل به انت زيادة في الاحتياط..
اخرج مازن هاتفه المحمول من جيبه واتصل على الشركة.. واستمع الى الرنين المتواصل طويلا ومن ثم قال وهو يهز رأسه: الساعة الآن هي الثانية عشرة والربع.. لقد اغلقت الشركة ابوابها منذ ساعتين او اقل.. ولا اظن ان احدهم سيجيب على الهاتف..
- دعنا نذهب الى هناك اذا..
قال مازن وهو يرفع حاجبيه بتساؤل: ولم نذهب الى هناك؟.. ما الذي سنستفيده ان ذهبنا الى شركة قد اغلقت ابوابها..
قالت مها برجاء: سنسأل حارس الامن عن عمي خالد.. قد يكون يعرف الى اين ذهب.. او ما الذي حدث له؟..
زفر مازن بضيق ومن ثم قال: فليكن.. سأذهب الى هناك ..
ومن ثم التفت لها وقال: الم يكن من السهل ان تمنحنيني رقم ملاك لأخبرها بكل ما يستجد.. بدلا من تأتي معي وتتعبي نفسك ..
قالت مها وهي تبتسم بسخرية: معك حق.. خطة ممتازة جدا لتحصل على رقم هاتفها..
- انني افكر في راحتك فحسب..
قالت مها مواصلة في سخريتها: شكرا على تفكيرك بي الى هذه الدرجة.. اتعبت عقلك كثيرا..
قال مازن بضيق: كفي عن سخريتك والا اعدتك الى المنزل فورا ..
قالت مها بهدوء: فليكن سأصمت..
انطلق مازن بسيارته في شوراع المدينة حتى وصل الى شركة عمه خالد .. وهناك توقف وهبط منها ليتجه الى رجل الامن الذي يقف عند الممر الداخلي للشركة.. وقال بهدوء: لو سمحت يا سيد..
عقد رجل الامن حاجبيه وقال متسائلا: ما الامر؟..
قال مازن متسائلا بدوره: انت تعرف خالد محمود صاحب هذه الشركة اليس كذلك؟..
اومأ رجل الامن برأسه ايجابيا.. فقال مازن مواصلا اسألته: واليوم .. الى اين غادر بعد انتهاء وقت عمل الشركة؟..
قال رجل الامن بحيرة: الى منزله بكل تأكيد.. فهو معتاد يوميا ان يغادر مع السائق الشركة عند الساعة العاشرة الى منزله على الفور..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: الم يخبرك انه ذاهب الى مكان ما او لديه عمل ما؟..
- لست اعلم.. ولكن ان كان لديه عمل فهو ينجزه وقت عمل الشركة..
قال مازن بهدوء: عن اذنك اذا.. وشكرا لك..
تركه مازن وانصرف عائدا الى سيارته.. ليخبر مها بما دار بينه وبين رجل الامن.. وبعد ان انتهى من حديثه قالت مها بقلق: حديثه يزيدني توترا وقلقا على عمي.. فهذا يعني انه قد تأخر كثيرا على ملاك ومن حقها ان تتصل بنا بالفعل..
قال مازن وهو يضع كفيه على المقود: وما العمل الآن؟.. ما الذي نفعله؟..
زفرت مها بحرارة ومن ثم قالت: ليس امامنا سوى الاتصال بالمستشفيات او مراكز الشرطة الموجودة بالمنطقة.. واتمنى ان لا يكون مكروها قد اصابه..
ما ان انتهت مها من عبارتها حتى انطلق هاتفها بالرنين.. فاخرجته من حقيبتها ومن ثم قالت وهي تتطلع الى الرقم: انها ملاك..
قال مازن في سرعة: اجيبيها.. ربما يكون عمي قد وصل الى منزله..
اجابتها مها وقالت : اهلا ملاك..
جاءها صوت ملاك وهي تتساءل بلهفة وتوتر: الم تجدوه بعد؟ ..
قالت مها بتعاطف: سنجده باذن الله.. فقط اصبري قليلا.. فنحن قد بدأنا في البحث لتونا..
قالت ملاك بصوت باكي: اشكرك كثيرا يا مها.. وعندما تجدون أي خبر عنه.. طمأنيني..
قالت مها بابتسامة مشفقة: وانت كذلك.. اذا وصل الى المنزل.. طمأنينا عليه..
- مع السلامة..
اغلقت مها الهاتف ومن ثم التفتت الى مازن وقالت باشفاق: كل هذا وتقول انها تبالغ.. صوتها لا يكاد يسمع من كثرة البكاء..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره ومن ثم قال بهدوء: حسنا حسنا.. ها انذا قد اقتنعت وبدأت بالبحث عن عمي.. ماذا تريدين اكثر من ذلك؟..
- اتصل بالمستشفيات الموجودة بالمنطقة الآن..
- سأفعل..
واردف وهو يلتفت لها مبتسما: ولكن الم تخبرك ملاك بأي شيء يخصني؟..
قالت مها بعصبية مستغربة تفكيره: الفتاة في ماذا الآن.. سترسل لك سلاماتها مثلا وهي لم تعرف مصير والدها بعد..
قال مازن وهو يلوح بكفه: اهدئي.. لم اقل شيئا يستحق كل هذه العصبية..
والتقط هاتفه ليبدأ في الاتصال .. ومن جانب آخر كانت ملاك جالسة بجوار الهاتف تنتظر أي اتصال من مها.. وهي تشعر بقلق وخوف كبير يشلان حركتها تماما.. وقالت نادين وهي تحاول تهدئتها: آنستي .. لا بد وانه مجرد ازدحام سير صدقيني..
قالت ملاك بعينين دامعتين: انها المرة الاولى التي يتأخر فيها كل هذا الوقت.. شعور سيء يراودني.. ويجعلني اظن الاسوأ..
لم تجد نادين ما تقوله وآثرت الصمت.. مهما كان هذا والدها .. وقد ارتبطت به منذ صغرها.. فهي لم ترى اما ترعاها.. فتحت عيناها على الحياة لتجد والدها امامها..كان لها الام والاب سواء.. حتى انها هي –نادين- نفسها قد اعجبت به.. وهي تراه يعامل ابنته احيانا كأب صارم.. واحيانا اخرى كأم حنون..
ولابد ان ملاك تشعر بهذا الشعور السيء لأن شيئا ما قد اصابه حقا وان شعورها في محله.. يقولون ان الام ترتبط بابنها.. او العكس.. ولكن في هذه الحالة.. ملاك ترتبط بوالدها.. وتشعر بأي شيء قد يصيبه سواء كان الامر خيرا ام لا..
وتعالى فجأة رنين هاتف المنزل ليقطع على نادين افكارها وكذلك ملاك.. التي اسرعت تلتقط سماعة الهاتف في لهفة وتقول: ماذا حدث يا مها؟..
ولكن المتصل لم يكن مها.. ولا أي شخص آخر تعرفه.. كان صوت رجل يقول متجاهلا عبارتها: الو.. هل هذا منزل السيد خالد محمود؟..
اصيبت ملاك بخيبة الامل لان مها لم تكن المتصلة..ولكنها شعرت بقلق وخوف طغى على صوتها وهي تتحدث مجيبة: اجل ..
قال الرجل برسمية: اريد التحدث الى ابنه لو سمحت..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها بصعوبة: انا ابنته الوحيدة..
صمت الرجل للحظة ومن ثم قال بتردد: الا يوجد احد يقرب لوالدك.. عمك او خالك مثلا؟..
قالت ملاك وقد شعرت بالخوف من حديثه: لا احد سواي.. اخبريني يا سيدي ما الامر؟..
قال الرجل وهو يزفر بحدة: انا آسف .. ولكني مضطر لأنقل لك هذا الخبر.. والدك قد اصيب بحادث وهو الآن بمستشفى العاصمة و..
لم تستمع ملاك الى المزيد.. لان سماعة الهاتف قد سقطت من يدها.. وهي تهتف بصدمة: هذا كذب.. كذب..
اسرعت نادين نحوها وهي تهتف بقلق وتوتر: ماذا حدث يا آنستي؟..من كان المتصل وبم اخبرك؟..
التقطت ملاك انفاسها بصعوبة ومن ثم قالت بصوت بالكاد يسمع.. وهي غير مصدقة: لا اعلم.. انه يقول ان ابي في المستشفى واصيب في حادث.. هذا كذب بكل تأكيد .. ابي سيأتي بعد قليل الى المنزل.. اليس كذلك؟..
اشاحت نادين بوجهها في الم..فصرخت ملاك بانفعال: اليس كذلك؟..
ولم تلبث ان انفجرت في البكاء.. فقالت نادين مرتبكة وهي تقترب منها وتربت على كتفها: سيكون بخير باذن الله واصابته بسيطة..
قالت ملاك ودموعها تسيل بدون توقف.. وشفتاها ترتجفان: اريد ان اراه.. اريد الذهاب اليه..ارجوك..
قالت نادين بحيرة: من سيأخذنا الى هناك؟..السائق مع سيدي..
صرخت ملاك بانفعال: لا يهمني .. حتى لو خرجت سيرا على الاقدام.. اريد ان اذهب له.. خذيني الى هناك .. ارجوك.. فلنأخذ سيارة اجرة ونذهب..
كانت كلماتها متقطعة توضح حالتها النفسية المرتبكة والخائفة.. فقالت نادين بقلق: انها الواحدة بعد منتصف الليل ..كيف سنأخذ سيارة اجرة في هذا الوقت المتأخر ..
قالت ملاك وهي تهتف باكية: لا يهمني.. لا يهمني.. اريد ان اذهب اليه ..
صمتت نادين بقلة حيلة ومن ثم قالت فجأة: عمك امجد او ابناءه .. قد يستطيع احدهم ايصالك الى هناك..
التقطت ملاك نفسا عميقا ومن ثم قالت ودموعها لاتكاد تتوقف: سأتصل بهم..
اغلقت الخط بعد ان تركته مفتوحا عندما سقطت السماعة من يدها.. وعادت تلتقط السماعة وقلبها يخفق بقوة وخوف ..واناملها تكاد تسقط السماعة مرة اخرى في اية لحظة.. وسمعت صوت الرنين المتواصل بعد ان اتصلت بمها.. وما ان اجابت..حتى قالت ملاك بصوت منهار: ابي في المستشفى.. تعالوا وخذوني اليه.. ارجوكم..
قالت مها بدهشة: ماذا تقولين يا ملاك؟.. من اخبرك بذلك؟..
- اتصل بي احدهم منذ قليل واخبرني بأن ابي قد اصيب في حادث ..ارجوك يا مها.. لم اعد استطيع ان اتحدث.. تعالوا وخذوني اليه..
قالت مها بسرعة: حسنا.. حسنا.. سأطلب من مازن الآن ان ...
قبل ان تكمل مها عبارتها.. التفت مازن الى مها وقال بدهشة: ما الذي حدث؟..
قالت مها وهي تتحدث اليه بسرعة: عمي خالد اصيب بحادث وهو الآن في المستشفى..
اسرع يجذب الهاتف من كفها.. وقال متحدثا الى ملاك: اهلا ملاك.. اخبريني .. تريدين ان نوصلك الى المشفى حيث والدك .. اليس كذلك؟..
اجابته ملاك بصوت خافت: بلى..
- امنحيني عنوان منزلك..
منحته ملاك العنوان دون ان تأبه بأي شيء.. فليحدث لها ما يحدث .. المهم ابيها الآن.. تريد ان تطمأن عليه..فقال مازن بهدوء في تلك اللحظة: دقائق وسنكون عندك.. كوني جاهزة ..
قالت ملاك بهمس: حسنا..
قال بصوت حاني: وهدئي من نفسك.. والدك سيكون بخير.. لا تخافي ..
قالت وهي تزدرد لعابها لتبتلع تلك الغصة التي ملأت حلقها: اتمنى هذا..
- اهتمي بنفسك جيدا.. الى اللقاء..
- الى اللقاء..
اغلق مازن الهاتف واعاده الى مها التي قالت ببرود: لا يزال الوقت مبكرا على اعادته.. يبدوا انه هاتفك وانا لا اعلم..
قال بسخرية: تقريبا..
ووجدته ينطلق بسيارته .. فسألته قائلة: ستذهب الى منزل ملاك الآن .. اليس كذلك؟..
اومأ برأسه دون ان يجيب .. وسار في طرق عديدة حتى وصل بالنهاية الى العنوان الذي اخبرته به ملاك.. وقال بدهشة: يعرف عمي اين يختار منزله.. انها منطقة معزولة عن الناس..
قالت مها وهي تتنهد: وهذا ما كان يريده..
قال مازن وهو يتطلع الى منزل خالد: اتعلمين اشعر اننا جميعنا قد ظلمنا عمي خالد وملاك.. فانظري كيف يعيشان هما في منزل من طابقين بينما نعيش نحن في منازل اشبه بالقصور..
قالت مها وهي تلتقط هاتفها وتتصل بملاك: ولا نزال نظلمهم..
وقالت عندما سمعت صوت اجابة على الطرف الآخر: نحن بالخارج يا ملاك..هيا اخرجي..
ازدردت ملاك لعابها لمرات حتى تستطيع ان تنطق حرفا واخيرا قالت بصوت بالكاد ينسمع: حسنا..
واغلقت سماعة الهاتف..ووالتفت الى ما خلفها لتقول لنادين: خذيني الى الخارج.. لا استطيع دفع عجلات المقعد..
كان صوتها خافتا ولكن نادين سمعته لأنها كانت تجلس بالقرب منها.. وتطلعت الى ملاك باشفاق قبل ان تدفع المقعد الى الخارج.. وما ان لمحها مازن وهي تقترب من سيارته حتى اسرع يهبط منها.. ويقول متحدثا الى ملاك: أأساعدك؟..
لم تعترض ملاك.. لانها تشعر ان قواها قد خارت.. وانها غير قادرة على تحريك يدها حتى.. وصداع عنيف اصابها من كثرة البكاء تشعر به يكاد يحطم رأسها ..ومنحته كفاها باستسلام ليعاونها على الجلوس على المقعد.. وعلى الرغم من قربه الشديد لها لم تهتم.. ابيها فقط من كان يسيطر علىمشاعرها وتفكيرها كله في تلك اللحظة..
واخيرا التقط مازن مقعدها ليضعه في صندوق السيارة..ومن ثم يعود ليجلس على مقعد السائق وينطلق بالسيارة..اما ملاك فقد ظلت صامتة طوال الوقت ودموعها تسيل بصمت هي الاخرى على وجنتيها.. والتفتت لها مها قائلة باشفاق: هذا يكفي يا ملاك.. سيكون والدك بخير..
اما مازن فقد تطلع الى ملاك من مرآة سيارته الجانبية وقال: لم البكاء الآن؟.. سنصل بعد قليل الى المشفى وستطمأنين عليه بنفسك..
قالت ملاك بصوت مختنق: انه ابي.. اقرب الناس الي.. واحبهم الى قلبي.. عندما يجرح فقط كانت عيناي تدمعان دون شعور مني.. فكيف تريدونني ان اتوقف عن البكاء.. بعد ان اصيب في حادث سيارة.. والله تعالى وحده يعلم ماذا حدث له الآن.. قد يكون بخير.. وقد يكون...
صمتت ملاك بالرغم منها عندما اختنقت الكلمات في حلقها ..وغطت وجهها بين كفيها لتبكي بحرقة.. فتطلعت لها مها بألم ومن ثم التفتت الى مازن لتقول بهمس: دعها تبكي كما تشاء.. فقد ترتاح قليلا..
زفر مازن بحدة واحس بالاشفاق وهو يسمع صوت شهقات ملاك .. وبعد عشر دقائق من الانطلاق بالسيارة في الشوارع الرئيسية .. وصل مازن اخيرا الى المشفى.. فأوقف سيارته على عجل في احد المواقف.. واخرج مقعد ملاك من صندوق السيارة.. وقال لمها التي كانت تهم بالخروج من السيارة: ساعدي ملاك في الجلوس على مقعدها .. ريثما اذهب للسؤال عن عمي بالاستقبال..
تابعته مها بنظراتها وهو يتجه الى داخل المشفى..وخرجت من السيارة لتخرج مقعد ملاك وتساعدها في الجلوس عليه.. ومن ثم تدفع مقعدها الى الداخل..
كانت ملاك صامتة بشكل غريب.. خوفها على ابيها وهي تشعر انها على بعد خطوات منه.. جعلها تصمت وتغرق في حالة خوف وتفكير..واما من جانب مها.. فقد كانت تبحث عن مازن بعينيها في ردهة الاستقبال..حتى لمحته.. والتفت لها هو بدوره بعد ان انتهى من الحديث الى الموظف.. واشار لهم بأن يتبعانه..
لحقت به مها وهي تدفع مقعد ملاك و تسير بين ممرات المشفى ومن ثم صعدوا جميعهم بالمصعد الى الطابق الثالث.. وهنا تحدثت ملاك قائلة وهي ترفع رأسها الى مازن: ما هو حال ابي؟ ..
ارتبك مازن قليلا ومن ثم قال: لقد سألته عن رقم الغرفة التي بها والدك .. ومنحني اياها..لم اساله عن أي شيء آخر..
تطلعت له مها بشك.. فالارتباك كان واضحا بملامحه وكذلك صوته.. واخيرا فتح باب المصعد فخرجوا منه جميعا .. وهنا فقط شهقت مها بقوة.. فالتفت لها مازن بنظرة عتاب ..فحاولت ان تبدوا طبيعية وهي تدفع مقعد ملاك مرة اخرى.. فالسبب الذي جعلها تشهق بتلك القوة.. كانت اللافتة التي قرأتها عندما دخلت الى الطابق.. (قسم العناية المركزة)..
واشار مازن الى غرفة مجاورة تحمل الرقم 201 وقال: سأتصل بوالدي.. لابد ان يعلم.. وانت يا مها ادخلي معها الى داخل الغرفة لترى والدها..
اخذت ملاك تتنفس بصعوبة.. سترى والدها.. ستراه.. كيف هي احواله؟.. هل هو بخير؟.. لو كان بخير.. لم أتوا به الى هنا؟..شعرت ببرودة تسري باطرافها وسمعت مها تقول في تلك اللحظة: لا استطيع.. انا خائفة..
قال مازن وهو يتطلع لها بلوم: مها لا تخيفي ملاك.. خذيها الى الداخل..
ولما لم يجد منها ردا .. قال وهو يمط شفتيه: فليكن سآخذها أنا .. واتصلي انت بوالدي وكمال لتبلغيهما بما حدث..
اومأت مها برأسها.. في حين اخذ مازن يدفع مقعد ملاك.. وفي ذات اللحظة خرجت الممرضة من غرفة خالد وقالت وهي تتطلع اليهم: ماذا تريدون؟..
اشار مازن لملاك وقال: انها ابنته وتريد ان تراه..
قالت الممرضة بحزم: شخص واحد فقط من سيدخل..
قال مازن بهدوء: فليكن.. ادخلي انت يا ملاك..
التفتت ملاك الى مازن وقالت بصوت خافت: لا استطيع دفع عجلات المقعد.. يداي ترتجفان..
تطلع مازن للمرضة وهو يطلب منها بعينيه ان توافق على دخوله معها.. فقالت بعد ان تفهمت الموقف: اوصلها الى حيث والدها ومن ثم غادر الغرفة.. فهو ليس في حالة تسمح له بالحديث..
اتسعت عينا ملاك وراقبت الممرضة وهي تغادر.. ماذا تعني؟ .. لم قالت انه ليس في حالة تسمح له بالحديث؟.. هل حالته خطيرة الى هذه الدرجة؟.. لم يمهلها مازن وقتا لتتسائل.. فقد ادخلها على الفور الى تلك الغرفة المظلمة التي ينيرها ضوء خافت فحسب.. وساكنة الا من صوت جهاز ضربات القلب..واقترب بها من سرير ابيها وهنا فقط عادت الدموع لتتجمع في عيني ملاك وهي ترى رأس ابيها محاط بالضمادات وجهاز التنفس موصول الى انفه.. والمغذيات قد وصلت الى ذراعيه.. والتفتت الى مازن لتقول ودموعها تسيل على وجنتيها: ماذا به ابي؟..
لم يجبها مازن وازدرد لعابه .. فالتفتت ملاك الى ابيها دون ان تنتظر اجابة من مازن.. ومن ثم التقطت كف والدها وضغطت عليها وهي تقول بصوت باكي: ابي .. انهض.. انا ملاك..صغيرتك.. قد جئت الى هنا لأجلك..هيا انهض..
تساقطت دموعها على كفه وقالت وهي تحاول منع شهقاتها: ابي لماذا لا تجيبني؟.. لا اريد شيئا.. صدقني لا اريد.. لا اريد هاتفا .. لا اريد زيارة منزل عمي.. فقط اريد ان اراك بخير .. اريد ان ارى ابتسامتك.. ارجوك يا ابي.. انهض وتحدث الي .. الى متى ستظل صامتا هكذا؟..
هبط مازن الى مستواها وقال وهو يتنهد: ملاك .. اهدئي.. والدك بحاجة ماسة الى الراحة الآن.. دعيه يرتاح قليلا..
قالها ووضع كفه على كتفها .. فالتفتت له ملاك وهزت رأسها نفيا ومن ثم قالت : لن اتركه.. حتى يعود معي الى المنزل..
والتفتت عنه لتتطلع الى والدها بحب.. ومن ثم تقبل كفه ودموعها لا تزال تبللها..و...
شعرت فجأة بأنامل كف والدها تتحرك..فتطلعت اليه بلهفة وهتفت قائلة: انهض يا ابي.. هذه انا ملاك..
فتح خالد عينيه اخيرا وهمس باسمها قائلا: ملاك..
اسرعت تقول بلهفة وهي تمسح دموعها: اجل ملاك يا ابي.. ملاك ..
اما مازن فقد تطلع الى الموقف مدهوشا.. فحسبما قال له موظف الاستقبال انه لن يفيق الا بعد ان يجروا له عملية نقلة دم.. فقد فقد كمية كبيرة من االدماء في الحادث.. قدتأثر عليه بشكل سلبي.. ولكن قد يكون الموظف مخطئ.. فما ادراه بحالة عمه.. وقال بابتسامة باهتة: حمدلله على السلامة يا عمي..
قال خالد وهو يلتفت الى مازن ويقول بصوت ضعيف: منذ متى وانا هنا؟..
قال مازن بهدوء: منذ ساعة ونصف..
شعر خالد بصداع عنيف يكتنف رأسه .. وهم بقول شيء ما .. لولا ان رأى اشخاص تدخل الى الغرفة.. وسمع صوت امجد وهو يقول: كيف هو حال خالد الآن؟..
اجابه مازن قائلا: لقد افاق منذ قليل.. ولكنه بحاجة الى عملية نقل دم..
قال امجد بعصبية: وفيم التأخير؟..
واسرع يلتفت الى كمال الذي كان يقف عند باب الغرفة مع مها: كمال اذهب لتتحدث الى الطبيب وتسأله عن سبب التأخير ..
اومأ كمال برأسه ايجابيا.. واسرع يبتعد.. في حين قال خالد بصوت خافت وهو يتطلع الى ملاك: اعذريني يا صغيرتي.. لكن هاتفك تحطم اثناء الحادث.. لقد اشتريته لك صباحا..
اسرعت ملاك تقول باكية وهي تضغط على كفه بكل قوة: قليذهب الهاتف الى الجحيم.. لا اريد شيئا يا ابي.. لا اريد سوى ان تعود معي الى المنزل.. وتكون بخير..
قال خالد بشحوب: ولكن يبدوا ان رغبتك الاخرى ستتحقق ..
والتفت الى امجد ليقول بصوت واهن: اعتني بها جيدا يا امجد.. انها امانة في عنقك.. سواء بقيت حيا او فارقت الدنيا..
هتفت ملاك بانفعال وهي تهز رأسها نفيا: لا تقل هذا يا ابي.. انت ستعيش.. ستحيا.. وستقول لي صغيرتي كما اعتدتها دوما منك.. وستمسح دموعي اذا ما بكيت..وستضحك معي اذا ما فرحت..ستعود معي يا ابي.. ستعود..
ابتسم والدها لها ابتسامة شاحبة ومن ثم قال متحدثا الى مازن: ملاك امانة في عنقك يا مازن.. دافع عنها ان حصل لي مكروه..
قال مازن في سرعة: لا تتعب نفسك بالحديث يا عمي.. ثم ان ملاك هي ابنة عمي.. ومن واجبي حمايتها..
قال خالد بصوت خافت: انا اعتمد عليك في ذلك..
ومن ثم تطلع الى مها التي تقترب منهم وقال وهو يشعر بالصداع يتضاعف ويكاد يفقده وعيه: مها.. ملاك تحبك كما لو كنت اخت لها.. فعامليها بالمثل..
لم تستطع مها التفوه بحرف واحد واكتفت بهز رأسها وهي تشعر بغصة المرارة تملأ حلقها..واخيرا التفت خالد الى ملاك.. وشعر انه قد وصل الى قمة اعياءه.. وقال بصوت اقرب الى الهمس وبالكاد يسمع: ستكونين بخير.. معهم .. باذن الله.. يا .. صغيرتي..
واغمض عينيه ليغط في عالم اللاوعي..في حين وضعت ملاك كفها على شفتيها وقالت وهي تهز رأسها بصدمة: لا .. لا .. ابي انت بخير.. ستنهض.. انهض يا ابي.. لقد وعدتني ان تكون معي دائما.. فلم تخلف بوعدك الآن؟..
اسرع امجد يضع يده على كتفها ويضغط عليه برفق ويقول بابتسامة شاحبة: اهدئي يا ملاك.. فبعد ان يتم نقل الدم له.. سينهض والدك وسيكون بخير.. ادعي له فقط..
عضت ملاك على شفتيها بالم.. وسالت دموعها التي احرقت جفنيها من كثرة بكاءها.. واخيرا وصل كمال الى الغرفة وقال : لقد تحدثت الى الطبيب المعالج.. كان سبب تأخيرهم هو عدم وجود كمية كافية من فصيلة الدم لعمي.. ولكني اجريت الفحوصات لأرى ان كانت فصيلتي مطابقة له.. وبعدها سيتم اجراء عملية نقل الدم له..
كانت الثانية التي تمضي عليهم اشبه بالساعة.. وهم يرون الممرضات يدخلون الى الغرفة.. ويطلبون منهم الانصراف ..لينتظروا في الممر.. الصمت كان سيد الموقف.. الا من صوت شهقات ملاك..واخيرا ظهرت نتيجة التحاليل.. بأن فصيلة كمال مطابقة ويمكنهم اجراء عملية نقل دم له على الفور ..
كان مازن يتطلع الى ساعته في كل لحظة.. ومها تحاول التخفيف عن ملاك بشتى الطرق والوسائل.. اما امجد فقد كان يتطلع الى غرفة العمليات ويترقب خروج الطبيب المعالج في أي لحظة.. واخبارهم بأن العملية قد نجحت اخيرا..ولكن الطبيب تأخر.. ثلاث ساعات مرت اشبه بالدهر.. والطبيب لم يخرج بعد.. وكمال يمسك بذراعه في صمت ومن ثم يتطلع الى ملاك بنظرات صامتة.. ملاك التي لم تكن منتبهة لأحد في تلك اللحظة..
وانفتح باب حجرة العمليات بغتة.. ليخرج منه الطبيب وملامحه جامدة.. فاسرع امجد يتوجه له ويقول بلهفة وقلق: كيف حال خالد يا ايها الطبيب؟.. اخبرني.. طمأني عليه..
تنهد الطبيب ومن ثم قال: العملية نجحت..
ابتسامة شقت الشفاه سرعان ما اختفت عندما اردف الطبيب وهو يزدرد لعابه: ولكن الحادث سبب له ضربة قوية برأسه ..كانت السبب في ما هو عليه الآن..
قال امجد بتوتر: ما الذي حدث له؟..
قال الطبيب وهو يتطلع له بنظرات مشفقة: لقد سقط في غيبوبة ..
اتسعت عينا امجد بقوة.. وقال بدهشة: ماذا؟.. لقد كان يتحدث معنا قبل قليل.. أي هراء تتفوه به؟..
قال الطبيب بصوت خافت: ذلك لأنه لم يكن تحت تأثير الغيبوبة بعد.. لكنها الآن قد سيطرت عليه.. واتمنى ان ينهض سريعا منها.. ادعو له بالشفاء..
اسرع كمال يسأله قبل ان يغادر: ما المدة التي يمكن ان يقع تحت تأثير الغيبوبة فيها؟..
هز الطبيب كتفيه ومن ثم قال بأسف: لا احد يعلم.. ربما يوم.. وربما اسبوع او شهر.. وحتى سنة..
وهنا فقط صرخت ملاك هاتفة: مستحيل.. مستحيل.. كل هذا كابوس..ابي بخير.. انت تكذب.. وجميعكم تكذبون.. ابي بخير.. لن يحدث له شيء.. سيعود معي.. اتفهمون؟.. ابي بخير..
هبط مازن الى مستواها وقال بألم: ملاك اهدئي ارجوك..
قالت ملاك بانفعال: لن اهدأ.. انتم تكذبون.. اعيدوا لي ابي.. اعيدوه.. اريد ابي..
كان صوت صراخها يتعالى ويكاد يملأ ارجاء المشفى وقد بدت في حالة هستيرية جعلت دموع مها تسيل خوفا على ملاك.. وحزنا على ما اصاب عمها.. وفي لحظة اجتمعت الممرضات حول ملاك.. ليحملنها بالقوة ويضعونها على الفراش المتحرك وهي تقاومهم بعنف.. وصوت مازن يقول بحدة: اياكم ان تأذوها .. اتفهمون..
هتفت احدى الممرضات بعصبية: ارجوك لا تتدخل .. ستصاب بانهيار عصبي لو لم نحاول ان نمنحها منوما الآن..
اتسعت عينا مازن ورآهم يدخلونها الى احد الغرف الجانبية.. وتسرع احدى الممرضات باعداد المحقن لها.. وملاك لا تزال تصرخ: دعوني اريد ان ارى ابي.. دعوني.. انتم لاتفهمون ..
خفت صوت ملاك فجأة وتثاقل جفناها وهي تراقب مازن يتقدم منها وفي عينه نظرة مبهمة وقالت برجاء:مازن.. دعهم يأخذوني الى ابي..اريد ان اراه.. اتوسل اليك..مـاز...
تثاقل جفناها وانتشر المخدر في جسدها كله لتغمض عيناها بالرغم منها .. وهمست قائلة وهي تتطلع الى آخر مشهد رأته عيناها قبل ان تفقد الوعي: ارجوك.. يا مازن..
همست بها واغمضت عيناها.. لتغيب عن الواقع المر الذي تحياه .. ومن صدمات القدر المتكررة لها..وتطلع لها مازن بألم .. ومن ثم اقترب منها ليمسح على شعرها بكل حنان.. واعتصرت قبضة باردة قلبه.. وهو يراها غائبة عن الوعي ..ووالدها في قد سقط في غيبوبة ..الله تعالى وحد من يعلم .. متى يستيقظ منها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء السادس عشر
"عودة"
فتحت ملاك عيناها فجأة.. وعادت لتسبل جفنيها عندما آذاها ضوء الشمس المنبعث من النافذة.. ولوهلة كانت ستنادي نادين لتعد لها الفطور.. ولكن ذكرى الامس مرت على ذهنها بسرعة خاطفة.. جعل ملامحها تتقلص.. وخفقات قلبها تتوتر. . اما حدث بالامس كان حلما؟؟..
كانت ستأكد لنفسها ذلك لولا ان فتحت عينيها واستغربت المكان التي هي فيه..وعقدت حاجبيها وهي ترى نفسها تنام في غرفة اشبه بغرف المستشفيات..ما الذي جاء بي الى هنا؟ ..
وبغتة عاد اليها صفاء ذهنها.. وتذكرت ما حدث.. تذكرت الامس.. تذكرت اصعب يوم مر عليها في حياتها.. هل كان يوما حقا؟.. خالته عاما.. دهرا..من المستحيل ان يكون ما مر عليها بالامس من احداث هي ساعات فحسب ..
عادت الدموع لتتجمع في عينيها من جديد.. الم تمل من البكاء؟ .. الى متى ستظل تبكي؟.. وهل ستعيد لنا الدموع من فقدناه يوما؟.. قلبها يبكي بدموع من دم.. وعيناها ذرفت بحورا من الدموع..وهي تحاول ابعاد ذكرى الامس عن ذهنها.. كلماته لا تزال عالقة في ذهنها.. وكأنه كان يشعر بأنه سيتركها وحيدة.. فقد وصى الجميع عليها..
آه يا ابي.. العالم كله لا يعوضني دقيقة واحدة اقضيها معك.. اين انت عني الآن ؟.. تركتني وحيدة اصارع العالم وحدي .. كيف لفتاة مثلي ان تواجه كل هذه الطعنات المتكررة من القدر؟.. يا رب.. ارحني من هذا العذاب.. واشفي ابي ..
(قد تجعلنا المصائب نبدوا في عمر اكبر من عمرنا الحقيقي) .. يبدوا وان هذه المقولة صحيحة.. اشعر بأني امرأة تجاوزت الثلاثين.. تحمل على كاهلها هموم الحياة ومصاعبها..اين انت يا ابي الآن؟.. اين انت؟..
عادت الدموع لتسيل على وجنتيها بصمت.. وراودها سؤال وهي في حالها تلك.. الا تجف الدموع ابدا؟.. لو كانت الدموع تجف.. لجفت دموعها منذ زمن.. تشعر بتقلصات في معدتها.. هل هو الخوف على ابيها ام هو القلق من المستقبل المجهول الذي ينتظرها؟..
تلفتت حولها بألم وشاهدت في تلك اللحظة فقط.. مها وهي تعقد ذراعيها امام صدرها وتجلس على مقعد مجاور لفراشها وتغط في نوم عميق..يبدوا وكأنها تشعر بالبرد.. منذ متى وهي هنا؟.. اخذت تراقبها للحظة.. ولكن انطلق رنين هاتف مها المحمول فجأة محطما سكون الغرفة.. ليجعلها تغمض عينيها لتتظاهر بالنوم.. ولتهرب من الواقع ايضا..
اما مها.. فقد انتفضت فجأة عندما انطلق صوت رنين هاتفها.. وجعلها تفتح عينيها بكسل.. وتبحث عنه في حقيبتها.. وهي تشعر بأن ظهرها يؤلمها بسبب نومها على المقعد.. لقد كان يفترض بها ان تبقى الى جوار ملاك.. فقد كانت حالتها لا تبشر بخير.. وحتى اذا استيقظت منتصف الليل فزعة على والدها.. تكون مها على الاقل الى جوارها.. ولكن عيناها خانتاها.. وتثاقل جفنيها لتغط في نوم عميق دون شعور.. لقد كانت ليلة ليلاء بالفعل بعد كل ما حدث لعمهم ولملاك..
اسرعت تلتقط هاتفها من حقيبتها .. وتجيبه بصوت هامس حتى لا توقظ ملاك من نومها كما تظن: من؟..
جاءها صوت حسام وهو يقول بدهشة: من؟.. اول مرة تجيبين علي بهذه الطريقة يا مها.. خلتك رأيت رقم هاتفي..
فركت مها عينيها بتعب وقالت: لقد كنت نائمة..
عقد حسام حاجبيه وتسائل قائلا: الى الآن؟.. حتى الجامعة لم تحضريها اليوم.. ماذا بك؟.. هل انت مريضة؟..
اسرعت مها تقول: لا لست مريضة.. ولكنها ظروف.. ظروف طارئة اجبرتني على التغيب هذا اليوم..
قال حسام متسائلا: اقلقتني يا مها.. ماذا حدث؟..
ترددت مها للحظة ومن ثم قالت وهي تتنهد: عمي خالد.. لقد اصيب بحادث هذا اليوم.. وسبب له غيبوبة مفاجأة..
وعلى الرغم من ان ملاك تدرك الواقع لم تحتمل سماع مثل هذه العبارات التي تذكرها بما اصاب ابيها.. مما جعلها تضع كفها على شفتيها لتمنع شهقة كادت ان تفلت من بين شفتيها.. واشاحت بوجهها بعيدا لتكمل نحيبها الصامت..
اما مها فقد شعرت بحركة ملاك.. ولكنها ظنت انها تتحرك اثناء نومها..وعلى الطرف الآخر قال حسام بصدمة: عمك خالد؟.. والد ملاك؟..
- اجل هو..
واردفت بمرارة: ومنذ ان علمت بالامر.. حتى اصابتها حالة هستيرية.. جعلها تملأ اروقة المشفى صراخا.. واضطرت الممرضات لاعطائها منوما.. تفاديا لأية مضاعفات..
عضت ملاك على شفتيها في تلك اللحظة.. وهل يكفي الصراخ ؟.. هل تكفي الدموع؟.. لأعبر عن مكانة ابي في قلبي..
قال حسام متسائلا: وكيف حالها الآن؟..
قالت مها وهي تتنهد: لا تزال نائمة.. لا اعلم ما الذي سيحدث ان استيقضت وادركت بما حدث؟..
التقطت ملاك انفاسها بصعوبة..نائمة؟؟.. النوم راحة يا مها .. ولست املك هذا الاخير ..وقال حسام في تلك اللحظة: اهتمي بنفسك جيدا يا مها.. وكذلك بملاك.. عند اول فرصة اجدها سآتي الى المشفى.. سلامتهم جميعا..
قالت مها بشحوب: لا داعي لأن تتعب نفسك .. جميعنا معها.. ابي الوحيد الذي غادر قبل قليل فقط لأن لديه عمل هام.. كمال ومازن هنا ايضا.. غادرا الى المنزل ليناما بضع ساعات وعادا من جديد..
قال حسام مشفقا: وانت؟..
رفعت حاجبيها وقالت بحيرة: ماذا بي؟..
قال حسام بصوت حاني: لم ترتاحي منذ الامس..
اسرعت مها تقول: لقد كنت نائمة مع ملاك..
- اين؟..
قالت بحيرة: على المقعد ..
قال حسام وهو يبلل شفتيه بطرف لسانه: ولم لا تعودين الى المنزل وترتاحي قليلا؟..
- وملاك؟.. من سيبقى معها؟..
عقد حسام حاجبيه وقال: الم تقولي ان كمال ومازن موجودين معها؟..
قالت مها مجيبة: بلى.. ولكنهم لن يستطيعوا التصرف مع ملاك .. مثل ما سأفعل.. فأنا فتاة مثل ملاك وافهمها جيدا..
قال حسام مداعبا فقط ليخرج مها من حالة الحزن الذي يسمعها في صوتها: تبدين لي احيانا فتاة طيبة..
قالت مها بضيق: حقا؟.. هل ابدوا لك شريرة الى هذه الدرجة؟ ..
- احيانا فقط..
ابتسمت مها ابتسامة شاحبة عندما علمت من نبرة صوته انه يمازحها ليس الا وقالت: حسنا اذا.. سأغلق الهاتف الآن حتى تعلم كم انا شريرة..
قال مبتسما: جيد انك اعلمتني.. وان كنت ستظلين في نظري مها الطيبة والرقيقة مهما فعلت..
قالت مها بارتباك: حسام.. هل لي بسؤال؟..
كادت ان تسأله عن سبب اختلاف تصرفاته معها في الآونة الاخيرة.. وسبب حديثه المهتم بها.. ولكن قدوم مازن المفاجئ الى الغرفة.. جعلها تشعر بالخجل من التحدث امامه.. وتقول بهدوء: سأتحدث اليك فيما بعد يا حسام.. الى اللقاء..
- كما تشائين.. واذهبي الى المنزل لترتاحي قليلا كما طلبت منك..مع السلامة..
اما مازن فقد قال ساخرا وهو يراها تعيد الهاتف الى حقيبتها: الا يمل من مغازلتك يوميا ؟..
قالت مها بحدة: حسام لا ينطق بكلمة غزل واحدة عكسك تماما .. فأنت الذي...
وضع كفه على شفتيها ليصمتها وقال بصوت خافت: اصمتي.. ملاك نائمة.. ستوقظينها بصراخك هذا..
وابعد كفه عن شفتيها وقال متسائلا: كيف حالها؟..
قالت مها وهي تزفر بحرارة: كما تراها.. لقد ظلت نائمة طوال الليل والى الآن.. وكأنها لا تريد ان تستيقظ وتدرك ما حدث..
اغمضت ملاك عينيها بقوة ..ادركته يا مها وانتهى الامر.. وقال مازن في تلك اللحظة: اخشى ان مكروها قد اصابها..
واسرع يقترب منها ويتطلع اليها.. لقد كان يبدوا له تنفسها طبيعيا تماما.. وان كانت الدموع لم تجف بعد من على وجنتيها ..وقال مستطردا: انها تتنفس.. ولكن لم هي نائمة الى الآن؟ ..
هزت مها رأسها وقالت : لست اعلم..
اسرع مازن يقول: سأنادي الطبيب.. لعله يعلم ما بها..
اسرع يبتعد عن فراش ملاك.. وهذه الاخيرة تتابع خطواته.. وقالت فجأة بصوت خافت جدا: لا داعي..
لم يسمعها مازن.. ولكن مها سمعتها.. وجعلها تقول متحدثة الى مازن: انتظر لحظة..
التفت لها مازن مستغربا.. ورآها تقترب من سرير ملاك وتقول وهي تتطلع اليها بابتسامة مرتبكة: ماذا قلت يا ملاك؟.. هل استيقظت ام انني اتوهم؟..
فتحت ملاك عينيها وادارتهما فيما حولها بلا شعور ومن ثم قالت بصوت خافت: قلت لا داعي..
ابتسمت مها ابتسامة واسعة وقالت وهي تحتضن كفها: حمدلله على سلامتك يا عزيزتي.. اخفتنا عليك كثيرا..
اسرع مازن يقترب بدوره منها ويقول مبتسما: ما هذا يا ملاك؟ .. اكل هذا نوم؟.. الم تنامي منذ اسبوع؟..
طالعته مها بنظرة.. بأن هذا ليس وقته.. ولكن ملاك لم تهتم باجابته.. واكتفت بأن تطلعت اليه ومن ثم انزلت عينيها بلا اهتمام..وارتفع حاجبا مازن بدهشة من نظرات ملاك نحوه.. فبعد ان كان يرى في عينيها اللهفة والخجل حين تراه.. يرى الآن اللامبالاة.. ربما مها معها حق.. ليس هذا وقت المزاح ابدا ..
فتح الباب في تلك اللحظة.. والتفت مازن الى القادم وقال مبتسما: اقترب يا كمال.. لتوها فقط قد نهضت..
اقترب كمال من فراش ملاك.. وتطلع اليها بنظرة غامضة ومن ثم قال بابتسامة: حمدلله على سلامتك يا ملاك..
لم تجبه ملاك وظلت صامتة.. تبادلوا جميعا نظرات الاستغراب فيما بينهم..ولكن مها ادركت ان الصدمة التي واجهتها بالامس اقوى من ان تجعلها تتقبل أي شيء بسهولة.. حتى الحديث مع الناس..
وقالت مها متحدثة وهي تحاول جذبها الى الحديث: اتريدين شيئا يا ملاك؟..
هزت ملاك رأسها نفيا بصمت.. وقالت مها مردفة: ما رأيك ان اعدل لك من وضع الفراش.. حتى ترتاحي في جلوسك؟..
لم تعلق ملاك ولو بحرف وظلت على وجومها ذاك.. وكل ما فعلته انها اخذت تداعب قلادتها.. وتعض على شفتيها بالم ومرارة وحزن عميق.. لا يزال ابيها يحتل القلب وسيظل ..وقال مازن وهو يبحث عن أي موضوع للحديث: لا بد انك جائعة.. سأذهب لأطلب من احدى الممرضات ان تحضر لك اشهى طعام بالمشفى بأكمله..
التفتت مها الى مازن وقالت بابتسامة شاحبة: لم اكن ادرك ان لديك وساطة قوية في المستشفيات ايضا..
غمز مازن بعينه وقال : ها انتذا علمت..
لديهم رغبة في الحديث.. في المزاح.. في الابتسام ..كيف؟ .. اخبروني بالله عليكم كيف؟ ..ربما لانكم لا تكننون لأبي سوى مشاعر قرابة.. وشعور بالواجب تجاهه.. لا تشعرون بكل هذا العذاب الذي اشعر به.. لا تشعرون بالآلام التي تجعلني اكره الحياة.. ذلك لانكم لم تعرفوه عن قرب كما عرفته.. لم تعيشوا معه.. لم تعرفوه الا منذ عشرة ايام تقريبا.. اما انا فأعرفه منذ ثمانية عشرة عاما.. لا تلوموني ان صمت.. وكرهت التحدث اليكم.. لا تلوموني ان آثرت الانطواء على نفسي.. فكل من بقي لي في هذا العالم هو ابي .. وابي قد تركني وحدي.. تركني اعاني كل هذا وحدي...
كانت عيناها الدامعتان تتطلعان الى مها.. وتحاولان ان تشرح لها كل ما يدور بخلدها.. فقالت مها وهي تربت على كتفها: لا عليك يا ملاك..افعلي ما شئت.. نحن نعلم جيدا انه والدك وتحبينه اكثر من العالم كله.. ونعلم ان الصدمة كانت قوية بالنسبة لك.. ولكن كل ما نطلبه منك هو الصبر والايمان.. لا تضعفي.. تمسكي بأمل ان ينهض والدك من غيبوبته يوما.. وعندها ستشعرين بالراحة قليلا.. بدلا من ان تعيشي في هذا العذاب..
عاد مازن في تلك اللحظة وهو يقول للمرضة: ضعي الطعام على الطاولة.. وصدقيني ستصلك الاطباق خالية بعد قليل.. فلا ريب ان ملاك ستلتهم كل شيء من شدة جوعها..
بل لا شيء!.. لا اريد شيئا.. من لديه رغبة في شرب كأس من الماء فحسب بعدما حصل..حركت مها الطاولة قليلا.. ووضعتها امام ملاك التي تطلعت الى الاطباق بلامبالاة.. ومن ثم اشاحت بوجهها بعيدا.. فقالت مها بحيرة: لم لا تأكلين؟.. انت لم تتناولي شيئا منذ الامس..
هزت ملاك رأسها نفيا وكأنها تعلن رفضها عن تناول أي شيء..فأردفت مها قائلة: لقد اخبرنا الاطباء بأنك بحاجة الى التغذية.. فجسمك ضعيف جدا..
وقالت الممرضة التي لم تغادر الغرفة بعد: يجب عليك ان تتناولي شيئا يا آنسة ملاك.. قهذا سيؤثر بالسلب على صحتك..
تطلعت لها ملاك بنظرة خاوية..ومن ثم عادت لتداعب قلادتها من جديد.. وقال مازن باصرار: تناولي شيئا يا ملاك.. لا تكوني عنيدة هكذا..
تطلعت له ملاك وقالت بحدة: لا اريد..
قال مازن وهو يبتسم بزاوية فمه: واخيرا تحدثت.. يالك من عنيدة.. ولكن مع هذا.. لن اتراجع عن ما قلته.. فستتناولين طعامك كله وذلك...
فجأة صرخت ملاك قائلة بانفعال وهي تزيح الاطباخ كلها من على الطاولة : لا اريد شيئا..لا اريد..
تحطمت الاطباق بدوي مزعج وتناثر الطعام والشراب على ارضية الغرفة..وتطلع الجميع الى الموقف مدهوشين.. ومها قد اتسعت عيناها وشهقت بقوة عندما رأت ما حدث.. فقد استغربت هذا التصرف العنيف من فتاة رقيقة كنسمة الهواء مثل ملاك..واردفت ملاك بانفعال اكبر: فقط دعوني وحدي .. اخرجوا جميعا.. اريد البقاء وحدي.. لا اريد احدا هنا.. اخرجوا.. لا اريد ان اراكم.. اريد ابي.. احضروا لي ابي.. اريد ان اراه.. اعيدوه الي..
اسرعت الممرضة تعد محقنا مهدئا في تلك اللحظة .. فقال مازن بسرعة: اياك وان تعطيها محقنا آخر من هذا المهدئ اللعين ..
قالت الممرضة وهي تشير الى ملاك التي تصرخ بقوة وتردد بأنها تريد ابيها: الا ترى حالتها؟.. قد تنهار في اية لحظة..
قال مازن بحدة وهو يبعد يد الممرضة الممسكة بالمحقن: والا تعرفين ايتها الممرضة التي تعملين هنا ربما لسنوات.. بأن اعتيادها على هذه المهدئات قد يجعل جسدها ينهار.. لا شأن لك انت.. انا سأتصرف..
قالت الممرضة بضيق: تصرف انت.. وانا اخلي مسؤوليتي ان اصابها شيء..
واسرعت تغادر الغرفة بحنق.. فابعد مازن مها المذهولة عن فراش ملاك وتقدم منها ليهتف بحدة: اصمتي يا ملاك.. قلت لك اصمتي ..لا داعي لكل هذا الصراخ..لتخبرينا بأنك تودين منا الخروج وتودين رؤية ابيك..
قالت ملاك وهي تهتف بحدة وانفعال: لماذا لا تزالون هنا اذا؟.. اخرجوا.. لا اريد ان ارى احد هنا.. غادروا حالا.. لا اريد رؤيتكم..
قالت مها في تلك اللحظة بخوف: لماذا جعلت الممرضة تنصرف يا مازن.. كيف سنتصرف نحن معها الآن؟..
التفت مازن الى مها وقال بحدة: اصمتي انت الاخرى ايضا..
وامسك بغتة بكتفي ملاك ليهزها بقوة ويهتف فيها قائلا: اهدئي يا ملاك.. وكفي عن صراخك.. سنفعل كل ما تريدينه فقط اهدئي..
عقد كمال ذراعيه امام صدره وقال ببرود: اتظن انك بهذه الطريقة ستهدئ من صراخها حقا؟..
تجاهله مازن وقال مواصلا وهو يخفف من نبرة صوته: اخبريني بما تريدين بهدوء.. وسنفعله في الحال..
توقفت ملاك عن هتافها المنفعل حقا.. واغرورقت عيناها بالدموع لتقول بصوت مختنق: اريد ابي.. اريد ان اراه..
قال مازن بابتسامة شاحبة: سآخذك اليه بنفسي ان اردت..
قالت ملاك غير مصدقة: حقا؟..
اومأ مازن برأسه وقال: اجل.. ولكن بشرط.. ان تتناولي من الطعام ولو القليل.. فأنت لم تتناولي شيئا منذ البارحة..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا اريد..
ابتسم مازن وقال: عدنا للعناد مرة اخرى.. على الاقل اشربي العصير.. موافقة؟..
اومأت ملاك برأسها وهي تمسح دموعها .. فابتسم مازن وهو يترك كتفيها.. فقالت وهي ترفع رأسها له: وستأخذني الى ابي بعدها؟..
- اجل وخذيها وعدا مني..
والتفت الى مها ليقول مبتسما: اطلبي من أي من الممرضات احضار عصير البرتقال الطازج الى ملاك..
اومأت مها برأسها.. وهي في حيرة من امرها مما حدث.. لماذا تحدثت الى مازن بالذات بينما كانت تصمت عن الجميع؟.. لماذا هدأت عندما تحدث اليها مازن؟.. ألمازن كل هذا التأثير عليها؟.. لو كان كذلك.. فهي غارقة في حبه حتى اذنيها.. لم اتوقع يوما ان ملاك ستحب .. ومن ؟.. مازن.. صاحب التجارب العاطفية .. والذي لديه من بدل الفتاة مائة .. لا استطيع سوى ان اقول..اتمنى ان يكون الله في عونك يا ملاك .. ويجعلك يا مازن تقدر هذا الملاك الذي منحتك قلبها ...
وعلى الطرف الآخر عقد كمال حاجبيه بشك.. وهو غير مصدق ان مازن قد تمكن من امتصاص غضب وانفعال ملاك بهدوءه.. في حين التفت له مازن ورفع حاجبيه وشبح ابتسامة يتراقص على شفتيه.. وقال: ماذا كنت تقول قبل قليل؟..
طالعه كمال بنظرة ضيق.. لم يأبه بها مازن وهو يتحدث الى ملاك التي كانت تتطلع من النافذة بشرود: ملاك.. انت تعلمين انك ستعودين الى منزلنا بعد خروجك من هنا اليوم .. صحيح؟ ..
قالت ملاك وهي تلتفت اليه: سأخرج من هنا اليوم؟..
اومأ برأسه ايجابيا.. فأسرعت تقول برجاء: ولكن ليس قبل ان ارى ابي..
قال بابتسامة باهتة: لا تقلقي.. لن نغادر المكان قبل ان آخذك الى والدك.. لتريه وتتحدثي اليه..
قالت ملاك وغصة مرارة تملأ حلقها: وهل سيسمعني ان تحدثت؟ ..
قال مازن وهو يهز كتفيه: ربما من يدري..
واردف بهدوء: وغرفتك التي بمنزلنا لم يتغير فيها شيء.. وكأنك لم تغادريها.. وها انتذا ستشرفينا بجلوسك معنا من جديد..
صمتت ملاك ولم تعلق.. في حين احضرت مها في تلك اللحظة كأس من العصير.. وطبق من الفاكهة..لم تلمس ملاك منهم شيئا .. اللهم الا رشفة من العصير..وبعدها تطلعت ملاك الى مازن وفي عينيها رجاء له .. فقال مبتسما: حسنا.. حسنا.. كما وعدتك.. سآخذك الآن الى ابيك.. هل انت مستعدة؟..
اومأت ملاك برأسها في سرعة .. فقال مبتسما وهو يحرك مقعدها المتحرك من فراشها: اذا هيا.. اجلسي لآخذك اليه على الفور..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اغلق فؤاد الهاتف بحركة عصبية.. جعلت عادل يلتفت له ويقول بدهشة: ماذا بك؟..ماذا جرى؟..
قال فؤاد بحدة وعصبية: الاحمق.. الابله.. لم يخبرني بما حدث الا الآن..
ارتفع حاجبا عادل وقال بدهشة: من هو الاحمق؟..وما الذي حدث؟..
قال فؤاد وهو يلوح بكفه بعصبية: ذلك الذي استأجرته لمراقبة خالد.. اتصل الآن ليخبرني انه في اثناء ملاحقته له.. اصطدمت سيارة خالد بسيارة اخرى.. ونقل بعدها خالد الى المشفى ..
قال عادل بصدمة: ماذا تقول؟.. وماذا حدث لخالد بعد ذلك؟ ..
قال فؤاد بضيق: لقد اصيب بغيبوبة..
اتسعت عينا عادل وقال وهو غير مصدق: لابد وانك تمزح..
طالعه فؤاد بضيق ومن ثم قال: لا تقول انك متأثر بسبب ما حدث لخالد..
قال عادل وهو يزفر بحدة: انه شقيقي قبل كل شيء..
قال فؤاد يعصبية: واين كان شقيقك هذا عندما كتب شركته باسم ابنته واملاكه كلها لها؟.. لقد حرمنا من كل شيء بأنانيته.. ومنح ابنته كل شيء..هو لم يهتم بصلة القرابة التي بيننا .. فلم نهتم نحن؟..
واردف غير منتظر اجابة من عادل: وهذا الاحمق الذي استأجرته .. لم يخبرني بما حصل الا الآن.. ذلك لأن الوقت كان متأخرا بالامس عندما حدث الاصطدام وخشى ان يزعجني .. الاحمق..
قال عادل بهدوء: وماذا ستفعل الآن بعد ان اصبحت ملاك فريسة سهلة لك؟..
قال فؤاد بسخط: وماذا افعل بملاك الآن؟.. لقد كنت اريد استخدامها كوسيلة للضغط على خالد.. ولكن الآن خالد راح ضحية غيبوبة لا اعلم متى يستيقظ منها ولا يمكننا الانتظار حتى يستيقظ..
واردف وهو يكور قبضته بغضب: ثم ان ملاك بحكم القانون.. لديها الاهلية التي تخولها لأن تكون وصية عن نفسها .. وهذه هي المشكلة.. لقد اصبح كل شيء في يد ملاك وحدها ..
قال عادل بقلق: هذا يعني ان ملاك وحدها هي من تملك الحق الآن.. في ادارة كل شركات ابيها..واملاكه..
قال فؤاد بعصبية: اجل هذا صحيح.. يالسخرية القدر.. هذه العاجزة تكون مالكة لشركة وعمارتين.. ورصيد كبير في البنك..
قال عادل وهو يزفر بحرارة: اظن ان عليك ان تزيلها من ذهنك .. فلم يعد هناك حل يوصلك لاملاك خالد..
- انت تهذي.. لن اعدم الوسيلة حتى اجعل املاك خالد بين ايدينا..وسأجد هذا الحل قريبا.. فقط انتظر وسترى بنفسك...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
مثل ما دخلتها اول مرة.. شاحبة .. صامتة..بنظرة الحزن التي تملأ عينيها.. والالم والخوف يعتصران قلبها.. وان اختلف شيء فهو انها تعرف وضع ابيها هذه المرة..
ورفعت عيناها لما حولها.. حتى الغرفة لم يتغير فيها شيء ..الضوء الخافت وصوت جهاز ضربات القلب يتكرر بانتظام..وجسد والدها الممدد على الفراش.. والضماد الذي يلف رأسه.. لم يختلف شيء في الغرفة سوى ان المغذيات والاجهزة قد زادعددها..
والتفتت الى مازن الذي يدفع مقعدها وقالت بصوت متقطع: اتظن انه.. سينهض؟..
قال مازن وهو يبتسم لها ليطمئنها: اجل اظن ذلك.. فقط لا تفقدي الامل..وادعي له دائما بأن يشفى ويعود اليك من جديد..
اومأت ملاك برأسها وقالت بشحوب: وهذا ما افعله..
وعادت لتلتفت الى جسد والدها .. والتقطت كفه بيدها لتقول وهي تحاول منع دموعها من ان تسيل على وجنتيها: ابي.. لا اعلم ان كنت تسمعني ام لا.. المهم انني اريد ان اتحدث اليك .. لقد طلبت مني ان اعود الى منزل عمي وسأفعل بناء على رغبتك.. وانت ايضا..سأطلب منك طلبا واتمنى ان تفعله.. كما كنت تفعل دوما.. فلأجلي كنت تنفذ كل ما اطلبه منك..
ابتعد مازن في تلك اللحظة ليترك الحرية لملاك لتتحدث كما تشاء وجلس في ركن من الغرفة.. في حين اردفت ملاك قائلة ودموعها قد عادت لتتساقط: ارجوك يا ابي قاوم ما انت فيه وعد الي.. احتاج اليك.. اكثر من أي شخص آخر.. لا احتمل فكرة ابتعادك عني.. لا احتمل ان ارااك صامتا هكذا.. لأجلي انهض.. وعد الي من جديد..
قبلت كفه وتنهدت بمرارة.. واخذت تمسح دموعها.. وفوجئت بمازن يقول وهو يمد لها يده بمنديل: خذي امسحي دموعك..
ارتفع حاجبا ملاك بدهشة.. لكنها ما لبثت ان اخذت منه المنديل وقالت بصوت باكي: اشكرك..
قال مازن متسائلا: والآن هل نذهب؟..
القت ملاك نظرة اخيرة على والدها ومن ثم قالت متحدثة الى هذا الاخير: سأعود مرة اخرى يا ابي.. سآتي لزيارتك كل يوم تقريبا.. انتظرني..
قالتها وتركت كفه.. فادار مازن مقعد ملاك ليخرج خارج الغرفة.. والتفتت ملاك مرة اخرى على الرغم منها وهي تتطلع الى جسد اباها الذي اخذ يبتعد تدريجيا.. او بمعنى اصح هي التي كانت تبتعد ..وغادرت في تلك اللحظة الغرفة.. فقالت مها التي كانت تنتظرها بالخارج: اتعلمين يا ملاك كم انا سعيدة لانك ستعودين للعيش معنا..
رفعت ملاك عينيها لمها وكادت ان تهم بقول شيء ما لكنها آثرت الصمت.. لا تريد ان تقول انها ليست سعيدة.. لان السبب الذي اعادها الى منزل عمها يبكيها بدموع من دم ..ووجدت نفسها تهبط معهم بالمصعد الى الطابق الارضي ومن ثم يغادرون المشفى متجهين الى المواقف.. وبعدها انطلقت سيارة مازن بملاك ومها.. اما كمال فقد غادر قبلهم بسيارته ..
وقال مازن وهو يتطلع الى الطريق الممتد امامه: مها اتصلي بنادين واطلبي منها ان تعد جميع حاجيات ملاك.. حتى اذهب الى منزل عمي ليلا واحضر لملاك حاجياتها..
اومأت مها برأسها ايجابيا في حين قال مازن متحدثا الى ملاك: اتريدين أي شيء آخر يا ملاك؟..
قالت ملاك بصوت خافت:احضر نادين معك ان استطعت.. ارغب في وجودها معي..
قال مازن بابتسامة: لا عليك.. من اجلك سأستطيع..
قالت مها متسائلة: وماذا عن الخدم الموجودين بمنزل عمي؟..
قال مازن بهدوء: سأمنحم اجازة مفتوحة.. حتى يتعافىعمي ..
اتصلت مها في تلك اللحظة كما طلب منها مازن بنادين.. واخبرتها بأن تعد جميع حاجيات ملاك.. وكذلك تحضر معها أي اشياء ثمينة تخص عمها خالد كذلك..وعندما سألت نادين عن اخبار سيدها..اخبرتها مها بكلمات مقتضبة بما حصل لهذا الاخير..واخيرا طلبت منها ان لا يعلم احد سواها بما حدث من الخدم..وانهت الاتصال بها ..
والتفتت لمازن لتقول وهي تمط شفتيها: هاقد فعلت.. أي اوامر اخرى.. سيد مازن؟..
التفت لها مازن وقال مبتسما: لا..لو احتجت الى أي شيء آخر سأخبرك..
تطلعت له مها بضيق.. في حين تطلع مازن الى ملاك من مرآة السيارة وقال متسائلا: هه.. ماذا تريدين ان تتناولي على طعام العشاء هذا اليوم؟.. نحن الآن مسئولون عنك.. ويجب ان نهتم بغذائك بدلا من الاطباء والممرضات..
قالت ملاك بصوت خافت: لا شيء..
هز مازن كتفيه وقال: كما تريدين.. ولكن غدا لن آخذك الى المشفى..
هتفت ملاك باستنكار: انت تمزح..
قال في سرعة: ابدا لست كذلك.. ان رفضت تناول طعامك .. سأرفض انا ايضا ان آخذك لتري والدك..
قالت ملاك وهي تلتفت الى مها بتردد: وماذا عن سائقكم يا مها.. سيرفض هو ايضا اخذي لأرى ابي..
قالت مها وابتسامة تتراقص على شفتيها: انا مع مازن.. لن اوافق ان تذهبي الى أي مكان.. قبل ان تتناولي طعامك.. جسدك ضعيف جدا.. وبحاجة ماسة الى الغذاء..
آثرت ملاك الصمت.. من اين تأتيها الرغبة لتناول شيء؟.. كيف تمتلك الشهية لتناول طعامها ووالدها ممدد على فراش بالمشفى؟ .. لا تعلم ان كان يشعر بما حوله وهو في الغيبوبة ام لا ..ولكن عليها ان تتحامل على نفسها قليلا لترى والدها .. قد يمنعها مازن حقا من الذهاب ان لم تتناول أي شيء كما قال! ..
اما مها فقد التفتت لملاك وقالت متحدثة الى نفسها: ( احقا انت قلقة يا ملاك؟.. وصدقت ما قاله مازن بهذه السرعة.. انها ليست سوى وسيلة لاجبارك على تناول طعامك.. هل اقول انها براءة منك ان تصدقي ما يقال لك بهذه البساطة؟..ربما يصفونك بالسذاجة.. ولكني حقا لا اراك سوى صورة مجسدة للشفافية والبراءة.. تقولين كل ما بداخلك دون حواجز.. بعكسنا جميعا.. وتعتبرين جميع الناس من حولك مثلك.. الصدق والطيبة وحب الخير والناس هي صفاتهم..)
توقفت السيارة بعدها امام منزل امجد.. وابتسم مازن وهو يوقفها ويهبط منها ..ومن ثم يفتح صندوق السيارة ليخرج مقعد ملاك..ويضعه امام الباب المجاور لها.. وقال وهو يفرده ويساعدها على الجلوس عليه: مرحبا بك من جديد في منزلنا المتواضع..
تطلعت ملاك الى المنزل.. تذكرت اول مرة جاءت فيها الى هنا ..كانت مع ابيها يومها .. انبهرت يومها بالمنزل الذي يشبه القصور حسب قولها.. واليوم ها هي ذي تعود اليه.. ولكن ليس برغبتها بل بطلب من ابيها قبل ان يحدث له ما حدث.. وها هو ذا المشهد يتكرر امام عينيها وهي تدخل الى المنزل.. ولكن هذه المرة لن تستطيع ان تسمع صوت ابيها حتى ..فسيغيب هذه المرة ايضا ولكن لفترة طويلة .. طويلة جدا .. تاركا ملاك بمصير مجهول بعد عودتها هذه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء السابع عشر
"عناد"
توقف مازن بسيارته بجوار منزل ملاك مساءا بعد ان عاد من النادي .. واسرع يضرب بوق السيارة..فانفتح الباب الخارجي واطلت منه نادين.. وتقدمت من السيارة وهي تحمل حقيبة كبيرة..فخرج مازن من السيارة وتناول منها الحقيبة فقالت: هذه حقيبة حاجيات ملاك..
وضع مازن الحقيبة في صندوق السيارة دون ان يعلق.. في حين اقتربت منه نادين في تلك اللحظة وهي تحمل حقيبة صغيرة سوداء اللون في يدها الاخرى وقالت: سيد مازن..
التفت لها مازن متسائلا.. فقالت وهي تقدم له الحقيبة: سيد خالد طلب مني ان اسلم هذه الحقيبة للسيد امجد لو اصابه مكروه .. هلا اوصلتها له؟..
التقط مازن منها الحقيبة وقال باستغراب: وماذا بها هذه الحقيبة؟ ..
قالت نادين وهي تهز رأسها نفيا ببطء: لا اعلم..
تطلع مازن الى الحقيبة للحظة ومن ثم قال وهو يضعها على المقعد الخلفي: فليكن سأوصلها الى والدي..
قالت نادين وهي تلتفت الى ما خلفها: سأذهب لاحضار شيء ما من الداخل.. لقد نسيته ولا اظن ان الآنسة ملاك ستسامحني لو لم احضره معي..
استغرب مازن من هذا الشيء الذي سيجعل ملاك تحزن ان لم يكن معها.. ومن ثم لم يلبث ان اعتلت شفتيه ابتسامة ساخرة وهو يرى نادين تقترب منه وهي تحمل قفصا في يدها وبداخله الكناري الاصفر.. فقال ساخرا: لقد ظننته عقدا من الماس هذا الذي لن يجعل ملاك تسامحك ابدا..
قالت نادين بارتباك: انه هدية من والدها.. ولهذا فهي لا تستطيع ان تفارقه ابدا..
اشار مازن الى السيارة ومن ثم قال: اصعدي الى السيارة ولكن حذار من ان يتسبب هذا العصفور في اتساخها..
وبعدها صعد الى السيارة وصعدت نادين بدورها.. وانطلق بها الى المنزل.. وقالت نادين في تلك اللحظة بتردد: سيد مازن.. ما هي احوال الآنسة ملاك؟..
صمت مازن قليلا ومن ثم قال وهو يتنهد: عندما علمت بالخبر كانت حالتها صعبة قليلا.. وانهارت بالمشفى.. ولكننا جميعا نحاول التخفيف عنها.. وملاك بنفسها من طلبت وجودك الى جوارها.. لهذا حاولي ان تخففي عنها انت ايضا وتجعليها تعود الى طبيعتها شيئا فشيئا..
قالت نادين بالم: اظن ان الامر اصعب مما تظن يا سيد مازن.. سيدي خالد هو كل ما تبقى للآنسة ملاك ولهذا ستحتاج وقتا طويلا حتى تحاول ان تتقبل ما حصل له..
لم يعلق مازن على عبارتها وان وافق على ما قالته في قرارة نفسه .. يعلم انها محقة.. وان ملاك لن تتقبل الامر بهذه البساطة.. ستظل تعاني دائما.. وكل يوم يمر ستزداد معاناتها بازدياد شوقها لابيها..
سمع صوت تغريد العصفور يقطع عليه افكاره.. وسمع صوت نادين تقول وهي تتطلع الى القفص بابتسامة: اهدأ يا مازن..
ارتفع حاجبا مازن بدهشة ومن ثم قال وهو يلتفت الى نادين: اتحدثينني؟..
اسرعت نادين تقول بارتباك: لا بل الطائر.. الآنسة ملاك اطلقت عليه اسم مازن..
شعر مازن بالدهشة من ملاك.. لقد اطلقت على العصفور اسمي ..هل اعتبر هذا شيئا جميلا بالنسبة لي؟..لقد اختارت اسمي مع انها تحب ابيها اكثر من أي شيء في هذا العالم.. فلم اختارت اسمي انا بالذات؟.. ربما لانها تذكرتني.. وربما لانها تريد رد الجميل.. وربما هي مجرد مصادفة..
وصل في تلك اللحظة الى المنزل فاوقف سيارته بجاوره.. واسرع ينادي احدى الخادمات لأخذ الحقيبة لغرفة ملاك.. اما هو فقد اخذ الحقيبة السوداء معه وهو يدخل المنزل ويسير عابرا الردهة الواسعة متوجها الى الدرج.. لكنه توقف عندما لمح مها تخرج من غرفة ملاك لتوها.. وغير وجهته ليتجه اليها ويقول متسائلا وعيناه على باب غرفة ملاك: كيف حالها؟..
زفرت مها بحدة ومن ثم قالت: عنيدة.. بالكاد قبلت ان تشرب كأسا من الماء..
تسائل مازن باستغراب: الم تتناول شيئا ابدا؟..
قالت مها وهي تهز رأسها نفيا: ابدا.. لم تلمس شيئا من كل الطعام الذي قدمته لها.. ترفض بكل اصرار .. وكلما ازددت الحاحا ازدادت عنادا..
وتطلعت اليه بعينيها وقالت برجاء: ربما تستطيع انت اقناعها يا مازن كما اقنعتها بالمشفى.. وجهها بات شاحبا من ما تفعله بنفسها.. هلاّ حاولت انت معها واقنعتها على ان تتناول ولو الشيء اليسير..
صمت مازن قليلا ومن ثم قال بهدوء: سأفعل.. فقط سأذهب لاستحم واستبدل ملابسي .. ومن ثم سآتي لأرى الامر ..
واسرع يصعد درجات السلم الى الطابق الاعلى وكأنه يريد ان يهرب من تأثير ملاك عليه..
يهتم بها.. يعجب بها.. ومنجذب لها.. ولكنه يكابر.. كل هذا لانها فتاة عاجزة..لايمكنه التفكير بعاجزة وهو الذي يعرف مئات الفتيات المعافيات اللاتي يتمنين نظرة واحدة من عينيه لهن..
احساسه تجاه ملاك يختلف.. ربما لانها ابنة عمه.. ربما لأن وضعها يختلف.. لقد دخلت حياتهم فجأة .. لتثير في رأسه التساؤلات والذكريات.. وعادت لتتركهم مخلفة وراءها اكبر اثر في نفس كل منهم.. حتى كمال ذلك البارد عديم الاحساس.. يشعر به مازن وهو يتطلع الى مكان ملاك الخالي على المائدة.. ايفتقد وجودها شقيقه هذا ايضا؟ .. ربما ..
اسرع يستحم ومن ثم يستبدل ملابسه..غادر دورة المياه.. وكاد ان يتوجه الى الباب ليغادر غرفته ايضا ويذهب ليرى ملاك .. لكن الحقيبة السوداء التي تركها على فراشه بعدما دخل غرفته استرعت انتباهه وفضوله.. ماذا بها هذه الحقيبة حتى يوصي عمي باعطائها لوالدي اذا اصابه مكروه؟.. بالتأكيد هو شيء هام الى ابعد درجة ..
ازداد الفضول لديه واقترب من الحقيبة ليرفعها قليلا عن الفراش ومن ثم يفتح قفليها ببعض التوتر..وانفتحت الحقيبة...
وهنا عقد حاجبيه وهو يتطلع الى مجموعة من الاوراق تملأها.. ليست اوراق بالمعنى المعروف بل مجرد صور لاوراق اخرى .. التقط احداها وازداد انعقاد حاجبيه وهو يقرأها.. ومن ثم لم يلبث ان قال بذهول وهو غير مصدق: عقد بيع شركة عمي خالد الى ابنته ملاك..اي قول هذا؟..
ترك الورقة من بين يديه لتسقط على الفراش والتقط اخرى واتسعت عيناه اكثر: وهذا صورة من عقد بيع عمارتين الى ابنته ملاك..انها املاك عمي كلها تقريبا..
وترك الورقتين ليلتقط الثالثة التي بالحقيبة والتي تشير إلى بيع المنزل والسيارة إلى ملاك فقال مازن وهو يدس أصابعه بين خصلات شعره بتوتر: لقد سجل عمي كل شيء باسم ملاك بعقد بيع وشراء.. لايمكن لاحد ان يطالب بها في هذه الحالة.. لقد ضمن ان تكون كل املاكه لملاك من بعده.. كان عمي ذكيا بتفكيره هذا وقد ضمن مستقبل ملاك..
وارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيه وهو يقلب الاوراق بين يديه: حتى انه لم يضع العقود الاصلية لقد وضع صور منها فحسب .. لابد ان العقود الاصلية عند احد المحاميين..
واردف وهو يعيد الاوراق الى الحقيبة ويغلقها جيدا: هل اقول انك محظوظة يا ملاك بأنك امتلكت كل شيء الآن ولا احد يستطيع ان يطالبك بقطعة نقدية واحدة.. ام اقول ان والدك قد ورطك بما فعله .. فالآن ستكونين هدف لكل شخص وخصوصا عمي فؤاد وعادل بسبب املاكك هذه...
وتنهد وهو يغادر غرفته ويهبط درجات السلالم متجها الى الطابق الارضي .. وسار الى حيث غرفة ملاك وهناك رأى نادين تخرج بصينية الطعام من الغرفة فقال متسائلا: هذا طعام ملاك اليس كذلك؟..
اومأت نادين برأسها فقال مازن وهو مستمر في تساؤلاته: اتناولت شيء منه؟..
قالت نادين مجيبة: لا.. رفضت ان تتناول ولو ملعقة واحدة منه ..
قال مازن بلهجة آمرة: ارجعيه الى الداخل اذا..
تطلعت نادين الى صينية الطعام ومن ثم تساءلت بحيرة: ارجعه الى الداخل؟..
اومأ مازن برأسه فقالت نادين: لكن الآنسة ملاك رفضت تناوله وبشدة.. وانا اعرفها جيدا اذا رفضت شيئا من المستحيل ان تقبل به من جديد..
قال مازن وهو يزفر بحدة: ارجعيه الى الداخل فحسب..
نفذت نادين الامر وهي تدخل الى الغرفة وتعيد وضع الصينية على الطاولة المواجهة لملاك.. ومن ثم تنسحب من الغرفة بهدوء ودخل مازن بدوره وشاهد مها تجلس الى جوارها وتتحدث اليها بهدوء في حين قال مازن وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لم نتفق على ما تفعلينه بنفسك الآن يا ملاك..
اشاحت ملاك بوجهها بحزن .. في حين قال مازن مردفا: لماذا ترفضين تناول كل ما يقدم لك يا ملاك؟.. انت لم تتناولي شيئا منذ الامس..
قالت ملاك بصوت خافت: هذا شأني وحدي..
نطلع اليها مازن للحظة وهو يلمح وجهها الشاحب ونظراتها الحزينة فقال وهو يشير الى مرآة الغرفة: انظري الى نفسك في المرآة لتعلمي كم هو وجهك شاحب..
اطرقت برأسها وقالت وهي تزدرد لعابها: انا مرتاحة هكذا ..
قال مازن بحزم: ووالدك؟..
قالت ملاك بحيرة وقلق وهي ترفع رأسها له: ماذا به ابي؟..
قال وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: اتتوقعين انه مرتاح بما تفعلينه بنفسك؟.. اتتوقعين انه سيشعر بلحظة راحة وانت تقتلين نفسك بهذه الطريقة؟.. تتوقعين انه سيسعد لو لم تضعي لقمة واحدة في فمك وظللت تبكين طول النهار والليل؟.. على العكس يا ملاك .. لو كان والدك موجود بيننا لرفض وانبك على ما تفعلينه بنفسك.. الا تريدينه ان ينهض ويراك كما كنت؟.. فتاة تمتلأ حيوية ونشاطا.. باسمة الثغر.. ووجنتاها تشوبهما الحمرة.. ام تريدينه ان يراك وانت هكذا؟.. شاحبة الوجه ..حزينة النظرات.. دامعة العينين.. اخبريني يا ملاك ايهما تفضلين؟..
قالت ملاك بصوت يقطر حزنا والما: ارجوك يا مازن كفى.. لا احتمل سماع المزيد..
دس اصابعه بين خصلات شعره ومن ثم قال: بل انا الذي لا احتمل رؤيتك وانت تقتلين نفسك بهذه الطريقة..
نقلت مها بصرها بينهما واستقرت على مازن لتتطلع اليه بنظرات غريبة.. يبدوا حديثه صادقا بالنسبة اليها احيانا.. ايعرف ان يضع الكلمات والعبارات بهذه الحرارة والصدق وهو غير مبالي بمن يتحدث اليه؟!.. احيانا اكاد اصدق ان مازن يفكر في ملاك حقا..
وقالت مها اخيرا وهي تلتفت الى ملاك: لم ترفضين تناول شيء يا ملاك؟.. اخبريني سبب عنادك هذا..
قالت ملاك بصوت تخنقه الدموع: ليست لدي الرغبة في تناول شيء وابي ينام بالمشفى.. ليست لدي الرغبة في تناول شيء وانا لا اعلم ان كان سينهض ام لا.. انتم لا تشعرون بما اشعر به.. لانه ليس ابيكم..
قالت مها بهدوء: انه عمنا يا ملاك.. ونشعر بالحزن عليه بالفعل .. ولكن لأنه كان اقرب اليك من أي شخص تشعرين بكل هذا الحزن الكبير تجاهه..ولكن صدقيني ما تفعلينه بنفسك سيتعبك ولن يجعلك تشعرين بالراحة..
زفر مازن بقوة ومن ثم لمح قفص الطائر على الطاولة الموجودة بالغرفة وابتسم وهو يلتفت الى ملاك قائلا: كيف حال مازن؟ ..
تطلعت له ملاك ومن ثم قالت وهي تتنهد: كما تراه..
نقلت مها بصرها بين مازن وقفص الطائر ورددت بدهشة: مازن؟؟ ..
قالت ملاك وهي تشير الى الطائر: انه اسم الطائر..
قالت مها بدهشة وهي تلتفت الى ملاك: اطلقت عليه اسم مازن؟..لكن لماذا؟..
قالت ملاك بعفوية: لانه كان ذكرا.. لو كان انثى لاسميته مها..
ابتسمت مها وقالت: لم اكن اعلم انك تحبيني الى هذه الدرجة..
قالت ملاك وهي تلتقط نفسا عميقا: انت اختي..
اشارت مها الى مازن وقالت وكأنها تريد ان تتأكد من شيء ما: وهذا؟..
وعلى الرغم من ما تعانيه ملاك الا انها احست بخجل يسيطر عليها.. وبارتباك يغزو ملامحها ولكنها سيطرت على ارتباكها وقالت: مازن..
انزلت مها كفها وكأنها قد تأكدت مما تريد.. لو اجابتها ملاك قائلة( انه اخي ايضا).. لتأكدت حينها بأنه لا يعني شيئا لملاك ..ولكن ملاك ارتبكت واجابت بأي اجابة محاولة التهرب من الموضوع..
اما مازن فقد قال وهو يتثاءب بملل: الى متى سأظل واقفا هنا؟..
قالت مها وهي تشير الى المقعد: اجلس ان اردت..
قال مازن بعصبية: ليس هذا ما اعنيه بل اعني الى متى سأنتظر؟ ..
قالت مها مبتسمة: اذهب ان شئت..
قال مازن وهو يشير الى اطباق الطعام: لن اذهب قبل ان تصبح هذه الاطباق لامعة..
قالت مها ساخرة: سأطلب من الخادمة غسلها ان اردت..
قال مازن بحدة: لا تكوني سخيفة.. اقنعي ابنة عمك ان تتناول شيئا بدلا من السخرية..
هزت مها كتفيها وقالت بيأس: منذ ساعتين وانا احاول معها.. ولكنها كما ترى عنيدة..
عقد مازن حاجبيه وقال وهو يتطلع اليها: والنهاية يا ملاك؟.. الن تتناولي طعامك؟..
هزت ملاك راسها نفيا فقال بحدة: امصرة على ما تقولينه؟..
قالت ملاك بصوت خافت: اجل..
توقعت ملاك انه سيخبرها بانه لن يأخذها الى ابيها غدا.. ولكنه قال وهو يتقدم منها: اتريدين ان اطعمك انا اذا؟..
قالت مها بدهشة: مازن ماذا تقول؟..
اما ملاك فقد تطلعت له وعيناها متسعتان بدهشة.. تحاول استيعاب ما قاله قبل قليل .. في حين اجاب مازن وهو يشير الى ملاك ويجذب له مقعدا ليجلس قريبا منها: الا ترينها كم هي عنيد؟ة.. لن تقبل بشيء الا رغما عنها..
قالت مها بتردد: دعها وشأنها.. لا يمكنك ان تفعل شيء بالرغم منها..
قال مازن بعناد: اذا كانت هي عنيدة فأنا اعند منها..
وبعناد التقط الملعقة ليغمسها في الحساء ويرفعها امام وجه ملاك وبلهجة آمرة قال: افتحي فمك وتناوليه..
لم تستوعب ملاك بعد.. لا تزال تريد ان تصدق ان من امامها هو مازن.. وانه من يقول هذا الكلام ويمسك بالملعقة هو نفسه.. وقالت وهي ترفع حاجبيها بدهشة: لست طفلة..
اشار اليها بيده الاخرى وقال: تصرفاتك تجعلك كذلك.. لهذا سأتصرف معك حسبما تتصرفين .. سأكون طفلا انا الآخر!..
قالت مها بارتباك في تلك اللحظة: مازن دع الفتاة وشأنها..
قال مازن ببرود: اولا هي ابنة عمي .. ثانيا لاشأن لك فلا تتدخلي ..
في هذه المرة من ارتبك كانت ملاك.. شعرت باحراج شديد .. من قرب مازن لها.. من حديثه اليها.. من عينيه اللتان تطلعان اليها .. من اهتمامه الشديد بها.. ومن تصرفه الطفولي تجاهها ايضا ...
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها وهي تراه يتصرف تجاهها مثل هذا التصرف.. سرعان ما اختفت عندما قال مازن: لا تبتسمي كالبلهاء هكذا.. افتحي فمك.. لقد تعبت ..
قالت ملاك بصوت هامس: سأتناول الطعام بمفردي..
قال مازن وهو يمط شفتيه: من ستقنعين بقولك هذا؟..
قالت ملاك وهي تبعد خصلات شعرها عن جبينها: مازن.. انا لا اكذب..ولم اكذب في حياتي..
اعاد مازن الملعقة الى الطبق وقال وهو يتطلع اليها: ارني الآن كيف ستتناولين طعامك اذا؟..
مدت ملاك كفها والتقطت الملعقة باناملها.. وبكل بساطة رفعتها الى شفتيها لتتذوق الطعام وتبتلعه وقالت بابتسامة شاحبة: لذيذ..
تطلع اليها مازن ومها كالابلهين وهما في حالة دهشة وذهول من تصرفها .. لم يتوقع احدهما ان تتناول ملاك طعامها بالفعل .. ظناها ستتظاهر بذلك.. سترفض.. سترميه على الارض كما فعلت بالمشفى.. لكنها ادهشتهم عندما تناولته امامهم بكل بساطة.. وكأن الطعام قد قدم لها للتو ..وقالت ملاك وهي تدور بعينيها بينهما: ماذا بكما؟ .. لم تتطلعان الي هكذا؟..لقد فعلت ما قلت انني سأفعله منذ قليل..
ابتسم مازن في تلك اللحظة وقال بحنان: ليتك تكونين هكذا دائما ..لا تعاندين احدا.. وتستمعين الى كل ما اقوله لك.. لقد اوصاني والدك عليك .. ولو قصرت في حقك .. لن اسامح نفسي ابدا..
قالها ونهض من مكانه وقبل ان يخرج التفت لملاك وقال مبتسما وهو يشير الى الطبق: انهيه بكامله والا عدت اليك من جديد..
ابتسمت له ملاك بالرغم منها.. مازن يبدوا لها احيانا اكثر الناس حنانا..تشعر بحنانه يحتويها وباهتمامه يشعرها بالامان والاطمئنان..وعلى الرغم من سخريته الا انه لا يجرح احدا.. يمزح بقلب ابيض..
هذه هي ملاك تصف جميع الناس بإيجابياتهم وبصاتهم الحسنة .. فكيف اذا كان الانسان الذي تحب؟ !..
اما مها صمتت قليلا ومن ثم ابتسمت وهي تتطلع اليها وهي تتناول طعامها ببطء.. وقالت بعدها: سأذهب الى غرفتي.. اتريدين شيئا ما قبل ان اغادر؟..
هزت ملاك رأسها نفيا.. فنهضت من مكانها وعلى شفتيها تتراقص ابتسامة.. لقد فعلت الصواب عندما طلبت من مازن ان يتصرف مع ملاك.. لا احد يمكنه اقناعها مثله.. كلاهما يشترك في شيء واحد.. العناد...
خرجت مها من الغرفة وسارت في الردهة.. وتوقفت لوهلة امام احدى التحف لتتأملها بشرود..لم اذهب اليوم الى الجامعة ولم اذهب الى النادي ايضا.. لم استطع رؤية حسام طوال اليوم بأكمله.. لقد بدأت اشتاق له ولرؤية ابتسامته.. اشتاق لسماع صوته ومزاحه.. هل اتصل به؟.. اجل سأفعل...
واخذها الحماس لتجري في سرعة متوجهة الى حيث الدرج .. ولكن صوته جعلها تتسمر في مكانها وهو يقول: مها.. توقفي..
خفقات قلبها باتت سريعة.. اذلك بسبب الجري او بسبب سماع صوته الذي يربكني بشدة؟.. والتفتت له وتطلعت له وهي تزدرد لعابها.. هل افكارها هي من جلبته لها بهذه السرعة؟! ..
وقالت وهي تحاول تعديل خصلات شعرها بتوتر وارتباك: حسام .. منذ متى وانت هنا؟..
قال حسام مبتسما: جئت قبل قليل فقط..هل الوقت غير مناسب للزيارة..
قالت مها وهي تهز رأسها نفيا: ابدا المنزل منزلك..
تقدم منها حسام بضع خطوات ومن ثم قال: شكرا على المجاملة.. اخبريني هل مازن موجود بالمنزل؟..
اومأت مها برأسها ايجابيا وقالت: اجل انه بالطابق الاعلى.. سأناديه لك ان اردت..
وهمت بالانصراف لتنادي مازن ولكنه قال في سرعة: انا لم آتي من اجل مازن..
قالت مها في حيرة: كمال بالطابق الاعلى سأناديه هو الآخر ان كنت قد جئت من اجله.. ووالدي سيعود من عمله بعد نصف ساعة على ما اظن..
قال حسام بهدوء: انا لم آتي من اجل مازن او من اجل كمال او والدك.. لقد جئت لأتحدث معك..
اشارت الى نفسها وقالت بدهشة ممزوجة بالاضطراب: معي انا؟..
واردفت مازحة وهي تحاول ان تخفي اضطرابها: ولم جئت واتعبت نفسك؟.. الم يكن من الاسهل ان تتصل بي؟..
اشار حسام الى الاريكة وقال : لا لم يكن اسهل.. اجلسي.. لان الموضوع بحاجة لنقاش طويل..
قالت مها وهي تجلس على الاريكة بقلق: اقلقتني يا حسام .. ما الامر؟..
جلس حسام على مقعد مجاور وقال وهو يأخذ نقسا عميقا: سأتحدث ولكن لا تقاطعيني حتى انتهي..
اومأت مها برأسها وقد انشدت حواسها لما سيقوله حسام وقالت وهي تنتظره يتحدث: حسنا.. سألتزم الصمت طوال الوقت..
قال حسام وهو يتطلع اليها: انت الوحيدة الذي يمكنني ان اتحدث اليها بحرية .. فلطالما تحدثت لك عن مشاكلي وعن رغباتي .. عن طموحي واحلامي.. واظن انك الوحيدة التي ستفهمين ما سأقوله..
واردف قائلا: انت تعلمين جيدا انها السنة الاخيرة لي بالجامعة.. والتخصص الذي اخترته مطلوب هذه الايام وقد اجد وظيفة بسرعة..
صمت قليلا فقالت مها بحيرة: كل هذا اعرفه.. ما الجديد فيما قلته؟..
ابتسم حسام وقال : اصبري قليلا ريثما اكمل ما بدأته.. لا تكوني متسرعة هكذا..
قالت مها وهي تشير له بكفيها: حسنا اكمل.. اكمل..
بلل طرف شفته بلسانه ومن ثم قال وهو يتطلع لها: ولهذا.. فأنا افكر بخطبة فتاة ما...
توقف الوقت بالنسبة لمها.. تجمد كل جزء في جسمها ووهي تتطلع الى حسام ببلاهة.. هل قال انه يفكر في خطبة فتاة ما؟.. أي طعنة قاسية وجهتها لقلبي يا حسام؟..
شحب وجهها فجأة ..واعتصرت قبضة باردة قلبها وقالت بصوت حاولت ان تجعله طبيعيا: وما دخلي انا .. ان كنت ستخطب ام لا..
قال حسام وهو يبتسم: كما قلت لك يا مها.. انت الوحيدة التي تفهمني.. ويمكنها ان تخبرني ان كان قراري صائبا ام لا؟..
قالت مها بصوت مرتجف بالرغم منها: هل يمكن ان اعلم من هي؟..
وهل سيغير معرفتها مصيرك يا مها؟.. لقد قتل حسام الحب في قلبك منذ اول كلمة نطق بها.. هل جئت لتقتلني وتغادر كالبريء يا حسام؟ ..
اما حسام فقد اومأ برأسه وقال: بكل تأكيد.. على ما اظن هي في عمرك او ربما اكبر منك بعام..وهي قريبة لي ايضا ..
قالت مها وهي تشعر بغصة مريرة في حلقها: اذا انت تعرفها جيدا.. لم جئت لتأخذ رأيي اذا؟..
أجئت تأخذ رأيي على يوم اعدامي يا حسام؟.. يالك من قاسي القلب والمشاعر...
فكر حسام قليلا ومن ثم قال وهو يبتسم: الامر ليس هكذا.. ولكن انا اثق برأيك كثيرا واحترمه..
رأيي انك قتلتني يا حسام.. ولم تكتف بذلك بل لازلت توجه الطعنات لقلبي.. الم يكفيك طعنة واحدة فقط؟..
اشاحت مها بوجهها وقالت بعصبية بالرغم منها: لا شأن لي .. بما انك اخترتها.. فأنت متأكد من قرارك هذا تجاهها..
حرك حسام اصابعه بين خصلات شعره وقال بقليل من الاحراج: ولكني .. لست متأكد من قرارها هي .. قد لا تكون تحمل لي ذات المشاعر التي احملها لها..او ربما لا تريد الارتباط بي.. وانا الذي انتظرت طويلا لأجلها..
ترقرقت دمعة في عيني مها اسرعت تمسحها حتى لا يلاحظها وقالت بصوت مختنق: يمكنك ان تسألها ان اردت.. لتعرف برأيها..
قال حسام باهتمام: اترين ذلك حقا؟..
لم تجبه مها.. كيف تجيبه والحروف قد اختنقت في حلقها.. لم يفعل حسام بها هذا؟.. الم يشعر بها حقا؟.. بعد كل هذه السنوات.. وبعد الحب الذي عاش معها منذ الطفولة.. يأتي حسام ليدفنه الآن تحت رمال حبه الآخر.. ربما اكون انانية يا حسام.. ولكني حقا احبك ولا يمكنني ان اتخلى عنك لأخرى.. لا يمكنني ان اتخيل ان تكون لأخرى غيري.. لا يمكن ان اعيش حياتي دون سماع صوتك يوميا.. دون رؤيتك.. أي قلب هذا الذي تملكه يا حسام؟..
وقالت مها بألم في تلك اللحظة وهي تكادتنهض من مكانها: اجل ارى ذلك.. على فكرة لم تخبرني اسمها بعد..
تطلع لها حسام ومن ثم قال بابتسامة واسعة: مها...
لقد قال مها!!.. صدقوني لقد سمعته باذني هاتين.. انا لا اتخيل لقد نطق باسمي.. ايعنيني ام انه مجرد تشابه اسماء؟!..
وازدردت لعابها ومن ثم اشارت باصبع مرتجف الى نفسها وقالت بارتباك: اسمها مثل اسمي انا؟؟..
ضحك حسام بقوة.. واستغربت مها من ضحكاته هذه.. هل قالت ما يضحك الآن؟.. ربما قد جن فجأة!..
ورأته في تلك اللحظة يميل نحوها ويقول وهو يتوقف عن ضحكاته ويهمس بابتسامة حانية: بل انت يا حمقاء..
كانت ردة فعل مها اغرب مما كان يتوقعه حسام.. لقد التقطت وسادة المقعد ورمتها عليه وهي تقول بحدة: اكنت تتلاعب باعصابي طوال الوقت؟..
ضحك حسام وهو يلتقط الوسادة قبل ان تصيبه: لقد كنت اريد رؤية ردة فعلك فحسب..
قالت مها وهي تلوح بكفها بعصبية: الآن ستخبرني بكل شيء وبالتفصيل الممل.. وبصدق ايضا..
قال حسام وهو يضحك بمرح: انها اغرب ردة فعل رأيتها من فتاة تُسأل للموافقة على الزواج؟..
توردت وجنتي مها وخفق قلبها في عنف فأشاحت بوجهها عنه لتقول بتوتر: ردة فعلي هذه نتيجة ما قلته قبل قليل..
هذه الكلمة انتظرتها طويلا وطويلا جدا يا حسام.. لم يكن ينبغي عليك ان تتلاعب باعصابي هكذا قبل ان تنطق بها.. احمد الله انه لم يكن بجواري أي شيء ثقيل.. لكنت رميته حينها دون تفكير!..
ابتسمت لنفسها بخجل .. اما حسام فقد قال: سأبدأ منذ .. منذ كنا معا ونحن طفلين.. كنت اهم للدفاع عنك.. واتشاجر مع شقيقيك اذا ازعجاك.. كنت اشعر بشيء غريب تجاهك انت بالذات منذ طفولتي.. على الرغم من ان مشاعري في تلك اللحظة كانت موجهة من طفل فحسب..
واردف وهو يتطلع الى وجهها بهيام: وكبرت.. وكبر هذا الشيء الغريب الذي كنت احسه تجاهك.. لأعلم اني اميل اليك وبشدة.. ومع الايام اكتشفت ان الامر يتعدى هذا بكثير.. لقد اصبحت لا اطيق ان لا اراك يوما واحدا فحسب.. واكتشفت اني احبك...
هل اشعل احدهم المدفأة فجأة؟.. الجو حار جدا .. السنا في فصل الشتاء؟..ولا اعلم ماذا اصاب قلبي لقد بات ينبض بجنون.. ومعدتي ايضا لقد بدأت اشعر بأنها ترتجف هي الاخرى كجسدي كله.. ماذا اصابني؟.. كلمة واحدة تفعل بي كل هذا؟..
واردف حسام وقد تغيرت نبرة صوته من الهيام الى الالم: ولأني احبك لم ارد ان تتعذبي معي.. لم ارد ان اصارحك بمشاعري .. لأني لا ازال طالبا وليس لدي أي عمل.. لم ارد ان تنتظريني من اجل اني صارحتك بمشاعري فحسب وترفضين جميع من يتقدم لك حتى لا يأنبك ضميرك بسببي.. لقد اردت ان تكوني مقتنعة بمن تختارين زوجا لك.. لمشاعرك تجاهه او ارتياحك له.. لهذا وضعت عهدا على نفسي الا اشير الى مشاعري تجاهك حتى اتخرج.. وبعدها أعرف منك رأيك تجاهي.. صحيح اني احيانا كنت اشعر بأنك تحملين لي مشاعر ما.. ولكن احيانا اخرى كنت ارى اللامبالاة..
لو كنت تعلم اني لم اكن لافضل أي شخص آخر عليك لما قلت هذا الكلام.. لو كنت تعلم كم احبك ومنذ متى احبك.. لفكرت مائة مرة قبل ان تقول ما تقوله..
رقص قلبها فرحا وقالت مبتسمة بخجل واضطراب: لقد كنت اعاملك بالمثل .. لقد كنت غير مبالي معي احيانا ..فكنت اصطنع اللامبالاة انا الاخرى ..
مال نحوها حسام وقال بصوت دافئ حنون: مها .. انا لن اتقدم لك الآن.. ولكن اردت ان اضمن ان تكوني لي ولي فقط.. لا اريد ان اضيعك من بين يدي.. وعندما اتقدم لك بعد ان احصل على الوظيفة .. اريد ان اسمع حينها كلمة موافقة..
اوردت وجنتي مها بحمرة الخجل وقالت: واثق جدا اني سأوافق ..
قال حسام بجدية: انا لم آتي اليوم الا لسماع موافقتك او رفضك .. على الاقل عندها سأشعر بالراحة ولا اتعذب لاني لم اصارحك بمشاعري و اضعتك من بين يدي..
وعندما طال صمتها.. امسك كفها وقال وهو يضغط عليه بحنان: مها قولي شيئا.. صدقيني ستظلين ابنة عمتي حتى وان رفضتِ ..
هل انت اعمى يا حسام؟.. الا ترى كل هذا الحب الذي احمله لك في قلبي وتفيض به عيني.. وبعد كل هذا تتحدث عن الرفض..
ارادت مها ان تنطق في ذلك الوقت.. ارادت ان تهز رأسها.. ولكن احست بلسانها ينعقد فجأة.. وان الحروف باتت اثقل من ان نطق بها.. ارتجفت اطرافها كما ارتجف قلبها.. لم تعد تقوى الا على التطلع الى حسام بارتباك..واحست بالدماء تتجمع في وجهها .. فاسرعت تجذب كفها من بين يديه وتشيح بوجهها بعيدا.. لعل عقدة لسانها تنفك...
زفر حسام بحرارة حينها.. وامتدت يده لتمسك بذقنها ويجعلها تلتفت له وتطلع اليه .. الى عينيه مباشرة.. وقال بصوت اقرب الى الهمس: قولي أي شيء يا مها.. أي شيء.. لا تجعليني اتعذب بين نار حبك ونار رفضك..
اطراف مها لم تعد تتحرك.. حاولت رفع يدها لتزيح يده عن ذقنها.. ولكن اناملها ظلت جامدة.. لم تطعها.. وعينيها غاصت في بحر عينيه.. لم اكن اعلم من قبل ان عيناك تجلب كل هذا الدفء يا حسام...
واخيرا حركت شفتيها بصوت متقطع قائلة: انا.. انا...
قال حسام بلهفة: اكملي يا مها.. انت ماذا؟..
لمع الخبث بغتة في عيني مها.. ليجعلها تبعد كفه باصابع مرتجفة ومن ثم تقول وهي تخرج لسانها باسلوب طفولي: ارفضك ..
ارتفع حاجبا حسام بدهشة ولكنه قال وهو يغمز بعينه: كاذبة ..
قالت مها بعناد: لست كاذبة..
اشار الى وجهها ومن ثم قال: بل كاذبة.. عيناك تقول انك موافقة ..
قالت مها بابتسامة مرتبكة: انت طلبت الزواج مني انا وليس من عيني..
قال حسام مبتسما: وعيناك كشفت ما يجول به قلبك..
منذ زمن يا حسام.. منذ زمن.. الم تنتبه الا الآن؟..
قالت مها وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: وما هو دليلك؟..
مال حسام نحوها وقال بهمس: انك تحبيني ايضا..
تجمعت الدماء في وجه مها وقالت في سرعة وارتباك: لا تحلم ..
- بل انت كذلك..
- لا لست كذلك..
ضحك حسام وقال وهو ينهض من مكانه: تماما كما كنت في طفولتك.. ترفضين البوح بالحقيقة وتصرين على الكذب ..
واردف بابتسامة حانية: ولكن الن تخبريني حقا قبل ان ارحل من هنا؟.. ان كنت موافقة ام لا.. اريد ان اسمعها منك ...
وجدت مها نفسها تومئ برأسها دون شعور.. ابتسامته الدافئة حركت مشاعرها وجعلتها تتصرف دون امر منها..
فقال حسام وابتسامته تتسع: هذا يكفيني .. الآن فحسب..
وادار ظهره عنها لينصرف..ولكن هتفت مها به بغتة ليتوقف قائلة: حسام..
التفت لها وابتسامة حانية تعتلي شفتيه.. فتسائلت قائلة بارتباك وخجل: هل .. تعني ما قلته؟..
- بشان؟..
اطرقت برأسها وقالت بارتباك اشد: مشاعرك.. تجاهي..
اقترب منها من جديد وقال وهو يمسك بذقنها ويرفع وجهها له: كل كلمة نطقت بها.. كانت تصدر من هنا..
واشار الى قلبه واردف مبتسما وهو يشير الى قلبها: واتمنى ان تكون قد وصلت الى هنا..
تطلعت له مها بارتباك بخجل .. بفرح.. بسعادة.. الآن فقط قد جاء الوقت لتستوعب.. كل شيء قد حدث فجأة قبل قليل ولم يسعها الوقت لتفرح.. قلبها يخفق في سرعة وفرح.. وحلمها في الحياة قد شارف على ان يتحقق.. هل هو حلم يا ترى؟ ..
وابعد حسام كفه وقال بهمس: انت وحدك يا مها من استطعت ان تحتلي قلبي.. وحدك..
واردف قبل ان ينصرف قائلا بحنان: سلمي لي على الجميع ..واهتمي بنفسك جيدا.. اراك بخير..
قالها وانصرف هذه المرة.. ومها تتطلع بشرود الى النقطة التي اختفى فيها.. وكلاهما يفكر في الشي ذاته.. لقد اعترف حسام لها بحبه وبرغبته في الارتباط بها.. لقد تحققت احلامهما كلها في ساعة واحدة فحسب نطق فيها حسام بكل ما في صدره من مشاعر.. واعترفت مها بموافقتها على هذا الارتباط.. لكن هل هذه نهاية لكل مشاكلهما .. ام انها مجرد بداية لها؟...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الثامن عشر
"مسئولية"
تمدد مازن على فراشه ووضع كفيه خلف رأسه ليتطلع الى السقف بشرود..وهو يفكر في امر تلك الحقيبةالسوداء والاوراق التي تحويها..الآن اصبحت كل املاك عمه خالد لملاك..ولكن هل الوضع هكذا اصبح افضل ام انه ازدادسوءا؟.. لو علم أي من اعمامه ان كل هذه الاملاك اصبحت لها.. ستنقلب الدنيا رأسا على عقب.. وسيحاولون بشتى الطرق والوسائل ان يمتلكوها.. مستغلين غياب عمه خالد.. وعليه هو ان يتصرف.. ان يقف في وجه اعمامه من اجلها.. ومن اجل ان يحافظ على املاكها واملاك عمه..هل سيكون باستطاعته حمل مثل هذه المسئولية التي حمّلها اياها عمه؟.. يتمنى هذا...
واقتحمت افكاره بغتة صورة ملاك.. ببراءتها وبابتسامتها.. وابتسم على الرغم منه.. منذ متى لم يراها تبتسم هكذا؟ .. ولكن.. هذه الابتسامة رآها من قبل.. منذ زمن.. وفي مكان ما...
حاول عصر ذهنه دونما فائدة..اين رآها من قبل؟.. ومتى؟ .. ذكريات الماضي المدفونة .. بدأت تطفو على السطح ..ولكن بغير وضوح..طفلة تبتسم الابتسامة ذاتها وتتطلع اليه بامتنان.. طفلة ذات شعر اسود ينسدل على كتفيها .. وعينان من اللون ذاته..و...وعشب اخضر..وورود متفرقة ..ما هذا المكان؟.. بلى انه يكاد يتذكر ..هذا منزلهم قبل عشر سنوات تقريبا.. كانت الورود فيه متفرقة وبسيطة ..بعكس ما توجد عليه الحديقة الآن.. الورود تملأ ارجاءها بكاملها..
ولكن من تكون تلك الطفلة؟.. انها تشبه ملاك.. بابتسامتها ..برقتها ..بشعرها الاسود.. ببياض بشرتها ..هل هي ملاك حقا تلك الطفلة التي يتذكرها دائما؟ ..
هز رأسه ليبعد ملاك عن ذهنه ونهض من مكانه ليتلقط الحقيبة السوداء ويهبط بها الى الطابق الاسفل.. بالتأكيد قد جاء والده الآن..وسيسلمها له.. وتوجه من فوره الى المكتب.. انه هناك بكل تأكيد.. انه يقضي في هذا المكتب اضعاف ما يقضيه مع ابناءه انفسهم..
طرق مازن طرقات متتالية على الباب.. وكما توقع سمع صوت ابيه يهتف به من الداخل ويطلب من الطارق الدخول ..ودلف مازن الى الداخل ليقول متسائلا: هل جئت لتوك يا والدي؟ ..
قال امجد وهو يرفع بصره اليه قليلا ومن ثم يعيدها الى الاوراق المتراكمة بين يديه: منذ قليل فقط.. اخبرني ماذا تريد؟..
رفع مازن الحقيبة وقال : عمي خالد.. ارسل لك هذه الحقيبة ..
رفع امجد رأسه فجأة وقال وهو يلتفت له بحدة ويترك ما بين يديه: هل افاق خالد؟..
هز مازن رأسه نفيا وقال: لا .. بل ارسلها لك قبل ان يصاب بالغيبوبة..
عقد امجد حاجبيه وتساءل قائلا: وكيف هذا؟..
قال مازن بهدوء: لقد طلب من نادين ايصالها لك لو اصابه أي مكروه ..
تطلع له امجد ومن ثم التقط منه الحقيبة وهم بفتحها ولكنه قال وهو يضيق عينيه: وانت فتحتها قبلي لترى ما بها بكل تأكيد ..
قال مازن بحرج وهو يحك ذقنه: بصراحة لم استطع منع فضولي من ذلك..
التفت عنه امجد وقال وهو يضع الحقيبة على طاولة المكتب ويفتحها: فلنرى ان كانت يستحق ما بها فضولك هذا..
يستحق ياوالدي.. صدقني.. يستحق..
فتح امجد الحقيبة.. والتقط اول ورقة ليقرأ سطورها بعينان متسعتان..ومن ثم يقول بصدمة: ماذا؟.. قام ببيع الشركة باكملها لملاك..
قال مازن مبتسما: ليس الشركة فحسب يا والدي.. جميع املاك عمي خالد اصبحت في حوزة ملاك.. المنزل والسيارة والعمارتين اللتان يتملكهما كذلك..
قال امجد بصدمة وذهول: كل شيء.. منح ملاك كل املاكه ..
( من هذا الذي منح ملاك كل املاكه؟)
التفت امجد ومازن الى مصدر الصوت وقال امجد بعصبية: لم لم تطرق الباب يا كمال؟..
قال كمال باستغراب: لقد وجدته مفتوحا.. ثم لقد كنتما تتحدثان بصوت عالي بعض الشيء.. فانشد انتباهي لما تقولان ..
واردف قائلا: لقد كنتما تتحدثان عن ملاك.. وعن املاك ما اصبحت ملكها..ما الامر؟..
قال مازن بحدة: وما شأنك انت؟..
لم يلتفت له كمال وتطلع الى والده الذي قال وهو يلوح بالاوراق في كفه: عمك خالد.. لقد سجل كل املاكه باسم ملاك.. وذلك بيعا وشراءا لها..
قال كمال بدهشة: ماذا؟.. أأنت متأكد يا والدي؟..
قال امجد بعصبية وهو يشير الى الحقيبة والى نا بها من اوراق: هذه الاوراق تثبت ذلك..
قال مازن بحيرة: وما الذي يضايقك في الموضوع يا والدي؟.. لا تقل لي انك ايضا تفكر في املاكها..
التفت له امجد وقال بحدة: احمق.. لو كنت افكر باملاكها لما استضفتهافي منزلي عندما سافر والدها.. لسلمتها لفؤاد ليضغط على خالد بواسطتها بكل بساطة.. انا متضايق لأجلها..لأن لو علم أي من عمك فؤاد او عادل بهذا الامر.. سيحاولون بشتى الطرق استرجاع هذه الاملاك..
قال كمال وهو يعقد حاجبيه: اتعني يا والدي.. بأنهم قد يستغلون ملاك في هذا الامر ويحاولون خداعها ان امكن؟..
قال امجد باستهزاء: هذا ابسط ما يمكنهم فعله..
قال مازن بعد تفكير: والعمل الآن؟..
زفر امجد بحدة ومن ثم قال: لا يسعنا سوى الانتظار.. لنعرف فيم سيفكرون بالضبط لو انهم علموا بأمر هذه الاوراق..
واردف قائلا: والآن.. بما ان هذه الاملاك اصبحت ملكا لملاك.. واخي خالد لا يمكنه ان يديرها بسبب حالته هذه ..فيجب ان نديرها جميعا.. واعني بها انا وانت يا مازن وكذلك انت يا كمال..
قال مازن بحيرة ودهشة وهو يشير الى نفسه: انا؟؟..
وقال كمال بدهشة مماثلة: انا لا ازال ادرس يا والدي..
قال امجد وهو يلتفت لمازن متجاهلا عبارتيهما:انت لديك الخبرة في ادارة بعض اقسام الشركة.. صحيح هذه المرة ستكون مسئولا عن شركة باكملها.. ولكني سأدريها معك لو وجدت الوقت الكافي.. لكن الامر يحتاج الى موافقة من ملاك شخصيا وتوقيعها على تعيينك مديرا على كل اقسامها..
ومن ثم التفت لكمال ليقول له: انت ستكون مسئولا عن العمارتين فحسب ستحصل الايجارات نهاية او بداية كل شهر فحسب ولا اظن ان هذا سيؤثر على دراستك كثيرا..
قال مازن بعدم اقتناع: لا يا والدي.. لا يمكنني ان اكون مسئولا على شركة كاملة باكملها.. لا استطيع..
قال امجد بحزم: خالد لم يسجل كل شيء باسم ملاك الا ليضمن حقها .. ويضمن ان ندير نحن هذه الاملاك.. الم يقل بلسانه امامكما انه يريدها ان تعود للعيش معنا؟.. هذا لا يعني سوى انه يريد منا ان ندير املاكه ونضمن حق ابنته..
قال كمال باعتراض:ولكنها مسئولية كبيرة..
- لم يعد لدينا خيار.. ملاك امانة في اعناقنا.. ونحن من سيضمن حقها .. وسنضطر لمواجهة اشقائي ايضا في هذا الامر .. ويجب ان نثبت حينها اننا نستطيع حمل المسئولية التي حمّلها لنا خالد..
صمت مازن ودس اصابعه بين خصلات شعره في توتر.. وهو يفكر في حجم المسئولية التي القيت على كاهله.. شركة كاملة سيكون مسئولا عنها وقد يتسبب في خسارتها لو اخطأ خطأً بسيطا جدا.. ولن يتوقف الامر على هذا.. بل سيواجه اعمامه ايضا..
فهل يمكنه لوحده ان يكون اهلا للمسئولية حقا؟..ام انه سيحتمل ذنب ما قد يصيب شركة عمه خالد..
اما كمال.. فقد غرق في تفكير عميق جدا.. يتراوح بين اعمامه وبين ملاك.. ولا احد منهم يعلم فيما يفكر.. بنظرته الغامضة تلك .. ولاحتى انا ايضا ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ارتسمت على شفتي مها ابتسامة واسعة.. سعيدة.. تحمل كل معاني الفرح والراحة.. وهي تشعر ان قلبها قد بات يرقص بين ظلوعها من السعادة وقد ضمنت اخيرا ان فارس احلامها يبادلها المشاعر وانه يفكر بالارتباط بها..
اغلقت الباب عليها ومن ثم القت نفسها على الفراش بفرح.. واخذت تتذكر كل مادار بينها وبين حسام هذا اليوم.. تشعر بكل حرف نطق به.. بكل همسة همس بها لها.. بكل لمسة ارجفت كفها.. يا الهي كم انتظرت هذا اليوم وتمنته.. كم حلمت به وتخيلته.. وها هو ذا يصبح حقيقة امامها.. قلبها يخفق بسرعة عجيبة.. ورجفة لذيذة تسري في اطرافها كلما تذكرت وجه حسام الباسم.. وكلمة احبك التي نطقها لاجلها فقط..لقد نطقها بصوت رقيق حاني لم تسمعه ينطق به في حياتها.. لا يزال يرن في اذنيها ويشل تفكيرها و...
رن هاتفها فجأة بنغمة وصول الرسائل.. فالتقطته من على الطاولة المجاورة لفراشها.. وتوردت وجنتيها بقوة وهي تفتحها وتقرأ كلماتها..كانت من حسام.. وكانت كلماتها..
" احبك.. فهل تكفي؟..اعشقك.. فهل توفي؟"
ارتجفت اناملها وهي تمسك بهاتفها المحمول.. منذ متى كان حسام معها رقيقا الى هذه الدرجة؟.. تشعر بأنه انسان آخر تماما..هل اعتراف الانسان بمشاعره يجعله يتصرف بكل عفوية وحرية؟.. يتصرف حسبما يشاء دون ان تحكمه أي قيود..
رن هاتفها المحمول بغتة ليقطع افكارها ويجعل جسدها ينتفض .. وازدادت انتفاضته وهي ترى اسم حسام يضيء على شاشته..وهمست قائلة بقلق وتوتر: ما الذي يريده حسام الآن؟.. لقد غادر المنزل قبل نصف ساعة فقط..
وبانامل مرتجفة ضغطت زر الاجابة وقالت: اهلا..
جاءها صوت حسام الهادئ وهو يقول: اهلا مها.. ما هي احوالك؟..
قالت مها بحيرة: لقد تركتني منذ نصف ساعة فحسب..
ابتسم وقال: لكن هذا لا يمنع من السؤال عنك..اليس كذلك؟ ..
ابتسمت مها بدورها وقالت: بلى.. حسنا انا بخير.. وانت؟ ..
قال حسام بهدوء: انا بخير ولكن اردت ان اسألك سؤالا.. ومع اني كنت افكر بسؤالك عنه عندما جئت الى منزلكم .. ولكنه غاب عن ذهني منذ ان رأيتك ..رؤيتك يا مها تجعلني انسى كل مشاكل العالم وهمومه..
ابتسمت مها بخجل وارتجف قلبها من رقة كلماته.. وقالت : وما هو السؤال؟ ..
ظل صامتا لثواني ثم قال بتردد: لقد سألتك ذات مرة ان كنت تشعرين بالغيرة علي.. ويومها اجبتني بـ (لا..ابدا.. من قال اني اشعر بالغيرة عليك؟)..
ابتسمت مها بمرح ومن ثم قالت: لم اكن اعلم انك تحفظ كل ما يقال لك عن ظهر قلب..
ابتسم حسام وقال بحنان: كلماتك فقط هي من تحفر في قلبي ولا يمكنني نسيانها ابدا..
واردف بابتسامة: لا تتهربي من الموضوع واخبريني.. لماذا قلت هذا يومها وانا ارى انك حقا تبادليني المشاعر؟..
رفعت مها حاجبيها وقالت مبتسمة: وايضا تيقنت من اني ابادلك المشاعر..
- بكل تأكيد .. لا يمكنني ان اخطئ في فهم ما تعنيه نظرات عينيك وارتجافة كفيك.. وملامحك.. لقد كنت اشعر بجزنك .. بخوفك.. بضيقك.. عندما كنا اطفالا .. فكيف لا تريدين ان اشعر بحبك الآن...
هل توقف قلبي عن النبض ؟.. ربما لاني لم اعد اشعر الا بصوت انفاسي وارتجافة جسدي..
ازدردت مها لعابها مرتين متتاليتين محاولة ان تجمع شجاعتها ..وقال حسام متسائلا: اخبريني لم قلت هذا يومها؟..
صمتت مها قليلا ومن ثم قالت بضيق: وكأنك لم تكن تفعل المثل..دائما تشعرني بأني مجرد اخت لك..
قال حسام مدافعا عن نفسه: أي قول هذا؟.. الست اول شخص اتصل به لأتحدث اليك كلما كنت متضايقا؟..الا اترك الجميع لمجالستك في النادي؟.. اتظنين اني في الجامعة اراك صدفة فحسب؟.. اتصدقين ان قلت لك اني اظل ابحث عنك حتى اراك للحظات فحسب؟..واحمد.. الم تري كيف كنت انظر اليه بالحفل؟.. الم اطلب منك يومها ان تبتعدي عنه؟.. ماذا تعني لك تصرفاتي هذه في رأيك؟..
توردت وجنتيها بخجل وقد شعرت بالدهشة من كل ما سمعته وقالت: عندما كنت اسالك عن سبب اهتمامك بي.. كنت دائما ما تقول " لانك ابنة عمتي".. كرهت ان اكون قريبة لك.. بسبب عبارتك تلك..
ابتسم حسام وقال: لم اكن اكمل عبارتي يومها.. كنت اتوقف عن اكمالها بسبب الوعد الذي قطعته على نفسي..
واردف بصوت دافئ وبنبرة تمتلأ حبا وحنانا: لقد كنت اود ان اقول لك دائما.." لانك ابنة عمتي وحبيبتي"..
صدقوني لقد بدأت اشعر بالاختناق.. يكفي يا حسام.. سيتوقف قلبي بسببك اليوم.. لا احتمل كل هذه المفاجآت في ساعة واحدة فحسب!..
قال حسام مستغربا صمتها: مها .. الا زلت على الخط؟..
قالت مها بارتباك شديد وبحروف متقطعة: ا..اجــ..ل..
قال حسام مبتسما: حسنا.. اتركك الآن.. وان كان قلبي معك..
لم تقوى مها على نطق كلمة واحدة.. فقال حسام وهو يضحك على خجلها: الى اللقاء..
واردف بهمس: يا حبيبتي..
قالها واغلق الهاتف.. لانه يعلم يقينا ان مها لن تجيبه.. كيف لا وهو يفهمها جيدا منذ طفولتهما.. لقد كانت تظل صامتة لوقت طويل عندما تشعر بالخجل..
اما مها فقد ظلت ممسكة بالهاتف على اذنها وكأنها تنتظر ان يتحدث حسام معها من جديد..وتركت الهاتف ببطء.. ومن ثم لم تلبث ان صرخت بقوة وهي ترمي بنفسها على فراشها: مستحيل.. لا يمكنني ان اصدق..
وضحكت بمرح على نفسها.. احيانا نشعر بأننا قد عدنا اطفالا من جديد في ساعات الفرح ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اخذ مازن يتناول طعام افطاره بسرعة وقال متحدثا الى مها: ستذهبين مع السائق الآن؟..
قالت مها وهي تومئ برأسها: اجل .. ولم تسأل؟..
قال وهو يشير الى بعض الاوراق التي على الطاولة: اريد ان توقع ملاك على هذه الاوراق.. وهي لا تكادتخرج من غرفتها ابدا.. لهذا اريدك ان تأتي معي قبلها لأتحدث اليها ..
قالت مها وهي تنهض من مكانها: لا بأس ولكن اسرع حتى لا اتأخر..
قال مبتسما: من اجلك فقط سأحاول ان ابطئ من خطواتي..
اخرجت مها له لسانها وقالت: ظريف جدا..
قال مبتسما: بالرغم منك..
واخذ يسير مع مها الى غرفة ملاك.. وكاد ان يطرق الباب.. لكن مها قالت: انتظر.. ساطرق الباب وادخل الى الغرفة.. وسأتحدث اليها.. ربما تقبل وتخرج من الغرفة..
قال مازن بملل: والى متى سأنتظر بالله عليك؟.. اخبريها ان تسرع.. علي ان اذهب الى الشركة..
قالت مها باستغراب: ومتذ متى وانت مهتم بالعمل؟..
قال مازن مبتسما: هذه المرة العمل يختلف.. انه يخص ملاك..
قالت مها بحيرة: لم افهم..
- افضل.. فقط اذهبي لنداء ملاك.. اسرعي..
طرقت مها الباب ومن ثم فتحته بهدوء واغلقته خلفها.. وشاهدت ملاك تغط في نوم عميق.. ابتسمت باشفاق عليها وهي تفكر في ايقاظها من نومها هذا.. اقتربت منها وجلست على طرف الفراش.. لتقول بصوت منخفض وهي تهز كفها: ملاك.. ملاك..
تحركت ملاك قليلا لكنها لم تفق.. فعادت مها تهزها وهي تقول بصوت اعلى بعض الشي وباسلوب مرح: هيا استيقظي ايتها الكسولة..
عبارة نطقها والدها ذات يوم.. جعل ملاك تتمتم وابتسامة ترتسم على شفتيها: اريد ان انام يا ابي..
شعرت مها بغصة مريرة في حلقها وهي تسمع عبارتها.. ولكنها قالت وهي تحاول الاستمرار في مرحها: هيا انهضي .. فلن ادللك كما يفعل والدك.. انهضي بسرعة..
قالتها وازاحت عنها الغطاء قليلا.. ففتحت ملاك احدى عينيها بتعب وقالت وهي تجذب الغطاء: الجو بارد..
ابتسمت مها وقالت: اعلم.. وبهذه الطريقة فقط ستنهضين..
قالت ملاك بصوت ناعس: ماذا تريدين؟..
قالت مها وهي تشير الى باب الغرفة: مازن يريدك ان توقعي على بعض الاوراق..
قالت ملاك بدهشة: اوراق؟.. اوراق ماذا؟..
- لست اعلم .. يقول انه عمل يخصك..سننتظرك بالخارج.. ابدلي ملابسك واتبعينا الى الردهة..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا.. في حين قالت مها بعد ان غاردت الغرفة متحدثة الى مازن: ستخرج من غرفتها بعد قليل.. انتظرها .. اما انا فسأذهب الى الجامعة الآن..
ابتسم مازن بسخرية ومن ثم قال: افضل بكثير..
قالت مها بحنق: الم تفهم بعد يا مازن؟.. انت لا تريدها فدعها وشأنها..
وضع مازن سبابته على شفتيه ومن ثم قال: لا شأن لك.. اذهبي الى الجامعة هيا..
هزت مها رأسها بقلة حيلة.. ومن ثم مضت في طريقها مبتعدة..اما مازن فقد اتجه الى احد المقاعد ليجلس عليها .. وينتظر خروج ملاك من غرفتها..وما ان خرجت حتى التفت اليها وابتسم وهو يغمز لها بعينه قائلا: منذ متى لم نراك؟.. اشتقت اليك..
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي ملاك واحست بالخجل وهي تدفع مقعدها وقالت : قالت لي مها انك تريد ان اوقع لك على اوراق .. اية اوراق تلك؟..
قال مازن وهو يضع الطاولة الصغيرة المجاورة لمقعده امامهما: اسمعيني جيدا اولا يا ملاك.. واجيبي عن سؤالي..اتعرفين ان والدك قد سجل كل املاكه باسمك؟..
اتسعت عينا ملاك وقالت بدهشة: ماذا تقول؟.. سجل كل املاكه باسمي؟.. اتقول الصدق؟..
اومأ مازن برأسه ومن ثم قال: لقد اراد ان يضمن مستقبلك.. وان يضمن ان تكون كل املاكه من بعده لك انت..
قالت ملاك بالم: لا اريد شيئا.. لا اريد مالا او املاك.. اريد ان يفيق ابي من غيبوبته.. هذا اسمى ما اطلبه..
قال مازن بهدوء: وابيك اراد لك حياة هادئة .. مستقرة دون مشاكل..دون ان يطالبك احد باملاكه..لهذا فقد سجل جميع املاكه باسمك..
قالت ملاك بتأثر وقد شعرت بغصة في حلقها: من يستطيع في هذه الدنيا تعويضي عن ابي؟.. انه يفكر في كل شيء يعنيني وان كان صغيرا..
قال مازن مشفقا: ملاك ..حاولي ان تكوني قوية وان تصبري على ما يصيبك.. وما دامت رحمة الله تسع كل شيء.. فلا تفقدي الامل ابدا..
اسرعت ملاك تمسح دمعة كادت ان تسيل على وجنتيها وقالت بصوت مختنق: ونعم بالله..لن افقد الامل ابدا يا مازن..
قال مبتسما: هكذا اريدك.. والآن استمعي الي.. لقد طلب مني والدي ان ادير انا شركة والدك والتي باتت ملكا لك الآن.. لهذا انا في حاجة لان توقعي على بعض الاوراق.. وبحاجة الى بطاقتك الشخصية ايضا..وبهذا سأمتلك توكيلا بادارة الشركة..
واردف بهدوء: انا اعلم جيدا ان ادارة شركة باكملها ومنحي توكيلا يحتاج الى رجل تثقين به وبخبرته.. وبامكانيته على تحقيق الربح لك..وانا كما تعلمين...
قاطعته ملاك قائلة: لا تكمل.. انا اثق بك يا مازن..واثق في ادارتك للشركة..
قال مازن بجدية: اشكرك على ثقتك هذه ولكن حقا عليك ان تفكري جيدا..فالمسئولية كبيرة جدا..وانا ليست لدي الخبرة الكافية .. لقد عملت مع ابي لعامين ونصف وحسب.. وخلالهما تعلمت الشيء القليل.. لهذا فقد اكون سببا في خسارة الشركة ..الشركة التي اسسها والدك..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: مازن.. خلال الفترة القصيرة التي قضيتها في هذا المنزل.. علمت فيها انك اهلا للثقة.. وكذلك.. لقد غمرتني باهتمامك منذ اليوم الاول لي هنا.. مع انك لا تعرفني جيدا.. فكيف اذا كان الامر يتعلق بشركة تخص ابي وتخصني.. ثم ان لديك من الخبرة ما يكفي بالنسبة لي.. فعامين ونصف ليست بالفترة القصيرة ..وعلى فكرة شركة ابي تختص بالاستيراد والتصدير.. ربما يعجبك العمل فيها لانها قريبة من تخصصك الا وهو السياحة ..
ارتفع حاجبا مازن وقال: وايضا تعرفين ما هو تخصصي..
قالت ملاك بابتسامة: سألت مها ذات مرة عن سبب ضيقك من عملك مع ابيك.. فاجابتني انه بعيد عن تخصصك وعرفت منه يومها انه السياحة..
واردفت قائلة: انتظرني للحظة سأحضر لك بطاقتي الشخصية ..
قال مازن بسرعة: ملاك..
قالت بحيرة: ماذا؟..
قال بامتنان: اشكرك كثيرا على ثقتك بي.. ارجو ان اكون اهلا لها .. واشكرك على كلماتك.. لقد رفعت من معنوياتي..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: بل كلماتك لي هي من ازاحت هما كبيرا عني.. صدقني كانت ستسوء حالتي بعدما حصل لابي.. لولا ما فعلته لاجلي..
قال مازن مبتسما: ما فعلته كان اقل من الواجب..
قالت ملاك مبتسمة: لم اعرفك متواضعا في حياتي..
رفع مازن حاجبيه وقال: اتعتبريني مغرورا اذا؟..
ضحكت ملاك ضحكة قصيرة جدا.. اشعرت مازن بأن الحياة قد عادت لملاك من جديد..فقال بحنان: اريد ان اراك تضحكين هكذا دوما.. تبدين اجمل بكثير وانت سعيدة هكذا..
ارتبكت ملاك وتهربت من الموضوع قائلة: سأذهب لاحضر بطاقتي الشخصية..عن اذنك..
ابتسم مازن بهدوء وهو يلمحها تدفع مقعدها ورآها تختفي في غرفتها للحظات ومن ثم تخرج منها وتتقدم منه .. لتمد له يدها حاملة بطاقتها الشخصية وقالت بابتسامة خجلة: تفضل..
التقط مازن منها البطاقة الشخصية وقال مبتسما: مرة اخرى اشكرك على ثقتك بي..وارجو ان توقعي لي على هذه الاوراق ايضا..
التقطت ملاك القلم من على الطاولة ونفذت ما طلبه فابتسم بهدوء والتفت عنها ليغادر ولكن ملاك اسرعت تناديه قائلة: مازن..
التفت لها وقال : اتريدين شيئا يا ملاك؟..
قالت ملاك متسائلة: ستأخذني الى ابي بعد ان تعود من عملك.. اليس كذلك؟..
اومأ مازن برأسه وقال مبتسما: اجل لا تقلقي..
والتفت عنها وسرعان ما اختفت ابتسامته.. لم تفكر الا في السؤال عن والدها .. وانا؟.. ولم انا متضايق هكذا؟.. الأني اعتدت ان تهتم جميع الفتيات بي؟.. لكن ملاك ليست اية فتاة.. انها مختلفة تماما عن أي فتاة رأيتها.. وهذا ما يجعلني اكون صادقا معها في اهتمامي بعكس باقي الفتيات.. لاني لا ارى من ملاك سوى الخجل.. لا ارى مشاعرا واضحة تجاهي..كل ما اراه هو ابتسامة وخجل.. ومع هذا فأنا اسعد برؤيتها.. و اسعد بلقياها و...
(الا ترى انك اصبحت تجالس ملاك اكثر من اللازم؟)
التفت مازن الى صاحب الصوت ورفع حاجبيه بدهشة قائلا وهو يهم بالخروج من المنزل: وما شأنك انت يا كمال؟..
تطلع كمال الى مازن للحظة ومن ثم قال ببرود: انها ابنة عمي هذا اولا.. وثانيا انا اعرفك جيدا واعرف طريقة تفكيرك تجاه أي فتاة تراها.. لهذا انا اخشى على ملاك منك..
ضحك مازن وهز رأسه قائلا وهو يفتح الباب الرئيسي: لا تكن سخيفا.. انها ابنة عمي .. لا افكر فيها كباقي الفتيات اللاتي اتعرف عليهن..
واجهه كمال قائلا بحزم: اذا كيف تفكر فيها؟..
قال مازن وهو يمضي في طريقه: كابنة عم..فحسب..
قال كمال وهو يمط شفتيه ويراه يبتعد: ومن يصدقك..
مضى مازن في طريقه غير آبه بكمال الذي تابعه بنظراته بضيق..وصعد سيارته لينطلق بها وابتسم بسخرية لنفسه وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره: احيانا اسأل نفسي السؤال ذاته يا كمال.. لماذا اصبحت اجالس ملاك اكثر من اللازم؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
التقط فؤاد هاتفه المحمول الذي اخذ يرن باصرار شديد.. وقال وهو يتطلع الى شاشته: ماذا يريد هذا مني الآن؟..
وضغط زر الاجابة ليقول بلامبالاة: اهلا.. ماذا هناك يا عادل؟ ..
قال عادل في سرعة: وجدتها...
قال فؤاد بدهشة: وجدت ماذا؟..
قال عادل محاولا الشرح: الطريقة التي ستجعلنا نمتلك شركة خالد ..
قال فؤاد وهو يعقد حاجبيه: واي طريقة تلك؟؟..
قال عادل مبتسما بخبث: شركة خالد باسم ابنته كما تقول .. ولكنه لن يستطيع ادارتها .. ولن تستطيع ملاك اداراتها كذلك ..
قال فؤاد باهتمام: اكمل..
- في رأيك من سيديرها غير شخص يكون لديه التوكيل بالتصرف في املاكها..وهذا الشخص يجب ان يكون قريبا منها وتثق به..
قال فؤاد وهو يزيد من انعقاد حاجبيه: لم افهم..
قال عادل مبتسما: احمد وهو من منحني تلك الفكرة بالحاحه المتواصل بالزواج من ابنة عمه مها..
قال فؤاد وهو يشعر انه قد فهم ما يرمي اليه اخيرا: اتعني انك سـ...
قاطعه عادل قائلا بمكر: سأنفذ رغبة احمد واخطب له ابنة عمه.. لكنها لن تكون مها .. بل ملاك...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء التاسع عشر
"واكتملت الخطة"
قال فؤاد وهو يشعر انه قد فهم ما يرمي اليه اخيرا: اتعني انك سـ...
قاطعه عادل قائلا بمكر: سأنفذ رغبة احمد واخطب له ابنة عمه.. لكنها لن تكون مها .. بل ملاك...
اتسعت عينا فؤاد وقال بدهشة بالغة: اتظن الامر بسيطا الى هذه الدرجة يا عادل؟.. ابنك نفسه لن يقبل بهذا الزواج..
قال عادل بلامبالاة: ابني يفكر كما نفكر نحن.. تهمه الاملاك والنقود.. وسيقبل بذلك لو علم ان شركة باكملها قد تكون ملكا له.. وان اراد ان ينفصل عن ملاك بعد ان يستطيع الحصول على الشركة.. فلن اعترض..
رفع فؤاد حاجبيه وقال متسائلا: وماذا لو لم يوافق ابنك؟.. ثم انه رجل ولا يمكنك ارغامه على شيء لا يريده..
- صدقني سيوافق.. وسنذهب لخطبة ملاك في القريب العاجل..
ابتسم فؤاد وقال: اتمنى هذا..
- اتركك الآن اذا..
قال فؤاد مبتسما: فليكن.. وعندما تذهب لخطبة ملاك لابنك ابلغني بكل ما يجري معك..
- لا توصي .. مع السلامة..
اغلق فؤاد الخط وابتسم بسخرية قائلا: احيانا يبدوا لي انك تمتلك عقلا ذكيا يا عادل بافكارك هذه..
واتسعت ابتسامته الساخرة لتشمل وجهه كله.. لكن في هذه المرة السخرية كانت لخالد وابنته ملاك.. وبما يفكر به لو ان احمد حقا قد تزوج ملاك.. واصبحت الشركة بين يدي ابن اخيه..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
طرقت مها باب غرفة ملاك عدة طرقات قبل ان تفتحه قائلة: ملاك.. الن تأتي لتناول طعام الغداء معنا؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وهي تتطلع الى شي ما يحتل كفيها.. فتساءلت مها قائلة: ولم لا؟.. اخرجي من عزلتك هذه قليلا.. لقد مضت خمسة ايام منذ ان اصيب والدك بالغيبوبة..
قالت ملاك بلهفة فجأة: هل عاد مازن من عمله؟.. لقد وعدني ان يأخذني الى ابي بعد ان يعود..
ابتسمت مها وقالت وهي تربت على كتف ملاك: سيفعل يا ملاك مادام قد وعدك.. ولكن ليس الآن.. ربما بعد ساعتين..
عقدت ملاك حاجبيها وقالت: ولم بعد ساعتين؟..
قالت مها بابتسامة باهتة: الوقت لا يزال مبكرا يا ملاك.. انتظري حتى العصر..
اطرقت ملاك برأسها بألم وقالت بحزن: لقد اشتقت اليه كثيرا..
قالت مها مغيرة الموضوع: الى ماذا كنت تتطلعين قبل ان ادخل؟..
رفعت ملاك ما بيدها وقالت: انها صور لي منذ ان كنت طفلة وحتى الآن..
قالت مها بحماس وهي تجذب الصور من يد ملاك: دعيني ارى..
وتطلعت الى الصورة الاولى التي كان يقف فيها شاب وسيم الملامح .. اسود الشعر..عريض المنكبين ..تتمتع بشرته بسمرة خفيفة.. وكانت ابتسامة سعيدة تعتلي على شفتيه وهو يتطلع الى سيدة تقف الى جواره.. بيضاء البشرة.. بنية الشعر..بريئة الملامح.. وكانت تحمل بين كفيها طفلة صغيرة في العام الاول من عمرها على ما تظن..وقالت مها بابتسامة: هذه والدتك؟..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا فقالت مها وهي تلتفت الى ملاك: تشبهك كثيرا لولا انك اخذت لون شعرك هذا من والدك..
قالت ملاك باسمة: تعنين انني انا من تشبهها..
ضحكت مها وقالت وهي تتطلع الى الصورة الثانية: اجل هذا ما اعنيه..
وابتسمت بشفقة وهي تتطلع الى صورة طفلة تجلس على مقعد متحرك وتضحك بسعادة وهي تتطلع الى والدها الذي يقف الى جوارها ويربت على رأسها بحنان.. وقالت متحدثة الى ملاك متسائلة: هل لي بسؤال؟.. لكن دون ان تتضايقي مني..
قالت ملاك بابتسامة: لن اتضايق منك ابدا..
قالت مها متسائلة بتردد: متى .. حدث الحادث الذي ادى الى شللك؟..
التقطت ملاك الصورة من كف مها وقالت: لست اذكر شيئا.. كنت طفلة.. وحسبما يقول ابي.. كنت في الثانية من عمري يومها..
قالت مها متسائلة باهتمام: وطوال هذه السنين.. لم يجد علاجا لك؟..
قالت ملاك وهي تزفر بحدة ويأس: لقد أخذني الى العديد من الاطباء.. وارسل اوراق الكشف والاشعة التي تشرح حالتي الى مختلف المستشفيات بالعالم.. لكن الاجابة كانت دائما ان العلاج يكاد يكون معدوما.. فأولا لقد كنت صغيرة حينها.. وثانيا الاصابة كانت في العمود الفقري..
واردفت ملاك بابتسامة شاحبة: لقد اعتدت هذه الحياة .. واعتدت على هذا المقعد الذي بات رفيقي الدائم.. لهذا فالامر يبدوا لي عاديا جدا..
قالت مها متسائلة: الا تفكرين بالبحث بشكل اكبر عن علاج لحالتك..
قالت ملاك وهي تهز كتفيها: لا اريد ان اتعلق بأمل واه.. ثم كثيرا ما اتسائل بيني وبين نفسي.. كيف يمكنكم السير بهذه السهولة؟..
ابتسمت مها وقالت: لقد تعلمت المشي وانت طفلة ولابد ان الامر كان سهلا جدا عليك يومها..
- لست اذكر شيئا..ولكن ابي كان يقول اني بدأت بالسير في عامي الاول..
تصفحت مها الصور مرة اخرى لتتطلع الى ملاك التي لم تتعدى العاشرة من عمرها في الصورة والنائمة كالملاك.. وضحكت ملاك قائلة: لقد التقط ابي لي هذه الصورة دون ان اعلم..
اخذت مها تتصفح الصور وقالت مبتسمة وهي تشير الى الصورة الاخيرة التي ترى فيها ملاك وهي في سنها هذا تمسك بدمية لدب وتحتضنه بمرح وطفولة: ومتى التقط لك هذه الصورة؟..
قالت ملاك بصوت خافت: قبل ان آتي الى هنا في المرة الاولى..
قالت مها فجأة: لابد لك وان تكملي المجموعة.. سألتقط لك صورة وانت بالفستان..
قالت ملاك بدهشة: أي فستان هذا؟..
- ذاك الذي ارتديته في الحفلة..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا اريد..
قالت مها بالحاح: هيا يا ملاك.. ستكون صورة رائعة.. الم تقولي بنفسك انك ستتركين الفستان هنا حتى تعودي الى منزلنا من جديد؟.. وها انتذا قد عدت اليه ..
قالت ملاك باستسلام تحت الحاحها: فليكن ولكن بسرعة من....
قاطعها صوت طرقات على الباب.. جعلها تلتفت الى الباب وتقول: من؟..
جاءها صوت مازن وهو يقول: انا..هل ادخل؟..
قالت مها بحنق: متى سيفهم اخي ان عليه ان ينسى دخول هذه الغرفة ما دامت ابنة عمه فيها..
وقبل ان تتجه الى الباب.. كان مازن قد فتح الباب وقال مبتسما وهو يتطلع الى مها: مها .. هل جئت لتنادينها للغداء ام لتجلسي معها انت الاخرى؟..
تطلعت له مها بحنق وقالت: مازن انها غرفة ابنة عمك..
قال مازن وهو يهز كتفه: اعلم..ولا تتطلعي الي بمثل هذه النظرات..
واردف متحدثا الى ملاك: ملاك.. الن تأتي لتناول طعام الغداء معنا؟..
ترددت ملاك قليلا ومن ثم قالت: وان فعلت.. ستأخذني الى ابي بعد الغداء مباشرة.. لقد اشتقت اليه كثيرا..
اومأ مازن برأسه وقال مبتسما: بالتأكيد سأفعل ما دمت ستتركين عزلتك هذه..
قالت ملاك بلهفة: شكرا لك.. سآتي في الحال..
قال مازن مبتسما وهو يلتفت عنهم : هيا بسرعة..
واغلق الباب خلفه..دون ان ينتبه لتلك الصور المبعثرة على الطاولة .. والتي كانت ستجيب عن اسألته كلها المتعلقة بذكريات الماضي الدفين...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(مستحيل..)
قالها احمد وهو يستنكر عبارة والده التي قالها قبل قليل واردف بحدة وضيق: انا يا والدي .. احمد عادل.. تريد ان تخطب لي فتاة عاجزة..
قال عادل بضيق: لا تكن سخيفا يا احمد.. لا تفكر بعجزها.. لديك عشرات الخادمات لتلبية طلباتك وكل ما تريد.. لا تهتم بها.. كل ما يهمنا هي الشركة التي تمتلكها..
قال احمد بحنق: لابد وانك تمزح يا والدي.. تريدني ان اقبل الزواج من فتاة عاجزة.. كيف اقدمها للناس والمجتمع.. كيف اخبرهم في أي حفلة ان هذه العاجزة هي زوجتي؟ .. ثم لو أقمت حفلة خطبة.. ستأتي اليها واحدهم يدفعها امام الناس...
قال عادل بلامبالاة: لا يجب ان تقيم حفلا كبيرا.. اقم حفلا بسيطا .. وافهم يا بني عليك ان تنسى أي امر آخر سوى انها تمتلك شركة..وسنمتلكها نحن ان استطعت التأثير عليها لتمنحك توكيلا بادارتها..
قال احمد برفض: انا اريد الزواج من مها .. انها هي من تناسبني .. انا لا انكر ان ملاك جميلة.. ولكنها عاجزة ولا يمكنني احتمال هذا..
وضع عادل كفه على كتف احمد وقال مبتسما بخبث: تزوجها لاسبوع فقط ان اردت وبعد ان تحصل على التوكيل طلقها..
قال احمد بضيق: لا يا والدي.. لن افعل.. من يضمن لي انها ستمنحني توكيلا لادارة اعمالها.. ربما تمنحه لعمي أمجد او احد من ابناءه..
قال عادل بحدة: ايها الاحمق .. حينها ستكون زوجها .. وانت الاحق بأن تحصل هذا التوكيل.. لو فكرت فقط في منحه لسواك فأرفض بأي حجة كانت..
واردف عادل بمكر محاولا اقناعه: استمع الي يا احمد.. ستحصل على شركة بأكملها.. تقدر بأكثر من اربع ملايين قطعة نقدية.. تخيل نفسك.. ستمتلك منزلا خاصا بك.. وافخم سيارة .. وستسافر حول العالم ان اردت.. لا تكن غبيا وتضيع هذه الفرصة من بين يديك..
قال احمد وقد بدا وكأنه قد اخذ يفتنع قليلا: ومها؟؟..
قال احمد مبتسما لاقتناعه بالفكرة: تزوجها ان اردت بعد انفصالك عن ملاك..
اخذ احمد يدير الفكرة في رأسه.. وتخيل نفسه وهو يمتلك ارقى المنازل.. واغلى انواع السيارات.. ويسافر وقتما يشاء .. يكون حر نفسه.. لا يطلب من والده مالا .. ولا يهتم بعمل او دراسة..
وقال اخيرا بابتسامة ولمعة ماكرة تلمع في عينيه: فليكن .. انا موافق ياوالدي..
ابتسم والده بخبث وقال وهو يربت على كتفه: هذا ابني الذي اعرف..
هاهي ذي الخطة قد اكتملت.. واكتمل اطرافها.. لكن هل ستسير كما يجب.. ام سيكون هناك عائقا يمنع تنفيذها؟...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع كمال باستغراب الى ملاك التي اقتربت بمقعدها من الطاولة وابتسمت قائلة بصوت خافت: لقد جئت لاشارككم طعام الغداء..
قال امجد بابتسامة: لا داعي للتبرير يا ملاك.. المنزل منزلك..
اما كمال فقد قال: كيف وافقت على مغادرة عزلتك بهذه السهولة؟..
ضحكت مها وقالت وهي تشيرالى مازن: لقد هددها اخي هذا.. ان لم تتناول طعام الغداء معنا فلن يأخذها الى والدها..
قال مازن بدهشة: انا قلت هذا؟..
اما كمال فقد قال وهو يعقد حاجبيه: دعك منه يا ملاك.. ان رفض توصيلك.. سأوصلك انا..
قال مازن وهو يطلق صفير اعجاب: يا الهي .. منذ متى وكمال يهتم بتوصيل احد في سيارته؟.. لقد ظننت انها سيارة بمقعد واحد فحسب وانا اجدك ترفض توصيل أي شخص فيها..
التفت له كمال وقال بحنق: ليس هذا من شأنك..اوصل من اشاء في سيارتي..
قال امجد بحدة: يكفي هذا.. وملاك ان اردت أي شيء فاطلبيه مني .. دعك من هذين الاثنين..
قالت ملاك بخفوت: لقد طلب مني مازن ان اترك عزلتي فحسب وانا وافقت.. لم يرغمني على ذلك كما قالت مها.. لقد كانت تمزح.. لا اريد ان اكون سببا في شجار أي احد..
قالت مها وهي تلتفت لها: لا تقلقي يا ملاك.. هما دائما هكذا.. يتشاجران لاتفه الاسباب..
وقال مازن وهو يلتفت الى ملاك: اكملي طعامك يا ملاك ولا تكترثي لشيء.. سآخذك الى والدك كما وعدتك بعد الغداء..
اومأت ملاك برأسها بهدوء ومن ثم التقطت ملعقة الطعام لتتناول طعامها ببطء..بتفكير مشوش.. بين والدها وبين مازن وكمال.. لقد اشتاقت لوالدها كثيرا وتريد ان تراه.. ولكن لا تريد ان يسبب ذهابها أي مشكلات بين مازن وكمال..
وقالت بعد ربع الساعة من التظاهر بتناول الطعام: لقد شبعت.. سأذهب لأغسل يدي.. وسأكون جاهزة..
قال مازن وهو يلتفت لها بابتسامة: فليكن.. سأكون بانتظارك ..
ونهض تاركا الغداء بدوره قائلا بسرعة وهو يتحدث الى مها: ان كنت ستأتين معنا يا مها.. اذهبي لتجهزي نفسك..
قالت مها وهي تهز رأسها نفيا: لن يمكنني الحضور..لدي الكثير من الدروس والواجبات التي يتوجب علي انهاءها اليوم ..
قال مازن مبتسما: ليتهم يمنحونك هذا القدر من الدروس في كل مرة..
قالت مها بحنق: اعلم جيدا انك قد فرحت لكونك ستكون مع ملاك لوحدك .. ولكن اعلم جيدا اني سأسالها عن تصرفاتك معها.. ولو تجاوزت حدودك.. سأخبر والدي..
قال مازن مبتسما بسخرية: متى ستكبرين وتفكرين بجدية اكبر؟..
قالت مها بحنق: عندما تكبر انت وتترك عنك ملاحقة الفتيات ..
قال مازن وهو يلوح بكفه ويمضي عنها: انا الاحقهن؟.. لا تضحكيني ارجوك..ان اردت يمكنك ان تأتي الى النادي لتعلمي انهن هن من يسعين ورائي..
تنهدت مها وراقبته وهو ينصرف صاعدا الى الطابق الاعلى.. ومن ثم الى غرفته.. سعيد.. لايمكنه ان ينكر ذلك.. كل هذا لان ملاك ستكون معه وحده.. بدون مها وبدون ازعاجاتها .. اسرع باستبدال ملابسه.. ومن ثم يغادر الغرفة ليهبط على درجات السلم قفزا وهو يطلق من بين شفتيه صفيرا منغوما..وابتسم وهو يرى ملاك تغادر غرفتها لتوها وقال مبتسما: جيد انك قد جهزت.. هيا الى السيارة..
قالت ملاك بحيرة: ومها؟..
قال بابتسامة ساخرة: لن تأتي.. لا زالت تدرس تلك المجتهدة ..
لن تأتي؟.. هذا معناه ان اكون انا ومازن لوحدنا في سيارته .. وان اجلس الى جواره.. مجرد التفكير في هذا الامر يجعل جسدي كله يرتجف.. أأذهب معه.. ام اعتذر عن الذهاب؟.. لكن ابي.. اريد ان اراه.. ان لم يأخذني مازن اليوم قد لا يأخذني لرؤيته غدا...
(ملاك.. فيم تفكرين؟)
رفعت ملاك رأسها له وقالت بتوتر: لا شيء...
اشار لها لكي تتقدمه وقال: اذا هيا..
حركت ملاك مقعدها بتوتر.. ففكرة ان تكون مع مازن لوحدها تجعل اطرافها تتجمد وقلبها يخفق بقوة.. وقال مازن مبتسما وهو يميل لها: هل ادفعك؟..
اومأت ملاك برأسها دون ان تعلق..وتساءلت.. لماذا تكون مسلوبة الارادة دائما مع مازن وتجيبه بالاجابة التي يريد كلما سمعت صوته او نظرت الى عينيه؟..
ودفعها مازن الى حيث السيارة ليفتح لها الباب المجاور له.. وظلت مترددة لبرهة قبل ان ترفع جسدها الصغير عن المقعد ونلقيه على مقعد السيارة..واغلق مازن الباب خلفها بهدوء والتقط المقعد ليطويه ويضعه في صندوق سيارته.. ومن ثم يفتح الباب الامامي ويستقر الى جوار ملاك..وارتجف جسد ملاك بالرغم منها.. فنادرا ما يكون مازن بهذا القرب منها.. لاول مرة تجلس الى جواره في السيارة.. انه شعور مخيف وموتر ومقلق ..و...جميل.. لأول مرة تشعر بأن مازن قد يكون لها في يوم.. وانها قد تجلس الى جواره مرة اخرى.. شعور ممتع هو الذي يجعلك تظن ان احلامك قد تتحقق.. احلامك التي نسجها خيالك لوقت طويل و....
( لم انت صامتة هكذا؟)
التفتت الى مازن الذي قاطع افكارها .. وقالت متمتمة بخفوت: وماذا اقول؟..
قال مازن مبتسما: سأبدأ انا بالحديث..موافقة؟..
وقبل ان تقول شيئا اردف قائلا: لقد اردت ان اسألك اولا.. ما الذي منع والدك من زيارتنا .. او زيارتك انت لنا؟..
قالت ملاك وهي تتطلع من النافذة: لست اعلم.. لطالما كان يقول لي ان الامور هكذا افضل.. الشيء الوحيد الذي عرفته انه يخشى علي كثيرا ولا يريد لاحدهم ان يجرحني بكلامه ..
قال مازن بهدوء: اظن ان السبب الرئيسي كان عمي فؤاد..
قالت ملاك وهي تومئ برأسها : اظن ذلك انا ايضا..
قال مازن وهو يتطلع لها بطرف عينه: هناك امر آخر اردت ان اتحدث فيه معك.. فعلى الرغم من المدة التي قضيتها معنا.. فلا ازال اجهل الكثير عنك..
وانا ايضا.. لا ازال اجهل الكثير عنك..مع ان ابسط تفاصيل حياتك تهمني.. وقالت ملاك بابتسامة خافتة لم تخفي سعادتها من اهتمامه بها: يمكنك ان تسألني عما تريد وسأجيبك..
قال مازن مبتسما وهو يفرد اصبعه السبابة: السؤال الاول.. ما هي هواياتك؟..
قالت ملاك بابتسامة: القراءة..
صمت قليلا.. فقالت ملاك ببعض الخجل وهي تستجمع شجاعتها : وانت؟..
ابتسم مازن وقال: ركوب الخيل والسباحة..
واردف قائلا بمرح: والآن دوري انا لسؤالك..اخبريني ما هي امنيتك؟..
قالت ملاك بشحوب: ان يفيق ابي من غيبوبته..
صمت دون ان يعلق لانه ذكرها بوالدها.. وقالت ملاك في تلك اللحظة: اشكرك يا مازن.. اعلم اني اتعبك معي كثيرا..
قال مازن بابتسامة: لا تقولي هذا.. انت ابنة عمي.. وانت امانة في اعناقنا جميعا..
قالت ملاك بامتنان: لقد فعلت الكثير لاجلي لهذا انا اشكرك كثيرا واود لو استطيع ان ارد لك هذا الجميل..
وضع مازن سبابته على شفتيه وقال: اياك وان تكملي..
ستضايقيني منك بهذه الطريقة..كل ما افعله فأنا افعله لأني اريد ذلك.. ولست في حاجة لأن تقولي سأرد لك الجميل او من هذه العبارات التي ليس لها اي داع..
واردف بحنان: الم تعلمي بعد مكانتك في قلوبنا جميعا؟..
ما الذي يحدث لي؟.. ماذا يحدث؟.. يداي ترتجفان دون توقف .. واشعر بتقلصات في معدتي.. لماذا كل هذا الاضطراب؟ .. اشعر بقلبي يخفق بقوة وكأنه سيخرج من صدري .. لقد قال لي مازن ان لي مكانة في قلبه.. لكن لست متأكدة ماهي تلك المكانة.. ربما يحبني كأخت له.. كاحدى قريباته.. لماذا اذا اشعر بكل هذا التوتر والاضطراب؟..
(لقد وصلنا)
قالها مازن فالتفتت ملاك بحيرة وتطلعت من النافذة الى المشفى.. بهذه السرعة؟.. لم اشعر بالوقت ابدا.. حتى الوقت الذي اقضيه مع مازن يمر بسرعة شديدة.. وكأنه يأبى ان استمتع بلحظات وجودي معه..
وشاهدت مازن في تلك اللحظة وهو يهبط من السيارة ويتجه الى صندوق السيارة ليخرج مقعدها ويدفعه الى حيث بابها.. وقال متسائلا: هل اساعدك؟..
قالت ملاك بخفوت: لقد اعتدت الامر.. ولا حاجة لأن تساعدني ..
قال مازن متسائلا بابتسامة: اليست مساعدتي لك تجعل الامر اكثر سهولة؟ ..
- بلى .. ولكن..
قال مازن وهو يمد يديه لها: من دون لكن.. هيا اعطني يديك لاساعدك..
لماذا دائما تشعر انها مرغمة على فعل ما يريد.. حتى وان كانت ترفضه في اعماقها.. اهو الحب ذلك الذي يجعلها تتصرف حسبما يريد هو ؟..
ومدت له يداها ليساعدها على الجلوس على مقعدها المتحرك.. فقال مازن بهدوء: ارأيت ان الامور هكذا ابسط..
ابسط؟؟.. كلا يا مازن.. هذا بالنسبة لك فقط.. اما انا فأشعر بأن ماس كهربائي قد صعق جسمي بأكمله من لمسة كفيك.. اشعر بأنك قريب مني لدرجة كبيرة حتى اني لا استطيع التفكير في شيء او فعل شيء سوى تحاشي النظر اليك .. وتحاشي تلك المشاعر التي تسيطر على كياني بأكمله عند رؤياك..
اما مازن فقد دفع مقعدها بهدوء ليسير بين ممرات المشفى ومن ثم يتجه الى حيث المصعد ليصعد معها الى الطابق الثالث.. وليتوجه معها اخيرا الى غرفة ابيها.. وهناك قال وهو يميل نحوها وقبل ان يفتح باب غرفته: تماسكي يا ملاك.. وحاولي ان تكوني شجاعة عند رؤيته.. اتفقنا؟..
قالت ملاك بصوت خافت: اجل..
فتح باب الغرفة ودخل معها الى داخل الغرفة وتطلع الى عمه ساكن الجسد الا من صدره الذي يعلو ويهبط.. وقال لملاك بصدق: سوف ينهض عمي وسيكون بخير باذن الله..
قالت ملاك بأمل: اتظن ذلك حقا؟..
اومأ مازن برأسه وقال مبتسما: اتمنى هذا من كل قلبي.. وباذن الله سينهض سالما..
واردف وهو يشير بكفه الى الباب: سأغادر الآن لتأخذي حريتك مع والدك.. وسأكون انا بالجوار.. سترينني عندما تخرجين ..
اومأت ملاك برأسها وقالت: حسنا..
لوح مازن لها بكفه وغادر الغرفة بهدوء.. اما ملاك فقد دفعت عجلات مقعدها لتتقدم من والدها وتمسك بكفه قائلة وهي تشعر بغصة في حلقها:ها قد عدت اليك يا ابي كما وعدتك وانا اعلم جيدا انك ستنهض..وستعود الي من جديد لتقول لي صغيرتي كما اعتدت.. سأظل متمسكة بهذا الامل يا ابي.. لاني لا احتمل فكرة ان ترحل وتتركني في هذه الدنيا وحيدة..
ترقرقت الدموع في عينيها في تلك اللحظة فأسرعت تمسحها قائلة: لن ابكي.. اعلم ان دموعي تؤلمك.. لهذا لن ابكي .. سأكون اقوى لاجلك يا ابي..
وارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها وهي تتطلع الى وجه والدها الذي لا يزال يحمل تلك الوسامة المحببة..على الرغم من انه تخطى سنوات عمره الاربعين .. وقالت: اتعلم يا ابي ما حدث بعد ان علمت بما اصابك..لقد كدت انهار او ربما اجن.. لو لا...
بترت عبارتها والتفتت الى الباب الذي خرج منه مازن منذ قليل وعادت لتلتفت الى والدها لتقول: لولا رحمة الله تعالى..ثم ما فعله مازن معي.. لقد جعلني اعود الى الواقع واتوقف عن صرخاتي التي لم اكن اشعر بها..
واردفت مبتسمة: وكذلك يا ابي.. لقد اهتم بأمري كثيرا .. هو وحده من استطاع ان يجعلني اعود الى وعيي وطبيعتي بعض الشيء..
وتنهدت مستطردة: اعلم انك ستقول ان عليك ان تنسيه.. لان والده كان سببا فيما حدث لنا.. ولكن لا استطيع.. صدقيني يا ابي.. ما فعله معي مازن لا يمكن ان ينسى ابدا..
واستمرت في حديثها مع والدها عن كل شيء حصل معها تقريبا.. كل احلامها وتخيلاتها قالتها له..كل شيء ما عدا حبها لمازن.. اخفته في قلبها.. وهي التي لم تعتد على اخفاء شيءعن ابيها.. لكنها شعرت ان مشاعرها هذه يجب ان تظل سرا في قلبها وخصوصا وهي تعلم أي مشاعر يكنها والدها لمازن..
وقبلت كفه اخيرا بحنان وحب قبل ان تقول: سأعود يا ابي مرة اخرى.. اعدك..
وابتسمت بشحوب مردفة: وانت ايضا انهض.. ولا تكن كسولا هكذا.. لقد نمت بما فيه الكفاية..
عضت على شفتيها بقوة والم..ومن ثم قالت وهي تعود لتقبيل كفه: الى اللقاء الآن يا ابي..
القت عليه نظرة اخيرة قبل ان تحرك عجلات مقعدها بصعوبة لتستدير عنه.. شعرت ان قلبها يكاد ينتزع من مكانه وهي تترك ابيها وتغادر عنه.. تريد ان تبقى معه لوقت اطول.. لكن مازن لا يزال بالخارج ينتظر.. ليس عليها ان تتركه كل هذا الوقت للانتظار.. يكفي انه جاء بها الى هنا بطيب خاطر ..
فتحت باب الغرفة بهدوء.. وتنهدت بقوة.. فقال مازن الذي كان يجلس على احد المقاعد المواجهة للغرفة: هه هل نمضي؟..
لومأت ملاك برأسها بخفوت.. فنهض من مكانه ليدفع مقعدها .. وعينا ملاك لا تفارقان الغرفة التي خرجت منها منذ قليل.. واناملها لا تكاد تبرح عن التمسك بالقلادة التي اهداها لها ابيها في يوم ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
بعيدا عن المشفى .. وفي ذلك المنزل الفخم بالذات.. انطلق صوت ذلك الرجل الذي بدت على ملامحه العصبية وهو يقول: ماذا تقول؟..
قال عادل مبتسما وهو يتحدث اليه عبر اسلاك الهاتف: ماذا بك يا امجد..الم تسمعني جيدا؟.. لقد قلت لك اننا قدمان بعد قليل لخطبة ملاك لأحمد..
قال امجد بحدة: ولم الآن بالذات؟.. لم فكر ابنك احمد بملاك الآن فقط؟..
قال عادل مبتسما بخبث: القلب وما يحب.. منذ ان رآها وهو متعلق بها واخذ يلح علي بالزواج منها..
قال امجد وهو يمط شفتيه: وما ادراه ان ملاك هي ابنة عمه حينها؟ ..
قال عادل بمكر: انا اخبرته.. هل من اسألة اخرى قبل ان آتي الى منزلك؟..
قال امجد بضيق: لا .. على الرحب والسعة..
واغلق الهاتف بضيق وهو يمسك رأسه.. كل شيء توقعه من اخويه.. الا ان يتخذوا هذه الخطوة.. يالهم من ماكرين .. خبثاء.. يريدون ان يزوجوها لاحمد لكي يكون كل شيء في يدهم.. تماما كما ارادوا تزويج خالد من قبل من امرأة تسلب كل املاكه.. لكن خالد استطاع ان يتصدى لهم ولم يهتم بشيء ابدا.. فهل يستطيع هو الآن التصدي لهم والاستغناء عن كل شيء ايضا من اجل ابنة اخيه؟...
انتزعه من افكاره اصوات تأتي من مدخل المنزل .. فالتفت الى مصدر الصوت وشاهد مازن وهو يدفع ملاك .. فتطلع اليه وقال: اين كنت؟..
اجابه مازن وهو يرفع رأسه الى والده: لقد أخذت ملاك لرؤية والدها..
وعقد مازن حاجبيه وهو يلمح الضيق الذي يبدوا على وجه والده قائلا: ماذا بك يا والدي؟..
تطلع امجد الى ملاك بصمت.. ففهم مازن ما يعنيه والده.. فالتفت الى ملاك قائلا: اذهبي انت يا ملاك الى غرفتك..
اومات ملاك براسها.. وانسحبت من المكان.. في حين تقدم مازن من والده وقال متسائلا بقلق: ماذا جرى يا والدي؟..
زفر والده بضيق ومن ثم قال: عمك عادل..
- ماذا به؟..
- لقد اتصل منذ قليل.. وسالني عن احوال ملاك..واخبرني بأنه سيأتي لزيارتي بعد قليل..
قال مازن بلهجة لم تقنعه هو نفسه: ربما من اجل العمل..
قال امجد وهو يبتسم بسخرية: أي عمل هذا الذي سيأتي لأجله مساءا مع ابنه الى منزلي.. ويسال فيه عن احوال ملاك..
تسلل القلق الى صوت مازن وهو يقول: الم تسأله عن سبب زيارته هذه؟؟..
قال امجد وهو يومئ برأسه: بلى سألته .. وقال حينها.. انها سيأتي الى منزلي من اجل...ان يخطب ملاك لأبنه احمد....
قالها وهو يشعر بأنه فجر قنبلة في وجه مازن.. الذي اتسعت عيناه بقوة.. وشلت الصدمة لسانه...
الجزء العشرون
"خطبة"
كان للصدمة اكبر اثر.. تلك التي جعلت مازن يتطلع لوالده بعدم تصديق.. ويعقد حاجبيه في تفكير عميق وهو يحاول استيعاب ما قاله له قبل قليل ..وطال صمته لمدة تزيد على الثلاث دقائق قبل ان يقول متسائلا بصدمة: احمد.. ابن عمي عادل؟..
قال والده بضيق: وهل يوجد غيره؟.. اجل هو ابن عمك..
قال مازن بعصبية: ذلك الاحمق احمد يفكر بخطبة ملاك.. من يظن نفسه؟..
قال امجد وهو يمط شفتيه: ليس المهم من يظن نفسه.. المهم لماذا فكر بخطبة ملاك؟..
قال مازن وعيناه متسعتان: لا تقل لي يا ابي.. انه يفكر بذلك من اجل املاكها..
قال امجد بسخرية: اتظنه اذا حبا فيها؟.. بالتأكيد لم يفكر الا بالمال والاملاك..
قال مازن بحدة: لم اتوقع ان يكون هذا اسلوبهم في الحصول على املاك عمي خالد..
قال امجدوهو مستمر في سخريته: كل شيء مباح بالنسبة لهم.. مادام الهدف هو المال..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره وقال: والعمل اذا يا والدي؟ .. لا تقل لي انك ستوافقهم على مطلبهم..
قال امجد بضيق وتوتر: لن اوافقهم بكل تأكيد .. لكن لست اعلم جيدا بما علي فعله..
قال مازن بحزم: سأرفض انا مطلبهم يا والدي ولن يهمني شيء ..
قال امجد بعصبية خلفها التوتر: لا تتسرع.. ان تسرعنا فسيتخذون أي خطوة اخرى لن يمكننا مواجهتها ابدا..
قال مازن بحدة: اذا نصمت ونترك احمد ليتزوج من ملاك.. بكل هذه السهولة.. ويستولي على كل املاكها..
قال والده بحدة مماثلة: اصمت يا مازن.. فأنت توترني بكلامك هذا.. دعني افكر بهدوء لاجد حلا جيدا..
قال مازن وهو يضغط على حروف كلماته: فكر يا والدي .. ولكن لن يحلم احمد بأن تكون ملاك له ابدا.. نجوم السماء اقرب له من ملاك.. فليفهم ذلك جيدا..
قالها والتفت عن والده مغادرا.. ولكن والده اسرع يناديه قائلا: مازن..
التفت له مازن فاردف قائلا: لا اريد ان يعلم احد عن هذا الموضوع وخاصة ملاك..
قال مازن وهو يمط شفتيه: وهل جننت حتى ازيد مشاكلها وهمومها هما آخر؟..
وكاد ان يمضي في طريقه صاعدا الدرج لولا ان رأى كمال يقف عند احد درجاته وهو يكور قبضتيه بقوة ويقول بصوت حاد: اصحيح ما سمعته؟؟..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: جيد انك علمت بالامر حتى تستطيع ان تعاوننا على مواجهة عمي..
قال كمال بغضب: الم يجد سوى ملاك؟..الم تكفيه الاموال والاملاك التي يمتلكها؟.. ايريد ان يأخذ املاك ابنة عمه ايضا؟ ..
قال مازن وهو يهز كتفيه بضيق: وماذا عسانا ان نقول؟.. سوى انه الطمع والجشع الذي يجعلهم راغبين في المزيد والمزيد من الاموال..
ضرب كمال الجدار بقبضته ومن ثم قال بغضب: مهما فعلوا او سيفعلوا.. ملاك لن تكون لأحمد..
قال مازن بحدة: ومن قال لك اني سأصمت؟.. لن يحلم احمد ابدا بأن تكون ملاك له..
وما ان انتهى من عبارته حتى ارتفع رنين جرس الباب فقال مازن بسخرية: لو ذكرنا قطعة نقدية افضل ..
قال كمال ببرود وهو يهبط درجات السلم: سأذهب لأتفاهم معهم..ولكي يعلموا جيدا ان ملاك ليست سلعة تباع وتشترى..
قال مازن وهو يسير الى جوار كمال الى حيث غرفة الجلوس التي دخل اليها احمد وعادل والدهم منذ قليل: لكن لا تخبر احدا بشيء ابدا.. لا نريد لملاك ان تعلم بالموضوع..
قال كمال ببرود: لا تقلق.. ادرك هذا جيدا..
قالها ودلفا سويا الى غرفة المعيشة.. وهناك التقت انظارهم بعمهم عادل واحمد التي كانت ملامحهم تصف تعبيرا واحدا يعتمل في نفوسهم..الانتصار...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
بعيدا عن الاحداث المتوترة التي بالطابق الارضي.. وفي غرفة مها بالذات التي تطلعت الى الدفاتر والكتب المنتشرة على طاولتها وفراشها وقالت بابتسامة وهي تتحدث الى حسام بالهاتف: اتعلم يا حسام لدي مائة شيء ادرسه وانت لا تكاد تتركني ابدا.. منذ ساعة ونحن نتحدث.. الم تمل بعد؟..
قال حسام بابتسامة: امّل؟..من من؟.. من مها حبيبتي منذ الطفولة؟..
قالت مها بخجل: هذه اول مرة اسمع فيها لقبا كهذا..
قال حسام بمرح: انه لقب مميز لأجلك فقط..
قالت مها بسعادة: لو تعلم كم انا سعيدة يا حسام.. لكن اخشى ان يكون هذا مجرد حلم واستيقظ منه..
قال حسم مازحا: ولم تستيقظين ؟.. ابقي نائمة..
قالت مها مبتسمة: الى متى؟..
- الى مالا نهاية.. او اقول لك.. الى ان آتي لخطبتك مع والدي..
قالت مها ووجنتاها قد توردتا بخجل: ومتى تقكر في ان تقوم بهذه الخطوة؟..
قال مبتسما بمرح: عندما تتطلبين مني انت ذلك..
قالت مها بضيق: مضحك جدا.. لن اطلب ذلك منك ابدا ان اعتمدت علي..
قال حساممصطنعا الحزن: احقا؟.. الا تكترثين باتمام خطبتنا من عدمها؟.. وانا الذي لا انام الليل ولا النهار بالتفكير بك.. تتركيني لكل هذا الشوق لك..
قالت مها مداعبة: لم يطلب منك احدهم الاعتماد علي..
قال حسام بجدية: لكن بحق يا مها.. بعد ان اتخرج سآتي لخطبتك .. لا تقلقي..
واردف بتساؤل: ااسألك سؤالا؟..
- بالتأكيد..
قال مبتسما: اتحبينني؟..
قالت مها وهي ترفع حاجبيها وترد ببرود: لا..
قال حسام وهو يضحك بمرح: يا الهي .. وانا الذي توقعت ان تجيبيني بنعم..
قالت مها مبتسمة: انها المرة العاشرة التي تسألني فيها ذ ات السؤال ..
- وفي كل مرة تتهربين من الاجابة..
قالت مها بخجل: وما عساي ان افعل؟.. ان كنت اعمى واصم.. لا ترى نظراتي لك.. او تسمع كلماتي التي اوجهها لك..
قال حسام بخبث: لم تقولي ابدا انك تحبيني ابدا.. فكيف تريديني ان اسمعها؟..
قالت مها بمرح طفولي: ولن اقولها.. لا تحلم بسماعها..
قال حسام بترجي: مرة واحدة فقط..
قالت مها وهي تتنهد: حسام .. صدقني.. لا يوجد سواك في حياتي.. انت الوحيد الذي يخفق له قلبي..
واردفت مبتسمة: هل يرضيك هذا لتتركني لأعاود الدراسة؟..
قال حسام مبتسما: نوعا ما.. لكن صدقيني ستقولينها فيما بعد في اليوم الواحد عشر مرات..
قالت وهي ترفع حاجبيها بتساؤل: والسبب؟..
قال وابتسامته تتسع: ستكونين زوجتي حينها..
خفق قلب مها بقوة.. مجرد التخيل بأنها ستكون زوجة لحسام .. يجعل جسدها ينتفض بقوة.. وقالت بارتباك متهربة من الموضوع: اتركك الآن يا حسام.. وعندما انتهي مما علي .. سأتصل بك..
قال حسام بابتسامة ماكرة: الى اللقاء يا حبيبتي..
قالت مها مبتسمة بخجل: الى اللقاء..
واردفت بعد ان انهت الاتصال بصوت حالم: يا حبيبي..
ولكنها لم تلبث ان افاقت من افكارها حول حسام.. على مشهد الكتب والدفاتر المتناثرة.. فقالت بتعب: يا الهي.. كل هذا بسببك يا حسام .. متى سأنتهي الآن ؟..
وابتسمت مردفة وهي تدس اصابعها بين خصلات شعرها المموج: لكن صدقني.. كل شيء لأجل عينيك يهون...
وعادت لتغرق في بحر حبها واحلامها مع حسام.. ولا احد سواه.. ترى ما الذي تخفيه لك الايام يا مها؟...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كان الجو متوترا في غرفة الجلوس.. الا من عادل وابنه احمد اللذين كانا يبدوان واثقين من كل كلمة سينطقانها.. وابتسم عادل قائلا وهو يتحدث الى امجد: انت تعلم لم أتينا الى هنا يا امجد.. فأخبرني برأيك..
ندخل مازن في الحديث قائلا: لم يمضي اسبوع بعد على ما حدث لعمي خالد.. وجئت على الفور لتخطب ابنته..
التفت له امجد وتطلع اليه بنظرة حادة حتى يصمته.. في حين قال عادل مبتسما بمكر: ولقد جئت في هذا الوقت بالذات متعمدا.. فابنته تحتاج لمن سيكون الى جوارها..
قال كمال ببرود: جميعنا الى جوارها يا عمي.. لا نتركها لحظة واحدة..
قال عادل بثقة: ولو .. فهي لا تزال تحتاج لرجل يكون الى جوارها.. رجل تثق به ويكون لها مصدر الامان..
قال مازن بسخرية: وابنك هو هذا الرجل؟..
قال عادل بحزم: بكل تأكيد لن تجدوا افضل من احمد زوجا لملاك..
قال امجد بهدوء: الامر ليس في يدنا.. سنأخذ رأي ملاك ونجيبكم..
قال عادل مبتسما بانتصار: بكل تأكيد خذوا وقتكم ..
اما مازن فقد تطلع الى والده بغير تصديق.. اوافقم على مطلبهم بكل هذه السهولة.. ويقول انه سيسأل ملاك ايضا.. وسمع والده يقول في تلك اللحظة: امنحونا فرصة على الاقل اسبوعين حتى نفاتحها في الموضوع .. فكما تعلم جيدا.. لا تزال حزينة على ما اصاب والدها ..
قال عادل بهدوء: اتفهم ذلك.. ولا اظن انها سترفض ابني احمد ابدا..
قال مازن بسخرية: ولم لا؟.. انه لم يأخذ شهادته الجامعية بعد..
تحدث احمد هذه المرة قائلا بحدة: وسآخذها قريبا.. لم يبقى لي سوى عام ونصف..
قال كمال ببرود: اذا لم لم تأتي بعد عام ونصف لخطبتهاحتى تكون موظفا على الاقل؟..
قال احمد بلامبالاة: وظيفتي جاهزة في شركة والدي.. فلم اتعب نفسي في الدراسة.. وفي انتظار الوظيفة..
قال مازن بابتسامة ساخرة: ذكي بحق..
عقد احمد حاجبيه لكنه لم يعلق .. في حين قال عادل وهو يشرب العصير الذي امامه:المهم يا امجد.. انتظر ان تحادثني عندما ترد عليك ملاك بجوابها..
قال امجد بهدوء: سأفعل بكل تأكيد..
قال عادل في تلك اللحظة: نستأذن نحن اذا..
- لا يزال الوقت مبكرا..
- لدي الكثير من الاعمال كما تعلم.. هيا يا احمد..
نهض عادل وكذلك احمد مغادرين .. وبعد ان اوصلهم امجد الى الباب .. عاد ليرى نظرات مازن المستنكرة وجمود كمال .. وبدء مازن حديثه قائلا باستنكار وحدة: كيف؟.. كيف يا والدي توافق على مطلبهم وانت تعلم مسبقا نواياهم؟..
قال امجد وهو يحاول ان يشرح لهم الامر: انا لم افعل هذا الا من اجل مصلحة ملاك.. ولأنه الحل الوحيد..
قال كمال بدهشة واستنكار: الحل الوحيد ان توافق يا والدي؟؟ ..
قال امجد بعصبية: انطقت بكلمة موافقة واحدة؟.. الم اقل اني سأسأل ملاك وحسب؟..
قال مازن متسائلا بشك: الا يعني ذلك موافقتك يا والدي؟..
قال امجد وهو يلوح بكفه: لا.. وسأخبركم لم فعلت هذا..انتم تعلمون جيدا انهم متمسكين بملاك بايديهم واسنانهم بسبب املاكها..لهذا لو انني رفضت.. سيحاولون ايجاد الف طريقة اخرى توصلهم الى ملاك..
ضيق مازن عينيه وقال وهو يحاول استيعاب ما قاله والده: اتعني ان نجاريهم فيما يقولونه وحسب؟..
قال امجد في سرعة: اجل.. سنمثل عليهم الموافقة.. حتى يعتقدون انهم سيصلون الى ما يبتغون.. وفي هذه الفترة سنحاول نحن البحث عن حل آخر..
قال كمال بهدوء: ارى ان الحل الوحيد يا والدي هو مواجهتهم ..
هز امجد رأسه نفيا ومن ثم قال: خطأ.. لو اننا رفضنا وواجهناهم بحقيقة مطلبهم.. سيؤدي ذلك الى كشف كل الاوراق.. وبالتالي سيتخذون احتياطاتهم ويقومون بالتفكير في وسيلة اكثر خبثا ودهاءا للاستيلاء على كل قطعة نقدية تمتلكها ملاك.. لكن في هذه الحالة.. يمكننا نحن ايضا التفكير بهدوء ريثما نجد حلا لحماية ملاك وايقاف ما يخططون له..
نهض مازن مكانه وقال بملل: وكاننا نتحدث عن اعداء لا عن اقاربنا..
قال امجد باسف: للاسف يا مازن.. النقود اعمت بصيرتهم وجعلتهم لا يكترثون لاي صلة قربى مادام الهدف هو المال في النهاية..
قال مازن وهو يتطلع الى والده: وانت يا والدي..الم تفعل المثل مع عمي خالد؟..
قال امجد مدافعا عن نفسه: لم افعل.. لقد خشيت على مستقبلكم فحسب ان وقفت في صف خالد يومها..
هز مازن كتفيه وقال بسخرية مريرة: واخشى ان يعيد التاريخ نفسه هذه المرة ايضا.. وتتخلى عن ابنته لأجل خوفك على شركاتك ومستقبلنا كما تقول..
قال امجد بحدة وعصبية: كيف تسمح لنفسك ان تحدثني بهذه الطريقة يا مازن.. انسيت اني والدك؟..
قال مازن بهدوء: المعذرة يا والدي..لكني اردت ان انبهك للحقيقة فحسب.. وان لا تعيد ما فعلته في الماضي مع ابنته ملاك ..
- يومها كنتم صغارا.. وكنت في بداية طريقي كرجل اعمال واحتاج لمعاونة عادل وفؤاد..
قال كمال هذه المرة: ولا زلت تحتاجها يا والدي..لكن كل ما نطلبه منك..ان تحاول مساعدة ابنة اخيك الذي لم تستطع معاونته في السابق.. على الاقل حاول ان تفعل شيئا لأجله..
توجهت نظرات امجد الى كمال وقال بحدة: الديكما المزيد؟ .. اهذا ذنبي لاني اردت لكما حياة افضل؟.. انظرا كيف تعيشان .. انظرا الى المنزل الذي قضيتما حياتكما فيه .. انظرا الى السيارات التي تقودونها.. ايعجبكم ان تعيشوا حياة بسيطة كحياة خالد؟..
وقبل ان ينطق احدهما نقل بصره بين مازن وكمال وقال بحدة: لا اريد كلمة اخرى.. ملاك لن تتزوج من احمد وسأجد حلا لهذا الامر..
قالها ومضى عنهم .. اما مازن وكمال.. فقد تسلل القلق اليهما.. فهل يمكن لوالدهما الذي تخلى عن شقيقه في الماضي من اجل ان لا يفقد جزءا من ثروته.. ان يستطيع ايجاد حل لمنع هذه الزيجة؟؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تنهدت مها بتعب بعد ان انتهت من اكمال ما عليها.. وتطلعت الى ساعة يدها لتقول بضجر: ثلاث ساعات كاملة.. يا الهي ..
واردفت مستغربة: لكن لم لم يحاول احدهم ندائي لطعام العشاء؟.. ربما قد انشغلوا.. ربما..
اسرعت تضع كتبها في ركن ما من الطاولة وتغادر غرفتها .. لتهبط منها الى الطابق الارضي وهناك استغربت الهدوء التي تبدوا عليه الردهة وكذلك عدم وجود احد بها.. حتى طاولة الطعام لا يوجد عليها أي دليل يدل على انهم قد تناولوا طعام العشاء.. الامر غريب بالفعل..
توجهت الى غرفة ملاك لتطرق الباب.. وعندما أتاها صوت ملاك يدعوها للدخول.. دخلت الى الغرفة وقالت باستغراب: ملاك.. لم لم تخرجي لتناول طعام العشاء؟..
قالت ملاك بحيرة: لم يقم احدهم بندائي لتناول العشاء.. لقد ظننت انهم منشغلين بأمر ما..
قالت مها بحيرة مماثلة: وهذا ما يثير حيرتي.. لقد مضت ساعة على موعد العشاء ولم يحاول احدهم حتى ندائنا.. اتعلمين بم حصل؟ ..
قالت ملاك وهي تحاول التذكر: عندما عدت من المشفى مع مازن .. شاهدت عمي وعلامات الضيق بادية عليه.. وكأنه ارادا ان يتحدث مع مازن في موضوع ما.. فقد طلب مني مازن حينها العودة الى غرفتي..
قالت مها وهي تهز كتفيها وتجلس على الفراش: شيء ما قد حدث ولا يريدون ان نعلم به..
واردفت مبتسمة: لكن لا يهم.. فلنتناول نحن طعام العشاء .. سأطلب من الخادمة اعداده.. تعالي معي الى الخارج..
ترددت ملاك قليلا ثم لم تلبث ان تبعتها الى الخارج .. وهناك طلبت مها من الخادمة ان تعد لهم طعام العشاء وعندما سألتها عن والدها وشقيقيها.. قلات الخادمة: لقد جاء السيد عادل وابنه السيد احمد منذ قليل.. وبعد مغادراتهم توجه سيدي امجد الى مكتبه.. والسيد كمال اظن انه قد غادر المنزل.. ولست اعلم اين السيد مازن بعد..
اومأت مها برأسها ومن ثم قالت وهي تجلس خلف طاولة الطعام: شيء ما قد حدث ولا نعلم به..وربما يتعلق بعمي عادل..
قالت ملاك وهي تقترب بمقعدها من الطاولة بدورها وتجلس خلفها: اسألي ابيك او مازن عندما ترينهما..
قالت مها وهي تزفر بحدة: لا نعلم اين هو مازن بعد؟..
قالت ملاك بقلق: ربما غادر المنزل..
هزت مها كتفيها وقالت: ربما..
وانطلق فجأة رنين هاتف مها معلنا وصول رسالة قصيرة.. فالتقطته وفتحت الرسالة التي كانت تقول ..((الم تنتهي بعد؟ .. اشتقت اليك..))
ابتسمت مها بخجل ولاحظت ملاك ذلك.. واجابته الاولى برسالة تقول..(( بلى ولكني اتناول طعام العشاء الآن.. سأتصل بك بعد ان انتهي))..
جاءتها رسالة حسام على الفور..(( كيف لي ان اصبر كل هذا الوقت؟.. فليكن سأصبر لكن بشرط.. تناولي طعامك بسرعة))
ضحكت مها بخفوت .. وابتسمت ملاك وهي تراها تضحك هكذا.. هذه الايام ترى مها سعيدة جدا .. وتشعر انها تكاد تقفز بمرح وسعادة..احست ان مها قد تغير فيها شيئا ما.. اختفت نظرات الحيرة والقلق من عينيها.. لتحل محلها نظرات حالمة وسعيدة.. تشعر ان الامر يتعلق بحسام و ...
( دائما مجنونة يا شقيقتي)
التفت ملاك الى صاحب الصوت بحدة.. اما مها فقد رفعت رأسها فجأة وتطلعت الى مازن بتوتر.. واردف هذا الاخير بسخرية وهو يجذب له المقعد المجاور لملاك:اليوم تبتسمين لهاتف .. وغدا ماذا ستفعلين؟..
قالت مها وهي تخرج لسانها له بضيق: لا شأن لك.. افضل من ان ابتسم لك..
اما ملاك فقد توترت اطرافها .. لماذا يتعمد الجلوس بالقرب مني؟.. الا يعلم ان هذا يوترني؟.. يجعلني لا اشعر بشيء مما حولي .. سوى صوت انفاسي وضربات قلبي التي تكاد تكون مسموعة للجميع..
اما مها فقد تطلعت اليه وقالت وهي تعقد حاجبيها: ماذا بك يا مازن؟..
قال مازن وهو يحاول ان يخفي قلقه: لاشيء..
قالت مها متسائلة بتوتر: حتى كمال لا اراه بالمنزل.. ما الذي يجري؟..
لوح مازن بكفه وقال: لاشيء.. فقط مشكلة بالعمل ان كان الامر يهمك..
قالها وهو يلتقط طبقا ويضع فيه عدة اصناف من الطعام.. واخذ يختلس بين الحين والآخر النظرات لملاك.. لا يمكنه ان يحتمل فكرة ان تكون كل هذه البراءة والرقة والطيبة لأحمد.. كيف يمكنه ان يتخيل ان تكون ملاك هذه الفتاة الصغيرة التي لا تملك اقل الخبرة من الحياة تحت ايدي وسلطة اعمامه؟.. يستغلونها ويخدعونها كما يشاؤون مستغلين وضعها هذا وعدم خبرتها بالحياة..كيف له ان يحتمل ان تذبل هذه الوردة المتفتحة؟ .. مهما كان او سيكون انها ابنة عمه ولن يسمح ان تكون لذلك الخبيث احمد.. لن يسمح بهذا..
اما مها فقد لاحظت شروده وقالت متسائلة: ليس من عادتك ن تصمت دون ان تسخر مني..
التفت لها مازن وقال بابتسامة باهتة: يبدوا وان سخريتي تفرحك كثيرا ..
قالت ملاك في تلك اللحظة: حقا يا مازن.. ليست عادتك ان تظل صامتا لفترة هكذا.. ما الذي جرى؟..
تطلع مازن لملاك .. لا يمكنني اخبارك يا ملاك.. ولست احمقا لافعل.. اتضايق وحدي مرة.. افضل من ان تعاني انت آلاف المرات بعد ان تعلمي بالامر...
وقال اخيرا وهو يزفر بحدة: لا شيء .. مشكلة في العمل كما اخبرتكما..
قالت مها بشك: ومنذ متى تهتم بالعمل؟..
قال مازن بعصبية: منذ هذه اللحظة..
استغربت كلتاهما عصبيته.. وظلتا صامتين لفترة من الوقت .. ولكن تساءلت ملاك بعدها بصوت خافت: هل لي بسؤال؟ ..
التفت لها وقال مبتسما: بكل تأكيد يا ملاك..
تحاشت نظراته اليها وقالت متسائلة: اين كنت؟.. لقد قالت الخادمة انها لا تعلم بمكانك ..
اشار مازن الى الخارج وقال وهو يهز كتفيه : في حديقة المنزل ..
قالت مها مستغربة: وماذا تفعل هناك؟..
غمز لملاك بعينه وقال مبتسما: اراقب الطيور واتحدث الى الزهور..
ارتفع حاجبا ملاك بغرابة وقالت بحيرة: ماذا؟..اتعني ما تقول؟ ..
اخرج من جيب سترته زهرة بيضاء اللون وقال بابتسامة واسعة: اجل وهذا هو الدليل..
وحركها بين انامله ليقول بابتسامة مردفا: انها تشبهك يا ملاك.. لهذا قطفتها..
تطلعت له مها باستغراب.. فلأول مرة في حياتها ترى شقيقها على هذا النحو من الرقة والحنان.. اما ملاك فقد قالت باستغراب: تشبهني؟.. ماذا تعني؟..
داعب الزهرة بأنامله وقال بابتسامة: اجل تشبهك.. انظري اليها كيف هي ناصعة البياض.. نقية ..صافية.. لم تشوبها أية الوان .. ولم تلوثها ذرات الغبار بعد..
تطلعت له ملاك بخجل ومن ثم قالت بصوت خافت: في الحقيقة لم افهم سوى نصف ما قلته..بشأن الشبه بيني وبين هذه الزهرة..
ابتسم مازن بحنان وقدم لها الزهرة قائلا: ولهذا هي تشبهك..
قالت مها بضيق: مازن .. الا ترى انك قد تجاوزت حدودك؟ ..
قال مازن وهو يرفع رأسه لمها: لا ..لا ارى شيئا.. انني اهدي ابنة عمي زهرة فحسب..
صمتت مها بحنق وضيق.. اما ملاك فقد ابتسمت بارتباك وخجل وهي تلتقط الزهرة منه.. هذه الزهرة الثانية التي يهديها لها .. وستضعها في ذات الرواية ايضا..
( هل تأخرت؟)
التفت مازن لكمال الذي اقترب من طاولة الطعام لتوه وقال بابتسامة: ليس شيئا غريبا عليك ان تتأخر..
قال كمال وهو يجذب له مقعدا خلف الطاولة: اين والدي؟..
قال مازن مجيبا: ربما كان في غرفة المكتب..
تسائلت مها قائلة في تلك للحظة: كمال .. اين كنت؟..
لوح كمال بكفه ومن ثم قال: خرجت لاستنشق بعض الهواء ليس الا..
نقلت مها بصرها بين مازن وكمال وقالت وهي تضيق عينيها: شيء ما قد حدث .. ولا تريدون اخبارنا به.. اليس كذلك؟ ..
قال كمال ببرود: وما شأنك انت في مواضيع تخص عمل والدي ..
قالت مها بضيق: لن تكذبا علي .. الامر لا يتعلق بالعمل.. والا ما دخل كمال به..
قال كمال مجيبا: لقد بدأت بالعمل مع والدي ان كنت لا تعلمين..
زفرت مها بضيق ولكنها لم تلبث ان قالت في حنق: لن اسألكما اكثر من هذا.. لقد مللت.. سأتناول طعام العشاء واذهب الى غرفتي..
قال مازن بابتسامة ساخرة: افضل بكثير.. لنرتاح من ازعاجك لنا ..
لكنها ادركت ان هناك امر ما يخفيانه حقا.. وهذا الامر يتعلق بملاك ايضا.. وخصوصا وهي تلمح نظرات مازن وكمال التي يختلسونها لملاك بين الحين والآخر ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
صبي في الثالثة عشرة من عمره يتطلع باستغراب الى طفلة جالسة على مقعد ذو عجلات.. وتطلع الى الطيور التي تحلق في السماء بابتسامة مرحة وسعيدة..ويتقدم منها قائلا بحيرة: من انت؟..
انتفضت الطفلة عندما انتبهت لوجوده لتوها .. وسقطت دميتها من بين يديها.. فابتسم بهدوء وهو يلتقط الدمية ويعيدها اليها قائلا: خذي دميتك..
قالت بابتسامة مرتبكة: شكرا لك...
افاق مازن فجأة من احلامه على صوت رنين المنبه المزعج ..وتطلع اليه بعين مغلقة واخرى مفتوحة.. قبل ان يتثاءب ويقول وهو يزيح الغطاء عنه: متى سأنتهي من هذا العمل؟..
لم يهتم كثيرابالحلم الذي رواده في نومه .. ظنا منه انه مجرد اضغاث احلام كما يقولون.. وان بدا له وجه الطفلة مألوفا له وبشدة وكأنه قد رآه من قبل..
نهض متوجها الى دورة المياه.. ليستعد بعدها ويستبدل ملابسه ..ومن ثم يقوم بترتيب خصلات شعره.. قبل ان يضع هاتفه المحمول ومفتاح السيارة في جيب سترته.. وبعدها يغادر غرفته.. هابطا الى الطابق الارضي.. وهناك توجه في سرعة الى طاولة الطعام التي كانت تجلس عليها مها وحدها.. وقال مبتسما: هه.. تبدين سعيدة بهذه الابتسامة التي تحتل وجهك منذ الصباح على غير العادة؟..
قالت مها وهي تتناول طعامها: هذا امر لا يعنيك..
لكن سبب سعادتها كان لقاءها بحسام عند وصولها الى الجامعة ..ستراه.. وستتحدث اليه.. وتشعر بمشاعره الموجهة لها .. وبكل نظراته التي يتطلع بها اليها.. نظراته هذه المرة ستكون مختلفة.. ليست نظرات حسام ابن خالها.. حسام المهتم لأمرها..بل نظرات حسام الذي يحبها..وتحبه...
اما مازن فلم يهتم بأمرها بل اخذ يشرب عصير البرتقال على وجه السرعة ويتناول قطعة من البسكويت ويقول وهو ينهض من مكانه: سأغادر الآن.. اتريدين شيئا؟..
اجابته مها بهدوء: لا..
غادر طاولة الطعام في سرعة ليسير عبر ممرات الردهة وهناك .. شاهد والده وهو يخرج من المكتب.. فقال مستغربا: الم تغادر بعد يا والدي؟..
قال امجد وهو يتطلع اليه: جيد انك لم تذهب بعد.. تعال الى غرفة المكتب اريد ان اتحدث معك..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: ما الامر يا والدي؟..
قال امجد وهو يشير له الى غرفة المكتب: ادخل اولا.. وسأخبرك بكل شيء..
دلف الى الغرفة وهو مستغرب من استدعاء والده له.. وهو الذي اعتاد ان يتلقى الاوامر منه فحسب دون مناقشته في أي شيء ..وقال امجد في تلك اللحظة: لقد فكرت طويلا في موضوع خطبة ملاك لأحمد.. وقررت ان اجد حلا يحمي ملاك من استغلال عادل وابنه .. ولكن...
عقد مازن حاجبيه بترقب.. وانصت باهتمام..في حين اكمل امجد قائلا وهو يتطلع اليه: ولم اجد سوى حلا واحد يمنع هذه الزيجة..
ارتخت عضلات مازن لان والده لم يحاول الخضوع لطلب عادل ..وقال متسائلا باهتمام: وما هو هذا الحل في رأيك يا والدي؟ ..
قال امجد وهو يضغط على حروف كلماته: ان تتزوج ملاك من شخص آخر وبهذا اضمن ان تكون زوجة لشخص آخر- غير احمد- وتحت حمايته ولا يمكن لاحدهم بعدها ان يستغلها او يطالب بقطعة نقدية واحدة من اموالها..
وقبل ان يفيق مازن من دهشته مما قاله.. وقبل ان ينطق بكلمة واحدة .. قال والده مردفا بحزم وهو يشير اليه: وهذا الشخص سيكون انت... يا مازن...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الواحد والعشرون
"الرفض او الموافقة"
لم يستوعب مازن عبارة والده الاخيرة.. وظن انه لم يسمعه جيدا..او انه قد اخطأ في سماع العبارة.. وظل جامدا لبعض دقائق والدهشة تسيطر على كيانه .. ومن ثم لم يلبث ان قال يتوتر وهو يريد ان يتأكد مما سمعه: ماذا قلت يا والدي؟..
قال امجد بحزم: ما سمعته يا مازن.. الحل الوحيد هو ان تتزوج من ملاك..
قال مازن بتوتر واضطراب وهو يلوح بكفه: لابد وانك تمزح يا والدي.. تريديني ان اتزوج من ملاك..
عقد امجد حاجبيه ومن ثم قال: وماذا في هذا؟.. انت ابن عمها واحق بها من احمد الذي يفكر في ثروتها ليس الا..
قال مازن وهو يبعد نظراته قليلا: ولكن يا والدي.. انها.. انها عاجزة.. لا يمكنني ان اتزوجها.. لم اتخيل يوما ان تكون زوجتي فتاة عاجزة ..
وضع والده يده على كتفه وقال بهدوء: استمع الي يا مازن.. كما اخبرتك انه الحل الوحيد.. لو تزوجتها انت.. فلن يمكن لأحمد او والده استغلالها بهذه الطريقة..
قال مازن وهو يزدرد لعابه: يمكننا ان نخبرهم بأن ملاك قد رفضت وينتهي الموضوع..
قال امجد وهو يضغط على كتفه بهدوء: لن يلبثوا ان يجدوا حلا او وسيلة للضغط علينا لاتمام هذا الزواج.. مازن.. انت ابن عمها واحق بها.. وستحافظ على ثروتها كذلك.. ثم انني اخترتك بالذات لانك ابني البكر ولم تتزوج بعد وانت توشك على انهاء عامك الخامس والعشرون.. كذلك لقد انهيت دراستك ولديك عمل .. لا ينقصك سوى الاستقرار بوجود زوجة في حياتك..
قال مازن بتردد: لكن ملاك يا والدي.. ذات وضع خاص تحتاج الى رعاية واهتمام دائم..
قال امجد وهو يفكر: فليكن.. لدي حل آخر.. فلتتزوجها .. ولكن مجرد عقد قران فقط حتى لا يحاول عادل الضغط علينا لتزويجها من ابنه.. اما الزفاف فلن يقام.. سننتظر حتى ينهض خالد باذن الله من غيبوبته وتعود الى حمايته..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره وقال: واذا لم ينهض؟ ..اعني اذا طالت فترة غيبوبته..
قال والده بهدوء: عندها يمكنك الانفصال عنها بهدوء دون ان يعلم احد.. واذا سألنا أي احد عن سبب عدم اتمام الزواج سنتعذر بحالة خالد..
قال مازن وهو يزفر بحدة: واذا فكرت بالزواج يا والدي من اخرى ؟..
اجابه والده وهو يتطلع اليه: ملاك ستكون زوجتك على الورق تقريبا.. سيقام لكما حفل بسيط اذا اردت حتى لا يتحدث احد فحسب.. وعندما ينهض والدها من غيبوبته ستنتهي مهمتك .. ويمكنك الزواج بعدها.. وان طالت فترة غيبوبته كما تقول لفترة اطول.. تزوج من اخرى فلا يمكنني الاعتراض.. فزواجك بملاك.. قائم على المصلحة ولحمايتها فحسب..
قال مازن وهو يهز رأسه نفيا: لا يمكنني يا والدي.. اشعر اني بهذه الطريقة سأخدعها..
قال امجد بصرامة: بل انت تحميها.. تحميها من زواجها باحمد .. تحافظ على اموالها.. وتمنحها الشعور بالثقة والامان الذي فقدته بعدما اصاب والدها..
تطلع له مازن بنظرات مترددة.. فقال امجد وهو يتنهد: اعلم ان الامر يبدوا صعبا بالنسبة لك.. ولكن فكر جيدا.. انت بذلك تحمي ابنة عمك من شر فؤاد وعادل..
قال مازن في سرعة: سأحاول حمايتها ان كنت استطيع.. ولكن ليس بهذه الطريقة.. اشعر اني اخدعها واستغل ظروفها التي تمر بها..
قال امجد وهو يبتعد عنه قليلا: على العكس.. ستشعر بالامتنان لك لأنك حافظت على املاكها واملاك والدها.. وكنت لها مصدر الامان الذي تبحث عنه..
واردف وهو يهم بالخروج من الغرفة: فكر جيدا يا مازن.. فكر وامنحني جوابك بعد اسبوع.. بالرفض او الموافقة..
قالها وغادر غرفة المكتب .. تاركا مازن يدس اصابعه بين خصلات شعره في توتر.. ويغرق في تفكير عميق.. عميق جدا...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
سارت مها الى جوار صديقتها بين ممرات الجامعة وقالت وهي تتحدث اليها: اختبار اليوم كان صعبا بعض الشيء..
قالت صديقتها بضيق: معك حق..
قالت مها وهي تزفر بحدة وضيق: وعلى الرغم من اني قد امضيت ثلاث ساعات تقريبا في الدراسة.. الا اني لم استطع الحل بشكل جيد و...
(ذلك لانك لم تقومي بالدراسة جيدا)
التفت مها الى صاحب الصوت وكذلك فعلت صديقتها ..وقالت الاولى بتوتر: حسام.. اهلا ..كيف حالك؟..
قال حسام مردفا وكأنه لم يستمع الى عبارتها: ربما كنت تتحدثين الى شخص ما طوال تلك الفترة ولم تتمكني من الدراسة بشكل جيد.. بسبب التفكير فيه..
كانت تعلم انه يتعمد احراجها.. لذا فقد قالت بابتسامة: لا ابدا .. لقد كنت ادرس بهدوء.. ولم يكن يشغل ذهني شيء سوى الدراسة..
قال حسام وهو يتطلع اليها: هكذا اذا..
شعرت صديقتها انه لا مكان لها بين هاذين الاثنين فقالت مبتسمة وهي تنسحب: سأسبقك يا مها الى كافتيريا الجامعة..
أومأت لها مها برأسها.. وانصرفت صديقتها.. اما مها فقد اتسعت ابتسامتها وهي تتطلع الى حسام الذي قال وهو يتطلع لها بطرف عينه: اذا لم تكوني تتحدثين الى شخص ما ولم يشغل ذهنك احدهم..
قالت مها بخجل: اعلم جيدا انك تفكر باحراجي لهذا تعمدت ان احرجك بدوري..لكن الحقيقة هي انني لم ادرس جيدا لهذا السبب بالذات..
قال حسام متسائلا بابتسامة: تعنين اتصالي بك؟..
هزت مها رأسها نفيا وقالت بخجل اكبر: بل التفكير في شخص ما..
قال حسام وهو يشير الى وجهها: جيد انك اعترفت..
قالت مها مبتسمة بارتباك: اراك بعد ان انهي محاضراتي يا حسام.. عن اذنك الآن..
اسرع حسام يقول: انتظري..
التفتت له مها وقالت متسائلة: ماذا؟..
وضع يده في جيب بنطاله ومن ثم قال وهو يخرج علبة صغيرة منه: انظري هنا..
تطلعت مها الى العلبة ففتحها في تلك اللحظة وكانت عبارة عن شكل لقلب مطلي بلون الذهب اصغر من حجم قبضة اليد بقليل.. ويبدوا وكأنه منقسم عند منتصفه بخط متعرج.. فقالت مها مبتسمة: رائع جدا..
قال مبتسما وهو يلتقط القلب في قبضة يده: انظري.. انه ليس كما تظنين..
قالها ومن ثم قسم شكل القلب الى نصفين.. وقال وهو يطبق على النصف الاول بقبضته: هذا النصف سيكون معي..
والتقط كفها ليضع النصف الآخر في راحة يدها: والآخر سيكون معك..
تطلعت اليه مها بعدم فهم.. بارتباك من نظراته.. بخجل من لمسة كفه.. فقال هو موضحا وهو يترك كفها:سيكون كل نصف من هذا القلب عند الآخر.. حتى يكون ذكرى للحب الذي يجمعنا.. وحتى نلتقي..
واردف بهمس: اعني زواجنا..
ارتحف قلبها عند سماع العبارة وتوردت وجنتاها بخجل.. ومن ثم لم تلبث ان تطلعت له بحنان وامتنان.. ونقلت نظراتها الى نصف القلب الذي يحتل راحة كفها وقالت بابتسامة خجلة: شكرا لك.. لم اتوقع ان اتلقى هدية كهذه في حياتي .. ومنك انت بالذات..
تسائل حسام بابتسامة حانية: ولماذا؟..
ازدردت مها لعابها وقالت وهي ترفع رأسها تبعد بعض خصلات شعرها عن عينيها : ذلك لأني كنت اظن انك لا تحمل لي اية مشاعر في قلبك..
قال بابتسامة واسعة: والآن وقد علمت بمشاعري تجاهك.. ورأيت نصف القلب هذا في يدك.. ما هو شعورك؟..
قالت مها بخجل: اشعر وكأنني احلم..
قال حسام متسائلا: لماذا يجب ان تكون الاحلام وحدها هي التي تحمل لنا السعادة؟.. كذلك الواقع يمكن ان يفعل الشيء ذاته.. فها انذا معك.. وامامك.. ولست في حلم بل هو واقع ملموس..
قالت مها بابتسامة: ربما لان الاحلام تكون كما نشاء دون شروط او قيود.. نفكر فيها بحرية.. ونحلم بالمستحيل احيانا..
واردفت قائلة بامتنان وخجل وهي تطبق على النصف الآخر من القلب بيدها كما فعل هو: واشكرك كثيرا على هديتك ..
قال حسام وعيناه تبرقان ببريق سعادة وحنان: حتى نلتقي..
اومأت مها برأسها وقالت بخجل ممزوج بالسعادة مكررة عبارته : حتى نلتقي..
والتفتت عنه لتقول: عن اذنك الآن.. فصديقتي تنتظرني..
همس لها في سرعة: سأراك بعد ان تنتهي محاضراتك.. لا تغادري..
قالت مها بابتسامة واسعة: لن افعل..
وراقبها وهي تبتعد عنه .. ومن ثم قال وهو يتطلع الى كفه القابضة على نصف القلب الآخر: قلبك في أمان معي يا مها.. واتمنى ان يكون قلبي في امان معك كذلك..حتى نلتقي..
وابتسم بحنان وهو يضعه في جيب سترته ويمضي في طريقه مغادرا بدوره...
ومر الوقت بطيئا بالنسبة لهما.. وهما يعدان الدقائق والثواني حتى انتهاء وقت المحاضرات..واخيرا ابتسمت مها بمرح بعد انتهاء محاضرتها الاخيرة وقالت: عن اذنكم جميعا..
اسرعت صديقتها تقول: انتظريني سأذهب معك..
قالت مها في سرعة وهي تغادر: معذرة فأنا على عجلة من امري ..
واسرعت تعبر ممرات الجامعة حتى وصلت الى الخارج ومن ثم توقفت عندما وصلت الى مواقف السيارات.. تعلم ان حسام ينتهي قبلها.. وقد يكون ينتظرها الآن..اخذت تتلفت حولها يمينا وشمالا.. وبغتة..شعرت بيدان تغلقان عينيها.. وصاحبها يقول بابتسامة : من انا؟..
ابتسمت وقالت وهي تحاول اغاضته: همم.. احمد..
انزاحت الكفان عن عينيها بسرعة.. وشاهدت حسام يتطلع اليها بضيق ومن ثم يبتعد عنها..اسرعت تلحقه وتقول وهي تمسك بذراعه: لا تتضايق .. ارجوك.. لقد كنت امزح..
التفت لها حسان ونظراته لا تزال تحمل الضيق.. فقالت مها بابتسامة: اقسم اني كنت امزح..
قال حسام وهو يلتفت لمها بتهديد مصطنع: فليكن مها.. ولكن سأعيد الكره لك..
ابتسمت مها لعبارته وقالت متسائلة: والآن..اخبرني بم تريده؟ ..
قال مبتسما: ما رأيك ان اوصلك بسيارتي الى المنزل؟..
قالت مها وهي تصطنع التفكير: سأفكر..
قال حسام بابتسامة مرحة: في السابق كنت تقولين (اوصلني.. السائق لم يأتي هذا اليوم) على الرغم من قدومه.. والآن (سأفكر)..
اتسعت ابتسامة مها وما لبثت ان تحولت الى ضحكة خجلة.. فقال حسام وهو يجذبها من كفها: ثم من قال اني سأنتظر رأيك اصلا.. ستأتين معي بالرغم منك..
استسلمت مها لكفه التي تجذبها.. وشعرت بسعادة تسيطر على كيانها.. منذ متى وهي تتمنى ان ترى حسام وهو يشعرها بكل هذا الحب؟.. وها هي ذي امنيتها قد تحققت ..قلبها يخفق بسعادة وحب.. ومن اجل حسام فحسب..
وصلت في تلك اللحظة الى سيارة حسام ففتح لها الباب المجاور .. فدلفت اليه وابتسامة على محياها.. ودار حسام حول مقدمة السيارة ليصعد اليها ومن ثم ينطلق بها.. واخرجت مها هاتفها من حقيبتها لتقول: سأخبر السائق ان ينصرف..
لم يعلق حسام واتصلت بالسائق لتخبره ان حسام سيوصلها..ومن ثم لم تلبث ان رفعت رأسها لتتطلع الى الطريق لتقول في حيرة: هذا ليس الطريق الى المنزل..
اومأ حسام برأسه وقال: اعلم..
قالت مها بتساؤل: الى اين نحن ذاهبين اذا؟.. الم تقل انك ستوصلني الى المنزل؟..
قال حسام بمرح: سأختطفك..
قالت مها بمرح مماثل: يا الهي.. سأتصل بوالدي اذا لكي يتفاهم معك و...
قاطعها حسام وهو يجذب الهاتف من يدها في سرعة: لا .. لن تتصلي بأحد..انه اختطاف سري..
ضحكت مها بمرح.. وشاركها حسام الضحك ومن ثم قال: لم تخبريني الى اين تريدين الذهاب؟..
قالت مها وهي تهز كتفيها: لا يهم.. المكان الذي يعجبك ..
اخذ ينطلق بالسيارة ليوقفها بعد دقائق امام احد المطاعم ويطلب له ولمها وجبتي غداء وبعض الكعك..فقالت مها مبتسمة: جيد انك تذكرت اننا لم نتناول أي طعام بعد..
قال حسام مازحا: من قال انني طلبتها لك.. جميعها لي..
ابتسمت مها بمرح وقالت : يالك من...
توقفت السيارة بغتة.. فالتفتت له مها وقالت باستغراب: ما الامر؟.. لم توقفت؟..
قال حسام بحيرة: لا اعلم .. لقد توقفت السيارة لوحدها قجأة ..
قالت مها بقلق: حاول ان تدير المحرك مرة اخرى..
حاول حسام ادارته عدة مرات ومن ثم قال وهو يزفر بحدة: لا فائدة..
قالت مها بتوتر: ما العمل؟..
التقط حسام هاتفه المحمول وقال وهو يهم بالاتصال: سأتصل على مازن او أي شخص سواه ليأتي ويأخذنا من هنا..
تطلعت اليه مها ورأته يعقد حاجبيه وهو يضع الهاتف على اذنه ومن ثم يبعده قائلا: يبدوا اننا خارج حدود التغطية..
اسرعت مها تقول: سأجرب الاتصال بهاتفي..
واخذت تبحث عنه في حقيبتها ومن ثم قالت وهي تلتفت له: انه معك.. اليس كذلك؟..
قال وهو يتذكر: بلى..
والتقطه ليتصل به.. ولكن ملامح خيبة الامل ظهرت على وجهه فقال وهو يزفر بحدة: خارج حدود التغطية ايضا..
عقدت مها ذراعيها امام صدرها وغاصت في مقعدها بضيق لتقول: والعمل الآن..
قالت حسام بابتسامة: لا شيء.. سننتظر مرور سيارة ما.. ثم أي شعور اجمل من ان نكون انا وانت معا.. ولوحدنا بعيدا عن الناس وعن الكون بأكمله..
توردت وجنت مها بخجل ومن ثم قالت: ليس هذا وقت مثل هذا الحديث .. انظر الى المشكلة التي وقعنا فيها..
قال حسام بلامبالاة: لا ارى شيئا ابـ...
قاطعته مها قائلة في سرعة وهي تتطلع من النافذة: سيارة قادمة.. فلتوقفها..
التفت لها حسام وقال مبتسما: لا داعي..
ارتفع حاجبا مها وقالت: الم تقل اننا سننتظر قدوم سيارة لتوصلنا؟.. فلم تقول الآن انه لا داعي لذلك؟..
قال حسام وابتسامته تتسع وهو يدير المحرك : لانه حقا لا داعي لذلك..
اتسعت عينا مها في تلك اللحظة وقالت بدهشة: اكنت تمثل علي طوال الوقت؟..
ضحك حسام بمرح وقال وهو يعاود الانطلاق بالسيارة: واحدة بواحدة.. اليس كذلك؟..
قالت مها بحنق: مزاحك ثقيل ايها الاحمق..
تطلع لها حسام بغتة بطرف عينه وقال بتهديد مصطنع: ماذا قلت؟..
اخرجت له لسانها وقالت بمرح: احمق..
بغتة امتدت يد حسام الى اذنها شدها بقوة وقال: لم اسمع..
قالت مها بابتسامة وهي تتألم: يؤلم يا حسام .. دعني ..
قال حسام بابتسامة: اعتذري اولا...
قالت مها في سرعة:آسفة..آسفة.. هل يرضيك هذا؟..
ترك اذنها وهو يبتسم بمرح وقال: قليلا..
دعكت مها اذنها وقالت بضيق: آلمتني ايها...
قاطعها حسام في سرعة: ماذا؟..
قالت مها مبتسمة : لاشيء.. لا شيء..
وابتسمت بسعادة وهي تتطلع اليه.. والى ملامحه الوسيمة.. احيانا تتخيل ان حنان العالم كله قد تجمع في هذا الانسان.. وان الله تعالى قد عوضها بهذا الآنسان عن والديها اللذان لم يشعراها بالحنان في يوم...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
مضى يومان.. يومان ومازن لا يزال غارقا في تفكير عميق .. يفكر بكل كلمة نطقها والده..ويحاول ان يديرها في رأسه مرارا وتكرار.. احيانا يكاد يوافق على طلبه واحيانا اخرى يتراجع..
ربما لانه يشعر بأن هذا خداع لملاك وليس حماية لها..ستظن انه قد اختارها لمشاعر ما تجاهها.. او ربما لشخصها.. وليس من اجل ان يحميها من شر اعمامه.. لكن ماذا عساه ان يفعل وهذا هو الحل الوحيد الذي سيحميها به؟..
اغمض عينيه ليفكر بملاك.. بغض النظر عن عجزها.. فهي تبدوا رقيقة.. بريئة.. طيبة القلب.. خجولة.. فتاة لا تعرف الكذب والشر في حياتها.. باختصار.. فتاة يتمناها أي شاب.. .
لكن.. ماذا عن عجزها؟.. يراه اكبر حاجز بينه وبين الارتباط بها.. فبدلا من ان تهتم بحاجياته هو من سيهتم بحاجياتها ..و بدلا من ان تتحمل مسئوليته سيتحمل هو مسئولية كل شيء.. ولكن.. اليس هو الآن حقا يتحمل مسئوليتها؟ .. هل سيختلف الوضع فيما بعد؟..لقد قال والده ان زواجه منها اشبه بحبر على ورق.. لن يكون هناك زفاف .. مجرد عقد قران لمنع ارتباطها من احمد.. اذا لم هو متردد هكذا؟..وما الذي عليه ان يفعله؟.. ايرفض؟ .. ام يوافق؟..
نهض من على فراشه والافكار تدور في رأسه.. وخرج مغادرا غرفته على الاقل سيحاول تناسي الموضوع قليلا.. لكن ما ان لمح باب غرفة مها حتى قرر الدخول اليها.. وطرق الباب عدة طرقات قبل ان يقول بهدوء: ايمكنني الدخول؟..
اسرعت مها تضع نصف القلب الذي كانت تتأمله في علبة صغيرة واجابت ببعض التوتر: اجل..
دخل مازن الى الغرفة وقال مبتسما وهو يجذب مقعدا ويجلس في مواجهة الفراش الذي تجلس عليه مها: ماهي احوالك؟.. واحوال الدراسة؟ ..
قالت مها بهدوء: كل شيء على ما يرام..
لفت انتباهه العلبة الصغيرة الحجم الموضوعة الى جوارها.. فقال متسائلا: ماذا بها هذه العلبة؟..
شعرت مها بالارتباك ..لا يفوته شيء ابدا.. وقالت بحدة مخفية ارتباكها: وما شأنك انت.. اخبرني بم تريد؟..
تردد قليلا ومن ثم لم يلبث ان قال باندفاع: ملاك..
قالت مها بدهشة: ماذا بها؟..
قال مازن مبتسما: اردت ان تخبريني بكل شيء يعنيها.. بصفاتها وشخصيتها.. ذلك لأنك اكثر من يجالسها فينا..وتعرفينها جيدا..
قالت مها بسخرية: ولم كل هذا؟.. اتفكر بخطبتها؟..
تغيرت ملامح وجه مازن لوهلة .. فسخريتها لم تصب الا الحقيقة .. ولكنه اسرع يستعيد هدوءه وقال: ربما.. اخبريني الآن بكل ما تعرفينه..
قالت مها وهي تفكر وتتطلع اليه: اظن انك تعرف عنها اكثر مما اعرف.. فيكفي وصفك لها ذلك اليوم وانت تمسك بتلك الزهرة البيضاء..
مط مازن شفتيه ومن ثم قال : هلا اخبرتني بما لديك بكل هدوء قبل ان تثيري اعصابي وتعرفي ما سيحصل لك بعدها..
قالت مها بضيق: ارعبتني كثيرا..
قال مازن بحدة: مها.. تحدثي جيدا ..
قالت مها بهدوء: سأتحدث.. ولكن اخبرني اولا لم؟..
قال مازن وهو يشيح بوجهه قليلا: سأخبرك ..ولكن ليس الآن.. ربما بعد اسبوع او اثنين..
تطلعت له مها محاولة ان تفهم ما يفكر فيه.. ولكنها لم تلبث ان قالت وهي تلوح بكفها: كل ما يمكنني اخبارك عن ملاك.. ان اسمها يلخص صفاتها.. فهي فعلا ملاك بقلبها المحب للجميع .. لا تعرف الكره او الحقد.. لا تعرف الكذب والخداع.. طيبة .. رقيقة.. بريئة.. واشبه بالاطفال احيانا في افكارها.. وفي عنادها..
قال مازن وكأنه يحدث نفسه: لكنها عاجزة..
قالت مها وهي تعقد حاجبيها بضيق: ومنذ متى كنت تهتم لعجزها؟..
قال مازن بتوتر: الوضع مختلف هذه المرة..
قالت مها متسائلة باهتمام: ماذا تعني بقولك هذا؟..
اسرع ينهض من مكانه ويقول: لاشيء..عن اذنك..
تسلل القلق الى قلب مها والتي كانت تشعر ان سؤال مازن عن ملاك يرتبط بزيارة عمها قبل ثلاثة ايام .. ربما لان ذلك اليوم رأته يتطلع اليها بنظرات غريبة..نظراته يومها كانت تحمل الحنان والصدق ...
اما مازن فقد هبط الى الطابق الاسفل..بغير هدى وقادته قدماه الى غرفة ملاك.. وقف مترددا امام الباب .. هل يطرقه؟ ..ملاك ستكون زوجته ان وافق وعليه ان يعتاد على وجودها معه .. ربما يتقبل حينها فكرة زواجه منها ..ربما..
هم بطرق الباب لولا ان ارتفع صوت من خلفه يقول: مازن.. ما الذي تفعله؟..
التفت الى مصدر الصوت وابتسم ابتسامة باهتة وقال: لا شيء .. كنت افكر بالحديث اليك..
قالت ملاك بحيرة: لم؟.. هل هناك شيء؟..
قال مازن وهو يتقدم منها: ايجب ان يكون هناك شيء حتى نتحدث؟..
ابتسمت ملاك وقالت بهدوء: لا.. اخبرني فيم تريد ان نتحدث؟ ..
رفع مازن رأسه الى حيث الباب الرئيسي وعاد ليتطلع الى ملاك قائلا: تحبين الجلوس في حديقة منزلنا.. اليس كذلك؟..ما رأيك ان نذهب الى هناك ونتحدث؟..
قالت ملاك وهي تومئ برأسها: لا بأس..
واخذت تدفع مقعدها بيديها فقال مازن في سرعة: دعيه عنك .. سأدفعه انا..
قالها وأخذ يدفع مقعدها.. اليس هو الآن يتحمل مسئوليتها؟.. لم اذا يخشى تحمل هذه المسئولية؟.. ربما لانه يخشى يتحملها لوقت طويل ..او ربما لأنه يخشى ان تعلم ملاك بحقيقة رغبته في الارتباط بها ..
قالت ملاك في تلك اللحظة مستغربة صمته عندما وصلا الى حديقة المنزل: مازن .. ماذا بك؟..
قال وهو يتنهد: لا شيء.. لم تسألين؟..
قالت ملاك بحيرة: لأنك لم تتحدث منذ ان خرجنا..
قال مازن فجأة وبدون اية مقدمات:ملاك.. ما رأيك بي؟..
ارتفع حاجبا ملاك بدهشة وقالت بغير فهم: ماذا؟..
قال مازن وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره: هناك من يقول اني اناني ومغرور.. وهناك من يقول اني احب نفسي فحسب.. وهناك من يقول اني انسان ذا افكار سطحية.. فأردت ان تخبريني برأيك بي بصراحة.. لأعلم ان كنت كذلك في نظرك ايضا..
قالت ملاك بابتسامة مرتبكة: ولم انا بالذات؟.. يمكنك ان تسأل مها..
قال مازن وهو يهز رأسه نفيا: مها شقيقتي وقد اعتادت على تصرفاتي .. اعتادت وجودي.. انا اتصرف معها بحرية.. لهذا فقد تجيبني بحسب ما تراه علي من تصرفات..اما انت قستجيبيني بحسب نظرتك الاولى لي..
قالت ملاك بارتباك وهي تشيح بوجهها عنه لتركز نظراتها على أي شيء: حسنا انا لا اراك انانيا او محبا لنفسك فقط..بل انك تحب مساعدة الآخرين كذلك وكثيرا ما قمت بمساعدتي .. وان كانت مها تصفك بالغرور ذلك لانك تظهر نفسك كذلك .. ربما لانك الاكبر بين اخوتك تريد ان تظهر انك الافضل لهم.. وايضا انت انسان طموح والدليل هو رغبتك بالعمل في مجال تخصصك..
واردفت قائلة بابتسامة مرتبكة: هذا ما اظنه انا..
ابتسم مازن بحنان ومن ثم قال وهو يتطلع الى ملاك: اتعلمين انك اول شخص يصفني بحب مساعدة الآخرين واني لست مغرورا كذلك..
ازداد ارتباك ملاك قوالت بتوتر من نظراته: هذا ما اظنه انا ونتيجة لكل ما فعلته معي و...
قاطعها مازن وقال مبتسما: الا تريدين ان تعرفي رأيي بك كذلك؟..
خفق قلب ملاك في قوة.. والتفتت له .. وقلبها يتلهف لسماع كل كلمة سينطقها..وان تكون كما تتمنى.. ووجدت نفسها تومئ برأسها وتقول بصوت متقطع: بـ..بلى..
ابتسم مازن وقال وهو يهبط الى مستواها ويتطلع اليها: ملاك..
ازدردت ملاك لعابها بتوتر من قربه.. وقلبها اخذ يخفق بسرعة وقوة..وقالت بصوت خافت: اجل..
اتسعت ابتسامة مازن وقال: انا لا اناديك.. بل اخبرك بأنك ملاك بكل اختصار..
توردت وجنتا ملاك بخجل.. وشعرت بتقلصات معدتها نتجت عن توترهاولم تستطع التفوه بحرف واحد.. في حين قال مازن مردفا: حقا انت كذلك.. قلبك الطيب..مشاعرك البريئة والمرهفة.. رقتك وشفافيتك ..وحبك للناس.. كل هذا يشير الى انك تحملين صفات اسمك في قلبك..
لم تعد ملاك تشعر بكل ما حولها.. لم تعد تسمع سوى اصوت ضربات قلبها وانفاسها الغير منتظمة..ولم تعد ترى الا مازن وهو يتطلع اليها بنظرات حانية.. يكفي يا مازن ارجوك.. من قال اني استطيع ان اتحمل كل هذا؟.. لم اعد اريد سماع المزيد ..قلبي سيتوقف..
وحاولت نطق أي شيء ولكن لسانها لم يطعها ولم تستطع سوى التحديق في أي شيء سوى نظراته التي تجعلها تغوص في بحر عينيه.. وتجذبها لعالم آخر تماما..
قال مازن وهو يشعر بمشاعر غريبة اخذت تسيطر عليه وتمنعه من ابعاد عينيه عنها: ملاك.. انا...
انتشلهما من هذا العالم أصوات عالية قادمة من داخل المنزل..لم تكن الكلمات مفهومة.. لكنها كانت اشبه بالصراخ وعرف مازن اصحاب تلك الاصوات.. فقال وهو ينهض من مكانه ويتطلع الى المنزل بحيرة: انه والدي وكمال.. ما الذي جرى بينهما؟..
قالت ملاك في سرعة: فلندخل الى المنزل لنعلم بكل شيء..
لم ينتظر مازن تعليق ردها.. بل اخذ يدفع مقعدها حتى داخل المنزل.. وكلما اقتربا كانت الاصوات تتعالى.. وسمع عبارات متفرقة حينها..((لا شأن لك))..((شقيقك هو من يقرر)).. (( هو ابني البكر))..ما الذي يجري يا ترى؟؟ ..
وتوجه الى غرفة المكتب الذي كانت مصدر الصراخ وقال وهو يفتح الباب فجأة: والدي.. كمال.. لم كل هذا الصراخ؟ ..
كانا حاجبي امجد معقودين دلالة على العصبية والانفعال وقال بحدة: شقيقك الاحمق هذا.. يريد ان يعلمني كيف افكر واتصرف..
قال كمال بضيق: انا لم اقل هذا.. لقد سألتك عن سبب اختيارك لمازن بالذات وكأنه ابنك الوحيد..
قال مازن وهو يحاول ان يفهم ما يجري حوله: ماذا هناك؟.. ماذا تعني بقولك هذا يا كمال؟.. لأي شيء اختارني والدي؟؟ ..
قال كمال بضيق: وكأنك لا تعلم..
قال امجد بعصبية: اصمت انت ودعني اتحدث الى شقيقك..
اشاح كمال بوجهه بقهر في حين اردف امجد وهو يلتفت الى مازن: لقد جاء منذ قليل وسألني ان كنت ان فعلت شيء ما بشأن ملاك.. وعندما اخبرته ان الحل الوحيد الذي وجدته هو ان تتزوج ملاك منك يا مازن.. غضب واستنكر واخذ يردد مثل هذه العبارات التافهة ..
التفت مازن الى كمال وقال وهو يرفع حاجبيه باستخفاف: وما هو مصدر استنكارك يا شقيقي العزيز؟..
قال كمال بحدة: انت اولا شاب عابث لا هم لك سوى ملاحقة الفتيات.. لن تكون مسؤولا عن ابنة عمك ابدا اذا تزوجتها وهي التي بحاجة لاهتمام ورعاية دائمة..
قال مازن بتهديد: انتبه لألفاظك فأنا شقيقك الاكبر.. وملاك التي تقول اني لست مسؤولا عنها.. ها انذا دائما من يلبي احتياجاتها .. اخبرني ماذا فعلت انت لها؟.. أأذكرك انا؟.. منذ اليوم الاول وانت تتعمد تجريحها.. وهي التي لم تحاول يوما اذية احد..
قال كمال بخشونة وقد تلاشت شخصيته الباردة تماما: وانت.. ما الذي كنت تفعله؟.. سوى انك كنت تلقي على مسامعها كلماتك الكاذبة.. فقط لتمارس هوايتك الدائمة بأن تتعلق الفتيات بك.. ومن ثم تمضي وتتركهن..
كاد مازن ان يهم بقول شيء ما.. لولا ان ارتفع صوت والده وهو يقول : يكفي كلاكما.. لا اريد سماع المزيد ..وانت يا مازن .. لقد كنت مترددا بشأن ارتباطك بابنة عمك.. فأخبرني بردك على الفور.. فاذا كنت رافضا لهذا الارتباط..فستكون لشقيقك كما يريد..
اتسعت عينا مازن وقال وهو يلتفت لكمال بصدمة: ماذا ؟؟.. تريد ان تتزوج ملاك؟؟..
عقد كمال ذراعيه امام صدره وقال ببرود وضيق: اجل..
صمت مازن قليلا ومن ثم قال وهو يبتسم بسخرية: الآن فهمت..
التفت له كمال وقال ببرود: فهمت ماذا؟..
قال مازن وهو يتطلع الى كمال بسخرية ممزوجة بالضيق: منذ ان علمت بأملاكها وانت تبحث عن أي حل يوصلك لتلك الثروة.. كما فكر عمي تماما.. وها هي ذي الفرصة قادمة على قدميها اليك.. فلم لا تتزوجها؟.. اليس كذلك يا شقيقي؟..
اتسعت عينا كمال وقال بحدة: اهذه فكرتك عني؟.. اني افكر بأملاكها؟.. اتراني قضيت حياتي محتالا واخدع الناس؟ ..
هز مازن كتفيه وقال: لا.. ولكن ما من سبب سوى هذا يدعوك لأن ترتبط بها..وربما اردت ان تكون رجل اعمال بأسرع وقت ممكن..
قال كمال بغضب: لست افكر في املاكها ولا في ان اكون رجل اعمال ابدا..
قال مازن بسخرية: لا تقل لي انك قد وقعت في حبها مثلا..
صمت كمال لوهلة ومن ثم قال بحزم: وان قلت اني كذلك ..
قال مازن باستخفاف: لن اصدقك.. لانك انسان بلا مشاعر .. ولا تفكر سوى في نفسك..
قال كمال وهو يعقد حاجبيه بغضب وعصبية: وانت .. ماذا تظن نفسك؟.. لست سوى انسان مغرور اناني يريد الحصول على كل شيء.. وحتى ملاك تريد ان تأخذها هي الاخرى كذلك .. منذ طفولتك وانت هكذا.. تريد كل شيء لك انت..وتفكر بالافضل.. ولكن يا اخي اخبرك منذ الآن.. ملاك ليست هي الافضل التي تبحث عنها.. لديك مئات الفتيات..فدع ملاك وشأنها..
قال مازن بحدة: اتركها لك انت؟.. انسان بارد المشاعر ..ولا يفكر سوى في املاك ابنة عمه..
- اخبرتك اني لست كذلك..
قال امجد في تلك اللحظة بحدة وغضب: يكفي.. اصمتا.. ومازن اعطني قرارك النهائي.. اتريد ابنة عمك ام لا؟..
تطلع مازن الى كمال بضيق .. وظل صامتا لبعض دقائق وهو يدير الامر في رأسه طويلا..وتذكر ملاك واللحوار لااخير الذي دار بينهما مؤخرا والمشاعر التي اجتاحته والتي كانت وليدة اللحظة..ومن ثم لم يلبث ان التفت الى والده وقال وهو يتنهد: انا موافق يا والدي..
تطلع له كمال بصدمة لم يلبث ان تحول الى غضب.. ومازن يردف: لا يمكنني ان اتركها له.. وانا لا اعرف حقيقة نواياه تجاهها..
قال كمال بغضب وعيناه تقدحان شررا: لن تتزوجها ..اتفهم؟..ملاك لن تكون لك ابدا..
قال امجد بهدوء متحدثا الى كمال: كمال.. انت لا تزال تدرس.. اما شقيقك فقد اكمل دراسته ويعمل..
قال كمال وهو يحاول التحكم في اعصابه: ولكن انا اريدها يا والدي..
تنهد امجد بتعب ومن ثم قال متطلعا الى مازن: مازن ان كنت لا زلت رافضا لارتباطك من ملاك.. فدعها لشقيقك ما دام يرغب في ان تكون زوجته.. ثم الم تكن رافضا منذ البداية ؟.. فما الذي غير رأيك الآن؟..
قال مازن بضيق: لا اريدها ان تكون لكمال.. انه منذ ان رآها وقد اخذ يجرحها بكلماته المتواصلة.. فماذا لو انه تزوجها؟ .. لا اشك انه سيجعلها تبكي الليل والنهار بسبب تصرفاته..
تطلع له كمال بغضب وعصبية وقال بصوت غاضب وهادر: من تظن نفسك؟..
قال امجد في تلك اللحظة بصوت صارم: القرار في يد ملاك وحدها..
التفت كلاهما الى امجد فأردف قائلا: ملاك هي من ستقرر من ترغب في ان يكون شريك لحياتها..
قال مازن بتساؤل وشك: وكيف هذا؟.. ستقول لها انني انا وكمال قد تقدمنا لخطبتها في آن واحد..
قال امجد بهدوء: لا.. بل سأفاتحها بشأنك يا مازن نهاية هذا الاسبوع.. ان وافقت.. فهذا يعني انها لا تفكر فيك يا كمال .. اما ان رفضت.. فسأفاتحها بعد اسبوع بشأنك يا كمال.. اخبراني هل هذا الحل يرضيكما؟..
قال مازن وهو يهز كتفيه: فليكن.. فلتقرر ملاك وحدها بمن تريده ان يكون شريكا لحياتها..
ولم يجد كمال امامه من حل سوى ان قال ببرود : فليكن يا والدي .. افعل ما تشاء..
قالها ومن ثم انصرف من غرفة المكتب.. اما مازن فقد عقد حاجبيه بتساؤل.. فهيئ له انه قد لمح نظرة حزينة في عيني كمال.. وربما كان يتخيل...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الثاني والعشرون
"في النادي"
ابتسمت مها بسعادة وهي تهبط درجات السلم ومن ثم توجهت الى غرفة ملاك لتطرق عليها الباب وقالت بابتسامة مرحة: ملاك.. هل ادخل؟..
لم يأتيها جواب من ملاك.. واستغربت ذلك.. وفتحت الباب بهدوء لتراها تتطلع الى شيء ما.. فابتسمت بخبث وهي تتقدم منها وتقول فجأة: الى ماذا تنظرين؟..
انتفضت ملاك بقوة وكاد الكتاب الذي تمسك به أن يسقط من يدها.. واسرعت مها تتطلع الى الوردتين المجففتين بوسط الكتاب وقالت بخبث: دعيني ارى .. وردتان.. من مازن على ما اظن.. وانت تتطلعين اليهما بكل لهفة..
قالت ملاك بارتباك: لماذا لم تطرقي الباب؟..
قالت مها بمرح: طرقته.. ولكن يبدوا وانك قد كنت غارقة في احلامك فلم تنتبهي الى طرقاتي..
شعرت ملاك بالاحراج واشاحت بوجهها بعيدا..في حين ابتسمت مها وقالت: الم تشعري بالملل من هذه الغرفة؟..تعالي لنغادر...
قالت ملاك وهي تتنهد: لكن يا...
قالت مها وهي تدفع مقعدها: لا يوجد لكن..
ابتسمت ملاك بالرغم منها وشعرت بالراحة تغزو قلبها.. من كان يتصور انها ستلتقي بأشخاص يحبونها ويهتمون بها؟.. من كان يتصور ان عائلة عمها سيكونون طيبين معها الى هذه الدرجة؟.. فبعد رفض والدها واصراره على عدم زيارتهم .. خيل لها انهم قد يجرحونها بكلماتهم على الاقل.. لكن هاهم اولاء يحيطونها بكل الاهتمام والحب ..
وسمعت مها تقول في تلك اللحظة وهي ترفع حاجبيها: ما الامر؟.. البيت هادئ هذا المساء ايضا..
قالت ملاك بدهشة: هادئ؟.. الم تسمعي الاصوات العالية القادمة من المكتب قبل قليل؟..
هزت مها رأسها نفيا وقالت: لا.. ما الذي حدث؟..
قالت ملاك وهي تداعب قلادتها: لست اعلم.. لقد كانت الاصوات عالية .. وميزت فيها صوت عمي..
قالت مها باستخفاف: لابد وانه مازن.. لا يلبث ان يغضب والدي بسبب اهماله للعمل...
اسرعت ملاك تقول: لا لم يكن مازن.. اظن انه كمال.. مازن كان معي في حديقة المنزل..
قالت مها بدهشة: كمال؟؟..
واردفت وهي تتساءل باستغراب: ما الذي قد يغضب والدي من كمال الى هذه الدرجة؟..
وفي تلك اللحظة لمحت كلاهما باب المكتب وهو يفتح.. ومازن يخرج منه.. وعلى وجهه علامات تحمل ما بين الحيرة والضيق.. لماذا وافق؟.. لماذا تعجل ووافق بهذه السرعة؟.. منذ ان علم ان شقيقه يريدها وصوت في عقله يطلب منه ان لا يتركها له.. هل هو خوف من ارتباطها بكمال ذلك البارد المشاعر؟.. ام هو رفض للارتباط نفسه؟..او ربما هو الخشية من ان يكون كمال يفكرباملاكها او...
لا يعلم .. لا يعلم..
(مازن..)
التفت مازن الى مها ناطقت العبارة.. والتقت عينيه بعيني ذلك الملاك الذي يجلس الى جوار شقيقته.. وارتسمت ابتسامة على شفتيه.. كيف له ان يرفض وهو يرى كل هذه البراءة امام عينيه؟؟!..
اما مها فقد قالت متسائلة باهتمام: مازن .. ما الذي جرى؟..
قال مازن وهو يزفر بضيق: بشأن؟..
اشارت مها الى المكتب وقالت: قالت ملاك انها قد سمعت صوت مشادة بين والدي وربما كمال..
قال مازن ببرود: لم يحدث شيء.. بالاذن..
اسرعت ملاك تقول: مازن..
التفت لها دون ان يعلق.. فقالت بارتباك: هل لديك شيء ما اليوم؟..
قال مازن متسائلا: ولم تسألين؟..
قالت ملاك وهي تحاول ان تجمع شجاعتها: ان لم يكن لديك شيء.. فهل تستطيع اخذي الى ابي؟..
دائما ابيك..كلما حدثتني في شيء.. قلت ابي.. وانا يا ملاك؟.. وانا؟..لقد وافقت على الارتباط بك دون اعلم بمشاعرك تجاهي..لقد كنت اظن ان كلماتي قد تؤثر فيك كبقية الفتيات.. لكن يبدوا وانك مختلفة عن أي فتاة رأيتها .. مختلفة تماما ...
وابتسم مازن ابتسامة باهتة ومن ثم قال: دعيها ليوم آخر.. فأنا متعب هذا اليوم..
قالها وعاد يصعد الى الطابق الاعلى.. اما مها فقد تطلعت له بحيرة ومن ثم قالت متحدثة الى ملاك: ان اردت الذهاب الى والدك.. سأطلب من السائق اخذنا الى المشفى..
قالت ملاك بلهفة: حقا؟..
اومأت مها برأسها بابتسامة.. في حين ابتسمت ملاك بامتنان ومن ثم قالت بتردد: ومازن.. يبدوا متعبا حقا.. الن تذهبي لرؤيته؟..
قالت مها وهي تبتسم بسخرية: دعك من مازن.. انه كالقطط لا يصيبه شيء ابدا..
ارتفع حاجبا ملاك بدهشة ومن ثم قالت وهي تداعب قلادتها: انه انسان برغم أي شيء.. وقد يكون متعبا حقا..
لوحت مها بكفها وقالت: ملاك دعك منه.. انه لا يستحق ذرة اهتمام واحدة منك.. انه...
قاطعها صوت نغمة وصول رسالة.. فابتسمت وهي تلتقطه من جيبها.. ومن ثم تقرأ الرسالة التي كانت مرسلة من حسام ..ومن ثم ضحكت بمرح.. فقالت ملاك مبتسمة وهي ترفع رأسها لها: انه حسام.. اليس كذلك؟..
انتفضت مها بقوة وكأنه اخافها ان تكون ملاك تعلم بشيء.. ومن ثم التفتت الى ملاك لتقول بارتباك: حسام؟ ..من؟..
اتسعت ابتسامة ملاك وقالت: ابن خالك.. اليس هو سبب كل هذه السعادة التي اراها على وجهك؟..
قالت مها متسائلة بتوتر: ولم حسام بالذات؟..
قالت ملاك وهي تتطلع الى مها بنظرة حانية: لاني شعرت بأن هناك علاقة ما تربطكما..
اعتدلت مها بوقفتها واسرعت تقول: علاقة ما؟؟..
واردفت وهي تتخذ المقعد المجاور لملاك: ماذا تعنين بالضبط؟..
احست ملاك بالاحراج وقالت بارتباك: لا شيء.. ولكن ظننت ان..اا..ان حسام.. او ربما انت.. معجبة به..
قالت مها وقد توردت وجنتيها بخجل: هذه حقيقة..
والتفت لملاك لتسألها: ولكن كيف عرفت؟..
قالت ملاك وهي تشير اليها: نظراتك اليه.. ونظراته هو اليك..
ابتسم مها بخجل وقالت: يبدوا واننا قد فضحنا انفسنا..
ابتسمت ملاك بمرح.. في حين قالت مها متسائلة: وماذا عنك؟..
لم تفهم ملاك ما تعنيه مها.. فاردفت بخبث: هناك شخص ما في حياتك .. اليس كذلك؟..
الم تريني منذ قليل وانا اتطلع الى الوردتين اللتين اهداهما لي؟. فلم تسألين الآن؟.. اتريدين ان اقول اني معجبة بشقيقك؟. لا.. لا يمكنني قول هذا ابدا...
وقالت مها بالحاح: اخبريني يا ملاك .. هيا..
توردت وجنتي ملاك بخجل وبعثرت نظراتها لعلها تتهرب من ما قالته مها.. وانقذ الموقف قدوم شخص ما.. رفعت ملاك رأسها وتطلعت بهدوء الى الشخص القادم.. وقالت: كيف حالك يا عمي؟..
تطلع امجد الى ملاك وقال بابتسامة باهتة: بخير وما هي احوالك يا ابنتي؟..
قال ابنتي.. وانا الذي لم اسمعها سوى من ابي.. اتراني اتخيل؟ ..وقالت ملاك ببعض الارتباك: على ما يرام يا عمي..
تساءل امجد قائلا: وهل انت مرتاحة بوجودك هنا؟..
اومأت ملاك برأسها وقالت: جميعكم معي.. ماذا اريد اكثر من هذا؟..
ابتسم امجد من عبارتها ومن ثم قال: اذا كان هناك ما ينقصك .. فأخبريني..
ابتسمت ملاك بخجل ومن ثم قالت: شكرا لك يا عمي.. لكني لا احتاج الى شيء..لقد غمرتموني بحبكم وحنانكم واهتمامكم.. وهذا كل ما اردته..
قال امجد متسائلا باهتمام: الجميع؟..
قالت مها باستغراب: ماذا تعني يا والدي؟..
قال امجد وهو يضرب رأسها بخفة ويبتسم: لم اسألك انت ايتها الفضولية.. لقد سألت ملاك..
امسكت مها رأسها وقالت بضيق: لم يضربني الجميع؟.. ما الذي فعلته لكم؟..
ضحك امجد وقال بابتسامة: لا تكوني فضولية ولن يضربك احد..
اما ملاك فقد ابتسمت بمرح وقالت: وانا؟.. هل اضربك انا الاخرى؟..
قال امجد بابتسامة: اخشى ان مها هي من تضربك يا ملاك..
قالت مها باستنكار: والدي..
ضحك امجد وقال وهو ينهض من مكانه: اهتمي بابنة عمك يا مها.. واياك ومضايقتها.. فسأذهب انا لأرتاح قليلا..
ابتسمت مها وقالت: لا توصي يا والدي.. ملاك هي شقيقتي..
ابتسم امجد ومضى في طريقه في حين قالت مها بحيرة وهي تتحدث الى ملاك بصوت خافت بعض الشيء: غريب..
قالت ملاك بهدوء: وما الغريب في الامر؟..
- ليس من عادة والدي الجلوس والحديث معنا..
قالت ملاك وهي ترفع حاجبيها: لا يجب ان يثير هذا حيرتك.. بل يجب ان تفرحي لان والدك قد شارككم الحديث.. وانتم ايضا حاولوا ان تأخذوا رأيه في كل شيء وتشاركوه في الحديث ..
قالت مها بابتسامة مريرة: والدي مشغول دائما ليس لديه وقت لنا ..
قالت ملاك في سرعة: وابي ايضا.. مشغول دائما.. ولكنه يتحدث ويجلس معي دائما..
قالت مها مبتسمة وهي تتطلع الى ملاك: والدك مختلف يا ملاك.. لقدكان يجالسك منذ صغرك.. اما نحن فاعتدنا على مسؤولياته الدائمة ..
واردفت وهي تلتفت الى النقطة التي اختفي فيها والدها: صدقيني يا ملاك.. هناك شيء ما قد حدث..
تطلعت لها ملاك بعدم فهم.. في حين تغلغل القلق الى قلب مها وهي تشعر ان الايام القادمة ستحمل لها مفاجآت لن يمكنها ان تتوقعها ابدا...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قال عادل بابتسامة: يبدوا وان كل شيء يسير على ما يرام..
قال فؤد وهو يعقد حاجبيه: وكيف تضمن ذلك؟..
هز عادل كتفيه ومن ثم قال: ملاك فتاة عاجزة وهي تدرك حقيقة هذا الامر.. ومن في هذا الزمن سيقبل بعاجزة مثلها؟.. لهذا سترى زواجها من احمد فرصة لن تعوض وستقبل به..
قال احمد والذي كان يجلس معهم بضيق: لو كان الامر بيدي لما فكرت فيها لحظة واحدة..
وضع والده كفه على كتفه ومن ثم قال: لا تنسى يا احمد.. املاكها هي اهم شيء لديها..
قال احمد بضجر: اعلم هذا والا ما وافقت على الارتباط بساذجة مثلها..
دلفت ندى في تلك اللحظة الى المنزل وقالت مبتسمة: صباح الخير جميعا..
قال احمد باستهزاء: أي صباح.. لقد اقتربت الشمس على المغيب..
ابتسمت ندى وقالت وهي تجلس الى جوار والدها: لا يهم ما دامت الشمس لا تزال مشرقة.. اليس كذلك يا والدي؟..
قال ادل بملل: صباح او مساء .. كفّى عن ترديد مثل هذه الامور التافهة ..
قالت ندى وهي تمط شفتيها: حسنا اريد الذهاب الى النادي.. وامي ذهبت مع السائق.. هل توصلني يا احمد؟..
قال احمد بملل: لو لم اكن اريد الذهاب .. لما أخذتك معي.. هيا انهضي..
ابتسمت ندى وقالت بمرح: هيا اذا..
اما فؤاد فقد قال متحدثا الى احمد: متى اخبروكم انهم سيردون عليكم بجوابهم؟..
اجابه احمد قائلا: بعد اسبوع على ما اظن..
وهتف بندى قائلا: اسرعي يا ندى والا تركتك ومضيت..
قالت ندى وهي تلتقط حقيبتها في سرعة: حسنا.. حسنا قادمة..
مضى احمد في طريقه وتبعته ندى في سرعة في حين قال فؤاد متحدثا الى عادل: وما الذي ستفعله ان رفضت ملاك ابنك احمد؟ ..
قال عادل وهو يضيق عينيه: لم يخطر على بالي انها سترفض ابني ابدا..
قال فؤاد مبتسما: لا عليك.. لكل مشكلة حل.. وانا وجدت الحل ان رفضت ملاك..
قال عادل متسائلا: وما هو الحل في رأيك؟..
قال فؤاد مبتسما بخبث: تماما كما فعلنا في السابق.. نحاول الضغط على امجد بواسطة اسهمنا التي تدعم شركاته..
قال عادل وهو يعقد حاجبيه : وبعد كيف ستقتنع ملاك؟..
قال فؤاد مبتسما وهو يسند ظهره لمسند المقعد: وبعدها يتصرف امجد مع ملاك.. فهو ادرى بمصلحتها..
ابتسم عادل عندما فهم وقال بمكر: اين سأذهب من عقلك هذا؟.. بصراحة بت اخشى منك..
ابتسم فؤاد وقال بغرور: من ليس معي فهو ضدي.. اليس كذلك يا عادل؟..
قال عادل بابتسامة: حمدلله اني معك اذا.. والله يكون في عون امجد على ما سيصيبه عندما يفكر في ان يرفض العرض المقدم له...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قالت مها وهي تبتسم لملاك: لم انت متضايقة؟.. كل هذا لاني اصريت ان تأتي معي الى النادي بعد ان عدنا من المشفى..
قالت ملاك وهي تزفر بحدة: مها.. انت تعرفين اني لا احتمل الخروج في الوقت الراهن.. وحتى غرفتي لا اكاد اغادرها .. احتاج الى مكان لا يوجد فيه احد حتى افرغ مشاعري وآلامي..ارجوك يا مها.. فلنعد الى المنزل..
ترددت مها لكن امام عيني ملاك اللتين تترجيانها خضعت للامر وقالت باستسلام: فليكن يا ملاك.. كما تشائين.. اردت ان اجعلك تخففين عن نفسك فحسب..
ونهضت من مكانها لتدفع مقعدها وتتوجه الى البوابة الرئيسية و...
( الى اين تذهبان؟)
التفتت مها الى صاحب العبارة وقالت بهدوء: الى المنزل.. هل تريد شيئا يا كمال؟..
قال كمال وهو يتقدم منهما: لقد جئتما منذ قليل فقط.. فلم تذهبان الآن؟..
قالت مها بابتسامة باهتة: من جانبي انا اود البقاء.. لكن ملاك تود العودة الى المنزل..
قال متسائلا: ولم؟..
لكن لم يعثر على اجابة فقد هزت مها كتفيها دون ان تعلق.. في حين اخذت ملاك تداعب قلادتها دون ان تنطق بحرف واحد .. واستدار كمال ليقف في مواجهتها وقال وهو يتطلع اليها: ولم تودين العودة الى المنزل يا ملاك؟..
رفعت ملاك رأسها له وقالت بتردد: لا اريد البقاء هنا..
تساءل كمال مرة اخرى: ولم ؟.. لقد قضيت عشرة ايام تقريبا حبيسة المنزل..الا تفكرين في التخفيف عن نفسك قليلا؟..
قالت مها بقلة حيلة: هذا ما قلته لها.. لكنها عنيدة..
قالت ملاك باصرار: لا .. اريد ان اعود الى المنزل فحسب..
هبط كمال الى مستواها وقال وهو يبتسم لها ابتسامة لم تفهم معناها وبدت لها غامضة في تلك اللحظة: ولم تصرين على ايلام نفسك بدلا من ان تخففي عنها؟.. الحزن لن يفيد في شيء.. فحاولي ان تكوني قوية وتصبري على كل ما يصيبك.. انا لا اقول ان هذا سهلا.. ولكن يمكنك ان تحاولي.. اليس كذلك؟..
استغربت مها استرساله في الحديث وهو الذي لا يتحدث معهم الا نادرا.. استغربت اصراره لبقاء ملاك في النادي والتخفيف عنها.. وهو الذي لم يهتم بها في يوم..
وتطلعت ملاك الى كمال للحظة ومن ثم قالت وهي تهز رأسها نفيا:لا اسطيع .. اريد ان ارتاح.. ارجوكم افهموني.. اريد ان اختلي بنفسي قليلا..
تطلع لها كمال باشفاق ومن ثم قال: كما تشائين يا ملاك.. افعلي ما ...
( ملاك .. يالها من مفاجأة.. خلتك لن تغادري المنزل ابدا)
التفتت ملاك بلهفة الى صاحب الصوت.. اذا هو بخير.. حمدلله .. لقد كان يبدوا متعبا حقا بالامس..ولم تخف هذه اللهفة على كمال.. الذي نهض واقفا وملامح البرود تكسوا وجهه .. اما مازن فقد قال مستغربا وهو يتقدم لهم: الى اين انتم ذاهبون؟ ..
قالت مها مجيبة: انا وملاك فقط من سنغادر..
- ولم؟..
- يمكنك سؤال ملاك بنفسك..
التفت الى ملاك وقال وهو يرفع حاجبيه: هل يوجد شخص عاقل يترك هذا لنادي الواسع ويعود الى المنزل الكئيب؟.. اخبريني بالله عليك يا ملاك.. الم تملي من رؤيته؟..
قالت ملاك بتوتر: اريد ان اختلي بنفسي قليلا.. هذا كل ما اطلبه ..
قال مازن وهو يلوح بكفه وعلى شفتيه ابتسامة: فيما بعد.. اما الآن.. فهذا النادي الواسع من حقه ايضا ان تقضي فيه بعض الوقت ما دمت قد جئت اليه..
قالت ملاك باعتراض: لا اريد..
قال مازن وهو يميل باتجاهها: طفلة يا ملاك.. وستظلين طفلة دائما..
قالت باستنكار: لست طفلة..
قال مازن وهو يتعمد استفزازها: اذا لم تصرين على عنادك هذا وترفضين البقاء؟.. هذا لا يدل الا على انك تتصرفين كالاطفال ..
قالت ملاك باستنكار اشد: انا؟؟..
قال مازن بسخرية: لا ابدا انا الذي كان يقول منذ قليل..(لا اريد)..
قالت ملاك بضيق: سأبقى في النادي.. فقط لتقتنع اني لست طفلة.. وان كل ما فعلته ليس عنادا.. بل لاني بالفعل بحاجة للعودة الى المنزل..
ابتسم مازن وغمز لمها بعينه.. التي ابتسمت حين ادركت معنى ما فعله مازن.. وكيف انه قد تعمد استفزازها لتبقى في النادي.. لعلها تغير من نفسيتها قليلا..
اما كمال فقد وضع كفيه في جيبي بنطاله وابتسم بسخرية وقال متحدثا الى نفسه: (دائما ترضخ لما يقوله مازن.. دائما تفعل ما يريده هو.. اما انت يا كمال.. فلا تحلم ان تنظر اليك.. الم ترى لهفتها حين رأته؟.. الا ترى كيف انه الوحيد الذي استطاع ان يخرجها مما كانت فيه من احزن؟.. لا تحلم يا كمال .. لا تحلم.. جواب ملاك قد وصلك.. ويبدوا انها ستوافق على مازن.. وستكون له )
وزفر بحرارة وهو يمضي في طريقه.. اما مها فقد همست لمازن الذي اخذ يدفع مقعد ملاك عوضا عنها: دائما تعرف كيف تقنعها..
قال مازن بخفوت و بابتسامة وهو يتطلع الى ملاك: ذلك لاني اتعامل معها بالمثل.. فان كانت عنيدة انا اشد عنادا منها..
لمحت مها في تلك اللحظة حسام.. فابتسمت بشرود وهي تتطلع اليه وهمست قائلة: حسام..
لم ينتبه اليها سوى مازن الذي قال: واين هو؟..
تطلعت مها الى حسام ومن ثم قالت مبتسمة: هناك.. سأذهب اليه..
امسك مازن معصمها وقال: دعيه يأتي هو الينا..
قالت مها بضيق: وما الفارق؟..
قال مازن بابتسامة ساخرة: لاثارة حنقك فقط..
تطلعت له مها بضيق ومن ثم نادت حسام قائلة: حسام..
تقدم حسام منها وقال مبتسما: رأيتكم .. فلا داعي ان يعلم كل من بالنادي ان اسمي هو حسام...
ضحك مازن بسخرية.. في حين قالت مها بضيق: حتى انت يا حسام.. انت ايضا تسخر مني..
قال حسام وهو يغمز بعينه: امزح فقط..
ومن ثم التفت الى ملاك ليقول: اهلا ملاك.. كيف حالك؟..
كادت ملاك ان تجيبه لولا ان سمعوا في تلك اللحظة صوت يهتف بمازن والتفت الجميع الى مصدر الصوت والتي كانت ندى.. عقدت مها حاجبيها بضيق في تلك اللحظة وهي تلمح احمد القادم من خلفها ..فبعد موقفه الاخير مع ملاك وكيف استدرجها في الحديث.. وهي لا تطيق رؤيته.. اما ملاك فقدارتفع حاجباها بدهشة وهي تتطلع الى ندى التي اقتربت من مازن في شدة وقالت مبتسمة بدلال: كيف حالك يا ابن عمي؟..
ولأن مازن معتاد على دلالها هذا قال مبتسما: بخير يا ابنة عمي العزيزة..
"العزيزة".. أي قنبلة قذفتها في وجهي يا مازن؟..
اخذت ملاك تتطلع اليهم باستنكار وهي تعقد حاجبيها بحنق .. وندى تقول مبتسمة: لقد وعدتني يا مازن.. وعليك ان تنفذ وعدك ..
قال مازن بحيرة: وعدتك بماذا؟..
التفتت ملاك عنهم بضيق وندى تكمل بدلال: ان تعلمني ركوب الخيل..
(اهلا ملاك)
التفتت ملاك الى احمد..ومن ثم ابعدت عينيها عنه وقالت : اهلا بك..
اما مها فقد شعرت بالضيق من تصرف احمد.. لو انني كنت في مكان ملاك وجاء احدهم ليحدثني بعد ان تسبب متعمدافي مشكلات لي..لاقل شيء فعلته هو ان اضربه بحذائي الذي ارتديه.. وارتسمت ابتسامة على شقتي مها للفكرة..
اما ملاك فقد كانت تتطلع الى ندى بضيق التي كان مازن يتعذر بأنه مشغول قليلا ولن يمكنه تدريبها اليوم ولكنها واصلت دلالها قائلة: لاجلي يا مازن..ارجوك..
التفت مازن الى ملاك في تلك اللحظة وقال بهدوء: انا اجالس مها وملاك الآن..
قالت ندى وهي تصطنع الدهشة: عذرا لقد انتبهت لوجودها للتو.. كيف حالك يا.. ملاك على ما اظن..
عقدت ملاك حاجبيها.. وشعرت ان ندى تعمدت التمثيل بعدم تذكر اسمها.. فقالت ملاك بابتسامة استغربها مازن: بخير يا.. عفوا.. لست اذكر اسمك..
اشتعلت ندى غيضا وقالت بعصبية: ندى..اسمي ندى..
اما مازن فقد ابتسم لملاك واشار لها بابهامه اشارة الـ"ok" ..وابتسمت ملاك بالرغم منها..في حين استدارت ندى الى مازن واستعادت هدوءها قائلة: مازن .. الن تأخذني معك؟ .. لقد وعدتني..
هز مازن كتفيه ومن ثم قال: لقد وعدتك ان ادربك.. لكن لم اقل أي يوم سأنفذ فيه وعدي هذا..
ابتسمت ندى وامسكت بكفه وقالت وهي تجذبه معها: هيا ..هيا.. انت لا تأتي الا اذا ارغمك احدهم..
كل هذا وملاك تتطلع اليهم بضيق.. بحنق.. بغيرة.. شعرت بالغيرة تشتعل بقلبها وتكاد تنهش جسدها وهي ترى مازن انصاع لندى اخيرا وهو يبتعد معها قليلا.. صحيح انها ابنة عمه وقد اعتاد وجودها معه بكل تأكيد منذ ان كانا صغارا.. ولكن هي ايضا ابنة عمه.. وقالت ملاك اخيرا بصوت عالي: مازن .. توقف..
التفت لها مازن وجذب كفه من يد ندى وقال: هل من شيء يا ملاك؟..
اخذت ملاك تدفع مقعدها وقالت بحزم: انا ايضا اريد الذهاب..
تطلع اليها مازن بغرابة: الذهاب الى اين؟..
قالت ملاك باصرار: اريد ان اتعلم انا ايضا ركوب الخيل..
تطلع لها مازن ببلاهة ووعدم فهم وقال: ماذا؟..
اما ندى فقد قالت متعمدة جرحها: ولكنك مقعدة .. لا تسيرين.. كيف تريدين ان تتعلمي ركوب الـ...
قاطعها صوت مازن الذي قال بعصبية: اصمتي يا ندى.. لا شأن لك انت.. لقد طلبت مني انا ذلك..
والتفت الى ملاك.. التي اطرقت برأسها في الم ومرارة واقترب منها وقال بابتسامة وهو يميل نحوها: ملاك.. سآخذك الى هناك واعلمك ركوب الخيل.. لكن لا تتضايقي..
اسرعت ملاك تزدرد الغصة التي ملأت حلقها وقالت وهي ترفع رأسها الى مازن: لست متضايقة ..
واردفت وهي تتطلع الى ندى: فلا يهمني كلام شخص لا اعرفه ..
كاد مازن ان ينفجر ضاحكا من شكل ندى التي تطلعت الى ملاك كالمصدومة.. وهو مستغرب في الوقت ذاته من جرأة ملاك .. ملاك الخجولة تتحدث الى ندى هكذا.. وقد عرفت ايضا كيف ترد عليها الصاع صاعين..
وفي الحقيقة الشيء الذي اجبر ملاك على ان تتحلى بالجرأة هذه والرد على ندى.. هو الغيرة.. لم ترد لندى ان تنتصر عليها بجرحها ومن ثم تجعلها تغادر المكان تاركة لها مازن.. ارادت ان تحارب كما يقولون للمحافظة على فارس احلامها الذي اختارته ..
ومن جانب آخر تطلعت ندى لملاك باحتقار.. هذه المقعدة.. تتحدث الي هكذا.. من تظن نفسها؟..ولكن فليكن .. هي من ارادتها حربا.. ولتحتمل عواقبها..
في حين كان مازن قد اتجه ليدفع مقعد ملاك متجهين جميعا الى قسم الفروسية.. وندى تتطلع الى هذه الاخيرة بخبث..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
لنعد الى الوراء قليلا.. الى اللحظة التي ابتعدت فيها ملاك الى حيث يقف مازن وندى.. ولنتجه الى احمد الذي اقترب من مها وحسام وقال مبتسما وهو يتحدث الى مها: كيف حالك يا مها؟..
والتفت الى حسام ليقول ببرود: وانت ياحسام؟..
لو كانت النظرات تقتل لكان احمد صريعا الآن من نظرات حسام التي تحمل بداخلها جبالا من الغضب.. وقال حسام ببرود اشد مجيبا: بخير..
اما مها فقد قالت وهي تستدير عن احمد متجاهلة عبارته لها: هيا يا حسام فلنغادر ..
اسرع احمد يقول: انتظري يا مها.. اريد ان اتحدث معك..
قالت مها بضيق وهي لم تحاول حتى الالتفات له: ليس بيننا أي حديث..
قال احمد باستنكار: ولم تقولين هذا؟..
قالت مها بحدة: انسيت ما فعلته بملاك ذلك اليوم؟.. انسيت؟ ..
قال احمد بحدة: وما شأنك بملاك؟..
هزت مها رأسها باستتنكار من سؤاله.. يسأل ما شأنها بملاك وهي ابنة عمها.. حقا احمد هذا ليس سوى احمق فحسب..
وقال في تلك اللحظة بحزم: مها.. اريد الحديث اليك لوحدنا لبضع دقائق وحسب..
في تلك اللحظة تقدم منه حسام وقال بصرامة: اظن انك سمعتها وهي ترفض عرضك هذا.. لهذا ابتعد واحتفظ بكرامتك ..
تطلع له احمد بدهشة لم تلبث ان تحولت الى غضب..واردف حسام قائلا: هيا يا مها..
ابتسمت مها لحسام وهي تسير الى جواره.. فعلى الرغم من ان احمد يصغر حسام بعام واحد فحسب الا انه يبدوا اصغر منه بعشر سنوات بعقليته هذه..
وفي تلك اللحظة قال احمد وابتسامة تحمل ما بين الغيظ والخبث على شفتيه بصوت عالي: ستندمين يا مها.. اقسم لك انك ستدفعين ثمن ما قلته هذا اليوم.. وتذكري هذا جيدا...
التفت له مها وتطلعت له بعدم اكتراث ومن ثم اكملت طريقها.. وان شغلت ذهنها عبارته الاخيرة..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع مازن الى ندى وملاك اللتين كانتا تنتظرانه بعد ان اخرج لهم الخيل من الاسطبل.. وقال وهو يربت على عنق الخيل: استمعا الي انتما الاثنتان..اياكم وان تحاولوا مضايقة فرسي.. والا القت بكم من فوق ظهرها..
قالت ندى وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: لا تحاول.. لن تخيفني.. سأصعد على ظهرها بالرغم منك ومنها..
قال مازن بسخرية: ان القت بك فلا شأن لي..فهي تخشى الفتيات صراحة..
قالت ندى وهي تتقدم منه وتبتسم: كيف تخشاهن وهي انثى مثلهن؟ ..
اشار مازن الى نفسه وقال وهو يغمز بعينه: لأنها معجبة بي وتخشى علي من أي فتاة سواها..
ضحكت ندى وقالت: يالك من شاب.. كل الفتيات اصبحن معجبن بك الآن وحتى هذه الفرس..
قال مازن بملل وهو يرفع ندى من خصرها ويضعها على ظهر الفرس: كفي عن ثرثرتك هذه.. وامسكي بها جيدا..
اما ملاك فقد ارتفع حاجباها بدهشة وضيق من تصرفه..بضيق من تصرفاته العفوية مع ندى.. بضيق من حديثه الدائم معها.. وانا التي اجلس هنا.. لم يحاول حتى ان يسألني ان كنت انوي الركوب حقا ام لا..
وكورت قبضتيها بحنق وغيرة من ابتسامة مازن لندى وحديث المرح اليها.. وقالت في سرعة وهي تشعر ان غيرتها هي من اصبحت تسيطر عليها: ولم هي تمطيه اولا؟.. انا اريد امتطاءه قبلها ..
قالت ندى متعمدة اغاضتها: ذلك لانك لن تمطيه من الاساس..
قال مازن وهو يتطلع الى ندى بنظرة حادة: ستكونين بعدها يا ملاك.. وسأتجول معك بالفرس لوقت اطول..
ارتفع حاجبا ندى بحنق وقالت عندما ابتعدا عن ملاك قليلا: لم تدافع عنها هكذا؟..
قال مازن مجيبا ببرود: لانها ابنة عمي..
قالت ندى بحدة: وانا ابنة عمك ايضا واعرفك قبلها..
قال مازن وهو يلتفت لها ويلقي عليها نظرة غاضبة: ولا احب ان يجرحها احد بكلماته..
قالت ندى بحنق: اتهمك تلك المقعدة؟..
قال مازن مستفزا: كثيرا..
صمتت ندى ولم تحاول الرد ومازن مكتفي بجذب لجام الفرس لتتحرك بين ارجاء المكان..وقالت ندى وهي تشعر بالمل من سكوته: الن تتحدث؟..
قال مازن ببرود: في ماذا؟..
قالت ندى في سرعة: اخبرني عنك انت واحوالك ؟..
قال مازن بابتسامة ساخرة: بخير وسعيد جدا..
قالت ندى بدهشة:سعيد؟؟..
قال مازن وهو يفكر في اثارة حنقها: اجل لاني افكر في ان اخطب قريبا..
ارتسمت ملامح السعادة على وجه ندى.. البلهاء لقد ظنت انها هي.. ماذا لو علمت انها ملاك؟.. سيتوقف قلبها حينها بكل تأكيد..هز مازن رأسه وابتسامة ساخرة تعلوا شفتيه الى ان وصل الى ملاك قريبا.. فأنزل ندى من على ظهر الحصان وقال وهو يقترب من ملاك ويبتسم لها: دورك الآن..
قالت ملاك بتوتر: وكيف سأصعد على ظهره؟..
مال مازن نحوها وقال مبتسما: سأحملك بكل تأكيد..
اسرعت ملاك تقول: لا.. لم اعد اريد ركوبه..
ارتفع حاجبا مازن بحيرة ومن ثم قال: ولم لا تريدين؟..
شعر مازن بارتباكها في تلك اللحظة وهي تقول: لا اريد وكفى..
ابتسم مازن في تلك اللحظة ومال نحوها ليقول وهو يحملها بين ذراعيه فجأة: لم اكن اعلم انك تتدللين هكذا ايضا..
شهقت ملاك بقوة ومن ثم قالت ووجهها قد اعترته حمرة قانية من شدة الارتباك والخجل: انزلني يا مازن ارجوك..
قال مازن مبتسما وهو يقترب من الفرس ويجلسها على ظهره: دائما طفلة يا ملاك..
كانت ندى تتطلع الى ملاك بنظرات مليئة بالحقد وقالت في تلك اللحظة: بل ساذجة..
كادت ملاك ان ترد عليها لكنها امسكت نفسها وصمتت عنها.. فقال مازن وهو يتجاهل ندى بدوره ويكاد يجذب اللجام: هل انت مستعدة يا ملاك؟..
اخذت ملاك تحاول التقاط انفاسها وهي تطلع من فوق ظهر الفرس الى الارض الخضراء من حولها ومن ثم هزت رأسها نفيا و قالت بارتباك وتوتر: اشعر بالخوف..
- ولم؟..
قالت ملاك وهي تحاول ان تسيطر على خوفها وتزدرد لعابها: لأول مرة اركب حصانا..
قال مازن وهو يبتسم لها ليطمئنها: لا تخشي شيئا انا معك..
قالت ملاك في سرعة: لقد غيرت رأيي لا رايد ان اركب حصانا..
ضحك مازن بمرح ومن ثم قال: عدنا من جديد.. كفاك دلالا ..
اما ندى فقد قالت بحنق: انزلها يا مازن ما دامت لا تريد..
التفت لها مازن وقال ببرود: لم يحدثك احد يا ندى..
وقال وهو يتقدم من ملاك: ملاك انظري الي..
توردت وجتا ملاك بخجل وحاولت رفع عينيها الى مازن الذي ابتسم وقال: اتثقين بي؟..
اكتفت ملاك بأن اومأت برأسها فقال مازن مبتسما: اذا لا تخشي شيئا.. اطمئني..
قالها وجذب لجام الفرس وقال لملاك: تمسكي جيدا..
اسرعت ملاك تتمسك بالفرس.. والتفتت الى حيث ندى وكادت ان تخرج لها لسانها بطفولة حتى تغيظها.. ولكنها اسرعت تلتفت عنها وهي تخفي ابتسامتها.. وتطلعت الى مازن اخيرا .. وارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها وكأنها تثبت بهذه الابتسامة انتصارها على ندى....
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الثالث والعشرون
"القرار"
التفت مازن الى ملاك الصامتة وتتطلع حولها بعيون خائفة.. فقال بابتسامة واسعة: ما بك يا ملاك؟..ليس هناك ما يخيف..
قالت ملاك وهي تتمسك بالفرس بشكل اكبر: ولكنك قلت انها ستلقينا من على ظهرها..
تطلع لها مازن لوهلة ومن ثم اخذ يضحك بقوة وقال: لا تقولي لي انك صدقت ما قلته..
تطلعت له ملاك بغرابة ومن ثم قالت: ولم لا اصدق؟..
قال مازن وهو مستمر في ضحكه: لقد قلت ذلك حينها حتى اخيف تلك المزعجة ندى..لا انت..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها في الم: لكني لم اطلب منك ان تعلمني ركوب الخيل هي من طلبت منك ذلك..
قال مبتسما: لقد وافقتها حتى اتخلص من ازعاجاتها الدائمة.. ولو كنت اعلم انك ترغبين في ركوب الخيل لما توانيت في الموافقة ..
قالت ملاك وهي تلتفت اليه وفي عينيها نظرة تساؤل: احقا؟..
اومأ مازن برأسه وهو لا يزال يمسك باللجام وقال: بكل تأكيد..
ارتفع حاجبا ملاك وهي تتطلع الى مازن الذي يجذب لجام الفرس وابتسامة هادئة تعلوا شفتيه وان كان ذهنه يفكر في شيء ما.. شيء لن يمكنها ان تعرفه ابدا..
وكما دار بذهن ملاك كان يشغل تفكير مازن شيء ما.. او امر ما.. وهو ارتباطه بملاك..لقد وافق الآن ولم يبقى سوى رأي ملاك.. والتفت لها ليتطلع لها لبرهة .. ان وافقت فستكون زوجته.. وسيكون مسئوولا عنها.. وسسرتبط بها حتى ينهض والدها.. فينسى حريته واستقلاليته و... لكن ان رفضت فسيواصل حياته كما يحب.. دون مسئولية ودون قلق.. لكن حينها ستكون قد تزوجت من كمال.. سيكون كمال هو المتحكم بها..هو المسيطر على كل شيء يعنيها..
القدر قد وضعه بين خيارين.. اما زواجه من ملاك وتحمل مسئوليتها وبالتالي يكون مطمئنا على املاكها.. واما رفضه لهذه الزيجة وتكون لكمال وهو لا يعرف بعد نية هذا الاخير لطلب الزواج من ملاك..
والآن قد سبق السيف العزل .. والخيار تقرره ملاك نفسها ..احيانا يرغب في ان يسألها لينهي هذا القلق الذي يحيا به و...
((لن تلعب معنا.. انها طفلة))
((لست طفلة))
هز مازن رأسه وهو يبعد الذكريات التي تسيطر على ذهنه بين الحين والآخر..وقالت ملاك في تلك اللحظة: مازن..
التفت لها وقال بابتسامة باهتة: ما الامر؟..
قالت ملاك بقلق: تبدوا متعبا..
اسرع مازن يقول نافيا: ابدا.. من قال لك ذلك؟..
ازدردت ملاك لعابها ومن ثم قالت: تعابير وجهك تدل انك تفكر في شيء ما.. وانك ربما تكون متعب من هذا التفكير..
ارتفع حاجبا مازن بغرابة من فهمها لتعابير وجهه.. ومن ثم قال بابتسامة عندما اقترب من مقعدها المتحرك وندى التي تجلس على سور الحلبة وضيق يعتري وجهها.. وقال وهو يوقف الفرس ويقترب من ملاك في تلك اللحظة: هيا اهبطي..
قالت ملاك وهي تتطلع الى قدميها: لكن لا يمكنني الوقوف..
ابتسم مازن وقال وهو يمد ذراعيه: لا عليك اهبطي فقط واتركي البقية لي..
تطلعت له ملاك وقلبها يخفق في عنف.. لقد فاجأها في المرة الاولى لهذا لم تستطع فعل شيء..ولكنها الآن تعلم انه يفكر في أن يحملها بين ذراعيه .. تقلصات معدتها جعلتها تبعثر نظراتها بعيدا لعلها تتقبل الفكرة.. لكن كيف ذلك.. ومازن سيكون قريبا منها.. واقرب من اية مرة..
وقال مازن بحيرة: ملاك .. الا تريدين الهبوط؟..
لم تجبه ملاك.. واطرقت برأسها وهي تحاول ان تتماسك قليلا.. في حين قالت ندى بسخرية: ربما تريد جولة اخرى بالحصان.. فقد اعجبها الوضع على ظهره.. فعندها تظن انها تسير على قدميها او ...
قاطعها مازن بغضب: يكفي يا ندى.. اصمتي..
ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتي ندى.. وخصوصا عندما لمحت تعابير المرارة والحزن على وجه ملاك.. في حين قال مازن بهدوء متحدثا الى ملاك: دعك منها يا ملاك.. فهي مزعجة كما اخبرتك..
عضت ملاك على شفتيها بألم.. في حين ارتسم الغيظ على وجه ندى.. وفي تلك اللحظة امسك مازن بكف ملاك وقال بابتسامة: هل يمكنك ان تهبطي من على ظهر الحصان الآن حتى اتحدث اليك؟..
دفعت ملاك جسدها قليلا .. فحملها مازن بين ذراعيه .. وقالت ندى حينها بضيق: ان كنت تريدين منه ان يحملك.. فقولي هذا منذ البداية.. ولا تمثلي دور الخائفة..
امسكت ملاك لا اراديا ذراع مازن الذي يحملها وكأنها تطلب منه الحماية.. فتطلع مازن الى ملاك بهدوء وحنان.. ومن ثم اعادها الى مقعدها وقال وهو يلتفت الى ندى وعيناه تحملان الكثير من الضيق: ندى .. لا تدعي اعصابي تتلف.. قلت لك مائة مرة دعي ملاك وشأنها..ثم ان هي لم تطلب مني شيء.. انت بنفسك قد رأيتني وانا احملها من تلقاء نفسي..
قالت ندى ببرود:تتقن التمثيل جيدا هذه المقعدة..
قال مازن بعصبية: كفى يا ندى اصمتي.. او اقسم ان تندمي على كل كلمة نطقت بها..
تطلعت له ندى بغضب ومن ثم قالت بعصبية: الى هذه الدرجة تهمك؟.. وانا التي رفضت العديد ممن جاءوا لخطبتي من اجلك ..
قال مازن ببرود وهو يلتفت عنها ويدفع مقعد ملاك: لم يطلب منك احد فعل ذلك..
تطلعت له ندى بحنق.. واسرعت تبتعد عن المكان.. في حين مال هو قليلا باتجاه ملاك وقال بهمس: ملاك.. لا تتضايقي من حديثها..
قالت ملاك بصوت خافت وهي تشعر بغصة في حلقها: اريد ان اعود الى المنزل..
قال مازن بحيرة: ولماذا؟.. لا تدعي هذا الامر يؤثر عليك يا...
قاطعته ملاك بصوت متحشرج: اريد ان اعود الى المنزل.. انت من اجبرتني على البقاء.. وانظر ماذا حدث.. لم تفرح ندى الا عندما اخذت تذكرتني بأني فتاة مقعدة طوال فترة وجودي معكم..
قال مازن بهدوء: لا يوجد انسان كامل في هذا الكون يا ملاك.. الكامل هو الله تعالى..
قالت ملاك بعينين مغرورقتين بالدموع: ونعم بالله.. ولكن .. هذا لا يعني ان تتعمد ندى تجريحي طوال الوقت..
قال مازن بابتسامة: وانت لم تصمتي عنها..
قالت ملاك بألم: لكني في النهاية صمت لقد طفح الكيل ولم اعد استطيع ان اخبئ آلامي اكثر من هذا..
ربت مازن على كتفها وقال بابتسامة باهتة: اعتذر فلم اتمكن من ايقافها عند حدها..
لم تعلق ملاك على عبارته.. بل ظلت صامتة طوال الوقت.. لاول مرة يتحدث معها احدهم بهذه الطريقة.. لاول مرة يشير احدهم الى عجزها.. ويشعرها بأنه افضل منها.. فقط لأن الله وهبه هذه الصحة.. وكما وهبها قد يأخذها في يوم.. لكن من يفهم؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قالت مها بابتسامة وهي تتحدث الى حسام: ما بالك؟..نبدوا متضايقا..
قال حسام بضيق: ومن لا يتضايق وهو يرى ابن عمك ..
ضحكت مها بمرح وقالت: دعك من احمد. لا يستحق ان تتضايق من اجله..
قال حسام بحنق: الم تري نظراته تجاهك؟..
قالت مها وهي تبتسم : وماذا يهم؟.. لا تهمني نظراته ابدا..
قال حسام بحدة: لم لا تفهمين يا مها؟.. انا لا اطيق ان ينظر اليك ابن عمك ذاك على هذا النحو..
قالت مها وهي تحاول ان تهدئه: حسنا ولكن اهدئ.. انا ايضا لا احتمل وجوده..
التفت لها حسام وقال بغتة: اين هو نصف القلب؟..
ابتسمت مها وقالت: معي اينما كنت..
ابتسم حسام وقال وهو يقترب منها ويهمس : احبك ..
(هيي..انت ابتعد عن شقيقتي)
توردت وجنتي مها بحمرة الخجل.. في حين قال حسام بلامبالاة: وما شأنك انت؟..
قال مازن بسخرية: اطن اني لا ازال شقيقها ولم تتبرئ مني بعد..
قال حسام بابتسامة: قريبا.. صدقني..
رفع مازن حاجبيه وقال وهو يدفع مقعد ملاك: فيم تفكر بالضبط؟..
قال حسام وهو يلتفت ويتطلع الى مها: امر بيني وبين مها..
قال مازن باستخفاف: وايضا.. اصبحت بينكم امور تخفونها عن الجميع..
ومن ثم اردف قائلا: والآن يا مها هيا.. فسنغادر..
قالت مها مستغربة: ولم؟.. لم يتأخر الوقت بعد..
اشار مازن بطرف خفي الى ملاك وقال بهدوء: لاجلها اريد العودة..
في تلك اللحظة فقط لمحت مها الحزن المرتسم على وجه ملاك فقالت متسائلة: ما بها؟...
قال مازن بهدوء: سأخبرك فيما بعد.. عن اذنك يا حسام..
وقالت مها وهي تبتسم لحسام: اراك غدا يا حسام.. الى اللقاء..
قال حسام مبادلا اياها الابتسامة: الى اللقاء..
سارت مها الى جوار مازن الذي اخذ يدفع مقعد ملاك.. وقالت هامسة: ما بها؟..
زفر مازن بحدة ومن ثم قال: فيما بعد يا مها.. فيما بعد..
(الى اين؟..)
عبارة اجبرت الجميع على الالتفات لصاحبها الذي لم يكن سوى كمال والذي كان يقف بصمت ويتطلع اليهم بجمود.. واجابه مازن قائلا: الى المنزل..
اقترب منهم وقال: ولم؟..
قال مازن بضيق: سأخبرك بكل شيء فيما بعد..
التفت كمال في تلك اللحظة ولمح الحزن المرتسم على وجه ملاك فقال وهو يعقد حاجبيه بتساؤل: ماذا بها ملاك؟..
صمت مازن لوهلة ومن ثم قال بهدوء: عندما تصل الى المنزل يا كمال سأخبرك و..
قاطعه كمال وقال بحدة: بل الآن..
نقل مازن نظراته بين كمال وملاك وقال ببرود: المكان لا يناسب لمثل هذا الحديث..
وكاد ان ينصرف لكن كف كمال التي امسكت بذراعه لتوقفه جعلته يلتفت الى هذا الاخير الذي قال : لقد قلت لك اني اريد معرفة كل شيء الآن..
تطلع اليه مازن بدهشة ومن ثم ابعد كف كمال عن ذراعه وقال: سأخبرك..
وشرح له الامر باختصار شديد.. وعلى الرغم من ذلك قال كمال باستنكار: وانت؟.. ماذا كانت وظيفتك؟ ..المشاهدة فحسب..
قال مازن بعصبية: لقد حاولت ان اسكتها عما كانت تقوله.. ما الذي اردت مني ان افعله اكثر من هذا؟.. اضربها مثلا ..
قال كمال بحدة: وتقول انك مسئول عنها.. أي مسئولية تلك التي تتحدث عنها..
لم تجد مها امامها من حل غير انها تسرع بنداء حسام لفض هذا الخلاف..الذي جاء مسرعا ووقف بين مازن وكمال وقال مهدئا: يكفي يا كمال.. انه شقيقك الاكبر لا يجب ان تحدثه بهذه الطريقة..
قال كمال بضيق: شقيقي الاكبر هذا كما تقول.. لا يفكر سوى في نفسه.. انه انسان أناني ومغرور.. يريد ان يحصل على كل شيء.. له فقط..
قالت ملاك في تلك اللحظة عندما لم تحتمل سماع المزيد من هذا الشجار: يكفي.. يكفي.. ارجوكم كفى.. لا اريد ان تتشاجروا بسببي.. فليحدث لي ما يحدث.. لكن لا تتشاجروا.. اتوسل اليكم.. كفّى عن هذا الشجار .. انتما شقيقان..
اقتربت منها مها وقالت وهي تربت على كتفيها مهدئة: اهدئي يا ملاك.. هما هكذا دوما.. وكل شيء سيكون على ما يرام بينهما بعد ساعات فحسب..
قالت ملاك بعينين دامعة: لقد تمنيت طويلا ان يكون لي اخ او اخت.. ومن يهب الله تعالى له اشقاء يتشاجر معهم بهذه الطريقة..
ابتسمت مها مشفقة في حين دس مازن اصابعه بين خصلات شعره بعصبية توتر ومن ثم قال: لم يحدث شيء يا ملاك.. مجرد نقاش ولست انت السبب فيه..
القى كمال نظرة اخيرة على مازن قبل ان ينصرف من النادي ..اما مازن فزفر بحرارة قبل ان يدفع مقعد ملاك.. وينصرف بدوره تاركا النادي.. هذا المكان الذي حمل لهم احيانا الذكريات الجميلة.. واحيانا اخرى الذكريات المؤلمة ..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع امجد بغرابة الى مكان ملاك الخالي على مائدة الطعام وتساءل قائلا بحيرة: اين ملاك؟.. الن تأتي لتناول العشاء؟..
لم يجبه ايا من مازن او مها او كمال.. واكتفوا بالتوقف عن تناول الطعام.. فتساءل امجد مرة اخرى قائلا: ماذا بها ملاك؟ .. الم يستدعها احدكم؟..
التفتت مها في تلك اللحظة الى والدها وقالت : بلى .. لكنها قالت انها لا تريد تناول طعام العشاء..
قال امجد باهتمام: ولم ؟.. ما الذي جرى لها؟..
(اسأل مازن لتعلم السبب)
كان هذا صوت كمال الذي قال عبارته بعصبية ومن ثم نهض من مكانه وغادر مائدة الطعام.. وعقد امجد حاجبيه وقال: لقد تغير كمال كثيرا..ما الذي جرى للجميع؟..
زفر مازن بحدة ومن ثم قال: انت تعلم بالوضع الذي نمر به .. لهذا نقضي يومنا بأكمله في حالة من التوتر والقلق..
التفتت له مها بدهشة وقالت: أي وضع هذا؟..
تجاهلها مازن تماما.. في حين قال امجد: يبدوا اني سأضطر لأنهاء هذا الوضع اليوم..
ادرك مازن ما يعنيه والده ..لكنه مع هذا تساءل قائلا ربما ليأكد لنفسه ما فهمه: ماذا تعني يا والدي؟..
التقط امجد كوب من الماء وقال بعد ان شرب القليل منه: سأسالها اليوم وينتهي الموضوع..
قال مازن بقلق: لكن.. الم تقل يا والدي انك ستسألها نهاية الاسبوع؟.. أي غدا..
قال امجد وهو يمط شفتيه: اليوم او غدا.. لن يفرق الامر كثيرا..
قالها ونهض من مكانه.. في حين تنهد مازن ودس اصابعه بين خصلات شعره بتوتر.. فقالت مها بحيرة: ما الذي يجري؟.. ابي سيسأل من؟..وعن ماذا؟..
كاد مازن ان ينهض من مكانه فهو ليس في مزاج يسمح له بالاجابة عن اسألة مها التي لن تتركه الا عندما تعرف كل شيء وبالتفصيل..ولكن كف مها الممسك بذراعه استوقفه وهي تقول في صوت اقرب الى الرجاء: اخبرني يا مازن.. اشعر ان هناك امرا ما يحدث في المنزل.. وانا الوحيدة التي لا تعرفه.. اكاد اصاب بالجنون من كثرة التفكير..اخبرني ارجوك..
تطلع لها مازن بدهشة ممزوجة بالحيرة من اخبارها او عدمه.. لكنه قال اخيرا وهو يتنهد: فليكن.. سأخبرك لكن لا تقاطعيني حتى انتهي..
وعلى الجانب الآخر.. كان امجد قد اخذ يطرق باب غرفة ملاك.. التي ظنت انها طرقات مها.. فقالت ببرود: قلت لك اني لا اريد ان اتناول شيء يا مها.. دعيني وحدي..
ابتسم امجد وقال وهو يفتح الباب: اردت الحديث اليك قليلا يا ملاك.. فهل يمكنني ذلك؟..
شعرت ملاك بالاحراج من تصرفها.. وقالت في سرعة: بالتأكيد يا عمي.. المعذرة لقد ظننتك مها..
قال امجد وهو يجلس بكقعد يجاورها: لا عليك.. واخبريني الآن.. لم ترفضين تناول طعام العشاء معنا؟..
ارتبكت ملاك وقالت وهي تطرق برأسها: لست اشعر بالجوع ..
تساءل امجدقائلا: هل هناك من ضايقك؟..
صمتت ملاك ولم تعلق..فلم تعتد الكذب يوما.. في حين قال امجد وهو يعقد حاجبيه: اهو مازن؟..
قالت ملاك في سرعة: لا يا عمي.. لم يضايقني مازن ابدا..
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي امجد وقال وهو يضع يده على رأسها: لقد اردت ان اتحدث اليك قليلا يا ملاك في موضوع يخصك..
ظهر الاهتمام على وجه ملاك وقالت بحيرة: يخصني؟.. تحدث يا عمي انا اسمعك..
تردد امجد قليلا قبل ان يقول بابتسامة متسائلا: كم عمرك الآن؟ ..
ارتسمت ابتسامة على شفتي ملاك وقالت: ثمانية عشرة عاما.. لم السؤال؟..
قال امجد وهو يضغط على حروف كلماته: لقد كبرت يا ملاك واصبحت عروسا جميلة.. وسنة الحياة هي ان ترتبط كل فتاة بـ...
بتر امجد عبارته عندما لمح علامات الحيرة على وجه ملاك.. فأكمل وهو يحاول ان يجعلها تفهم ما يرمي اليه: انا اعني يا ملاك.. ان سنة الحياة هي ان تتزوجي ككل فتاة..
ازدردت ملاك لعابها بتوتر.. وتطلعت الى عمها باستغراب ومن ثم قالت: ما مناسبة هذا الكلام يا عمي؟..
التقط امجد نقسا عميقا ومن ثم قال وهو يمسح على شعرها: لقد تقدم احدهم لخطبتك يا ملاك..
اتسعت عينا ملاك.. وتطلعت الى عمها بذهول.. ودون ان تنطق شفتيها بالعبارات التي تجول بذهنها.. فهم عمها تساؤلها عن هذا الشخص.. فقال مردفا بابتسامة: انك تعرفينه جيدا .. انه ابني .. مازن..
(ماذا؟؟!)
نطقت مها هذه العبارة في مزيج من الدهشة والاستنكار والضيق .. خلفه كل ما قاله لها مازن منذ قليل.. حول رغبته في الارتباط بملاك.. لم يخبرها بكل شيء.. بل اكتفى بقوله انه يريد الارتباط بملاك.. حتى يحميها ويحافظ على املاك والدها.. وهذا ما جعل مها تستنكر رغبته هذه وتقول بحدة: لا بد وانك تمزح..بكل تأكيد انت كذلك .. تقول انك تريد الارتباط بملاك.. منذ متى كنت انت الشاب الذي يفكر في الزواج؟.. ومن تختار في النهاية؟ .. ملاك .. تلك الرقيقة البريئة التي لا تعرف عن العالم شيئا.. اتريد ان تقتلها ببطء يا مازن؟..
تطلع لها مازن بدهشة وقال: ولم تقولين كل هذا؟.. اارتباطي بملاك يحزنها الى هذه الدرجة؟..
قالت مها بعصبية وهي تلوح بكفها: بل سيحزنها فيما بعد.. عندما تعلم بعلاقاتك المتعددة.. عندما تعلم ان ارتباطك بها كان حفاظا على املاكها .. وليس لأجلها.. افهمت الآن؟ .. ملاك تظنك مثلها.. شاب مثالي في نظرها.. لكن عندما تعلم بالحقيقة.. فكر أي صدمة ستواجهها بسببك..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره بتوتر ومن ثم قال: اسمعي يا مها.. عندما ارتبط لن تكون لي علاقات أخرى.. سأحاول ان اترك كل الفتيات اللاتي اعرفهن..وانا فكرت فيها وبمصلحتها عندما اردت الارتباط .. الا يعني هذا اني سأتزوجها لاجلها؟.. واذا وافقت ملاك.. اظن ان كل شيء سيكون على ما يرام.. فلا تستبقي الامور..
تطلعت له مها قليلا ومن ثم قالت وهي تضيق عينيها: اتريد رأيي؟ ..
وقبل ان يجيبها مازن اردفت قائلة: اتمنى ان لا توافق ملاك على الارتباط بك.. فحينها حقا سترى الوجه الآخر للعالم الذي تحياه.. عالم الخداع والقسوة والكذب والغرور..
قال مازن بعصبية: لكل منا عيوبه.. ولست اظن اني بهذا السوء الذي تصفين..
قالت مها ببرود وهي تنهض من مكانها: صحيح لكل منا عيوبه.. لكن الانسان لا يتألم ويحزن بحق الا اذا جرح من انسان يحبه..
قال مازن بعصبية اكبر: لم تتحدثين بالالغاز؟.. تحدثي بوضوح حتى افهمك..
قالت مها بابتسامة استخفاف: ولهذا اخبرك ان ملاك ستصدم حقا ان ارتبطت بك..
قالتها ومضت مبتعدة عنه.. في حين زفر مازن في حرارة وتطلع الى باب غرفة ملاك.. وهو ينتظر اجابتها بقلق وتوتر..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
شعرت مها بتأنيب ضميرها وهي تجلس على فراشها ومطرقة برأسها.. ذلك لانها لم تحذر ملاك من مازن من قبل.. واكتفت بالصمت وهي تخفي علاقاته المتعددة.. صحيح انها حاولت الاشارة الى هذا الامر عدة مرات ولكن ليس بطريقة مباشرة..لو وافقت ملاك على مازن فسأتحمل ذنب أي شيءيصيبها .. سأكون انا المسئولة لاني لم اخبرها بالحقيقة كاملة..
ولم تجد مها امامها من تبوح له بما في نفسها غير حسام.. فالتقطت هاتفها واخذت تضغط ارقام هاتفه..و ظلت تسمع الرنين على الطرف الآخر دون جواب.. فعقدت حاجبيها بشدة وقالت بحنق: لماذا لا اجدك عندما احتاجك يا حسام؟..
زفرت بحدة وهي تمرر اصابعها بين خصلات شعرها المموج ..وافكارها تزيد شعورها بتأميب الضمير.. تعلم جيدا ان مازن لا يفكر بملاك.. وتعلم اكثر انه لن يفكر في فتاة مقعدة.. بالتأكيد السبب هو المحافظة على ثروتها واملاكها من أي شخص.. لكن لم لم يوضح اكثر؟؟.. اكان يعني شخصا بعينه؟.. ربما..
قطع تفكيرها صوت رنين الهاتف.. فالتقطته من جواراها ومن ثم ابتسمت وهي ترى اسم حسام على شاشته وقالت بحنق مصطنع: لم لم تجيب على الهاتف في المرة الاولى؟..
قال حسام مبتسما: اولا اهلا بك يا مها.. وثانيا كيف هي احوالك؟.. وثالثا المعذرة لقد تركت هاتفي في غرفتي.. ولقد كنت اتناول طعام العشاء في الردهة حينها.. اخبريني اهناك شيء؟..
قالت مها بصوت قلق: تقريبا..
- اخبريني اذا ماذا بك؟..
قالت مها وهي تزفر بحدة: سأسألك سؤالا قبلها.. كيف ترى علاقة مازن بملاك؟..
فكر حسام قليلا ومن ثم قال بحيرة: لست اعلم بالضبط لكني ارى ان ملاك تتلهف دائما عند رؤيته.. وان مازن مهتما بها كثيرا..
قالت مها بسخرية: مثل باقي الفتيات اللاتي اهتم بهن..
قال حسام نافيا: لا.. انه يهتم بملاك بشكل خاص.. ليس كبقية الفتيات.. بل لنقل انه اهتمام صادق..
قالت مها مبررة: ربما لانه يشفق عليها وعلى حالتها..
- ربما.. لكن ما مناسبة هذا السؤال؟..
ازدردت مها لعابها ومن ثم قالت: مازن.. تقدم لخطبة ملاك..
قال حسام بدهشة: ماذا؟.. لم اتوقع ان الامر سيصل الى الارتباط ابدا..
- ولا انا ايضا..لقد ظننت ان الامر سينحصر في علاقة القرابة التي تربطهما.. لكن ما اصاب عمي خالد غير كل شيء.. فقد اصبحت شركاته بدون ادارة.. واظن ان مازن سيرتبط بملاك من اجل هذا السبب.. فلقد قال لي ان زواجه بها من اجل مصلحتها وحسب..
قال حسام بحيرة: لست اعرف ماذا اقول.. ولكني اشعر ان هناك ما يربط شقيقك مازن بملاك.. ربما هو مجرد اعجاب.. لكن ربما مع الوقت يتحول الى حب..
قالت مها باستخفاف: انت تعلم من هو مازن بكل تأكيد .. وتعلم يقينا انه لم يحب فتاة في حياته..
قال حسام بابتسامة: ولكن من الممكن ان يحب .. اليس كذلك؟..
صمتت مها للحظات ومن ثم قالت: حسام اتظن اني قد اخطأت عندما اخفيت عن ملاك علاقات مازن ؟.. اتظن اني اخطأت وانا اراها تتعلق به يوما بعد يوم واقف صامتة لا احاول حتى تحذيرها؟..اكان يتوجب علي ان اخبرها بحقيقة شقيقي حتى تعرف أي شخص هو وتحاول تحاشيه؟.. اخبرني يا حسام هل اخطأت؟..
قال حسام بهدوء: أي شخص في مكانك يا مها كان سيفعل الشي ذاته.. انت اردت ان لا تصدمي ملاك بشقيقك.. لم تريدي لها ان تتألم.. وايضا لم تكوني لتعرفي ان الامور ستتطور الى هذا الموضوع.. فكيف لك ان تتنبأي بها؟.. اليس ما اقوله هو ما فكرت به عندما اخفيت عنها حقيقة مازن؟ ..
قالت مها وهي تتنهد: بلى لقد كنت اخشى ان اصدمها واجعلها تتألم وانا اراها ترى شقيقي على نحو آخر تماما..
قال حسام بهدوء: لكن كل هذا لا ينفع الآن .. القرار وحده في يد ملاك.. وهي من ستقرر الموافقة على مازن او رفض هذا الارتباط..
زفرت مها بحدة ومن ثم قالت: معك حق.. القرار الآن في يد ملاك وحدها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كانت ملاك واجمة .. صامتة .. بعد ان سمعت ما قاله عمها .. لم تعلق او حتى تتغير ملامح وجهها..وان كان قلبها يخفق بخفقات سريعة متتالية ومن ثم بدأت اطرافها كلها بالارتجاف .. وانفاسها قد اضطربت تماما.. ذهنها مشغول بمئات او لنقل آلاف الافكار..مازن.. حنانه واهتمامه وطيبته.. رقة قلبه وكلماته التي تخفف عنها الكثير .. كل هذا كان يدور في ذهنها تلك اللحظة.. كل المواقف التي جمعتها بمازن مرت امام عينيها في لحظات كشريط سينمائي..وتذكرت كذلك موقفه الاخير معها في النادي.. وندى ..كل هذا اجتمع في ذهنها.. وجعلها تصمت وتغرق في تفكير عميق..
مازن يتقدم لخطبتها هي؟.. اهو حلم يا ترى؟؟.. بالتأكيد هو كذلك.. فلا يمكن ان تتحقق احلامنا بهذه السهولة في عالم الواقع..مازن الذي احبته بكل مشاعرها واحاسيسها.. يتقدم لخطبتها.. اذا كان يبادلها المشاعر كما كانت تتمنى.. لم يكن مجرد اعجاب او اهتمام كما ظنت.. بل انه الحب و...
وبغتة اخترقت افكارها صورة ما.. جعلت قلبها تخفق بقوة وخوف.. ومن ثم ترفع رأسها الى عمها لتطلع اليه بنظرات متوترة جعلتها تتمتم دون شعور: في الحقيقة يا عمي.. انا ...ا...ارفض..
ولم يعد هناك مجالا للتراجع...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الرابع والعشرون
"لم الرفض؟؟"
تطلع امجد الى ملاك بصدمة وذهول من رفضها المفاجئ.. حتى انها لم تأخذ وقتا للتفكير.. لقد رفضت من فورها وكأن شيئا ما يمنعها من هذا الارتباط.. او سبب ما يجعلها ترفضه مباشرة..
وقال وهو يحاول ان يتغلب على دهشته : لكن يا ملاك.. انت لم تفكري حتى.. لم ترفضين هكذا؟.. بكل سرعة.. خذي وقتك في التفكير على الاقل.. وان كان هناك ما يعيب مازن فأخبريني ربما قد فهمت الموضوع بشكل خاطئ او ربما استطيع فهم وجهة نظرك تجاهه..
هزت ملاك رأسها نفيا ومن ثم قالت: لقد فهمتني بشكل خاطئ يا عمي..رفضي كان على الزواج نفسه..
قال امجد بحيرة: لم افهمك يا ملاك..
قالت ملاك وهي تشعر بغصة مرارة تملأ حلقها: كيف تريديني ان اتزوج ووالدي في الغيبوبة؟.. كيف وانا التي لم اتخيل سواه يكون الى جواري في حفل زفافي؟..كيف تريديني ان افرح وانا لا اعلم ان كان ابي سيستيقظ من غيبوبته ام لا؟ .. كيف؟..
ابتسم امجد ابتسامة شاحبة ومن ثم قال وهو يربت على كتفها: ملاك يا عزيزتي.. الحياة ممتدة امامك وانت الآن في ظروف تجعلك في امس الحاجة الى رجل يقف الى جوارك.. والدك كان هذا الرجل.. لكنه الآن لا يمكنه اخذ هذا الدور من الجديد.. وعليك ان تفهمي ان املاكك ستكون معرضة لأي شيء اذا لم يتم ادارتها بشكل صحيح..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها: لكني قد منحت مازن توكيلا بادارتها و...
قاطعها قائلا: اعلم ذلك جيدا.. لكن.. بصفته ماذا؟.. ابن عمك.. عندها سيطالب اشقائي فؤاد وعادل بهذه الادارة نظرا لانهم المسئولين عنك بعد والدك.. وحينها الاموال التي جمعها خالد طوال حياته ستتحول اليهم..
واردف بلهجة حانية: لكن ان تزوجت مازن.. فسيديرها بصفته زوجك.. ولن يحاول أي شخص بالمطالبة بهذه الادارة.. كذلك انت في ظل ظروفك هذه اظن انك بحاجة لشخص تتحدثين له عن كل شيء واي شيء.. وليكن هذا الشخص هو زوجك الذي ستختارينه بملء ارادتك..
قالت ملاك بتردد: لكن يا عمي.. انا لا استطيع ان ارتبط بشخص وابي في هذه الحال..
ابتسم امجد وقال: لا تقلقي من شيء.. سيتم عقد القران فقط.. اما الزفاف فسيؤجل حتى يستيقظ والدك من غيبوبته.. اريد لهذا الارتباط ان يتم يا ملاك.. حتى تضمني حقك ولا يطالبك احد بشيء..
واستطرد قبل ان تعقب: فكري يا ملاك.. سأتركك تفكرين ثلاثة ايام ومن ثم اسألك عن رأيك في الزواج من مازن.. وسواء رفضت او وافقت.. فستكونين ابنة اخي العزيزة وفي مكانة مها تماما..
تطلعت له ملاك بعيون حائرة وقلقة .. في حين ابتسم هو ابتسامة هادئة قبل ان ينهض من مجلسه ويغادر الغرفة.. وما ان فعل حتى اطلقت ملاك تنهيدة.. تنهيدة حملت كل ما في قلبها من راحة.. وارتسمت ابتسامة خجلى على شفتيها وهي تلتفت الى طائرها وتقول : ارأيت يا مازن.. لقد تقدم لخطبتي.. لقد اختارني انا.. انا يا مازن.. انه يحبني كما احبه.. لست اتخيل.. مازن يريد الزواج بي.. يا الهي.. اشعر انه مجرد حلم.. كم انا سعيدة.. سعيدة..
واردفت بصوت خافت بعض الشيء: لكن اتعلم لم رفضت بهذه السرعة حتى دون ان آخذ أي وقت للتفكير.. ذلك لاني تذكرت ابي.. وتذكرت عندما كان يخبرني انه هو من سيسلمني لمن سأختاره زوجا بنفسه.. ولهذا لم استطع الا الرفض حينها على الرغم من حبي الشديد لمازن.. والذي لا يعلم به سواي..
وابتسمت ابتسامة باهتة وهي تقول: لكن اظن ان ابي سيسامحني يا مازن.. لاني ساحافظ على ثروته اولا كما قال عمي.. ولاني سأاجل الزفاف الى ان يفيق من غيبوبته.. لن يغضب مني بكل تأكيد لاني ارتبطت بمازن.. الشخص الذي احب .. الست معي في هذا؟..
لم يجبها سوى صوت تغريده فابتسمت وقالت بمرح: اذا انت معي في هذا.. وصدقني لو انتظر عمي قليلا لاعلنته بموافقتي على الفور..
واكملت ووجنتيها قد توردتا خجلا: فهل هناك فتاة يمكنها رفض الشاب الذي تحبه؟..
وداعبت القلادة التي تحتل عنقها وهي تردف: انت معي في هذا يا ابي ايضا .. اليس كذلك؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اخذ مازن يحك ذقنه وقال بابتسامة باهتة: اذا فقد رفضت..
قال امجد بدهشة: ما بالك؟.. الا تفهم؟.. لقد اخبرتك انها ترفض الزواج بشكل عام لانها تريد ان يكون والدها الى جوارها.. ولكن اظن اني استطعت تغيير رأيها هذا قليلا.. فأخبرتها انها في امس الحاجة الآن لشخص يقف الى جوارها ويحافظ على ثروتها..
قال مازن بابتسامة: حسنا اذا ماذا قالت بعد ان اخبرتها بكل هذا؟..
قال امجد بهدوء: لم تعلق واخبرتها بعدها ان تأخذ وقتها في التفكير وسأسمع رأيها بالموافقة او الرفض بعد ثلاثة ايام من اليوم..
قل مازن بضجر: ثلاثة ايام ايضا من الانتظار والترقب؟..
قال امجد باستهزاء: وكأنك انت من تقدم لخطبتها بكل لهفة.. وليس انا الذي اخذت الح عليك حتى توافق..
قال مازن بابتسامة مرتبكة: لا داعي لذكر هذا يا والدي .. كل ما كنت اعنيه اني اكره الانتظار..
قال امجد بسخرية: اذا يا من تكره الانتظار.. هلا غربت عن وجهي الآن فلدي عمل كثير واكره التأخير في انجازها..
قال مازن وهو يلوح بكفه وابتسامة صغيرة تتراقص على شفتيه: فليكن سأغرب عن وجهك الآن..
والتفت عن والده ليتجه الى الدرج.. وبالتالي يصعد درجاته الى الطابق الثاني.. وبينما هو كذلك.. شاهد كمال وهو يهبط بدوره درجات السلم غير عابئ بمازن الذي كان يصعده.. ومواصلا طريقه دون ان يلقي عليه نظرة واحدة.. وابتسم مازن بسخرية ليقول: احيانا اظن اني بت شبحا لاأُرى..
وهز راسه باستخفاف قبل ان يواصل طريقه ويسير في الممر ..متجها الى غرفته..وبغتة فتح باب غرفة مها لتطل منها وهي تتطلع اليه في ضيق.. فابتسم وقال: ما بالك تتطلعين الي بهذه الطريقة؟ ..
قالت مها باستهزاء: من شدة حبي لك..
اتسعت ابتسامته ومن ثم قال: اعلم هذا.. لا داعي لان تعبري عن ذلك وتتعبي نفسك..
كادت ان تدخل الى داخل الغرفة مرة اخرى .. لولا ان قال مازن في تلك اللحظة: الا تريدين ان تعلمي بقرار ملاك؟..
التفتت له مها بحدة وتطلعت له باهتمام قبل ان تقول بلهفة: وماذا كان قرارها؟..
ابتسم مازن بثقة ومن ثم قال: لقد وافقت بكل تأكيد .. هل لديك شك في هذا؟..
عقدت مها حاجبيها بضيق ومن ثم قالت: على العموم موافقتها هذه كانت متوقعة..
عقد مازن حاجبيه هذه المرة وقال باهتمام: ماذا تعنين بأن موافقتها كانت متوقعة؟؟..
قالت مها بابتسامة باهتة: ربما قد تفهم ما اعنيه فيما بعد ..المهم اني قد توقعت ان توافق وان تمنيت العكس.. عن اذنك الآن..
اسرع مازن يقول: انتظري..
التفت له مها وقالت : ماذا الآن؟..
قال مبتسما وهو يمرر اصابعه بين خصلات شعره: انها لم توافق بعد..
قالت مها وهي تتطلع اليه بعدم فهم: اتعبث معي؟..
لوح مازن بكفه وقال: لا .. لقد رفضت حقا .. ولكنها رفضت الزواج بشكل عام بسبب غيبوبة والدها.. ولكن بعد ان حدثها والدي .. وقال انه سيتم تأجيل الزفاف الى ان يستيقظ والدها.. يبدوا انها قد اقتنعت.. لكنه فد منحها فترة ثلاثة ايام للتفكير..
قالت مها بجدية: اذا يمكنني ان اقنعها في هذه الايام الثلاثة لتغير رأيها تجاهك وترفضك..
قال مازن بغرابة: لم تقولين هذا؟..
قالت مها بضيق: لاني وكما اخبرتك سابقا لا اريدها ان تكون لك.. انت ستكون سبب في آلامها واحزانها.. ويبدوا اني سأذهب اليها منذ الآن حتى ينتهي الموضوع و...
بترت عبارتها عندما امسكت قبضة مازن بذراعها وهو يقول بحدة: أي هراء تتفوهين به؟؟..
قالت مها وهي ترفع حاجباها بسخرية: لا تقل لي انك تفكر بملاك.. وانك لا تستطيع الاستغناء عنها..
قال مازن وهو يميل نحوها ويعقد حاجبيه: الامر ليس هكذا .. ولكن ان رفضتني فسيكون عليها ان تقبل بكمال..
قالت مها بدهشة وعيناها متسعتان: ماذا؟..كمال؟؟..
اومأ مازن برأسه واكمل: اجل كمال.. وانت تعرفين من يكون كمال بالنسبة لملاك..هو من كان سببا في حزنها عدة مرات .. ام تراك نسيت؟.. اتريديها ان ترفضني و تكون لكمال اذا؟..
ارتسمت الحيرة على وجه مها وقالت بحيرة: ولم كمال يريد الزواج بها؟..
قال مازن وهو يهز كتفيه ويترك ذراعها: الامر واضح.. فتاة ذات جمال ولديها من الثروات ما يجعله ثريا في اسبوع.. كيف يمكنه ان يضيع هذه الفرصة من بين يديه ولا يخطر بذهنه فكرة الارتباط بها؟ ..
قالت مها بغير تصديق: كمال يفكر بهذه الطريقة؟؟..
قال مازن بلامبالاة: ولم لا؟..
ومن ثم اردف قائلا: ولهذا اخبرك.. اكون انا لملاك.. افضل من أي شخص آخر .. على الاقل لست افكر في أي قطعة نقدية تملكها..
تنهدت مها واخذت تفكر في الامر بحيرة.. في حين مضى مازن في طريقه وتوجه الى غرفته ليغلق الباب خلفه بهدوء..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ابتسم احمد ابتسامة ماكرة وهو ينطلق بسيارته ومعه ندى التي قالت بملل: لقد مللت هذا الصمت.. ضع اغنية ما على الاقل..
قال احمد باستفزاز: عنادا فيك لن اضع شيء..
هزت ندى راسها وقالت بحنق: كل هذا لاني طلبت منك ان تأخذني الى منزل عمي.. وايضا انت كنت تفكر في الذهاب .. لا تنكر هذا..
قال احمد مبتسما: لم انكره.. ولكني اكره وجودك معي ..
قالت ندى بضيق: وانا ايضا اكره وجودي معك.. متى فقط يتحقق ما احلم به واتخلص من رؤية وجهك..
قال احمد بسخرية: بطردك من المنزل..
هتفت ندى بحدة: بل بطردك انت من الحياة..
قال احمد وهو يغيظها: بعدك بإذن الله..
قالت ندى بحنق وغضب: سخيف وتافه ومغرور و...
اوقف احمد السيارة في تلك اللحظة بحركة مفاجأة.. حتى كاد رأس ندى ان يصطدم بما امامها.. فصرخت فيه قائلة: هل جننت؟..
ابتسم احمد بسخرية ..فقالت بحدة: لقد فعلتها عامدا ..اقسم على هذا ..
اكمل احمد انطلاقه بالسيارة وقال: هذا حتى تنتبهي لالفاظك جيدا ..
تطلعت له ندى بحقد.. في حين اردف قائلا بتهديد: وفي المرة القادمة لن اكتفي بالضغط على الفرامل وحسب.. بل برميك من السيارة لتعودي الى المنزل سيرا على الاقدام..
قالت ندى بحنق: سأتصل بالسائق حتى يأتيني الى حيث مكاني ومن ثم يوصلني المنزل.. لن تخيفني بتهديداتك..
اوقف احمد في تلك اللحظة سيارته بالقرب من منزل امجد وقال وهو يلتفت لها بسخرية: سأتصل به واخبره ان لا ينفذ اوامرك .. اخبريني بعدها من سيهتم بك..
قالت ندى وهي تفتح باب السيارة: والدي ووالدتي..
واسرعت تهبط من السيارة وتتوجه نحو الباب الرئيسي للمنزل وتضغط على الجرس بالحاح.. ومن جانب آخر كانت مها تجلس برفقة ملاك في غرفتها وتبتسم وهي ترسم على احدى الاوراق قائلة: ما رأيك بها؟..
كانت محاولة جيدة من مها لرسم طائر ملاك.. فقالت هذه الاخيرة بابتسامة واسعة: رائع.. لم ادرك انك تملكين موهبة الرسم..
قالت مها وهي تناولها قلم الرصاص: ليس رائعا بل يبدوا طائرا ابلها.. هيا جاء دورك.. فلترسمي انت..
ضحكت ملاك بمرح ومن ثم قالت: لست اعرف..
قالت مها وهي تبتسم بخبث: لا تعرفين.. اشك في هذا.. لقد رأيت احدى رسماتك لركن من الحديقة وكانت في منتهى الروعة..
قالت ملاك بخجل: انت تبالغين..
ما انتهت ملاك من نطق عبارتها الاخيرة حتى تعالى صوت جرس الباب.. فقالت مها وهي تنظر الى ساعة الحائط: من قد يأتي لمنزلنا في مثل هذا الوقت؟..
هزت ملاك كتفيها بمعنى انها لا تعلم.. في حين قالت مها وهي تنهض من مكانها: سأذهب لأرى من هناك واعود لك..
اومأت ملاك برأسها وهي تقول: حسنا..
خرجت مها من الغرفة لتتوجه الى الردهة ومن ثم تنادي الخادمة لتقول لها: من بالباب؟..
قالت الخادمة بهدوء: السيد احمد والآ نسة ندى...
تنهدت مها بضيق وقالت متحدثة الى نفسها وهي تبتعد عن المكان: ( ما الذي جاء بهما الآن؟..)
وعادت الى ملاك..في مثل اللحظة كان مازن يهبط من غرفته وعقد حاجبيه بضيق عندما لمح احمد وندى يدخلان الى المنزل للتو.. فقال بصوت منخفض حمل الكثير من الضيق: الا يزال لدى احمد الجرأة للقدوم الى هنا بعد كل ما حدث هو وشقيقته تلك؟..
لم يلحظ مازن كمال الذي كان قادما من الخارج والذي ارتسمت ملامح البرود على وجهه منذ ان رأى احمد.. والذي بادره قائلا بابتسامة: كيف هي احوالك يا كمال؟..
قال كمال ببرود متجاهلا عبارته: اهلا احمد .. ما سر هذه الزيارة يا ترى؟..
قال احمد بابتسامة ساخرة: ازور منزل عمي .. ام ان هذا بات محظورا هذه الايام..
التفت كمال الى ندى وقال متجاهلا عبارته للمرة الثانية: اهلا بك يا ندى..
قالت ندى مجيبة وعيناها على ذلك الواقف على درجات السلم: اهلا بك..
قال كمال وهو يبتعد عنهم: بالاذن..
وسار مغادرا المكان.. ليتوجه الى السلم.. وهناك قال وهو يرى مازن الذي ارتسمت على وجهه علامات الضيق:ما الذي جاء بهذان الاثنان الى هنا؟..
قال مازن بسخرية: ربما للسؤال عن صحتنا..
قال كمال وهو يمط شفتيه ببرود: الا يزالان يملكان الجرأة للمجيء الى هنا..
قال مازن وهو يزفر بحدة: يبدوا وان هناك امر جديدا يخططان له والا لما جاءا الى هنا من جديد..
قال كمال وهو يصعد درجات السلم: سأذهب لاستبدل ملابسي واعود اليهم.. حتى اوقف أي منهما عند حدوده ان فكروا بالتخطيط لأي شيء آخر بالنسبة لملاك..
قال مازن وهو يفكر: لا اظن فمخططهم السابق لم يفشل بعد ..
قال كمال بلامبالاة: لا يهم..يجب ان نحتاط لكل شيء..
رمقه مازن بنظرة ساخرة قبل ان يكمل سيره ويتجه الى احمد وندى..
اما في داخل غرفة ملاك فقد كان الجو متوترا بعض الشيء.. فقد قالت ملاك بضيق وتوتر: احمد وندى هنا؟..
اومأت مها برأسها وقالت بملل: اجل.. ويجب علي ان اجالسهما بالرغم مني.. يا الهي.. لا اعلم كيف سأحتمل..
ومن ثم اردفت متسائلة: هل ستأتين معي؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت بحنق: لا اريد مجالسة ندى تلك..
قالت مها وهي تسير باتجاه الباب: كما تشائين وان اردت شيئا فجميعنا بالردهة..
اسرعت ملاك تقول : الجميع؟.. من تعنين بالجميع؟..
قالت مها وهي تلتفت لها: كمال ومازن وانا ..
ازدردت ملاك لعابها وقالت بصوت لم سمعه سواها وهي تطرق برأسها: مازن ايضا؟؟..
عقدت مها حاجبيها وقالت متسائلة: هل قلت شيئا؟..
قالت وهي ترفع راسها لمها: اريد ان آتي معك..
قالت مها باستغراب: الم تقولي للتو بأنك لا تريدين مجالسة ندى..
قالت ملاك وهي تدفع عجلات مقعدها: غيرت رأيي..
هزت مها كتفيها وفتحت لها الباب..فغادرت ملاك الغرفة وغادرت مها من خلفها.. وما ان وصلت ملاك الى غرفة الجلوس التي اجتمعوا فيها.. حتى عقدت حاجباها بضيق وحنق.. فقد كانت ندى تجلس الى جوار مازن تقريبا لايفصلها عنه الا مسند المقعد.. الا تفهم هذه الفتاة؟.. مازن خطبني انا وليس خطيبها هي حتى تجلس الى جواره هكذا ..
وفهمت مها سبب الضيق المراسم على وجه ملاك عندما شاهدت نظراتها الى ندى.. فقالت هامسة وهي تميل اليها: لا عليك يا ملاك.. سأريك ماذا سأفعل..
تطلعت لها ملاك بحيرة.. وتقدمت مها اكثر ومن خلفها ملاك .. وجلست الاولى على احد المقاعد المجاورة لكمال.. وتوقفت ملاك بدورها عن تحريك عجلات مقعدها فكانت تجاور مها تقريبا.. وفي تلك اللحظة قال احمد وهو يتطلع الى مها بابتسامة ماكرة: كيف حالك يا مها؟..
همست مها بضيق بصوت لم تسمعه الا ملاك التي تجاورها: بخير ما دمت لا ارى وجهك..
ابتسمت ملاك بالرغم منها.. في حين اجابت مها ببرود: على ما يرام..
اما ندى فقد قالت مبتسمة: لم تخبرني يا مازن.. اين تعمل بالضبط في شركة عمي؟..
التفت لها مازن وقال بهدوء: رئيس قسم المبيعات..
قالت ندى وابتسامتها تتسع: بالتأكيد راتبك الشهري يتجاوز الالف قطعة نقدية..
قال مازن بلامبالاة: لا يهمني مقدار الراتب بقدر ما يهمني ان اعمل في مجال تخصصي..
قالت ندى متسائلة: ولم؟ .. ما هو تخصصك؟..
(السياحة)
لم تكن هذه العبارة من مها او كمال او حتى احمد.. بل كانت من ملاك التي اجابت بابتسامة حتى تغيظ بها ندى.. وقال احمد في تلك اللحظة: احقا؟.. اتترك العمل لدى والدك من اجل ان تعمل في هذا التخصص الذي لا يتجاوز راتبه الشهري ربما سبعمائة قطعة نقدية..
قال مازن بهدوء: اخبرتكم انه لا يهمني الراتب الذي سأحصل عليه بقدر ما يهمني ان اكون اعمل في شيء احبه.. فالمال متوفر لدي.. وما يهمني ان اجد نفسي في هذا العمل..
قال احمد بسخرية: ما فائدة ان تجد نفسك في عمل تحصل فيه على اقل من نصف راتبك..
تدخلت مها في الحديث قائلة وهي تنهض من مكانها: هذا الكلام لن تفهمه يا احمد ابدا..
قال احمد متسائلا: ولم لا؟..
لم تجبه مها بل قالت لمازن وابتسامة خبيثة تتراقص على شفتيها: تنح قليلا يا مازن.. اريد الجلوس..
ابتعد مازن قليلا وقال بضيق: الم يعجبك الجلوس الا الى جواري؟ ..
قالت مها وهي تجلس بين مازن وندى تتطلع الى الاول بابتسامة: اجل..
اما ملاك فقد ابتسمت لمها بامتنان وخصوصا وهي ترى علامات الضيق قد ارتسمت على وجه ندى..اما احمد فقد قال في تلك اللحظة: كيف حالك يا ملاك؟..
قالت ملاك بهدوء: بخير..
قال احمد وابتسامته تتسع: لم تجيبي علينا بعد..
ارتفع حاجبا ملاك بحيرة.. في حين اسرع مازن ينقذ الموقف قائلا: لا شأن لملاك بالموضوع.. والدي هو من سيجيبكم..
حتى مها قد عقدت حاجبيها وقالت متسائلة: ماذا يعني بقوله هذا يا مازن؟..
قال مازن بصوت خفيض وهو يتحدث الى مها: موضوع مع والدي عن احدى شركات عمي خالد..
تطلعت له مها بشك وقالت: وما دخل ملاك في هذا الامر؟..
قال مازن بهدوء: اسأليه .. فهو كما تعرفين يسأل عن كل شيء واي شيء..
اما كمال فقد قال ببرود: وفيم العجلة يا احمد؟.. لقد اتفقنا مع عمي ان نهاية الاسبوع المقبل سنمنحك الجواب..
نقلت ملاك بصرها بينهم جميعا وهي تحاول فهم أي شيء.. في حين قالت مها متحدثة الى مازن: واثقة ان الموضوع ليس كما اخبرتني به..
لم يأبه مازن بها..والتفت في تلك اللحظة الى ندى التي قالت متسائلة: متى ستعلمني ركوب الخيل مرة اخرى يا مازن؟..
انتقلت انظار مازن لا اراديا الى ملاك.. ربما ليعرف ردة فعلها على موضوع كهذا..ورآها تطرق برأسها وتداعب تلك القلادة باناملها.. تلك القلادة مرة اخرى!.. اريد ان اعرف من هذا الذي اهداها اياها وجعلها تتعلق بقلادته الى تلك الدرجة؟ .. لو كان والدها لاخبرتني ذلك اليوم ولم تقل انه شخص له مكانة غالية عندها..
( مازن.. لم تجبني)
التفت مازن لندى التي قطعت افكاره وقال وهو يلتقط نفسا عميقا: عندما اجد الوقت لذلك..
وعاد ليلقي نظرة اخيرة على ملاك التي لازالت تتمسك بقلادتها بقوة وكأنها تطلب منها الامان والحماية...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
شعر حسام بالملل من الدراسة المتواصلة.. فأغلق الكتاب بحركة حادة تدل على ضجره..ونهض من مكانه ليلتقط هاتفه المحمول..ليتأكد من وجود رسالة او اتصال من مها.. وقال باحباط عندما لم يجد أيهما: ايجب ان ابدأ انا دائما يا مها؟..
واسرع يكتب لها رسالة تقول (( أأنت مشغولة الآن؟))
وبعد لحظات وصلته رسالة من مها تقول فيها (( نوعا ما.. فابناء عمي في منزلنا))..عقد حسام حاجبيه بغيظ.. احمد هناك اذا.. تبا له.. اكره هذا الانسان اكثر من أي شخص آخر.. لو يبتعد عن حياتنا فحسب.. سيكون الجميع بخير..
لم يحاول ارسال اية رسالة اخرى الى مها.. بل القى بنفسه على فراشه ومرر اصابعه بين خصلات شعره لعله يخفف من الضيق والغيرة التي تتأجج بداخله الآن.. من يكون احمد هذا ليظن ان مها تفكر فيه؟.. ان كان هو ابن عمها فأنا ابن خالها.. ولقد كنت اقرب منه اليها منذ طفولتنا.. منذ متى كان هو يعرف شيئا عن مها؟.. منذ متى كان يمسح دموعها عندما تبكي بسبب ضرب احد الصبية لها؟.. انا الاحق بمها منه.. اما هو فهو مدلل العائلة كل شيء يريده يحصل عليه يسهولة و...
رنين الهاتف قطع افكاره وجعله يجيب دون ان يرى اسم المتصل: من المتحدث؟..
جاءها صوت مها وهي تحاول تقليده: لأول مرة تجيب على الهاتف بمن المتحدث.. الم تعرفني يا حسام؟..
قال حسام بتهكم: لا تعرفين ان تقليدي ابدا..
قالت مها مبتسمة: بل اعرف.. لكن اخبرني ماذا هناك؟.. انت لم ترسل هذه الرسالة عبثا.. شعرت انك متضايق من امر ما..
قال حسام بهدوء: كنت متضايقا من الدراسة ولكني الآن اصبحت متضايقا من شيء آخر ايضا..
ابتسمت مها وقالت : احمد ..اليس كذلك؟..
قال حسام متسائلا بضيق: ما الذي يفعله في منزلكم؟..
قالت بابتسامة مرحة: همم.. يريد ان يصمم بعض الديكورات للمنزل..
قال حسام بعصبية: مها.. لست في مزاج يحتمل مزاح أي شخص الآن.. اخبريني ماذا كان يفعل؟..
قالت مها بهدوء: جاء لزيارتنا..وفي رأيك ماذا جاء يفعل اذا؟..
قال حسام بحدة: لرؤيتك..
قالت مها ببلاهة وهي لم تستوعب ما قاله حسام بعد:هاا.. لرؤية من؟؟..
قال حسام بحدة اكبر: لرؤيتك انت .. لقد جاء لاجلك..
- لا تكن سخيفا يا حسام..
قال حسام وهو يحاول تمالك اعصابه: انها الحقيقة يا مها.. انت لم تري نظراته لك في النادي.. لقد كان يتطلع اليك وكأنك شيء من ممتلكاته.. وكأنه يريد ان تكوني له ..
قالت مها بابتسامة باهتة : وانا لن اكون..
قال حسام بابتسامة متوترة: اذا عديني..
تسائلت مها قائلة: بماذا اعدك؟..
قال حسام وهو يتنهد: ان تكوني لي انا فقط.. وانا لا تكوني لشخص آخر سواي..
قالت مها بابتسامة حانية: اطمئن لن اكون لاحد سواك .. اعدك...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الغيظ والحنق والغيرة من ندى هو ما كان يسيطر على ذهن ملاك في تلك اللحظة.. كيف تسمح لنفسها ان تتحدث اليه هكذا .. كيف تسمح لنفسها ان تطلب منه ان يدربها.. انه خطيبي انا.. ولن اسمح لها بالاقتراب منه.. حتى وان كانت ابنة عمه.. لن يهمني..مازن اختارني انا ولم يخترها هي.. لهذا انا الاحق به منها..
وتطلعت بنظرة حانقة وغاضبة الى مازن وندى التي تجلس الى جواره وهي تأخذ كامل حريتها..كورت قبضتها وهي تتمنى لو تتمكن من لكم ندى لعلها حينها تخجل من تصرفها وتبتـ...
(تبدين متضايقة)
التفتت ملاك الى ناطق العبارة ورفعت حاجبيها عندما ادركت انه صوت كمال فعلا ولم تكن تتخيل كما ظنت في البداية.. وقالت وهي تحاول ان تجعل نفسها طبيعية: لا ابدا..
قال كمال مردفا وكأنه لم يسمعها: من ندى وتصرفاتها بحرية مع مازن .. اليس كذلك؟..
لم تتمكن ملاك من ان تنكر اكثر فقالت وهي تزدرد لعابها: كيف عرفت؟..
قال وهو يشير اليها: ملامح وجهك ونظراتك تجاههم..
واردف وهو يلتقط نفسا عميقا: ولكن عليك ان لا تضايقي نفسك.. فندى معتادة على التصرف هكذا مع مازن.. وشقيقي ايضا اعتاد على تصرفاتها هذه .. بما انهما قد تربيا سويا..
قالت ملاك وهي تشعر بغصة مرارة في حلقها: ولو.. ليس عليها ان تتصرف هكذا لم تعد لك الطفلة لقد كبرت وغدت فتاة و...
قال كمال بابتسامة: افهم هذا.. لكن ندى معتادة على هذه التصرفات ليس الا..
وعلى الجانب الآخر.. كان مازن يتطلع له باستغراب ودهشة .. كمال يتحدث الى ملاك ويبتسم لها ايضا.. من اين اشرقت الشمس هذا اليوم؟؟..
ومرت عبارته في ذهنه التي قالها له قبل ايام..
((لا تقل لي انك تحبها مثلا))
((وان قلت اني كذلك))
يحبها؟؟!!.. لا .. لا اظن.. منذ متى كان كمال يهتم باحد او يملك المشاعر حتى يحب.. بالتأكيد يريد ان يتقرب من ملاك وحسب..حتى تغير فكرتها عنه.. وتقبل به .. وبالتالي املاكها ستكون بين يديه.. وعوضا من ان تكون لي ستكون لكمال الذي لا يفكر بها ابدا..
وقال مازن في تلك اللحظة بابتسامة باردة: كمال يتحدث الى ملاك.. يا للغرابة..
التفت له كمال وملاك وقال الاول: كما تتحدث انت مع ندى ..
رفع مازن حاجبيه وقال بابتسامة: الوضع مختلف بالنسبة لي.. فأنا اعتدت الحديث مع ندى اما انت.. فلم تعتد الحديث الى احد..
قالت ندى وهي تهمس لمازن: وفيم يهمك؟..
قال احمد في تلك اللحظة وهو يتطلع الى ساعته: اظن ان مها قد تأخرت .. لقد غادرت قبل ربع ساعة تقريبا..
اجابه مازن بسخرية: لقد غادرت الى الردهة ولم تغادر المنزل.. فلا تقلق عليها..
مط احمد شفتيه وقال ببرود: اتساءل فحسب.. ما دام امرها لايهم احدا منكم..
قال كمال هذه المرة: ماذا قلت؟.. لا يهم احد منا.. ربما انت متعب يا احمد ولا يمكنك التفكير بشكل جيد.. لهذا تنطق كلمات غير مفهومة..
قال احمد وهو ينهض من مكانه بحدة: ندى .. فلنغادر..
قال كمال بابتسامة باردة: مع السلامة..
حدجه مازن بنظرة لوم تعني انه لم يكن عليه ان يبين لهم كل هذا الضيق وخصوصا في ظل هذه الظروف.. في حين قال احمد وملامح المكر ترتسم على وجهه: بل قل الى اللقاء.. فسنلتقي مرة اخرى يا كمال.. ولقاءنا سيكون حافلا.. وحينها ستعرف من هو احمد جيدا..
كمال الذي لم يضحك في حياته لاا نادرا.. ضحك على عبارته بكل السخرية في اعماقه وقال باستهزاء: اتعلم .. انني ارتجف خوفا..لكن فلتعلم اني اعرفك جيدا ولهذا لا اتشرف بهذه المعرفة..
قالها ومضى في طريقه دون ان ينتظر ردا من احد.. ومازن الذي نظر الى الجميع بتوتر وهو يدس اصابعه في خصلات شعره.. بعد ان تكهرب الجو ولم يعدبامكانه ان يصلح من الامور شيئا..وخصوصا وهو يرى احمد يغادر المكان مع ندى.. وعيناه تحمل كل الغضب والرغبة في الانتقام...
الجزء الخامس والعشرين
"اليوم الثالث"
فتحت ملاك عينيها بتعب .. الليلة الماضية لم تنم جيدا.. بل نستطيع القول انها لم تنم ابدا..كيف لا واليوم هو اليوم الثالث المحدد لأن تمنح عمها جوابها.. اما بالرفض او بالموافقة على مازن.. قلبها يخفق بقوة واناملها ترتجف.. ماذا عساها ان تقول؟..مازن.. ومن لا يعرف مازن؟.. انه حياتها.. قلبها الذي أحبّه.. هل يمكنها الا ان توافق بعد كل تلك المشاعر المتأججة في قلبها تجاه مازن؟..
ابتسمت بخجل وهي تتذكر كل لحظة جمعتها بمازن.. وزفرت بحرارة وهي تحاول ان تبعد كل توترها وقلقها ..وقالت بصوت خافت: انا ومازن.. ولا احد آخر..
تطلعت الى كفها وقالت بابتسامة واسعة: واسمه سيطوق اصبعي الى الابد..
توردت وجنتاها واعتدلت في جلستها..ومن ثم نقلت ثقل جسدها الى المقعد المتحرك.. توجهت الى خزانة ملابسها.. وحاولت اختيار ملابسها هذه المرة بعناية.. تريد ان تبدوا الاجمل اليوم.. كيف لا ؟.. اليست العروس؟..
سقط الفستان من بين يديها عندما جالت بذهنها العبارة الاخيرة .. هي العروس؟؟.. لا تزال لا تصدق ما هي به.. هي ستتزوج من مازن؟.. اهو حلم من احلامها الجميلة يا ترى؟..
سمعت طرقا على الباب.. فقالت بصوت خافت وهي تلتقط الفستان الذي سقط على الارض: ادخل..
سمعت صوتا مرحا من عند الباب يقول: ماذا؟.. افقت من النوم؟.. كل يوم اجدك نائمة واضطر لان اقف على رأسك ساعة كاملة حتى تستيقضي..
ابتسمت ملاك بخجل وقالت : لا تبالغي يا مها..
اقتربت منها مها وقالت مبتسمة وهي تختطف الفستان من يدها: لا ابالغ.. همم دعيني ارى.. لا بأس به..
ارتفع حاجبا ملاك من تعليقها وقالت مرددة: لا بأس به؟.. اليس جميلا؟..
قالت مها وهي تغمز بعينها: بلى ولكن هناك الاجمل منه بكل تأكيد.. دعيني ابحث بنفسي..
قالتها وتجهت الى خزانة الملابس.. لتبحث فيها بهدوء.. وقالت ملاك في تلك اللحظة: انت لم تتحدثي الي يا مها..
قالت مها متسائلة دون ان تلتفت لملاك: بشأن؟..
قالت ملاك بارتباك وخجل: الا تعلمين بأن..أأ.. شقيقك .. قد...
التفتت لها مها في تلك اللحظة وقالت لتنقذها من احراجها: بلى اعلم..
قالت ملاك متساءلة بحيرة: اذا لم لم تخبريني منذ البداية؟.. لم لم تأتي بعدها وتتحدثي الي؟ .. عنه على الاقل..
التقتت لها مها وهي تمسك فستان بيدها.. واقتربت من ملاك لتقول بابتسامة وهي تهبط الى مستوها: لم اخبرك في البداية لاني لم اكن اعلم.. ولم اتحدث لك عن مازن.. لاني .. لاني اظن انك تعرفينه بشكل جيد..
لماذا تكذبين يا مها؟.. لماذا؟.. انت لا تريدين ان تخبري ملاك بأي شيء تندمين عليه.. تخبرينها بمواصفات لا يمتلكها مازن.. تمتدحين لها مازن وانت الاعلم بعيوبه .. لهذا لم اخبرك يا ملاك.. لا استطيع ان اخدعك..لا يمكنني ذلك.. فلأبتعد عن الموضوع افضل لي.. ولك..
وقالت ملاك في تلك اللحظة: لكنك شقيقته تعرفينه اكثر مني..
قالت مها مازحة: اعرف انه دائم السخرية مني.. ويتعمد الاستخفاف بي..
قالت ملاك برجاء يجعل أي شخص يراها يظن ان من تترجاه طفلة ولست فتاة قد اكملت الثامنة عشرة: مها .. ارجوك .. اخبريني ..
قالت مها مبتسمة: عن ماذا؟..
تطلعت لها ملاك بغضب.. فقالت مها وهي تضحك بمرح: حسنا .. حسنا.. بم تريدين ان اخبرك؟..
قالت ملاك بلهفة: كل شيء.. ماذا يحب وماذا يكره مثلا؟ .. ماذا يفضل؟.. هواياته.. أي شيء..
قالت مها بمرح: يحب عصير البرتقال..
قالت ملاك وهي تومئ برأسها: اعلم..
ارتفع حاجبا مها بغرابة وقالت:تعلمين؟..
ابتسمت ملاك وقالت: لقد اخبرني بذلك عندما كنا في المركز التجاري.. اخبريني اذا ماذا يكره..
قالت مها وهي تفكر: اكثر ما يكرهه مازن هو ان يتجاهله احدهم..
قالت ملاك بلهفة: وايضا.. اكملي.. اخبرني عن صفاته اكثر..
قالت مها وهي تهز كتفيها: لا شي اكثر مما تعرفينه.. سوى انه عصبي المزاج عندما يغضب.. دائم السخرية اذا كان في مزاج رائق..
قالت مها مردفة وهي تنهض واقفة: ما رأيك بهذا الفستان؟.. اليس اجمل مما كنت سترتدينه؟..
قالت ملاك وهي تتطلع الى الفستان: الا ترين انك قد بالغت؟.. انا سأرتديه في المنزل فحسب..
قالت مها وهي تضعه امام جسدها وتتطلع الى نفسها في المرآة: ابدا لم ابالغ.. انظري اليه كم يبدوا جميلا علي..
قالت ملاك بابتسامة: خذيه ان اردت..
ارتفع حاجبا مها ومن ثم قالت بتهكم: ارتديه ولا تغيري الموضوع.. ومن ثم اتبعيني الى مائدة الافطار..
قالت ملاك في سرعة: مها..
قالت مها وهي تتطلع اليها: ما الامر؟..
قالت ملاك وهي تتطرق برأسها وتحرك اناملها بتوتر: اريد زيارة ابي..
ابتسمت مها لوهلة ومن ثم قالت بمكر: لا استطيع المعذرة..
ظهر الاسى على وجه ملاك..وقالت: لا بأس.. سأذهب له في يوم آخر..
اسرعت مها تقول: مابك تصدقين كل شيء؟.. لقد كنت امزح.. متى تريدين الذهاب اليه؟..
قالت ملاك وقد تحول الاسى الى اشتياق اطل من عينيها: في أي وقت يناسبك..
قالت مها مبتسمة: اذا بعد الغداء..
قالتها والتفتت عنها..ولكن ملاك عادت لتقول منادية اياها: انتظري للحظة..
التفتت لها مها فقالت ملاك: لن آتي لتناول طعام الافطار.. اعذريني..
قالت مها بحيرة: ولم لا؟..
قالت ملاك بخجل: بالتأكيد مازن سيكون مستيقظ هذا الوقت و...
قاطعتها مها بحيرة اكبر: واذا كان مستيقظا؟؟.. ما الذي سيفرق بالنسبة لك؟..
توردت وجنتا ملاك بحمرة الخجل وقالت بارتباك: لا اعلم .. ولكن اشعر.. اني لا استطيع النظر اليه حتى بعد ان علمت انه...قد تقدم لـ...لخطبتي..
ضحكت مها وقالت: اخجل هذا ام ماذا؟.. تحرمين نفسك من تناول الفطور لأجله.. لايستحق بكل صراحة..لكن افعلي ما يريحك.. وسأطلب من الخادمة احضار طعام الافطار الى غرفتك..
قالتها وهي تفتح باب الغرفة وتغادر الى الخارج.. لتتوجه بعدها الى مائدة الافطار وتحتل احد مقاعدها.. وتتناول قطعة كعك بهدوء.. ومن ثم تلتقط قطعة من الخبز و...
( كفاك ما تناولته.. الم تشبعي بعد؟..)
التفتت مها الى مازن الذي تقدم منها وقالت باستنكار: لم اتناول سوى قطعة من الكعك..
قال مازن ميتسم وهو يجذب له مقعدا: ستصابين بالسمنة ان تناولت ما هو اكثر من ذلك..
اخرجت له لسانها وقالت: لا شأن لك..
والتقطت كوب الشاي لترشف منه بهدوء..ورأت مازن في تلك اللحظة يتلفت يمنة ويسرة.. فقالت بسخرية: رقبتك يا شقيقي قد تؤلمك وانت تتلفت هكذا.. لم تأت ..
قال مازن متسائلا: الم توقظيها؟..
- بلى ولكنها رفضت ان تأتي لتناول طعام الافطار معنا..
قال مازن متسائلا باهتمام: وما السبب؟.. هل ضايقها احدهم؟..
قالت مها ببرود اثار اعصاب مازن: انت..
قال مازن بحدة: هل اكتسبت هذا البرود من كمال ام ماذا؟.. ان اردت اخباري بشيء فأوضحيه جيدا..
قالت مها وهي تلتفت له : ان اردت الصدق فهي تشعر بالخجل منك..
قالتها وهي تغمز بعينها.. فقال مازن باستغراب: ولم؟.. لطالما كنت اجالسها واتحدث اليها و...
قاطعته مها قائلة: ذلك قبل ان تتقدم لخطبتها.. اما الآن فالوضع اختلف.. لقد اصبحت تنظر اليك بشكل آخر..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: انت تمزحين بكل تأكيد..
ابتسمت مها وقالت: ابدا.. انت لن تفهم تفكير ملاك.. لأنك لست فتاة وتدرك معنى ان تكون في مكانها..
قال مازن بضجر: لا اعلم لم تعقدون الامور هكذا..
قالت مها بابتسامة: بل انت من يبسطها..
ونهضت من مكانها لتتجه الى غرفة ملاك.. فاسرع مازن يقول مناديا اياها: مها..
قالت مها وهي تلتفتت له بملل: ماذا؟.. انت وملاك اليوم لن تتركاني وشأني..
ابتسم مازن وقال: ارسلي سلامي لها..
ارتفع حاجبا مها وقالت بسخرية: فليكن سأفعل.. الا تريد ان اوصل لها أي شيء آخر؟..
قال مازن وهو يبتسم: اجل واخبريها انني مشتاق لها كثيرا..
قالت مها مستغربة: امجنون انت؟.. بالامس فقط قد رأيتها.. احيانا اكاد اصدقك..
تقدم منها مازن وقال: ولم لا تصدقيني؟..
اشارت مها الى صدره وقالت بجدية: لأن قلبك هذا لم تحتله أي فتاة ابدا.. على الرغم من كل الفتيات اللواتي عرفتهن.. ولهذا فلا اظن ان ملاك ستحتله..
قال مازن بابتسامة باهتة: من يدري؟.. ربما ما ارفضه اليوم.. اتقبله غدا.. ويصبح واقع اتعايش معه..
- مازن.. اتجيبني بصراحة؟..
لم يجبها مازن فأردفت: ما هي مشاعرك تجاه ملاك؟.. بكل صدق.. بغض النظر عن عجزها..
صمت مازن لدقيقة كاملة.. وابعد نظراته عن مها وقال بهدوء: لا يمكنني ان اكذب.. ملاك حركت في مشاعر لم اشعر فيها تجاه فتاة سواها..لا اظن ان مشاعري هذه وصلت الى درجة الحب.. قولي انه اعجاب.. انجذاب.. ميل.. لكن لا اظنه حب ابدا..
قال مها ببرود: اتعلم لم..
تطلع اليها مازن فقالت وهي تتطلع الى عينيه مباشرة: ذلك لانك لازلت تضع عجزها حاجزا بينكما.. لا تفتأ بين لحظة واحرى ان تتذكر انها عاجزة ولا تصلح لك.. لهذا تقتل أي مشاعر بداخلك تجاه ملاك قبل ان تولد..
قال مازن بدهشة: ماذا تقولين؟؟..
- فكر جيدا يا مازن وربما حينها تدرك صحة قولي هذا..
قالتها والتفتت عنه.. لتمضي بعدها الى غرفة ملاك.. تاركة مازن يفكر في كل كلمة نطقت بها مها منذ قليل ويحاول ان يديرها في ذهنه جيدا..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت ملاك بصمت الى ذلك الجسد الممد على الفراش الابيض في تلك الغرفة الساكنة الا من صوت جهاز قياس نبضات القلب.. وترقرقت عيناها بالدموع بالرغم منها وهي تقترب بمقعدها من ذلك الجسد.. وتتناول كفه بين يديها الصغيرتين لتهمس قائلة: اشتقت اليك كثيرا يا ابي..
طبعت قبلة حانية على كفه وقالت بألم: متى ستعود الي يا ابي؟ .. لم اعد اطيق الانتظار.. اخبرني متى..
عضت على شفتيها بألم واسرعت تمسح دموعها التي خانتها وسالت عل وجنتيها.. وقالت في سرعة: لا لن ابكي يا ابي.. لقد وعدتك.. بأني لن ابكي امامك حتى لا اؤلمك بدموعي..
واردفت قائلة بابتسامة شاحبة: هل تعرف لم جئت الى هنا اليوم؟..لقد جئت لأخبرك بأمر هام.. لأخبرك بأن مازن..قد تقدم لــ...خطبتي..
قالتها بملامح خجلة وكأن التصريح بهذا الشيء فقط يجعلها تخجل من مازن..واستطردت وهي تضغط على كف والدها وتطلع اليه : انا اعلم جيدا انك لا تريد لعمي امجد وابناءه ان يعودوا للظهور في حياتنا من جديد.. وادرك ايضا المشاعر التي تحملها لهم.. ولكن على الرغم من انك تحاول ان تظهر مشاعر الكره لهم.. اشعر بأنك تحمل لهم كل الحب.. اشعر احيانا انك مشتاق لهم وتتمنى ان تجتمعوا من جديد.. ابي لست اعلم ما الذي علي فعله الآن؟.. لقد بت مشوشة التفكير.. لكني لا افهم سوى امرا واحدا.. انني ..احبه ..
قالتها بهمس وازدردت لعابها وهي تكمل: اجل احبه ..لقد اخفيت عنك هذا الامر طويلا.. انا التي لم اعتاد اخفاء عليك شيء.. اخفيت عنك حقيقة مشاعري لمازن..لأني اعلم انك ستأنبني وسترفض ان اوجه مشاعري تجاه مازن.. لكنه اليوم قد جاء لخطبتي.. فأخبرني يا ابي.. بم اجيب؟.. هل اوافق كما اتمنى؟.. ام ارفض ان كان الرفض هو ما تريده؟..لكن عمي قال ان هذا سيعد حماية لاملاكك.. فما رأيك يا ابي؟..
ترقرقت الدموع في عينيها من جديد: اعلم انك لن تجيبيني لكن اشعر بأنك تسمعني.. ان كلماتي تصل اليك.. وربما ستخبرني برأيك يوما ما..
طبعت قبلة على جبينه قبل ان تقول وهي تنهد بألم: احبك يا ابي..عد الي بسرعة.. فقد مللت الانتظار..
سمعت صوت الباب يفتح بغتة.. فالتفتت بحدة الى مصدر الصوت وما لبثت ان زفرت براحة وهي ترى مها..التي قالت متسائلة: هل نغادر الآن يا ملاك.. ام انك تودين البقاء لفترة اطول؟..
قالت ملاك بصوت خافت: افضل الذهاب.. لاني لن احتمل البقاء لفترة اطول وانا اراه على هذه الحال..
اومأت مها رأسها بتفهم..واستدارت للتطلع الى خالد قبل ان تقول لملاك بتأثر: اتمنى له الشفاء العاجل..
قالت ملاك بصوت اقرب الى الهمس: وانا كذلك..
ومن ثم اخذت تدفع مقعد ملاك مغادرين غرفة خالد..والاولى قد اتخذت قرارها بشأن ارتباطها بمازن...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اخذ مازن يتطلع الى التلفاز الذي يعرض مباراة لكرة القدم.. ولم ينتبه لتلك القدمان اللتان اقتربتا منه الا عندما سمع صوت صاحبهما يقول: مازن..
التفت مازن الى مصدر الصوت وقال بهدوء: اجل يا والدي..
جلس والده بالقرب منه وقال وهو يتطلع اليه بجدية: مازن ان اليوم هو اليوم الاخير للمهلة التي منحتها لملاك.. هذا يعني انها ستمنحني ردها اليوم..
قال مازن بابتسامة باهتة: فليكن اخبرني بردها بعد ان تجيبك ..
قال امجد بضيق: اهذا كل ما استطعت قوله؟..
قال مازن وهو يلتفت لوالده: انسيت ان هذا الارتباط لم يكن رغبتي..
عقد امجد حاجبيه وقال: بل كان.. لقد خيرتك قبل ايام ان ترفض هذا الزواج.. وتترك ملاك لشقيقك الذي يرغب بالزواج منها..
عقد مازن حاجبيه وقال بحنق: ولهذا وافقت على هذا الارتباط حتى احميها من كمال.. لو انها تزوجت كمال لما كانت ستهنأ في يوم..
قال امجد بضيق: لست افهم طريقة تفكيرك ابدا..
واردف وهو ينهض من مكانه: سوف اذهب لأسأل ملاك عن رأيها.. انتظرني هنا..
اومأ مازن براسه في ملل.. في حين توجه امجد الى غرفة ملاك ليطرق الباب بهدوء.. وجاوبه صوت مها وهي تقول: ادخل ..
دخل امجد الغرفة وقال مبتسما: ظننت انني اخطأت الغرفة عندما سمعت صوتك يا مها..
قالت مها مبتسمة وهي تلتفت الى ملاك: لقد كنت اتحدث مع ملاك عن رغبتها في ان تكمل دراستها..
قال امجد وهو يجلس بالقرب من ملاك: فلتكملي دراستك يا ملاك.. ما الذي يمنعك؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا شيء.. لكن الظروف التي مررت بها جعلتني اتوقف عن الدراسة فجأة.. لهذا اريد ان اكملها الآن..
قال امجد بابتسامة وهو يربت على كتف ملاك: جيد جدا يا ملاك.. اريدك هكذا دائما.. فتاة طموحة وتهتم بمستقبلها ..
قالت مها وهي تشير الى نفسها: وانا يا ابي؟..
قال امجد وهو يلتفت لها: انت غادري الغرفة..
قالت مها غير مستوعبة: ماذا؟؟..
قال امجد وابتسامته تتسع: غادري الغرفة كما سمعت.. لدي حديث هام مع ملاك..
قالت مها بضيق مصطنع: الحديث دائما مع ملاك وانا اطرد من المكان..
قال امجد بجدية: مها بدون اطالة غادري الغرفة في الحال..
قالت مها برجاء: الا يمكنني البقاء؟..
تطلع لها والدها بتهديد: مها.. لا تختبري صبري وغادري الغرفة ..
قالت مها وهي تنهض من مكانها في سرعة: حسنا يا والدي.. ولكن لا تغضب..
اسرعت تغادر الغرفة واغلقت الباب خلفها.. والتفت حينها امجد الى ملاك ليقول: ملاك لقد جئت اليوم لأحدثك عن...
قاطعه صوت فتح الباب ورأس مها الذي اطل منه وهي تقول بابتسامة مرحة: عذرا على المقاطعة.. ملاك بعد ان يخرج والدي اخبريني بما قاله لك..
قال امجد بحدة وعصبية: اخرجي واغلقي الباب خلفك يا مها ..بسرعة ..
قالت مها مبتسمة: حسنا.. حسنا.. الى اللقاء حميعا.. ولا تنسي يا ملاك..
ضحكت ملاك بمرح.. فقال امجد وهو يهز رأسه: يبدوا انها هي ومازن قد اشتركا في صفة الجنون..
التفتت له ملاك بابتسامة.. فأردف قائلا: انت تعلمين يا ملاك.. ان اليوم هو اليوم الاخير للفترة التي حددتها لك لتعطيني ردك ..فأخبريني الآن برأيك.. ولا تخافي.. لن يجبرك احد على شيء؟.. سيكون قرارك وحدك..
اطرقت ملاك برأسهاوالتقطت نفسا عميقا.. فقال امجد وهو يضع يده على كتفها: وكما اخبرتك سابقا..سواء وافقت يا ملاك او رفضت ستظلين ابنتي..
تطلعت له ملاك بتأثر.. ومن ثم قالت بصوت اقرب الى الهمس: مازن ابن عمي.. والمدة التي قضيتها هنا.. جعلتني اعرفه عن قرب اكثر.. لمست فيه الطيبة والشخصية المرحة.. لمست فيه الحنان والجدية في وقت الشدة..
وازدردت لعابها لتقول بارتباك واناملها قد بدأت بالارتجاف: انا لن اجد افضل من مازن يا عمي.. لهذا فأنا...
بترت ملاك عبارتها بغتة وسيطر عليها الارتباك والخجل ..فابتسم امجد وقال: قوليها ياملاك.. هل انت موافقة على الارتباط به ام لا؟..
اكتفت ملاك بهز رأسها دلالة على الموافقة.. فاتسعت ابتسامة امجد وقربها منه ليطبع قبلة على جبينها ويقول بحنان ابوي: مبارك يا ملاك.. الف مبارك..
واردف وهو يرفع يمسك بذقنها ويرفع راسها : سيكون عقد القران وحفل الخطبة نهاية هذا الاسبوع.. ما رأيك؟..
قالت ملاك بخفوت: ما تراه يا عمي..
قال امجد مبتسما: حسنا اذا.. استعدي من الآن.. مبارك مجددا.. واتمنى لك كل السعادة مع مازن..
ابتسمت ملاك بامتنان وخجل.. فربت امجد على كتفها وقال وهو ينهض من مكانه: سأذهب لابلغ الخبر هذا لمازن الآن..
قالها وغادر الغرفة بخطوات هادئة..ومان افعل حتى تنهدت ملاك بقوة لعلها تقلل من ارتجافة اناملها.. وتقلصات معدتها التي كانت اكبر دليل على توترها ..وقالت وهي تلتفت الى طائرها بكلمات مرتجفة: لقد فعلت الصواب يا مازن؟.. اليس كذلك؟..
(هذا يتوقف على ما فعلتيه..)
انتفضت بقوة عند سماعها لتلك العبارة..والتفتت الى الخلف وقالت وهي تزفر بحدة: هذه انت يا مها..
قالت مها مبتسمة: لا يوجد فتاة في هذا المنزل سواي انا وانت..
قالت ملاك بهدوء: لم انتبه للصوت..
قالت مها وهي تقترب منها: لا يهم.. اخبريني الآن ما الذي فعلتيه؟..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها لتخفي ارتباكها: لقد اعطيت عمي الجواب..
واردفت وهي تطرق برأسها بخجل: بالموافقة..
(وافقت؟؟!)
قالها مازن باستغراب ودهشة طغتا على صوته.. فقال والده وهو يعقد ذراعيه امام صدره: ما بالك تقف كالابله هكذا؟.. اجل وافقت كما اخبرتك..
مرر مازن اصابعه بين خصلات شعره وقال بتوتر واستغراب: لم اتوقع ان تمنحك جوابها بهذه السرعة.. ثلاثة ايام ووافقت على الارتباط بي؟..
قال امجد بهدوء: انا منحتها تلك الفرصة كما اخبرتك لاننا لسنا في ظروف تسمح لنا بتضييع أي وقت..
- ادرك ذلك جيدا.. ولكن ملاك لا تعلم بهذه الظروف ومع هذا وافقت بسرعة.. ربما لانها تخجل منك يا والدي..
قال مجد بعصبية: ما بالك تبرر هكذا؟.. اخبرتك بأنها قد وافقت.. تريد ان تعرف لماذا وافقت فاسألها هي.. وان لم تكن تفكر في الارتباط بها.. فشقيقك سيفعل و...
اسرع مازن يقول مقاطعا حديث والده: لا.. ليس كمال ..سارتبط بملاك يا والدي كما اخبرتك سابقا..
اشار له والده بتهديد وقال: ولن تتراجع في كلمتك هذه مهما حصل..
اومأ مازن برأسه وقال: لن اتراجع .. ثق بهذا..
قال امجد وهو يضيق عينيه:صدقني يا مازن ان تسببت في حزنها في يوم فسأقف انا في وجهك.. لا تنسى انه لم يعد لديها سوانا في هذه الدنيا.. عاملها بكل رفق وطيبة.. وضعها في عينيك.. لو جاءت يوم لتشتكي منك فسيكون حسابك عسيرا..
قال مازن بابتسامة مرحة: ما هذا يا والدي؟.. انا ابنك وليست هي..
- صحيح انها ليست ابنتي.. ولكنها في مكانة مها.. ملاك عاشت بيننا لفترة من الوقت .. جعلتني اعتبرها كابنة لي تماما ..
قال مازن مبتسما: لاول مرة اسمع منك تصريح كهذا يا والدي ..
قال امجد بحدة: لا تقف هكذا الآن.. عقد قرانك على ملاك نهاية هذا الاسبوع.. لم يبقى شيء عليه.. هيا اخرج لتشتري لك كل ما تحتاجه.. مها ستتكفل بملاك.. وانا سأتكفل بالحفل..
قال مازن بهدوء: حسنا يا والدي..سأفعل..
قالها والتفت عن والده وقال متحدثا الى نفسه: ( من كان يتوقع انها ستوافق بهذه السرعة؟)
قالت مها وهي تتطلع الى ملاك بصدمة: وافقت؟؟. بهذه السرعة؟؟..
قالت ملاك بصوت خافت: عمي هو من طلب مني ان ارد عليه بجوابي خلال ثلاثة ايام..
قالت مها وهي تتطلع اليه بدهشة:ولو.. لم يكن عليك ان تجيبي بهذه السرعة.. على الاقل خذي وقتك بالتفكير..
قالت ملاك بهدوء: انا اعرف مازن جيدا.. ولا داعي لان آخذ كل هذا الوقت بالتفكير..انه ابن عمي..
هزت مها رأسها وقالت بحيرة: الكلام لن ينفع الآن لقد وافقت على مازن..
واقتربت منها لتعانقها وتضمها الى صدرها مردفة: الف مبارك يا ملاك.. أتمنى لك حياة سعيدة وهانئة مع مازن من كل قلبي..
وابتعدت عنها لوهلة وما ان فعلت حتى رأت الدموع قد تجمعت في عيني ملاك.. فقالت بتأنيب: لم الدموع الآن يا ملاك؟..
قالت ملاك بصوت متحشرج: لم يسبق لأحدهم ان عانقني بهذه الحرارة سوى ابي.. لقد اشتقت اليه.. وتمنيت ان يكون الى جواري في لحظة كهذه..
قالت مها بابتسامة باهتة: جميعنا سنكون الى جوارك يا ملاك.. ووالدي هو والدك الثاني.. لن نتركك ابدا..
قالت ملاك وهي تمسح دموعها بأناملها: لا اعرف اين سأجد من يحبني مثلكم..
قالت مها بمرح: لن تجدي مهما بحثت.. فنحن حبك الاول..
ابتسمت ملاك ابتسامة باهتة.. فقالت مها مردفة بخبث: ام اقول انه هو فقط..
توردت وجنتي ملاك واشاحت وجهها بارتباك وقالت: ماذا تعنين؟..
قالت مها بمكر: من سترتبطين به قريبا..ووافقت عليه بهذه السرعة..
التفتت لها ملاك وقالت بتلعثم: لانه ابن عمي..
قالت مها وهي تتطلع الى عينيها مباشرة: وايضا؟..
اشاحت ملاك بوجهها بعيدا لعلها تهرب من نظرات مها المتفحصة .. فقالت مها وهي تبتسم: فليكن.. لا تخبريني بشيء.. فعيناك تفضحانك..
شعرت مها بارتباكها يزداد فقالت مبتسمة: سأذهب لأخبر مازن بموافقتك.. لا اظن انه قد علم بعد..
قالتها وسارت مبتعدة..لتغادر الغرفة.. وتتجه بعدها الى الطابق العلوي.. وامام باب غرفة مازن.. طرقت الباب عدة مرات وهي تقول: مازن.. هل يمكنني الدخول؟..
لم يأتيها جوابه.. فعادت لتطرق الباب وتمسك بمقبضه قائلة: مازن هل انت نائم؟..
استغربت اقفاله للباب ايضا.. وعقدت حاجبيها لتعود طارقة الباب من جديد املا في ان يجيبها مازن...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قبل ربع ساعة من الآن.. وبعد ان توجه مازن الى غرفته.. اقفل بابها ليستطيع التفكير بهدوء.. ورمى بجسده على الفراش.. لعله يستطيع ان يعيد حساباته قليلا.. لقد اختار الارتباط بملاك بنفسه ولم يجبره احد على ذلك.. ربما الح والده في البداية عليه.. ولكن في النهاية قد خيره بين ان تكون له او لــ.. كمال..ولهذا رضخ ان يرتبط بها.. لم يكن يريدها ان تكون لكمال..
الآن قد تغير كل شيء.. وبات امر ارتباطه بملاك حقيقة لا فرار منها..لهذا ليس بيده أي شيء يفعله سوى تقبل هذا الوضع وتقبل كون ملاك زوجته..
زوجته؟؟.. يالها من كلمة.. لطالما كان يرفض فكرة الزواج وهو الذي لديه مئات العلاقات مع مختلف الفتيات .. ونستطيع القول ان اغلبهن كن فاتنات لم يكن ينقصهن شي .. لكني دائما ما كنت ابحث عن الاجمل والافضل وذات الشخصية الاكثر تميزا.. وها انا الآن ارتبط بفتاة شخصيتها اقرب الى الاطفال.. عاجزة.. علي ان اتحمل مسئوليتها الى الابد.. هل هو عقاب من الله تعالى يا ترى؟..
والدي قال انه بامكاني ان انفصل عنها او اتزوج من اخرى ان طالت فترة غيبوبة عمي.. لكن .. خلال فترة ارتباطي بها سأكون مسؤولا عنها.. وعن كل شيء يخصها.. علي ان اغير من نفسي قليلا حتى لا تنتابها ذرة شك بأني على علاقات أخرى و...
(مازن.. مازن.. هل انت بخير؟)
اخترق الصوت افكاره واجبره على النهوض من على فراشه.. وسمع صوت الطرقات تتعالى.. وصوت مها وهي تهتف قائلة: مازن .. افتح الباب..مازن..
فتح مازن الباب بحدة وصرخ في وجه مها قائلة: مرة واحدة تكفي ايتها المزعجة..
قالت مها بحدة: اهذا جزائي لانني كنت خائفة عليك.. مع اني اعلم انك كالقطط لا يصيبك شيء ابدا..
قال مازن ببرود: لم يكن هناك أي داع لخوفك هذا..
قالت مها وهي تضع يدها عند خصرها: لقد اخذت اطرق الباب واناديك لعشرات المرات..وانت لا تجيب..
قال مازن بسخرية: لا اظن ان احدا سيفتقدني لو انني قد مُت ..بل على العكس والدي سيرتاح من همومي..وكمال لن يهتم .. وانت سترتاحين من مضايقتي الدائمة لك..
قالت مها وهي تقترب منه وتقول بمرح: معك حق.. لكن هناك من سيفتقدك حقا..
التفت لها مازن فاردفت وهي تغمز بعينها: ملاك..
قال مازن وهو يبتسم ويتطلع لها: اعلم جيدا انها الوحيدة التي ستفتقدني..
قالت مها وهي تضع يدها على كتفه: مازن .. صحيح انك تضايقني دائما وتستهزأ بي.. لكني اعلم ان قلبك علينا جميعا .. يكفي انك الوحيد التي تهتم بالعمل وبحاجيات المنزل ..يكفي انك الوحيد التي تهتم بمتطلباتنا جميعا..
قال مازن وهو يمرر اصابعه في شعره: لانني الابن الاكبر علي ان اتحمل مسئولية كل شيء.. هذا ما قاله لي والدي قبل خمس سنوات تقريبا..
قالت مها بابتسامة: ارأيت اذا.. سنفتقدك حقا لو فكرت مجرد مغادرة المنزل.. فكيف لو اصابك مكروه –لا قدر الله-..
قال مازن بابتسامته: هذا يعني انني مهم في المنزل..
- بكل تأكيد..
صمتت لفترة ومن ثم قالت: الا تريد ان تعلم ما هو جواب ملاك؟..
قال مازن بهدوء وهو يجلس على فراشه: علمت به..
قالت مها وهي تنظر اليه بشك: والست سعيدا؟..
قال بابتسامة باهتة: سعيد لانها لم ترفضني.. ولكن اشعر ان المسئولية التي احملها على عاتقي الآن قد تضاعفت..
قالت مها وهي تعقد حاجبيها باستنكار: اترى ملاك مجرد مسئولية؟..
- اخبرتك منذ البداية..ارتباطي بها من اجل مصلحتها وحسب ..
قالت مها وهي تضغط على حروف كلماتها: وهي الم تفكر في مشاعرها؟.. الم تفكر لو انها علمت بالحقيقة؟..
قال مازن بهدوء: لن يخبرها احد بالحقيقة..
- لكنها ستعلم في يوم.. صدقني لا يمكن اخفاء امرا كهذا الى الابد..
قال مازن وهو يزفر بحدة: مها ارجوك اريد ان اكون لوحدي .. اخرجي الآن..
ارتفع حاجبا مها لكنها قالت ببرود: فليكن.. افعل ما شئت..
والتفتت عنه لتغادر.. لكن ارتفع بغتة صوت نغمة هاتفها المحمول.. معلنا وصول رسالة قصيرة..فالتقطته بملل من جيب سترتها الطويلة.. وعقدت حاجبيها وهي ترى انها من رقم مجهول و...
انتبه مازن لملامح وجه مها التي تغيرت مائة وثمانون درجة..والى الضيق الذي كان يكسوا ملامحها منذ لحظات قد تحول الى قلق وربما خوف.. ونظراتها الباردة.. اصبحت متوترة.. فقال متسائلا: مها.. ماذا بك؟..
قالت مها بارتباك: هه.. ماذا؟..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه : ما الذي جرى لك؟..
قالت مها وهي تزدرد لعابها: لاشيء.. عن اذنك..
قالتها وغادرت الغرفة وهي تتذكر كلمات الرسالة التي وصلتها قبل قليل..
((اريد لقاءك لامر هام لا يحتمل التأجيل..انتظريني في النادي عند الساعة السادسة مساءا.. احمد))
..,
الجزء السادس والعشرون
"لقاء"
وقفت في احد الاركان بالنادي وهي تتلفت حولها بتوتر.. لم تكن تريد ان تحضر.. لم تكن تريد ان تفعل.. لكن عبارته بتلك الرسالة جعلتها تشعر بالقلق من هذا الموضوع الهام.. ((اريد لقاءك لامر هام لا يحتمل التأجيل)).. كانت تشعر بالفضول والقلق في الآن ذاته من عبارته.. فما هو هذا الموضوع الذي لا يحتمل التأجيل؟.. هل يتعلق بوالدها ام بعمها ام بملاك؟؟..
وقبل مجيئها اتصلت به وطلبت منه ان يخبرها به.. لكنه قال ان الموضوع لا يمكن شرحه على الهاتف ومن الافضل ان تقابله ..ترددت كثيرا قبل ان تفعل.. وفكرت بالاتصال بحسام .. لكنها كانت تعلم يقينا ان حسام لن يوافق على مقابلتها بأحمد او انه قد يغضب ان اصرت على المقابلة.. لهذا قررت المجيء الى هنا دون ان تعلم احدا.. وترى ما يريده احمد منها و...
(أتنتظرين احدا؟)
التفتت مها بحدة وبكامل جسدها الى مصدر الصوت ومن ثم قالت ببرود: لا يوجد سواك لانتظره..
قال مبتسما وهو يشير لها بيده: اذا اتبعيني..
قالت مها بحدة: لست معتادة على ان اتبع احد..
قال احمد باستهزاء: فليكن .. سيري الى جواري..
تطلعت له بنظرة حانقة.. الى ان وصلت الى كافتيريا النادي.. وعندها جذب لها مقعدا لتجلس عليه.. فقالت مها بابتسامة سخرية وهي تحتل مقعدها: هل اصبحت تعرف كيف تتصرف بذوق مع النساء هذه الايام؟..
قال احمد بابتسامة: لا تنسي اننا من عائلة ثرية وهذه العادات نتعلمها ونحن اطفال.. والآن اخبريني ماذا تشربين؟..
لم تجبه على سؤاله بل قالت وهي تضيق عينيها: حقا؟.. يبدوا ان هذه العادات قد انحصرت في عقلك فتصرفاتك عكسها تماما ..
قال احمد بضيق: يبدوا وانك طويلة اللسان كشقيقك تماما..
قالت مها بحدة: التزم حدودك يا احمد.. انا لم آتي الى هنا حتى تشتمني انا وشقيقي..
قال احمد بحدة: والست انت من بدأ؟..
قالت مغيرة دفة الحديث: اخبرني ماذا تريد على الفور.. لانصرف..
قال احمد مبتسما بخبث: ايضايقك تواجدك معي الى هذا الحد؟..
قالت مها وهي تعقد ساعديها اما م صدرها : كثيرا..
قال احمد وابتسامة الخبث التي على شفتيه تتسع: ام تراك تخشين من وجودك معي؟..
قالت مها باستهزاء: كيف يمكن لقطة ان تخشى من الفئران؟ ..
قال احمد وهو يحاول ان يسيطر على اعصابه: ذلك عندما تكون القطة صغيرة لا خبرة لها في التعامل مع من هم اكبر حجما منها ..
قالت مها ببرود: احمد هل ستتحدث ام انصرف؟..
قال بهدوء: فليكن سأدخل في صلب الموضوع مباشرة دون مقدمات..
اخذت مها تطرق على الطاولة باناملها بعصبية..فقال احمد وهو يتطلع اليها: مها انت ابنة عمي وقد اعجبت بك منذ الصغر.. وتحول هذا الاعجاب مع الايام الى حب..
اتسعت عينا مها وقالت باستنكار: ماذا تقول؟.. كيف تجرؤ؟..
قال احمد وهو يشير لها بيده: ولماذا لا اجرؤ يا مها؟.. الست ابن عمك؟..
قالت مها بعصبية: انسيت ما فعلته بنا؟؟.. انسيت ما فعلته بملاك؟..
قال احمد بهدوء شديد: ذلك كان لمصلحة الجميع..
قالت مها بعصبية اكبر: لمصلحة الجميع؟؟.. لا تقل الجميع يا احمد.. بل قل لمصلحة عمك وابيك بأن تسلبوا حقوق ملاك..
صمت احمد لوهلة ومن ثم قال: لكن هذا لا يمنع ارتباطي بك..
اتسعت عيناها بذهول واستنكار.. ومن ثم قالت وهي تهز رأسها: لا بد انك قد جننت.. ابعد كل ما قلته لك تتحدث عن الارتباط؟.. الم تفهم بعد اني لا اطيقك ولا اطيق تفكيرك السخيف هذا؟..
قال احمد بهدوء وهو يمسك بيدها بغتة تحت وطأة نظراتها المستنكرة: لكني حقا احبك وارغب في ان تكوني شريكة لحياتي و...
( مبارك.. آنسة مها)
التفتت مها الى مصدر الصوت بقوة.. وشهقت بتوتر وخوف وهي ترى حسام الواقف الى جوار طاولتها.. ويتطلع اليها بعينان تقدحان شررا .. ومن ثم يلتفت عنها ليبتعد بخطوات سريعة وغاضبة..
واسرعت مها تجذب كفها من يد احمد وهي تقول بغضب: كل ماحدث بسببك يا ايها الحقير..
قالتها واسرعت تبتعد باتجاه حسام.. اما احمد فقد قال وابتسامة ماكرة ترتسم على شفتيه: ها قد انتهيت منك يا حسام .. وقريبا سيأتي دورك يا كمال.. فقط انتظر..
اما مها فقد اسرعت في خطواتها وهي تتبع حسام هاتفة : انتظر يا حسام.. اسمعني.. لقد فهمت الموضوع بشكل خاطئ.. صدقني يا...
توقف حسام بغتة.. والتفت لها ليقول بانفعال: فهمت الموضوع بشكل خاطئ؟؟.. أي موضوع هذا الذي فهمته بشكل خاطئ؟.. هل هو حبه لك.. ام رغبته في الارتباط بك.. او وجودك معه على نفس الطاولة.. ام امساكه ليدك.. اخبريني أي موضوع هذا الذي فهمته بشكل خاطئ؟؟..
قالت مها في سرعة: حسام.. اقسم لك.. هو من استداعاني الى هنا.. هو من طلب رؤيتي و...
قاطعها حسام قائلا بغضب: اجل وهو من طلب ان تتواجدي معه هنا دون ان تخبريني حتى.. وهو من طلب منك ان تجلسي معه على نفس الطاولة وان يمسك بكفك ايضا..
قالت مها محاولة الدفاع عن نفسها وهي تشعر بغصة مرارة في حلقها: ان هذا ما يرديه احمد ان تظن بي السوء.. هو من دبر كل هذا..اكاد اقسم على هذا..
قال حسام بسخرية: بالتأكيد فقد قام بتدبير موعدا غراميا للقاءكما.. لكن للاسف قد اخطأ في اختيار الوقت المناسب.. فهذا هو وقت تواجدي بالنادي يوميا..
اتسعت عينا مها وكأنها قد فهمت شيء ما وقالت وهي تتقدم من حسام وتقول بصدق: صدقني يا حسام.. لقد امسك بكفي بالرغم مني.. ثم لقد ارسل لي رسالة قبل ساعة يطلب فيها مقابلتي في النادي..
قال حسام بعصبية: ولماذا لم تخبري احدنا ان كنت صادقة؟؟ .. لماذا لم تخبريني انا او احد من اشقاءك؟؟.. تريدان ان تأخذا حريتكما اليس كذلك؟..
قالت مها نافية: حسام يكفيك اتهامات.. لقد خشيت ان تغضب مني ان اخبرتك وكذلك...
قاطعها حسام بغضب قائلا: يكفي.. يكفي لا اريد سماع المزيد من كذبك..
قالت مها في صوت اقرب الى البكاء: انت تظلمني يا حسام.. اقسم على هذا..
قال حسام بتهكم وهو يلتفت عنها: اذهبي اليه.. فهو لا يزال ينتظرك..
قالت مها بصوت متحشرج : حسام كيف يمكن ان تصدقه؟.. ان هذا ما يريده..
سار عنها حسام دون ا يلتفت عنها.. في حين هتفت مها به كمحاولة اخيرة منها: حسام انسيت كل ما كان بيننا بهذه السهولة؟..
التفت لها حسام وقال بقسوة: اجل.. عندما نسيته انت..
واكمل طريقه .. اما مها فقد شعرت بقبضة تعتصر قلبها.. وكورت قبضتيها بألم.. وهي تعض على شفتيها بغضب حتى كادت ان تدميها: كل ما حدث بسببك يا احمد.. انت المسئول.. لقد تعمدت ذلك.. تعمدت تشويه صورتي امام حسام..سحقا لك..
وسارت عائدة اليه.. ووجدته يتطلع اليها بنظرات خبيثة ويقول مبتسما: هه ..هل ذهب اخيرا وتركك وحيدة؟.. صدقيني انه لا يستحقك .. انه انسان يشك بكل شيء و...
لم تعلم مها كيف حدث هذا؟.. لكنه حدث بالرغم منها.. كل ما حدث لها قد تجمع امام عينيها وهي تنظر الى احمد الذي اخذ يتحدث اليها وابتسامته التي تمقتها تتراقص على شفتيه.. ترك حسام لها.. وكلماته القاسية هو سببها.. وفوق كل هذا يتحدث عن حسام..
ليجعلها ترفع كفها .. وتهوي بها بصفعة قاسية على وجه احمد .. الذي تطلع لها بصدمة من تصرفها.. وهي تصرخ في وجهه قائلة: انت السبب.. انت ايها الحقير..
اتسعت عينا احمد بغضب وامسك بمعصمها بقوة ليقول بانفعال: كيف تجرؤين؟.. كيف لفتاة تافهة مثلك ان تجرؤ على صفعي؟؟..
قالت مها بحدة وهي تحاول جذب معصمها من كف احمد: كما جرؤت انت وحاولت تشويه صورتي امام حسام.. لقد فعلتها عامدا..اقسم على هذا..
قال احمد وهو يضغط على معصمها بقوة اكبر: اجل فعلتها عامدا.. لم ارد لتافه مثل حسام ان ينتصر علي ويخطف مني الفتاة التي احب..
صرخت مها في وجهه قائلة: انت لا تحب الا نفسك ايها الاناني الحقير..
قال احمد وهو يترك معصمها بقسوة ويتطلع اليها بغضب: ستدفعين ثمن صفعتك هذه يا مها.. وثمن كل كلمة نطقتيها.. وسيأتي اليوم الذي تتوسلين الي فيه..
قالت مها بحدة: في احلامك فقط..
قال احمد بابتسامة مقيتة: سنرى .. بل سترين بنفسك.. وسأذكرك بهذا يومها..
وانصرف عنها.. ومها تتطلع اليه بغضب شديد.. وعادت تهتف بصوت عالي وغصة مرارة تملأ حلقها وهي تمسك بنصف القلب الذي بجيبها والذي يرافقها دائما واينما تكون: انت السبب .. انت ايها الحقير..
وترقرقت في عينيها الدموع.. دموع الم على حبها الذي لم يمنحها القدر فرصة اكبر للعيش والاستمتاع في كل لحظة منه ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ازدردت ملاك لعابها بتوتر.. وترددت طويلا وهي تتطلع الى باب غرفتها..تريد ان تغادر الغرفة ..منذ الصباح وهي سجينة هذه الغرفة.. تشعر بالملل من الوحدة.. تريد ان تغادرها ..لكن مازن ربما يكون موجودا الآن..
تطلعت الى ساعة الحائط ومن ثم تمتمت قائلة: في هذا الوقت يذهب الى النادي.. اذا هو غير موجود الآن..
قالتها وحركت عجلات مقعدها بهدوء.. لتمسك بمقبض الباب.. ومن ثم تفتحه وتغادر الغرفة.. لكن اصوات ما اجبرتها على التوقف عن المضي في طريقها..وعلى ان ترهف سمعها لما يقال..
وسمعت في تلك اللحظة صوت عمها وهو يقول: ماذا تريد الآن يا كمال؟..
قال كمال مجيبا بهدوء: ان اعلم بجواب ملاك..
ارتفع حاجبا ملاك.. ما الذي يعنيه من معرفة جوابي؟؟.. يا لغبائي انه شقيقه وكيف لا يهمه ان يعرف..
وقال امجد بعد ان وهلة من الصمت وهو يتطلع اليه: لقد.. وافقت ..
تطلع اليه كمال بصدمة.. ومن ثم كور قبضته بقوة.. قبل ان يلتفت عن والده ويمضي بعيدا.. مغادرا المنزل بأكمله دون ان يلتفت لنداءات والده له..
تطلعت ملاك باستغراب الى ما حصل امام ناظريها.. لكنها شعرت بارتجافة جسدها كله وهي تسمع صوت صفير يأتي من اعلى الدرج.. مازن .. انه لا يزال هنا.. ادارت عجلات مقعدها حتى تعود الى الداخل من جديد و...
(الى اين تهربين؟)
لم تستطع ان تنبس بحرف واحد.. تجمدت كفها الممسكة بمقبض الباب.. وتعلقت نظراتها في الفراغ..ومازن يردف بابتسامة: عن من تختبئين؟..
ازدردت ملاك لعابها مرتين متتاليتين وقالت بهمس متوتر:انا لا اختبئ..
قال مبتسما وهو يقترب منها: اذا لم لم نراك طوال اليوم؟.. تحتجزين نفسك بداخل الغرفة وكأنك مذنبة..
ابعدت يدها عن مقبض الباب وقالت بعدم فهم: ماذا؟..
اتسعت ابتسامته ومن ثم قال: لا شيء.. فقط اخبريني ما هي احوالك؟..
قالت وهي تبعد نظراتها عنه: بخير..
قال وهو يهبط الى مستواها: الن تسألي عن احوالي انا ايضا؟..
توردت وجنتاها بخجل وابعدت نظراتها عنه.. فهمس لها قائلا: اشتقت اليك..
خفق قلبها في قوة وعنف.. وسرت رجفة لذيذة في جسدها بأكمله.. لو ظلت معه لفترة اطول ستفقد الوعي بكل تأكيد.. وقالت بصوت خافت بالكاد سمعه مازن: عن اذنك ..
اسرع يمسك بكفها قائلا بلوم: الى اين؟.. لم اصدق انك قد غادرت غرفتك اخيرا..
تطلعت ملاك الى كفه الممسكة بكفها بتوتر ممزوج بالخجل .. وابعد مازن كفه عندما لاحظ نظراتها ..وقال بعد فترة: ملاك.. هل لي بسؤال؟..
اومأت برأسها ايجابيا.. فاردف قائلا: لماذا وافقت على الارتباط بي؟..
ارتفع حاجبا ملاك بحيرة واستغربت سؤاله.. ايعني ما قاله حقا؟؟.. وقالت وهي تعقد حاجبيها: ماذا؟؟..
قال مبتسما: ما سمعته.. لماذا وافقت على الارتباط بي؟؟.. الأني ابن عمك فقط؟.. ام لأجل والدي؟..
قالت ملاك وهي تهز رأسها نافية: لا.. ليس لهذه الاسباب..
- اذا؟؟..
اشاحت ملاك بوجهها بعيدا وقالت وهي تهرب بنظراتها بعيدا: ربما لأنك انسان طيب القلب.. ذا شخصية .. جيدة ..وايضا .. لقد شعرت باهتمامك الصادق تجاهي..
قال مازن وهو يمد يده ويدير وجهها اليه: شخصية جيدة؟؟..
توردت وجنتاها بحمرة قانية.. واطرقت برأسها.. قبل ان تقول بصوت مرتبك: اعني.. انك تتحلى بالطيبة والحنان.. كما انك انسان تمتاز بالمرح ..والجد عند اللزوم ..
قال مازن برقة: واهذا ما يعجبك في؟..
ارتبكت ملاك اكثر وشعرت بتقلصات معدتها ولم تقوى على الرد.. فقال مازن وهو يغمز بعينه: سأغادر الآن الى النادي.. ولا تنسي نهاية هذا الاسبوع سيكون عقد القران..
قالها ونهض واقفا دون ان ينتبه لملاك التي ازدادت ارتجافة جسدها.. وازدادت ضربات قلبها.. وابتعد عن المكان قائلا: اراك بخير.. واريد ان اراك على العشاء اليوم.. اهتمي بنفسك ..
كل ما فعلته ملاك انها قد همست له في صوت خافت جدا –لم تعلم ان كان قد سمعه ام لا- وهي تلتفت له: وانت ايضا..
مضى مازن عنها وعينا ملاك تتبعانه بشرود حتى غادر المنزل .. وظلت على حالتها هذه لفترة زادت على الخمس دقائق.. الى ان تنهدت وعلى شفتيها تراقصت ابتسامة حالمة.. وكادت ان تدلف الى غرفتها.. لكن.. صوت اغلاق الباب الرئيسي بقوة.. جعلها تلتفت في سرعة .. وتتطلع بفضول الى الشخص القادم.. وما ان رأت مها تدخل الى المنزل وتبدو على وجهها ملامح المرارة والالم والغضب.. حتى استغربت ذلك.. وهتفت بها في قلق: مها.. ماذا بك؟؟..
لم تلتفت لها مها.. بل واصلت طريقها الى الطابق الاعلى..الى ان وصلت الى غرفتها.. وهناك اغلقت الباب خلفها بقوة.. واستندت اليه لتقول بصوت متحشرج: ماذا علي ان افعل الآن؟.. ماذا افعل؟.. سحقا لك يا احمد.. كل ما حدث بسببك.. اكرهك كما لم اكره انسان في حياتي..
واخرجت في سرعة هاتفها المحمول من حقيبتها.. قبل ان تتصل بحسام.. وسمعت رنين الهاتف يستمر دون اجابة.. عادت الاتصال مرات عديدة.. دون اجابة..
شعرت بالدموع تترقرق في عينيها..لكن مسحتها في سرعة.. وهي تكتب رسالة الى حسام.. وارسلتها اليه..انتظرت منه ردا لفترة طويلة.. لكن .. ما من جواب...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع حسام بسخرية مريرة الى هاتفه وهو يقف بجوار قسم الرماية بالنادي..وعاود قراءة رسالة مها بصوت مسموع بعض الشيء..(ارجوك يا حسام اجب.. وسأشرح لك كل شيء .. اقسم انك فهمت الموضوع بشكل خاطئ.. ارجوك اجب .. )
وشاهد اتصالات مها المتكررة له.. لكن دون ان يهتم.. كما نسته بكل سهولة.. ورمت بحبه عرض الحائط.. هو ايضا سيفعل المثل..لقد كان احمقا عندما اعترف بحبه لها.. وها هي ذي مع احمد وفي لقاء غرامي يوعدها فيه بالزواج.. بعد اسابيع فقط من اعترافه.. هل كانت مشاعر مها تجاهه مصطنعة الى هذه الدرجة؟.. اهو احمق الى درجة انه لم ينتبه ان كانت مشاعرها صادقة ام لا؟..
لكن.. ماذا لو.. لو ان الموقف هذا حقا من تدبير احمد كما قالت؟.. لا.. لا يمكن.. كيف يكون من تدبيره؟.. وهي التي تجلس معه وتدعه يمسك بيدها بكل حرية.. وتدعه يتحدث عن الحب والزواج وكأن لم يعد لي وجود في حياتها..
(حسام.. اتتحداني في الرماية؟..)
رفع حسام رأسه الى صاحب الصوت وتطلع الى مازن الذي ابتسم بهدوء وهو يتطلع اليه.. فقال حسام بملامح متضايقة: لا..
قال مازن وهو لا يزال محتفظا بابتسامته: اتخشى الخسارة؟..
قال حسام بضيق اكبر: لا اشعر برغبة في فعل أي شيء يا مازن..
قال مازن بسخرية: ما بال الجميع اليوم؟.. مها منذ ان قابلتها امام المنزل وهي لا ترغب في التحدث الى احد.. وانت الآن لا ترغب في فعل أي شيء..
واردف بخبث: اتكونان قد تشاجرتما؟..
ابعد حسام نظراته.. وسار بخطوات هادئة وهو يريد مغادرة المكان.. لكن ما ان مر من جانبه حتى امسك مازن بذراعه.. وقال بجدية: حسام اتظن اني ابلها لا ارى نظراتك الى مها او نظراتها هي اليك.. اعلم انك معجب بها منذ الصغر.. وان هذا الاعجاب قد تحول الى مكانة لها في قلبك..
شعر حسام بالالم من حديث مازن في موضوع حبه لمها.. خصوصا بعد ما حدث بينهما.. فقال وهو يبعد كف مازن عنه: ارجوك يا مازن.. لا اريد ان اسمع أي شيء..
قالها ومضى في طريقه مبتعدا عن المكان.. فهز مازن كتفيه في قلة حيلة.. ومضى في طريقه وهناك سمع صوت احدى الفتيات وهي تناديه.. كانت عيناها في لون خضرة الارض..وشعرها الطويل الذي يصل الى منتصف ظهرها في لون اشعة الشمس.. لكن كان يبدوا للعيان انه ليس لون شعرها الطبيعي.. وكانت ترتدي فستانا ذا لون احمر قاتم.. فابتسم وهو يلتفت لها قائلا: اهلا رشا .. كيف الحال؟..
ابتسمت رشا وهي تقترب منه وتقول برقة: بخير.. وانت؟..
قال وهو يتطلع اليها: تبدين جميلة وانت ترتدين هذا اللون..
قالت بخجل: شكرا لك..
واردفت قائلة: الى اين انت ذاهب الآن؟..
قال وهو يتطلع الى قسم الرماية: سأتدرب قليلا على الرماية..
قالت متسائلة: ايمكنك ان تعلمني؟..
قال بابتسامة واسعة: بكل تأكيد..
واشار لها قائلا:تعال معي..
قالت وهي تسير الى جواره: لم نرك بالامس.. اين كنت؟..
قال مبتسما: في المنزل..
قالت رشا وهي تلتفت له وتعقد حاجبيها بضيق: لقد سمعت بعض الاخبار من احدهم..
قال متسائلا: وما هي هذه الاخبار؟..
قالت بضيق اكبر: انك تفكر في خطبة ندى.. ابنة عمك..
ارتفع حاجبا مازن .. وارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه وقال : من من جاءتك هذه الاخبار؟..
قالت رشا بحنق: من فتاة تعرف ابنة عمك.. اخبرني هل صحيح ما سمعته؟..
قال وهو يهز رأسه نفيا: ابدا.. لست افكر في خطبة ندى ..
ارتسمت ابتسامة على شفتي رشا وقالت براحة: يالهي كم اشعر بالراحة والسعادة الآن..
قال مازن وهو يشير لها بيده: رشا لقد اتفقنا ان هناك حدودا في علاقتنا..
قالت رشا وهي تومئ برأسها: ادرك ذلك جيدا..
والتفتت له لتقول برقة: لكن من يدري.. ربما انت من تزيح هذه الحدود فيما بعد..
تطلع لها مازن بهدوء.. ومن ثم التفت عنها وتفكيره في مكان آخر تماما.. فقد انحصر في امر عقد قرانه بملاك.. وما سيخلفه هذا من مشاكل.. مع اعمامه ..
..,
الجزء السابع والعشرون
"يوم لا يتكرر"
طرقت مها باب غرفة ملاك طرقات متتالية وسريعة.. وقالت بضيق: ملاك.. الم تنتهي بعد؟؟..
جاءها صوت ملاك من داخل الغرفة وهي تهتف قائلة: لا.. ليس بعد.. انتظري قليلا..
قالت مها بملل: كل هذا الوقت لترتدي فستان..
قالت ملاك وهي تفتح الباب: لقد انتهيت..
قالت مها وهي تلتقط نفسا عميقا: اخيرا..
ودخلت الى الغرفة لتقول: دعيني ارى.. همم.. بكل صراحة.. ودون مجاملات.. تبدين...
قالت ملاك بلهفة: ماذا؟.. هل الفستان جميل علي؟.. ماذا عني انا؟.. كيف ابدوا؟..
قالت مها بابتسامة واسعة وهي تقترب منها: رائعة.. والفستان يزيدك روعة..
كانت ملاك ترتدي فستانا في لون زرقة البحر ضيق عند الخصر ويتسع تدريجيا.. تتناثر فيه عدد من الازهار والفراشات .. وشعرها الذي تم رفع بعض الخصل منه بوردتين عند الاطراف وفراشة بالمنتصف ..وتركت خصلتين تسقط على جبينها .. لتجعلها تبدوا في منتهى النعومة والرقة ..وفي يدها امسكت باقة من الزهور.. تتناثر فيها فراشات كالتي بفستانها..
واردفت مها قائلة وهي تغمز بعينها:لا اعلم كيف سيتطيع مازن مقاومة كل هذا الجمال بعد انتهاء الحفل؟..
اطرقت ملاك برأسها بخجل.. فقالت مها وهي تدور بفستانها: وما رأيك بي؟..
تطلعت لها ملاك وفي عينيها بريق اعجاب..فنستطيع القول ان مها هي من كانت تزيد قستانها جمالا.. الذي كان يتراوح بين اللون الوردي بدرجاته..وكان يتدرج في طوله عند ذيل الفستان..اما شعرها فقد رفعته بأكمله بتصفيفة شعر جعلت شعرها المموج يزداد جمالا.. واظهر جمال بشرتها وتورد وجنتيها..
وقالت ملاك باعجاب: تبدين رائعة كنجمات الافلام..
ضحكت مها قائلة: ليس الى هذه الدرجة؟.. انت تبالغين كثيرا..
واردفت قائلة: ثم كيف سأكون اجمل من العروس؟..
عاد قلب ملاك يخفق في قوة كلما سمعت لفظة (العروس).. لا تزال غير مستوعبة لما حدث وغير مصدقة.. انه تم عقد قرانها على مازن هذا الصباح.. وانها اصبحت الآن زوجته..
جسدها بات يرتجف بقوة..وما ان شعرت بكف توضع على كتفها.. حتى انتفضت.. فقالت مها وهي تبعد كفها: معذرة.. هل اخفتك؟..
قالت ملاك بصوت خافت: لا.. ولكني كنت شاردة الذهن..
قالت مها متسائلة: مابك؟.. تفكرين في ماذا؟..
اشاحت ملاك بنظراتها وقالت: لا شيء..
همت مها بقول شيء ما لولا ان قاطعها طرقات على الباب.. فأسرعت تتجه اليه..وتقول قبل ان تفتحه: من؟..
جاءها صوت مازن وهو يقول: انا.. ومن سيكون غيري؟..
قالت مها وهي تفتح الباب بملل: وربما يكون والدي..
ومن ثم تطلعت اليه ورأته يبتسم باعجاب.. فقالت متسائلة: ما بك؟..
قال باعجاب: فتاة رائعة الجمال في منزلنا ولا اعلم..
قالت مها وهي تعقد حاجبيها: من تعني؟..
قال مازن وابتسامة واسعة على شفتيه: الفاتنة التي تقف امامي..
قالت مها بشك: اتسخر مني؟..
قال مازن وهو يغمز بعينه: بل اقول الحقيقة.. من انت ايتها الفاتنة؟ ..
قالت مها ببعض الخجل: لأول مرة تمتدحني..
قال مازن وهو يتطلع اليها: لم تخبريني بعد من أنت..
قالت مها وهي تزفر بحدة: مازن.. لا تكن سخيفا..
قال مازن بدهشة مصطنعة: يا الهي..أأنت مها؟.. عرفتك من وصفك لي بأني سخيف.. فلا توجد فتاة تصفني بالسخافة سواك..
قالت مها مبتسمة: لاني الوحيدة التي اعرفك جيدا..
قال وهو يغمز لها بعينه: أأخبرك بشيء؟..
تساءلت قائلة: ماذا؟..
قال وهو يقترب من اذنها ويهمس لها: الله يكون في عون حسام اذا رآك..
ارتفع حاجبا مها في حدة.. ومن ثم لم تلبث ان ابتسمت بألم وقالت بصوت هامس: لا اظن انه سيهتم ابدا..
اغمضت عينيها بألم وهي تتذكر كيف انها قد حاولت الاتصال به مرات عديدة وكيف انه يتعمد عدم الاجابة او قطع الاتصال..وبعدها قررت ان لا تتصل ابدا.. لقد شك فيها وبمشاعرها تجاهه منذ اول موقف رآه.. لم يحاول حتى ان يستفسر الامر منها او يستوضحه.. فسر المشهد الذي رآه على هواه هو.. لم يأخذ في حسبانه انها تحبه بجنون كما لم تحب سواه في حياتها.. ورمى بحبها عرض الحائط دون ان يستمع اليها ويحاول فهم الموضوع بشكله الصحيح..
(هيي..انت)
رفعت مها رأسها الى مازن وقالت متسائلة: ماذا؟..
قال مازن بضيق: منذ خمس دقائق وانا اناديك.. الم تسمعي؟..
قالت مها بخفوت: لم انتبه..
قال مازن ببرود: حسنا ابتعدي الآن ودعيني ادخل..
قالت مها متسائلة بغباء: اين؟..
قال مازن بابتسامة واسعة: داخل الغرفة..
اسرعت مها تقول: لا..
قال مازن وهو يبعدها عن طريقه بالقوة: لن تمنعيني مهما فعلت .. ملاك الآن هي زوجـ...
توقفت العبارات في حلقه.. هربت الكلمات من على لسانه.. توقف الزمن بالنسبة له..وهو يتطلع الى الملاك الذي يجلس امامه.. هذه المرة ليس وصفها بالملاك مجرد مجاملة لها.. بل لانها فعلا تبدوا مختلفة اليوم.. رائعة الجمال.. بريئة الملامح .. خجلها الذي يزيدها جمالا وتورد وجنتيها.. فستانها الذي يجعلها كالاميرة تجلس وسط حديقة من الزهور..
لم يعد يعرف ماذا يقول او كيف يتصرف.. لاول مرة يصيبه هذا النوع من الارتباك والتوتر مع فتاة ما.. ولا يجد العبارات التي يلقيها على مسامعها.. ملاك اليوم ستبدوا اجمل جميلات الحفل بكل تأكيد..
ملاك التي كانت مطرقة برأسها وغير قادرة على رفع رأسها للتطلع الى مازن من شدة الخجل.. حاولت اختلاس النظرات اليه وهي ترفع رأسها بهدوء وتحاول مداعبة باقة الازهار التي في يدها للتهرب من نظراته..
كان يرتدي زي رسمي يتكون من بنطال وسترة ذات لون اسود.. وقميص ذا لون ابيض بالاضافة الى ربطة العنق الذي يرتديها مازن لأول مرة..كان يبدوا وسيما بالفعل في زيه هذا..وتراقصت ابتسامة خجلة على شفتي ملاك وهي ترى نظراته لها..نظرات اعجاب لا يمكن ان تخطئها الانثى..
وازدردت لعابها وهي تحاول ان توقف ارتجافة جسدها وتسيطر عليها.. وسمعت في تلك اللحظة مها وهي تقول: غادر فورا لا يمكنك البقاء هنا..
تطلع لها مازن بطرف عينه وقال: ماذا؟.. لم اسمعك جيدا.. اتعرفين ؟..انت التي يجب ان تغادر.. لا اعرف لم لا زلت هنا.. هيا غادري..
قالت مها وهي تخرج له لسانها: انها غرفة ملاك.. وهي من لها الحق في طردي فقط..
قال مازن وهو يتطلع الى ملاك بابتسامة: هيا اطلبي منها مغادرة الغرفة..
قالت مها بابتسامة وهي تلتفت الى ملاك: هل اخرج؟..
اسرعت ملاك تقول : لا..
قال مازن وهو يدفع مها: هيا اخرجي.. لا اريد رؤيتك هنا.. اذهبي لحسام ..فهو يريدك بالخارج..
قالت مها على الرغم من انه آلمها ذكر حسام: هيي لا تدفعني هكذا.. دعني.. لا اريد الخروج..
قال مازن وهو يفتح باب الغرفة ويدفعها خارجه: الى الخارج هيا..
كل هذا وملاك تتطلع الى ما يحدث بابتسامة .. تشعر ان من بأمامها.. ليسا شقيقيان فحسب.. بل اكثر من اصدقاء واحبة.. ربما مها تكره التشاجر مع مازن لكن مع هذا فهو يهتم بمها اكثر من والدها نفسه..
ورأته يبتسم لها وهو يقترب منها ويهمس قائلا: اتصدقين ان قلت لك اني انبهرت بك في البداية؟.. ولم اصدق ان من اراها امامي هي ملاك نفسها..
شعرت ملاك بأن خفقات قلبها باتت مسموعة لمازن.. وانفاسها اخذت تتلاحق واسرعت تشيح بوجهها لعلها تسيطر على ارتباكها ..واردف هو قائلا وهو يجلس على مقعد مجاور لها ويمسك بكفها: مبارك يا ملاك..
ازدردت ملاك لعابها وقالت بصوت مرتجف: اشكرك..
ابعد مازن خصلة شعر عن جبينها وقال مبتسما: لم تنظرين الى الفراغ؟.. الا استحق ان تنظري الي ؟..
التفتت له ملاك بخجل وقالت بصوت مرتبك: لم اقصد وانما.. وانما..
قال مازن مبتسما: اعلم انك تخجلين من رؤيتي.. اليس كذلك؟..
وقبل ان تنطق ملاك بكلمة.. اردف وهو يغمز بعينه: لكني لن اغادر .. وسأظل معك هنا.. قبل ان تخطفي الاضواء مني في الحفل..فاليوم انت تبدين كالقمر في تمامه..
ارتجف كف ملاك بين اصابع مازن.. فابتسم وهو يضغط على كفها قائلا: قولي شيئا يا ملاك.. هل انت سعيدة هذا اليوم؟..
قالت ملاك بابتسامة مرتبكة: كل فتاة يجب ان تكون ..سعيدة في يوم كهذا..
قال مازن بهمس: وانت ايضا؟..
اومأت ملاك برأسها بارتباك وهي تزدرد لعابها.. فقال مازن بابتسامة واسعة: وانا ايضا اشعر بالسعادة.. حقيقة..
توردت وجنتي ملاك بحمرة الخجل وهي تتطلع الى مازن بارتباك وصمت.. وان كانت عيناها تنطقان بالكثير مما تخفيه في قلبها..
وعلى الجانب الآخر..ابتسم امجد بسخرية وهو يلتقط سماعة الهاتف ويضغط رقم هاتف ما.. وسمع الرنين المتواصل..قبل ان يسمع الاجابة على الهاتف وصوت المتصل وهو يقول: الو.. اهلا امجد..
قال امجد بابتسامة: اهلا عادل.. كيف حالك؟..
قال عادل بهدوء: بخير.. ما سر اتصالك هذا؟.. ثم ما هذه الاصوات التي اسمعها عندك؟..
قال امجد وهو يمثل الحيرة: الاصوات؟؟.. اجل ..انها اصوات المدعوين..
قال عادل وهو يعقد حاجبيه بتساؤل: أي مدعوين؟..
قال امجد ولهجته قد تحولت الى تهكم: لهذا اتصلت.. لأدعوك لحضور حفل عقد قران مازن على ملاك..
ارتفع حاجبا عادل بحدة.. وقال بحدة: ماذا؟؟..
قال امجد بابتسامة: الموضوع ليس كما فهمته.. في الحقيقة لقد رفضت ملاك ابنك.. وتقدم لها من بعده ابني مازن.. وقد وافقت عليه على الفور..
- ولماذا لم تخبرني برفضها اذا؟؟..
- جاء الامر سريعا..وقد كنا نستعد للحفل.. انتظر منك الحضور انت وفؤاد..
قال عادل بعصبية وغير تصدق: امجد..أفكرت بالتصرف من خلف ظهورنا؟..
قال امجد بدهشة مصطنعة: انا؟.. لا ابدا..لقد اخبرتك بما حدث فحسب..
- فليكن يا امجد.. انا لن اتحدث الآن.. ولكن فؤاد سيعرف كيف يتصرف معك..
قال امجد بعصبية: ماذا تعني؟.. اتهددني؟..
قال عادل ببرود: انت تعلم ما نعنيه بالضبط.. وما حدث اليوم لن يمر بسهولة.. ثق بهذا..
قالها عادل واغلق الهاتف دون ان يستمع جوابا من امجد.. الذي اغلق سماعة الهاتف بقوة.. وقال بعصبية: يبدوا وانني قد عبثت بالنار حقا.. واخشى الآن ان تحرقنا جميعا بلهيبها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كانت مها تسير بين المدعوين وترحب بهم بابتسامة سعيدة.. كيف لا واليوم هو يوم خطبة ابنة عمها ملاك والتي تعتبرها كشقيقة لهاعلى شقيقها الاكبر مازن.. الذي تعتبره كوالد آخر لها واكثر شخص يهتم بها..
وسمعت نداءا من احدى السيدات بغتة.. فابتسمت وهي تقترب منها قائلة: اهلا بك..
قالت السيدة مستفسرة: انت مها.. ابنة امجد اليس كذلك؟..
قالت مها بابتسامة: بلى انا هي..
قالت السيدة وابتسامتها تتسع وهي تربت على كتف مها: كبرت يا مها.. واصبحت في غاية الجمال..
ابتسمت مها بخجل وقالت: هذا من ذوقك سيدتي..
قالت السيدة مبتسمة: آخر مرة رأيتك فيها كنت لا تزالين في السادسة عشرة من عمرك ولكنك الآن...
لم تعد مها تسمع المزيد.. لقد تعلق بصرها بالشخص الذي تقدم من خلف السيدة وتوجه الى رجل ما ليتحدث معه..وظلت عينا مها معلقة على ذلك الشخص.. وقالت بعد فترة من الوقت: عن اذنك سيدتي..
واسرعت تتوجه اليه.. انه حسام.. لن تخطأه ولو رأته بين ملايين البشر..انه هو.. يبدوا وسيما جدا هذا اليوم.. كم اتمنى لو اتمكن من الحديث معه ..
وتوقفت بغتة على مسافة مناسبة تسمح لها بالنظر الى حسام.. ومراقبة حركاته.. وارتسمت ابتسامة حالمة على شفتيها وهي تتطلع اليه.. لم تلبث ان تحولت الى ألم وهي تذكر الموقف الأخير بينهما...
حسام الذي شعر بأحد ما يراقبه.. التفت فجأة باتجاه مها.. والتقت النظرات.. لتبث اشواقا حملها قلبيهما..ولهفة تكاد تنطق بها شفتيهما..وحب ينبعث من عينهما.. ولكن ما لبث ان انتزع نفسه من المشاعر الذي سيطرت على كيانه.. والتفت عنها مواصلا حديثه.. وان لم يستطع نزع صورتها من ذهنه.. مها تبدوا فاتنة هذا اليوم..كما لم يرها من قبل.. يتمنى لو يستطيع ان يخبرها برأيه هذا الآن.. وان ينسى كل ما حصل بينهما.. يتمنى ان يخبرها كم اشتاق اليها في ظل هذين اليومين فقط.. يتمنى لو يخبرها ان قلبه يكاد يتقطع وهو يرى اتصالاتها ولا يجيب..
لكن كرامته فوق كل شيء.. لقد استهانت بحبه لها.. وذهبت لأحمد ذلك اليوم بالنادي.. واليوم ايضا لم ارادت ان تبدوا في مثل هذا الجمال؟.. اليس من اجل ذلك الحقير احمد ايضا؟؟ ..
ولمعت في ذهنه فكرة ما.. فأسرع بنفذها وهو يبتعد عن الرجل الذي كان يتحدث اليه بعد ان استأذن منه..فكرة ستجعلها تشرب من نفس الكأس الذي شرب منه..
اما مها فقد استغربت ابتعاده .. لكنه ظلت تراقبه وتتبعه دون ان يشعر.. ولكن حسام كان متأكدا من انها ستتبعه لتعلم الى اين هو ذاهب..واخذت مها تتبعه الى ان رأته توجه الى فتاة ما تقف مع مجموعة من التفتيات.. تحدث اليها قليلا ومن ثم شاهدت مها الفتاة تومئ برأسها..وتسير مبتعدة عن الفتيات .. لتسير الى جوار حسام..
اتسعت عينا مها بحدة.. وتطلعت الى حسام الذي اخذ يتحدث الى الفتاة ويضحك معها والغيرة تنهش قلبها..من تكون هذه الفتاة؟؟.. متى تعرف عليها؟.. لم أرها معه من قبل في الجامعة؟.. اكان لحسام علاقات سابقة؟.. لا.. لا اظن..اذا من تكون؟.. ولم ترك الجميع وتوجه اليها.. تركني انا ايضا ولم يلتفت لي.. وذهب اليها..ماذا عساي ان افعل؟..أأذهب اليه؟.. اتحدث معه؟..هل سيسمعني هو من الاساس؟..لا اعتقد ذلك.. بالتأكيد سيصف ما اقوله بالكذب .. تماما كما فعل بالنادي..
شعرت بغصة في حلقها وهي ترى الفتاة تتطلع الى حسام باعجاب وعلى شفتيها ابتسامة واسعة..تتمنى لو تستطيع ان تذهب اليها وتبعدها عن حسام لتصرخ في وجهها قائلة (ان حسام لي انا.. انا فقط..).. لكن..الأماني شيء والواقع شيء آخر.. ما دام حسام فكر في فتاة أخرى سواها فهذا شأنه.. لن تهتم به بعد الآن.. ستنساه و...
(مها.. ماذا بك؟)
التفتت مها الى كمال ناطق العبارة وقالت وهي تحاول ان تبتسم: لا شيء.. لم تقول هذا؟..
قال وهو يتطلع اليها: وجهك يبدوا شاحبا جدا..
قالت مها وهي تتطلع اليه بطرف عينها: انظر من يتحدث.. الا ترى نفسك اولا؟.. منذ ثلاثة ايام لا تعود الى المنزل الا بعد منتصف الليل.. حتى انك اليوم تبدوا شاحبا ومتعبا كمن لم ينام اسبوعا كاملا..
قال كمال ببرود: انت تتوهمين..
واردف قائلا: المهم الآن.. والدي يقول ان المصورة قد حضرت.. خذيها الى غرفة ملاك..
اومأت مها برأسها.. قبل ان تلقي نظرة اخيرة على حسام وتنصرف مبتعدة.. اما حسام فما ان رآها تبتعد حتى اختفى القناع الذي كان يرتديه.. وعاد وجهه الى تجهمه..حتى ان الفتاة سألته: ماذا بك يا حسام؟..
قال حسام بهدوء: لا شيء..عن اذنك..
قالها وابتعد عنها.. واخذ يتلفت حوله بحثا عن مها.. ورأها من بعيد.. تتحدث الى سيدة تبدوا وانها المصورة..فهز كتفيه وقرر الابتعاد عنها.. قبل ان تخونه مشاعره ويذهب اليها ويبوح بكل ما يكنه لها في قلبه..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اخذت مها تطرق باب غرفة ملاك قائلة: مازن افتح الباب..
تأفف مازن وهو يفتح الباب قائلا: ماذا تريدين؟.. الا تشعرين بأنك متطفلة بيننا؟..
قالت مها وهي تمط شفتيها: لا اريد شيئا.. ولكن المصورة قد حضرت..
هز مازن رأسه بضيق وابتعد عن الباب.. في حين اشارت مها للمصورة بالدخول.. ومن ثم دخلت من خلفها.. وقالت وهي تتطلع الى ملاك بابتسامة: اخبريني هل ضايقك شقيقي هذا؟..
قال مازن وهو يتطلع لها ببرود: عمن تتحدثين بالضبط؟.. في الحقيقة انت من ضايقتنا بوجودك..
قالت مها وهي تتجه لتجلس الى جوار ملاك: لم يحدثك احدهم.. اخبريني يا ملاك هل ضايقك؟..
ابتست ملاك بخجل وقالت بصوت خافت: على العكس.. كنت سعيدة بوجودي معه..
قال مازن في سرعة وهو يجلس على المقعد المجاور: هه .. ماذا قلت؟.. هل ضايقتك ام مها هي من ضايقتك؟..
قالت ملاك بابتسامة: كيف لي ان اتضايق من شقيقتي و..وابن عمي..
ارتفع حاجبا مازن وقال وهو يبتسم بزاوية فمه: اعيدي.. اعيدي من فضلك.. من قلت؟.. ابن عمك.. لا اظن ان من تم عقد قرانه عليك هذا الصباح هو ابن الجيران..
اطرقت ملاك برأسها في حرج.. في حين قالت مها بحدة: مازن لا تحرجها..
- وما شأنك انت؟.. لم تتدخلين فيما لا يعنيك؟..
- انها ابنة عمي.. لا تنسى هذا..
ونهضت من مكانها لتقول للمصورة: هل ستبدئين الآن؟..
اومأت المصورة برأسها وقالت: اجل..
واردفت وهي تشير الى الاريكة: اجلس هنا من فضلك يا سيد..
نفذ مازن الامر واكملت المصورة متحدثة الى ملاك: ومن فضلك يا آنسة.. اجلسي الى جواره..
توردت وجنتي ملاك وحاولت رفع جسدها من على المقعد.. لكن ارتباكها وتوترها منعها من ان تستجمع قوتها.. فاقترب منها مازن وهمس لها قائلا: أأساعدك؟..
اسرعت ملاك تهز راسها نفيا بقوة وتقول: لا ..استطيع تدبر الامر وحدي..
حاولت رفع جسدها مرات عديدة لكنها فشلت.. واخيرا التقطت نفسا عميقا واستجمعت كافة قوتها لترفع جسدها.. لكنها شهقت بقوة عندما شعرت بذراع تحملها عن المقعد.. وتطلعت الى مازن لتقول بصوت مرتبك وخائف: انزلني ارجوك..
غمز بعينه لها وقال: لقد مللت الانتظار..
واجلسها الى جواره.. فقالت مها وهي تهز رأسها: يالك من شاب..
قال مازن بابتسامة: انها زوجتي الآن.. لا شأن لأحد بنا..
قالت المصورة في تلك اللحظة وهي تشير الى مازن: اقترب منها من فضلك..
اقترب مازن منها وازداد تورد وجنتي ملاك لتجعلها تزدرد لعابها بارتباك.. واردفت المصورة قائلة: ارفعي رأسك وتطلعي اليه من فضلك..
اشارت ملاك الى نفسها وقالت بحيرة: انا؟..
ضحكت مها قائلة: لا انها تعنيني انا.. اجل انت.. ومن غيرك ستلتقط لها الصور هذا اليوم؟..
قالت ملاك متسائلة: الن تأتي نلنقطي صور معنا ايضا؟..
- بكل تأكيد.. لكن بعد قليل.. الآن تطلعي الى شقيقي كما طلبت منك المصورة..
رفعت ملاك رأسها بهدوء والتفت الى مازن وما ان التقت نظراتهما حتى اسرعت تشيح بعينيها بعيدا.. فقال مازن مبتسما: ملاك.. ماذا بك؟.. لا تتوتري هكذا..
وامسك بذقنها برقة ليدير رأسها اليه ويقول بابتسامة حانية وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: دعيني ارى سحر عينيك واغرق في بحرهما..
انفاس ملاك اخذت تتوتر وقلبها ينبض بقوة.. وهمست قائلة بعفوية: دعني..
تطلع اليها مازن باستغراب قائلا: ماذا؟..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها وجسدها قد بدأ بالارتجاف: لا يمكنني ان اتحمل اكثر من... هذا..قلبي.. اشعر انه سيتوقف..
قال مازن وهو يرفع حاجبيه: اكل هذا خوفا مني؟..
هزت ملاك رأسها بهدوء..(بل عشقا فيك).. عبارة كانت تتمنى ان تنطقها.. لكن لسانها وخجلها لم يطاوعها.. فقالت بصوت خافت: انني اشعر بالارتباك.. التوتر.. لست اعرف..
ترك مازن ذقنها وقال مبتسما: كما تشائين..
التقطت المصورة لهم عدة صور ..ومن ثم توجهت مها لتقف خلف الاريكة التي يجلسان عليها وابتسمت قائلة وهي تميل نحوهما: اتعلمان؟.. لأول مرة اشعر انكما تناسبان بعضكما البعض؟..
التفت لها مازن بطرف عينه وقال: نعم؟.. ماذا قلت؟..
قالت مها مغيرة دفة الحديث: انظر الى المصورة ستلتقط الصورة الآن..
التفت مازن عنها وابتسم بهدوء فالتقطت المصورة الصورة بدورها..وقالت مها في تلك اللحظة: الن تخرجوا للمدعوين؟ .. الجميع ينتظركم بالخارج..
قال مازن وهو يبتسم بسخرية: اذا كنت متلهفة لرؤية حسام .. فاذهبي له..
ظهر الالم جليا في عيني مها.. فانتبه لها مازن وقال: ماذا بك؟ ..
واردف بابتسامة خبث: الم يمتدح جمالك ام ماذا؟..
قالت مها وهي تعض على شفتيها بحزن: انه لم ينظر الي حتى..
عقد مازن حاجبيه وقال: ماذا تعنين بقولك هذا؟.. هل تشاجرتما؟ ..
وكأنه تذكر امرا ما فأردف قائلا: منذ ثلاثة ايام على ما اظن وانت وحسام لستما طبيعيين.. انت ترفضين الذهاب الى النادي.. وحسام حضر مرة واحدة فقط غادر بعدها مسرعا .. واذكر قبل هذا انني رأيته حزينا في النادي.. وانت ايضا دخلت في سرعة الى المنزل ولا رغبة لديك في الحديث الى احد.. فما الذي جرى؟..
اسرعت مها ترسم ابتسامة على شفتيها وتقول: لا شيء.. استمع الي.. اليوم يجب ان تكون سعيدا ولا تشغل ذهنك بأية امور أخرى..
قال مازن بهدوء: لن اتحدث الآن.. لكن بعد الحفل.. ستخبريني بكل شيء..
قالت محاولة ان تبدوا على طبيعتها: بكل تأكيد..
التفت مازن في تلك اللحظة وقال بهدوء: هل نخرج الآن؟..
اجابته ملاك قائلة: كما تشاء.. ولكن...
تساءل مازن قائلا باهتمام: ولكن ماذا؟..
ترددت ملاك طويلا قبل ان تقول وهي تلتفت له وبصوت خافت: ولكن كيف سأدخل على المدعوين؟..
لم يفهمها مازن..في حين قالت مها بابتسامة تأثر: ملاك لا تفكري في هذا الامر.. انت هي انت ولا شأن لأحد بك .. لا يوجد شخص كامل في هذه الدنيا لكل منا نواقصه .. و ...
قاطعها مازن عندما فهم ما تعنيه ملاك: اهذا ما يقلقك حقا؟؟ .. هل تعلمين ان الاميرات سابقا كن لا يتحركن الا وهن جالسات ومحمولات على الاكتاف؟..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: في السابق.. وليس الآن.. ثم انهن كن يستطعن السير على اقدامهن بعكسي انا..
امتدت كف مازن لتضغط على كتفها ويقول بابتسامة حانية: ملاك.. كوني شجاعة وواجهي العالم من حولك.. انت لا تعيشين في هذا العالم وحيدة.. قد تلاقين بعض العثرات في طريقك.. ولكن عليك بتجاوزها.. الله تعالى سيكون معك ..ثم نحن ايضا سنكون الى جوارك.. ولن نتركك ..
ابتسمت ملاك بامتنان وقالت بهمس: اشكرك يا مازن..
قال مازن بابتسامة: لم افعل ما يستحق الشكر.. والآن هيا ..
اسرعت ملاك تقول وهي تشير له بكفها: سأجلس وحدي..
ضحك مازن وقال : حسنا.. كما تشائين..
رفعت ملاك جسدها.. والقت به على مقعدها المتحرك ..فقالت مها وهي تقترب منها وتضع يدها على كتفها: هل تسمح لي الاميرة بدفعها حتى الصالة؟..
ابتسمت ملاك واومأت برأسها في خجل.. في حين قال مازن مبتسما: هيا فلنغادر اذا..
قالها وفتح الباب.. ليغادروا ثلاثتهم الغرفة..ومن ثم يتوجهوا الى حيث الحفل..وما ان دخل مازن وملاك ومن خلفهم مها.. حتى بدأت الموسيقى.. موسيقى هادئة وتحرك المشاعر في الآن ذاته.. وتوقف جميع الحاضرون عن الكلام.. ليس بسبب الموسيقى.. بل بسبب العروس التي جاءت جالسة على مقعد متحرك ...
كانت العيون كلها معلقة بملاك.. ولكن معانيها تختلف.. فمنهم من كان يتطلع اليها بشفقة.. ومنهم من كان يتطلع اليها باستغراب او استنكار.. ومنهم من كان يشعر بالغضب او الحنق من ان فتاة مثلها تحصل على شاب مثل مازن وريث عائلة ثرية..
واخذ البعض يتبادلون العبارات المستنكرة مثل..(لم اكن اعلم ان العروس عاجزة.. كل ما سمعته انها ابنة عمه) ..(كيف لأمجد ان يقبل بتزويج ابنه البكر من فتاة كهذه؟) ..(بالتأكيد قد قبل بها شفقة منه.. اما هي فلم تصدق ان شابا وسيما وثريا قد خطبها حتى وافقت..)
لم تكن ملاك تعلم مما يجري حولها.. كانت لا تستطيع حتى ان ترى النظرات الموجهة اليها بسبب ارتباكها وخجلها.. وكل ما فعلته عندما وصلت الى صدر القاعة .. هو انها رفعت جسدها عن مقعدها وجلست على المقعد المخصص لها.. وجلس مازن مجاور لها وعلى شفتيه ابتسامة واسعة..
وقالت مها وهي تميل نحو ملاك: اتريدين شيء ما؟..
هزت ملاك رأسها نفيا.. فقالت مها بابتسامة: حسنا سأحضر خواتم الخطوبة..انتظراني..
قال مازن وهو يغمز بعينه: ويفضل ان لا تأتي انت..
قالت مها وهي تمط شفتيها: عندا فيك سأحضر..
قالتها ومضت عنهم.. فقال مازن وهو يميل على اذن ملاك ويهمس لها: أرأيت؟.. انت اجمل فتيات الحفل هذا اليوم..
توردت وجنتي ملاك بخجل.. فقال مازن مستطردا: اتشكين في هذا؟.. تلفتي حولك.. وابحثي عن فتاة واحدة تفوقك جمالا ..
ازداد تورد وجنتي ملاك وقالت بصوت خافت: مها..
قال مازن بابتسامة حانية: اقسم لك بأنك تفوقينها جمالا..
تقدمت مها في تلك اللحظة.. وهي تحمل علبة قطيفة ذات لون احمر في حجم كفها.. وعلى شكل وردة تجمع ما بين الاحمر بدرجاته..وفتحت العلبة امامهما..
ابتسم مازن وهو يرى نظرات الانبهار في عيني ملاك وقال : هل اعجبك؟..
قالت ملاك باعجاب: رائع جدا..
كان خاتمها من الماس ويستقر في منتصفه ثلاث ماسات بثلاثة الوان مختلفة.. الوردي والازرق والارجواني..اما خاتم مازن فكان من الفضة ما يميزه تصميه الذي يناسب الطبقة الراقية..
التقط مازن خاتم ملاك من العلبة وابتسم لمها قائلا بحنان: عقبالك يا مها..
توردت وجنتي مها بخجل..ولكن لم يلبث خجلها ان اختفى وهي تشعر بقبضة باردة تعتصر قلبها.. عقبالها؟؟.. كيف وحسام يرفض الحديث اليها..او الاستماع اليها حتى ..كيف وهو يتهمها ويشك في مشاعرها تجاهه؟.. التقطت نفسا عميقا وهي تبتسم لمازن وتقول له: مبارك يا مازن واتمنى لك حياة سعيدة مع ملاك..
والتفتت لتقول لملاك: مبارك يا ملاك.. وان حاول مازن مضايقتك ولو بكلمة.. فصدقيني جميعنا سنكون معك..
قال مازن مبتسما: واذا ضايقتني هي؟..
قالت مها مبتسمة: ايضا سنكون معها..
التفت مازن عنها وقال وهو يتطلع الى ملاك ويبتسم برقة: وانا ايضا سأكون معها.. مع اني اشك انها ستضايقني في يوم..
اطرقت ملاك برأسها بخجل.. فقال مازن وهو يمد كفه ويلتقط كفها ويضغط عليها بحنان: ملاك..
التفتت له ملاك وقالت وهي تحاول السيطرة على ارتجافة جسدها وضربات قلبها المتسارعة: ماذا؟..
- تطلعي الي..
حاولت ملاك رفع عينيها لتتطلع اليه.. في حين امسك مازن بالخاتم بيده الاخرى ليلبسها اياه ..وما ان فعل حتى رفع كفها وقبّلها قائلا: مبارك..
شعرت ملاك بتقلصات معدتها وارتجافة قلبها بين ضلوعها.. يكفي يا مازن.. ارجوك يكفي.. صدقني قلبي سيتوقف اليوم.. لم اتوقع يوما ان امر بتجربة كهذه.. لكني اليوم امر بها وعلي ان ارضخ لواقع ان مازن بات زوجي الآن وسيكون الى جواري دائما و...
(ملاك.. هيا.. البسيه خاتمه الآن)
قالتها مها فالتفتت ملاك اليها والتقطت خاتمه باصابع مرتجفة.. وازدردت لعابها مرات متتالية.. كيف ستمسك كفه الآن؟.. هل تستطيع حتى؟..
ولما رآى مازن ترددها هذا.. فهم سر ذلك فرفع كفه من تلقاء نفسه وانتظرها لتلبسه الخاتم.. فعادت ملاك لتزدرد لعابها في توتر وارتباك.. وتطلع اليه بنظرات خائفة ومتوترة.. قبل ان تقرب كفها منه وتلبسه الخاتم باصابع مرتجفة.. وقبل ان تبعد كفها.. امسكها مازن وقال مبتسما: الا يوجد مبارك حتى؟..
قالت ملاك بصوت مرتجف: مـ..مبا..رك..
ابتسم مازن وتركها تجذب كفها .. فقالت مها مبتسمة وهي تلتفت خلفها: والدي وكمال قد جاءا ليباركا لكما .. ولن ادعهما قبل ان يأخذوا صورة معكما أيــ...
صمتت مها بغتة وهي تلمح الشخص القادم من خلفهما.. واحست بقلبها يخفق في شوق وعيناها تتطلعان له بلهفة وكأنها تطلبان منه ان يتطلع اليها كالسابق.. ويلقي على مسامعها كلماته المحبة والعاشقة..
وتقدم امجد في تلك اللحظة ليبارك لمازن ويقول بابتسامة: مبارك يا مازن.. وكما اوصيتك.. ضع ملاك في عينيك..
قال مازن مبتسما: في عيني دون ان توصي يا والدي..
قال امجد وهو يصافح ملاك ويبارك لها: مبارك يا ابنتي.. اتمنى لك السعادة مع ابني مازن..
اما كمال فقد تقدم من مازن ورسم على شفتيه ابتسامة وهو يقول: مبارك يا مازن.. مبارك يا شقيقي.. لكن اعلم ان تضايقت ملاك منك في يوم..فأنا من سيقف في وجهك..
قال مازن وهو يرفع حاجبيه باستغراب مصطنع: هل انا مرعب الى هذه الدرجة؟.. الجميع يوصيني على عدم مضايقة ملاك..
لم يهتم كمال بما قاله والتفت الى ملاك ليبارك لها قائلا بابتسامة صغيرة: مبارك يا ملاك واتمنى لك السعادة من كل قلبي..
ابتسمت ملاك بخفوت وقالت: اشكرك..
بارك لهما حسام بدوره وان كان يختلس النظرات بين الحين والآخر الى مها التي تقف بجوار مازن.. ومن ثم وقفوا جميعا بحوار مازن وملاك.. ليلتقطوا معهم صورة جماعية.. لتكون ذكرى عالقة في الاذهان الى الابد...
الجزء الثامن والعشرون
(ماذا تقول؟؟.. هل هذه مزحة سخيفة ام ماذا؟؟)
قالها فؤاد بغضب وعصبية وهو يستمع الى ما قاله عادل قبل قليل ..في حين قال عادل بعصبية: ليت الامر كان كذلك.. هذا ما حدث.. ولا اعلم ما الذي يمكنني فعله الآن؟..
قال فؤاد بحدة: انت من ارخيت له الحبل منذ البداية.. لو انك هددته بأن عدم موافقته تعني خسارته للشركة..لما استطاع ان يرفض او يترك حرية الاختيار لملاك.. لكانت ملاك في قبضتنا الآن.. لكن ماذا عساي ان اقول؟.. سوى انك تضيع منا الفرص بحماقتك..
قال عادل بحدة: ما حدث قد حدث الآن.. اخبرني ماذا نفعل؟..وما رأيك لو نفسد الحفل؟..
قال فؤاد بضيق: لقد تم عقد القران.. ولا فائدة من افساد الحفل .. حتى وان اردنا ذلك فذلك سيؤثر على سمعتنا.. فأقل شيء يصيب امجد شريكنا سيعود علينا بالضرر..
- اذا ما العمل؟..
- دعني افكر قليلا..
صمت قليلا ومن ثم قال وقد خطرت على ذهنه فكرة ما: امجد لن يفيدنا الآن.. ما رأيك ان نحاول مع مازن؟..
قال عادل بحنق: الا تعرف ان مازن هو اشد ابناء امجد عنادا؟.. لن يرضخ لما سنقوله له..
قال فؤاد وابتسامة خبيثة تتراقص على شفتيه: من قال اننا نحن من سنتحدث؟.. المال سيتحدث عوضا عنا..
- اتعني ان نحاول اغراءه بالمال ؟..حتى يترك ملاك..
- هذا اولا فحسب.. سنحاول اغراءه بشتى السبل ليس المال وحسب.. بل الاملاك ايضا.. او ربما فتاة.. فبالتأكيد أنت تعرف ان مازن ذا علاقات عديدة مع الفتيات..
قال عادل وهو يزفر بحدة: اتظن انه سيوافق؟..
- سنحاول ولكن من سوء حظه ان لا يفعل.. فحينها سنتبع طرق اخرى تضعه هو وعائلته في مشاكل هو بغنى عنها..
قال عادل وهو يعقد حاجبيه: هل لك ان توضح لي الامر اكثر يا...
(والدي .. اريد نقودا)
التفت عادل بملل الى احمد وقال بضجر: ليس الآن انتظر حتى انهي مكالمتي الهاتفية اولا..
قال احمد وهو يضع كفه في جيب بنطاله: فليكن..
تحدث عادل لبضعدقائق اخرى وقال متحدثا الى فؤاد: حسنا .. اجل.. .الا ترى اننا نضغط عليهم هكذا؟... كما تشاء...الى اللقاء..
والتفت الى احمد وملامح وجهه تحمل الضيق.. فقال احمد متسائلا: ماذا حدث يا والدي؟..
التفت له والده وقال بعصبية: افرح الآن..لقد حدث ما كنت تريده..
قال احمد ببرود: وماهذا الذي اريده؟..
قال والده بعصبية اكبر: عدم الزواج بملاك.. ها انتذا لن تتزوجها ولن تحصل على قطعة نقدية واحدة من املاكها.. ستصبح كلها لشخص آخر..
قال احمد بابتسامة: حقا ياله من خبر.. لقد ازحت عن كاهلي هم هذه العاجزة..
قال والده وهو يتطلع اليه بنظرات غاضبة ومستنكرة: ايها الاحمق .. لقد ضاعت املاكها من بين يدينا.. وانت تفكر في هذا الامر التافه..
قال احمد بلا اهتمام: ومن تزوجت؟.. لم تخبرني بذلك..
في نفس تلك اللحظة كانت ندى تقترب من الردهة وهي تشرب كأس من العصير.. وسمعت والدها يقول في تلك اللحظة: وهذا ما يحنقني اكثر.. ان تتزوج ملاك تلك العاجزة من مازن ابن عمك..
سقط الكأس دون شعور من بين يدي ندى ليسقط على الارض وتتساقط محتوياته ويتحطم بدوي مرتفع.. ودون ان تهتم ندى لما حدث.. ودون ان تهتم لنظرات الاستغراب والدهشة في عيني والدها واحمد..اندفعت نحو والدها وامسكت بسترته قائلة بانفعال: ماذا قلت يا والدي؟؟.. بالتاكيد انت تمزح؟ ..انت لا تعني مازن ابن عمي اليس كذلك؟.. لا يمكن لمازن ان يتزوج.. لأنه سيتزوجني انا.. اليس كذلك؟..
تطلع لها والدها باستغراب شديد وذهول.. فاردفت ندى بانفعال اكبر وهي تصرخ: اليس كذلك؟.. اجب يا والدي .. لا يمكن ان يتزوج مازن تلك العاجزة.. لا يمكن..
قال والدها وهو يمسك بكتفيها بقوة: ندى اهدئي ..ماذا جرى لك فجأة؟..
قالت ندى وعينيها تترقرق فيهما الدموع: قل ان هذا ليس حقيقي يا والدي.. منذ طفولتي وانت تقول ان مازن لي وانا لمازن.. فلم يتزوج من تلك العاجزة؟.. لم؟..
قال والدها بضيق: كلنا نجهل السبب.. لكن صدقيني سينفصل عنها ويطلقها قريبا..
قالت ندى وهي تمسك ذراعي والدها بأمل ولهفة: حقا يا والدي؟ .. سيطلقها؟..
اومأ والدها برأسه وقال بابتسامة: بالتأكيد.. ثقي بهذا..
قالت ندى بلهفة: وسيتزوجني انا.. اليس كذلك؟..
صمت والدها دون ان يعلق في حين قال احمد بضيق: ندى.. ليس من المناسب ان تقولي مثل هذا الكلام..
قالت ندى وهي تلتفت له وتقول بحدة: لا شأن لك.. لا تتدخل ..
والتفتت الى والدها وقالت: والدي..سيتزوجني انا بعدها اليس كذلك؟.. انني افضل من ملاك الف مرة.. على الاقل لست عاجزة.. ولست افكر بسذاجة مثلها..
قال والدها وهو يضعة يده على كتفها بمكر: يمكنك ان تجعلي الامر كذلك..
- ماذا تعني؟.. لم افهم..
- اعني انه بامكانك ان تجعليه يتزوجك انت بعد ان يترك ملاك ..
قالت ندى بحيرة وهي تمسح دموعها: وكيف؟..
قال امجد بابتسامة: انتن الفتيات تستطعن الحصول على أي شيء اذا اردتن ذلك..
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي ندى وقالت: لقد فهمتك يا والدي ..
اما احمد فقد قال بضيق: والدي ما دامت ملاك قد تزوجت.. فكما وعدتني انت وعمي اريد ان اذهب لخطبة مها..
قال والده بحنق: اصبر قليلا.. ربما تنفصل ملاك عن مازن.. واملاكها كلها تصبح تحت يديك..
قال احمد وهو يزفر بحدة: سأتزوجها ايضا ان حدث وانفصلت عن مازن..
قال والده وهو يتنهد: وربما لا توافق حينها..
- ومن قال انها وافقت الآن .. اهم شيء يا والدي هو ان تجعل من الموافقة امرا محسوما.. لا يمكن التراجع عنه..
التفت والده عنه وقال: فليكن.. سأذهب لخطبة مها لك كما تريد .. ولكن ليس هذه الايام..على الاقل حتى يمكننا ايجاد حل لارتباط مازن بملاك..
قالت احمد بابتسامة: لا يهم والدي.. المهم ان تذهب لتخطب مها لي .. وهذه المرة لن ندع لهم مجالا للرفض او التفكير..
واردف بحقد متحدثا الى نفسه: وسأنتقم منها شر انتقام..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ابتسم مازن ابتسامة واسعة وهو يفكر في كل ما جرى اليوم .. في كل لحظة جمعته بملاك طوال الحفل.. تذكر ابتسامتها وبرائتها.. خجلها ورقتها.. وارتجافة كفها بين اصابعه كلما امسك بها..
واتسعت ابتسامته وهو يراها تدخل الى غرفة الجلوس على مقعدها المتحرك.. ومها من خلفها تدفعها وتقول:طوال الحفل وانت معه وقبله كذلك.. الم تملي منه؟..
اطرقت ملاك برأسها بخجل ولم تعلق .. في حين قال مازن وهو يرفع حاجبيه: وما شأنك انت؟.. هيا اخرجي واغلقي الباب خلفك..
اخرجت مها له لسانها وقالت: لن اخرج.. وارني ما ستفعله..
قال مازن وهو يتطلع الى ملاك: ما رأيك هل القي بها من النافذة؟ .. ام ارمي بها خارج المنزل؟ .. ام اكتفي بجرها من شعرها الى خارج الغرفة؟.. ام...
قاطعته مها قائلة: لحظة ..لحظة.. تلقي بمن؟..الا تلاحظ انك بت تتصور المستحيل هذه الايام..
قال مازن وهو يغمز بعينه: نابليون قال لا يوجد ما هو مستحيل.. لهذا ان اردت يمكنك تجربة هذا المستحيل كما تقولين..
قالت مها وهي تشعر بالنعاس: الوقت الآن متأخر وسأذهب للنوم.. سأجرب في يوم آخر..
قال مازن وهو يلوح لها بيده: هيا الى الخارج رجاءا.. لا اريد رؤيتك..
تطلعت له مها بنظرة متهكمة.. ومن ثم واصلت طريقها لتغادر غرفة الجلوس..وما ان فعلت حتى قال مازن مبتسما: اقتربي.. لم انت بعيدة هكذا؟..
قالت ملاك مرددة: بعيدة؟؟..
وتطلعت الى المسافة التي تفصلها عنه كانت حوالي المتر الواحد .. وتوردت وجنتيها بخجل وهي تحرك عجلات مقعدها وتقترب منه بضع سنتيمترات.. فقال مازن بسخرية: اتعبت نفسك عزيزتي ..لم اقتربت الى هذه الدرجة؟.. لا اجد مسافة لتحريك قدمي حتى..
اتسعت عينا ملاك وقالت باستغراب: ماذا؟..
هز مازن رأسه وقال وهو يكاد يضحك: لا شيء.. فقط اقتربي اكثر..
قالت ملاك ببراءة: اقتربت..
قال مازن مواصلا في سخريته: اتعلمين احتاج الى الحديث معك على الهاتف حتى اسمع صوتك من هذه المسافة؟. هيا.. كفاك دلالا واقتربي..
احست ملاك بالاحراج واقتربت قليلا ايضا.. فقال مازن وهو يبتسم ابتسامة واسعة: اتعرفين ما الحل في رأيي؟..
قالها ونهض واقفا ليقترب منها.. وما ان رأته ملاك يميل نحوها حتى فهمت الامر.. وهتفت به قائلة: مازن.. ارجوك لا تفعل..
حملها مازن بين ذراعيه دون ان يهتم برجاءها وهو يضحك: لقد مللت.. ان كنت ستقتربين هذه المسافة كل دقيقة ستصبحين قريبة مني بعد ساعة..
توردت وجنتي ملاك بحمرة قانية من شدة الخجل والارتباك.. واجلسها مازن الى جواره.. في حين التقطت ملاك انفاسها وهي تشعر ان الهواء قد اختفى من رئتيها..فقال مازن مبتسما: مابك؟.. وكأن احدهم كان يجري خلفك..
قالت ملاك وهي تحاول ان تنظم من انفاسها: لا تفعل هذا مرة اخرى..ارجوك..
قال مازن متسائلا: ولم؟..
قالت ملاك وهي تشيح بنظراتها: اشعر.. بأنني غير قادرة على.. الذهاب اينما اريد.. بل على احد ان يـ...
قاطعها مازن قائلا: ماهذا الكلام؟.. أأنا أي احد بالنسبة لك؟..
قالت ملاك بتوتر وارتباك: لا ولكن اريد ان اتصرف دون مساعدة من احد..
ابتسم مازن وقال وهو يضغط على كفها بحنان: فليكن يا ملاكي..
التفتت له ملاك بدهشة وارتفع حاجباها دلالة عليها.. ولكنها اسرعت تطرق برأسها في خجل.. فقال مازن وهو يمسك بذقنها ويرفع رأسها اليه هامسا: ملاك.. عزيزتي.. لا اعرف ماذا اقول سوى انك اليوم تبدين رائعة..رائعة جدا..
ازدردت ملاك لعابها بارتباك..وحاولت ان توقف ارتجافة جسدها.. فقال مازن مردفا بابتسامة: ولدي شيء لك..
- شيء؟؟..
قال مازن بابتسامة: اغمضي عينيك..
قالت ملاك بعدم فهم: ولماذا اغمض عيني؟..
قال مازن بملل: اغمضيها وكفى..
اغمضت ملاك عينيها ومن ثم قالت بعد فترة من الصمت: اافتحها الآن؟..
قال مازن مبتسما: يمكنك ذلك..
فتحت ملاك عينيها ببطء.. لترى امامها علبة على شكل قلب قد فتح غطاءها امامها لتظهر.. عقد من الماس واستقر في منتصفه حرف m""..فقال مازن متسائلا: ما رأيك؟..
قالت ملاك وعيناها تلمعان ببريق الاعجاب: رائع..بل اكثر من رائع..
قال مازن وهو يخرجه من العلبة : انه لك.. ارتديه..
قالت ملاك بخجل وامتنان: اشكرك كثيرا..
التقطته منه لترتديه ومن ثم قالت وهي تتطلع اليه وابتسامة على شفتيها: انه رائع وخصوصا الحرف الاول من اسمي.. يبدوا جميلا جدا وهو مرصع بالماس و...
قاطعها مازن قائلا: لحظة ماذا قلت؟..
قالت ملاك بحيرة: يبدوا جميلا جدا و...
قال مازن في سرعة: قبل ذلك..
قالت ملاك وحيرتها تزداد:يبدوا رائع وخصوصا الحرف الاول من اسمي..
قال مازن بسخرية: ومن قال انه الحرف الاول من اسمك..
قالت ملاك متسائلة: اذا؟..
قال مبتسما وهو يغمز بعينه: انه الحرف الاول من اسمي انا..
تطلعت له ملاك باستغراب ثم ما لبثت ان ابتسمت وقالت: لقد اقلقتني ظننت اني قداخطأت فيما قلته..
قال مازن وهو يمسح على شعرها بحنان: ابدا.. لم تخطأي انه الحرف الاول من اسمك واسمي معا..
ابتسمت ملاك بخجل.. في حين اقترب مازن منها ليقبل جبينها ومن ثم يقول بابتسامة واسعة: يبدوا العقد رائعا عليك و...
بتر مازن عبارته بغتة وهو يتطلع الى القلادة التي تحمل شكل قلب يتوسطه قلب متأرجح..وعقد حاجبيه بضيق.. اما ملاك فلم تنتبه لما قاله وقالت وهي تشعر بحرارة جسدها وقلبها الذي بات ينبض بقوة وسرعة: حقا؟..
لم يجبها مازن بل قال بهدوء: لابد وانك متعبة الآن.. سأتركك لترتاحي وتنامي..
ورسم على شفتيه ابتسامة باهتة قبل ان يمسك بكفها ويرفعها الى شفتيه ويقبلها.. ومن ثم يقول بصوت هادئ: تصبحين على خير ..
قالت ملاك وقلبها يرتجف بين ضلوعها: تصبح على خير..
كاد مازن ان ينهض من مكانه تاركا اياها.. لكنه انتبه في تلك اللحظة ان مقعدها بعيدا عنها..فقال وهو يقرب منها المقعد: هيا اجلسي وحدك ولن اساعدك..
رفعت ملاك جسدها من على المقعد لتلقي به على مقعدها المتحرك وهمست قائلة: شكرا لك..
((من انت؟))
((انا اسمي ملاك))
((وانا مازن.. مع من جئت الى هنا؟))
((مع ابي))
هز مازن رأسه بقوة بعد ان دارت في ذهنه تلك العبارات والحوارات التي تنشأ من العدم.. والتي يشعر بأنها محفورة بذهنه منذ زمن بعيد.. اذا هي ملاك حقا!.. ملاك تلك الطفلة التي اسمع عباراتها في ذهني.. ملاك التي اصبحت اليوم زوجتي..
اوصلها الى غرفتها ومن ثم قال مبتسما: اراك غدا.. نامي جيدا..
قالت ملاك بخجل: وانت ايضا..
ابتسم مازن قبل ان يلتفت عنها ويصعد الطابق العلوي الى حيث غرفته..ومن ثم يدلف اليها و يقترب من فراشه ليلقي بجسده عليه بتعب.. قبل ان يلتقط نفسا عميقا ويقول بابتسامة شاحبة: اذا في النهاية قد كانت تلك الطفلة هي..ملاك.. كما ظننت..او ربما احسست..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت مها الى هاتفها المحمول.. ومن ثم الى ساعة يدها.. التي كانت تشير الى الثانية بعد منتصف الليل.. يا ترى ألا يزال حسام مستيقظا حتى الآن؟..لقد اشتقت اليه كثيرا وخصوصا بعدما رأيته اليوم في الحفل..بدى وسيما جدا .. متألقا بشخصه وبحضوره و...
وتركني وذهب الى تلك الفتاة.. لماذا؟.. لماذا يا حسام؟؟ .. الم اعد اعني لك شيئا؟.. انسيتني بهذه السهولة؟..
و التقطت نصف القلب من جوار فراشها وقالت وغصة تملأ حلقها: انسيت الحب الذي يجمعنا؟.. انسيت الوعد الذي قطعته لك؟.. كيف تفكر ان بامكاني استبدال حبك بذلك الحقير احمد.. اين انت واين هو؟.. انت كل شيء في حياتي وهو لاشيء.. لا شيء..
ترددت وهي تتطلع الى رقم هاتفه على شاشة هاتفها..أتتصل به؟.. لقد حاولت مئات المرات من قبل ولم يجبها.. الآن سيفعل؟.. ربما.. فلتحاول..
توقفت فجأة عن ضغط زر الاتصال وقالت بقلق: ربما يكون نائما الآن.. سأرسل له رسالة قصيرة.. ربما حينها يفهم موقفي ويجيب على اتصالاتي..
اسرعت تكتب رسالة تقول (اشتقت اليك كثيرا يا حسام ..لم انسى الحب الذي جمعنا في يوم.. لقد كنت مخلصة لحبك دائما ولم افكر يوم في خيانته.. واقسم لك ان احمد لاشيء بالنسبة لي.. حسام انت تظلمني وتقسو في حكمك علي..انا التي كنت اعتبرك اكثر الاشخاص حنانا علي .. ولم اتخيلك قاسيا ابدا..اراك اليوم تقسو علي انا..انا لا اطلب منك سوى فرصة..فقط فرصة اشرح لك فيها كل شي..ولست اطلب اكثر من هذا)..
ارتجف اصبعها وهي تضغط زر الارسال.. والتقطت نفسا عميقا وهي تلقي بنفسها على فراشها..
وعلى الجانب الآخر كان حسام قد انتهى من الاستحمام لتوه وقد سمع نغمة هاتفه المحمول يعلن وصول رسالة قصيرة..فتوجه اليه والتقطه .. ليفتح الرسالة ويبدأ في قرائتها و... عقد حاجبيه بضيق وهو يقرأ كلماتها..وان آلمه قلبه وهو يراها لا تزال تحاول الاتصال به.. ان كانت حقا مهتمة بأحمد فلم تكن لتحاول كل هذا الوقت للاتصال بي.. ولكن ربما تكون مجرد خدعة منها لتستميل قلبي اليها و... لا مها لن تفعلها ..سأجيب عن مكالمتها اذا اتصلت.. لكني لن اتصل بها.. فلتتصل هي مادامت تريد هذه الفرصة.. ولأرى ماذا ستقول او ماذا ستشرح؟..
مها التي ظلت مترددة لا تعلم ان كان يمكنها الاتصال به او انه نائم في هذا الحين..انتظرت خمس دقايق دون جواب منه.. وعادت لتتطلع الى الساعة بقلق.. ربما لم يرى رسالتها القصيرة بعد.. ستتصل به فربما يلمحها وستغلق الهاتف بعد رنين قصير فحسب..
اقتنعت بهذه الفكرة وضغطت زر الاتصال.. وكأن حسام لم يصدق.. فقد التقط هاتفه في سرعة واجابه قائلا: الو..
ارتبكت مها بشدة فلم تكن تتوقع ان يجيب على الهاتف ..ولكنها فرحت بداخلها لانه اجاب على الهاتف اخيرا.. كم اشتاقت لسماع صوته.. وقالت بصوت مرتبك: الو..
قال حسام عامدا: من المتحدث؟..
آلمها عدم معرفة حسام لها وقالت وهي تشعر بغصة في حلقها: هل مسحت اسمي من هاتفك؟.. كما حاولت ان تمسحني من حياتك..
قال حسام بخشونة: الم تحاولي فعل المثل ايضا؟..
قالت مها بصوت متحشرج: انت تظلمني.. اليس لديك الثقة بي حتى؟..
قال حسام بعصبية خلفها تذكره لجلوسها مع احمد على تلك الطاولة: اثق بماذا بالضبط؟.. اثق بك انت تتحدثين معه عن الحب والزواج؟.. ام اثق بك وانت تجالسينه ذات الطاولة؟.. ام اثق بك وانت تتركينه يمسك كفك بكل حرية.. اخبريني بماذا اثق؟..
قالت مها بحدة: كفاك ظلما واستمع الي.. هو من ارسل لي رسالة قصيرة يطلب مني القدوم فيها الى النادي لأمر هام و...
قاطعها حسام قائلا بغضب: ولماذا ذهبت وحدك؟.. اخبريني ان كنت صادقة.. لماذا لم تطلبي مني القدوم معك؟.. او من شقيقيك ذلك؟..
قالت مها بتردد: لقد اعتقدت انك لن تقبل ان اذهب لرؤيته.. ومازن وكمال لن يهتما بالمجيء معي..
قال حسام متسائلا بعصبية: ولم لا اقبل؟..
قالت مها بتردد اكبر: لانك تكرهه..
قال حسام بانفعال: وانت تحبينه ولا تقبلين ان لا تقابليه او...
قاطعته مها بعصبية: حسام لا اسمح لك.. لقد تجاوزت حدودك ..
قال حسام بغضب: من منا الذي تجاوز حدوده ؟..انا ام انتي؟ ..
قالت مها بعصبية اكبر: اخبرتك انه هو من امسك بيدي على حين غفلة مني..
انفعل حسام وقال: اتظنينني ساذجا الى هذه الدرجة؟..
ترقرقت الدموع في عيني مها واختنقت الحروف في حلقها.. لكنها استجمعت شجاعتها وقالت بصوت متحشرج: لو كنت تثق بي لما قلت هذا الكلام.. لما شككت بي وبحبي لك؟.. لكن يبدوا ان ثقتك بي معدومة وما دام مجرد موقف رأيته قد جعلك تشك بأخلاقي..فاعلم ان حياتنا ستكون مستحيلة في المستقبل.. فمن الافضل ان نتوقف هنا ..
قال حسام وقد عقد حاجبيه بحدة: ماذا تعنين؟؟..
قالت مها وهي تشعر انها تقتل نفسها بالكلمات التي ستنطقها: ان ننهي علاقتنا.. نكون اقارب فقط..
صمت حسام للحظة مبهوتا.. وهو يشعر بالصدمة من كلماتها ومن ثم قال وهو يصرخ بانفعال: لكي تذهبي له.. اليس كذلك؟..
قالت مها بغضب وغيرة: بل لتذهب انت لها..
قال حسام بصوت حاد: من تعنين؟؟..
- الحسناء التي كنت تتحدث اليها هذا اليوم..
قال حسام بسخرية مريرة: الآن فقط شعرت بألم ان تري من تحبين يجلس مع سواك..
قالت مها مدافعة عن نفسها: انا لم اكن متعمدة.. اما انت فبلى..
قال حسام وهو يزفر بحرارة: يكفي يا مها.. ارجوك لا اريد ان اتذكر ما حدث..
قالت مها ودموعها تسيل على وجنتيها: انا اعلم ما تريده جيدا .. تريد ان تنهي علاقتنا وتبدأ مع تلك الحسناء علاقة جديدة.. تبحث علي أي خطأ اقوم به حتى تنهي كل شيء بيننا..
قال حسام بحنق: بلهاء وستظلين كذلك..
هتفت مها بصوت متحشرج: انت الابله..ولست انا..تصدق أي شيء وتفسره على هواك وكما تشاء.. ان كنت قد اخطأت في ذهابي الى احمد دون ان اخبرك.. فأنا اعتذر عن ذلك.. ولكن ليس من حقك اتهامي والشك في اخلاقي..
قال حسام وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره بعصبية: مها ارجوك كفى..لا احتمل ان اسمع اسم هذا الحقير على لسانك..واخبريني ماذا تريدين الآن؟.. لاني متعب واريد ان انام..
قالت مها بغضب: لا اريد شيئا منك.. ولتنم اسبوعا كاملا ..لن يهمني...
قالتها واغلقت الهاتف في وجهه.. في حين ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي حسام وهو يقول: احبك ايتها البلهاء.. لكن كيف لي ان اغفر لك جلوسك مع ذلك الحقير وحدكما وتركك له ليتحدث معك في الحب والزواج.. انت نفسك لم تغفري لي حديثي مع سواك.. اتظنين انه يمكنني ان انسى بهذه السهولة؟.. ليت النسيان كان في يدي..لكنت اول شخص ينسى كل ما حدث.. ويأتيك جريا ليطلب منك ان تقبلي بحبه والارتباط به...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(مازن.. انهض.. الم يكفيك كل هذه الساعات التي استغرقت فيها بالنوم؟)..
فتح مازن احد عينيه بتعب وقال بصوت ناعس بعد ان ميز صوت مها التي تقف بالقرب من فراشه: اخرجي ايتها المزعجة.. اريد ان انام..
قالت مها وهي تضع يدها عند خصرها: اتعلم كم الساعة الآن؟.. انها الثانية عشرة.. الم تنل كفايتك من النوم بعد؟ ..
فتح مازن كلتا عينيه وقال بدهشة: الثانية عشرة ؟..ولماذا لم يوقظني والدي للذهاب معه الى الشركة؟..
قالت مها مبتسمة: لقد حصلت على اجازة مدتها ثلاثة ايام من والدي بمناسبة عقد القران..
اعتدل مازن في جلسته وقال وهو يتثاءب: جيد.. لقد حصلنا على فائدة من وراء هذا الزواج..
قالت مها وهي تعقد حاجبيها: اترى الفائدة من هذا الزواج هي هذه الاجازة فحسب؟..
لم يعلق مازن ونهض من مكانه ليدلف الى دورة المياه ويغيب بداخلها لدقائق..وعندما خرج لمح مها وهي تجلس على فراشه غارقة في افكارها.. فقال وهو يدعك شعره بالمنشفة: ما الامر يا مها؟..
رفعت مها رأسها اليه وقالت بشرود: اجل.. اجل..
قال مازن باستغراب وهو يقترب منها: أي اجل هذه؟.. لقد سألتك ما بك؟..
قالت مها وهي تنفض شرودها عنها: لاشيء..
ازاح مازن المنشفة عنه ورماها على المقعد.. ومن ثم اقترب منها وقال : بالامس قد وعدتني ان تخبريني بما بك بعد انتهاء الحفل .. ام انك قد نسيت؟..
قالت مها بتردد: لا.. ولكن...
بترت عبارتها ومن ثم اردفت بمرح: لكن الامس قد مضى .. لهذا فلن اخبرك..
قال مازن بضيق: مها ليس لدي وقت للف او الدوران..اذا كان لديك شيء.. فقوليه الآن..
قالت مها بتوتر وهي تحاول ان تلهي نفسها بأي شيء امامها: سأخبرك.. واحكم انت على الموقف..
قال مازن بحنق: تحدثي يا مها دون هذه المقدمات التافهة..
التقطت نفسا عميقا ومن ثم قالت: حسام..انه يشك بي..
-اوضحي اكثر..
قالت مها في سرعة وكأنها تود الدفاع عن نفسها:لقد شك بي لمجرد انه رآني جالسة مع احمد.. وهذا الاخير لم يتركني وشأني ابدا.. لقد اخذ يتحدث عن حبه لي ورغبته في الزواج مني.. لكني اوقفته عن مواصلة كلامه..
قال مازن بحدة وغضب: الا يعتق احدا احمد هذا؟.. سيحب من وسيتزوج من؟..
قالت مها بدهشة: ماذا تعني؟.. هل عرض الحب او الزواج على فتاة غيري قبل الآن؟..
ارتبك مازن وخصوصا ان هذا الموضوع لا تعرف عنه مها شيئا .. ولا يريدها ان تعرف والا علمت السبب الرئيسي الذي اجبره على الزواج من ملاك.. وقال متهربا من الموضوع وهو ينهض من مكانه: سأحاول الحديث مع حسام.. لا تقلقي.. انا اعلم جيدا ان الشخص الذي يهمك ليس هو احمد ابدا..
ارتجف قلب مها وقالت وهي تزدرد لعابها بارتباك: ماذا تقول؟ ..
ابتسم مازن ومن ثم قال مغيرا دفة الحديث: اين ملاك؟.. الا تزال نائمة ايضا؟..
هزت مها رأسها نفيا وقالت وهي تبتسم وتسير باتجاه باب الشرفة الزجاجي ومن ثم تتطلع من خلاله وتقول: انها تجلس هناك منذ ساعة..
نهض مازن من مكانه وابتسم وهو يتطلع من خلال باب الشرفة بدوره.. واتسعت ابتسامته وهو يلمح شرود ملاك وهي تتطلع الى السماء الملبدة بالغيوم.. وقال وهو يلتفت الى مها: هل لك الآن ان تخرجي من الغرفة حتى اغير ملابسي؟..
في الجانب الآخر.. التقطت ملاك نفسا عميقا وهي تتطلع الى الزهور من حولها والى الطيور التي ترفرف في السماء بكل حرية..وارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تقترب من حوض الزهور وتداعب الازهار بكل رقة.. ومن ثم شردت في تفكيرها بحفل امس..حفل عقد قرانها على مازن ..جلوسها معه وقربه منها .. ولمسته الحانية لكفها..
وتطلعت الى كفها لا شعوريا مع تذكرها للمسته ومن ثم العقد الذي اهداه لها و...
وشعرت بيدين تغلقان عيناها فجأة.. وبدأت خفقات قلبها بالتسارع وانفاسها بالتلاحق عندما عرفته من رائحة عطره المميز..ومن لمسة يديه التي شعرت بهما تشعلان في جسدها حرارة غير طبيعية.. وسألها مازن قائلا بمرح: من انا؟..
قالت ملاك بتلعثم: مازن..
قال مازن وهو يزيح كفه ويتطلع اليه بابتسامة مرحة: يا الهي.. كيف عرفت؟..
التفت له ملاك وكادت ان تنبس بقول شيء ما.. لكنها تطلعت اليه ورأته يرتدي بنطال من نوع الجينز مع فميص رمادي اللون ..وكان يرتدي قبعة ايضاعلى غير عادته.. فقالت يتردد: تبدوا مختلفا قليلا اليوم..
رفع مازن حاجبيه وقال متسائلا: ولم؟..
ومن ثم اشار الى القبعة ليردف: اتعنين القبعة؟..
اومأت ملاك رأسها بخجل.. فقال مازن مبتسما: الأني ارتدي قبعة بدوت مختلفا؟.. حسنا اذا...
بتر عبارته ونزع القبعة من على رأسه ووضعها على رأسها ليقول مبتسما: هكذا انت من بدوت مختلفة..
توردت وجنتي ملاك واسبلت جفنيها بخجل.. وقال مازن في تلك اللحظة: الا زلت تتطلعين الى الطيور والزهور؟..
قالت ملاك بابتسامة حالمة: احب ان ابقى مع الطبيعة لوقت طويل واتبادل معها الاحاديث.. لاني اعلم انها لن تتضايق مما سأقوله ..
قال مازن وهو يغمز بعينه: يمكنك الحديث معي ايضا.. فأنا لن اتضايق منك كذلك..
قالت ملاك بتوتر: لكني مع الطبيعة اتحدث بكل حرية ودون حواجز..
قال مازن متسائلاا بخبث: وخذي حريتك وانت تحادثيني ايضا..
قالت ملاك وهي تطرق برأسها بخجل: لا اظن ان بامكاني ذلك ..
قال مازن متسائلا باهتمام وهو يهبط الى مستواها: ما رأيك ان تغيري مكانك اذا؟..
تطلعت له ملاك بتساؤل واستغراب فقال مردفا بابتسامة وهو يعيد التقاط قبعته من على رأسها ويضعها على رأسه: ما رأيك لو نتناول طعام الغداء اليوم في مطعم مثلا؟..
ارتجف قلب ملاك لفكرة ان تكون معه لوحدهما يتبادلان الاحاديث في المطعم.. لكن مع هذا شعرت بالسعادة لكونه قد عرض عليها ذلك..واستجمعت شجاعتها لتقول: لا بأس .. انا ...
قاطعها صوت رنين هاتف مازن .. فأخرجه من جيبه وتطلع الى شاشته.. ولأن ملاك كانت قريبة منه استطاعت ان تلمح اسم (رشا) الذي كان يضيء على شاشته....
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء التاسع والعشرون
"حل"
ارتجف قلب ملاك لفكرة ان تكون معه لوحدهما يتبادلان الاحاديث في المطعم.. لكن مع هذا شعرت بالسعادة لكونه قد عرض عليها ذلك..واستجمعت شجاعتها لتقول: لا بأس .. انا ...
قاطعها صوت رنين هاتف مازن .. فأخرجه من جيبه وتطلع الى شاشته.. ولأن ملاك كانت قريبة من مازن استطاعت ان تلمح اسم (رشا) الذي كان يضيء على شاشة هاتفه....
وارتفع حاجباها بدهشة وشعرت بقلبها ينقبض بضبق وغيرة.. وقالت بصوت حاولت ان تجعله طبيعيا قدر الامكان وهي ترفع رأسها الى مازن: مازن .. من هي رشا؟..
لم يتوقع مازن انها لمحت الاسم على شاشة هاتفه فقال في سرعة وهو يعتدل وينهض واقفا: رشا؟.. اجل انها احدى المعجبات التي اخبرتك عنهن..
قالت ملاك بشك: وايعرفن جميعهن رقم هاتفك؟..
قال مازن بابتسامة باهتة: يمكنهن الحصول عليه من النادي.. لحظة سأجيب عليها واعود اليك..
قالت ملاك بتساؤل وقد اخذ الشك يغزو قلبها اكثر واكثر: ولم لا تجيب عليها هنا؟..
قال مازن بابتسامة : كما تريدين آنسة ملاك.. سأجيب عليها هنا..
واجاب على الهاتف الذي اكتفى من كثر الرنين وقال بهدوء: الو .. اهلا رشا..
جاءه صوت رشا الذي يمتلأ رقة ودلالا وهي تقول:اهلا مازن .. كيف حالك؟..
قال مازن برسمية لان ملاك بجواره ويخشى ان تشك بأي امر متعلق بعلاقاته: بخير..
قالت رشا متسائلة باهتمام: ستأتي اليوم الى النادي كالعادة.. اليس كذلك؟..
قال مازن بنفي: لا.. لن يمكنني القدوم اليوم..
قالت رشا بقلق: لم ؟.. مابك؟..
- لاشيء.. ولكني مشغول قليلا..
استغربت رشا رسميته.. حتى انه لم يمازحها كعادته.. فقالت بهدوء: يبدوا انك مشغول الآن.. سأحادثك في وقت لاحق..
قال مازن وهو يتطلع الى ملاك التي كانت تتطلع اليه بنظرات متضايقة: لا بأس .. الى اللقاء..
قالها واغلق الهاتف دون ان يسمع جوابا من رشا.. وما ان فعل حتى قالت ملاك متسائلة بغيرة: لم اتصلت بك؟..
قال مازن وهو يحك ذقنه وعلى شفتيه ابتسامة: لقد سألتني ان كنت سآتي الى النادي ام لا..
وقبل ان تسأل ملاك أي سؤال آخر.. قال مازن وهو يتطلع اليها: هه يا ملاك.. الن تقبلي دعوتي وتأتي الى المطعم لنتناول طعام الغداء معا؟..
وكأن ملاك قد نست محادثته الى رشا فقالت بخجل: بلى.. دقائق فقط اغير ملابسي واعود..
ابتسم مازن لها وقال وهو يراها تحرك مقعدها: خذي وقتك..
رآها تبتعد عنه وهي تدفع عجلات مقعدها.. والقى عليها نظرة اخيرة قبل ان يلتفت عنها ويسير بأي اتجاه في انتظار ملاك.. ولمح في تلك اللحظة كمال يدلف من الباب الخارجي ويتطلع اليه بنظرة باردة فقال مازن وهو يعقد ساعديه امام صدره: ما بك؟.. لم تنظر الي هكذا؟..
قال كمال ببرود دون ان يهتم بالاجابة على اسألته: كيف حالك انت وملاك؟..
قال مازن بابتسامة وان اثار سؤال كمال حيرته: احوالنا افضل من ممتازة وسأخرج معها بعد قليل لنتناول طعام الغداء في مطعم ما.. لم تسأل؟..
قال كمال وهو يلتفت عنه: حتى تنتبه لتصرفاتك ولا تفضح نفسك امامها..وعلى الاقل تحترم مشاعرها وهي معك..
قال مازن في دهشة : لم؟.. وما الذي فعلته ولم احترم فيه مشاعر ملاك؟..
قال كمال باستهزاء: ابدا لاشيء.. فقط صوتك كان يصل الى خارج المنزل وانت تحادث تلك المدعوة رشا..
قال مازن مدافعا عن نفسه وان كان بعض الارتباك قد بدا واضحا في لهجته: انها زميلة لي في النادي..
قال كمال وهو يبتسم بسخرية: رشا وندى وحنان .. والله تعالى وحده من يعلم كم واحدة اخرى تعـ...
قاطعه رنين هاتف مازن المحمول فقال مردفا باستهزاء: اجب على رفيقتك..
تطلع مازن الى شاشة الهاتف ومن ثم مط شفتيه ورفع الهاتف الى ناظري كمال وقال بضيق: انظر بنفسك من يتصل.. اعلم ان مزاجي سيتدهور ان تحدثت اليه..
قال كمال باهتمام: بالتأكيد يريد الحديث اليك بشأن ملاك.. اجب عليه ولترى ما يريد..
زفر مازن بحدة ومن ثم اجاب على الهاتف قائلا: الو.. اهلا عمي..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قبل ربع ساعة تقريبا كان فؤاد يجلس خلف مكتبه بالشركة والى جواره عادل الذي قال وهو ينهي محادثة ما: الشخص الذي ارسلته لتفقد مازن.. يقول انه غير موجود بمكتبه .. وقدعرف من الموظفين انه لن يأتي الى الشركة لمدة ثلاثة ايام.. كاجازة له بعد عقد قرانه على ملاك..
قال فؤاد بسخرية: وايضا حصل على اجازة..
قال عادل وهو يلتفت اليه وعلى شفتيه ابتسامة خبيثة: هه .. ماذا قررت الآن؟..
قال فؤاد بمكر: كما اخبرتك تماما.. سنحاول اغراءه اما بـ...
بتر عبارته واردف وهو يرفع اصبعيه السبابة والوسطى: بالمال والاملاك او بفتاة فاتنة .. وبالتأكيد لن يستطيع رفض مثل هذا العرض..
قال عادل بتساؤل: وان رفض؟..
قال فؤاد بضيق:لا تستبق الاحداث.. دعني ارى الامر بنفسي..
قالها والتقط سماعة هاتف كتبه ليتصل بمازن وما ان اجابه هذا الاخير قائلا: الو.. اهلا عمي..
حتى قال فؤاد وهو يحرك اصابعه على سطح مكتبه: اهلا مازن.. كيف حالك يا ابن اخي؟..
ابتسم مازن بسخرية وتطلع الى كمال الذي يقف في مواجهته وقال: يبدوا ان هناك موضوعا هاما تريديني فيه.. والا لما سألت عن احوالي..
قال فؤاد وهو يكور قبضته و يحاول التحكم باعصابه: هناك موضوع حقا اود مناقشته معك..لكن هذا لا يعني ان لا اسأل عن احوالك فأنا عمك..
قال مازن بلهجة ساخرة بدت واضحة لفؤاد: اعلم انك عمي.. لكن المشكلة انك ربما لا تتذكر اني ابن اخيك الا في الوقت الذي تحتاجني فيه..
قال فؤاد ببرود: على الرغم من وقاحتك الا انني سأنسى كل ما قلته لان الموضوع الذي اود محادثتك فيه اهم..
قال مازن متساءلا ونبرة السخرية لا تزال في صوته: حقا؟.. وما هو هذا الموضوع الذي يجعلك تنسى وقاحتي بهذه السهولة؟..
قال فؤاد وهو يصطنع الهدوء: ليس الآن.. يجب ان اقابلك وحدنا ونتحدث..اخبرني متى يناسبك ان نلتقي؟..
قال مازن بعد تفكير: غدا مساءا.. عند الساعة السابعة في مطعم (القصر)..
- ليكن ..مع السلامة..
قالها واغلق الهاتف.. فابتسم مازن بسخرية وهو يهز رأسه بتهكم ويعيد الهاتف الى جيب سترته: ويتحدث عن صلة القرابة ايضا..
قال كمال الذي فهم بعضا مما دار بين مازن وفؤاد: أيريد مقابلتك بشأن موضوع ..ا.. ارتباطك بملاك؟..
قال مازن وهو يهز كتفيه: لست اعلم.. كل ما قاله انه يود الحديث معي في موضوع مهم.. سألتقي به غدا وارى الموضوع ..
قال كمال في سرعة: وحاول قدر الامكان ان تقف في وجهه.. واعلم ايضا ان ملاك لم يعد لها احد سوانا.. فلا تتخلى عنها ..
قال مازن بابتسامة واسعة : وهل استطيع؟..
تطلع كمال الى ما خلف مازن وقال: ربما..
التفت مازن الى حيث يتطلع كمال واتسعت عيناه باعجاب ليقول وهو يطلق صفيرا من بين شفتيه: يا الهي .. هل يزداد جمالك مع مرور الوقت يا ملاك ام ماذا؟..
ازدادت خفقات قلب ملاك التي كانت تقترب منهما بمقعدها .. وتحاشت نظرات مازن لها التي تشعرها بخجل شديد..اما هو فقد قال بابتسامة وهو يقترب منها: هل نذهب الآن؟..
اومأت برأسها وقالت: اجل ولكن...
بترت عبلرتها فحثها مازن على الحديث قائلا: تحدثي يا ملاك.. لا تخشي من شيء وانا معك..
ابتسمت له ملاك وقالت: الامر ليس هكذا.. وانما..لو كنت تستطيع اود زيارة ابي قبل ذهابنا الى المطعم..
قال مازن وهو يربت على كفها: بالطبع استطيع ..
وسار خلف مقعدها ليدفعها قائلا بلهجة مسرحية: ايمكنني دفعك آنسة ملاك؟..
ابتسمت ملاك وقالت وهي تتطلع اليه: بالتأكيد..
ابتسم مازن وهو يدفعها واقترب من البوابة التي كان يقف كمال عندها منذ لحظات.. ولكنه استغرب عدم وجوده .. ربما انشغل بأمر ما..
واصل طريقه الى سيارته الرياضية السوداء وقال بابتسامة رقيقة وهو يفتح لملاك الباب: تقضلي يا ملاكي..
ازدردت ملاك لعابها بارتباك.. ورفعت جسدها عن المقعد .. ولأول مرة تشعر بأن قواها قد خارت بعد ان رفعت جسدها وجلست على المقعد الذي سيكون مجاورا لمازن.. هذه المرة هي تجلس بجواره بصفته زوجته لا ابنة عمه..
سرت في جسدها قشعريرة بعد تفكيرها الاخير.. زوجته؟؟ .. هي الآن زوجته .. قبل ايام فقط كان الامر اشبه بالحلم المستحيل بالنسبة لها.. واليوم ها هي ذي ترى نفسها تخرح معه لوحدهما بصفتها شريكة حياته..
دخل مازن في تلك اللحظة الى السيارة ليحتل مقعد السائق ويدير المحرك لينطلق بالسيارة..وظلت ملاك صامتة مكتفية بمداعبة قلادتها التي تحمل حرف m او النظر من خلال النافذة الى المنازل المنتشرة على طرفي الطريق..
وقال مازن مبددا الصمت الذي سيطر عليهما لدقائق: ما رأيك لو نذهب الى مطعم يقدم الوجبات البحرية..
ايتسم ملاك وقالت: لا بأس..
واردفت في سرعة: ولكن اولا سنذهب الى ابي..
قال مازن وهو يومئ برأسه: سنذهب له اولا.. لا تقلقي..
واردف وهو يتطلع اليها بطرف عينه: ثم انك لا تلبثي ان تزوريه كل يوم تقريبا.. أأشتقت اليه بهذه السرعة؟..
قالت ملاك بشرود ولهفة: بأكثر مما تتصور.. ابي هو كل حياتي.. هو كل شيء لي في هذه الدنيا.. بأنامله كان يمسح دموعي.. وبصدره كان يحتضن احزاني.. وبابتسامته يرسم السعادة لحياتي.. لا يمكن لأي شخص ان يكون في مكانة ابي ابدا..
قال مازن وهو يغمز بعينه: وانا؟..
بوغتت ملا ك من سؤاله وقالت بارتباك: انت ماذا؟..
قال مازن بتساؤل واهتمام: ماذا اكون في حياتك؟..
قالت ملاك باضطراب وخجل شديد: شريك حياتي..
قال مازن وقد شعر ببعض الاحباط: فقط؟..
اشاحت ملاك بوجهها لتخفي ارتباكها: وايضا ابن عمي..
ضحك مازن بمرح وقال: اتصدقين لأول مرة اعلم .. شكرا على المعلومة..
احست ملاك بالاحراج وقالت : لا تسخر مني..
قال مازن بمرح: وماذا افعل لك وانت تقولين لي انني ابن عمك وكأن هذا معلومة خطيرة لا اعرفها..
واردف بخبث وهو يلتفت لها عندما اوقف السيارة عند احدى اشارات المرور: ما اود معرفته يا ملاك هو.. مشاعرك تجاهي.. بماذا تشعرين وانت معي؟..
قالت ملاك بعفوية ودون تفكير: بالسعادة..
لكنها اسرعت تقول بارتباك بعد ان اكتشفت فداحة ما قالته: اعني .. ان أي فتاة ستكون سعيدة.. وهي مع .. خطيبها..
قال مازن وهو يهز رأسه بفهم مصطنع: فهمت الآن ان كل فتاة لابد ومن الضروري لها ان تشعر بالسعادة مع خطيبها او زوجها..
قالت ملاك باعتراض: انا لم اقل هذا..
اوقف مازن سيارته بجوار المشفى وقال مبتسما: هيا اهبطي فقد وصلنا..
التفت ملاك لترى ذلك المشفى الكبير الذي يحتوي والدها بأحد الغرف.. وهو يغط في غيبوبة عميقة لا يعلم احدا سوى الله متى يستيقظ منها..واحست بألم يعتصر قلبها وهي مقبلة على رؤيته.. في كل مرة تأتي لزيارته تزداد آلامها وهي تكاد تفقد الامل في ان يصحو.. تريده ان يعود لها ويقول لها من جديد (ملاكي ).. تلك الكلمة التي قالها مازن منذ قليل ولكنها لم تشعر بنفس السعادة وحروف تلك الكلمة تنطق بها شفتي والدها.. شعور آخر تماما يحملها لما فوق السحاب من شدة سعادتها وشعورها بأنها في امان من جميع الناس..
ولكن عندما غاب عنها وسيطرت عليه تلك الغيبوبة وجدت نفسها تفقد اهم شيء في حياتها.. شعورها بالامان.. ربما مازن قد تمكن من تعويضها لهذا الشعور ولكن ليس مثل شعورها عندما تكون مع والدها..انه شعور مــ...
( ملاك ماذا بك؟.. الا تريدين مغادرة السيارة ورؤية والدك؟)
ايقظها من شرودها صوت مازن.. ورفعت رأسها اليه لتلمحه يقف بجوار الباب وامامه مقعدها المتحرك..فابتسمت ابتسامة باهتة تحمل الكثير من الالم في طياتها وقالت: على العكس اني اتلهف لرؤيته..
قالتها ورفعت جسدها عن مقعد السيارة لتتركه يسقط على مقعدها..وقال مازن في تلك اللحظة وهو يميل نحوها ويهمس في اذنها: لم هذه النظرة الحزينة التي اراها في عينيك؟..
قالت ملاك بألم: اريده ان يستيقظ.. مللت غيابه الطويل عني ..اريده ان يعود الي..اريده ان اشعر بحبه وحنانه لي.. اشتقت اليه كثيرا.. اشتقت لسماع صوته.. اشتقت لرؤية عينيه ونظراته الحانية والمحبة التي يوجهها لي.. اشتقت لصدره الحنون.. اريده ان يعود الي من جديد..اريد ابي..
ارتفع حاجبا مازن بتأثر وشفقة.. وشعر بمدى معاناتها وهي تفقد اغلى شخص لها في هذا الكون.. وقال بابتسامة متعاطفة: سيعود اليك يوما ما صدقيني.. لا يمكن له ان يترك فتاته الصغيرة وحيدة اكثر من هذا..
قالت ملاك بأمل والدموع تترقرق في عينيها: اترى ذلك حقا؟..
قال مازن بابتسامة صادقة: باذن الله سيعود والدك الينا من جديد .. فقط لا تفقدي الامل يا ملاك..
واردف بابتسامة مرحة محاولا تبديد الحزن الذي غلف ملاك: والآن اخبريني بعد هذا المشهد الحزين.. ما رأيك بمشهد مثير؟..
تطلعت له ملاك باستغراب فقال مازن وهو يغمز بعينه: ما رأيك ان اوصلك الى بوابة المشفى في اقل من ثلاث ثواني؟..
ابتسمت ملاك ابتسامة شاحبة وقالت: لست بحاجة للجلوس في المشفى لعدة ايام بعد الاصابات التي ستصيبني..
قال مازن مبتسما وهو يدفع مقعدها: صدقيني ستكونين بأمان وانت معي..
ثم اردف بلهجة حانية متسائلا: ام انك لا تثقين بي؟..
ارتبكت ملاك وتطلعت لمازن بخجل.. وقالت وهي تحاول ترتيب الحروف على لسانها: بالعكس.. انا اثق بك كثيرا ..
ما ان انتهت ملاك من نطق عبارتها حتى شعر مازن لأول مرة بالندم.. الندم لانه قد جعل ملاك تثق به وهو لا يستحق ثقتها.. الندم لأنه تزوجها وهو لا يحمل لها في قلبه سوى مشاعر الاعجاب.. الندم لأنه يتحمل مسئولية الآن اكبر من طاقته ..
واخذ يدفع مقعد ملاك الى داخل المشفى وهو يحاول ان يدفن شعور الندم الذي يشعر به...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اخذ حسام يعبر ممرات المنزل جيئة وذهابا دون هدف.. وكأنه قد اضاع شيئا ما.. واخذ يزفر بحدة وهو يحاول ان ينقل الضيق والالم الذي يشعر به الى خارج صدره..ولما شعر بالحنق والضيق يكتم على انفاسه.. وجد قدماه تقودانه الى غرفته ليفتح بابها ويتوجه الى احد الادراج..
وارتسمت ابتسامة شاردة على شفتيه وهو يفتح الدرج ببطء ويتطلع الى (ألبوم) الصور الذي يحتويه.. ثم لم يلبث ان التقطه من داخل الدرج ووضعه على طاولة المكتب وجلس خلفها..
وابتسم وهو يفتح اول صفحة في البوم الصور الذي كان يحتوي صورا له في طفولته.. أخذ يقلب الصفحات في سرعة الى ان اوصل الى مبتغاه..ومرر اصابعه على الصورة وهو يتطلع اليها.. كانت الصورة قد التقطت له قبل ثلاثة عشرة عاما..لم يكن هو في الصورة وحسب بجسده الطفولي وابتسامته المرحة .. بل كان مازن يقف بجواره ايضا والذي كان يمسك بكرة للقدم ويبتسم ابتسامة واسعة.. والى جوار مازن كانت تقف طفلة في السادسة من عمرها وتبتسم ببراءة .. واخيرا كمال الذي كان يعقد ذراعيه امام صدره ويبتسم..
ذكريات الطفولة هي الوحيدة القادرة على اخراج حسام من احزانه وخصوصا ذكرياته مع مها.. وابتسم حسام وهو يقلب الصفحات من جديد.. الى ان وجد صورة تجمعه هو ومها فقط..كان هو حينها في العاشرة من عمره.. يجلس على ركبتيه ويشير للصورة بأصبعه السبابة والوسطى علامة الانتصار.. وهو يلتفت التفاتة بسيطة برأسه الى مها التي كانت تقف خلفه وتبتسم بسعادة وهي تحيط رقبته بذراعيها من الخلف..
شعر حسام بالسعادة تغزو قلبه من ذكرى هذه الصورة التي كانت كالبلسم على جروحه وقد تمكنت ان تحول الضيق الذي كان يسكن قلبه منذ لحظات الى راحة.. واخذ يقلب الصفحات من جديد املا في ان يرى صورة تجمعه بمها و...
واحس بالقهر وهو يرى الصورة التي تجمعه بمها واحمد..كان حسام يقف على يسار الصورة واحمد على يمينها ومها تقف في المنتصف .. وكان حسام يضع كفه على كتف مها واحمد يكتفي بالنظر الى مها والابتسام لها.. ومها التي كانت تقف بينهما.. لا تكترث لهما وتبتسم للصورة..
اغلق حسام البوم الصور بضيق بعد ان لمح نظرات احمد لمها.. منذ الطفولة وهو يتطلع اليها بتلك النظرات .. تبا له..اتمنى ان ينتهي من حياتنا..اتمنى لو يغادر هذا العالم بأكمله..
اطرق حسام برأسه ودس كفيه بين خصلات شعره وهو يفكر بكل حنق والم فيما جرى بين مها واحمد ذلك اليوم .. وشعر بأطنان من الغضب والكره تتولد تجاه احمد في هذه اللحظة..وازاح كفيه عن رأسه وتتطلع اليهما..تمنى لو انه استطاع ان يخنق احمد بكفيه هاتين منذ ان رآه مع مها.. لكان الآن قد تخلص منه ومن شكوكه تجاهه و...
قاطع افكاره وحقده على احمد رنين هاتفه المحمول.. وضرب بقبضته سطح الطاولة بغضب قبل ان ينهض من خلفها ويتجه الى حيث هاتفه ويتطلع الى اسم المتصل الذي اخذ يضيء على شاشته .. استغرب اتصاله وان راوده الفضول لمعرفة سبب هذاالاتصال.. والقلق على مها وخصوصا وان المتصل هو اخاها ..
واجاب على الهاتف قائلا بلهجة قلقة لم تخفى على مازن: اهلا مازن..
قال مازن مبتسما: اهلا بك.. كيف حالك؟..
قال حسام بقلق: انا بخير.. ماذا عنكم جميعا؟..
قال مازن بخبث: جميعنا بخير وان كنت تعني شخص معين فأرجو ان تحدده حتى اخبرك بأحواله..
فهم حسام ما يقصده مازن وقال بهدوء: لست اعني احدا..
قال مازن وهو يهز كتفيه ويجلس على احد مقاعد الانتظار خارج غرفة والد ملاك: فليكن.. ولكن ان كنت تعني شخصا معينا فأخبرك منذ الآن بأنه متعب..
توتر جسد حسام وقال بخوف: لم؟.. ما بها؟..
قال مازن بخبث: من تحدث عن الفتيات الآن.. كنت سأخبرك عن نفسي..
قال حسام بقلق وخوف: مازن لا تكن سخيفا.. واخبرني ما بها؟ ..
قال مازن وهو يبتسم بمرح: انت ومها فقط من تصفاني بالسخافة ..
قال حسام في سرعة: لأنك حقا كذلك والآن اخبرني هل هي بخير ؟..
قال مازن بعد فترة صمت: بصراحة هذا يتوقف عليك..
قال حسام بحيرة: علي انا؟؟..
قال مازن بجدية هذه المرة: اجل عليك.. مها متعبة يا حسام.. لم اراها حزينة في حياتها كما هي الآن.. وكل هذا بسبب ما حدث بينكما..
قال حسام بدهشة : أأخبرتك بالامر؟..
قال مازن وهو يسند ظهره لمسند المقعد: اجل اخبرتني بكل ما جرى.. وان اردت الصدق فأنا اوافقها الرأي فليس من حقك ان تظلمها هكذا.. بمجرد رؤيتها وقد جلست مع احمد.. ولا تنسى انه ابن عمها ايضا مثل ما انت ابن خالها..
قال حسام بعصبية: انا لم انسى ولكن ليس من حقه ان ...
قاطعه مازن قائلا: انا لم انهي حديثي بعد يا حسام.. لا تكن عصبيا هكذا.. اسمعني جيدا..ليس معنى ان احمد كان يتحدث عن الحب والزواج امام مها ان تضع اللوم عليها .. انت بهذا تبرئ الظالم وتتهم المظلوم..
قال حسام في سرعة: من قال هذا؟.. ان احمد هو اساس كل ما حدث.. لكن لم ينبغي لمها ان تستمع اليه وتأتي للجلوس معه لوحدها في النادي..
قال مازن وهو يبتسم بزاوية فمه: حقا؟.. اهذا كل ما ازعجك في الموضوع.. حسنا دعني اوضح لك شيئا ربما قد غاب عن ذهنك.. فلو ان مها قد طلبت مني الذهاب معها الى النادي وقتها لما كنت قد وافقت.. وانت كذلك لم تكن لتقبل بهذا لو طلبت منك ذلك.. ستمنعها من الذهاب بالتأكيد .. ولا تكذب وتقول انك كنت ستوافق على مطلبها.. انا اعلم جيدا انك تبغض احمد.. لهذا ولكي تشيع فضولها وتعرف هذا الامر ذهبت وحدها..ولم تكن تتوقع انك ستشك بها لمجرد رؤيتك لها مع احمد..
قال حسام بغيرة وضيق: وامساكه لكفها.. ماذا تسميه؟ ..
قال مازن وهو يحك رأسه: يالك من طفل يا حسام.. الا تعرف التمييز ؟.. من كان يمسك بكف من؟.. لو كانت مها لقلت ان معك حق فيما تقوله ..ولكنه احمد هو الذي كان يمسك بكفها وعلى حين غفلة منها.. اخبرني.. ماذا كنت ستفعل لو اني ضربتك فجأة ؟.هل يمكنك منعي بعدما فعلت؟ .. ام انك ستغضب وتحاول ضربي فحسب..
ابتسم حسام وقال: واحطم اسنانك ايضا..
قال مازن بابتسامة واسعة: بما انك قد بدأت في المزاح فيبدوا انك قد تقبلت الامر اخيرا.. اسمعني.. غدا اريد ان اراك في النادي عند الساعة الرابعة بعد الظهر.. سنأتي جميعا.. وسأحضر مها معنا بالرغم منها.. الى اللقاء..
قال حسام معترضا: لكن يا مازن.. لن يمكنني...
انهى مازن المكالمة دون ان يسمع جوابه.. وابتسم بخبث .. هكذا سيضطر ان يحضر الى النادي دون أي معارضة..ومها سيجد طريقة ان يحضرها الى النادي بالرغم منها وتنتهي المشكلة ..
ومن ثم رفع ناظريه الى باب غرفة عمه وقال وهو يتنهد: لكن لا تزال هناك مشكلة اكبر من هذه بمئات المرات.. ويبدوا اني لن اجد الحل لها ابدا...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
في الوقت ذاته كانت ملاك تتطلع الى والدها الذي يغط في غيبوبة عميقة وغير عالم بكل ما يدور حوله..وتمسك بكفه بكل قوة وكأنها تخشى ان يختفي من امام ناظريها..كما اختفى من حياتها.. وضغطت على كفه لتقول بصوت اقرب الى الهمس: ابي لقد تزوجت.. تزوجت من مازن الذي احببته.. مازن الذي وجدت فيه كل الحنان والثقة التي كنت اراها فيك.. لقد تزوجت يا ابي.. ولكنك ... ولكنك لم تكن الى جواري .. لم...
بترت عبارتها وشعرت بغصة في حلقها واردفت ودموعها تترقرق في عينيها وبصوت يفطر اقسى القلوب: لم تحقق وعدك لي وتوصلني بنفسك الى زوجي.. لم تحقق وعدك لي وتبقى بجواري طوال الحفل.. لم تفي بوعدك وتحاول حتى المباركة لي.. لقد كنت وحيدة طوال الوقت.. حتى وان كان الجميع الى جواري.. لقد كنت بحاجة لك انت.. انت..
غطت فمها بكفها لتمنع شهقة كادت ان تفلت من بين شفتيها .. وقالت بصوت مختنق وهي تتطلع الى وجه والدها الحاني: لقد كنت اشعر بوجودك.. بأنك في معي في كل لحظة.. ولكني.. كنت في حاجة اليك..
وسالت دموعها علىوجنتيها وهي تردف: الى متى يا ابي؟.. انهض .. يكفي ارجوك.. لم اعد احتمل اكثر.. لقد كنت كل حياتي.. وبغيابك .. انتهت حياتي..انهض يا ابي .. اتوسل اليك.. فقط لحظة واحدة اقضيها معك وبعدها فالأمت ..
(ما هذا الكلام الذي تقولينه؟..)
التفتت ملاك في حدة الى مصدر الصوت .. وما ان سقطت عيناها على مازن حتى ازداد انهمار دموعها.. فقال مازن وهو يتطلع لها بتأثرويقترب منها وكفيه في جيبي بنطاله:ولم كل هذه الدموع؟..
تطلعت له ملاك وهي بالكاد تراه من بين دموعها.. وقالت وشفتاها ترتجفان: ابي.. انه لا يجيب علي..
قال مازن وهو يجلس الى جوارها ويبتسم ابتسامة مشفقة: سيجيبك ذات يوم.. صدقيني..ولن تكتفي بمجرد كلمات تقولينها له يومها.. ستحكين له كل ما حدث لك لأيام او ربما سنوات.. وسيمل هو منك ويطلب منك ان تصمتي عن الحديث اليه وتتحدثي الى زوجك البائس قليلا..
تطلعت اليه ملاك بحيرة.. في حين مد هو كفه ليمسح دموعها بأنامله ويقول بحنان: فقط لا تبكي..ولا تحزني..وليكن في قلبك بعض الامل بأن والدك سيشفى..
لمساته لوجنة ملاك كانت اشبه بالكهرباء التي جعلت ارتجافة جسدها تبدوا واضحة له.. وقال وهو يبعد كفه مستغربا: ماذا بك؟..
لم تجب ملاك بحرف واحد ولم تعد قادرة على النطق واكتفت بالالتفات عنه لتخفي احراجها والتطلع الى والدها بكل حب ..فقال مازن في تلك اللحظة وهو يقترب من ملاك ويهمس لها: ملاك.. عزيزتي.. ما رأيك ان نغادر الآن؟.. اشعر بأنك تتألمين بوجودك معه..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت بابتسامة شاحبة: على العكس .. انا لا ارتاح الا عندما ابقى الى جواره واتطلع اليه ..
ربت مازن على كتفها وظل صامتا بعدها وهو يشعر بالغرابة من هذه المشاعر القوية التي تحملها ملاك تجاه والدها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت ندى الى نفسها في مرآة الغرفة للمرة العاشرة..وتمايلت بجسدها يمنة ويسرة.. وهي تبتسم بكل غرور ودلال.. وقالت بغرور: الكل يعترف باني فاتنة.. والكثيرين من الشباب جروا خلفي من اجل اشارة واحدة مني.. واغلبهم قد جاءوا لخطبتي بعدها.. لكني قد رفضتهم جميعا ..رفضتهم من اجل مازن ..
ولمعت عيناها ببريق الحقد وهي تردف: مازن الذي تركني انا ندى ..وتزوج تلك العاجزة الساذجة.. لا اعلم ما الذي يعجبه في حمقاء مثلها؟.. تفكيرها اقرب الى الاطفال.. وايضا تعجز عن السير على قدميها كباقي البشر.. كيف ستتمكن حتى من احضار كأس من الماء له مستقبلا؟ ..بالتأكيد قد خدعته بأمر ما.. او اثارت شفقته تجاهها.. فمن المستحيل ان يقبل مازن بعاجزة مثلها..
واستطردت بابتسامة ماكرة: لكن انتظري قليلا فقط يا ملاك.. وسأجعلك تخلعين خاتم الخطوبة من يدك قريبا جدا.. واجعل مازن يضع الخاتم في اصبعي امام عينيك.. وستبكين حينها بدموع من دم.. نتيجة لتطاولك على ما ليس لك..فقط انتظري وستعرفين من هي ندى..
وضحكت ضحكة ساخرة وهي تقول: لم تري بعد شيئا يا ايتها الساذجة.. سأعيد الدين لك.. فكما صرخ مازن في وجهي ذلك اليوم من اجلك.. سأجعله هذه المرة يصرخ في وجهك من اجلي وانا زوجته.. والفتاة التي تستحقه..
وازدادت ضحكاتها سخرية.. وهي تفكر في خطتها التي رسمتها لابعاد مازن عن ملاك بكل قسوة وبلا اية رحمة ...
الجزء الثلاثون
"حاجز"
ابتسم مازن وهو يتطلع الى ملاك التي تبدو معالم الارتباك واضحة على وجهها وهي تجلس في مواجهته خلف احدى الطاولات بمطعم المأكولات البحرية..ونظراتها التي لا تلبث ان تتحرك يمينا ويسارا وكانهما تحاولان ان تستقران على أي شيء لتخفيا الارتباك المسيطر على ملاك..
وقال اخيرا وهو يسند ذنه الى قبضته: ملاك.. ماذا بك؟..لم تبدين مرتبكة هكذا ؟..وكأنك قد سرقت شيء ما ..
قالت ملاك بارتباك وتوتر: لم اسرق شيئا..
ضحك مازن بمرح وقال: اعلم.. ولكني اعني لم انت مرتبكة هكذا؟.. ماذا فعلت حتى ترتبك؟..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها وتتلفت حولها: لست معتادة على الجلوس في اماكن عامة.. والجميع ينظر الي بهذه الطريقة..
هز مازن رأسه نفيا ومن ثم قال بابتسامة: لا احد ينظر لك.. انت تظنين ذلك لانك تنظرين اليهم.. فبالتالي هم يتساءلون مثلك عمن ينظر اليهم..
واردف وهو يحرك اصابعه على الطاولة: دعينا من هذا الآن ..واخبريني ماذا تريدين ان تتناولي على الغداء؟..
قالت ملاك بخجل وهي تهز كتفيها: لست اعرف.. اختر لي انت..
قال مازن مبتسما: حسنا وماذا عن العصير.. ماذا تفضلين؟..
رفعت عيناها اليه وقالت بابتسامة تحمل بعض المرح: عصير البرتقال..
تطلع لها مازن بدهشة ومن ثم لم يلبث ان ضحك بمرح وقال: يبدوا اني قد نقلت العدوى اليك.. أأصبحت انت الأخرى تفضلين عصير البرتقال؟..
اطرقت ملاك برأسها بخجل واكتفت بأن اومأت برأسها.. اما مازن فقد التفت لنداء النادل.. وطلب منه احضار وجبتي غداء وعصيرين من البرتقال..ومن ثم عاد ليلتفت الى ملاك وقال بابتسامة رقيقة: اتعلمين انك تبدين رائعة اليوم؟..
تحاشت ملاك نظراته وهي تشعر بالحرارة تسري في جسدها بأكمله من شدة الخجل..في حين استغل مازن عدم انتباهها له وامسك بكفها ليهمس قائلا: ووجودك معي يجعلني انسى أي شيء آخر في لعالم..ملاك انت...
كانت ملاك تتطلع بنظرات خجلة ومرتبكة وقلبها ينبض في سرعة.. وارتجافة كفها تبدوا واضحة للعيان.. لكن قطع هذه اللحظة التي لا تعوض رنين الهاتف الذي جعل مازن يتوقف عن تأمله لملاك..ويبعد عينيه عنها ليخرج هاتفه من جيبه ويتطلع الى المتصل باستغراب.. قبل ان يجيبه قائلا: اهلا ندى.. ما الامر؟..
"ندى".. اسم اشعل الغيرة في قلب ملاك.. وجعل الخجل الذي كان يرتسم على وجها منذ لحظات يتحول الى ضيق وحنق.. وانصتت الى كل كلمة سيقولها مازن الى ندى .. ندى التي تشعر بأنها غريمتها على مازن.. دون ان تعلم ان ندى هي ليست سوى واحدة من عشرات الفتيات اللاتي يتنافسن على مازن..
وسمعت مازن يقول في تلك اللحظة: بخير .. وانت؟..
قالت ندى برقة حاولت ان تجذب بها مازن: بصراحة انا متضايقة منك..
رفع مازن حاجبيه وقال متسائلا: ولم؟..
كانت ملاك تتطلع له بغيرة وضيق.. كانت تريد ان تطلب منه ان يغلق الهاتف ويمتنع عن محادثة ندى.. وجالت برأسها امنية ان تأخذ الهاتف من يده وتصرخ في وجه ندى قائلة: ( مازن هو زوجي.. لا شأن لك به).. لكن كل هذا كان مجرد افكار في رأس ملاك لم تحقق منها شيئا وهي تراقب مازن يتحدث الى ندى .. وتشعر بقلبها ينقبض اكثر واكثر..
واجابت ندى في تلك اللحظة: لانك قد اقمت حفل عقد قرانك ولم تدعني اليه..
قال مازن بابتسامة وهو يحك ذقنه: اظن ان والدي قد قام بدعوة والدك وابناءه جميعا.. وانتم اللذين لم تحضروا أوتباركوا لي حتى..
ارتبكت ندى بالرغم منها ووضح ذلك في لهجتها وهي تقول: كنت افكر بالقدوم ولكن لم يسعني الوقت .. لان والدك قد قام بدعوتنا في يوم عقد قرانك .. ولم اجد الوقت الكافي لأكون جاهزة فيه للحفل..
واردفت في سرعة حتى تغير دفة الحديث: لم تخبرني.. متى ستأتي الى النادي؟..
قال مازن وهو يتطلع الى ملاك ويبتسم لها.. في حين ملاك تتطلع له بضيق وعبوس: غدا.. لم؟..
قالت ندى بدلال: اريدك ان تكمل تدريباتك معي في تعلم ركوب الخيل..
ابتسم مازن بمرح عندما شاهد عبوس ملاك.. والتقط قلما من جيب سترته وكتب على ورقة بها اعلان عن المطعم كانت موجودة على الطاولة..(ابتسمي.. فوجهك يبدو غريبا بعبوسك هذا)
واراها لملاك.. قبل ان يجيب على ندى قائلا دون ان ينتبه لما قالته: حسنا.. حسنا..
تطلعت ملاك الى الورقة وابتسمت بالرغم منها وخطت له اسفل عبارته.. ( ووجهك يبدوا غريبا ايضا وانت تحادث شخصين في وقت واحد)..
جذب مازن الورقة من امامها في سرعة ما ان انتهت من الكتابة .. وما ان قرأها حتى ضحك بمرح.. وندى التي لاتزال موجودة على الخط قالت باستغراب شديد: مازن.. ما الذي يضحكك؟..
قال مازن في سرعة: حادثيني في وقت لاحق يا ندى .. انا منشغل الآن..الى اللقاء..
قالها وانهى المكالمة.. اما ندى فقد كانت تغلي من الغضب .. لم يكن منتبها لما قالته.. واغلق الهاتف دون ان يهتم بها حتى .. وتلك الموسيقى الهادئة.. انا متأكدة انه كان في مطعم ما.. وربما مع تلك الساذجة.. تبا لها.. لم يكن مازن يعاملني بهذه الطريقة ابدا في حياته.. الا عندما دخلت هي في حياتنا.. ولكن لن يطول هذا كثيرا وستندمين يا ملاك.. ستندمين...
وعلى الطرف الآخر.. كانت ملاك تطرق برأسها في خجل.. في حين مد مازن كفه بجرأة ليرفع ذقنها بانامله ويقول بحنان: لم تخفين كل هذا الجمال عني؟.. ارفعي رأسك.. ودعيني اتطلع اليك..
ملاك التي شعرت ان قلبها سيتوقف عن النبض من خجلها وسعادتها بكلمات مازن لها.. وقالت بصوت اقرب الى الهمس: دعنا نعد الى المنزل..
قال مازن وهو يتطلع اليها بعتاب: لم؟.. هل مللت مني؟..
اسرعت ملاك تقول: لا.. ولكن.. لقد انتهينا من تناول الطعام.. فما الذي يبقينا هنا لوقت اطول؟..
قال مازن باستخفاف وهو يعقد ذراعيه امام صدره: حقا؟.. هل جئت الى هنا من اجل الطعام فقط؟.. في المرة القادمة اذا ذكريني بأن اطلب لنا الغداء بالهاتف فحسب.. فحينها سأستطيع الحديث اليك في المنزل على الاقل..
قالت ملاك بارتباك وتوتر: مازن.. الانظار جميعها علي.. اشعر بأني مراقبة.. صدقني هذا ليس بيدي.. وانت ايضا...
بترت عبارتها بارتباك.. فقال مازن متسائلا وهو يحثها على مواصلة الحديث: انا ماذا؟..
قالت ملاك بخجل شديد.. ووجنتيها قد توردتا بحرج: وانت ايضا .. نظراتك لي تجعلني ارتبك.. وغير قادرة على فعل شيء ..
ابتسم مازن بخبث.. وتعمد وضع كفه اسفل ذقنه ليتطلع اليها قائلا وهو يحاصرها بنظراته: هكذا؟..
لم تجد ملاك امامها من مفر امام نظراته التي تلتهمها.. سوى ان تشيح بوجهها بعيدا بتوتر..في حين قال مازن مبتسما وهو يدير وجهها اليه: ملاك.. استمعي الي.. انت الآن زوجتي.. لا ارى أي داع لكل هذا الخوف الذي اراه في عينيك.. وكل هذا التوتر الذي المحه في حركاتك.. وكأنك جالسة مع شخص ما لا تعرفينه ولأول مرة..
لم تستطع ملاك النطق بحرف واحد.. ولما طال صمتها امتدت يد مازن لتضغط على كفها بحنان.. وارتفعت نظرات ملاك في تلك اللحظة لتلتقي بنظرات مازن.. في هذه المرة لم تكن ملاك هي التي تشعر بتوترها من هذه النظرات.. مازن ايضا قد شعر هذه المرة بتوتر وشعور غريب بدأ يتسلل الى اعماقه.. واسرع ينتزع نفسه من هذا الشعور.. ليلتفت الى النادل ويطلب منه احضار فاتورة الطعام.. وعاد مازن ليلتفت الى ملاك والتوتر قد طغى على ملامحه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
غرق حسام في تفكير عميق وهو يجلس خلف طاولة دراسته.. ودون ان يقرأ سطرا واحد من الكتاب المفتوح امامه..كان تفكيره منشغل في امر آخر تماما وهو يتطلع الى ساعة يده بين الحين والآخر.. وزفر بضيق وهو يرى ان الساعة لاتزال الثالثة والنصف وان الوقت يمضي ببطء شديد..
وعاد بذهنه الى الامس..حين طلب منه مازن القدوم الى النادي قائلا: ( اسمعني.. غدا اريد ان اراك في النادي عند الساعة الرابعة بعد الظهر.. سنأتي جميعا.. وسأحضر مها معنا بالرغم منها.. الى اللقاء)..
ودون ان يترك له مازن أي مجال للتراجع انهى المكالمة.. والآن عليه ان يحسم امره ويقرر اما ذهابه الى النادي ومقابلة مها.. دون ان يعرف عواقب هذا اللقاء..او عما سينتج عنه لقاءه بمها بعد ما حدث بينهما.. واما ان يبقى في المنزل دون ان يكترث بهذا اللقاء او بــ...
لكنه حقا قد اشتاق اليها.. يريد ان يراها.. يتحدث اليها.. وكما قال مازن ما ذنبها لكي يحملها نتائج افعال احمد..عليه ان يغفر لها بدلا من ان يتهمها.. لو كان يحبها بصدق لما ترك الغيرة تعمي بصيرته وتجرفه الى طريق الشك..لو كان يحبها فعلا لسامحها وحاول ان يتفهم موقفها.. بدلا من ان يبتعد عنها ويعذب نفسه ويعذبها..
حسم امره ونهض من خلف طاولته وشاهد عقارب الساعة تشير الى الثالثة وثلاثة واربعون دقيقة تقريبا..اسرع يلتقط مفاتيح سيارته ويغادر غرفته ومن ثم يهبط الى الطابق الارضي.. وقبل ان يغادر استوقفه صوت والدته وهي تقول بحيرة: حسام.. الى اين؟.. الم تقل ان لديك امتحان في الغد؟..
قال حسام وهو يفتح الباب الرئيسي: هناك امر اهم من هذا الامتحان علي النجاح فيه.. لن اتأخر..
قالها وغادر المنزل.. واسرع ينطلق بسيارته وطيف مها يلاحقه كلما شرد بذهنه قليلا.. ووصل إلى النادي في غضون عشر دقائق تقريبا..كان يأمل انهم قد وصلوا قبل الموعد.. لهذا اخذ يتجول بين ارجاء النادي وهو يضع يديه في جيبي سترته كوسيلة لتدفئة نفسه من هذه الرياح التي اخذت تشتد برودة مع مرور الايام.. وتطلع الى السماء بابتسامة وهو يراها ملبدة بالغيوم.. فقريبا ستهطل الامطار و...
( اتعرفن ما الذي حدث؟.. )
استيقظ حسام من شروده على صوت تلك الفتاة الذي كان عاليا بعض الشيء..وقد تجمع حولها عدد كبير من الفتيات وهي تكمل قائلة: لن تصدقوا.. مازن امجد قد تزوج مساء اول امس..
بدهشة وبصوت واحدتقريبا هتفت جميع الفتيات باستنكار وعدم تصديق: ماذا؟؟..
قالت الفتاة وهي تكمل بصوت عالي: اقسم لكّن هذا ما حدث.. وها هي ذي بطاقة حفل عقد قرانه..
قالتها وقربتها من احد الفتيات لتلتقطها هذه الاخيرة وتتطلع اليها بصدمة ومن ثم تلتقطها اخرى وتقرأها بضبق.. واستمر الامر لعدة دقائق حتى قالت احدى الفتيات: ربما يكون الامر مجرد حيلة او...
ابتسم حسام وهو يهز رأسه ويفكر فيما سيحدث لمازن لو جاء الى النادي اليوم.. افضل شيء يفعله الآن هو ان ينصح مازن بالهروب!..
ومضى في طريقه دون ان يستمع الى تلك الفتاة التي كانت تقف بالمنتصف وتقول وهي تهز رأسها نفيا: ابدا ليست حيلة.. لقد حصلت على هذه البطاقة من ابنة عمه ندى.. تقول انه قد تزوج من تلك المدعوة ملاك لانها ابنة عمه.. وعاجزة كذلك.. فاشفق على حالها وقرر الزواج بها.. خصوصا ان والدها الآن في غيبوبة ولم يعد لها احد.. وسينفصل عنها بعد فترة من الوقت فحسب..
تبادلت عدد من الفتيات نظرات الاعجاب الذي يحملنه لمازن وقالت احداهن: طوال حياته كان مازن مثال للرجل الشهم ..
وقالت اخرى بغيرة: لكن هذا يعني انه سيبقى مع خطيبته طوال تلك الفترة..
قالت ثالثة بعد تفكير: لا بأس.. يمكننا ان نضايق خطيبته قليلا..حتى تتركه وشأنه اذا جاء الى النادي.. وبالتالي نستطيع ان نأخذ حريتنا معه حينها..
ابتسمت رشا بمكر التي كانت تقف بينهن والغيرة تنهش صدرها وتولد الحقد في اعماقها على ملاك.. وقالت: دعوا هذا الامر لي.. سأضايقها بطريقتي الخاصة..
حنان التي كانت تقف خلف هذا الجمع من الفتيات.. هزت رأسها باستخفاف وسخرية وقالت متحدثة الى نفسها: (الحمقاوات.. يعتقدن ان مازن لو ترك ابنة عمه سيفكر فيهن.. مازن لا يعرف الحب ..لا يعرف معنى ان يتزوج الانسان الا لمصلحة ما.. لو فكر ان يتزوج فربما يختار ندى ابنة عمه.. هي الوحيدة التي ستحقق له مصالحه بشركات والدها .. اما نحن فمجرد وسيلة لتسلية مازن..لن يفكر في احدانا ابدا لاننا جميعنا حمقاوات.. لن ندرك اننا وسيلة من اجل تسلية مازن امجد الا متأخرا)..
وعند اطراف النادي.. وعلى وجه الخصوص عند البوابة الرئسية كان حسام يراقب كل من يدخل الى النادي من زاوية معينة تسمح له برؤية أي شخص ولكن تمنع هذا الاخير من رؤية حسام ..حسام الذي شعر بالملل من كل الوقت الذي قضاه في البحث عن مازن او مها .. وادرك اخيرا عدم وجود هذين الاخيرين في النادي.. وقرر انتظارهم في هذا المكان ..
وللمرة المائة راقب ساعة يده التي اشارت الى الرابعة والربع.. وزفر بحدة وهو يستند الى جدار احد المباني بالنادي.. ويهز رجله بتوتر..
والتفت مرة اخرى ليراقب بوابة النادي.. وخفق قلبه بألم وحنان وهو يرى مها تدخل الى النادي بملامح حزينة .. ونظرة كسيرة وكأنها لا تريد ان تكون موجودة في هذا المكان الذي فرقها عن حسام..
والتفت لها مازن في تلك اللحظة ليقول وهو يتطلع اليها: ما بك اليوم؟..
قالت مها بصوت مختنق وهي تدفع مقعد ملاك: اخبرتك اني لا اريد القدوم الى النادي..فلم اصررت على قدومي..
غمز مازن بعينه وقال بابتسامة: لان لدي مفاجأة لك ..وستعجبك ..
قالت مها وهي تهتف بصوت منفعل: لا اريد ان ارى حسام.. لا اريد..اتفهم..
ارتفع حاجبا مازن بدهشة من اداركها لكل ما يخطط له.. وهم بقول شيء ما.. لولا ان قاطعته اشارة من كف حسام الذي لم تكن مها منتبهة له وهي تطرق برأسها في الم.. وقال هو بهدوء: ولم لا تريدين رؤيتي؟..
رفعت مها رأسها بذهول.. واتسعت عيناها وهي تتطلع الى حسام.. فلم تكن تتوقع ان يكون قد سمعها.. واسرعت تنتشل نفسها من ذهولها لتشيح بوجهها عنه بعيدا.. في حين اقترب حسام من مازن وهمس له: انصحك بالهروب من النادي.. فجميع الفتيات قد علموا بزواجك..
رفع مازن حاجبيه وقال باستخفاف: وما المشكلة؟..
قال حسام بمرح: اسرع بالخروج سليما الآن .. افضل من الخروج فيما بعد وجسدك مليء بالاصابات..
ابتسم مازن باستخفاف واقترب من مها ليمسك بمقبضي مقعد ملاك ويدفعه ومن ثم قال: سأذهب انا وملاك لكافتيريا النادي.. ارجو ان لا يزعجنا احد بوجوده معنا..
تطلعت ملاك باستغراب الى مازن الذي غمز لها بعينه ومن ثم التفت الى مها وحسام ليجعلها تدرك انه قد تعمد ذلك حتى يترك لهما المجال للحديث.. وابتسمت ملاك عندما فهمت الامر واخذت تداعب قلادتيها اللتان من اغلى شخصين لديها في هذا العالم واللتان لا تكادان تفارقانها ابدا..
اما مها فقد اسرعت في خطواتها وهي تهتف بمازن قائلة: مازن .. انتظر..
وما ان رآها حسام تكاد تبتعد حتى اسرع يقف في مواجهتها ليمنعها من مواصلة طريقها..فقالت مها وهي ترفع رأسها له بكبرياء: ابتعد عن طريقي..
قال حسام بابتسامة وهو يعقد ساعديه امام صدره: واذا لم افعل؟..
قالت مها بحدة وهي تلوح بكفها :سأنادي لك الامن..واتهمك بمحاولة التعرض لي ومغازلتي..
قال حسام بحزن مصطنع:و الن يهمك امري لو طردت من النادي وتعرضت للتهزيء بسببك؟..
قالت مها بخشونة: لا.. ونحن متعادلان في هذا..
قال حسام بحيرة: ماذا تعنين؟..
قالت مها وهي تحاول ان تبدوا قوية امامه ولا تضعف: امري لا يهمك كما اخبرتني سابقا.. وبالتالي امرك لا يهمني ايضا..
قال حسام وهو يهز رأسه ويبتسم لها: لا اصدقك..
قالت مها بحدة: هذا شأنك وحدك.. ابتعد الآن عن طريقي..
قالتها وهي تحاول ان تزيحه عن طريقه وتبعد بكفها.. فامسك حسام بكفها بغتة وقال بحنان: مها..
حاولت مها جذب كفها من يده وهي تقول بصوت مختنق: ارجوك دعني ياحسام.. يكفي ما جرى لي بسببك.. يكفي تجريحك لي.. ويكفي اذلالي لكرامتي لأجلك.. الم تكتفي؟.. ام هناك اتهام آخر تريد ان توجهه لي؟..
قال حسام بندم: انا آسف يا مها.. حقا آسف.. لقد اتصل بي بالامس مازن وشرح لي الامر .. وحينها فهمت ان احمد لاشيء في حياتك .. لقد اعمتني الغيرة وجعلت الشك يسيطر على ذهني ..
واردف بصوت حالم: مها لقد اشتقت اليك.. اشتقت لرؤيتك .. اشتقت لسماع صوتك واحاديثك.. اشتقت لرقتك ومشاكستك.. مها سامحيني على اتهاماتي لك..
جذبت مها كفها من يده وغصة تملأ حلقها وبقلب مجروح تحدثت قائلة: الآن جئت لتعتذر.. بعد كل الاتهامات التي وجهتها لي.. بعد ان علمت بالحقيقة جئت لتعتذر.. ولكن الثقة في من تحب معدومة لديك.. عليك ان تفهم يا حسام.. انك اذا لم تثق في من تحب.. فلن تثق بأحد ابدا في حياتك..
اسرع حسام يقول: صدقيني يا مها.. انها الغيرة ليس الا.. انا اثق بك.. والا لما طلبت منك ان نبدأ من جديد..
قالت مها بعنين عاتبتين: بهذه البساطة؟..نبدأ من جديد .. حتى تتهمني من جديد.. واتعذب مرة اخرى.. لا يا حسام..لن يمكنني ان احتمل ذات العذاب مرتين..
زفر حسام بحدةوحاول ان يسيطر اعصابه وهو يقول: واتريدين ان تنهي كل ما بيننا بهذه السهولة؟..
قالت مها وهي تتطلع اليه بنظرات اتهام: انت من انهيته..
واردفت بغيرة: ثم يمكنك ان تبدأ حياتك من جديد مع سواي..
تراقص شبح ابتسامة على شفتي حسام وهو يسمع رنة الغيرة في صوتها.. فقال بابتسامة واسعة: ان كنت تعنين تلك الفتاة التي رأيتها معي في الحفل.. فهي مناسبة فعلا..
تطاير الشرر من عيني مها.. وصرخت في وجهه قائلة: ابتعد عن طريقي الآن..
ضحك حسام بمرح وقال بخبث: ماذا؟.. هل تشعرين بالغيرة؟.. الم تقولي اني لا اهمك؟..
ارتبكت مها لوهلة ومن ثم قالت وهي تشيح بوجهها بعيدا: ولهذا لا اريد ان اكون معك.. ابتعد عن طريقي الآن..
تجرأ حسام ليضع كفه على كتفها ويضغط عليه بحنان قائلا: الفتاة التي رأيتها في الحفل معي هي شقيقة لاحد اصدقائي.. ذهبت اليها لاطلب منها ان تنقل رسالة اليه.. اقسم لك..
قالت مها بتردد: وضحكاتكم المشتركة ..ماذا تسميها؟..
قال بابتسامة: لقد سألتها عن سبب عدم مجيء شقيقها .. فقالت لي انه كان متعبا قليلا.. فقلت لها بعدها انه لو علم بوجود كل هذا الطعام في الحفل لأسرع بالحضور ونسى أي تعب..هذا ما جرى .. صدقيني يا مها..
اطرقت مها برأسها .. فقال حسام برجاء: الن تسامحيني يا مها؟..
رفعت مها رأسها اليه وقالت بنظرات مرتبكة: هل نصف القلب معك؟..
رقص قلب حسام من الفرح وقال بابتسامة واسعة وسعيدة: بالتأكيد.. وهل يمكن له ان يفارقني؟..
واسرع يجذبها من كفها ليقول مردفا بسعادة: تعالي معي..
قالت مها بدهشة: الى اين؟..
غمز بعينه قائلا: سأخبرك.. ولكن اياك وان تخبري مازن..
تطلعت له مها بدهشة وان تركت له الحرية في ان يقودها الى حيث يريد.. وعادت الابتسامة لتنير وجهها.. الابتسامة التي فارقتها بفراق حسام.. وعادت اليها بعودته..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
داعبت الرياح خصلات شعر ملاك .. وشعرت بالسعادة وهي ترى الشمس تتوارى خلف الغيوم وهمست قائلة: ستمطر..
مازن الذي كان يتطلع اليها .. قال متسائلا: وكيف عرفت؟..
اشارت بعينيها الى السماء وقالت: انظر بنفسك..
رفع عينيه الى السماء ومن ثم قال بابتسامة سخرية: صحيح.. نسيت انك تفهمين لغة الطبيعة..
قالت ملاك دون ان تهتم بسخريته: آخر مرة كنت اجلس تحت قطرات المطر مع ابي.. وكان يقول لي ان مجرد قطرات كهذه قد تحول صحراء جرداء الى بستان اخضر..
قال مازن مبتسما: وقد تكون سببا لاصابتك بالزكام كذلك..
ابتسمت ملاك لدعابته وقالت بمرح: ولكن مع هذا افضل الجلوس تحت المطر..
قال مازن متسائلا:ملاك.. هل لي بسؤال؟..
اجابته ملاك بابتسامة: بكل تأكيد..
كانت عينا مازن على القلادة التي ترتديها وقال وهو يلتقط نفسا عميقا: لقد سألتك ذات مرة عن القلادة التي ترتدينها .. اتذكرين؟ ..
قالت ملاك وهي تمسك القلادة التي تحمل شكل القلب وقالت وعيناها تحملان نظرة شاردة : اتعني هذه؟..
اجابها مازن قائلا: اجل هي.. اخبريني من...
(مازن.. انت هنا وانا ابحث عنك..)
التفت مازن الى مصدر الصوت وكذلك فعلت ملاك.. وتطلعت بضيق الى تلك الفتاة التي كانت ذات قوام متناسق .. وترتدي فستانا يصل الى ما اسفل ركبتها بقليل.. وشعرها الاشقر الطويل اخذت تداعبه بأناملها بكل دلال..
واحست ملاك بالقلق من هذه الفتاة والتي كانت تضاهي بجمالها ندى.. واخذت تقارن بين نفسها وبين هذه الفتاة.. ورأت ان الفتاة قد انتصرت عليها بجمالها .. وكورت قبضتيها بغيظ وهي تحاول ان تتمالك نفسها.. وتحاول ان تخفي غيرتها من وجود هذه الفتاة مع مازن..
اما هذا الاخير فقد قال بهدوء: اهلا رشا.. ماذا كنت تريدين؟..
رفعت ملاك رأسها الى تلك الفتاة وقد شلت الصدمة اطرافها.. اذا هذه هي رشا.. رشا التي قال انها احدى معجباته بالنادي وحسب.. ولم تعد قادرة سوى التطلع الى تلك الفتاة بنظرات مملوءة بالغيرة..
ورشا التي فهمت هذه النظرات قالت بصوت يمتلأ دلالا وغرورا: لقد كنت ابحث عنك حتى ابارك لك.. فقد علمت مؤخرا انك قد تزوجت..
قال مازن بابتسامة: اشكرك.. والعقبى لك..
التفتت رشا الى ملاك وقالت باشفاق مصطنع: ولكني قد سمعت ايضا ان زوجتك فتاة عاجزة .. فهل هذا صحيح؟..
"اتقنت اصابة الهدف يا رشا.. وبكل جدارة".. عبارة دارت بذهن ملاك وهي تطرق برأسها في حزن ومرارة .. وعيناها تكادان تفضحانها بتلك الدموع التي ترقرقتا بها..اما مازن فعلى الرغم من دهشته من جرأة رشا: حسنا.. وما المشكلة؟.. انها ابنة عمي قبل كل شيء.. وانا اراها فتاة رائعة بكل صفاتها..
اغتاظت رشا من رده وقالت وهي تزيد الجرعة على ملاك: ولقد سمعت ايضا ان زواجك بها ليس سوى اشفاقا منك.. لانها وحيدة وليس لها احد و...
قاطعها مازن بعصبية وهو ينهض من مكانه: يكفي يا رشا .. امضي في طريقك.. قبل ان تندمي على كلماتك..
ارتفع حاجبا رشا وقالت بدهشة مصطنعة: عذرا لكن هذا ما سمعته فحسب.. وقد اخبرتك به..
قال مازن وهو يشير لها بيده بغضب: ابتعدي يا رشا.. لا اريد ان اسمع كلمة اخرى منك..
مضت رشا في طريقها وهي تبتسم بانتصار لملاك.. ملاك التي تجمعت الدموع في عينيها واخذت تتساقط على قبضتيها.. وصوت شهقاتها كان مسموعا مازن.. وتطلع اليها هذا الاخير باشفاق.. واتجه نحوها ليقول بابتسامة باهتة: ملاك..
ازداد نحيب ملاك وهي تستمع الى صوته وقالت بصوت متحشرج ومن بين شهقاتها: اريد ان اعود الى المنزل.. لا اريد ان آتي الى هنا مرة اخرى..
هبط مازن الى مستواها وقال وهو يربت على كتفها: ملاك.. دعك منها.. ولا تهتمي لما قالته.. صدقيني جميع الفتيات يشعرن بالغيرة منك لانك زوجتي.. ويردن مضايقتك بشتى السبل..
قالت ملاك وهي ترفع رأسها له وتتطلع اليه بعينين دامعتين: احقا تزوجتني شفقة بي فحسب؟؟!..
قال مازن وهو يشعر بغصة في حلقه: ابدا.. واياك والاستماع لكلام أي فتاة هنا.. اهدئي ارجوك.. وكفي عن البكاء ..
قالت ملاك برجاء: فلنغادر.. لا اريد البقاء هنا.. ارجوك ..
صمت مازن قليلا ومن ثم قال: واتتركين لها المجال لتنتصر عليك بكلماتها؟.. استمعي الي.. ما رأيك ان نغيظها؟..
ومسح دموعها وهو يقول بحنان: يكفي بكاءا .. واخبريني هل تريدين ركوب الخيل مرة اخرى؟..
لم تجبه ملاك .. وعضت على شفتيها بألم.. فقال مازن وهو يمسك بذقنها: لم تجيبيني.. أتريدين ركوب الخيل مرة اخرى ام لا؟ ..
قالت ملاك بصوت مختنق: بلى ولكن ليس اليوم.. اريد...
قاطعها مازن قائلا برجاء: لأجلي.. استمتعي بيومك ولا تدعي أي شخص يضايقك بكلماته..
وجدت ملاك نفسها تومئ برأسها.. فابتسم مازن وقال وهو يتجه خلف مقعدها ويدفعها: هذه هي ملاك التي اعرفها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت مها باستغراب الى حسام الذي انطلق بسيارته بين الشوارع وقالت بدهشة: حسام.. الى اين نذهب؟..
قال حسام وهو يلتفت لها ويضحك بسعادة: اتصدقينني ان قلت لك اني لا اعرف؟..كل ما اعرفه الآن اني سعيد.. سعيد واريد ان احلق في السماء..
شهقت مها فجأة فقال حسام بخوف: مها .. ماذا بك؟..
قالت مها بقلق مصطنع: لو حلقت في السماء ..من سيقود السيارة ويعود بي الى المنزل..
قال حسام بابتسامة مرحة: ارعبتني.. ولكن لا تخافي.. سأوصلك الى منزلك جوا..
ولم يلبث ان سمع رنين هاتفه المحمول فقال بضيق: من هذا المزعج الذي يتصل في وقت كهذا؟..
واخرج الهاتف المحمول من جيبه ومن ثم تطلع الى اسم المتصل والتفت الى مها قائلا بقلق مصطنع: انه شقيقك .. ماذا نفعل؟..
ابتسمت مها وقالت وهي تهز كتفيها: لا شأن لي.. انه اقتراحك وانت من ارغمتني على تنفيذه..
قال حسام بضيق مصطنع: هكذا يا مها.. منذ اول موقف تتخلين عني..
لم يعلم حسام ان عبارته هذه قد لمست وترا حساسا لدى مها وقالت وهي تلتفت له بألم:لست انا وحدي التي تتخلى عمن تحب في اول موقف يا حسام ..
قال حسام في سرعة وهو يحاول تبرير موقفه: لم اكن اقصد يا مها.. كنت امزح فحسب..
قالت مها وهي تصطنع اللامبالاة: اعلم.. اجب على الهاتف الآن قبل ان يتوقف رنينه..
اجاب حسام على الهاتف بعد ان القى عليها نظرة اخيرة وقال وهو يحاول ان يضفي على صوته المرح: اهلا مازن.. الم تطلب ان لا يزعجك احد؟.. فلم تزعجنا الآن باتصالك؟..
قال مازن بابتسامة: هيي انتما.. الى اين هربتما؟.. لقد سمحت لك بالحديث اليها.. لا الخروج معها..
قال حسام مبتسما: اريد ان اتحدث معها في الهواء الطلق..
قال مازن بسخرية: اظن ان الهواء ذاته موجود بالنادي.. هيا عودا بسرعة.. والا جعلتها المرة الاخيرة التي تتحدث فيها الى مها..
قال حسام بسخرية بدوره: ولم انت تتحدث الى ملاك الآن بكل حرية اذا؟..
- لانها زوجتي ..ام ان رؤية مها جعلتك تنسى انك قد جئت لحفل عقد القران قبل يومين؟..
قال حسام بخبث: وماذا عن قبل ان يتم عقد القران؟.. ام انك تحرم علي ما تحلله لنفسك؟..
قال مازن بابتسامة واسعة: لانها ابنة عمي وخطيبتي..
قال حسام مقلدا لهجته: ومها ايضا ابنة عمتي وخطيبتي..
قال مازن وهو يرفع حاجبيه بسخرية: منذ متى؟.. لم أرك قد اتيت الى منزلنا لخطبتها..
قال حسام وهو يختلس النظرات الى مها: ها انذا اخطبها منك..
توردت وجنتي مها بخجل واشاحت بوجهها بعيدا.. في حين قال مازن باستهزاء: كفاك احلاما .. ان اردت خطبتها فعلا.. فتعال اخطبتها من والدي.. اما الآن فعودا الى النادي..
قال حسام بضيق: لا تكن سخيفا .. وتفسد علينا فرحتنا..
قال مازن بعد تفكير: حسنا لكما نصف ساعة فقط وعودا بعدها..
قال حسام مبتسما: فليكن الى اللقاء..
وانهى المكالمة ليلتفت الى مها قائلا بمرح: شقيقك يطلب مني ان نعود في غضون النصف ساعة..اظن انه سينتظر طويلا..
ضحكت مها وقائلا: وان تشاجر معي .. سأخبره بأنك انت من اختطفتني بالرغم مني..
قال حسام مبتسما: لا بأس.. لقد اخطفتك ذات مرة ولا مانع لدي ان اكررها..
واردف قائلا بجدية: ولو حاول مازن مجرد تأنيبك لخروجك معي اخبريني وانامن سيتفاهم معه..
قالت مها وهي تسند ظهرها لمسند المقعد: لا تشغل بالك.. مازن لا يهتم كثيرا بما افعل..
قال حسام وهو يهز رأسه نفيا: على العكس انه يهتم بك وبكل ما تفعلينه.. والا لما اهتم بحل المشكلة التي بيننا..
قالت مها وهي تتنهد: ربما لاني قد شرحت له الامر.. وطلبت منه المساعدة ..
قال حسام مبتسما: وربما لانه يهتم بك فعلا وليس كما تصورين ..
لم تجبه مها واكتفت بالصمت.. فقال حسام مبتسما: هه.. الى اين تريدين الذهاب؟..
قالت مها بمرح: الى النادي..
قال حسام بتهكم: ظريفة جدا..
ومن ثم اردف قائلا وهو يمضي في طريقه: سآخذك الى مكان ربما يعجبك..
قالها وانطلق بالسيارة في شوارع المدينة.. وقلبه يخفق بسعادة لوجود مها الى جواره..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اغلق مازن الهاتف واقترب من ملاك قائلا : هه .. عزيزتي .. هل هدأت الآن؟..
قالت ملاك بشحوب: انا بخير.. لا تقلق علي..
قال مازن وهو يدفع مقعدها الى حيث الاسطبل: سأعلمك ركوب الخيل.. لكن هذه المرة لن تكوني وحدك..
قالت ملاك وهي تتنهد: اعلم انك ستمسك بلجام الخيل وتقود الخيل اينما تشاء ..
قال مازن وهو يتوقف عند الاسطبل وبابتسامة غامضة: ربما..
وغاب عن ناظري ملاك لفترة من الوقت..قبل ان يخرج وهو يمسك بلجام احد الاحصنة.. ويقوده الى الخارج.. وقال مبتسما وهو يقف على مسافة مناسبة تفصله عن ملاك: ما رأيك به؟..
تطلعت ملاك الى الحصان الذي كان ذا لون بني قاتم ولامع..في حين قال مازن وهو يربت على رقبة الحصان: انه صديقي لعامين كاملين .. ولا اسمح بأن يمتطيه أي شخص كان .. اما الذي امتطيته المرة السابقة فقد كانت فرسا اشتريتها قبل ثلاثة اشهر وحسب..
وقال مردفا وهو يلتفت الى ملاك: الا تودين تجريبه؟..
قالت ملاك بابتسامة: بلى واتشوق لذلك..
قال مازن بدهشة ممزوجة بالسرور: لو كنت اعلم ان هذا الحصان سيجعلك تبتسمين هذه الابتسامة العذبة بعد حزنك ذاك.. لجلبته الى الكافتيريا في ذلك الوقت..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها وبخجل: ليس الحصان هو سبب ابتسامتي.. بل .. اهتمامك.. بي..
"اهتمامك بي"..احقا انا اهتم بك يا ملاك؟.. احقا ترينني اهلا لثقتك؟.. ايجدر بك ان تحمليني مسئوليتك؟.. وانا الذي تزوجتك من اجل حمايتك فحسب.. وبعدها سأنفصل عنك غير آبه بمشاعرك .. غير مهتم الا بالانانية التي زرعها والدي فينا منذ الصغر..
واسرع مازل ينفض عن رأسه تلك الافكار ويقترب من ملاك ويقول بابتسامة خبث: هل اساعدك؟..
قالت ملاك عندما فهمت نظراته: اياك..
قال مازن وهو يحك ذقنه: اذا كيف ستمطين الحصان اذا لم اساعدك؟..
قالت ملاك بارتباك: لا اريد ركوبه.. غيرت رأيي..
قال مازن بضيق: هل نحن نلعب يا ملاك؟..هيا كفاك دلالا ..دعيني اساعدك..
قالت ملاك بخوف وهي تراه يقترب منها: مازن ارجوك.. لا اريد ركوبه.. و..
بترت عبارتها واغمضت عينيها بقوة وهي ترى مازن يقترب منهافي شدة ليحملها بين ذراعيه.. وكورت قبضتيها في توتر.. وعندما شعرت ان الوقت قد طال وانها لا تزال جالسة في مكانها ..وفتحت عينيها ببطء لتلمح مازن لا يزال واقفا في مكانه.. وارتفع حاجباها بدهشة .. فقال مازن مبتسما: اكنت تظنين اني سأحملك دون موافقتك؟..الم تقولي في يوم عقد قراننا اني لو حملتك ستشعرين انك محتاجة لمساعدة الآخرين.. وها انذا الآن انفذ طلبك .. لن احملك الا لو طلبتي مني ذلك.. وشعرت ان ما افعله هو اهتمام بك وليس حاجة منك..
اشاحت ملاك بنظراتها خجلا وحرجا من تصرفها مع مازن.. واحست انه بالفعل مهتم بها.. ولم تعلم ما تقول وفضلت الصمت.. فقال مازن وهو يلتقط نفسا عميقا : هل نغادر؟..
قالت ملاك بحروف مبعثرة تريد ان تعتذر فيها لمازن عن تصرفها:لكني.. ار..يد.. ركـ.وب.. الحصان..
قال مازن وهو يقترب منها بابتسامة واسعة: حسنا.. كما تشائين.. والآن ايتها الاميرة.. ايمكنني المساعدة لتمتطي الخيل؟..
اومأت ملاك برأسها بخجل .. وقلبها قد اخذ يخفق بقوة .. وانفاسها قد بدأت تتلاحق..فاقترب مازن ليحملها بين ذراعيه كطفلة لم تتعلم المشي البعد.. اما ملاك فلأول مرة احبت هذا الشعور..احبت ان تكون قريبة من مازن كل هذا القرب.. وانعشها ان يحملها كفارس الاحلام الذي تقرأ عنه بين صفحات الروايات.. واحست بخفقات قلبها تمتزج بخفقات قلب مازن ..وطغى اللون الاحمر على بشرتها وهي تتذكر انها بين ذراعيه امام الجميع..
واخيرا اجلسها مازن على ظهر الحصان وقال بابتسامة وهو يلمح توترها:الا زلت تشعرين بالخوف من السقوط؟..
قالت ملاك بارتباك: نوعا ما..
فاجأها امتطاء مازن لظهر الحصان ذاته خلفها على حين غرة ..وشهقت بالرغم منها وهي تراه يجلس على قريبا منها ويمسك باللجام بكل قوة وقال مبتسما: انا هنا.. حتى لا تخشي السقوط واكون بالقرب منك..
لم تستطع ملاك النطق ولو بكلمة واحدة.. وشعرت بكفيها ترتجفان بتوتر وارتباك.. في حين قال مازن وهو يتطلع اليها بابتسامة: ماذا بك؟.. هل وجودي يضايقك الى هذه الدرجة؟.. ان كنت تريدين مني الهبوط فقوليها.. وسأفعل في الحال..
هزت ملاك رأسها نفيا ودماء الحرج قد تجمعت في وجهها ..فلكز مازن ظهر الحصان وابتسامة واسعة تحتل شفتيه.. وشق طريقه وهو يتطلع الى الافق البعيد..الافق الذي يفصل السماء والارض ويمنعهما من الالتقاء عند نقطة واحدة..وتطلع الى ملاك وهو يشعر بحجم التشابه بينه وبين الافق.. فهناك ما يصنع حاجزا بينه وبين ملاك ويمنع قلبيهما من الالتقاء..
ومن بعيد تطلع كمال الذي يقف عند الاسطبل الى مازن الذي انطلق بحصانه عابرا ارجاء المضمار.. والتفت الى مقعد ملاك المتحرك الذي يقف ساكنا في مكانه وقال بصوت اشد برودة من الثلج: هذا المقعد سيظل حاجزا بينك وبين ملاك يا مازن .. لن يمكنك ان تزيحه ابدا الا لو شعرت بالحب تجاه هذا الملاك الذي يجلس قريبا منك.. ويحمل لك قلبه كل الحب..
واردف بسخرية وهو يرى نظرات الغيرة في عيون الفتيات اللاتي يرونه مع ملاك: ثم انك لا تستحق ملاك ..لانك عشت حياة عابثة.. ولا تزال تعيشها.. ملاك بحاجة لمن يحميها ويغدقها بحبه وحنانه .. ولن تكون انت ابدا هذا الشخص...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الواحد والثلاثون
"طعنة اخرى"
بدأ قرص الشمس رحلته نحو المغيب .. وبدأ في الغوص رويدا في اعماق البحر..ليكسو اللون الاحمر السماء تدريجيا.. وابتسم ذلك الشاب وهو يتابع هذاالمشهد الخالد بكل مشاعره واحاسيسه..وتنهد بحرارة قبل ان يلتفت الى تلك الفتاة التي تقف الى جواره وقال بابتسامة حالمة: اتعلمين انه كلما وقعت عيناي على البحر.. اتذكرك..
عقدت الفتاة ذراعيها امام صدرها لتحمي نفسها من برودة الجو وقالت بابتسامة: وكيف يمكن للبحر ان يذكرك بي؟..
قال وهو يلتقط نفسا عميقا: هادئ كهدوءك.. ولكن عندما تهب الرياح والعواصف نرى امواجه الغاضبة تحطم كل شيء امامها..
قالت وهي ترفع حاجبيها: واتعلم انه يذكرني بك كذلك ..
ابتسم حسام واكتفى بأن يتطلع اليها.. فقالت مها وهي تتنهد: يغريك بجماله وزرقته الصافية.. ولكن يغدر بك ما ان تصل الى اعماقه..
قال حسام وهو يتطلع اليها بدهشة ممزوجة بالألم: اهذا رأيك بي يا مها؟..
قالت مها وهي تزفر بحدة: ما رأيته منك يا حسام ليس بالبسيط ابدا ..
قال حسام وهو يتطلع اليها برجاء: الن تغفري لي خطأي ابدا ؟..
قالت مها وهي تبعد خصلات شعرها عن وجهها: لو لم اغفر لك لما جئت معك الى هنا اليوم..
قال حسام وهو يقترب منها قليلا: والا يمكنك النسيان؟..
قالت مها بابتسامة شاحبة وهي تلتفت بانظارها له: قريبا يا حسام.. الايام كفيلة بأن تجعلني انسى..
واردفت مغيرة دفة الحديث: لكن اتعلم بشأن ما قلته عني اني اشبه البحر في غضبه فربما تكون محقا بعض الشيء..
تطلع لها حسام بتساؤل فاستطردت: اتعلم بعد ان غادرت النادي في ذلك اليوم المشئوم.. وتركتني لنظرات احمد الشامتة .. عدت له و...
قاطعها حسام بعصبية: لا تنطقي اسمه على لسانك..
قالت مها وهي تلوح له بكفها لتهدئته: حسنا.. حسنا.. عدت اليه بعدها حتى احاول ان افهم منه سبب ما فعله واحمله ذنب ما حصل بيني وبينك.. ولكني سمعت منه كلماته الشامتة .. وبدأ في الحديث عنك بسوء.. ولم اشعر بنفسي الا وانا اصفعه..
قالت كلمتها الاخيرة وتطلعت الى كفها بحرج: وحتى هذه اللحظة لا اعرف كيف فعلت هذا.. لم اتجرأ يوما على ضرب احد فكيف اضرب ابن عمي واهينه.. ولكني وقتها لم اكن ارى امامي.. كل ما كان يهمني ان اصمته وبأي وسيلة ..
قال حسام وهو يتطلع اليها بنظرات مستغربة: انت يا مها.. انت صفعت احمد.. لو رأيتك بأم عيني لما صدقتك..
واردف مازحا: يبدوا انه يجب علي ان احذر منك هذه الايام..لقد بت اخشى منك..
قالت مها وهي ترفع كفها مداعبة: اتود التجربة؟..
قال حسام بحنان مفاجئ: ان كان هذا سيجعلك تغقرين لي حماقتي وتتناسينها..
قالت مها بتأثر: حسام ما الذي تقوله؟.. فالتقطع يداي قبل ان تتجرأ وتحاول ولو ايلامك..
قال حسام وهو يميل باتجاهها: ولأمت ان فكرت ان اتخلى عنك مرة اخرى..
قالت مها بحدة واستنكار: لا تقل هذا الكلام..
قال حسام بابتسامة وهو يحتضن كفها بين كفيه: اخبريني يا مها متى آتي لخطبتك بشكل رسمي من والدك..
اطرقت مها برأسها في خجل ومن ثم قالت ببعض الارتباك: بعد ان تنهي هذا الفصل الدراسي..
قال حسام وهو يزفر بحدة: الفصل الدراسي لا يزال في في منتصفه.. وانا ارهقت من الانتظار.. اريدك ان تكوني لي وحدي..
قالت مها بابتسامة واسعة وخجلة في ذات الوقت: وانا قد وعدتك .. اما ان اكون لك او لن اكون لسواك.. لكن ما يهمني الآن ان تنهي عامك الدراسي بدون ان تنشغل بأي شيء آخر .. حتى وان كان هذا الشيء هو انا..
قال حسام برجاء وهو يضع كفيه على كتفيها: مها سأخطبك بشكل رسمي الآن.. وعقد القران سيكون بعد انتهاء الفصل الدراسي.. ما رأيك؟..
هزت رأسها نفيا وقالت بشقاوة: لا..
قال حسام وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره: انا المخطئ الذي اسألك.. استمعي الي سأتي نهاية هذا الاسبوع.. وستوافقين في الحال.. اتفهمين؟..
وضعت مها يدها عند خصرها وقالت بتحدي: واثق جدا اني ساوافق بهذه السرعة وكأني لم اصدق خبرا..ثم ان وافقت سيكون شرطي كما اخبرتك ..عقد القران سيتم اثناء الاجازة ..
قال حسام مبتسما: لا بأس.. المهم ان اضمن خطبتك بشكل رسمي من والدك وبالتالي ان تكوني زوجتي مستقبلا..
توردت وحنتي مها بحمرة الخجل وقالت وهي تلتفت عنه: حسام .. لقد تسلل الظلام دون ان نشعر بالوقت.. دعنا نعود الى النادي الآن..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قبل ان تبدأ الشمس رحلتها نحو المغيب.. وبالتحديد قبل نصف ساعة تقريبا..اشتدت قبضة مازن على اللجام حتى اوقف الحصان تدريجيا ومن ثم قال مبتسما وهو يتطلع الى ملاك: هل استمتعت بالرحلة عزيزتي؟..
قالت ملاك بابتسامة واسعة وسعيدة: كثيرا.. اتمنى لو نكررها مرة اخرى..
غمز مازن بعينه لملاك: سنكررها ان اردت ذلك..
قالت ملاك ببعض الارتباك وهي تداعب قماش تنورتها الطويلة: ولكن سأكون وحدي المرة القادمة..
ضحك مازن بمرح ومن ثم قال: كما تشائين..حتى وان اردت مني ان اغادر النادي بأكمله.. فسأفعل..
( ما الذي حدث في الدنيا؟.. مازن يستمع الى فتاة ويطيع اوامرها.. يا للمهزلة)..
التفت كليهما الى مصدر الصوت .. والى تلك الفتاة التي وقفت تتطلع اليهما بكل سخرية وحقد.. ونبرة صوتها الذي يحمل استهزاء العالم كله..جعل مازن يعقد حاجبيه بضيق وهو يتطلع اليها ويقول بصوت صارم: مازن لا يستمع الى أي فتاة ويطيع اوامرها .. الا اذا كانت هذه الفتاة هي زوجته.. اتفهمين ذلك جيدا يا ندى؟..
وخلف نظرات ملاك المتألمة تطلعت الى ندى بكل حزن ومرارة.. والى نظرات هذه الاخيرة التي تحمل لها كل الحقد والغضب ..وعلمت ان قلبها سيتلقى طعنة اخرى من جديد.. واقسى من سابقتها بكثير.. قد تجعل دماءه تفيض بين الضلوع..
وابتسمت ندى بمكر وهي تتطلع الى ملاك بنظرات حاقدة وقالت: ماذا بك يا مازن؟.. لم انت غاضب هكذا؟.. لقد كنت امزح.. اضافة الى ذلك اعلم انك مثال لرجل الشهم .. الذي يساعد من يشفق عليهم..
فهمت ملاك الرسالة التي ارادت ندى توصيلها اليها وانها ليست الا ممن يشفق عليهم مازن..في حين رمق مازن ندى بنظرة لا مبالية.. واسرع يهبط من على ظهر الجواد..
ومد ذراعيه لملاك قائلا بابتسامة: دعيني اساعدك..
وبينما هو كذلك شاهد ندى تقرب مقعد ملاك منهما وتقول بابتسامة مزيفة: وهذا هو مقعدها المتحرك..
قال مازن مبتسما وهو يلتفت الى ندى: منذ متى وانت تقدمين المساعدة؟..
قالت ندى بمرح: منذ هذه اللحظة..
في حين شعرت ملاك بانقباض في صدرها وهي ترى مازن يبتسم تلك الابتسامة لندى.. فآخر شخص تفكر ندى بمساعدته هي انا.. ولكن ربما تكون قد شعرت بالغيرة ليس الا مني .. لذلك لم تعاملني بشكل جيد.. ربما...
والتقطت نفسا عميقا قبل ان تدفع بنفسها من على ظهر الحصان.. ليلتقطها مازن بين ذراعيه ويساعدها على الجلوس على مقعدها.. وشعرت ملاك بالخجل مما حدث.. ولكن خجلها هذا قد تبخر وحل مكانه الضيق وهي ترى ندى تقترب من مازن وتقول وهي تعقد ذراعيها خلف ظهرها بدلال: مازن.. اردت ان اخبرك بشيء ما..
التفت لها مازن وقال متسائلا: ماذا؟..
اقتربت منه في شدة حتى ان عينا ملاك قد اتسعتا في دهشة من جرأتها.. وامسكت بكتفه متعمدة وهي تحاول بذلك ان تغيظ ملاك.. وقالت بصوت حاولت ان تجعله رقيقا قدر الامكان:في الحقيقة.. لقد وعدتني بأن تدربني على ركوب الخيل .. اليس كذلك؟..
قال مازن بعد تفكير: في الحقيقة يا ندى لدي موعد مع عمي بعد ساعة .. ولن يكفيني الوقت لان ادربك ومن ثم اذهب الـ...
قالت ندى وهي تسبل جفونها بدلال: اتقبل ان اغادر النادي وانا متضايقة؟.. ساعة واحدة وقت طويل ويمكنك تدريبي خلالها..
لكل منا حدا للصبر.. مقياس للاحتمال.. ولو تخطاه اوشك على الانفجار..هذا بالضبط ما كانت تشعر به ملاك وهي تطلع اليها بنظرات غاضبة.. ولو كانت النظرات تقتل لحولتها الى جثة هامدة منذ زمن..وهتفت بغتة بصوت حاد: اعدني الى المنزل ..
التفت لها مازن وقال وهو يرفع حاجبيه بدهشة: ماذا بك يا ملاك؟..
قالت ملاك بغضب: اريد ان اعود الى المنزل.. لا اريد البقاء هنا..
قال مازن بهدوء: انتظري قليلا فقط ريثما...
قاطعته ملاك بانفعال: الآن..
زفر مازن بحدة: فليكن الآن..
والتفت الى ندى ليقول: معذرة يا ندى.. سأدربك في يوم آخر ..
قالت ندى وهي تبتسم بدلال: لا بأس.. اهم شيء راحة ملاك ..
وما ان استدار مازن عنها حتى تحولت ابتسامتها الى سخرية وهي ترمق ملاك بنظرات منتصرة.. فها هي ذي قد خطت الخطوة الاولى في سبيل خطتها.. وستزيد الجرعة اضعافا في المرة القادمة.. حتىتضرب عصفورين بحجر .. تجعل مازن ينفصل عن ملاك دون رغبة منه بها.. وبالتالي تنتقم من ملاك و يكون مازن لها وحدها..
اما مازن فقد استغرب غضب ملاك المفاجئ.. فندى لم تقل أي كلمة تمسها الا في بداية حديثها.. فلم تغضب الآن؟.. وقال بهدوء وهو يميل نحوها: سأتصل بمها حتى تحضر الى النادي وبعدها سنمضي.. اتفقنا؟..
لم تجبه ملاك بل اشاحت بوجهها بعيدا بألم..وازداد استغراب مازن من تصرفها.. والتقط هاتفه ليتصل بمها .. وما ان سمع جوابها حتى قال: اهلا .. اين انت الآن؟.. عودا بسرعة.. الم اطلب منكما العودة بعد نصف ساعة فحسب؟.. حسنا يا مها ..حاولي فقط التفكير في الخروج مع حسام مرة اخرى وستندمين..
قالها وانهى المكالمة.. ومن ثم مال نحو ملاك وقال بابتسامة: سنغادر ما ان تصل مها..
قالت ملاك بصوت خافت: فلننتظرها في السيارة اذا..
قال مازن وحيرته تجاه تصرفات ملاك الغريبة تتضاعف: ولم كل هذا؟ ..
لم تجبه ملاك وان تطلعت اليه بنظرات راجية لتنفيذ مطلبها.. فقال مازن ووهو يعتدل في وقته : كما تشائين..
واتجه الى ما خلف مقعدها ليدفعه ويغادر النادي.. وهناك توقف عن السير امام السيارة ..وفتح اقفال السيارة بواسطة جهاز التحكم عن بعد.. ثم لم يلبث ان فتح باب السيارة الامامي لملاك وقال وهو يمسك كفها: سأعاونك حتى لا تتعبي نفسك و...
جذبت ملاك كفها من يده وقالت بصوت متحشرج: لا احتاج الى معاونة احد..
شعر مازن في تلك اللحظة ان من يراها امامه ليست ملاك التي يعرفها والتي قضى معها اكثر من شهر من الزمن ..ملاك التي يعرفها يغلب الخجل على تصرفاتها اغلب الاحيان .. اما من يراها الآن فلا تحمل على وجهها الا ملامح الضيق والغضب وتتصرف معه بكل جفاء..ورآها تحرك عجلات مقعدها الى الباب الخلفي وتفتحه.. قبل ان ترفع جسدها بكل تحدي عن المقعد المتحرك لترمي بثقلها على مقعد السيارة..
فامسك مازن بذقنه دلالة على التفكير والحيرة وقال وهو يميل باتجاهها ويمسك بباب السيارة ليمنعها من غلقه: لم كل هذا الآن؟.. اريد ان افهم.. هل اخطأت بتصرف ما معك؟..
عضت ملاك على شفتيها بألم وقالت بصوت متحشرج: اسأل نفسك ..
لم يخطر ابدا على بال مازن ان ما يحزن ملاك هو شعورها بالغيرة تجاهه.. لهذا فقد زفر بحدة قائلا: لو اخطأت اخبريني حتى اشرح تصرفي لك..
ولم ظلت ملاك على صمتها.. اغلق الباب بقوة وقال بعصبية وهو يتجه نحو الباب الامامي ويحتل مقعد السائق: كما تشائين ظلي صامتة هكذا.. وحزينة دون سبب او مبرر..
قالت ملاك وهي تشعر بغصة في حلقها: ومن قال ان حزني بلا سبب ..
استدار مازن بجسده كله تقريبا لها وقال بعصبية اكبر: اذا اخبريني ما هو.. حتى افهم سبب تصرفاتك الغريبة هذه..
اجابته بكلمة واحدة وهي تطرق برأسها في الم: ندى..
قال مازن وهو يلتقط نفسا عميقا: حسنا وما دامت ندى هي سبب حزنك هذا.. فلم تعامليني بهذه الطريقة الجافة؟..
قالت ملاك بصوت متقطع: لانك.. لانك.. تركتها تتصرف معك.. بكل حرية..
التقى حاجبا مازن باستغراب وقال متسائلا: ماذا تعنين بقولك؟ ..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه: اقترابها الشديد منك.. وتحدثها اليك بكل رقة.. وابتساماتها لك..
قال مازن وهو يمد ذراعه لملاك الجالسة في المقعد الخلفي .. ويدفع جبينها باصبعه : يالك من حمقاء.. ندى هي ابنة عمي.. ومعتادة على التعامل معي بهذه الطريقة..
التفتت ملاك له وقالت بعينان ترقرقتا بالدموع: لكنك الآن مرتبط.. يجب ان تفهم هي انك لم تعد كالسابق و...
قاطعها مازن قائلا بابتسامة: لا تقلقي انها لا تفكر بأي شيء مما يدور في رأسك الآن..
صاحت ملاك قائلة: انسيت عندما قالت لك انها قد رفضت الجميع من اجلك؟.. لم قالت هذا اذا لم تكن تفكر بك حقا؟ ..
قال مازن بمرح: ربما في السابق اما الآن فلا..
عقدت ملاك ذراعيها امام صدرها وتقوس فمها الى الاسفل دلالة على ضيقها وحزنها.. في حين قال مازن محاولا اضفاء بعض المرح: ما بالك يا ملاك؟.. لا تظني انك ستبدين اجمل ان بكيت..
لم يكد ينتهي من عبارته حتى سالت دموع ملاك بالفعل .. فارتفع حاجبا مازن باشفاق وقال وهو يمد لها يده بمنديل : لم البكاء الآن؟.. الامر لا يستحق.. صدقيني..
ازاحت كفه عنها وقالت بعناد: لا اريد شيء منك..
وعقب قولها فتح مها للباب المجاور لمازن وهي تقول باستغراب: ما الامر؟.. لم تجلس ملاك في الخلف؟..
واردفت مداعبة: هل تشاجرتما ام ماذا؟..
قال مازن بضيق: ربما ..شيء من هذا القبيل..
قالت مها وهي تبتسم لملاك التي سارعت بمسح دموعها قبل ان تنتبه لها مها: اذا استأذنك بأن احتل مكانك هذا اليوم..
قالتها وجلست على المقعد المجاور لمازن.. فقال مازن بضيق وهو يدفعها: الى الخارج هيا.. هذا المقعد مخصص لملاك فقط..
قالت مها بابتسامة واسعة: اولا ملاك لم تقل شيء عندما جلست عليه.. وثانيا كنت دائما من تجلس عليه عندما توصلني الى مكان ما..
واردفت بخبث: ام ان الوضع قد تغير الآن؟..
قال مازن ببرود: الى الخلف يا مها وبسرعة..
والتفت الى ملاك ليردف قائلا: وانت الاخرى.. تعالي لتجلسي في الامام..
قالت ملاك بتحدي: لا.. لن آتي..
قال مازن ببرود: والسيارة لن تتحرك ولو سنتيمتر واحد .. مادمت لا ترغبين في الجلوس في المقعد الامامي يا ملاك..
صمتت ملاك بعناد.. واشاحت بوجهها.. في حين قالت مها وهي تلتقط نفسا عميقا: وما ذنبي انا حتى اضيع بينكما هكذا؟.. اما ان توصلني يا مازن او اطلب من حسام ذلك..
قال مازن بسخرية: وهذا ما تريدينه.. اجلسي والا قطعت رجليك الآن.. الم تكتفي من البقاء معه؟..
مالت مها نحوه وقالت بهمس: دعك من حسام.. واخبرني.. ماذا جرى بينكما؟..
- سأخبرك فيما بعد..
قالت مها وهي تتثاءب وتسند رأسها لمقعد السيارة: اذا هيا انطلق بالسيارة..
اشار مازن الى ما خلفه وقال: ليس قبل ان تأتي ملاك وتجلس في المقعد الامامي..
قالت ملاك بعناد اكبر: لن آتي..
اما مها فقد التفتت لها وقالت برجاء: ارجوك يا ملاك.. انا اعلم ان مازن لن يهمه لو نبقى متوقفين بالسيارة هكذا لساعتين كاملتين..كوني اكثر طيبة منه.. وتعالي لتجلسي في الامام..اعلم انك ستأخذين برجائي.. ولن تخيبي ظني.. اليس كذلك؟..
تطلعت ملاك الى عينيها الراجتين ومن ثم قالت بصوت خافت: حسنا.. سأفعل ما تريدون..لأجلك فقط يا مها..
قالت مها وهي تبتسم ابتسامة واسعة : اشكرك كثيرا يا ملاك..واقدر لك تضحيتك الكبيرة في الجلوس بجوار اخي ..
قال مازن بحدة: الا ترين انك قد تجاوزت الحد؟.. ولتعلمي اني كما اصلحت بينك وبين حسام بامكاني ان اجعلكما تتشاجران من جديد..
قالت مها وهي تفتح الباب المجاور لها: لقد وعدني حسام بأنه لن يتخلى عني مجددا وسيحاول فهم الموضوع على شكله الصحيح مني قبل ان يتخذ أي قرار..
لم يهتم لها مازن ولما قالته.. كل ما كان يهمه في تلك اللحظة هومراقبة مغادرة ملاك لمقعدها الخلفي بكل طواعية بعد ان ترجتها مها.. لتجلس على مقعدها المتحرك المجاور لبابها والذي لم يعيده مازن لصندوق السيارة .. ومن ثم تتحرك بمساعدته الى حيث المقعد الامامي وترمي بثقل جسدها عليه.. وقالت وهي تلتقط نفسا عميقا: مها.. اعلم اني سأتعبك.. لكن هلاّ وضعت المقعد في صندوق السيارة..
قالت مها مبتسمة وهي تقترب من مقعد ملاك: ابدا لايوجد أي تعب ..
قالتها ومن ثم طوت مقعد ملاك واستعدت لرفعه لولا تلك اليدين اللتين اقتربتا من المقعد ورفعاه قبلها.. ورفعت مها رأسها بدهشة من صاحب اليدين الذي التقط المقعد منها.. ومن ثم لم تلبث دهشتها ان تلاشت وقالت بابتسامة : كمال.. متى جئت الى النادي؟..
قال كمال بهدوء: منذ ساعة.. اطلبي من شقيقك ان يفتح صندوق السيارة..
قالت مها وهي تهز رأسها وتتجه لتفتح الباب الخلفي: وكأنه ليس شقيقك انت ايضا..
واحتلت المقعد الخلفي لتتحدث الى مازن قائلة: افتح صندوق السيارة..
فعل مازن ما طلبته.. فوضع كمال مقعد ملاك في صندوق السيارة.. واغلق هذا الاخير.. ومن ثم سار حيث يجلس مازن ومال باتجاه نافذته ..قبل ان يطرقها بطرقات خافتة.. ففتح له مازن النافذة وقال مبتسما: اهلا كمال..
قال كمال ببرود شديد: قدّ بحذر واهتم بمها وملاك جيدا..
قال مازن وهو يؤدي التحية العسكرية بمرح: حاضر سيدي الضابط.. هل من اوامر اخرى؟..
تطلع له كمال ببرود قبل ان يقول وهو يعتدل واقفا: وحاول ان تكون اهلا للثقة التي منحها لك الجميع..
مازن من سماعه وقال في سرعة: حسنا .. اراك فيما بعد.. الى اللقاء..
قالها وانطلق بالسيارة ..وبالرغم منه وجد نفسه يختلس النظرات الى ملاك الجالسة الى جواره..ملاك التي كانت تشعر بحزن شديد مما حدث..يومين فقط قد مضيا منذ يوم عقد قرانها على مازن..وحدث معها كل هذا مع رشا وندى.. الا يحق لي ان اشعر بسعادة كبقية الفتيات خلال هذه الايام التي لا تعوض؟.. ام ان السعادة ليست من نصيبي؟..
وكلما ابتسمت لدقائق.. عادت لتتألم لساعات.. اليس من حقها ان تبتسم دائما؟.. وهي التي لم تفكر في اذية احد.. حلمها الوحيد كان بزواجها من مازن وقد تحقق.. فهل هذا الخطأ الذي ارتكبته؟.. لم تشعر ان القدر لايزال يخفي عنها الكثير؟.. والكثير جدا.. وان ما رأته اليوم ليس سوى قطرة من بحر الآلام التي ستحياهاوستتذوق مرارتها و...
( اذا فقد جئت للجلوس بجواري لاجل مها فقط)
التفتت ملاك بحدة عندما ايقظها الصوت من شرودها.. وتطلعت الى مازن الذي قال عبارته السابقة.. ومن ثم لم تلبث ان اشاحت بوجهها عنه.. فقال مازن وهو يمسك بكفها متعمدا: لم لا تتحدثين؟.. اذا لاجل مها فقط.. وانا لا اهمك..
جذبت ملاك كفها واطرقت برأسها بمرارة.. فقال مازن بحيرة واشفاق: ملاك مابك؟.. هل آلمك وجود ندى معي الى هذه الدرجة؟..
قالت ملاك وهي تتنهد: انت من كان مع ندى ولهذا لن تهتم بمشاعر أي شخص آخر..
قال مازن متسائلا: لم افهم..
اسرعت مها تقفز من مقعدها لتقول وهي تلتفت الى مازن: بمعنى آخر يا شقيقي العزيز.. ان وجودك مع ندى.. يجعلك تنسى ان ملاك هي زوجتك و انه يجب عليك ان تراعي شعورها.. ولا تبقى مع أي فتاة اخرى سواها.. الا تعرف يا اخي ان هذه هي الغيرة؟ ..
التفت مازن الى ملاك وقال بابتسامة واسعة: احقا تشعرين بالغيرة علي؟..
قالت مها وهي تغمز بعينها له: هذا لا شك فيه..
اما ملاك فلم تجب.. فمن جانب كان ارتباكها يسيطر عليها.. ومن جانب آخر كانت تشعر بالالم لأن عليها الآن ان تواجه ندى ورشا من اجل ان يكون مازن لها وحدها ..وعليها ان تواجههما بمفردها ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع فؤاد الذي كان يجلس على احدى طاولات مطعم (القصر) بضيق الى ساعة يده..واخذ يتلفت حوله مرارا وتكرارا لعل الوقت يمضي قليلا.. وقام بنداء النادل ليطلب له كوب من القهوة.. ومن ثم عقد حاجبيه بضيق وهو يلمح مازن اخيرا يتقدم من طاولته ويقول وهو يحتل المقعد المواجه له: عذرا يا عمي ان تأخرت.. لفقد عدت من النادي للتو .. واوصلت مها وملاك الى المنزل و...
قاطعه فؤاد قائلا: لا يهم.. وحاول ان تكون دقيقا في مواعيدك في المرة القادمة..
احضر النادل في تلك اللحظة كوب القهوة ووضعه امام فؤاد.. وسأل مازن قائلا: اتود ان تشرب أي شيء يا سيد؟..
قال مازن بهدوء: كوب من الشاي..
اومأ النادل برأسه ومضى في طريقه.. في حين قال فؤاد وهو يرتشف قليلا من القهوة: مبارك..
قال مازن وهو يبتسم بزاوية فمه: اشكرك وان جاءت المباركة متأخرة بعض الشيء..
وضع فؤاد كوبه على الصحن المخصص له.. وقال بهدوء متجاهلا عبارته: كيف هي احوالك مع ملاك؟..
قالت مازن بابتسامة واسعة وهو يتعمد ان يبدي الفرحة على ملامح وجهه: سعيد جدا واكثر مما تتصور..
قال فؤاد بسخرية: ربما الاملاك والثروة هي التي تجعلك تشعر بهذه السعادة..
خشى مازن ان يكون فؤاد يعلم بأن جميع املاك خالد قد سجلت باسم ملاك.. فقال متسائلا وهو يعقد حاجبيه: ما الذي تعنيه؟..
قال فؤاد بنظرة ماكرة: اعني يا ابن اخي.. انك لم تتزوج ملاك من اجل جمالها او نسبها بل تزوجتها لسبب واحد فقط.. حتى تصبح املاك خالد في يدك وخصوصا وانه الآن في غيبوبة.. ومن يدري ربما ترثها مستقبلا كذلك..
شعر مازن بالراحة لان عمه لم يعلم بالامر..وصل النادل في تلك اللحظة ووضع كوب الشاي امام مازن ومن ثم انصرف .. في حين قال مازن بابتسامة واثقة : سواء تزوجتها لجمالها او لمالها .. فهذا امر لا يهم.. المهم الآن انني قد تزوجتها وانتهى الامر..
قال فؤاد وهو يميل له وبابتسامة خبيثة: لدي عرض افضل لك ..املاك ابنة عمك ربما لن تحصل منها على أي شيء.. فلهذا سأقدم لك عرضا اكثر ضمانا..ولن يمكنك رفضه..
قال مازن وهو يعقد ذراعيه امام صدره: وها انذا استمع الى عرضك هذا..
وارتشف فؤاد القهوة وصمت لثواني ومن ثم قال وهو يتطلع الى عيني مازن مباشرة وبرزانة: اعلم جيدا انك تحلم بالعمل في احدى الشركات السياحية بدلا من شركة والدك التجارية والتي يرغمك بالعمل فيها.. لهذا اضمن لك عمل في افضل الشركات السياحية ان اردت وفي منصب لا يحلم به شاب في مثل سنك..
تطلع له مازن بدهشة.. فلم يتوقع ابدا ان العرض الذي سيقدمه عمه .. سيتعلق بتحقيق احد احلامه.. وهذا العرض كما قال عمه .. عرض لا يمكنه رفضه.. وكأن عمه قد علم بما يعانيه حقا وبرغبته في العمل في المجال الذي يحب..
وقال مازن اخيرا بتردد: والمقابل؟؟..
قال عمه وابتسامة ماكرة تتراقص على شفتيه: شيء يعد بسيطا جدا امام العرض الذي عرضته عليك..
واردف ونظرة خبيثة تلمع في عينيه: ورقة انفصالك عن ملاك ..
قال مازن وعيناه متسعتان بصدمة: ماذا؟.. اجاد انت فيما تقول؟ ..
قال فؤاد ببرود: كل الجدية.. والقرار في يدك وحدك.. اما ان تضمن لنفسك وظيفة تحلم بها.. او تبقى زوجا لفتاة عاجزة لن تنفعك في شيء..
قال مازن وهو يحدجه بنظرة ثاقبة: ومادامت لن تنفعني في شيء كما تقول.. فلم مصر على طلاقي منها؟..
قال فؤاد بجدية كاذبة: في الحقيقة.. ملاك تحتاج الى رعاية خاصة وانا اعلم جيدا انك لن تستطيع توفير مثل هذه الرعاية لها.. لهذا لو تزوجها احمد فسيوفر لها كل ...
قاطعه مازن بحدة: لا.. لن انفصل عنها..
قال فؤاد وهو يميل باتجاهه وبلهجة اقناع: فكر جيدا يا مازن.. ولاتدع ملاك تتسبب في خسارتك لحلمك.. ستحصل على الوظيفة التي تحلم بها دوما.. ورصيد ضخم سأضعه لك في حسابك بعد ان تنفصل عن ملاك مباشرة.. فما هو رأيك؟..
تطلع له مازن وقال وهو يكور قبضتيه في شدة: هل ملاك غالية عندك الى هذه الدرجة؟..
قال فؤاد بابتسامة وحشية وهو يتذكر ان خالد قام بتسجيل نصف الشركة باسم ملاك وهم الذين احق بها من هذه الاخيرة: اكثر مما تتصور..
قل مازن قبل ان يتراجع في قراره: آسف يا عمي لن يمكنني الانفصال عن ملاك او...
قال فؤاد ببرود: والسيارة التي تريد ايضا .. فما هو قولك؟..
قال مازن بدهشة: وكيف علمت بأمرها؟..
قال فؤاد بغرور: لا تقل لي انك نسيت من يكون عمك..
قال مازن بتردد: لكن يا عمي لا يمكنني ان...
قاطعه فؤاد من جديد وقال باهتمام زائف: مازن.. لا تضيع هذه الفرصة من بين يديك.. كن اكثر عقلانية وفكر بعقلك قبل مشاعرك.. ملاك انسانة عاجزة وبحاجة الى رعاية خاصة.. لن يمكنك التعامل معها.. وستضطر لتحمل مسئوليتها الى الابد.. وان كنت تفكر بأملاك والدها.. فربما يستيقظ خالد من غيبوبته وعندها لن تحصل على قطعة نقدية واحدة.. لهذا انصحك منذ الآن ان تفكر جيدا ومليا فيما قلته.. فالفرص لا تتكرر..
صمت مازن لفترة زادت على الدقيقتين.. وغرق في تفكير عميق.. لا تهمه الاموال او السيارة .. بقدر ما تهمه الوظيفة التي حلم بها طويلا .. كما وان عمه شخص يعرفه اغلب رجال الاعمال.. وربما يحصل على منصب كبيرفي مجال العمل.. ولو انفصل عن ملاك يمكنه ان يحميها كذلك وهي ...
شعر بتشويش افكاره وذهنه.. وعقد حاجبيه بقوة وهو يحاول ان يتخذ قرارا ما.. لا يمكنه ان يرفض هذه المغريات التي عرضها عمه عليه.. وفي الوقت ذاته لا يمكنه ان يتخلى عن ملاك وهي مسئولة منه وامانة في عنقه.. ثم ماذا ستقول ملاك لو انفصل عنها هكذا ودون سبب معين؟.. وهي التي تثق به و...
اسرع ينهض من مقعده ويقول لعمه: سأفكر في الامر يا عمي ومن ثم سأخبرك بحوابي..
قال عمه فؤاد بانتصار وهو يرى انه تمكن من التأثير على مازن بعرضه: فليكن.. فكر من الوقت ما شئت ولكن لا تتأخر علي بجوابك.. واتمنى ان يكون هذا الجواب هو ورقة انفصالك عن ملاك..
لم يجبه مازن.. بل اسرع يخرج من المكان.. وهو غير قادر على التفكير بالشكل السليم.. تاركا خلفه كوب الشاي الذي قام بطلبه والذي لم يرتشف منه رشفة واحدة بعد ما طلبه عمه فؤاد منه..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الثاني والثلاثون
"فضول
كانت الرياح تهب بشدة عند المساء .. وخصوصا بعد ان كسى اللون الاسود السماء..وحل الظلام على جميع الارجاء .. وشعرت تلك الفتاة التي تقف في احد اركان حديقة منزلهم بالبرد وضمت معطفها الى صدرها لتدفء نفسها ..واشتدت الرياح اكثر لتجعل جسد تلك الفتاة يقشعر ..
والتفتت الى الفتاة التي تجلس على مقعد متحرك مجاور لها وقالت وهي تشعر بأن اسنانها تكاد تصطك من شدة البرد: ملاك.. فالندخل .. الجو بارد..
قالت ملاك بابتسامة وهي تشعر بالسعادة من النسيم البارد الذي اخذ يداعب شعرها ووجنتيها: ادخلي ان شئت يا مها.. اما انا فسأبقى ..
قالت مها وهي ترتجف من البرد: كيف تحتملين كل هذا البرد؟ .. فلندخل..
قالت ملاك وهي تلتفت لها: لا تكترثي للجو البارد.. وتطلعي حولك..
قالت مها وهي تضم المعطف الى جسدها اكثر: الى ماذا اتطلع؟.. اني ارتجف من شدة البرد..
ضحكت ملاك وقالت: لم يرغمك احد على البقاء.. فبدلا من وقوفك هذا وانت تكادين ان تتجمدي .. ادخلي الى المنزل..
قالت مها وهي تهز رأسها نفيا: لن اتركك وحدك..
قالت ملاك مبتسمة: لن يحدث لي أي شيء فـ...
بترت ملاك عبارتها عندما شعرت بقطرة مطر تسقط على كفها.. وتطلعت اليهاوهي ترفع حاجبيها.. ومن ثم ابتسمت بسرور قائلة: انها تمطر..
قالت مها في سرعة وهي تتجه الى ما خلف مقعد ملاك: فلندخل اذا..
قالت ملاك باصرار: لا.. اريد ان ابقى تحت المطر لفترة من وقت..
قالت مها بحدة: امجنونة انت؟.. ستصابين بالبرد والزكام..
قالت ملاك بشرود: اريد ان استعيد ما حدث في الماضي وانا اجلس مع ابي تحت المطر..
قالت مها بضيق: استعيديه وانت داخل المنزل..
قالت ملاك بعناد: لا.. اريد البقاء..
قالت مها بحدة: يالك من عنيدة..
ولم تلبث ان شعرت بقطرات المطر.. تتساقط على كتفيها ووجهها.. فأسرعت مها تدفع مقعد ملاك .. فقالت هذه الاخيرة وهي تمسك بعجلات مقعدها وتوقف سيره: قلت لا اريد الدخول..
( مها.. ملاك.. ما الذي يبقيكم هنا في هذا الجو؟.. ادخلا الى المنزل حالا)
تطلعت مها الى قائل العبارة ومن ثم قال بحنق: فل هذا لزوجتك ..
قال مازن وهو يدخل كفيه في جيبي سترته: وماذا بها زوجتي؟ ..
قالت مها وهي تضع كفها على رأسها لتحميه من قطرات المطر: ترفض الدخول الى المنزل وتصر على البقاء تحت المطر..
قال مازن وهو يقترب من ملاك وابتسامة مرحة تتراقص على شفتيه: هذا غير معقول.. لابد وانك تمزحين يا مها..
قالت مها بحنق واستنكار: امزح؟؟.. فلتدخلها الى المنزل ان استطعت اذا..
قالت عبارتها واسرعت تحتمي في ركن ما من الحديقة من قطرات المطر.. في حين تقدم مازن من ملاك وقال بابتسامة: هيا لندخل يا ملاك..
ملاك التي لا تزال تشعر بالضيق مما حدث في النادي.. لم تجبه وتطلعت الى السماء بحالمية .. فقال مازن وهو يضع يده على كتفها: ان كنت تريدين ان تبقي تحت المطر فسأحضر لك مظلة لتحميك من...
قالت ملاك وهي تقاطعه: وما الفائدة اذا؟..
تنهد مازن وتحرك الى ما خلف مقعدها.. ليهم بدفعه.. ولكن ما ان شعرت به ملاك حتى امسكت بعجلتي مقعدها.. وقالت بحدة: لن اتحرك من مكاني..
قال مازن وهو يتطلع اليها: لم انت عنيدة هكذا؟..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها: هذا شأني..
في حين اردف مازن دون ان يهتم بعبارتها: وتضطريني احيانا لفعل ما لا اريد فعله..
لم تعره ملاك انتباها.. لكنها لم تلبث ان شهقت بحدة..والتفت الى مازن بدهشة الذي حملها بين ذراعيه بالرغم منها.. فهتفت ملاك قائلة: انزلني.. انزلني..
قال مازن وهو يسير مسرعا بابتسامة: لا..
شعرت ملاك بالغيظ من ابتسامته وكأنه يسخر منها بهذه الابتسامة ويستهزأ بها.. فكورت قبضتيها واخذت تضربه على صدره قائلة بانفعال: قلت لك انزلني.. الآن انزلني..
قال مازن وهو يدفع باب المنزل بقدمه: بداخل المنزل.. سأفعل ما تريدين..
واصلت ملاك صراخها وضربها لصدره بكل قوة.. ومازن بدى كالجبل الشامخ الذي لا تهزه الرياح..لم يأبه لضرباتها التي لم تكن تؤثر فيه وهتف بها قائلا: يكفي صراخا يا ملاك.. ما افعله لمصلحتك..
ومن ثم لم يلبث ان اجلسها على اريكة بالردهة.. فقالت ملاك وهي تطرق برأسها في حنق: لم تفعل هذا بي؟ .. لم؟..
قال مازن مستغربا: لم اكن اريد لك ان تصابي بالبرد.. كنت افكر بك حينــــ...
قاطعته ملاك بحدة وهي ترفع رأسها له: اخبرتك بأني لا اريدك ان تحملني مرة اخرى .. اشعر حينها وكأني .. وكأني...
واختنق صوتها .. ولمعت عيناها بالدموع.. فقال مازن باشفاق وهو يجلس الى جوارها: لم افعل ما يستحق البكاء الآن؟.. لم اصبحت رقيقة المشاعر هذه الايام.. اقل شيء يبكيك..
قالت ملاك بألم وهي تشيح بوجهها عنه: انا هكذا منذ ان كنت طفلة..
(( انا لست طفلة))
(( كمال دعها وشأنها))
((واتمنى ان يكون هذا الجواب هو ورقة انفصالك عن ملاك))
((صدقني يا مازن ان تسببت في حزنها في يوم فسأقف انا في وجهك.. لا تنسى انه لم يعد لديها سوانا في هذه الدنيا.. عاملها بكل رفق وطيبة.. وضعها في عينيك.. لو جاءت يوم لتشتكي منك فسيكون حسابك عسيرا..))
((على العكس.. انا اثق بك))
((ملاك امانة في عنقك يا مازن.. دافع عنها ان حصل لي مكروه..))
كل هذا دار في رأس مازن وهو يجلس الى جوار ملاك.. وشعر بالتوتر يسيطر على جسده..والده امنه على ملاك.. ووثق به.. وعمه خالد امنه على ابنته واعتبره مصدر الحماية لها..وهذا الملاك الرقيق ايضا قد وثق به.. فهل يكون جزاءها الخيانة والغدر.. ان يحطم قلب هذا الملاك دون شفقة منه اور حمة.. هذا الملاك التي لم يرى ابتسامتها السعيدة الا عندما تكون معه.. هل يستطيع ان يكون انانيا ويحطم احلامها ليحقق احلامه هو؟ ..يجعلها تتألم حتى يبتسم هو.. لا .. لن يستطيع..كيف له ان يفعل ؟..وهو الذي كلما وقعت عيناه عليها شعر ان العالم لا زال يحمل البراءة والحب والقلب الابيض النقي..
ووجد نفسه يبتسم بحنان وهو يتطلع الى ملاك ويدير وجهها اليه ومن ثم يقول بحنان: لن افعل الا ما تريدينه بعد الآن..
تطلعت له ملاك بتوتر.. في حين شعرهو بمشاعر غامضة سيطرت عليه وجعلته يتحسس وجنة ملاك بكل حنان ورقة .. وخفق قلب ملاك بقوة.. وهي تتطلع اليه بدهشة .. ثم لم تلبث ان شعرت بأن وجهها يكاد يحترق من شدة الخجل والاحراج.. وانفاسها اخذت تتوتر وخفقات قلبها تشعر بأنها باتت مسموعة لمازن.. وعلى الرغم من هذا شعرت بمشاعر جميلة تسيطر عليها.. وتجعلها تشعر بسعادة من لمسة مازن لها.. وتغمض عينيها وهي تترك لمشاعرها العنان..
واخيرا انتبه مازن لما يقعله .. فابعد كفه بهدوء.. وهو يشعر بالحيرة من تصرفه هذا.. وقال بابتسامة باهتة: اتريدين ان تجلسي تحت المطر حقا؟..
فتحت ملاك عينيها وتوردت وجنتاها بخجل.. ومن ثم اومأت برأسها وهي تزدرد لعابها..فنهض مازن من مكانه وقال: انتظريني للحظة ..
وابتعد عنها بخطوات متوترة بعض الشيء.. في حين تابعته ملاك بنظراتها ورفعت كفها لتتحسس وجنتها وهي تشعر بارتجافة تسري في اطرافها كلما تذكرت ماحدث.. وشعور جميل بات يسيطر على كيانها كله و...
( ما هذا الفيلم العاطفي الذي حدث قبل قليل؟..)
رفعت ملاك رأسها الى صاحبة الصوت وازدردت لعابها .. لتسيطر على ارتباك جسدها..وقالت بارتباك وصوت اقرب الى الهمس: ماذا حدث؟..
جلست مها الى جوارها وقالت بخبث: فلتصطنعي الغباء علي الآن..تعلمين اني اعني ما حدث امام عيني.. من رؤيتي لمازن وهو يحملك في الحديقة الى...
قاطعتها ملاك بارتباك: هو من فعل..
قالت مها بخبث اكبر وهي تميل نحوها: ويبدوا انك سعيدة بما فعل..
ارتبكت ملاك بشدة وتوردت وجنتيها بحرج وخجل.. وانقذها من هذا الموقف وصول مازن الى حيث تجلس وهو يدفع مقعدها المتحرك الى جوارها ويقول مبتسما: فلتجلسي عليه حتى آخذك للجلوس تحت المطر..
قالت مها باستنكار: مازن.. ماذا تقول؟.. بالكاد دخلت الى المنزل.. وتريد ان تخرجها منه مرة اخرى..
قال مازن وهو يغمز بعينه: لا يهون علي ان ارى ملاكي حزينة او متضايقة..
تلفتت مها بينهما ومن ثم قالت وهي تنهض من ماكنها: يبدوا ان موقعي خطأ بينكما.. سأغادر الى غرفتي.. وان احتجتما الى شيءفاستدعوني..
قال مازن بسخرية: لن يحتاجك احد.. اذهبي..
وما ان صعدت مها الى غرفتها حتى اسرغ مازن يقول: هيا يا ملاك.. فلتجلسي على مقعدك..
قالت ملاك متسائلة: والى اين ستأخذني؟..
قال مبتسما: الى مكان يمكنك فيه الاستمتاع بقطرات المطر وفي الوقت ذاته احميك من الاصابة بأي مكروه..
لم تعرف ملاك هذا المكان الذي يعنيه.. لكنها استسلمت لطلبه.. ورفعت جسدها لتلقي به على مقعدها المتحرك ..وتحرك مازن بالمقعد الى حيث غرفة الجلوس.. وكلما تقدم اكثر كلما ازدادت حيرة ملاك .. الى ان وصل الى باب الشرفة.. فقال وهو يفتحه: تفضلي آنسة ملاك.. هذه الشرفة الوحيدة بالمنزل الذي لا تصلها قطرات المطر بشكل كبير..
تحركت ملاك بمقعدها وشاهدت الشرفة التي كانت تطل على حديقة المنزل..فتلفتت حولها ومن ثم الى مازن وقالت: يبدوا وان هذا المكان لا يصله المطر المنهمر كما...
قاطعها مازن وهو يدفع مقعدها الى الامام قليلا: وهكذا..
شعرت ملاك بقطرات المطر بدأت تبلل شعرها وكتفيها وابتسمت ابتسامة واسعة لتقول: افضل بكثير.. اشكرك يا مازن.. اشكرك..
تطلع مازن الى ملاك بألم.. وهذه الاخيرة غير منتبهة له وتستمتع بقطرات المطر.. وقال متحدثا الى نفسه: ( علام تشكريني يا ملاك؟.. على تفكيري بعرض عمي المغري.. او على ترددي في الانفصال عنك لتحقيق احلامي.. لم اشعر بالتردد لأخذ قرار ما الا مرتين يا ملاك .. اولهما كان قرار ارتباطي بك.. وثانيهما الانفصال عنك.. ولأول مرة احتقر نفسي لأني اشعر بأني انسان نذل وجبان.. انسان يفكر بالوصول الى احلامه عن طريق تحطيم احلام الآخرين.. انسان يفكر بالسعادة على حساب آلام الآخرين.. صدقيني يا ملاك .. لأول مرة في حياتي اشعر بأن احلامي وسعادتي لم تعد تهمني.. فنظرة واحدة من عينيك تجعلني انسى من هو مازن امجد .. واتذكر فقط اني زوج لهذا الملاك الرقيق الذي يجلس الى جواري)..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
شعر عادل بالملل من ابنه الذي لا يكل او يمل من كثرة الحديث اليه عن مها ورغبته في الزواج منها وهما يجلسان في ردهة المنزل.. ويحاول اقناعه بشتى الطرق للموافقة على هذا الزواج.. وهز رأسه وقال بضيق: والخلاصة الآن..
قال احمد في سرعة: اريد ان اتزوجها يا والدي.. فما الذي يدعوك للرفض؟..
قال عادل بحنق: ليس الوقت مناسبا لهذا.. ففؤاد يخطط لانفصال ملاك عن مازن وبالتالي سيتم عقد قرانها عليك..كما وانك لا تزال صغيرا على تحمل مسئولية الزواج..
قال احمد في سرعة: لقد بلغت الواحد والعشرون عاما.. ولا اظن ان سني غير مناسب للزواج..
واردف بتفكير: ثم ان زواجي بمها افضل بكثير الآن من زواجي بها بعد ان اتزوج ملاك..
تطلع له والده وقد شد انتباهه ماقاله احمد فقال متسائلا: وكيف ذلك؟..
قال احمد وهو يعقد كفيه امام وجهه: بمعنى اني لو تزوجت بمها الآن فلن يمانع عمي امجد لأنها ستكون الزوجة الاولى لي.. وبعدها يمكنني ان اتزوج من ملاك تحت الضغوطات التي ستفرضه عليه انت وعمي فؤاد.. اما لو اني تزوجت ملاك.. ومن ثم طلبت الزواج من مها فبالتأكيد والدها سيمانع وحتى ان كان ذلك تحت ضغوطات معينة.. فمها هي ابنته وتهمه مصلحتها .. ولكن ملاك هي ابنة عمي خالد ولا اظن انه سيهتم بها بقدر ما سيهتم بمستقبل ابنته..
عقد عادل حاجبيه بتفكير عميق.. وظل صامتا لدقائق ومن ثم قال بهدوء: حديثك مقنع بعض الشيء.. دعني افكر في الموضوع قليلا.. وبعدها سأذهب لخطبة مها لك..
قال احمد بلهفة: متى؟..
قال عادل بحزم: بعد يومين او ثلاثة.. ولن اذهب اليهم قبل هذا الوقت..
قال احمد بابتسامة ساخرة: لا بأس المهم ان تكون مها لي في القريب العاجل..
واردف متحدثا الى نفسه: ( وسنرى يا حسام كيف ستسامحها بعد ذلك وكيف ستصدق أي حرف مما ستقول.. وانت يا مها.. اعدك بأن اعيد اهانتك لي اضعافا.. وان تأتي الي وتترجيني بكل ذل لكي اتركك وانفصل عنك.. ولكن ذلك سيكون ابعد من النجوم بالنسبة لك)
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
رقص قلب مها فرحا وهي تستمع الى كلمات حسام التي قالها قبل قليل.. وتوردت وجنتيها بخجل وهي تقول: حقا يا حسام؟.. والداك سيأتون غدا الى منزلنا لخطبتي..
قال حسام مداعبا: لا كانت مجرد مزحة.. وماذا تظنين اذا؟.. لقد اخذت الح على والدتي ووالدي حتى شعروا بالضجر مني وطردوني خارج المنزل وهم يهتفون (اذهب لتتزوج مها الآن ان اردت)..
قالت مها وهي تبتسم: اذا فقد طردت بسببي..
قال حسام بمرج: اجل وانا اهيم على وجهي الآن في الشوارع بحثا عن منزل..
قالت مها وبتسامتها تتسع: ولم تبحث وامامك منزلنا؟..
قال حسام وهو يبتسم: اخشى ان يطردني والدك كذلك ان اتيت اليه واخذت الح عليه بالزواج منك..
ضحكت مها بمرح فقال حسام مردفا: او ربما يطردنا انا وانت من المنزل ويصرخ فينا ان نتزوج الآن ان اردنا.. المهم ان نتركه وشأنه ..
قالت مها بدلال: من قال ان والدي يستغني عن وجودي في المنزل؟ ..
قال حسام بحنان: ومن قال ان بامكاني الاستغناء عنك بعد الآن؟..
شعرت مها بالاحراج وقالت بخجل : حسام..
قال حسام بحب: قلبه وعقله وروحه ..
قالت مها بارتباك وهي تشعر بأن نبضات قلبها باتت مسموعة لكل من في المنزل: اراك في الغد..
قال حسام بخبث: وستكونين خطيبتي حينها.. ولا شأن لأحد بك..
ادركت مها انه يحاول احراجها فقالت بخبث: و ربما لا يوافق والدي على هذه الخطبة..
قال حسام بحنق: بل سيوافق.. رغما عن الجميع..
قالت مها وهي ترفع حاجبيها: أأصبح الزواج هذه الايام بالاجبار؟..
قال حسام وهو يفكر: اتعلمين وجدت الحل؟..اذا رفض والدك.. فسأصوب مسدسي الى رأسك.. فإما ان يوافق او اقتلك..
واردف بمرح: وان اختار الخيار الثاني فلاذنب لي حينها..
قالت مها باستنكار مصطنع: ماذا؟..
اسرع حسام يقول : لكني سأطلق الرصاص على رأسي اولا فإما ان نعيش معا او نموت معا..
قالت مها بضيق: أي حديث هذا عن الموت تقوله بعد ان اخبرتني بخبر خطبتك لي.. الم تجد حديثا افضل؟..
قال حسام بابتسامة واسعة: بلى وجدت.. احبك يا مها.. اعشقك.. نبضات قلبي باتت تهتف باسمك..وعيناي تشتاقان لرؤياك .. و...
قالت مها بابتسامة مداعبة: تحدث عن الرصاص والمسدسات افضل...
ضحك حسام وقال وهو يرمي بنفسه على فراشه: اذا في الغد..سآتي لخطبتك.. واياك والتفكير.. ستوافقين على الفور..
ضحكت مها قائلة: حقا.. وكأني لم اصدق ان شابا قد أتى لخطبتي..
قاطعها صوت طرقات على الباب وصوت مازن يقول وهو يفتح الباب: اخبري حسام ان يكف عن مغازلاته لك.. وانت الاخرى اسرعي بالنزول.. العشاء جاهز..
ابعدت مها الهاتف عن اذنها قليلا ومن ثم قالت بحنق: حسام ليس مثلك.. على الاقل هو صادق في مشاعره ولا يكذب على ...
قاطعها مازن وهو يتقدم منها ويختطف الهاتف من كفها: كفاك ثرثرة ..
قالت مها باستنكار وضيق: اعد الي الهاتف..
لم يهتم مازن بما قالته وقال متحدثا الى حسام: دع اختي وشأنها ولا تتصل بها مرة اخرى..
قال حسام بابتسامة: لكنها خطيبتي..
رفع مازن احد حاجبيه بسخرية وقال: لم ارك تأتي الى منزلنا لخطبتها بشكل رسمي بعد..اظن ان بعدها بأمكاني ان اطلق على مها اسم...
واردف مقلدا لهجة حسام: خطيبتك...
قال حسام بخبث: لم اشعر انك بدأت تشعر بالغيرة من علاقتي بمها؟ ..
قال مازن بسخرية: اجل لدرجة اني لن اسمح لك بالحديث اليها الا يوم عقد القران..
- حاول ان استطعت.. سأختطفها واهرب حينها..
قال مازن بدهشة مصطنعة: وايضا يعترف.. سأبلغ والدي منذ الآن بأنك خطر على مها.. ما الذي يضمن لنا بأنك لن تختطف احد ابناء الجيران مستقبلا اذا لم يلبِ رغبتك؟..
قال حسام مبتسما: لا شأن لك حينها انا ومها من سنتفاهم..
قال مازن بسخرية: على من يربي الابن الذي اختطفته..
واردف قائلا: استمع الي.. غدا ان جئت وخطبتها بشكل رسمي ووافقت مها ووالدي.. وانا وكمال طبعا ..على الرغم من اني لا اضمن لك موافقتي..ولكن ان حدث ذلك فبعدها بامكانك الحديث الى مها كما تشاء.. والآن اتركها لتتناول طعام العشاء.. الا تشعرون بالملل من بعضكم ابدا؟ ..
قال حسام بخبث: اذا شعرت انت بالملل من ملاك .. حينها سأشعر بالملل من مها..
قال مازن في سرعة: دمك ثقيل.. الى اللقاء الآن..
في حين قالت مها بحنق وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: من سمح لك ان تتحدث مع حسام بهذه الطريقة..
قال مازن بغرور: انا سمحت لنفسي..واتبعيني لنتناول طعام العشاء..
قالت مها وهي تشير له بكفها: انتظر .. اود ان اتحدث اليك اولا..
قال مازن متسائلا: بشأن؟..
تطلعت له مها بنظرة ثاقبة ومن ثم قالت: ما حدث اليوم..
قال مازن وهو يحتل مقعد يهتز للامام والخلف: وماذا حدث اليوم؟..
قالت مها وهي تميل نحوه: انت تعلم ما حدث جيدا.. لا تظن اني سأصمت على ما فعلته بملاك.. ومرة اخرى ان اردت لقاء صديقاتك فلا يجب ان يكون لقاءك بهن امام ملاك..
قال مازن وهو يهتز بالمقعد بهدوء: الامر ليس كما فهمته.. رشا هي من جاءت الي..و...
قاطعته مها وقالت وهي تضيق عينيها: ومن رشا هذه؟.. صديقة جديدة؟ ..
قال مازن في سرعة: زميلة لي في النادي وتعرفت عليها قبل عقد قراني على ملاك.. المهم انها جاءت الي حتى تبارك لي بحسب ما قالته..وبعدها فوجئت بها تقول كلمات مثل ان زوجتك فتاة عاجزة وانني لم اتزوجها الا شفقة مني..
قالت مها وهي تعقد حاجبيها: وكيف تسمح لها بقول مثل هذا عن ملاك؟..
قال مازن وهو يهز كتفيه: ومن قال اني سمحت لها.. لقد اوقفتها عن مواصلة حديثها وطلبت منها مغادرة المكان..
قالت مها بسخرية: اذا فلقد حطمت قلب رشا هذه حينها..
واردفت قائلة بتفكير: ولكن ما اذاكره ان ملاك قد ذكرت اسم ندى عندما كنا في السيارة ولم تذكر اسم رشا هذه ابدا..
قال مازن وهو يغمض عينيه ويعود بذهنه الى ماحدث قبل ساعات: ذلك لأني استطعت اقناع ملاك بأن رشا كانت تشعر بالغيرة منها وتريد مضايقتها بشتى السبل.. اما ندى فلم تحاول مضايقة ملاك .. بل على العكس لقد ساعدت في احضار المقعد لملاك..
قالت مها باستغراب: ندى تساعد.. لابد انها تريد من وراء هذه المساعدة شيئا..
واردفت قائلة: حسنا اكمل لي ما حصل..
قال مازن وهو يمط شفتيه ويفتح عينيه: وكعادة ندى عندما تتدللل.. اقتربت مني وامسكت بكتفي حتى تترجاني..
قالت مها وهي تضع كفها تحت ذقنها: وكل هذا وتريد من ملاك ان تصمت.. صدقني لو كنت في مكانها ورأيت فتاة تقترب من زوجي فقط.. لأقمت الدنيا واقعدتها..
قال مازن ساخرا وهو يترك لجسده الاهتزاز مع المقعد: اذا فقد ضمنا ان تعودي الى منزلنا بعد شهر واحد من زواجك بحسام..
قالت مها بحنق: مازن انا لا امزح.. ان كنت قد قبلت بملاك زوجة لك فعليك مراعاة شعورها.. وحاول ان تغير من طباعك لأجلها.. والا اتركها لتعيش حياتها.. وان كان الامر يتعلق بحماية املاكها.. فهي اهم من أي ثروة قد تحميها.. اسمعني يا مازن هذه المرة كانت ردة فعل ملاك هو الحزن لكونها قد رأتك مع فتاة فقط.. فماذا لو علمت انك صديق لكل فتاة في النادي.. ماذا ستكون ردة فعلها حينها؟..
قال مازن وهو ينهض من مجلسه: مها ارجوك.. انا لم احاول ان افعل أي شيء قد يؤذي مشاعر ملاك.. هما من قاما بملاحقتي.. فما ذنبي؟..
قالت مها وهي تتطلع اليه بحدة: ذنبك انك تركت لهم المجال مفتوحا لفعل ما يريدون.. ذنبك انك رافقت هذه وتلك..ذنبك انك تزوجت ملاك ونسيت انك الآن زوجا وعليك ان تحترم مشاعر زوجتك..
التقط مازن نفسا عميقا ومن ثم قال : سأذهب لتناول طعام العشاء ان اردت فاتبعيني..
قالها ومضى في طريقه.. واسرع يهبط درجات السلم وهو يقول متحدثا الى نفسه بتوتر: ( مابك؟ .. آلمتك الحقيقة عندما اظهرتك على حقيقتك.. شعرت بالضيق عندما علمت انك انت المذنب ولا احد سواك..وعلى الرغم مما قالته رشا من كلمات قاسية لكنها صدقت في امر واحد.. لقد تزوجت من ملاك شفقة بها.. وليس لأي سبب آخر.. هذا الملاك الرقيق الذي خشيت ان تقع في قبضة عمي فؤاد او عادل.. وقعت في قبضتي انا.. واخشى يوما ان احطمها بقبضتي ذاتها التي احميها بها دون ان اشعر)...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
جالسة في حقل اخضر يكتسي بالزهور.. وتتلفتت حولها بكل سعادة .. واشعة الشمس تنعكس عن مقعدها المعدني.. واقتربت من احدى تلك الازهار الحمراء.. لتقرب كفها منها ومن ثم تقطفها.. وما ان فعلت.. حتى تأوهت بألم.. وشعرت بالدماءقد سالت على اصابعها..
وسمعت صوته القادم من اعماق بئر سحيقة وهو يهتف بها ( ملاك تعالي الي)
تطلعت ملاك الى قدميها وقالت بحيرة (لا استطيع)
اقترب منها ذلك الشاب وقال بابتسامة (بل تستطيعين.. فقط تعالي الي)
قالت ملاك وهي تتطلع الي قدميها بألم ( لكن قدماي...)
قاطعها صاحب ذلك الصوت وهو يمسك بكفيها ويرفعها عن المقعد.. ليجعلها تقف على قدميها .. فقالت مبتسمة بسعادة (انا اقف يا مازن.. اقف..)
قال مبتسما بحنان (الم اقل لك؟)
ابتسمت له بسعادة ومن ثم رأته يغادر ويتركها وحيدة .. فهتفت به قائلة (الى اين تذهب؟..)
قال وهو يتطلع اليها ( انا افعل ما تردين)
قالت ملاك برجاء( بل اريدك ان تبقى معي)
وكأنه لم يستمع لعبارتها فقد مضى في طريقه تاركا اياها .. وصرخت ملاك قائلة منادية اياه (انتظر يا مازن.. لا تذهب.. مازن)
وفجأة فتحت ملاك عينيها على اتساعهما وهي تستيقظ من نومها .. وشعرت بضيق شديد وبشيء يجثم على صدرها وهي تتذكر نهاية الحلم.. وتنهدت بحرارة وهي تلتفت لترى الساعة المجاورة لفراشها والتي تشير عقاربها الى الخامسة صباحا..
التقطت نفسا عميقا.. وهي تحاول ابعاد ذكرى الحلم عن ذهنها.. انها المرة الثانية التي ترى فيها ذات الحلم في منامها.. فهل يكون رؤيا يا ترى؟..
وحاولت بجهد ان تعود الى النوم من جديد.. ولكن كان نصيبها هو التفكير في مجريات الحلم.. ولكي تمنع نفسها من التفكير.. نهضت معتدلة من فراشها.. وامسكت بيد المقعد المتحرك لتجذبه الى جوار فراشها.. ومن ثم ترمي بثقلها عليه.. واخيرا حركت عجلات مقعدها الى حيث نافذة الغرفة.. وتطلعت بابتسامة سعيدة الى ضوء الشمس الذي اخذ يشق طريقه في الظلام.. معلنا انتصار النهار على الليل في هذه المعركة الابدية.. وبدد ضوءها الذهبي السواد الذي يعم الارجاء.. ليحل مكانه نورا ابيض انتشر على المساحة الممتدة امام ناظري ملاك ..
وابتسمت ملاك وهي تضع كفيها على النافذة..وتراقب بشغف هذا المشهد.. وتتطلع بابتسامة الى ارض الحديقة التي يكسوها الثوب الخضر.. والتي تزينها الزهور بجميع ارجاءها..تماما كما الحقل الذي رأته في حلمها.. والذي كانت تعم الزهور ارجاءه...
وبينما هي تراقب الحديقة .. والى ما اضفى المطر على الارض من خضرة وحياة.. شعرت بالبرد يرجف اطرافها.. فتوجهت الى خزانتها لتلتقط منها معطفا دافئا.. ومن ثم ترتديه.. وبينما هي كذلك لمحت بجانب من جوانب الخزانة رواية (حب الى الابد).. فالتقطتها وارتسمت على شفتيها ابتسامة واسعة وهي تتصفح الرواية وتصل الى آخر ما قرأته..
والتهمت عيناها السطور وهي تكمل ما بدأته .. وسيطرت احداث الرواية على ذهنها وجعلتها منشدة لها بكل حواسها.. فلم تنتبه الى مرور الوقت.. والى تلك الطرقات التي سمعتها على باب غرفتها.. لتجد نادين امامها تقول بابتسامة: آنستي .. هل استيقضت؟..
انتفضت ملاك من الصوت الذي اخترق تأملاتها.. والتفتت الى نادين قائلة: اجل منذ قليل..
قالت نادين بهدوء: اذا سأعد لك طعام الفطور..
- لا يزال الوقت مبكرا..
قالت نادين بحيرة: انها العاشرة.. الن تتناولي طعام الافطار كعادتك في هذا الوقت اليوم؟..
قالت ملاك بدهشة: ماذا؟.. العاشرة؟.. لم انتبه لمرور الوقت..
واردفت قائلة: بلى اعدي الفطور.. سأستبدل ملابسي ومن ثم سألحق بك لتناوله..
اومأت نادين برأسها ومن ثم انصرفت مغادرة الغرفة.. في حين التفتت ملاك الى طائرها وقالت بابتسامة : خمس ساعات قد مرت وانا لم اشعر بالوقت.. االى هذه الدرجة جذبتني احداث الرواية يا مازن ؟..
ومن ثم اردفت قائلة: لكن لايزال ذكرى ذلك الحلم في رأسي.. واكذب ان قلت انه غاب عن تفكيري لحظة واحدة.. اريد ان اعلم لماذا ذات الحلم قد تكرر لي مرتين؟.. ولم في هذه المرة قد رأيت مازن يرحل يتركني؟..يا الهي احمه ارجوك من كل شر..
سمعت صوت تغريد الكناري..فقالت بابتسامة باهتة: اعلم اني مقصرة في حقك وقد أخذت اهتم بنفسي وبمازن اكثر منك.. لكن صدقني ستكون معي دائما.. انت و ..ابي ..
توجهت بعدها لتجهز نفسها .. ومن ثم تطلعت الى نفسها في المرآة وهي تمشط شعرها الاسود الذي ينساب بنعومة على كتفيها.. وبغتة سمعت طرقا على الباب.. فقالت في سرعة: قادمة يا نادين .. دقائق فقط..
جاءها صوت مها وهي تقول: أي نادين؟.. انها انا..
اسرعت ملاك تتوجه بمقعدها نحو الباب وتفتحه قائلة بخجل: عذرا لقد ظننتك نادين..
قالت مها مبتسمة: لم يحدث شيء.. لقد جئت الى هنا حتى اتحدث اليك قليلا..
التفتت لها ملاك وقالت بابتسامة باهتة: انا اسمعك..
قالت مها وهي تتطلع اليها بحيرة: مابك؟..
مرت ذكرى الحلم امام عينيها كشريط سينمائي.. فهزت رأسها لتبعده عن ذهنهاوقالت : لا شيء..
واردفت قائلة:ادخلي.. لم تقفين عند الباب؟..
اتجهت مها لتجلس على طرف الفراش ومن ثم قالت:سأسألك سؤالا يا ملاك.. واجيبيني عليه بصراحة..
شعرت ملاك بالقلق من سؤالها وقالت: سأفعل بالتأكيد..
قالت مها وهي تتطلع اليها: كيف يعاملك مازن؟.. اعني هل انت مرتاحة معه؟.. وهل يتجاهل وجودك ان ذهب الى النادي او أي مكان آخر؟..
ابتسمت ملاك وقالت وهي تهز رأسها نفيا.. ووجنتيها قد توردتا بحمرة الخجل: يعاملني افضل مما اتمنى.. انه يهتم بي اكثر مما اهتم انا بنفسي .. اشعر بحنانه في كلماته ونظراته الي.. كلمة مرتاحة بسيطة على ما اشعر به.. عندما اكون مع مازن اشعر بأن الدنيا قد ابتسمت لي ومنحتني السعادة على طبق من ذهب..
قالت مها متحدثة الى نفسها وفي عينيها نظرة تجمع ما بين الحنان والاشفاق: (كل هذا تحملينه بقلبك يا ملاك.. لو يعلم مازن فقط بكل هذه المشاعر التي تحملينها له..لما فكر بالزواج بك لمجرد حمايتك من طمع عمي فؤاد.. لفكر الف مرة قبل الاقدام على هذه الخطوة التي يتلاعب فيها بمشاعرك دون ان يشعر ..ثم كيف له ان يجد قلبا كقلب ملاك يحبه الى هذه الدرجة ويفكر بغيره.. سيكون احمقا بحق لو فعل)..
وقالت متحدثة الى ملاك وهي تريد ان تعرف طريقة تعامل مازن معها عندما يكون بالنادي: وبالنادي؟...
اجابت ملاك قائلة بابتسامة: يظل معي طوال الوقت .. يتحدث الي في أي شيء ولا نشعر بمرور الوقت ونحن نتحدث..
همت مها بالقاء سؤال آخر لولا ان ارتفعت طرقات متتابعة على الباب.. فقالت ملاك بصوت اقرب الى الهمس ويحمل كل مافي قلبها من حب: مازن..
ارتفع حاجبا مها بدهشة عندما سمعتها.. وسمعت في تلك اللحظة صوت مازن يقول: ملاك.. هل يمكنني الدخول؟..
قالت مها بخبث: وايضا تحفظين صوت طرقاته..
قالت ملاك مبررة: لا احفظها .. ولكن مازن الوحيد الذي يطرق الباب بطرقات متتابعة وسريعة..
تطلعت مها بخبث الى ملاك.. وفي تلك اللحظة فتح مازن الباب وقال بضيق: ستتركوني انتظر على الباب طويلا وتتبادلان انتما الاحاديث..
قالت مها بابتسامة ساخرة: لا اعرف كيف تنتظر وقد دخلت الى الغرفة وانتهى الامر..
قال مازن وهو يلتفت الى مها: لم يحدثك احد لهذا اصمتي..
واستند بكفه على الباب وقال مبتسما وهو يلتفت الى ملاك: هل ادخل؟..
قالت ملاك بخجل: بالتأكيد..
سار بخطوات هادئة الى ان جلس على مقعد قريب من ملاك وهناك قال: فيم كنتما تتحدثان قبل وصولي؟..
قالت مها وهي تسند ذقنها الى كفها: عنك..
قال مازن وهو يلتفت الى ملاك: حقا؟..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا بخجل.. وفي تلك اللحظة انطلق هاتف مازن بالرنين.. فالتقطه من جيب بنطاله ومن ثم تطلع الى الاسم الذي يضيء على شاشته قبل ان يقطع الاتصال.. ويجعله على الوضع الصامت.. ويرميه الى جواره.. فقالت مها متسائلة: من كان المتصل؟..
قال مازن ببرود: شخص تافه.. لا شأن لك به..
واردف قائلا: الن تغادري لتناولي طعام الفطور يا مها؟..
استلقت مها على الفراش وقالت بخبث: ليس قبل ان تتناوله انت..
قال مازن بخبث بدوره: ستغادرين او اقوم بطرد حسام هذا اليوم ..
وكأن كهرباء قد صعقت جسد مها.. فقد نهضت من مكانها بغتة وقالت مرددة: حسام .. سيأتي اليوم.. كيف نسيت هذا؟..
قال مازن بسخرية: اجل اسرعي واجهزي له منذ الآن..
قالت مها وهي تنهض من مكانها : دون ان تقول ذلك.. كنت سأفعل..
وما ان خرجت مها حتى قال مازن: واخيرا..
والتفت الى ملاك ليردف بابتسامة: كيف حالك اليوم عزيزتي؟ ..
عاد الحلم ليمر امام ناظريها وخصوصا عندما تركها مازن ومضى في طريقه..ولكنها قالت وهي تنتزع نفسها من افكارها: بخير..
قال متسائلا: الست بحاجة الى شيء؟..
قالت ملاك وهي تهز رأسها نفيا: لا شيء .. اشكرك..
انتقلت انظار مازن الى الطائر الموجود بالقفص عندما سمع تغريده.. وقال وهو يغمز لها بعينه: وكيف حال مازن الآخر؟..
قالت ملاك وهي تلتفت الى الطائر بدورها: اظن اني قد اهملته هذه الايام.. وانشغلت عنه..
قال مازن وهو يميل نحوها وبصوت خافت: بي؟..
اسرعت ملاك تبعثر نظراتها وتقول بارتباك: بكل ما حدث و.. بك ايضا..
لم يستمع مازن لكلمتها الاخيرة اثر نداء والده له.. فقال بضيق: قبل قليل مها والآن والدي.. يبدوا واني لن استطيع الجلوس معك لوحدنا قليلا..
ونهض من مكانه مردفا: سأذهب لأرى ما يريده والدي واعود اليك..انتظريني..
اومأت ملاك برأسها.. ورأته يتجه نحو باب غرفتها ليغادرها ..وفي اللحظة ذاتها التفتت لترى هاتفه الذي تركه على المقعد يضيء معلنا اتصال ما.. وكادت ملاك ان تهتف بمازن.. ولكن النداء لم يتجاوز حلقها.. فقد احست بفضول لتعلم من هو المتصل الذي لم يجبه مازن..
وحركت عجلات مقعدها قليلا.. لتلتقط الهاتف المحمول وتتطلع اليه بفضول وتوتر.. وشعرت بارتجاف اناملها وهي ترفع ناظريها الى اسم المتصل.. والتي لم تكن سوى (حنان)..
شعرت بالدهشة والغيرة في الآن ذاته من اسم المتصلة والتي يضيء اسمها على شاشة هاتف مازن..وضغطت زر الاجابة على الهاتف بدافع الغيرة هذه المرة وليس الفضول..وقبل ان تنطق بحرف واحد.. سمعت صوت حنان يأتيها وهي تقول في سرعة: حبيبي مازن ..ماذا بك؟.. ماذا جرى لك؟.. لماذا لا تجيب على اتصالاتي؟..قلقت عليك كثيرا.. اخبرني أأنت بخير؟..
الم يقولوا ان " الفضول قتل القط".. وها هو ذا يقتل قلبا بريئا لا ذنب له سوى انه احب وتعلق بانسان لا يستحق.. و لا يعرف معنى الحب..
الجزء الثالث والثلاثون
"صدمة"
حركت ملاك عجلات مقعدها قليلا.. لتلتقط الهاتف المحمول وتتطلع اليه بفضول وتوتر.. وشعرت بارتجاف اناملها وهي ترفع ناظريها الى اسم المتصل.. والتي لم تكن سوى (حنان)..
شعرت بالدهشة والغيرة في الآن ذاته من اسم المتصلة والتي يضيء اسمها على شاشة هاتف مازن..وضغطت زر الاجابة على الهاتف بدافع الغيرة هذه المرة وليس الفضول..وقبل ان تنطق بحرف واحد.. سمعت صوت حنان يأتيها وهي تقول في سرعة: حبيبي مازن ..ماذا بك؟.. ماذا جرى لك؟.. لماذا لا تجيب على اتصالاتي؟..قلقت عليك كثيرا.. اخبرني أأنت بخير؟..
الم يقولوا ان " الفضول قتل القط".. وها هو ذا يقتل قلبا بريئا لا ذنب له سوى انه احب وتعلق بانسان لا يستحق.. و لا يعرف معنى الحب..
أي صدمة شعرت فيها ملاك في تلك اللحظة.. أي خناجر طعنت قلبها وهي تسمع فتاة تتصل بمازن وتقول له (حبيبي) بكل جرأة .. ملاك التي احبته طوال عمرها لم تتجرأ حتى بعد عقد قرانها عليه بأن تنطق بهذه الكلمة.. فكيف لهذه الفتاة التي لا يربطها به أي صلة قرابة او رباط رسمي..ان تقول هذه الكلمة ..
وعلى الرغم من الالم الذي يعتصر قلبها وجدت ملاك نفسها تقول بعصبية: من انت؟..
قالت حنان وان استغربت من صوت ملاك في البداية: بل من انت؟.. لقد اتصلت بمازن.. فمن تكونين؟..
التقطت ملاك نفسا عميقا وقالت بحزم: زوجته..
بهتت حنان للوهلة الاولى بعد علمت ان من حدثتها هي زوجة مازن..ولكنها شعرت بحقدها على ما فعلها بها مازن كل تلك الشهور وتلاعبه بها ينصب على ملاك.. وعلى ما تسبب لها من الم ومعاناة عندما تركها دون ان يهتم بعدما احبته.. وقررت انه من المستحيل ان تترك ملاك تفوز بمازن.. فكما تألمت هي عندما تركها مازن..يجب ان تتألم ملاك ايضا وتذيقها من ذات الكأس الذي تجرعته.. فمن تكون ملاك حتى تحظى بمازن لها وحدها؟..
وقالت منحدثة بحقد: انت زوجته العاجزة اذا..
طعنات متواصلة الى قلب ملاك الجريح الذي لا زال ينزف ودماءه لم تجف بعد..واردفت حنان بقسوة وبلا رحمة على قلب ذلك الملاك الرقيق:والذي تزوجها لمجرد شفقة منه عليها .. وما ان يمضي بعض الوقت حتى يتركها ويرميها كأي كأس ماء فرغ من شربه..
قالت ملاك بصوت مختنق .. وبدموع تنذر بسقوطها في أي لحظة: اصمتي.. انت كاذبة..
قالت حنان وهي تضحك بسخرية: كاذبة؟.. ولم اكذب يا عزيزتي؟..يبدوا وانك لا تعرفين مازن جيدا.. مازن يا عزيزتي هو رفيق كل فتاة في النادي.. بل واكثر من ذلك .. ان رأيت مازن في حفلة او مكان ما.. من المستحيل ان لا تريه مع فتاة..
قلات ملاك بانفعال وقد انتصرت دموعها عليها لتسيل على وجنتيها بكل مرارة: اصمتي .. لا اريد سماع المزيد.. انت كاذبة ..لا اصدق حرفا واحدا مما تقولين.. مازن ليس هكذا .. انا اعرفه اكثر من أي شخص آخر في هذا العالم ..
قالت حنان بسخرية واستهزاء: اذا لا زلت لا تصدقين.. فعلا كما يقُال عنك.. مجرد ساذجة لا تعرف أي شيء مما يدور حولها.. استمعي الي اذا لتعرفي الدليل على كل ما قلته.. مازن لا يهتم بك ولا تفكري في هذا ابدا.. لديه المئات من الفتيات الفاتنات واللاتي لا يعانين أي عجز مثلك .. فأخبريني ما الذي سيجعله يهتم بفتاة مثلك؟؟.. ساذجة وعاجزة في الآن ذاته...
ارجوك يكفي.. يكفي ما اتلقاه من طعنات .. يكفي جروحا وآلام.. لم اعد استطيع ان احتمل.. الدموع تحجب الرؤية عن عيناي.. وقلبي يبكي بدموع من دم.. الى متى ستظل تبكي يا قلب؟.. الى متى؟.. اليس من حقك ان تشعر بالسعادة الا لدقائق وبعدها تعود وتتألم؟..
وقالت حنان وهي تشعر بالانتصار وهي تستمع الى صوت نحيب ملاك وشهقاتها: والدليل بين يديك.. ابحثي في هاتفه في (صندوق الوارد) .. وايضا (الرسائل المرسلة).. ولن تجدي دليل واحد فقط.. بل العشرات منها.. فاستمتعي.. الى اللقاء عزيزتي..
واردفت بخبث: ولا تنسي ان تخبري مازن ان حبيبته حنان قد اتصلت.. وداعا ايتها العاجزة..
ضغطت ملاك على الهاتف المحمول بكل قوتها.. بكل الم وعذاب.. بكل مرارة تعتصر قلبها لتجعل دموعها تتساقط دون استئذان.. وارتجفت كفاها وصوتها وهي تهمس قائلة وتقول بلهجة لم تقنعها هي نفسها: هذه الفتاة تكذب.. اجل .. مازن قال هذا.. قال انهن يشعرن بالغيرة مني لهذا يردن مضايقتي بكل طريقة.. اجل هذه هي الحقيقة.. وما قالته هذه الفتاة كذب ..
وتطلعت الى الهاتف الذي بين يديها وهي تقول من بين شهقاتها: لكنها بدت واثقة مما تقول.. وكأنها تعلم مسبقا ان ما تقوله هو الصدق.. لكن لن افعل شيئا سوى ان اتأكد .. انا اعلم مسبقا ان مازن ليس كما وصفته.. وانه انسان حنون وصادق.. طيب القلب و...
بترت عبارتها وازدردت لعابها مرتين متتاليتين.. لعلها تطفأ اللهيب المشتعل بقلبها..وبتردد وبقلق كبير اخذت تضغط زر فتح صندوق الوارد.. فما ستقرأه من رسائل قد يبنى عليه مستقبلها وحياتها..
التقطت نفسا عميقاحاولت ان تملأ به رئتيها.. قبل ان تتطلع الى الرسائل الموجودة بصندوق الوارد.. واتسعت عيناها بصدمة.. فأغلب تلك الرسائل كانت مرسلة من فتيات.. ندى.. رشا.. حنان.. غدير.. وغيرهن الكثير.. وشعرت بقلبها يخفق بلوعة وهي تفتح احدى رسائل ندى وتقرأ كلماتها التي كانت تقول (مازن.. اشتقت اليك كثيرا.. متى ستأتي الى النادي؟)..
ازداد ضغطها على هاتف مازن المحمول وهي تحاول ان تجد مبررا لكل ما تقرأ.. وفتحت رسالة اخرى لعلها تكون ابسط من سابقتها وكانت مرسلة من رشا تقول فيها ( عزيزي.. اشكرك على هديتك .. وكلماتك الرائعة التي كانت كالبلسم لقلبي)..
وكلما كانت تقرأ رسالة مرسلة من احداهن تشعر بقلبها يكتوي بنار .. نار الغيرة.. نار الغضب.. نار الكره.. شعرت بالكره تجاه مازن يتولد تجاهه في لحظة.. وهي تعيد كل ما اصابها بسببه وبسبب صديقاته..وقالت بصوت مرتجف وبقلب يعتصر بكل حزن وندم على حبه لشخص مثل مازن: اذا فقد كان يخدعني.. كان يكذب علي.. اهتمامه بي كان شفقة لا اكثر.. طلب الزواج مني لانه يشفق على عاجزة مثلي.. وانا الحمقاء التي احبته بكل اخلاص والتي صدقت كل ما كان يقوله..كنت اعتبره انبل شخص في العالم واكثرهم حنانا لي بعد والدي.. لكني غبية .. لاني صدقت كاذب مثله..خدعني وحطم قلبي دون رحمة..
ووجدت نفسها ترمي بالهاتف بقوة على الحائط وتقول بصوت اقرب الى الصراخ: اكرهك يا مازن.. اكرهك..
وبكى قلبها الجريح بدموع من دم.. وسالت تلك الدماء على قلب احب بكل صدق وكان نصيبه الزيف والخداع.. تماما كما انجرحت اناملها وسالت دمائها بغزارة بحلمها ذاك عندما حاولت قطف زهرة الحب...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قبل ربع الساعة من الاحداث.. وبعد ان خرج مازن من غرفة ملاك اثر نداء والده.. توجه الاول الى هذا الاخير في الردهة .. وقال بابتسامة هادئة وهو يقف الى جوار والده الذي يتخذ مجلسه على الاريكة: هل ناديتني يا والدي؟..
قال امجد بهدوء وهو يشير على المقعد: اجل.. اجلس..
جلس مازن بجوار والده على الاريكة.. فقال امجد بهدوء: لقد اتصل بي اليوم خالك .. والد حسام ..ويريد ان يأتي هو وابنه هذا المساء..
مازن فهم الامر تقريبا ولكنه قال متسائلا حتى لا يعرف والده انه قد علم بالامر قبله: بشأن ماذا؟..
قال امجد وهو سند رأسه لمسند الاريكة: لست اعلم.. قال انه سيخبرني بالموضوع عندما يأتي مساءا.. هو وابنه.. وبصراحة استغربت هذه الزيارة..فليس بالعادة ان يزورني خالك الا فيما ندر او في المناسبات..
قال مازن مبررا: ربما يكون الامر مهما..
قال امجد وهو يهز كتفيه: ربما..
واردف قائلا وهو يلتفت الى مازن ويقول بصرامة: لهذا.. لا تغادر اليوم المنزل .. لا انت ولا كمال.. اريد ان تكونا في استقبالهما..
اومأ مازن برأسه وقال: لن اغادر كما تأمر يا والدي ..وسأبلغ كمال ايضا ..
واردف قائلا: ايمكنني ان اذهب الآن؟..
حدجه والده بنظرة ثاقبة ومن ثم قال: اذهب..
ابتسم مازن وهو ينهض من مكانه ويتجه الى غرفة ملاك التي كانت في نهاية الردهة.. ويطرق بابها في سرعة ليقول وهو يفتحه: عذرا يا عزيزتي ان كنت قد تأخرت عليك فـ...
تلاشت الكلمات الباقية من على طرف لسانه.. وتبخرت اية كلمات بذهنه عندما تطلع الى ملاك الجالسة على مقعدها وتحدجه بنظرة لأول مرة يراها في عينيها.. نظرة تعبر عن الحقد والكره.. وتقدم منها مازن وقال بقلق: ملاك.. ماذا بك؟..
رفعت ملاك رأسها اليه وقالت بنظرة تجمع ما بين الالم والكره: لماذا؟..
ارتفع حاجبا مازن باستغراب شديد وقال : لماذا ماذا يا عزيزتي؟ ..
هتفت ملاك فجأة بانفعال: لماذا خدعتني؟ ..لماذا كذبت علي؟ ..لماذا جعلتني احيا في حلم جميل ومن ثم قتلتني دون شفقة بي او رحمة؟.. ماذا فعلت لك؟ .. فيم اذنبت؟ ..
بهت مازن من انفعالها وقال بدهشة : ما الذي تقولينه؟..
قالت ملاك بصوت اقرب الى الصراخ: لم تزوجتني؟.. لقد كنت اعيش بهدوء.. فلم ظهرت في حياتي؟ .. لم احطني بحنانك واهتمامك ؟.. وبعد ان اصبحت كل شيء في حياتي جئت لتقتلني بكل قسوة.. اخبرني لماذا؟..
قال مازن بذهول وهو يهبط الى مستوها ويمسك كتفيها بقوة: ملاك .. ما الذي جرى لك؟؟.. لقد تركتك وانت على ما يرام.. فما الذي حدث؟.. ما الذي جعلك تنطقين بكل هذه التفاهات؟..اي خداع او قتل تتحدثين عنه؟..
قالت ملاك بانفعال وهي تبعد كفيه عن كتفيها: اسأل حنان .. اسأل حبيبتك.. لقد اخبرتني بكل شيء..اخبرتني انك مخادع وكاذب.. انك لم تتزوجني الا شفقة بي.. وبعدها ستتركني وتتخلص مني عندما تشعر بالملل..
قال مازن بحدة: وصدقتيها بكل هذه السهولة.. حنان هذه كاذبة .. هي من تحبني.. ولكني لم اهتم بها في يوم.. لهذا تريد التفريق من بيننا..
قالت ملاك ودموعها تسيل على وجنتيها بكل الم ومرارة: يكفي اكاذيب.. ارجوك لم اعد احتمل خداعك.. لقد قرأت كل الرسائل الموجودة بهاتفك.. وعلمت أي شخص تكون .. فدعني وشأني ارجوك.. لا اريد ان اراك بعد الآن..
قال مازن وعيناه متسعتان بذهول: أي هراء تتفوهين به؟.. والرسائل التي تتحدثين عنها هن من كانوا يرسلونها الي وذلك قبل ان اعقد قراني عليك..و....
بتر عبارته اثر ملاك التي صرخت بهستيرية: قلت لك اخرج خارجا.. لا اريد ان اسمع أي شيء مما تقوله .. يكفي خداعا..
قال مازن وهو يمسك كتفيها بقوة: ملاك يكفي.. صدقيني .. لست اكذب في شيء.. اقسم لك اني لم اتزوجك شفقة بك او...
ملاك التي كانت دموعها تسيل دون توقف ..صرخت في وجهه بغضب قائلة: قلت اخرج خارجا.. لا اريد رؤيتك او سماع صوتك.. كلكم كاذبون ومخادعون.. كلكم .. لقد ظننت ان هناك شخص آخر غير ابي يعرف معنى الصدق والحب.. لكني قد اخطأت ـ.. لاني كما قالت عني ساذجة .. وعاجزة..
قال مازن بعصبية: من وضع في رأسك هذا الكلام؟ .. لا تهتمي بكلام حنان فهي مجرد تافهة..
قالت ملاك وهي تتطلع اليه بنظرة قاسية: وانت.. انت مخادع.. كاذب.. اكرهك يا مازن .. اكرهك..
لم يعلم مازن لم في تلك اللحظة شعر بقسوة تلك الكلمة.. ووقعها على اذنيه.. وقلبه الذي اعتصر الما لسماعها.. وقال وهو يتطلع اليها: انت لا تعرفين ان تكرهي يا ملاك.. انت تجسدين معاني الطيبة والقلب الابيض والحب والتسامح.. فكيف لك ان تعرفي معنى الكره؟..
قالت ملاك بصوت منفعل: الفضل يرجع لك..
وصرخت مردفة: دعني وحدي لا اريد ان اراك..
في تلك اللحظة كانت مها تهبط على درجات السلم واستغربت من صوت الصراخ المنبعث من غرفة ملاك.. وفتحت الباب لتقول باستغراب: ما الذي يجري هنا؟..
شاهدت مازن يحاول تهدئة ملاك بشتى الطرق وتلك الاخيرة تصرخ وتبكي بهستيرية.. فتقدمت وقالت بذهول ممزوج بالخوف: ما الذي جرى؟..
التفت مازن لها في سرعة وقال بتوتر: جئت في وقتك يا مها.. ارجوك اخبريها ان حنان مجرد كاذبة.. وانها لا تريد الا التفريق من بيننا..
اشارت ملاك الى الباب وقالت بصوت متحشرج: اخرج.. لا اريد سماع شيء .. كلكم تكذبون.. كلكم ..
قالت مها بهدوء: ملاك.. لست اكذب عليك.. حنان حقا كانت تلاحق مازن بين الفينة والاخرى.. حتى يمنحها ...
التفتت له ملاك وقالت بعينين دامعتين: انت ايضا تكذبين.. لقد كنت تعرفين ان شقيقك مازن يعرف مئات الفتيات غيري.. ولكنك اخفيت عني ذلك.. ظننت اني غبية لن اعلم ذلك في يوم ما..
شعرت مها بالندم والالم .. لانها كانت سببا قريبا او بعيدا في ما يحدث الآن لملاك.. فلو اخبرتها بالحقيقة.. فربما ملاك لم تكن لتوافق على مازن.. وحينها قد يتغير الكثير ..في في حين اردفت ملاك وصوتها يكاد يفطر اقسى القلوب وهي تلتفت الى مازن: اذهب اليهن.. فماذا تريد بعاجزة مثلي؟..
قالتها وهي تضرب ساقيها بقبضتيها في قهر.. فأمسك مازن كفيها وقال بصوت عالي: يكفي يا ملاك .. يكفي..لا تفعلي بنفسك هكذا.. اهدئي فقط.. وسأفهمك الامر..
شعر بكفي ملاك يرتجفان بين يديه.. وبكلماتها تتقطع وهي تقول بصوت مختنق: لن اصدق أي شيء مما تقول.. لن اكون ساذجة.. بعد الآن..
قال مازن بقلق وهو يرى شحوب وجهها: ملاك اهدئي..سأفعل كل ما تريدين لكن اهدئي اولا..
قالت ملاك وهي تشعر بارتجافة جسدها كله وبالبرودة تسري في اطرافها:اخرج .. لا اريد رؤيتك..
التفت مازن الى مها وقال وهو يلمح الخوف في عينيها: مها .. اتصلي بأي طبيب حالا..
اومأت مها برأسها في توتر وخوف.. واسرعت تغادر الغرفة .. فقال مازن وهو يمسك يدي ملاك في قوة: اهدئي الآن يا ملاك .. من اجلي..لا بل من اجل والدك.. اهدئي.. لا شيء في هذه الدنيا يستحق دمعة واحدة من عينيك وحتى انا..
قالت ملاك وهي تشعر بانهاك بدأ يسيطر عليها وبارتجافة جسدها تزداد: ومن قال اني ابكي بسببك.. انا ابكي بسبب ماحدث لي.. لم اتخيل انه يوجد بشر مثلك.. يخدعون ويتلاعبون بمشاعر شخص لم يحاول اذيتهم في شيء.. بل على العكس...
بترت عبارتها وازدردت لعابها بتعب واردفت وهي تتطلع الى مازن بعينين تعبران عن اشد واقسى انواع الحزن: لقد كنت في نظري مصدر الامان.. مصدر الحنان .. لقد كنت تخفف من احزاني وآلامي.. لكنك الآن...
وهتفت مستطردة بألم ومرارة : لكنك الآن اصبحت مصدر آلامي.. فإلى من الجأ؟..
قال مازن باشفاق وحنان: يكفي يا ملاك..ارجوك اهدئي.. كلماتك تقطع قلبي.. لم اقصد ان اكون سببا في آلامك او...
قاطعته ملاك وقالت وكأنها لم تسمعه.. وشحوب وجهها يزداد.. وشعرت بأن جفنيها بدآ يتثاقلان: لقد رسمت لك في ذهني صورة القلب الحنون والابتسامة الرائعة التي تدخل الفرح الى قلب كل من يراها.. لقد كنت اراك دائما ملجئ الامان.. لكنك حطمت هذه الصورة بيديك يا مازن.. وبلا ادنى اهتمام..
قال مازن وهو يتطلع الى عينيها مباشرة وبقلق عليها: سأكون لك كذلك دائما يا ملاك..سأكون لك الصدر الحنون الذي تشكين عليه آلامك.. وملجئ الامان الذي تحتمين فيه من أي خوف.. لن اسمح لأي شخص بأن يفرق بيننا.. هم يكذبون .. لا تصدقيهم.. لقد تغيرت يا ملاك.. اقسم لك.. منذ ان رايتك وانا اشعر بأنك ستغيرين حياتي وتقلبينها رأسا على عقب بطيبتك وبرائتك وحنانك ورقة قلبك..
ابتسمت ملاك ابتسامة استغرب منها مازن وقالت: لو كنت قلت لي هذا قبل ساعة واحدة فقط.. لكنت صدقتك .. ورقص قلبي فرحا لسماع هذه الكلمات منك.. لكني الآن .. اكرهك.. اكرهك.. ولم يعد بامكاني ان اصدقك ..
"اقسى انواع الجروح..هو ان تُجرح ممن تحب"
واردفت بصوت متهالك: مازن انت.. انت كنت .. كنت كل شيء..في حياتي.. اما الآن فقد اصبحت لاشيء.. لاشيء..
في هذه المرة الطعنات كانت موجهة لقلب مازن الذي شعر بالالم والدهشة من الكلمات التي تخرج من بين شفتي الملاك الذي يجلس امامه.. وادرك في تلك اللحظة أي جرح قد سببه لها.. الآن اصبحت تراه احقر انسان في الوجود.. انسان نذل وحقير .. يتلاعب بمشاعر الآخرين بلا ضمير..
ووجد الملاك الذي امامه يتهالك.. لتغمض عيناها بتعب وتسيل دمعة تعبر عن العذاب الذي تحياه على وجنتيها.. ومن ثم يسقط جسدها على صدر مازن دون شعور منها..
ولما شعر مازن بأنها غائبة عن الوعي..وانها لم تعد تشعر بالواقع المرير الذي تحياه.. احاط جسدها بذراعيه بكل حنان.. وقال وهو يشعر بحجم المعاناة الذي مرت بها: انا آسف يا ملاكي .. لقد اخطأت في حقك كثيرا.. صفيني كما تشائين.. لكن لا تقولي انك تكرهيني.. اعلم ان قلبك لم يعرف الكره في يوم.. اغفري زلة انسان احمق.. لم يعرف قيمة الملاك الذي معه.. اغفري لي يا ملاك.. فلم اعد استطيع الابتعاد عنك او تخيل الحياة بدونك..
وحمل جسدها الصغير بين ذراعيه.. ليرقدها على فراشها.. ويغطي جسدها بالغطاء بكل حنان.. وهو يشعر بالندم على كل ما سببه لها من آلام..ومسح على شعرها الاسود قبل ان يبعد كفه عنها ويقول وهو يكور قبضته في الم : انا السبب في كل ماحدث لك يا ملاك.. انا..
والقى عليها نظرة حانية ولمح في تلك اللحظة ان قطرات العرق بدأت تتجمع على جبينها.. فمد كفه ليتحسس جبينها ومن ثم قال بتوتر: حرارتها مرتفعة..
وعقب قوله دخول مها الى الغرفة التي قالت: لقد قال الطبيب انه سيحضر بعد دقائق فقط و...
اشار لها مازن بالصمت وقال بصوت خافت: لقد نامت للتو..
قالت مها بخوف: كيف حالها؟..
قال مازن بتوتر وهو يتطلع الى ملاك: حرارتها مرتفعة.. لا اعرف ان كان ذلك بسبب الجو المتغير.. او بسبب الصدمة التي مرت بها..
قالت مها متسائلة: ما الذي حدث بالضبط؟..
قال مازن وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره بتوتر: لست اعلم ما حدث بالضبط.. سأخبرك بكل شيء بالخارج.. دعينا نتركها لترتاح الآن..
اومأت مها برأسها وسارت معه لتغادر الغرفة وحينها لمح مازن هاتفه الذي فتح غطاءه وسقطت منه البطارية.. فمال بجسده ليلتقطه وهو يتنهد.. ومن ثم يغادر الغرفة مع مها.. وقبل ان يغلق الباب القى نظرة اخيرة على جسد ملاك الممد على الفراش.. واعتصرت قلبه قبضة باردة.. وشعر بالمرارة وهو يغلق الباب ويقول لمها: اطلبي من نادين ان تبقى معها بالغرفة ومن ثم تعالي الى غرفتي حتى نتحدث بهدوء واخبرك بكل شيء فهمته منها..
قالت مها مغمغمة: فليكن..
ابتعدت عنه ..وسارت الى حيث غرفة نادين لتطرق الباب .. ولكن نادين لم تكن في غرفتها.. ولمحت مها تطرق باب غرفتها فجاءتها لتقول متسائلة: ما الامر آنسة مها؟..
قالت مها بقلق وهي تلتفت لها: ملاك..
قالت نادين بحيرة: لقد اعددت لها الفطور.. هل تريد أي امر آخر؟..
التقطت مها نفسا عمبقا ومن ثم قالت: انها متعبة في غرفتها.. اذهبي للبقاء معها ريثما يأتي الطبيب..
شهقت نادين قائلة بخوف: مابها؟..
قالت مها بارتباك: حرارتها مرتفعة..
قالت نادين في سرعة وتوتر: سأذهب اليها في الحال..
شعرت مها في تلك اللحظة بخوفها يزداد على ملاك.. لم تعرف ما حدث تماما.. لكنها كانت تعلم ان السبب هي حنان .. شيء ما قالته هذه الاخيرة لملاك.. جعل حالتها النفسية تسوء الى هذه الدرجة..عن مازن.. او عن عجزها.. لا تعلم بالضبط و...
طردت تلك الافكار من ذهنها وهي تصعد درجات السلم ..وبينما هي كذلك.. شعرت بشخص يقف امامها مانعا اياها من المرور.. فرفعت رأسها اليها وما ان فعلت حتى قال: ماذا بها ملاك؟..
قالت مها وهي تتنهد: لا شيء .. دعني امر يا كمال..
تطلع لها كمال بنظرة باردة وقال:اظن انك سمعت سؤالي جيدا.. اخبريني ماذا جرى لملاك؟..
قالت مها بارتباك وهي تشيح بنظراتها: أأ.. حرراتها مرتفعة قليلا..
عقد كمال حاجبيه بحدة.. وبان على وجهه ملامح الضيق.. ومن ثم قال وهو يميل نحوها: وايضا؟..
لم تجبه مها.. فقال وهو يمسك ذراعها: اجيبي يا مها.. لقد سمعت صوت بكاءها وصراخها.. فما الذي حدث لها؟..
قالت مها وهي ترفع رأسها اليه: صدقني لا اعلم.. انا ايضا سمعت صوت صراخها مثلك.. فذهبت الى غرفتها وهناك ما ان رآني مازن حتى طلب مني ان اخبرها بأن حنان كاذبة.. وانها تريد التفريق بينهما ..
قال كمال وهو يضيق عينيه: اذا مازن ورفيقاته هم السبب فيما اصابها..
واردف قائلا: اكملي ..وماذا حدث بعد ذلك؟..
زفرت مها بحدة وقالت: بدأت ملاك بالصراخ وهي تتهمنا جميعا بأننا خدعناها واننا كنا نكذب عليها .. وبعدها طلب مني مازن الاتصال بطبيب ما عندما شاهدها في حالة هستيرية.. ففعلت ما طلب مني.. وعندما عدت اليه مجددا.. وجدت ملاك تنام على فراشها باعياء.. هذا كل ما اعرفه .. صدقني..
ترك كمال ذراعها وقال بغضب: لو اصيبت ملاك بأي مكروه .. فسيدفع شقيقك الثمن غاليا..
تطلعت له مها بدهشة في حين تركها هو ومضى في طريقه .. ومن ثم لم تلبث ان هزت رأسها بحيرة وهي تكمل صعودها لدرجات السلم.. وقبل ان تذهب الى غرفة مازن .. ذهبت الى غرفتها واتجهت الى هاتفها لتلتقطه.. ولكن استدعى انتباهها عدد المكالمات التي لم يتم الرد عليها.. كانت سبع مكالمات وكلها من حسام..
وابتسمت ابتسامة باهتة لتقول متحدثة الى نفسها: ( يبدوا واني في غمرة الاحداث التي جرت اليوم.. نسيت انك ستأتي لخطبتي هذا المساء يا حسام)..
وكادت ان تتصل به.. لكن رنين هاتفها قد سبقها .. فاجابت عليه بعد ان عرفت هوية المتصل: اهلا حسام ..كيف حالك؟ ..
قال حسام بحدة: في اسوأ حال.. أي برود تملكين يا مها؟ .. منذ ساعة وانا اتصل بك دون جواب.. قلبي يكاد يتوقف من شدة القلق والخوف عليك..
قالت مها بابتسامة شاحبة: لا تقلق انا بخير..
قال حسام عندما انتبه لرنة صوتها المتغير: مها.. هناك امر ما قد جرى..اخبريني هل الجميع بخير؟..
قالت مها مجيبة وهي تجلس على طرف فراشها: اجل الجميع بخير ..لكن ملاك متعبة قليلا.. عذرا لاني لم اجبك قبل قليل.. فقد كنت معها و...
قاطعها حسام قائلا بحنان: لا تعتذري.. لقد قلقت عليك ليس الا.. واتمنى ان تتعافى ملاك قريبا..
قالت مها بحزن: لا اظن..
- لم تقولين هذا؟..
قالت مها بأسى: قد يشفى المرء من مرضه الجسدي.. لكن كيف يمكن له ان يشفى من مرضه النفسي؟..
قال حسام بهدوء: لكل داء دواء.. وان كانت ملاك متضايقة من امر ما.. فحاولي ان توضحيه لها على حقيقته بأبسط طريقة .. وكذلك حاولي مواستها قدر الامكان والتخفيف عنها ..
ابتسمت مها وقالت: أي طبيب نفسي اعرف..
قال حسام بغرور مصطنع: المشكلة انك لا تقدرين امكانياتي ..
واردف قائلا بابتسامة حانية: والآن يا حبيبتي اخبريني ما هو شعورك هذا اليوم؟..
قالت مها بخجل: بكل تأكيد سعيدة.. اشعر بأني في حلم واني سأستيقظ في اية لحظة من كل هذه السعادة التي اشعر بها..
قال حسام بتأنيب: عدنا للأحلام من جديد..
ضحكت مها ضحكة قصيرة ومن ثم قالت: لا.. لن يكون هناك احلام بعد الآن.. بل هو واقع جميل سنحياه معا والى الابد..
قال حسام بابتسامة: اجل هكذا..
قالت مها عندما تذكرت مازن الذي ينتظرها في الغرفة: حسام.. انا مضطرة الآن للذهاب.. سأتصل بك فيما بعد..
قال حسام بحنان: حسنا.. واهتمي بنفسك عزيزتي..
قالت مها بحب:وانت كذلك.. والآن الى اللقاء..
- الى اللقاء واراك مساءا..
اغلقت مها الهاتف وهي تشعر بحب حسام قد استولى على مشاعرها وكيانها كله.. اصبح كالهواء الذي تتنفسه الذي لا يمكن لها ان تمضي ثانية دون ان تتذكره او تتحدث اليه..كالدماء التي تسري في عروقها..فقد اصبح حسام جزءا لا يتجزأ منها ومن حياتها..
نهضت مها من مكانها.. واتجهت الى غرفة مازن..وهناك طرقت باب غرفته مرتين متتاليتين دون اجابة.. وعاودت الطرق.. لكن لم تجد أي جواب.. وتطلعت الى الباب في حيرة.. ومن ثم لم تلبث ان فتحت قائلة: مازن .. أخرجت من...
بترت مها عبارتها.. عندما لمحت مازن يجلس على طرف فراشه.. لا.. لايمكنها ان تقول ان هذا هو مازن الذي تعرفه .. مازن الذي تعرفه لا تفارق الابتسامة شفتيه.. ويواجه أي مشكلة او صعوبات بسخرية او تحدي .. مازن الذي يفتعل أي شجار بينه وبينها حتى يتسلى قليلا بمضايقتها..
اما من امامها فقد كان ابعد ما يكون عن مازن الذي تعرف .. كان يجلس على طرف الفراش وينظر الى الفراغ.. وهو يطرق برأسه في مرارة.. وذراعاه تسندان رأسه وكأنه يحمل هموم العالم كله.. وقالت باشفاق: مازن.. مابك؟..
التفت لها مازن بهدوء وقال: متى دخلت الى الغرفة؟.. لم انتبه اليك..
قالت مها وهي تقترب منه وباهتمام قائلة:لا اظنك ستنتبه الى شيء وانت في هذه الحال.. اخبرني ما بك؟.. وماذا بها ملاك؟..
ابتسم مازن بسخرية مريرة وقال: ملاك؟.. لقد قالت انها تكرهني.. ولم تعد تريد ان تراني مجددا..
قالت مها وهي تهتف بصوت اقرب الى الرجاء: اخبرني ما حدث بينك وبينها حتى يحدث كل هذا..
اخبرها مازن بما حدث وما فهمه باختصار شديد.. ومها تستمع اليه وقلبها يشفق علىحالة ملاك التي لم تحتمل مثل هذه الصدمة ..واعقب قوله قائلا: صدقيني يا مها.. الرسائل التي رأتها في هاتفي كانت منذ اسبوع .. أي قبل عقد قراني عليها..
قالت مها بحدة: ولم لم تمسحها اذا؟..
قال مازن وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره: لم اتوقع ان تراها ملاك في يوم..
قالت مها وهي تمط شفتيها: لهذا السبب لم تقم بمسحها.. لأنك ظننت ان ملاك لن تراها.. ياله من مبرر!..على الاقل عليك ان تفهم انك الآن انسان متزوج عليك ان تقطع أي صلة لك بالماضي ..
قال مازن بصدق: اقسم لك يا مها.. لم تعد أي فتاة تهمني كالسابق.. لم اعد الاحق الفتيات واحاول الحصول على صداقتهن.. هذه الايام اجد نفسي.. لا اهتم بأي فتاة فاتنة تراها عيناي.. وكلما حاولت التفكير في فتاة ما.. ارى ملاك تخطر على ذهني.. لاتوجد فتاة قبلها سيطرت على تفكيري بهذه الطريقة.. ولا فتاة أثرت في مشاعري كل هذا التأثير.. شعوري تجاهها ليس شفقة.. كل ما افعله افعله لاني اريد ذلك.. اريد ان اهتم بها.. اريد ان احنو عليها.. اريد ان ارى ابتسامتها وارى نظرات الخجل في عينيها.. لم افكر يوما في ان اكون سببا لحزنها.. وهل تصدقيني ان قلت لك ان شعرت بحزن والم فظيع؟.. لأنها قالت لي اني كنت كل شيء في حياتها .. والآن لا شيء..
وقال وهو يزفر بحرارة مردفا :أخبريني يا مها.. ما الحل في رأيك؟ ..
قالت مها وهي تهز رأسها: لست اعرف.. لقد حذرتك يا مازن مرارا.. لكن انت لم تكن تستمع الي.. لو صارحتها قبلا.. لكن الوضع افضل بكثير من معرفتها من تلك الحقيرة حنان.. لا تعرف أي سموم بثتها في اذني ملاك الآن..
واردفت قائلة: ولا تنسى ان ملاك ليست لديها اية خبرة بنفوس البشر واطباعهم.. وكانت هذه اقوى صدمة قد مرت عليها وهي تظن ان الانسان الذي وثقت به وارتبطت به قد خدعها..
نهض مازن من مكانه وقال بحدة:لم اعد احتمل.. انت تزيدين الامر صعوبة.. فلنذهب لها .. فربما يأتي الطبيب بعد قليل..
نهضت مها من مكانها وهي تقول: اتتوقع ان ادافع عنك مثلا؟ ..او اقول ان ملاك لم يكن لديها حق بوصفك بالكاذب والمخادع .. او اقول انها قد بالغت فيما فعلته وانه يجب عليها ان تسامحك وتغفر لك خداعك لها..
قال مازن وهو يتطلع الى خاتم الخطبة الذي يحتل اصابعه: انا لم اقل هذا ولكن على الاقل تمنحني فرصة لاشرح موقفي لها..
قالت مها وهي تحدجه بنظرة حانقة: ما رأته بعينيها لا يحتاج الى شرح.. رسائل من فتيات يبثنك فيها الاشواق والحب..
هز مازن رأسه ومن ثم التفت عنها ليمضي في طريقه الى باب الغرفة ومها بدورها تبعته وغادرت الغرفة..ليهبطا الى الطابق الاسفل ويتوجهان الى غرفة ملاك.. وهناك شاهدت مها نادين وكمال اللذين ينتظران خارج غرفة ملاك.. فقالت مها متسائلة: هل جاء الطبيب؟..
التفتت نادين الى مها وقالت: اجل.. وهو معها في الغرفة الآن..
اما كمال فقد رمق مازن بنظرة تحمل كل معاني الغضب المكبوت بداخله.. واستغرب مازن من تلك النظرة وان لم يلتفت لها.. وانتظر بقلق خروج الطبيب..
افكارهم كانت مختلفة في تلك اللحظة.. بين كمال الذي يشعر بالغضب على مازن.. ومها التي تشعر بالقلق على ملاك.. ومازن الذي يشعر بالندم لما حدث لهذه الاخيرة بسببه ..ولكن كان يجمعهم خوفهم على ملاك وترقبهم لخروج الطبيب حتى يستفسروا منه عن حالتها..
وما ان خرج الطبيب حتى تعلقت به نظرات الكل.. وسأله مازن قبل الجميع قائلا: كيف حالها الآن ايها الطبيب؟..
قال الطبيب وهو يبتسم بهدوء ليطمئنهم: لا تقلقوا.. اعصابها متعبة قليلا.. وحرارتها مرتفعة فيبدوا انها تعرضت للجو البارد لفترة.. وستشفى باذن الله اذا لازمت الفراش ليومين وداومت على هذا الدواء..
قالها وهو يسلم مازن الورقة التي خط عليها اسم الدواء.. فقالت مها وهي تلتفت الى مازن بضيق: لابد وانها قد اصيبت بالحمى لكونها قد تعرضت للهواء البارد بالامس عندما اخذتها الى الشرفة..
قال مازن وهو يتنهد: هي من ارادت ذلك..وكل ما فعلته اني لبيت رغبتها.. انت لم تريها كيف كانت متضايقة عندما ادخلتها الى المنزل وحرمتها الجلوس تحت المطر كما كانت تتمنى..
واردف قائلا متحدثا الى الطبيب: شكرا لك يا ايها الطبيب.. واتعبناك معنا..
قال الطبيب بهدوء: لاشكر على واجب يا بني..
التفت مازن الى نادين وقال: اوصليه يا نادين..
اومأت نادين برأسها.. وسارت مع الطبيب مبتعدة عنهم.. في حين تقدم كمال من مازن وعيناه تحملان كل قسوة وغضب: الطبيب قال انها كادت ان تصاب بانهيار عصبي بسبب ما جرى لها عندما جاء.. فما الذي فعلته بها؟..
قال مازن وهو يلتقط نفسا عميقا: لم افعل شيئا..
انقض كمال على ياقة قميصه ليقربه منه ويقول وغضبه يتضاعف: ما الذي فعلته بها؟..اجبني..
قال مازن وعيناه تتسعان بدهشة وهو يمسك بكف كمال ويحاول ابعادها عن ياقة قميصه: كمال.. هل جننت؟.. ابعد يدك عني..
قال كمال وهو يهتف بثورة ويتطلع اليه بعينان تقدحان شررا: لن اتركك قبل ان تخبرني ما الذي فعلته بملاك حتى اوصلتها الى هذه الحال؟..
مها التي توترت مما تراه امامها قالت بتردد: كمال.. مازن شقيقك الاكبر.. وعليك ان تحترمه وتـ...
قاطعها كمال بقوة وهو يشد من قبضته على ياقة قميص مازن: فليتعلم هو اولا احترام الآخرين ومشاعرهم.. قبل ان تطلبي مني ان احترمه..
ابعد مازن كف كمال عنه وقال بعصبية: لست اسمح لك.. اتفهم..
قال كمال بانفعال وهو يكور قبضته : لا يهمني ان سمحت لي ام لم تسمح.. ما يهمني ان لا تصاب ملاك بأي مكروه.. والا فالويل لك..
قال مازن بغضب: ملاك بخير.. ما حدث بيننا سوء تفاهم.. ثم لا تنسى انها زوجتي.. وانه ليس من حقك ان تتدخل بيننا ..
قال كمال وهو يحدجه بغضب ومن ثم يلتفت عنه: سنرى ان كان لي الحق في الدفاع عنها ام لا..
قالها وسار مبتعدا عنه .. وهو يتجه الى بوابة المنزل الرئيسية.. في حين قال مازن وهو يزفر بحدة ويلتفت الى مها: سأذهب لأحضار الدواء لها.. ابقي بجوارها..
اومأت مها برأسها.. وهم مازن بالابتعاد عن المكان لكنه توقف وعاد ليلتفت الى مها ليقول بصوت حاني: واهتمي بها جيدا ..
ابتسمت مها له مطمئنة.. وشاهدت مازن يبتعد عنها.. بخطوات مسرعة.. وكأنه يخشى ان يتأخر في احضار الدواء لملاك..وابتسمت ابتسامة شاحبة لتقول متحدثة الى نفسها : ( اخيرا بدأت اشعر ان الحجر قد لان.. وان قلبك الذي اغلقته عن حب ملاك.. بدأ ينبض لها.. لست الومك ..فمن يستطيع ان يعرف ملاك ولا يحبها؟.. ولكن...)
قطعت افكارها وهي تدخل الى غرفة ملاك.. وتتجه نحو فراشها.. واكملت حديثها مع نفسها قائلة وهي تتطلع الى وجه ملاك الشاحب: ( ولكن.. كيف يمكن لملاك ان تتخطى كل ما جرى لها..وتغفر لك ما سببته لها من صدمة ومعاناة ..و ايضا..)
عادت لتقاطع افكارها وهي تجذب مقعدا وتجلس الى جوار فراش ملاك .. وتنهدت بقوة وهي تتطلع الى ملاك بنظرة مشفقة .. ومن ثم تقول مستطردة بافكارها: ( ولست اعلم ان كان ما افكر به صحيح ام لا.. وان كان هذا من حسن حظك او سوءه.. ولكني شعرت اليوم .. انك قد حزت على حب اخوين.. احدهما احبك حب صامت لم يتمكن من التعبير عنه .. والآخر اغلق قلبه امام حبك.. لأنه كان ينظر لك كعاجزة.. وعاد ليفتحه لك ولكن متأخرا جدا..)
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الرابع والثلاثون
"ذنب لم ترتكبه"
(والدي.. لقد تأخرنا كثيرا.. اسرع من فضلك)
قالها حسام وهو يهتف بصوت عالي بعض الشيء و يقف عند اسفل الدرج.. مناديا والده من الطابق الاعلى..فابتسمت والدته التي خرجت من المطبخ.. واقتربت منه لتقول: رويدك يا حسام.. لن تهرب مها ..
التفت حسام الى والدته وقال بكلمات سريعة: لكننا قد تأخرنا على موعدنا عشر دقائق..
ابتسمت والدته بحنان ووضعت كفها على كتفه لتقول: لقد انتظرت هذا اليوم طويلا يا حسام..اليوم الذي اراك فيه عريسا .. ولقد تمنيت ان تكون زوجتك افضل الفتيات.. واني سعيدة لانك اخترت مها.. فمها هي ابنتي وانا من قمت بتربيتها بعد ان تركت والدتها المنزل.. ومنذ ان كنتما طفلين .. واراكما تلاعبان سويا.. حتى تمنيت ان تكون مها من نصيبك.. وحمدلله الذي حقق لي هذه الامنية ..
التقط حسام كف امه ليقبلها بكل حب ومن ثم يقول لها: والعقبى لأن تري مها بفستان الزفاف.. تقف بجوار ابنك الوسيم..
ابتسمت له والدته وقالت : ولا تنسى ان مها هي ابنتي.. وان عقابك سيكون عسيرا لو ضايقتها بكلمة..
قال حسام بمرح: منذ الآن تهدديني من اجل مها يا امي..
قالت والدته وهي تتطلع اليه: باذن الله ستكون من نصيبك يا بني ويوفقك معها في حياتكما..
سمعا في تلك اللحظة صوت والد حسام يقول وهو يهبط من اعلى الدرج: علمي ابنك عدم الاستعجال.. لقدازعجني بنداءاته ..
قال حسام وهو يلتفت الى والده بمرح: وكأنك انت العريس يا والدي.. ساعة لكي تجهز..
رمقه والده بنظرة باردة ومن ثم قال: يبدوا واني سأتراجع عن قراري بخطبة مها لك..
اسرع حسام يقول ليحسن موقفه: تبدوا انيقا جدا يا والدي اليوم .. بالتأكيد ستخطف مني الاضواء..
قال والده بابتسامة وهو يدفعه بخفة: سر امامي.. وكفاك مجاملة من اجل مها..
قال حسام مبتسما: مها تستحق ان افعل أي شيء من اجلها..
قالت والدته وهي تراقبه بعينيها ينصرف مع والده: فليجعل الله تعالى مها من نصيبك يا بني.. ويرسم لك السعادة في حياتك دائما..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
وضعت مها اللمسات الاخيرة من زينتها .. وتطلعت الى نفسها للمرة المائة وهي تتأكد من فستانها واناقتها.. تصفيفة شعرهاوزينتها .. تريد ان تكون في ابهى حلة واجمل فتاة في عيني حسام هذا اليوم..
كانت ترتدي فستانا يجمع بين زرقة السماء وبياض الغيوم بدرجات بسيطة.. جعلت مها تبدوا في منتهى الرقة والنعومة.. وزينت اذنيها بحلق فيروزي ورقبتها بقلادة تحمل احجار فيروزية كذلك.. اما شعرها فقد رفعته بأكمله بتصفيفة شعر زادتها جمالا..
وشعرت بخفقات قلبها المتوترة.. اليوم هو يوم مهم في حياة أي فتاة.. لكنها ليست أي فتاة.. اليوم سيتحدد مصيرها وسترتبط بالانسان الذي تحب..وتسارعت تلك الخفقات وهي تتخيل اصبعها يحمل خاتم خطوبة حفر عليه اسم حسام..
ومن ثم تتخيل نفسها ترتدي فستان الزفاف الابيض وتقف الى جواره في حفل الزفاف..والابتسامة تعتلي شفتيها.. وحسام الذي يقف الى جوارها يبتسم لها بكل حنان وحب.. ويلتقط كفها ليحتضنها بين كفيه بحب و.. .
(مها.. ايتها البلهاء.. لم لا تجيبين؟..)
انتفضت وهي تستيقظ من افكارها على صوت مازن الذي جاءها من عند الباب.. وقالت وهي تضع كفها عند خصرها بكل حنق: لم تصرخ هكذا؟..
قال مازن وهو يدلف الى الغرفة: وانت لم لا تجيبين؟.. لقد طرقت الباب لعشر مرات..
قالت مها وهي بضيق: لم اسمع..
دفع مازن جبينها باصبعه وقال بابتسامة خبث: دعي عقلك في رأسك قليلا.. بدلا من ان يغادر مع حسام دائما..
توترت مها.. لكنها قالت محاولة اخفاء توترها: ماذا تريد الآن؟..
قال مازن مبتسما: اريد ان اخبرك.. بأن الشخص الذي غادر اليه عقلك ليس بعيدا.. فهو ينتظرك بالاسفل.. وفي غرفة الجلوس تحديدا..
شهقت مها وقالت: حسام هنا؟.. لم اجهز بعد..
قال مازن وهو يتطلع اليها: كل هذا ولم تجهزي بعد.. ماذا تريدين ان تفعلي بنفسك ايضا؟..
قالت مها في سرعة وهي تتطلع الى وجهها في المرآة باهتمام: لا شأن لك.. غادر ودعني اكمل ما بدأته..
لم يغادر مازن بل اقترب منها اكثر وقال بصوت متردد وقلق: كيف حالها؟..
ظهرت نظرة الالم في عيني مها وقالت: نائمة والارهاق يبدوا واضحا على وجهها.. نادين معها الآن و بالكاد منحتها دواءها قبل ساعة..
قال مازن بابتسامة شاحبة: سأذهب لأطمئن عليها..
قالها وغادر الغرفة في حين قالت مها مبتسمة باشفاق: يبدوا انك لا تشعر بقيمة مالديك يا مازن.. الا اذا شعرت بخطر فقدانه يتربص حولك..
وبينما هي كذلك.. سمعت رنين هاتفها الذي جعلها تستيقظ من افكارها..لتسير الى حيث هو ومن ثم تلتقطه.. وما ان رأت اسم حسام يضيء على شاشته.. حتى قالت مجيبة بصوت متلهف: اهلا حسام.. كيف حالك؟..
قال حسام بصوت اقرب الى الهمس: لقد حضرنا جميعا .. وانت يا حضرة الاميرة لم تغادري غرفتك حتى الآن..
قالت مها مبتسمة بدلال: وماذا افعل؟.. احاول ان ابدوا اليوم اجمل الفتيات..
قال حسام بحنان: انت جميلة في نظري وهذا كافي..
قالت مها بابتسامة: ووالدك ووالدتك؟.. الا يفترض بي ان اكون جميلة امامهم؟..
- بلى ولكننا ننتظرك هنا.. فلا تتأخري..
قالت مها بمرح: اصبر قليلا.. الا يمكنك ان تحتمل دقائق فقط حتى تراني..
قال حسام بصوت خافت ومرح: وساعات ايضا..
قالت مها وهي ترفع حاجبيها: حقا؟.. اذا قلتنتظر لساعتين بالاسفل..
اسرع حسام يقول: بالتأكيد انت تتمنين رؤيتي وانا اتحرق شوقا لرؤيتك .. وعندها ساصعد الى غرفتك ولن يهمني احد ابدا..
قالت مها وهي تضحك: مع انك لن تستطيع.. ولكن ان فعلتها فلن تكون الا مجنونا في نظر الجميع..
قال حسام بحنان: ومن قال اني لست مجنونا بحبك يا حبيبتي..
صمتت مها وهي تشعر بخفقات قلبها المتسارعة.. وتوردت وجنتاها بخجل.. فقال حسام مردفا بابتسامة: هيا.. اريد ان اراك بعد دقيقة فقط معنا بغرفة الجلوس..
قالت مها وهي تبتسم بخجل: فليكن.. سأنزل الآن..
قال حسام وهو يتطلع الى ساعته بمرح: اراك بعد دقيقة من الآن الى اللقاء..
- الى اللقاء..
قالتها مها وانهت المكالمة لتتجه الى حذائها وترتديه.. قبل ان تغادر الغرفة وتهبط درجات السلم بهدوء.. وما ان وصلت الى الطابق الارضي.. حتى سقطت نظراتها على باب غرفة ملاك.. فاتجهت اليه وطرقته طرقات خافتة.. ومن ثم فتحت الباب وتقدمت من مازن الذي كان يقف بجوار المقعد الذي تجلس عليه نادين ويعقد ذراعيه امام صدره وهو يتطلع الى وجه ملاك الشاحب ويستمع الى صوت انفاسها المتعبة بكل ألم..
فقالت مها وهي تضع كفها على كتفه: كيف حالها الآن؟..
قال مازن بقلق وخوف واضح: الحرارة لا تكاد تنخفض ابدا .. اخشى ان تؤثر الحمى عليها..
قالت مها لتطمئنه: الطبيب قال انها بحاجة لان تلازم الفراش ليومين وبعدها ستتحسن حالتها..
قال مازن وهو يلتفت الى مها ويبتسم ابتسامة شاحبة: اتمنى هذا من كل قلبي..
قالت مها بابتسامة: والآن هل ستترك الضيوف وحدهم؟.. بعد ان يغادروا يمكنك ان تبقى مع ملاك بقدر ما تريد..
قال مازن وهو يتطلع اليها بخبث: لان الضيوف هم حسام ووالديه.. فلا تريدين ان تتأخري عليهم ولو لدقيقة..
قالت مها بضيق: مازن.. لا تكن سخيفا ولنذهب الـ...
قاطعها مازن قائلا وهو يلتفت عنها: اذهبي انت.. سأتبعك انا بعد قليل..
القت مها نظرة اخيرة على ملاك.. قبل ان تمضي في طريقها وتغادر الغرفة.. اما مازن فقد اقترب من فراش ملاك ووضع كفه على جبينها ومن ثم قال بقلق: حرارتها لا تنخفض ابدا.. امنحتيها الدواء قبل ساعة حقا يا نادين؟..
قالت مادين وهي تومئ برأسها وبقلق مماثل: اجل يا سيد مازن..
امسك مازن بكف ملاك وضغط عليه بحنان وقلق.. ومن ثم قال وهو يتحدث لى نادين: ربما تفيدها الكمادات الباردة..
قالت نادين وهي تنهض من مكانها: سأقوم باحضارها حالا ..
قالتها وعينا مازن تراقبها حتى غادرت الغرفة .. وهنا مسح مازن على شعر ملاك بكل حنان ومن ثم همس لها قائلا وفي عينيه نظرة تحمل حنان الدنيا بأكمله: ملاك .. عزيزتي.. انت ستفيقين.. وستكونين بخير .. اليس كذلك؟.. واعرف انك ستسامحيني وسنحيا معا في سعادة الى الابد..
انتبه مازن في تلك اللحظة الى كلمته "الى الابد".. عندما عرض عليه والده الزواج من ملاك.. رفض في شدة..وادعى انه لن يستطيع تحمل مسئوليتها وانه يريد الزواج بغيرها.. ولكنه الآن يتحمل مسئوليتها بكل ما تحتاج اليه وما لا تحتاج اليه.. وكأن ما يقوم به .. يقوم به بلا ارادة او شعور.. او ربما لهدف معين..
احتضن كفها الصغيرة بين كفيه واردف قائلا: اعلم ان قلبك الابيض الذي لم يعرف الكره في يوم.. سيسامحني .. ليعود كل شيء كما كان.. واعود لأرى في عينيك الخجل كلما التقت نظراتنا..وارى البسمة على شفاهك كلما كنا معا.. ملاك انا لم اعد استطيع رؤيتك وانت في هذه الحال.. اريدك ان تنهضي وتبتسمي بكل رقة وبراءة.. لتمنحي الدنيا معنى للخير والتفاؤل..
ورفع كفها ليقبلها ومن ثم يهمس قائلا: ستكونين بخير يا ملاكي.. انا اثق بهذا.. واشعر به..
ولم تمضي لحظات حتى كانت نادين قد دخلت الى الغرفة.. لتضع بجاور فراش ملاك.. وعاءا يمتلأ بالماء البارد.. وبجواره بضع مناديل.. فقال مازن لنادين وهو يترك كف ملاك بهدوء ويغطيه بالغطاء: اهتمي بها .. وان احتجت الى شيء فأخبريني.. سأكون في غرفة الجلوس..
اومأت نادين برأسها وهي تجلس على المقعد وتغمس احد المناديل في الماء البارد ومن ثم تضعه على جبينها.. وسمع مازن في تلك اللحظة صوت انات ملاك.. وكأنها متضايقة من هذه البرودة التي عكرت راحتها.. فرفع رأسه الى نادين قائلا: انها متضايقة..
قالت نادين بابتسامة شاحبة: اعلم.. ولكن عليها ان تحتمل حتى تشفى..فجسدها الآن في امس الحاجة للبرودة حتى تنخفض حرارته قليلا..
قال مازن وهو يشعر بغصة في حلقه لكونه السبب في كل ما يجري لها تقريبا: طمانيني عليها ان انخفضت حرارتها..
- سأفعل..
سار مازن بخطوات بطيئة مبتعدا.. وشعر بأنه قد فقد شيئا مهما جدا عندما غادر الغرفة وترك ملاك خلفه.. اراد ان يعود لها.. ولكن.. عليه ان يستقبل الضيوف لأجل مها على الاقل.. ومن ثم سيعود الى ملاك ما ان يجد الفرصة..
سار بخطوات هادئة الى غرفة الجلوس وهناك شاهد حسام مع والده ..وفي الجهة المقابلة.. كان يجلس امجد وبجواره مها.. وعلى مقعد مستقل كعادته كان يجلس كمال.. فقال مازن بابتسامة وهو يتطلع الى والد حسام : اهلا بك في منزلنا يا خالي..انرت المنزل بوجودك..
قال والد حسام بابتسامة هادئة : المنزل منير باصحابه..
احتل مازن مجلسه.. وفي تلك اللحظة قال امجد بهدوء: كيف حال العمل معك يا سامي – والد حسام- ؟..
قال سامي وهو يسند ظهره لمسند المقعد: على خير ما يرام..
التفت حسام الى والده ونظر اليه برجاء.. وكأنه يطلب منه ان بتعجل في الدخول الى الموضوع.. فابتسم والده عندما فهم نظراته ومن ثم قال: في الحقيقة لقد جئناك اليوم يا امجد في موضوع مهم .. سيقرب بيننا وبين عائلتينا بشكل اكبر..
عقد امجد حاجبيه في حدة.. في حين ابتسم حسام وهو يتطلع الى مها بكل حب.. مها التي اطرقت برأسها في خجل شديد.. وعقدت كفيها بتوتر.. اما مازن فقد ابتسم برضا.. وكمال لم تكن ردة فعله واضحة لأحد..
واردف سامي قائلا: بشكل اوضح.. لقد جئنا اليوم لنطلب يد ابنتنا مها.. لابني حسام..
خفق قلب مها بقوة وسعادة وهي تسمع هذه العبارة.. ومع انها كانت تتوقعها الا انها كان وقعها على اذنيها مختلفا.. فقد شعرت بنفسها تحلق في السماء من السعادة.. وبأن قلبها يكاد يرقص طربا .. لا تكاد تصدق انها سترتبط بمن تحب اخيرا ..
اما مازن فقد كان في تلك اللحظة مشغول البال على ملاك فقال مبتسما وهو يلتفت الى حسام وهو ينوي انهاء الامر: نحن لن نجد افضل من حسام يا خالي ليكون...
قاطعه صوت امجد في تلك اللحظة وهو يقول: معذرة يا سامي.. لكن مها لا تزال صغيرة على الزواج..
كانت صدمة للجميع بلا استثناء.. صدمة لحسام الذي اتسعت عيناه في قوة وهو يتطلع الى زوج عمته.. وصدمة لسامي الذي لم يتوقع الرفض..وصدمة لمازن الذي تطلع الى والده واستغرب رده.. وصدمة قوية لمها التي كانت ترسم احلاما وردية في ذهنها.. وحطمها والدهابعبارته الاخيرة..
وقال سامي مستفسرا: لماذا يا امجد؟.. مها ليست صغيرة ابدا.. انها ستدخل عامها العشرون بعد اشهر قليلة فقط.. وكثير من الفتيات تزوجن في عمرها..
قال امجد بنظرة باردة: لكني اراها صغيرة.. وهذا يكفي..
قال سامي بهدوء وهو يحاول اقناع امجد فهو يعلم جيدا كيف ان ابنه قد ارتبط بمها منذ الصغر: صحيح ان حسام لم يكمل دراسته بعد .. لكنه سيتخرج قريبا.. وسيتوظف بسرعة نظرا لتخصصه المطلوب.. ان كانت تلك هي المشكلة..
قال مازن في سرعة وهو يعاول تحسين موقف والده: بالتأكيد والدي لم يعني حسام بل ربما يظن ان مها لا تزال صغيرة على الزواج و...
قاطعه امجد وهو ينهض من مكانه قائلا: عذرا يا سامي.. أنا آسف لأني لن البي مطلبك.. فمها لا تزال صغيرة.. وانا الاعلم بمصلحتها..
شعرت مها بغصة مريرة تملأ حلقها وبالدموع تترقرق في عينيها .. وتطلعت الى والدها بتساؤل.. وفي عينيها سؤال تود ان تهتف به.. لماذا؟.. لماذا الرفض يا والدي؟.. وانا التي عشت مع حسام طوال ايام حياتنا.. كبرنا معا وكبر حبنا معنا.. فلم الرفض الآن؟.. لم؟؟..
اما حسام فقد شعر بقوة الصدمة التي كانت اشبه بعدم التصديق.. فقال متسائلا: عمي انا مثل ابنك .. لقد كنت مع مها دائما.. وكنت تراني العب معها في ارجاء هذا المنزل الواسع.. وكنت تعلم ان الحب سيربط بين قلوبنا في يوم.. وسيجعلني اتخذ هذه الخطوة لأتوج الحب بالزواج..
قال امجد بعصبية: وكيف لي ان اعلم بما سيحدث مستقبلا؟ .. ان كنت احببت ابنتي في يوم.. فحاول نسيانها ولينتهي الامر..
كور حسام قبضته في الم ومرارة.. وهو يرى ان حلمه وامنية حياته التي رسمها مع مها.. تكاد تتلاشى كذرات الغبار مع كلمات امجد التي حطمت امله بالارتباط بحب حياته.. الحب الذي عاش حياته لأجله.. ولأجل ان تكون مها له وحده..
و نهض سامي من مكانه وقال وهو يتنهد: لم الرفض يا امجد.. لا ارى أي داع له.. وان كان بسبب صغر سن مها كما تقول .. فعلى الاقل يمكن ان تكون مجرد خطبة او عقد قران الآن.. حتى يمكن لهما ان يواجها الناس برباط رسمي و...
قاطعه امجد قائلا بحدة: لا اريد لشيء ان يؤثر على دراستها..
واردف قائلا ببرود: الزيارة انتهت..
كمال الذي ظل صامتا طوال الوقت يرقب هذا الموقف.. يراقب كيف يقوم والده بطرد خاله من المنزل امام عينيه.. قال وهو يقف ويتطلع الى خاله وحسام بهدوء: العذر منكما.. بالتأكيد والدي لم يقصد.. سأتفاهم معه واحاول ان اصلح الموضوع..
قال سامي ببرود وهو يتطلع الى حسام الذي نهض من مكانه بصدمة: لقد فهمنا الامر.. والدك لا يرانا في مستوى عائلته.. ويريد زوجا لابنته.. في مستوى عائلته الراقية..
وقال بحدة وهو يلتفت الى حسام: هيا فلنذهب..
مها التي تابعت حسام بعينون دامعة وهو يغادر امام عينيها.. وقد اهين من والدها وطرد من منزله.. قالت وهي تلتفت لوالدها بكل مرارة والم: لماذا يا والدي؟.. لماذا؟..
قال امجد ببرود: انا اعلم بمصلحتك اين تكون.. ومع من..
قال مازن بعصبية: لا تقل يا والدي ان السبب هو ما قلته او ما قاله خالي.. فمها ليست صغيرة على الزواج.. وانا لا اظن ان رفضك للزواج لأن عائلة خالي ليست بالمستوى المطلوب.. فلديهم ثروة لا بأس بها .. وان كنت تفكر بالـ...
قاطعه والده بغضب: اصمت.. لست احتاج لشرح اسباب رفضي لك..
قال كمال فجأة: بل يجب عليك ذلك يا والدي..
التفت امجد الى كمال وقال بعصبية: نعم.. لم اسمع.. اظن اني انا والدكم وليس العكس.. ولا يمكن لأحد ان يجبرني على ما افعل..
قال مازن وهو يتطلع الى مها التي كانت دموعها تسيل على وحنتيها بكل الم وحرقة.. وقد اخفت وحهها بين كفيها: اذا تعلق الامر بمصير احدنا وحياته ومستقبله وسعادته.. فمن واجبك حينها يا والدي ان تخبرنا بسبب رفضك..
قال امجد ببرود: مها ابنتي وستحترم رأي والدها ولن تفعل الا ما يرضيه..
قال كمال بهدوء: ولكن ستحيا في جحيم بالمقابل.. بين عذاب حبها لحسام.. وبين تلبية رغبتك..
اما مازن فقد قال برجاء: اخبرنا يا والدي السبب الحقيقي على الاقل.. فربما حينها نقتنع بوجهة نظرك..
نقل امجد نظراته بينهم جميعا ومن ثم قال بضيق: فليكن.. ولكن لتعلموا اني لن اقول اسبابي الا لأني اريدكم ان تفهموا موقفي وتقدروه..
مها ابعدت يديها عن وجهها في تلك اللحظة وتطلعت لى والدها بكل رجاء.. وهي تريد ان تعلم بسبب رفضه هذا.. في حين اردف والدها قائلا: والدتكم قد تركتكم وانتم لا تزالون صغارا.. اكبركم كان قد اكمل عامه العشرون واصغركم كانت مها التي لم تكمل عامها الخامس عشر بعد.. طلبت مني الانفصال وتركتكم جميعا دون ان تهتم.. تركتني لأجل ابن عمها الذي تحب.. انا لم اخبركم بهذا حتى لا اشوه صورة والدتكم امامكم ولكن هذه هي الحقيقة..وتريدوني بعد كل هذا ان ازوج ابنتي لابن شقيقها .. هذا هو المحال بعينه..
قال مازن بعدم تصديق: ابدا يا والدي.. والدتي طلبت الانفصال لكثرة المشاكل بينكما.. وهي لم تتزوج من ابن عمها الا بعد عام كامل .. ولو كانت تحبه كما تقول لما انتظرت كل هذه الفترة.. وتركتنا لأنها لم ترد لنا ان نحيا الا افضل حياة وهي تعلم انها لن توفر لنا مستوى المعيشة التي نحياها معك ..
قال امجد بخشونة: هراء.. لم ترد ان تجعل الشكوك تحوم حولها .. فتزوجت ابن عمها بعد عام.. وتركتكم لانها تريد ان تتخلى عن المسئولية..
قال كمال في تلك اللحظة:وما ذنب مها؟.. ما ذنبها لتدفع ثمن ذنب لم ترتكبه؟.. لتتحمل نتيجة خطأ لم تشترك فيه..
قال امجد وهو يسير بخطواته مبتعدا قليلا: كما احبته يمكنها ان تنساه..
مها التي كانت تسمع كل هذا قالت بمرارة وبصوت متحشرج: اتظن ان النسيان بكل هذه السهولة يا والدي؟.. اتظن انه يمكن لي ان احب كل هذا الحب الذي عاش معي منذ الطفولة.. وكبر معي انا وحسام ومن ثم انساه.. اتظن ان هذا سهلا؟..
قال امجد ببرود: انا اعلم بمصلحتك يا مها.. فحاولي ان تنسي حسام..
قال مازن بقوة : انت بذلك تعيد الماضي يا والدي .. تعيد الماضي الذي نرفضه جميعا..
التفت له والده فاردف مازن قائلا : لو كان ما تقوله صحيحا بشأن والدتي.. فمها ستفعل المثل في يوم.. لن تحتمل ان تعيش مع انسان وقلبها مع انسان آخر.. وستطلب من زوجها الانفصال تاركة خلفها كل شيء..
قال امجد بقسوة: اتظن ان مها مثل والدتك؟.. لا .. فمها انا الذي قمت بتربيتها افضل تربية.. ولن تفعل الا ما يرضيني..
نهضت مها من مكانها وقالت بعيون دامعة : قد افعل ما يرضيك يا والدي.. ولكن اعلم حينها اني اقتل نفسي ببطء.. فحب حسام يجري بدمي.. ولن يمكن لشخص ان ينتزعه من قلبي الا لو انتزع قلبي من مكانه .. لقد كنت انتظر هذا اليوم يا والدي .. اليوم الذي سأرتبط فيه بحسام.. وكنت احلم فيه دائما..
واردفت وهي تهتف بصوت باكي ومنفعل: لكني كنت اعلم ان كل هذا حلم وسأستيقظ منه ذات يوم.. كنت اعلم ذلك جيدا..ودائما ما كنت اقول لحسام ان حبنا اشبه بالاحلام.. وها انذا قد استيقظت من احلامي.. لاتطلع للواقع المرير الذي حطم احلامي بكل قسوة..
قالتها وانطلقت مسرعة لتغادر غرفة الجلوس.. تاركة خلفها قلوب حزينة لحبها الذي لم يكتب له ان يرى النور.. وحتى قلب والدها نفسه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(حسام بني.. ارجوك افتح الباب.. لا تغلق على نفسك هكذا)
قالتها والدة حسام بحزن والم على ابنها وعلى حاله الذي تغيرت تماما.. فقد غادر المنزل بابتسامة سعيدة وهو ينشر المرح في نفوس الجميع.. وعاد اليه بعيون حزينة وبقلب مجروح.. ليدخل الى غرفته ويسجن نفسه فيها.. وهو يرفض الخروج منها او الحديث لى أي شخص كان..
اما حسام فقد كان يتطلع الى نصف القلب الذي يحتل كفه .. وهو يشعر بفبضة بادرة تعتصر قلبه وروحه.. وهو يتذكر كلمات والد مها ورفضه له كزوج لابنته ..لماذا؟..لماذا يرفض؟.. اكما قال والده لانه لا يراه في مستوى عائلتهم ام ماذا؟.. لقد كان دائما مع مها..فلم لم يمنعه عنها قبل ان يقع أسيرا لحب تلك المخلوقة المرحة والرقيقة؟.. لم تركه ليمرح معها..يتحدث اليها.. يحيا كل لحظات حياته بقربها.. ومن ثم يطلب منه بكل سهولة ان ينساها؟.. هذا هو المستحيل بعينه..
وتطلع الى نصف القلب الذي بين اصابعه ليضغط عليه بكل قوة وهو يقول متحدثا الى نفسه بألم: ( احلامنا جمحت بنا بعيدا يا مها.. حتى اننا كنا متأكدين من موافقة الجميع على هذا الزواج ..وفي النهاية صدمنا بالواقع المر وبرفض والدك على الزواج.. آه لو استطيع ان اختطفك لنتزوج ومن ثم نرحل بعيدا عن هذا العالم.. انا وانت فقط..بعيدا عن الجميع..وعن كل المشاكل .. لنحيا في سعادة وفرح الى الابد)..
ووجد قدماه تقودانه الى البوم الصور ليتصفحه ويستعيد ذكريات الماضي والطفولة التي قضاها الى جوار مها.. وقال وهو يشعر بغصة في حلقه: ليتنا لم نكبر يا مها.. وعشنا طوال حياتنا اطفال.. لننعم بقرب بعضنا دون ان يحاسبنا احدهم .. ولأكون معك الى الابد.. ونحيا في عالم عنوانه المرح والسعادة وننسى معاني الحزن والعذاب..
سمع في تلك اللحظة طرقات والدته تتكرر وهي تقول برجاء وبصوت حزين: حسام ارجوك افتح الباب.. لا تجعلني اقلق عليك هكذا..
تقدم سامي من خلفها وقال بهدوء: اتركيه لوحده الآن.. هو لا يريد الحديث الى احد حتى لا يبدوا امامنا شخصا ضعيفا.. يريد ان يسكب احزانه لوحده.. ويخفف عن نفسه بنفسه..
صمتت والدة حسام للحظات ومن ثم قالت بحزن: لكني قلقة عليه..
قال سامي بهدوء: لا تقلقي عليه.. سيكون بخير غدا وسيستطيع ان يتجاوز الازمة التي يمر بها..
لكن والده كان مخطأً تماما.. فان كان حسام حقا يستطيع ان يتجاوز أي ازمة تمر به.. فلن يكون قادرا على تجاوز مثل هذه الصدمة التي كانت اشبه بالعاصفة التي ستدمر كيانه واحلامه وحياته..فحب مها كان هو الهدف الذي يحيا لاجله..وصدمة رفض والدها قد زلزلت كيانه.. وجعلته اشبه بشخص محطم.. فاقد للامل ولا رغبة له في الحياة..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ليس حسام وحده الذي قرر ان يسجن نفسه تلك الليلة ليسكب احزانه وهمومه بعيدا عن أي شخص.. مها ايضا كانت تبكي بكل الم ومعاناة وعذاب يسكن قلبها على حبها الضائع الذي حطمه والدها دون شفقة منه.. وهي تضغط على وسادتها بكل قوة وكأنها تريد ان تمزقها بين يديها.. وتنقل اليها كل العذاب الذي تشعر به..
ومازن الذي شعر بشفقة على مها بعد انصرافها من المكان .. لحق بها وسمع صوت نحيبها يأتيه من الغرفة.. فقال وهو يطرق الباب باشفاق: مها افتحي الباب.. اود التحدث اليك..
قالت مها بصوت متحشرج: دعوني وحدي لا اريد ان ارى احدا او اتحدث الى احد..
قال مازن بصوت اقرب الى الرجاء: اسمعيني فقط.. ساحاول اقناع والدي .. صدقيني.. لن اصمت على ما حدث.. فقط افتحي الباب حتى نتفاهم..
قالت مها وصوت نحيبها يتعالى: منذ متى كان ابي يقتنع بما نقوله؟.. منذ متى كان يأخذ برأي احدنا؟.. كان يتصرف كما يشاء ولا يهتم بنا.. واليوم ها هو ذا قد طرد حسام من المنزل وداس على حبي وقلبي بلامبالاة..
تنهد مازن بقوة ومن ثم قال وهو يشعر بالالم على ما اصاب شقيقته: سأحاول يا مها.. صدقيني سأحاول اقناعه.. فقط افتحي الباب حتى نتفاهم.. وكفي عن البكاء..
صرخت مها بقوة وهي تقول: دعني وحدي يا مازن.. لا اريد ان اسمع شيء في هذه اللحظة..
قال مازن بهدوء: حسنا يا مها انا ذاهب وان احتجت الى أي شيء فاخبريني..
اما مها فقد كانت تعتصر وسادتها بين يديها وتقول بصوت مختنق: لا اريد احدا.. لا اريد ان اسمع المزيد.. يكفيكم ما فعلتموه بي حتى الآن.. انا اموت ببطء دون ان يشعر بي أيا منكم ..اين انت يا حسام؟.. تعال وخلصني من هذا العذاب ..
مازن الذي سمع كلمات مبعثرة من عبارتها الاخيرة.. هز رأسه بحزن قبل ان يبتعد عن باب غرفتها.. وبينما هو كذلك تطلع الى كمال الذي يقف امامه والذي قال متسائلا: لم تقبل فتح الباب لك .. اليس كذلك؟..
اومأ مازن برأسه ومن ثم تنهد قائلا: اجل.. ولست اعلم لم رفض والدي زواجها من حسام من اجل سبب تافه كالذي ذكره..
قال كمال بهدوء: ربما يكون بالنسبة لك سبب تافه.. ولكن في نظر والدي ليس كذلك.. خصوصا وانه هو الذي انجرح من والدتي وتألم من تصرفها.. لهذا فهو لا يريد أي ارتباط او تقارب يتم بينه وبين عائلة والدتي..
قال مازن وهو يلتفت الى باب غرفة مها: ولكن ماذنب مها؟..ماذنبها لتتألم وترى حلمها يتحطم امام عينيها؟.. وكل هذا بسبب ان حسام من عائلة والدتي..
قال كمال ببرود: كثيرون يتألمون من اجل اسباب تافهة.. دون ذنب اقترفوه..ولكن لا احد يشعر بهم..
ضيق مازن عينه وقال متطلعا الى كمال: ماذا تعني بقولك هذا؟..
لم يجبه كمال وظل صامتا وهو يتطلع اليه بكل برود..في حين مضى مازن في طريقه الى حيث درجات السلم..وما ان خطى اول خطوة في طريقه لهبوطه الى الطابق الاسفل حتى فاجأه صوت كمال الذي قال: كيف حالها الآن؟..
التفت له مازن.. وعلم انه يعني ملاك بقوله.. فقال مجيبا: ستكون بخير باذن الله..
والتفت عنه ليكمل نزوله الى الطابق الارضي.. ومن ثم يتوجه الى غرفة ملاك.. وفتح بابها بهدوء ليدلف الى الداخل.. ويقترب من نادين التي كانت تراقب ملامح ملاك بكل قلق وتوتر وقال متسائلا: الم تتحسن بعد؟..
هزت نادين رأسها نفيا وقالت: لا اعلم ماذا جرى لها؟.. الحرارة لا تنخفض ابدا.. اخشى ان تصاب بمكروه..
قال مازن بقلق: لا تيأسي.. ستكون بخير غدا باذن الله..
واردف قائلا وهو يلتفت الى نادين: اذهبي لترتاحي يا نادين.. فأنت معها منذ الصباح ..
قالت نادين باصرار: لا سأبقى بجوار ملاك.. سأهتم بها طوال الليل ولن افارقها لحظة..
قال مازن بابتسامة شاحبة: سأبقى معها انا طوال الليل.. اذهبي انت لترتاحي وتحصلي على قسط من الراحة..
قالت نادين بتردد: لكن يا سيد مازن...
قال مازن مقاطعا اياها: على الاقل لساعات حتى تستردي نشاطك.. وانا لن افارق ملاك حتى الصباح..
قالت نادين وهي تشعر بتردد من ان تترك ملاك وحدها: حسنا اذا.. هذا هو دواءها وامنحه لها بعد اربع ساعات من الآن.. والكمادات الباردة حاول ان تغيرها لها كل ربع ساعة تقريبا او كلما شعرت بأنها قد فقدت برودتها.. وكذلك .. ملاك لم تقبل ان تتناول شيء منذ الصباح واكتفت بكأس من العصير.. فلو اقنعتها بتناول شيء .. سأكون شاكرة لك ..
قال مازن بابتسامة باهتة: شكرا على نصائحك وتعليماتك يا نادين .. سأتذكرها.. اذهبي انت ولا تقلقي عليها..
اومأت نادين برأسها ونهضت من مكانها.. ومن ثم لم تلبث ان قالت: لا تتردد في ايقاظي ان احتجت الى شيء..
اومأ مازن برأسه وتابعها بنظراته حتى انصرفت.. ومن ثم لم يلبث ان احتل مكانها على المقعد المجاور لملاك..وقال بخفوت وهو يمسك بكف ملاك ويمسح على شعرها: آسف عزيزتي ان كنت قد تأخرت عليك.. ولكن حدثت امور طارئة اضطرتني الى ذلك.. ولولا ذلك لكنت جئتك جريا بعد دقيقة واحدة.. فقد اشتقت اليك كثيرا..
سمع صوت انات تصدر من بين شفتي ملاك.. فقال بصوت حاني: سلامتك يا عزيزتي..وآسف على كل ما جرى لك بسببي..
ارتفعت صوت انات ملاك هذه المرة بشكل ملحوظ.. جعل مازن يتطلع الى وجهها بقلق والى قطرات العرق التي انتشرت عليه وقال بتوتر: ملاك.. ماذا بك؟..
ولم يلبث ان ابعد عن جبينها المنديل البارد.. وتحسس جبينها بظهر كفه.. لكنه لم يتمكن من معرفة درجة حرارتها الفعلية بسبب البرودة الذي اكتسبه جبينها من الماء البارد.. فعاد ليتحسس رقبتها ووجهها.. ومن ثم قال في توتر: يا الهي ..الى متى ستظل حرارتها في ارتفاع؟.. الن تنخفض ابدا؟ ..
وبينما هو كذلك.. يتطلع الى وجه ملاك الشاحب بكل خوف..ويستمع الى صوت اناتها المتواصلة.. شعر فجأة بكفها الصغيرة تضغط على كفه التي تحتضن كفها بضعف.. فانتقلت انظاره الى كفه وقال بلهفة: ملاك .. تحدثي يا ملاك.. ان كنت تشعرين بوجودي الى جوارك.. قولي أي شيء .. لكن لا تصمتي.. قلبي يكاد يتوقف خوفا عليك.. اريد ان اشعر انك بخير يا عزيزتي.. ارجوك تحدثي ..
عقدت ملاك حاجبيها في شدة وكأن شيء ما يضايقها في نومها.. ومن ثم تأوهت .. قبل ان تبدأ اعراض الحمى بالظهور عليها.. لتبدأ في هلوستها قائلة بصوت خافت جدا: امي تركتني .. وابي كذلك.. كلهم يذهبون ويتركوني وحيدة .. لماذا يذهبون؟.. جميع من احبهم يذهبون ويتركوني ..
شعر مازن بالصدمة من كلماتها..وبألم يعتصر قلبه على الرغم منه.. وضغط على كفها ليقول وهو يتطلع اليها: ملاك.. لا تقولي هذا.. لن يتركك احد بعد الآن..
ملاك التي لم تعد تشعر بشيء حولها.. فتحت عينيها بكل تعب.. لتتطلع الى مازن وتقول باعياء: لن تتركني يا مازن .. اليس كذلك؟..
قال مازن بصدق وهو يحتضن كفها بين كفيه .. ويتطلع الى عينيها بحنان: لن افعل يا ملاكي.. كيف اتركك وقد اصبحت شيئا مهما في حياتي.. لن اتركك ابدا ما حييت ..هذا وعد مني..
منحته ملاك ابتسامة شاحبة.. قبل ان تعود وتغمض عينيها بتعب ..اما مازن كان يعلم ان ملاك لم تكن في وعيها والا لما منحته حتى نصف تلك الابتسامة.. ولما تحدثت اليه من الاساس وهو السبب فيما اصابها.. ولكنه حاول التخفيف عن نفسه قليلا.. فملاك قد تحدثت اليه على الاقل..حتى وان كان ذلك دون شعور منها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الخامس والثلاثون
"ذكريات"
( هيا اركل الكرة يا كمال.. ماذا تنتظر؟)
قالها ذلك الفتى الذي تجاوز عمره الثلاث عشرة ربيعا وهو يتحدث الى اخيه الذي يقف امامه بكل استعداد ويقول بصوت عالي: هل انت جاهز لصد الكرة يا مازن؟..
قال مازن بضيق: اجل يا كمال.. اركلها..بسرعة فقد بدأت اشعر بالحر..
تراجع كمال الفتى ذا الاحد عشرة عاما .. ومن ثم لم يلبث ان تقدم في سرعة وركل الكرة بكل مالديه من قوة ..لتنطلق الكرة وتشق الهواء في سرعة.. ومازن الذي تابعها بعينه استطاع ان يصدها ويلتقطها بين كفيه بكل مهارة.. فقال كمال باستنكار وهو يراه قد امسك الكرة: هكذا لن تخسر ابدا..
قال مازن مبتسما بغرور: بكل تأكيد لن اخسر.. فلا يمكن لركلة سهلة كركلتك ان تدخل في مرماي..
قال كمال بسخرية: من تظن نفسك؟..
هم مازن بقول شيء ما.. لولا ان لمح في تلك اللحظة تلك الطفلة الجالسة على مقعد متحرك.. وتتطلع الى الحديقة حولها بتوتر وخوف.. فالتفت الى كمال ليقول له: لحظة واحدة.. سأذهب وارى من تكون هذه الطفلة؟..
قال كمال وهو يلتفت الى حيث ينظر مازن: وما شأننا بها؟..
لم يجبه مازن .. بل اسرع الخطى الى حيث تجلس تلك الطفلة..وقال مبتسما وهو يراها تمسك دميتها بكل قوة وكأنها تخشى ان يأخذها احدهم من بين يديها: من انت؟..
انتفض جسد الطفلة بخوف..وسقطت الدمية من بين يديها.. فتطلع اليها مازن باشفاق والتقط الدمية التي سقطت على الارض ليمنحها اياها قائلا: خذي دميتك..
تطلعت له الطفلة بعينين متوترتين وقالت: شكرا لك..
قال مازن وهو يضع الكرة على الارض: لكن لم تخبريني بعد.. من انت؟..
قالت الطفلة ببراءة: انا اسمي ملاك..
قال مازن مبتسما: وانا مازن.. هل جئت الى هنا وحدك؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا جئت مع ابي..
قال مازن متسائلا: واين هو الآن؟..
اشارت ملاك الى المنزل وقالت: لقد دخل الى المنزل.. وقد طلبت منه ان يتركني في هذه الحديقة الجميلة..
قال مازن بابتسامة: اليس لديكم حديقة مماثلة؟..
قالت ملاك وهي تتطلع حولها بلهفة طفلة قد وجدت مكانا كانت تتمناه: لدينا حديقة ولكن ليست جميلة كهذه.. او كبيرة كهذه..
قال مازن وهو يتطلع اليها: اذا تعالي العبي معنا..
قالت ملاك بحيرة: العب ماذا؟..
عاود مازن امساكه للكرة وقال مبتسما: كرة القدم..
فاجأه صوت كمال الذي جاء من خلفه وهو يقول: مازن تعال لنكمل اللعب..
قال مازن وهو يبتسم لملاك: انتظر فربما ملاك تريد ان تلعب معنا ايضا..
رمقها كمال بنظرة ضيق ومن ثم قال: لا نحتاج لأن تشاركنا اللعب طفلة مثلها..
تطلعت له ملاك وقالت بغضب طفولي: انا لست طفلة..
قال مازن مهدئا الوضع: كمال دعها وشأنها..
ومن ثم لمح عمه خالد الذي خرج من المنزل فقال : يبدوا انك ستغادرين الآن.. فأظن ان اباك قد خرج..
التفت ملاك الى والدها وابتسمت له بكل حب .. وبادلها هو ابتسامة حانية ومحبة .. قبل ان يقترب منها ويقول وهو يربت على رأسها: سنذهب الآن يا ملاكي..
ولم يهتم بمازن الذي ابتعد عن ملاك قليلا ليفسح المجال لوالدها بدفع مقعدها.. وان لاحقها مازن بنظراته ورآها تلتفت له قبل ان تغادر وتبتسم له.. فابتسم مازن بدوره وهو يلوح لها بكفه مودعا.. وكان آخر ما رآه هو ابتعاد تلك الطفلة الصغيرة مع والدها خارج المنزل.. دون ان يعلم ان تلك الطفلة الصغيرة.. ستكبر وستعود الى المنزل في يوم ..لتضطره الظروف وتجبره على الزواج بها.. ومن ثم تجد نفسها وقد احتلت اهم مكان لدى مازن.. قلبه...
فتح مازن عينيه وهو يشعر بتعب في ظهره من نومه المتواصل على المقعد.. وتطلع الى ملاك التي تنام بهدوء على الفراش المجاور .. قبل ان يمدد ذراعيه قليلا وهو يشعر بتعب في ارجاء جسمه .. وفي تلك اللحظة فقط انتبه الى ضوء الشمس الذي تسلل من بين الستائر.. واسرع يتطلع الى ساعة يده .. ومن ثم قال وهو يهمس لنفسه بقلق: لقد قالت لي نادين ان امنحها الدواء بعد اربع ساعات.. والآن قد مرت خمس ساعات.. يالي من احمق.. كيف سمحت للنوم بالسيطرة علي.. وتركت نفسي اغط في نوم عميق.. دون انتبه الى موعد دواء ملاك..
ما لا يعرفه مازن ان ملاك لم تكن نائمة بل كانت تتظاهر بالنوم.. فقد استيقظت قبل نصف ساعة..وتطلعت حولها بتوتر وارهاق وهي تشعر بأن قطرات العرق قد انتشرت في جسدها كله ..فكادت ان تعتدل في جلستها لتنهض من فراشها وتذهب الى دورة المياه لتستحم.. لولا ان لمحت مازن في تلك اللحظة .. وهذا الاخير ينام على المقعد المجاور لفراشها وسترته على كتفيه ويعقد ساعديه امام صدره كوسيلة لتدفئة نفسه..
وتبخرت أي رغبة من ذهنها.. واحداث الامس تمر امام عينيها كشريط سينمائي..لماذا جاء اليها؟.. لماذا يجلس الى جوارها؟ .. اليعيد اليها ذكرى الامس؟.. ذكرى الخناجر التي طعن بها قلبها ..ام ذكرى الدموع التي سكبتها على كذبه وخداعه وخيانته لحبها؟..
قلبها الذي لم يحب شابا سواه ولم ينجذب الى شخص كما انجذب اليه.. خدعها باهتمامه وحنانه الزائفين ليجعلها تقع اسيرة حبه.. ومن ثم تكون كالكثيرات اللاتي عرفهن .. يرميها اذا شعر بالملل والضجر منها..
واشاحت بوجهها بعيدا لتغمض عينيها بألم وتتظاهر بالنوم.. فاذا استيقظ ورآها نائمة.. سيغادر الغرفة بالتأكيد حتى لا يسبب أي ازعاج..
وبعكس توقعات ملاك.. كان مازن يشعر بالقلق عليها .. وخصوصا وانه اهمل موعد دوائها.. فاقترب منها ليتحسس جبينها ويتأكد من درجة حرارتها.. وفي تلك اللحظة لم تحتمل ملاك قربه منها.. فابعدت يده عن جبينها واشاحت بوجهها بعيدا عنه.. فقال مازن بدهشة: ملاك.. أأنت مستيقظة؟..
صمتت ملاك واغمضت عينيها في قهر.. فقال مازن وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره: اعذريني .. فقد نسيت موعد دوائك..فقد كان يجب...
قاطعته ملاك قائلة بحدة: اخرج.. لا اريد ان اراك..
قال مازن بابتسامة شاحبة: فليكن يا عزيزتي سأخرج..
قالها ونهض من مكانه ليلقي عليها نظرة اخيرة.. ويبتسم لها بكل حنان.. واستغربت ملاك من نهوضه وخروجه بهذه السرعة وهو بالامس قد رفض الخروج متجاهلا صراخها وبكاءها ..
لكنها لم تهتم كثيرا.. ونهضت معتدلة في جلستها.. كانت تريد ان تجلس على مقعدها المتحرك.. لكنه كان بعيدا نسبيا عنها.. فحاولت تقريب جسدها منه.. وبينما هي كذلك سمعت صوت طرقات على الباب.. وصوت نادين وهي تقول: آنسة ملاك .. هل يمكنني الدخول؟..
تنهدت ملاك وشعرت بالراحة لان نادين ستساعدها على الجلوس على مقعدها .. وقالت في سرعة: ادخلي يا نادين..
فتحت نادين الباب ودلفت الى الغرفة وهي تقول: لقد طلب مني السيد مازن البقاء معك ريثما...
قاطعتها ملاك قائلة بحدة: لا اريد سماع شيء عن مازن.. فقط ادفعي المقعد قليلا..
استجابت نادين لطلب ملاك وتوجهت لتدفع المقعد وتقربه منها.. فرفعت ملاك جسدها بكل ما تملك من قوة.. ورمته بكل ارهاق على المقعد.. فقالت نادين بقلق: آنستي.. انت متعبة.. هل تناولت دوائك؟..
تذكرت ملاك كلمات مازن.. وهزت رأسها نفيا.. فقالت نادين في سرعة: سأحضر لك شيء لتتناوليه ومن ثم ستتناولين دوائك..
( لا داعي لذلك يا نادين)
التفتت نادين الى مصدر الصوت ورأت مازن وهو يحمل صينية تحوي على بعض اطباق الطعام وكأس من العصير وقال بابتسامة تحمل بعض الارتباك وهو يضع الصينية على طاولة الغرفة: لقد استغربت الخادمات دخولي الى المطبخ عندما ذهبت لاحضار افطار لملاك.. لانها المرة الاولى التي افكر فيها ان ادخل اليه..
واردف وهو يلتفت الى ملاك ويغمز لهابعينه: وكل هذا من اجل ملاك.. ارأيت كيف يدللك مازن؟.. لقد خاطر ودخل المطبخ من اجلك..
اشاحت ملاك بوجهها بعيدا وقالت بغضب: لا اريد شيئا منك.. غادر الغرفة الآن..
قال مازن وهو يقترب منها وبلهجة حانية: عزيزتي.. دعيني افهمك كل شيء.. الرسائل التي رأيتها في هاتفي المحمول كانت قبل فترة طويلة..وقبل ان اعقد قراني عليك حتى..
قالت ملاك بسخرية مريرة: وتركتها في هاتفك للذكرى .. لكي تتذكر كل فتاة ارسلت لك رسالة في يوم.. اليس كذلك؟..
قال مازن وهو يهز رأسه نفيا: ابدا.. لكني لم اعتد على مسح الرسائل.. ولو بحثت في هاتفي اكثر لوجدت ان هناك العديد من الرسائل التي لا معنى لها في هاتفي ..ولأني لست معتاد على حذفها..
التفتت له ملاك وقالت بنظرة قاسية: كرسائل الحب والغرام التي رأيتها في هاتفك ..
قال مازن بلهجة اقرب الى الرجاء: ملاك.. صدقيني.. علاقاتي تلك كانت بالماضي فقط.. اما الحاضر فهو معك انت..
التفتت له ملاك وقالت بجفاء: لم اعد تلك الساذجة التي تحسبها يا مازن.. لقد فهمت ان البشر من حولي ليسوا سوى مخادعين.. كاذبين .. جميعكم كذلك.. ترتدون اقنعة لتخفوا حقيقتكم عن بعضكم البعض.. اقنعة تحمل معاني الطيبة والصدق والاخلاص .. لكن عندما تسقط تلك الاقنعة تتضح الحقيقة المرة.. بأنكم لستم سوى مخادعون.. تخدعون في اعمالكم .. تخدعون في مناسباتكم.. وتخدعون الناس من حولكم .. وحتى انفسكم تخدعونها بعلمكم او بدون علم منكم..
تطلع لها مازن بدهشة ومن ثم قال بقوة: ابدا يا ملاك.. الناس ليسوا هكذا والدليل ان والدك ليس كذلك.. ومها ايضا.. ربما اكون انا المخطئ لأني لم الغِ الماضي من حياتي.. ولكنه يظل ماضي لا شأن لي به.. صدقيني يا...
قاطعته ملاك وهر تحرك عجلات مقعدها وتتحدث الى نادين: جهزي لي ملابس لكي استحم..
اومأت نادين برأسها واتجهت الى الخزانة.. فقال مازن وهو يقترب منها اكثر..ويمد كفه ليتحسس جبينها..امام نظرات ملاك المستنكرة.. ومن ثم قال مبتسما: اقلقتني عليك بالامس.. حمدلله لقد انخفضت درجة حرارتك اليوم..
قالت ملاك بحدة: وماذا يهمك انت؟.. ان كانت شفقة منك .. فاعلم اني لست احتاج الى شفقة من احد..
اشار مازن الى صدره ومن ثم قال بهدوء: ملاك انا زوجك ومن واجبي الاهتمام بك و...
قاطعته ملاك مرة اخرى هاتفة بصوت منفعل: لا اريد سماع شيء.. فقط اخرج.. لقد ذقت ذرعا بكذبك..
التفت مازن الى نادين وتنهد قائلا: نادين انا سأغادر الآن.. ولكن اخبريني ان رفضت ملاك تناول طعامها او دوائها..
قالت لماك بعصبية بالرغم منها: اهتم بنفسك فقط.. فلست طفلة امامك..
قال مازن بابتسامة حانية: بل انت طفلة.. وستظلين كذلك.. صغيرتي التي آذيتها بيدي دون ان اشعر.. فأعذري احمق مثلي يا ملاك..
قالها واستدار عنها.. كادت ملاك ان تهتف به لتسأله عن معنى عبارته.. لكنها آثرت الصمت.. في حين قالت نادين باشفاق ما ان غادر: اعلم انه ليس من حقي التدخل في مشاكلك مع السيد مازن .. ولكنه حقا كان خائفا عليك بالامس.. لقد طلب مني ان اذهب لانام.. وهو ظل معك طوال الليل ..حتى انه لم يحظى بالراحة حتى الآن..
قالت ملاك ببرود: لقد كان نائما عندما استيقظت من نومي..
واردفت قائلة: ولا يهمني مازن ابدا.. فلا تحدثيني عنه.. اريد ان انسى ولو لوقت قصير ما اصابني منه..
واختنق صوتها وهي تنطق بعبارتها الاخيرة.. واحترمت نادين رغبتها.. فاقتربت منها لتمنحها ملابسها.. في حين حركت ملاك عجلات مقعدها وقالت بحزن: ولو طلب رؤيتي فلا تسمحي له.. لا اريد ان اراه بعد الآن ابدا..
صمتت نادين وهي تراقب ملاك .. ومن ثم تنهدت في قوة .. وهي تشعر ان ملاك قد تغيرت.. اصبحت انسانة عدائية.. لم يكن من عادتها الصراخ في وجه احد.. او حتى تجاهل احد..لم يكن من عادتها ان تحمل لهجتها كل هذه القسوة.. او كلماتها كل هذا الحقد.. االى هذه الدرجة قد اثر عليها خلافها مع السيد مازن؟.. وجعلها تأخذ موقف من جميع الناس.. ترى ما الذي فعله حتى يجعلها تتغير الى هذه الدرجة وتصبح فتاة عدائية مع الجميع؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
فتحت مها عينيها لتشعر بصداع عنيف يكتنف رأسها ويسبب لها آلام شديدة.. وشعرت بحرقة في عينها.. وآثار الدموع الجافة لا تزال على وجنتيها.. كيف لا وهي قد امضت الليل بطوله تتذكر كل موقف جمعها بحسام.. وتتذكر اخيرا موقف والدها معه وكيف انه اصبح بعيد المنال عنها..
احلامها.. امنياتها.. طموحتها.. كلها رسمتها مع حسام.. وكيف سيجمع القدر بين قلبيهما عندما يتزوجان؟ .. لكن كل هذا ذهب ادراج الرياح.. كحبات رمل ذهبت مع الرياح بكل خفة لتتلاشى من الوجود.. ولا يعرف احد موقعا لها.. فهل سيكون لحبها المصير ذاته؟.. سيتلاشى امام المشاكل التي تواجهه ام سيصمد كجبل شامخ.. وشعرت بالقهر وهي تتذكر كيف ان والدها قد طرد حسام ووالده من المنزل امام عينيهاو...
تنهدت بقوة وهي تنهض من مكانها وتعتدل في جلستها.. ومن ثم تضم ركبتيها الى صدرها لتقول بصوت متحشرج: ماذا علي ان افعل الآن؟.. استسلم لرغبة والدي.. وادفن الحب الذي عشته مع حسام لسنوات طوال.. ام ارفض كل شيء واواجه والدي لأخبره بأن حسام هو كل شيء في حياتي.. وانه لو ابتعد عني فهذا معناه موتي الاكيد.. سأخبره كذلك اني لو لم اتزوج حسام فلن اكون لسواه.. اليس هذا هو الوعد الذي قطعته لك يا حسام؟.. وها انذا سأنفذه.. ولكن...
اسرعت تنهض من مكانها وتوجهت الى دورة المياه.. وتطلعت الى وجهها في مرآتها ومن ثم ابتسمت لنفسها بسخرية مريرة: يبدوا ان الهموم تجعل الانسان يتقدم في العمر حقا..
وغسلت وجهها على عجل.. قبل ان تتوجه الى حيث هاتفها المحمول وتقول بصوت مبحوح من كثرة البكاء: علي ان اطمئن على حسام اولا.. وما هي احواله؟..
وضغطت ازرار الهاتف باصابع مرتجفة.. ومن ثم وضعت الهاتف على اذنها لتدرك انه اغلق هاتفه.. مانعا أي اتصال بينه وبين العالم من حوله..وعضت على شفتيها بالم ودموعها تعود لتتجمع في عينيها.. وقالت بصوت مختنق وهي تبعد الهاتف عن اذنها: اتحملني انت الآخر ذنب لم ارتبكه يا حسام؟..
وضغطت على هاتفها بقوة وهي تردف وغصة مرارة والم بحلقها: ليتني لم اكن ابنة امجد.. ليتني لم اكن ابنته..
وسمعت في تلك اللحظة صوت طرقات على الباب فقالت بعصبية: اذهبوا بعيدا.. لا اريد رؤية احد..
قال مازن الذي يقف خلف الباب: مها.. افتحي الباب.. اريد الحديث اليك لدقائق فقط.. انه امر يتعلق بملاك وبك ايضا..
رفعت مها رأسها الى الباب.. وتطلعت اليه لوهلة. . قبل ان تسمح دموعها وتتجه اليه..وتفتحه ببطء قائلة: ماذا تريد؟..
قال مازن وهو ينظر لها من فرجة الباب الضيقة باشفاق: هل يمكنني الدخول؟..
تركت له الباب مفتوحا ودخلت الى الغرفة.. فخطا مازن بخطوات متوترة بعض الشيء وقال وهو يتطلع اليها: مها .. كل شيء سيحل.. فقط لا تفعلي بنفسك هكذا..
كورت مها قبضتيها في الم واطرقت برأسها لتقول بحزن: كيف سيحل؟.. اخبرني كيف؟..
وضع كفه على كتفها وقال وهو يتنهد: فقط لا تفقدي الامل.. سأحاول انا مع والدي.. وكمال كذلك.. وانت كذلك حاولي معه..
رفعت رأسها اليه وقالت بمرارة: على من تكذب؟.. والدي لا يستمع الى احد سوى نفسه..
قال مازن برجاء: قد يستمع الى احدنا لو حاولنا معه.. لا تيأسي يا مها.. وليكن املك بالله كبيرا..
قالت مها وهي تزفر بحدة: ونعم بالله..
واردفت قائلة: صحيح.. ما اخبار ملاك؟..
قال مازن وهو يبعد كفه عن كتفها: لقد استيقظت ولكن...
قالت مها بقلق: ولكن ماذا؟..
قال مازن بسخرية مريرة: ترفض رؤيتي.. ولا تريد ان اتحدث اليها او ابقى معها.. لقد اصبحت بالنسبة لها شخصا لا يطاق.. شخصا مخادعا وخائنا..
قالت مها بابتسامة شاحبة: سأحدثها لأجلك واخبرها بالحقيقة كلها..
قال مازن بلهفة: حقا؟..
اومأت مها برأسها وقالت: لكن بشرط..ان لا تكرر افعالك هذه مرة اخرى.. وان ترمي هاتفك هذا في القمامة وتشتري هاتفا جديدا لتبدأ به حياتك الجديدة..
قال مازن بابتسامة واسعة: دون ان تقولي ذلك كنت سأفعل.. وعندما تذهبين الى ملاك اخبريها اني قد تغيرت.. اخبريها اني بحاجة اليها لتكون الى جواري الى الابد.. اخبريها اني لم اعد ارى فتاة سواها واني...
قاطعته مها لتقول بابتسامة حانية: وانك غارق في حبها حتى النخاع.. اليس كذلك؟..
ارتبك مازن بشدة.. وبغثر نظراته بعيدا.. حب؟.. احقا عرف الحب طريقه الى قلبه؟..وحب من؟.. ملاك؟.. مشاعره تجاهها لايعرف تفسيرا لها.. اعجاب.. حنان واهتمام .. حاجة الى وجودها معه.. وافتقادها اذا ابتعدت عنه.. اهذا هو الحب يا ترى؟..
ولم يعلق مازن في حين قالت مها وهي تتطلع اليه: سأذهب اليها بعد قليل وسأحدثها بكل...
في هذه المرة قاطع حديث مها صوت رنين هاتف مازن المحمول..فالتقطه هذا الاخير من جيبه.. وما ان رأى اسم المتصل حتى قال بضيق وهو يبتعد خارجا من غرفة مها: عن اذنك ..
قالها وغادر الغرفة ليتوجه الى غرفته.. واستغربت مها هذا الاتصال الذي رسم ملامح الضيق على وجه مازن.. لكنها قررت سؤاله عنه بعد قليل.. وتحركت الى خزانتها لتأخذ لها ملابس تستبدل بها التي ترتديها.. وتطلعت الى نفسها بمرارة.. هذا الفستان التي كانت ترتديه من اجل حسام.. وليوم خطبتها ..لم يعد كذلك..لقد اصبح فستان مثقل بالهموم والآلام.. كان شاهدا على كل ما حدث وشاهدا على دموعها التي ذرفتها بكل مرارة بالامس.. حتى انها لم تأبه باستبادله وغطت في النوم بعد معاناة و تعب نفسي شديد..
واستبدلت ملابسها على عجل.. لتغادر بعدها الغرفة.. وتهبط الى الطابق الاسفل حيث ملاك.. وعلى الطرف الآخر كان مازن يتحدث عبر الهاتف قائلا بضيق: بخير يا عمي..اخبرني ما سر اتصالك؟..
قال فؤاد عبر الهاتف وهو يلتقط مفتاح سيارة بين يديه بانتصار: لم تتصل بي حتى الآن لهذا اردت ان استعجل ردك..
قال مازن متعمدا ببرود: بشأن؟..
قال فؤاد بمكر: لا اظن انك نسيت بهذه السرعة.. وظيفة احلامك.. ومبلغ ضخم في البنك.. والسيارة التي تمنيت الحصول عليها..
قال مازن بهدوء شديد: في الحقيقة ارى انه من الافضل لك ان توفر نقودك يا عمي.. فربما يحتاجها غيري..
شعر فؤاد بالصدمة من عبارته.. وقال متسائلا بحدة: ماذا تعني؟ ..
قال مازن بحزم: اعني انني ارفض.. ارفض عرضك هذا..
قال فؤاد وهو يعقد حاجبيه: لا تتسرع يا مازن.. انت بهذا تضع احلامك وطموحاتك كلها بكفة.. وملاك بعجزها في كفة اخرى..
قال مازن وهو يتطلع الى نقطة وهمية: اتعلم يا عمي ما هي مشكلة كل انسان في هذه الدنيا؟.. انه يضعف امام مغريات الحياة بكل سهولة.. ويتخلى عن الكثير من الاشياء لاجلها.. ولكن من لديه عزيمة وقوة على تحدي تلك المغريات يستطيع ان يتخطاها دون ان يلتفت لها حتى..
عمه فؤاد وهو يحاول ان يتظاهر بالبرود: افهم من كلامك هذا انك ترفض عرضي من اجل ملاك..
قال مازن بصدق: اجل من اجلها.. فلا يمكن لكل نقود العالم ان تعوضني عن هذا الملاك الطاهر..
قال فؤاد بسخرية واستهزاء: لقد اختلف حديثك يا مازن.. في آخر مرة كنت مترددا .. وقلت انك ستفكر في الامر.. اما الآن فأراك واثقا مما تقول.. قل لي ما السبب يا ترى؟.. اهو الطمع في شركة خالد؟.. اوربما اني اتخيل وارى قلب مازن قد بدأ يخفق لحب فتاة عاجزة..
قال مازن بعصبية: ربما تكون ملاك عاجزة.. ولكن تذكر يا عمي ان لكل منا نواقصه.. فصحيح ان ملاك قد حرمت من نعمة السير.. ولكنها افضل من آلاف الفتيات اللاتي ينعمن بهذه النعمة.. ملاك فتاة رائعة بقلبها الابيض .. باخلاقها العالية.. بشخصيتها البريئة.. برقتها وحبها للناس.. ملاك فتاة قلما تراها في هذا العالم.. بل ارى نفسي محظوظا لاني ارتبطت بفتاة مثلها.. ولن اسمح لمخلوق ان يفرقنا.. وخصوصا احمد ذاك الذي لا يفكر الا بالمال والثروة.. يريد ان يتزوجها ليحطمها ويجعل قلب ذلك الملاك يتألم .. ونراها جميعا تذبل يوما بعد يوم ..لا يا عمي .. مستحيل ان افكر بهذه الطريقة.. مستحيل ان اتركها لكم او لأحمد لتكونون سببا في مضايقتها حتى ..
قال فؤاد وهو يحاول التحكم باعصابه: وايضا تعرف بكل شيء.. حسنا اذا لقد اردنا ان ينتهي الامر كله بشكل ودي.. لكن يبدوا وانك محب للمشاكل.. ليكن اذا.. فلتهنئ انت مع ملاك..وانتظر نتيجة ما جنته يداك..
قالها واغلق الهاتف .. فقال مازن وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره بعصبية: لست انا الذي يتخلى عن ملاك.. لست انا.. فليفعلوا بي ما يفعلوه.. ولكني لن اترك ملاك لتتضايق بكلمة واحدة منهم.. انا المسئول عن ملاك وانا من سيدافع عنها.. ولو تطلب الامر ان أفديها بروحي..
ربما تستغربون طريقة حديث مازن.. وكلماته التي اصبحت مليئة بالمشاعر والعاطفة تجاه ملاك.. ولكن استطيع ان اخبركم بأن لم يكن مازن الذي يتحدث في تلك اللحظة.. بل قلبه.. قلبه الذي ظل مغلقا لفترة طويلة.. وعاد ليفتحه لملاك عندما شعر انه من الممكن ان يفقدها في يوم.. و اتخذ عهدا على نفسه ان يحميها بحياته ورحه ان تطلب الامر..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قبل فترة من الوقت.. وبالتحديد حين كانت مها تهبط درجات السلم وتتجه الى غرفة ملاك..طرقت باب غرفة هذه الاخيرة بهدوء.. وجاءها صوت نادين من الداخل وهي تقول: من؟..
اجابتها مها قائلة: انها انا مها.. هل يمكنني الدخول؟..
التفتت نادين الى ملاك وقالت لها : انها مها..
صمتت ملاك لبرهة ومن ثم قالت: دعيها تدخل..
اتجهت نادين الى الباب لتفتحه قائلة: تفضلي بالدخول آنسة مها..
دخلت مها الى الغرفة ومن ثم قالت بابتسامة مصطنعة: ما هذا يا ملاك؟.. منذ متى كنت تغلقين الباب على نفسك؟..
قالت ملاك ببرود: منذ هذه اللحظة..
جذبت مها مقعدا لها لتجلس بجوار ملاك التي تجلس بجوار الطاولة الصغيرة الموجودة بالغرفة: اخبريني كيف حالك الآن؟..
قالت ملاك وهي تلتقط قطعة من الكعك وتتناولها: بخير..
قالت مها وهي تتنهد: حمدلله لقد قلقت عليك بالامس ولم اتركك الا عندما...
بترت عبارتها ولمعت نظرة الحزن في عينيها وهي تطرق برأسها.. فتساءلت ملاك قائلة: عندما ماذا؟..
قالت مها وهي ترفع رأسها بشحوب: الا عندما جاء خالي مع حسام لخطبتي..
قالت ملاك بلهفة: صحيح لم تخبريني .. متى سيتم اعلان خطوبتكما بشكل رسمي او ...
قاطعتها مها قائلة وهي تهز رأسها نفيا وغصة مرارة تملأ حلقها: لن يكون هناك خطوبة يا ملاك..لقد رفض والدي حسام..
سقطت قطعة الكعك من يد ملاك وقالت بذهول وعيناها متسعتان: رفض؟؟.. ولم رفض؟؟..
قالت مها بشحوب وبصوت حاولت ان تجعله طبيعيا قدر الامكان: انها قصة طويلة.. سأخبرك بها فيما بعد..
واردفت في سرعة قبل ان تسألها ملاك عن المزيد وتعيد لها آلام الامس : ملاك.. اريد ان اتحدث معك بهدوء في أمر يخص مازن.. وسأخبرك بكل الحقيقة دون ان اخفي عنك شيئا..
تطلعت لها ملاك بنظرة تحمل الالم والعتاب ومن ثم قالت: الم تخفي عني الحقيقة بالماضي؟.. فما الذي يدعوك لاخباري بها الآن؟ ..
قالت مها بحزن: ربما اكون قد اشتركت في كوني سببا للصدمة التي مررت بها.. لكني كنت اخشى عليك في ذلك الوقت وانا ارى السعادة ترتسم في عينيك.. وينبض بها قلبك المحب لحنان مازن واهتمامه..كنت اخشى عليك ان تعلمي بالحقيقة وان اطفئ السعادة التي رأيتها في عينيك والتي ينبض بها قلبك.. لم اكن اريد لك ان تصدمي بمن...
قاطعتها ملاك قائلة والدموع تترقرق في عينيها: وها انذا صدمت الآن .. فما الذي استفدته ؟.. لو كنت اخبرتني بما حدث سابقا فعندها سيكون وقع الخبر ابسط علي.. صحيح اني سأصدم لكن لن تكون صدمتي بهذا الشكل وانا اجد مازن قد اصبح زوجي الآن وان ما فعله يعد خيانة لهذا الزواج .. على الاقل كنت سأشعر حينها بالمرارة لأنه لم يلتفت لي وسيكون الحزن هو رفيقي الدائم كما اعتدت..
قالت مها وهي تزدرد لعابها: دعك من الماضي يا ملاك.. انت الآن زوجة لمازن.. وعلي ان اوضح لك الحقيقة واشرحها لك حتى لا تظلمي مازن..
قالت ملاك بتهكم ومرارة: اظلمه؟.. من يظلم من يا مها؟.. هو من ظلمني بخداعه وخيانته ام انا التي فعلت؟..
قالت مها بهدوء: نحن لا نتحاسب الآن يا ملاك.. ودعيني اخبرك بكل شيء منذ البداية..لقد كان مازن انسانا ذو علاقات متعددة لا استطيع انكار هذا.. وقد كان يود دائما التعرف على فتاة جديدة تملأ وقته وحياته.. ولكن لم يحاول في حياته ان يعد أي واحدة منهن بوعد خاص.. لقد كانت هناك حدود لعلاقته بهن.. ولم تحرك أي منهن شعرة منه.. الى ان رآك..
واردفت وهي تبتسم لملاك بحنان: لقد كنت الوحيدة الذي اجبرت مازن على ان يعبر عن مشاعره بكل صدق دون تكلف او مجاملة.. لقد كان يسأل عنك بشكل دائم وكانت ملامح اللهفة والصدق في عينيه.. كان اهتمامه وحنانه بك صادقين.. انت الوحيدة التي استطعت ان تذيبي جليد قلبه الذي لم يعرف الحب في يوم.. انت الوحيدة التي اختارك يا ملاك لتكوني شريكة حياته..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها بألم: لقد قالت انه لم يتزوجني الا شفقة بي.. وانه سيرميني بعد ان يشعر بالملل ..
قالت مها في سرعة: لا تصدقيها.. انه لم يتزوجك شفقة بك.. والا لمحت ذلك بنفسك في تصرفاته معك.. فمازن كالكتاب المفتوح الذي تستطيعين ان تقرئيه بكل سهولة لتعرفي ما به..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها: لكنت قد علمت اذا بعلاقاته المتعددة مع المئات غيري..
قالت مها وهي تتطلع اليها وتبتسم ابتسامة باهتة: لو كنت قد بحثت في هاتفه بشكل جيد.. لاكتشفت انه لم يرسل أي رسالة لاي فتاة بعد عقد قرانك عليه.. وان كان هناك من يرسل فهن رفيقاته..مازن لم يعتد على مسح أي رسالة من هاتفه.. وحتى الرسائل التي تحوي كلمات اعتيادية كـ "نعم" و"حسنا".. ستجدينها بين الرسائل..صدقيني يا ملاك.. مازن قد تغير بسببك انت وحدك..
قالت ملاك وهي وهي تفتح قفل قلادتها التي يحتلها حرف m"":لا يمكن لانسان ان يتغير بين ليلة وضحاها..
واردفت وهي تخلع القلادة من حول رقبتها وتمد يدها لتقول لمها بألم: سلميها له..
هزت مها رأسها نفيا وقلبها يكاد ينفطر من الحزن الذي تراه في عيني ملاك.. وكأن لم يكفيها حزنها هي لتتحمل آلام غيرها.. ودفعت يد ملاك بهدوء وهي تجعلها تطبق على القلادة قائلة: كلا يا ملاك.. مازن سيتضايق ويتألم ان رآك قد خلعت القلادة التي جمعت بينكما..
قالت ملاك بحدة ومرارة: ولم انا وحدي من يجب عليها ان تتألم؟ .. فليتألم هو ايضا ان كان سيشعر بالحزن حقا ان رآني لم اعد ارتديها..
تطلعت مها الى عينيها مباشرة وقالت: ملاك ان كنت قد صدقت كلمات حنان وان مازن قد تزوجك شفقة بك.. فما الذي يجبره على الشعور بكل هذا الخوف من اجلك وهو يراك بالامس مصابة بالحمى وطريحة الفراش؟.. ما الذي يجبره على قضاء الليل بطوله الى جوارك؟.. لو كان يشفق عليك كما تقولين لترك هذه المهمة لنادين.. ولم يهتم هو الا بسؤالها عن احوالك..
قالت ملاك وهي تتنهد بمرارة: احساسه بالذنب لانه كان سببا في كل ما اصابني..
صمتت مها باستسلام.. ومن ثم قالت: حسنا لن احاول اقناعك اكثر من هذا.. لكن على الاقل سأطلب منك ان تسمحي لمازن بشرح موقفه لك.. فربما حينها تعلمين ان شعوره تجاهك ليس شفقة .. وان علاقاته قد انتهت..
قالت ملاك وهي تكور قبضتيها والتي تطبق احداهما على القلادة: لا اريد ان اراه.. يكفيني ما اصابني بسببه..
قالت مها وهي تتطلع اليها بحيرة: لم اعهدك قاسية القلب يا ملاك.. لقد كنت دائما بالنسبة لي رمزا للتسامح والقلب الابيض..
قالت ملاك بسخرية مريرة: وكان مازن بالنسبة لي رمزا للصدق والوفاء والحب والحنان.. ولكن هذا الرمز تحطم .. ومعه قد تحطمت انا.. واختفى من حياتي ما يسمى بالطيبة والتسامح ..
ابتسمت لها مها وقالت بحنان: ابدا.. من قال ان الطيبة والتسامح قد اختفتا من حياتك.. والا حينها لن ارى ملاك امامي.. بنظرتها البريئة وقلبها المحب لجميع الناس..
صمتت ملاك ولم تعلق وزفرت بحرارة وهي تشعر ان هذه الزفرة قد حملت آلامها ومعاناتها كلها..فنهضت مها من مكانها وقالت بهدوء: ملاك .. سامحي مازن وامنحيه الفرصة ليعبر بها عن مشاعره تجاهك.. فحينها كلاكما ستشعران بالراحة والسعادة..
والتفتت عنها لتتجه الى الباب.. وفجأة توقفت لتلتفت الى ملاك وتقول بابتسامة: صحيح لقد نسيت.. لقد اوصاني مازن على ايصال رسالة اليك..
التفتت لها ملاك وانصتت لها باهتمام.. فقالت مها وهي تحاول تقليد طريقة مازن في الحديث: لقد قال لي ..عندما تذهبين الى ملاك اخبريها اني قد تغيرت و اني بحاجة اليها لتكون الى جواري واني لم اعد ارى فتاة سواها في حياتي..
واردفت قائلة: هذا ما قاله لي وطلب مني ان اوصله لك.. واتمنى ان تفكري جيدا وتمنحيه فرصة ليشرح لك موقفه..
والتفتت عن ملاك لتغادر الغرفة.. تاركة هذه الاخيرة.. في حيرة من امرها..غارقة في تفكير عميق بكل كلمة نطقتها مها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
هل شعرت ذات مرة باحساس فقد اغلى الناس على قلبك -لاقدر الله-؟.. هل شعرت حينها بأنك قد اصبحت شخصا تائها لا هدف له بالحياة؟.. هل شعرت بأن لم تعد لك رغبة في العيش وانك اصبحت تتمنى الموت لعله يكون راحة لك من كل هذا العذاب؟..
هذا كان شعور حسام بكل اختصار وهو يجلس على طرف فراشه ويدفن وجهه بين كفيه بكل الم.. ولم تذق عيناه النوم الليل بطوله وكلمات امجد تتكرر في ذهنه.. جعلته يشعر بمرارة لا حدود لها وبحزن يكاد يسيل الدمع من عينيه ..وتنهد بكل معاناة في داخله.. وهو يرى ان احلامه قد انتهت منذ هذه اللحظة.. وان سبب بقائه على قيد الحياة قد تلاشى.. لقد كان يرى مها سببا لسعادته .. سببا لنجاحه في الدراسة.. كانت هي الدافع الذي يجعله يدرس بكل جد حتى يحصل على وظيفة بعدها.. ويكون اهلا للزواج بها .. لكن.. بعد ماذا؟.. هي لن تكون له..وهو لن يكون لها.. ما الذي يدعوه لرسم الابتسامة على شفتيه ومصدر السعادة لم يعد له وجود؟..ما الذي يدعوه للنجاح في الدراسة ومن كانت تدفعه لذلك لن تكون له؟..
وتنهد بكل حزن وهو ينهض من مكانه ويحاول تبديد جو الحزن الذي اصبح يتذكره كلما خطرت مها على ذهنه.. وتوجه الى دورة المياه الملحقة بغرفته لكن قبل هذا سمع صوت طرقات على الباب.. جعلته يقول بصوت يعبر عن كل الالم الذي يشعر به: من؟
جاءه صوت والدته وهي تقول برجاء: حسام .. بني.. افتح الباب ارجوك..
قال حسام بصوت حزين: امي.. دعيني وحدي ارجوك..
قالت والدته برجاء: اريد ان اطمأن عليك يا حسام.. ارجوك افتح الباب..
صمت حسام ولم يجب.. وصمتت والدته كذلك وكأنها لم تعد تقف خلف الباب.. فعلم حسام انها قد غادرت بعد ان يأست من انه سيفتح الباب لها.. وزفر بحدة وهو يمسح جبينه بارهاق.. وفجأة عادت الطرقات الى الباب من جديد وصوت والدته تقول بنبرة مختلفة هذه المرة لم يستطع حسام تفسيرها: حسام .. افتح الباب..
قال حسام برجاء: امي ارجوك.. اريد ان ابقى لوحدي قليلا ..
قالت والدته في سرعة: مها على الهاتف.. تريد الحديث اليك بأمر هام كما تقول..
مها!!.. تتصل به الآن؟.. لماذا؟.. لا يريد ان يزداد الامر صعوبة عليه يريد ان يتراجع وينسحب من حياتها.. لكن هل هذا ممكن وهي تعيش بداخلك يا حسام؟.. بين نبضات قلبك وروحك..انك تشعر بأن مها باتت تجري في عروقك مجرى الدم.. وانها اصبحت كالانفاس التي بها تحيا.. فهل من الممكن ان تنسحب من حياتها الآن بعد كل تلك السنوات التي قضيتماها معا؟.. بحلوها ومرها وا...
بتر افكاره صوت والدته وهي تعود لتطرق الباب قائلة: مها تقول ان الموضوع يتعلق بمصير حياتكما.. ارجوك افتح وتحدث اليها.. فربما يكون والدها قد تراجع في قراره..
عاد الامل لينبض في قلب حسام..وكأن الحياة قد عادت اليه بعد موت مؤكد.. وتسارعت نبضات قلبه وهو ينطلق مسرعا الى الباب ليفتحه ويهتف بوالدته بكل اللهفة التي في اعماقه: احقا يا امي؟ ..
ارتبكت والدته امام نظرات حسام التي تحمل الامل واللهفة وقالت بتردد: لست اعلم.. لكن ربما يحدث ما لا يخطر على ذهننا.. تحدث اليها.. واعلم ماذا تريد منك..
وكأن كلمات والدته قد لمست وترا حساسا لديه.. فقد حركت فيه الامل على ان ما قالته قد يتحقق وان من الممكن ان تكون الليلة الماضية بكل ما شعر بها من عذاب ومعاناة مجرد كابوس وسيستيقظ منه قريبا .. فانطلق الى الردهة الى حيث هاتف المنزل.. ليلتقط سماعته ويجيبه قائلا بكل اللهفة والامل التي يخفق بهما قلبه: مها.. انا حسام.. اخبريني ما الذي جرى؟ .. اخبريني يا مها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء السادس والثلاثون
" اعترافات "
عاد الامل لينبض في قلب حسام..وكأن الحياة قد عادت اليه بعد موت مؤكد.. وتسارعت نبضات قلبه وهو ينطلق مسرعا الى الباب ليفتحه ويهتف بوالدته: احقا يا امي؟..
ارتبكت والدته امام نظرات حسام التي تحمل الامل واللهفة وقالت بتردد: لست اعلم.. لكن ربما يحدث ما لا يخطر على ذهننا.. تحدث اليها.. واعلم ماذا تريد منك..
وكأن كلمات والدته قد حركت فيه الامل على ان ما قالته قد يكون صحيحا.. فانطلق الى الردهة الى حيث هاتف المنزل.. ليلتقط سماعته ويجيبه قائلا بكل اللهفة والامل التي يخفق لهما قلبه: مها.. انه انا حسام.. اخبرني ما الذي جرى؟ .. اخبريني يا مها..
ارتبكت مها امام اندفاعه وكأنه كان ينتظر منها ان تخبره بأن ما حدث بالامس لم يكن حقيقة..وقالت ببعض الارتباك: اهلا حسام.. كيف حالك؟..
قال حسام في سرعة: بخير.. بخير.. اخبريني انت ما سر اتصالك بي؟..
قالت مها وهي تلتقط نفسا عميقا: للاطمئنان عليك..
ارتفع حاجبا حسام بدهشة ومن ثم لم يلبث ان قال باحباط: فقط؟؟.. اأتصلت بي من اجل الاطمئنان علي فحسب؟..
قالت مها وهي تتنهد: لا هناك سبب آخر ايضا..لقد اتصلت لاعتذر لك عن تصرف والدي معك بالامس اولا.. ولكي اطمئن عليك ثانيا.. وكذلك لكي اخبرك باقتراح اقترحه علي مازن..
قال حسام بدون اهتمام خصوصا بعد ان علم ان مها لم تتصل له لتخبره ان والدها قد تراجع عن قراره .. لهذا لم يعد أي شيء يهمه بعد الآن: وما الذي اقترحه مازن؟..
داعبت مها خصلات شعرها بتوتر ومن ثم قالت: لقد اقترح علي ان يحاول اقناع والدي من اجلي.. سيحاول معه هو وكمال.. وانا ايضا سأحاول ان افعل المستحيل ليتراجع عن قراره..
قال حسام بسخرية مريرة: واتظنين ان والدك من السهل اقناعه؟ .. بما انه قد قرر امرا ما فمن المستحيل ان يتراجع عن قراره هذا ولو على قطع رقبته..
قالت مها في سرعة واضطراب: لكني ابنته.. والقرار الذي اتخذه يحدد مصيري انا واهم من أي قرار آخر اتخذه في حياته .. لهذا .. قد يغير رأيه..
زفر حسام وقال وهو يمسك جبينه بتعب: ربما يا مها.. لكن لا يوجد شيء مؤكد..
قالت مها والدمع يترقرق في عينيها: وماذا عساني ان افعل يا حسام؟.. ليس بيدي سوى المحاولة على تغيير رأيه..
مرت لحظة صمت بينهما .. سرعان ما قاطعها حسام وهو يقول متسائلا وقبضة باردة تعتصر قلبه : والدك لم رفضني يا مها؟.. اخبريني لماذا؟..الأن مستوى عائلتنا ليست في مستوى عائلتكم حقا؟..
بارتباك شديد قالت مها وهي تكاد تبكي: لأنك ابن سامي وانا ابنة امجد..
قال حسام بحيرة شديدة: ماذا تعنين يا مها؟.. اوضحي بالله عليك.. لا تتحدثي بالالغاز ارجوك..
مسحت مها دموعها التي خانتها وسالت على وجنتيها بحرقة: لأن والدتي كانت خالتك كما يقول.. وقد تركته وتركتنا جميعا لأجل ابن عمها.. لهذا لا يريد ان يتقرب من عائلة والدتي مرة اخرى..
قال حسام بصدمة وعيناه متسعتان على آخرهما: وماذنبي انا؟ .. ماذنبك انت؟.. ما ذنب حبنا ليموت ويدفن دون ان يرى النور؟.. هذا الحب الذي عاش معنا لعشر سنوات او ربما اكثر .. بهذه السهولة يريدنا ان نرميه خلف ظهورنا ونواصل حياتنا ؟.. بهذه السهولة؟..
لم تجب مها وهي تشعر انها لو نطقت كلمة اخرى فستبكي في الحال.. اما حسام فقد قال فجأة بشرود: اتعلمين يا مها ماذا اتمنى في هذه اللحظة؟..
ازدردت مها لعابها لعلها تبتلع غصة المرارة التي بحلقها وقالت بصوت مبحوح: ماذا؟..
قال حسام وهو يبتسم ابتسامة حالمة: اتمنى لو استطيع المجيء الى منزلكم لأخطفك على حصان ابيض كفصص الاساطير ..لنتزوج ونعيش بعيدا عن المشاكل .. بعيدا عن الناس.. ونحيا في سعادة الى الابد.. انا وانت فقط..
خفق قلب مها في عنف لكلماته.. وشعرت بالدموع تحجب الرؤية امام عينيها وقالت بصوت مختنق: انها امنيتي انا الاخرى يا حسام..لكننا نحيا في واقع.. علينا ان نتحدى تلك المشكلات التي تواجههنا بدلا من الهرب بعيدا عنها..
تنهد حسام وقال بمرارة: ليت في يدي ما افعله.. لكنت اول من يأتي الى والدك ويجبره على اتمام الزواج..
قالت مها برجاء: حاول معه يا حسام.. ارجوك.. وانا الاخرى سأحاول معه.. من اجل الحب الذي جمع بيننا..
قال حسام بهدوء: سأحاول يا مها.. اعدك اني سأحاول معه ..من اجلك ومن اجل الحب الذي يخفق به قلبينا..ولن استسلم امام رفضه..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
طرقات تكررت للمرة الثالثة هذا اليوم على باب غرفة ملاك .. وصوت صاحبها يقول: ملاك.. انا مازن.. هل يمكنني الدخول؟..
التفتت ملاك الى نادين وقالت لها بحنق: الم اطلب منك ان تخبريه بأن يذهب واني لا اريد رؤيته..
قالت نادين وهي تتطلع الى ملاك بتردد: لقد اخبرته.. لكنه يعود رغم هذا بين الحين والآخر.. يقول انه يريد الحديث اليك في امر مهم..
ومازن من خلف الباب الذي ثارت اعصابه بسبب ملاك التي تمنعه حتى من ان يشرح موقفه لها.. وطرق الباب بقوة اكبر ليقول: ملاك افتحي الباب..
جاءه صوت ملاك تقول بصوت عالي: لا اريد رؤيتك.. دعني وشأني..
قال مازن بعصبية: سأحطم الباب يا ملاك ان لم تفتحيه الآن..
قالت ملاك هاتفة بحدة: افعل ما تشاء .. لن افتح الباب..
عقد مازن حاجبيه بعصبية وقال: فليكن يا ملاك..
وابتعد عن باب غرفتها ليهتف بالخادمة التي اسرعت نحوه فقال في سرعة: الديك مفتاح احتياطي لباب غرفة ملاك؟..
قالت الخادمة وهي تومئ برأسها: اظن ذلك يا سيدي..
قال مازن بحدة: اذا اسرعي واحضريه..
غمغمت الخادمة قائلة: حاضر سيدي..
واسرعت تبتعد عن المكان.. في حين قال مازن وهو يمرر اصابعه بين شعره : فليكن يا ملاك.. ستسمعيني بالرغم منك .. لن اسمح لك بأن تبتعدي عني وترفضي ان اشرح موقفي لك حتى ..واكون في نظرك مجرد مخادع وكاذب.. يجب ان تدركي كل شيء.. وتسامحيني على ما اقترفته يداي.. اجل يجب ان تسامحيني.. لان حياتي بعيدا عنك لم تعد تعني لي أي شيء..
اما بداخل الغرفة..فقد امسكت ملاك بذراع نادين وهي تشعر بقلق ما يتسلل الى قلبها.. فقالت نادين وهي تلتفت الى ملاك بحيرة: مابك آنستي؟..
وقبل ان تهم ملاك بقول أي شيء.. سمعت صوت مفتاح يدور في ثقب الباب.. فشدت ملاك قبضتها على ذراع نادين التي استغربت هذا الشخص الذي يحاول فتح الباب..
وبعتة فتح الباب .. ليطل من خلفه مازن .. ونظراته مسلطة على ملاك.. وهذه الاخيرة شعرت بقلبها يخفق بقوة وعنف.. والتوتر قد بلغ منها مبلغه.. واخيرا قال مازن ببرود: نادين دعينا وحدنا ..
قالت نادين بهدوء وهي تنقل نظراتها بينهما: حسنا يا سيد مازن ..
تمسكت ملاك بذراع نادين وقالت: نادين لن تخرج.. اتفهم؟ ..
قال مازن وهو يزفر بحدة: اريد ان اتحدث معك لوحدنا يا ملاك .. ولا اظن اني في يوم قد سببت لك الخوف الذي يجعلك ترفضين ان نبقى لوحدنا بعض الوقت..
واشار لنادين بعينه.. فقالت نادين بارتباك: سأغادر آنستي.. وسأعود بعد دقائق فقط..
تركتها ملاك لتذهب وتغادر الغرفة.. فاقترب مازن من ملاك وقال وهو يهبط الى مستواها ويجلس على ركبة واحدة في مواجهتها: ملاك عزيزتي.. كل ما اطلبه منك هو ان تستمعي الي حتى النهاية ولا تتسرعي في حكمك علي..
اشاحت ملاك بوجهها عنه وقالت: لقد دخلت الى غرفتي دون رغبة مني .. فلا تظن اني سأستمع الى ما ستقوله برغبة مني..
قال مازن وهو يمسك بكفها: صدقيني يا ملاك .. لم ادخل الى الغرفة بالرغم منك الا بعد ان قطعت أي سبيل بيني وبينك للحديث معك.. انك حتى تتناولين طعام الغداء والعشاء في غرفتك ..
قالت ملاك وغصة مرارة تملأ حلقها: لا اريد ان اراك.. اريد ان انساك.. اريد ان انسى الحزن والعذاب الذي سببته لي..
قال مازن وهو يضغط على كفها بحنان.. وهو يشعر بالراحة لأنها بدأت تتجاوب معه.. وان شعر بالندم لكونه كان سببا في معاناتها: سأخبرك بكل شيء.. واعلم انك حينها ستسامحيني لان قلبك يسع العالم كله بطيبته..
التفتت له ملاك وقالت بعينين تترقرق فيهما دموع الالم: وبم نفعتني هذه الطيبة سوى انها قد جعلتني ابدوا ساذجة امام الجميع؟.. واني مجرد حمقاء تخدع بسهولة..
مد مازن كفه ليمسح دموعها بحنان وقال: ابدا يا عزيزتي.. لست ساذجة او حمقاء.. الناس من حولك كذلك لانهم لا يقدرون طيبة قلبك ونقاءه..
التقطت ملاك نفسا عميقا.. دون ان تنبس ببنت شفة..فقال مازن وهو يخرج من جيبه هاتفا محمولا: انظري يا ملاكي..
تطلعت ملاك الى الهاتف المحمول ومن ثم قالت بالامبالاة: وماذا افعل بهاتفك؟..
قال مازن وهو يقتح قائمة الاسماء: انظري بنفسك.. لقد مسحت رقم كل فتاة لدي.. فيما عدى مها بالطبع..
قالها مبتسما.. في حين تطلعت ملاك الى هاتفه غير مصدقة.. ومن ثم لم تلبث ان عقدت حاجبيها قائلة: اسم ندى موجود ايضا ..
قال مازن بابتسامة: انها ابنة عمي.. ولهذا تركت رقمها في هاتفي وليس لسبب آخر..
قالت ملاك بصوت مختنق: لقد قرأت رسائلها.. كانت تبثك اشواقها ومشاعرها في رسائلها لك..
تطلع لها مازن بحنان ومن ثم قال: فليكن..
وضغط زر مسح اسم ندى من هاتفه.. واردف قائلا وهو يفتح قائمة الرسائل بهاتفه: وهاهي ذي الرسائل الموجودة بهاتفي..
تطلعت ملاك باستغراب الى شاشة هاتفه الذي كتب عليها (فارغ) .. فقال مازن بابتسامة مرحة: لقد تخلصت منها جميعا ..وكذلك قمت بشراء رقما جديدا لي..
واردف وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: وكل هذا لاجلك وحدك يا ملاكي..
ارتبكت ملاك امام نظراته.. وعاد قلبها ليخفق في قوة.. وامتدت كف مازن لتمسح على شعرها وهو يقول : ملاك سامحيني ارجوك.. اغفري لي حتى يعود كل شيء بيننا كما كان ..
تطلعت له ملاك بابتسامة باهتة.. وكادت في تلك اللحظة ان تغفر له كل ما مضى .. ان تبدا معه من جديد.. ما دام قد ادرك خطأه وقرر ان يصلح ما اقترفته يداه.. ورفعت رأسها له.. ولكن هذه المرة لم ترى في عيناه نظرات الحنان التي كانت تراها فيها منذ قليل.. بل كانت تحمل نظرات الغضب وهو يتطلع الى رقبتها ويقول بعصبية: اين القلادة؟..
لوهلة استغربت ملاك من حديثه ومن ثم فهمت انه يعني القلادة التي اهداها لها .. فقالت بتردد: لقد خلعتها..
قال مازن متسائلا بحدة: ولم؟..
قالت ملاك وهي تتنهد: لان كل ما بيننا قد انتهى..
نهض مازن من مكانه واقفا وقال بغضب: لا لم ينتهي شيء ..ليس من حقك ان تنهي أي شيء من بيننا.. انا زوجك.. اتفهمين؟ .. زوجك..
قالت ملاك وهي ترفع له رأسها وغمغمت بمرارة: زوجي الذي خدعني واستغل طيبتي.. زوجي الذي يعرف مئات الفتيات غيري.. زوجي الذي خان هذا الزواج الذي يربطنا..
قال مازن بحنق: اخبرتك مائة مرة وسأعيدها على مسامعك مرة اخرى.. لم يكن يربطني شيء بأولئك الفتيات.. لم تكن الا صداقة او زمالة في النادي.. واقسم على هذا..
قالت ملاك وهي تهتف بصوت عالي بعض الشيء: والرسائل؟..
قال بحدة: لا ذنب لي فيما يرسلونه.. لقد مسحت كل الرسائل وغيرت رقم هاتفي لاجلك.. وقررت ان ابدأ بداية جديدة معك.. وانت تقولين بعد هذا ان كل شيء قد انتهى من بيننا.. لا يا ملاك.. لم ينتهي شيء.. ولن ينتهي..
قالها وغادر الغرفة بخطوات غاضبة..في حين تنهدت ملاك وهي تحرك عجلات مقعدها قليلا.. وتتجه الى الادراج وتفتح احدها.. لتلتقط منه قلادة من الماس يحتلها الحرف "m".. وقالت: لقد انتبه لعدم وجودها حقا وانا التي ظننت انه لن يتذكرها اساسا.. يبدوا ان الامر يهمه حقا.. وربما اعني له شيء في حياته.. ربما يبادلني مشاعري ..مشاعري؟؟ .. الا زلت تحبينه يا ملاك على الرغم من كل ما فعله بك؟.. لست اعلم.. كل ما اعرفه هو اني لا اريد الابتعاد عن مازن ابدا..
وتطلعت قلادتها ذات القلب المتأرجح والتي تختل رقبتها وقالت وهي تداعبها: اخبريني ماذا افعل يا ابي؟.. ااسامح مازن؟..
سمعت صوت تغريد الطائر في تلك اللحظة فقالت بابتسامة باهتة: اترى انه يجب علي ان امنحه فرصة حقا يا مازن؟..
عاد الطائر ليغرد.. وينشر الحانه العذبة في كل ارجاء الغرفة.. فخفق قلب ملاك بالرغم منها وهي تقول: فليكن يا مازن.. سأمنحه فرصة.. ولكنها ستكون الاخيرة ..
وتطلعت الى القلادة التي جلبها لها مازن.. وفتحت قفلها لترتديها من جديد.. وقلبها يخفق بقوة وخوف من اتخاذها لهذا القرار.. بفتح صفحة جديدة مع مازن...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
حاول مازن السيطرة على اعصابه طوال الطريق من منزله.. كان يفكر في أي شيء ليبعد عن ذهنه تلك القلادة الوحيدة ذات القلب المتأرجح التي تحتل رقبتها.. بكل سهولة تقول ان كل شيء قد انتهى بينهما.. لهذا خلعت القلادة التي اهديتها لها.. لكن القلاد ة الاخرى لم تفارقها قط.. لم؟.. ممن هي؟..
وزفر بعصبية وهو يتوقف بالسيارة في احد المواقف.. بعد ان اكتشف انه قد جاء الى النادي دون شعور منه..وخرج من السيارة ليسير بخطوات هادئة ويدخل الى النادي لعله يغير من جو الهموم الذي يعيشه هذه الايام..
وسار بين اقسام النادي بخطوات هادئة وبذهن مشوش سيطرت عليه الافكار.. وصورة ملاك لا تكاد تفارق مخيلته.. والموقف الاخير يتكرر في ذهنه.. وركل حجرا بقهر وهو يتطلع الى قسم الفروسية التي قادته قدماه اليه.. وتنهد بقوة وهو يمسك بالسورالذي يحيط بحلبة السباق.. قبل ان يبتسم بشرود وهو يتذكر الموقف الذي جمعه مع ملاك هنا.. يتذكر ركوبها الى جواره على ظهر الجواد.. وحديثهما معا.. تورد وجنتيها بخجل من كلماته.. برائتها التي تطغى على ملامحها و...
( مازن؟.. لا اصدق عيناي.. واخيرا تواضعت وجئت الى النادي) ..
التفت مازن الى مصدر الصوت وتطلع بهدوء الى رشا التي تسير بدلال مبالغ فيه وهي تتقدم منه ومن ثم تقول بابتسامة مردفة: لم ارك منذ ايام .. ما الذي جرى؟.. حتى هاتفك لم يعد يستقبل أي مكالمات خلال اليومين السابقين..
قال مازن وهو يلتفت عنها: اعلم فهو مفصول عن الخدمة..
قالت رشا وهي تقترب منه : وسبب عدم مجيئك الى النادي؟..
تطلع مازن الى حلبة سباق الخيل وقال: لقد كانت ملاك مريضة فظللت الى جوارها بالمنزل..
جلس الى جوار تلك العاجزة ولهذا لم يأتي الى النادي.. ايترك النادي من اجلها؟..ياله من سبب!.. والتفتت اليه قائلة : وماذا عن هاتفك؟..
قال وهو يهم بالابتعاد عنها: ربما افكر في اعادة الخط اليه قريبا..
ومضى في طريقه مبتعدا.. وعينا رشا تتابعانه في دهشة.. ابدا ليس هذا هو مازن.. ربما يكون شخص ما يشبه.. لكن ليس هو مازن الذي تعرفه.. ليس هو..
ومازن الذي انطلق الى الاسطبل ليخرج جواده منه ويمتطيه.. وبنطلق به شاقا الرياح .. غير آبه لكل ما حوله.. كل ما يهمه ان يحاول ان ينسى همومه.. احزانه.. ينسى مافعله هو بملاك وكان سببا فيما اصابها.. ينسى انه كان سببا في معاناتها .. وينسى كذلك ما فعلته هي به.. ينسى كلماتها القاسية التي وجهتها له.. كلماتها الجارحة.. وخلعها للقلادة التي جمعت بينهما يوم عقد القران.. اكان يستحق منها كل ذلك حقا؟..
واوقف جواده فجأة.. ليهبط من على ظهره.. وهو يفكر في القلادة ذات القلب المتأرجح من جديد.. ممن هي؟.. اكان لملاك اقرباء غيرهم؟..لقد قالت انه شخص غالي على قلبها.. ربما يكون ابن خالها مثلا.. لكن لم يسمع من والده ان لوالدة ملاك اشقاء او شقيقات..
ربما كان تفكير مازن سطحيا بعض الشيء.. فقد فكر في جميع من يعرفهم او لا يعرفهم.. فكر في شخص في سنها او اكبر منها بقليل قد يكون اهدى لها هذه القلاة.. ونسي اغلى الناس على قلبها.. والدها!..
وسار وهو يمسك لجام الجواد ليدخله الاسطبل.. لكنه توقف بغتة على باب الاسطبل عندما سمع احد ما يتحدث وميز صوته في سرعة.. كان شقيقه كمال يتحدث الى جواده وهو يعلم جيدا انه يتحدث الى نفسه .. لكنه كان يبجث عن أي وسيلة ليفضفض بها عن كل ما بداخله.. وارهف مازن سمعه .. وهو يسمع كمال يقول في تلك اللحظة: اعلم ان ما فعلته يعد خطأ وان مازن هو شقيقي الاكبر.. لكن يداي هما اللتان تحركتا حينها لتنقض عليه.. بعد ان علمت ان ما اصاب ملاك كان بسببه.. وبسبب علاقاته..
وتنهد وهو يردف: كنت اعلم ان امرا كهذا سيحدث في يوم.. كنت اعلم ان ملاك ستصدم بسبب علاقاته يوما ما لكونها جاهلة لما يدور حولها.. تجهل كل شرور العالم.. فقد اجتمع في قلبها معاني الخير والطيبة ..الحب والنقاء..
وربت على عنق جواده وهو يستطرد: اتصدق؟.. عندما رأيتها اول مرة في منزلنا كنت اشعر انها مجرد دخيلة عليه .. مجرد فتاة كغيرها.. لكن مع الوقت عرفت حقا من تكون .. وانها اسم على مسمى .. وبدأت نظراتي تجاهها تتغير.. بدأت اراقب حركاتها .. استمع الى كلماتها التي تحمل كل براءة الدنيا..ولكن اتعلم ما الذي كان يحدث حينهاوكان يجعل النار تشتغل بصدري بكل غضب؟..
وزفر بحدة قائلا بألم: لم تكن تراني هي او تفكر بي.. لم تكن حتى تلمح نظراتي المسلطة عليها.. فقد كانت تتطلع الى مازن طوال الوقت.. تبتسم اذا وجدته يبتسم.. تعبس اذا وجدته قد غضب.. تتطلع اليه بحنان كلما التفت لها وتطلع اليها.. وانا الذي كنت اتمنى نظرة واحدة من عينيها لم تكن تراني او تأبه بي حتى .. وانا من كان يجلس على مقربة منها طوال الوقت ..
كل هذا ومازن يستمع الى كل هذه الاعترافات مبهوتا عند باب الاسطبل.. هذه الاعترافات التي اخذت تتدفق من بين شفتي كمال.. اعترافات قد كتمها هذا الاخير في صدره ولم يسمح لأحد ان يعرف عنها شيئا..
وداعب كمال رقبة جواده من جديد وهو يقول بابتسامة باهتة: قد تقول لي انك ما دمت تشعر بكل هذا تجاهها..فلم لم تعترف لها؟.. لم ظللت صامتا طوال تلك المدة؟.. والآن فقط استطيع ان اخبرك السبب.. فكما قلت لك هي لم تكن تراني ابدا.. لم تكن تنظر الي.. وصدقني مازن هو الذي تربع في قلبها لوحده دون ان يسمح لأي شخص آخر ان يشاركه مكانه.. حتى في قلب ملاك قد فرض أنانيته !..
واكمل قائلا وهو يتنهد: وجدت نفسي اشعر بغيرة من شقيقي .. اشعر انه قد حصل على كل شيء.. وحتى الفتاة الوحيدة التي احببتها استطاع ان يختطف قلبها ويستحوذ عليه.. ربما باهتمامه المبالغ فيه لها.. وربما لاني انا الذي لم يحاول ان احسن صورتي تجاه ملاك حتى .. لكن صدقني.. كلما كنت اراها مع مازن او تتحدث عنه.. لا استطيع الا ان ارمقها بتلك النظرات القاسية.. مع اني اريد ان اهتف بها انها قد ملكت قلبي وكياني وروحي.. اريد ان اهتف بها ان تنسى مازن.. وتلتفت الي انا.. انا الذي احببها بصدق.. وكنت افكر بالتقدم لخطبتها حقا من والدها .. لولا ما حدث..
والتقط نفسا عميقا ومن ثم ازدرد لعابه وهو يواصل في اعترافاته: لم اكن اتوقع ان يحاول والدي حل المشكلة بزواجها من احدنا.. ولم اكن اتوقع ان يختار مازن لانه الاكبر فقط.. لقد كرهت ان اكون الاصغر حينها وتمنيت لو ان والدتي قد انجبتني قبله لتكون ملاك لي انا..وعندما ثرت واخبرته اني اريدها زوجة لي .. اخبرني ان شقيقي احق بها مني لانه انهى دراسته ولديه وظيفة فقط.. وشقيقي الاكبر اتهمني اني طامع في اموالها.. وانا الذي كنت طامع في حبها لا اكثر ولا اقل.. لكني كنت اعلم انها ستختاره هو عندما خيرها والدي بيننا .. لهذا انسحبت من حياته وحياتها.. لكن.. لم اكن استطيع ان اقف متفرجا وانا ارى ملاك تتألم بسببه.. لم اكن استطيع..
(لماذا لم تخبرني؟)
التفت كمال الى مصدر الصوت في قوة .. وكأننه لم يتوقع ان يتواجد احد معه في تفس المكان او يستمع الى ما يقوله.. ومازن الذي قال عبارته السابقة.. لم يحتمل الصمت اكثر من هذا.. وقرر ان يتحدث الى شقيقه الذي كان سببا في احزانه ذات يوم دون ان يعلم.. يا ترى يا مازن كم شخص تسببت في احزانه دون ان تعلم؟!..
وتطلع له كمال ببرود شديد قبل ان يقول: منذ متى وانت واقف هنا؟..
قال مازن وهو يتقدم منه: لا يهم .. المهم اني علمت بكل شيء.. اخبرني .. لماذا لم تخبرني بذلك من قبل؟.. لماذا لم تخبرني بأنك تـ...؟
وتوقفت الكلمات على الشفاه دون ان يستطع مازن ان يخرجها من بينها.. فقال كمال مكملا لعبارته: انني احب ملاك .. اليس كذلك؟..
وترك جواده ليتقدم من مازن قائلا: ومن قال اني لم اخبرك؟.. الم اعترف لك اني احبها في اليوم الذي علمت به انك ستتزوجها لحماية ملاك من عمي عادل وابنه؟.. وماذا فعلت انت حينها سوى انك قد سخرت مني واستهزأت بما قلته؟.. واتهمتني بأني طامع في ما تملكه لا غير..
عقد مازن حاجبيه وقال بحزم: لو كنت قد اعترفت لي بصدق لما كذبتك.. لكن انا من دفعك لذلك الاعتراف يومها ..ولهذا شككت بالامر.. لقد ظننت انك تحاول التمثيل علينا حتى نوافق ان ترتبط بملاك.. كمال لو كنت تحبها حقا.. لكنت قد اخبرتني وحاربت الجميع لأجلها..
قال كمال وهو يبتسم بزاوية فمه بمرارة: ولماذا احارب من اجل فتاة لا تحمل لي أي ذرة مشاعر؟.. لو كانت تبادلني المشاعر لما تأخرت في ذلك.. لكنها تحب شخصا آخر.. ولم اعد اعني لها أي شيء الآن..
قال مازن متسائلا: من تعني بالشخص الآخر الذي تحبه؟..
قال كمال بسخرية: اانت اعمى يا مازن؟.. طوال هذا الوقت لم ترى أي شيء او تشعر بشيء..
صمت مازن وهو يتذكر كلمات كمال التي قالها منذ قليل بأن ملاك كانت تراقبه هو طوال الوقت..وانها قد حصل على قلبها.. املاك تحبه حقا؟؟.. ام ان هذا مجرد احساس من كمال؟..
في حين سار كمال وهو يخرج من الاسطبل وتوقف بحوار مازن ليقول: ثم من قال اني لو اعترفت لك بحبي لها كنت ستسمح لي بالزواج بها؟.. لقد شعرت بالغضب وانفعلت لمجرد انك شعرت انها من الممكن ان تكون لسواك.. فتفكيرك الاناني هذا كان ينص على ان ملاك اما ان تكون لك اوانها لن تكون لأحد لآخر ..ربما تكون مغرورا او ربما لكبريائك لا تريد ان تعترف بالحقيقة التي تخفيها عن نفسك ذاتها .. بأن ملاك قد احتلت هذا المكان..
قالها واشار الى صدر مازن في موضع قلبه تماما.. وابتسم له بهدوء.. قبل ان يمضي في طريقه.. تاركا مازن يقف كالتمثال الجامد وهو لا يستطيع الحركة او حتى التفكير بشيء من شدة صدمته...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
غرق امجد في اعماله والملفات المكومة امامه حتى انه لم ينتبه الى صوت طرق الباب..والى صوت سكرتيره وهو يدلف الى مكتبه ويقول بهدوء: سيد امجد. هناك من يريد مقابلتك.. ويقول انه من العائلة..
رفع امجد رأسه بحدة الى سكرتيره وقال بحدة: كيف تدخل دون ان تطرق الباب؟..
قال السكرتير بارتباك: لقد طرقته يا سيدي.. لكن يبدوا انك كنت مشغولا ولم تنتبه لـ...
قاطعه امجد قائلا وهو يشير له بالصمت: قل ما تريد بسرعة.. فلدي عمل كثير..
قال سكرتيره بهدوء وقد اعتاد شخصية امجد: هناك شخص ما ينتظرك بالخارج.. ويقول انه قريبك..
عقد امجد حاجبيه وقال: وما اسمه؟..
صمت السكرتير لبرهة ومن ثم قال: حسام.. حسام سامي ..
اتسعت عينا امجد في دهشة واستغراب شديدين وقال مستفسرا: أأنت متأكد؟..
قال السكرتير مجيبا: هو من اخبرني بأسمه وسلمني بطاقته ايضا..
عقد امجد حاجبيه بتفكير.. واطرق رأسه لثواني.. قبل ان يرفعه للسكرتير ويقول ببرود: دعه يدخل..
اومأ السكرتير برأسه.. قبل ان ينصرف ويغادر المكتب .. ولم تمض لحظات حتى كان الباب يفتح من جديد ويدلف منه حسام.. الذي تقدم بخطوات متوترة الى حيث مكتب امجد ورأى هذا الاخير يقف ويبتسم ابتسامة نستطيع القول عنها انها باردة الى ابعد حد..
ومد حسام كفه الى امجد بيقول وهو يصافحه: كيف حالك يا عمي؟..
قال امجد وهو يشير له على المقعد: بخير .. اجلس..
اتخذ حسام مجلسه والتفت الى امجد ليقول بهدوء: ربما تكون تعلم بسبب مجيئي لك المكتب..
تطلع له امجد منتظرا تفسيرا.. فاردف هو قائلا بابتسامة باهتة: سأدخل في الموضوع مباشرة..انه يتعلق بي انا ومها..فقد كنا لبعضنا منذ الصغر.. وكنت ترانا معا دائما في المناسبات ولم تعارض.. ولقد كنت تقول لي دائما انني ابنك الرابع ..والوحيد الذي يمكن ان يفهم مها اكثر من شقيقيها الآخرين.. فلم رفضت زواجي بها الآن؟..
قال امجد وهو يعقد اصابع كفيه امامه: لقد كنت اراك شقيفا لهم.. ولم اتوقع ان يتطور الامر لأكثر من ذلك.. واما سبب رفضي.. فأظن ان مها قد سبقتني واخبرتك به..
قال حسام بحيرة شديدة: لكنه سبب غير مقنع.. الأني ابن خالها فقط.. عمي لا يمكن للانسان ان يحكم على الناس لقرابتهم من شخص ما.. ويمنع ان يتقرب لهم .. لمجرد انهم اقرباء لذلك الشخص..
عقد امجد حاجبيه وقال: اشعرت يوما ما بشعور الخيانة؟..
بهت حسام من السؤال وتطلع الى امجد الذي اردف: ان شعرت به فستعرف حينها لم رفضت ان اتقرب من هذه العائلة اكثر..
- لكني كنت ابنك دائما..
- ولا زلت.. لكن انزع زواجك من مها من رأسك ان كنت تريد ان تظل علاقتك بأسرتي كما كانت..
قال حسام ببعض العصبية: ولم كل هذا؟.. لم تحرمني انا ومها من ان نتوج حبنا بالزواج ؟.. لم؟.. وقد اصبحت تعني لي كل شيء..
واردف قائلا وهو يشعر بغصة في حلقه: صدقني يا عمي.. ان فرقتنا انا ومها.. فلن يكون مصير كلينا الا العذاب والالم والحزن اللانهائي.. سترى مها تتعذب امام ناظريك.. بسبب قرارك هذا الذي اتخذته..
قال امجد بهدوء شديد: مها ابنتي وانا الذي قمت بتربيتها.. اعرف انها سترضخ لما اقوله..ومن ثم يمكنها ان تنساك مع الوقت..
قال حسام وهو يهز رأسه نفيا: ابدا.. لن يمكنها ذلك.. اتعرف لم؟ .. لأن حبنا قد حفر في قلوبنا وكبر معنا .. اصبح جزءا منا ويجري في عروقنا مجرى الدم..
قال امجد بحدة: يكفي لا احتاج لان تخبرني عن مشاعرك تجاه ابنتي .. كل ما احتاجه هو ان تبعد ابنتي عن ذهنك وتتركها وشأنها..
تطلع له حسام قوال بحزم: ان استطعت انت نسيان زوجتك ومافعلته بك..فحينها ربما استطيع ان انسى مها للحظات فقط.. لكن ستظل في قلبي الى الابد..
قال امجد وهو يكور قبضته: قراري لن اتراجع عنه.. مهما حدث..
قال حسام بحدة وانفعال: انت بهذا تقتل مها يا عمي.. تقتل ابنتك وتقتلني معها..
قال امجد بعصبية: يكفي ما قلته وغادر الآن.. لا اريد سماع كلمة أخرى منك..
نهض حسام من مكانه وقال وهو يرمق امجد بنظرة اخيرة تحمل معنى الغضب .. الظلم والقهر: تذكر يا عمي ان بيديك قد قتلت ابنتك.. وان بيديك هاتين قد قتلت ابنا كان لك في يوم ..
واسرع يغادر المكان ويغلق الباب خلفه في قوة.. وزفر امجد بحرارة وهو يستند الى مسند مقعده..وتدور في رأسه افكار عديدة .. جعلته يغرق في حيرة واضطراب ويتناقض مع نفسه.. واخيرا سمع صوت رنين هاتف المكتب الذي جعله يرفع سماعته ويقول ببرود: من المتحدث؟..
سمع صوت المتحدث للحظات ومن ثم اردف قائلا بابتسامة باهتة: اوصلتك الاخبار بهذه السرعة؟.. اجل لقد زارني منذ قليل وطلب مني ان اغير رأيي..
صمت مرة اخرى وهو يستمع الى محدثه ومن ثم اكمل بتوتر: لا تقلق.. كما وعدتك.. مها لن تكون الا لابنك يا عادل ..
وكشف القدر عن لعبة غريبة اخذ يلعبها بأبطالنا..ما بين حب تحول الى كره وبين شفقة تحولت الى حب.. وما بين ابوة تحولت الى ظلم وقرابة تحولت الى حب المال والذات .. ولكن يبقى القدر عاجزا عن حل هذه المعضلة الصعبة او تفسيرها حتى..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء السابع والثلاثون
"أمل"
ابتسمت مها وهي تتطلع الى ملاك من عند الباب..التي ارتسمت ابتسامة شاردة على شفتيها وهي تتطلع الى طائرها.. واقتربت من ملاك بخطوات هادئة وقالت وهي تضع يدها على كتفها: فيم تفكرين؟..
التفتت لها ملاك وقالت بابتسامة شاحبة: افكر في ابي.. لم اذهب له منذ ثلاثة ايام بسبب ماحدث لي..
قالت مها وهي تتطلع اليها بحنان: سآخذك اليه اليوم ان شئت..
قالت ملاك بلهفة :حقا ستفعلين؟.. ومتى سيكون ذلك؟..
ابتسمت مها وهي تتطلع الى فرحتها وقالت وهي تصطنع التفكير: ربما.. عند الساعة الـ...
( انا سآخذك الى هناك)
التفتت كلاتهما الى مصدر الصوت.. وشعرت مها بالقلق وهي ترى مازن يتقدم وعلى وجهه علامات الجمود.. في حين خفق قلب ملاك في توتر.. وهي تتطلع الى نظرة التأنيب التي يرمقها بها ..
وظلت ملاك صامتة وهي تراه يقترب منها ويقول بلهجة تحمل الكثير من الغضب: بشرط واحد..
تطلعت له مها باستغراب من طريقة حديثه هذه.. في حين استطرد هو قائلا وهو يمسك بالقلادة ذات القلب المتأرجح الذي تحتل رقبتها على حين غرة منها: ان تخبريني من يكون الشخص الذي اهداك هذه القلادة..
تطلعت له ملاك بعينين تحملان الاستنكار وقالت بتأنيب: ومن تظنه يكون؟..
قال مازن بحدة: انه كمال .. اليس كذلك؟..
ارتفع حاجبا ملاك بدهشة .. وتطلعت اليه بصدمة.. فقالت مها بحدة: أي قول تقوله؟.. أي كمال هذا الذي سيهدي...
اشار لها مازن بالصمت .. وقال بلهجة منفعلة: اجيبي .. انه كمال .. صحيح؟..
ابعدت ملاك يده عن القلادة وقالت بابتسامة ساخرة و مريرة: لقد انقلبت الادوار اذا؟.. اصبحت انت تشك في تصرفاتي .. وانا التي يجب ان تفعل بعد ان رأت الدليل القاطع على خيانتك بعينيها .. ومع هذا قد قررت ان ابدأ صفحة جديدة معك وارمي الماضي خلفي..
في تلك اللحظة فقط قد انتبه مازن الى قلادته التي اهداها لها في يوم عقد القران.. والتي عاودت ارتدائها من جديد بعد كل ماحدث بينهما.. وشعر بقلبه يرق تجاهها..في حين اردفت هي قائلة وهي ترفع رأسها اليه بكل ثقة: وليس ذنبي ان كنت اعمى او سريع النسيان.. فمنذ اول يوم جئت فيه الى هنا كنت ارتدي هذه القلادة.. قبل ان ارى كمال او اراك او ارى سور منزلكم حتى..
قال مازن متسائلا في صوت اقرب الى الرجاء: اذا ممن هي؟.. لم استطع التركيز وانا اقود السيارة الى هنا..وكل تفكيري مع الشخص الغالي على قلبك كما اخبرتني مسبقا والذي اهداك هذه القلادة..
تطلعت مها للموقف بتعجب.. فبعد ان كان مازن هو الذي يمسك زمام الامور .. اصبحت ملاك الآن كذلك.. تتحدث بكل ثقة.. مدافعة عن نفسها وعن حقها بكل قوة.. حقا لقد تغيرت يا ملاك..
ارتجفت شفتا ملاك وقالت بصوت اقرب الى الهمس: اجل هو كذلك.. احب الناس على قلبي.. اقربهم الى نفسي.. حياتي كلها.. هو الماضي والحاضر والمستقبل.. احن الناس علي.. والوحيد الذي احبني بصدق..
واردفت ودمعة حزينة تسيل على وجنتيها: انه ابي...
أي موقف الا هذا الموقف.. أي مكان الا هذا المكان.. هذا الموقف السخيف الذي اضع نفسي فيه لمجرد شكوك لا محل لها.. لمجرد الغيرة التي اعمت عيني.. وجعلتني اشك في هذا الملاك الطاهر.. وانا الذي يجب ان احاسب نفسي على كل ما فعلته.. احاسبها هي على لاشيء.. يالي من احمق.. كلما حاولت ان احسن صورتي امامها.. ارى نفسي اسقط من عينيها اكثر واكثر .. حقا انا لا استحق ملاكا بريئا مثلها..
وقال بعد دقيقة صمت رانت على المكان: ملاك..انا.. آسف.. سامحيني ارجوك..اعلم اني مجرد احمق.. يرى عيوب الناس وينسى عيوبه هو..ملاك صدقيني انها الغيرة التي جعلت اشك بك.. انا حقا آسف..
مسحت ملاك دموعها وقالت بصوت مختنق: اريد ان اعود الى منزلي .. الى ابي.. الى الهدوء الذي كنت اعيشه.. لا اريد ان ابقى هنا معك.. انت.. لا تحب سوى نفسك.. تشك بي انا .. وانا التي قررت ان ابدأ معك حياة جديدة بعد كل ما فعلته بي .. كنت مجرد ساذجة حمقاء عندما اتخذت ذلك القرار ..
اقتربت منها مها وقالت وهي تهبط الى مستواها وتحيط كتفيها بذراعها: ملاك اهدئي.. ارجوك.. اهدئي .. مازن لم يقصد .. لقد اعمته الغيرة عن رؤية الحقيقة التي هو متأكد منها..
اما مازن فقد ابتسم بمرارة ومن ثم قال وهو يلقي نظرة حانية على ملاك: سآخذك الى والدك.. الآن اردت.. فقط اجهزي ..
قالت ملاك بصوت متقطع : لا اريد.. الذهاب معك الى ..أي مكان.. دعني وحدي..
تطلع مازن الى مها بنظرة رجاء على امل ان تقنعها.. فهزت مها كتفيها بمعنى انها ستحاول.. ومضى مازن مبتعدا تاركا الدمع يسيل على الخد بكل حرقة...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ابتسم عادل وهو يغلق سماعة الهاتف ويلتفت الى فؤاد الذي يجلس على مقعد مواجه لمكتبه.. ويجلس في مواجهته احمد.. وقال بكل ثقة: كما اخبرتك.. لن يتمكن شخص من تغيير رأيه ابدا..
قال فؤاد بحدة: على الاقل حتى لا نلدغ من الجحر مرتين.. ففي المرة السابقة عندما تأخرنا تزوجت ملاك من مازن.. ولا اريد ان تتزوج مها من شخص آخر ايضا..
مال عادل نحوه قليلا وقال متسائلا: ولم تهتم بزواج مها من احمد الى هذا الحد؟..
قال فؤاد وهو يكور قبضته: حتى يكون احمد بجوار ملاك وعائلة امجد.. يفهم كل صغيرة وكبيرة تحدث.. وكل ما يدور من خلف ظهورنا ..وخصوصا تلك التي تعني ملاك وشركة خالد..
قال عادل مبتسما بمكر: لست سهلا يا فؤاد..
في حين قال احمد مبتسما بانتصار: ليس المهم السبب.. المهم ان اتزوج مها في اقرب فرصة..
والتفت الى والده مردفا: متى سنذهب لخطبتها يا والدي؟..
قال عادل وهو يمط شفتيه : غدا كما اخبرتك..
قال احمد بلهفة وسرعة: ولم ليس اليوم؟..
التفت عنه عادل وقال متجاهلا سؤاله: لم تخبرني يا فؤاد..بم اجابك مازن بعد العرض الذي قدمته له؟.. وافق بالتأكيد اليس كذلك؟ ..
تذكر فؤاد مادار بينه وبين مازن في المرة الاخيرة وقال ببعض العصبية: لقد كان مترددا آخر مرة.. وقد توقعت موافقته.. لقد رأيتها صريحة في عينيه وهو يجد ان الوظيفة التي حلم بها اصبحت بين يديه.. ولكن لم يستطع التصريح بها.. وتركته ليفكر قليلا لعله يمنحني موافقته.. لكن ما حدث انه قد رفض رفضا قاطعا..
اتسعت عينا عادل وردد بدهشة: رفض؟؟.. وكيف رفض عرضا مغريا كا الذي قدمته؟..
قال فؤاد بسخرية: ليس هذا فقط.. بل لقد دافع عن تلك العاجزة بكل قوة.. وكأن تلك الساذجة اصبحت شيء ثمين لا يمكنه الاستغناء عنه..
قال عادل باهتمام وتساؤل: وما الذي ستفعله الآن؟..
امسك فؤاد بذقنه وقال وقد تغضنت ملامحه: لست اعلم.. لكن .. صدقني سأجد الحل عما قريب.. ملاك لن تظل زوجة مازن هذا لوقت طويل..واقسم على هذا..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
لم يكن اقناع ملاك بأن يصطحبها مازن الى والدها بالامر السهل .. لقد حاولت معها مها طويلا وكذلك مازن الذي حاول ان يوضح موقفه لها.. وبعد نقاش طويل رضخت ملاك على ان تكون مها معها طوال طريقها من والى المستشفى.. ولم يجد مازن او مها بديلا عن الموافقة.. وانطلقت بهما السيارة اخيرا الى المستشفى..
في هذه المرة جلست ملاك في المقعد الخلفي ولم يستطع مازن الاعتراض.. فهو يحمد الله انها قد وافقت على المجيء معه فحسب ..وتلفتت مها بينهما بتوتر..وهي ترى الجو المكهرب بينهما.. وتنهدت بحرارة بدورها.. وذهنها منشغل بحسام وما قد يكون قد فعله لو تحدث الى والدها..
واخيرا توقفت السيارة في احد مواقف المشفى.. وكان مازن هو اول من غادرها..ليتجه الى الصندوق الخلفي ويخرج المقعد المتحرك منه.. ومن ثم يفرد المقعد ويفتح الباب المجاور لملاك ويقول بابتسامة: هل يمكنني المساعدة؟..
قالها ومد كفه لها.. وتجاهلت ملاك يده الممدودة.. ورفعت ثقل جسدها والقت به على مقعدها المتحرك..فتطلع لها مازن باستغراب ومن ثم لم يلبث ان ابعد كفه الى جواره بألم ..واكتفى بأن يمسك بمقبضي مقعدها ليدفعها.. لكنها فاجأته عندما قالت: مها .. ادفعي انت المقعد من فضلك..
اقتربت مها منهما بعد ان غادرت السيارة.. وتطلعت الى مازن .. الذي شد على مقبضي المقعد بقبضتيه بكل قوة..ومن ثم لم يلبث ان ابتعد بكل عصبية.. فتقدمت مها ودفعت مقعد ملاك بدلا من مازن ..
ولم تمض دقائق حتى كانت ملاك قد وصلت الى غرفة والدها .. ورأت ممرضة تخرج منها قبل ان تدلف اليها هي..فأسرعت تهتف بها: لو سمحت .. كيف حال.. ابي اليوم؟..
قالت الممرضة بهدوء شديد: كما هو.. لا تطور في حالته ..
عتصر الالم قلب ملاك.. واطرقت رأسها في حزن ومرارة.. فاسرع مازن يقول لمها: فلندخل..
دفعت مها مقعد ملاك وفتح مازن الباب لهما ليدلفا الى الداخل.. وتبعهما هو..وحركت ملاك عجلات مقعدها في سرعة لتتجه الى ذلك السرير الذي يغرق والدها عليه في غيبوبة عميقة.. وابتسمت مها باشفاق وحنان.. وهي ترى لهفتها على والدها وهي تتجه اليه وتلتقط كفه بين كفيها لتقول بشوق وحب: ابي.. اشتقت اليك كثيرا..
جلست مها في المقاعد الموجودة بالغرفة وجلس مازن على المقعد المجاور لها وعيناه معلقتان على ملاك .. التي كانت تقول في تلك اللحظة وهي تقرب كف والدها من وجنتها: ابي انا بحاجة اليك.. اكثر من أي وقت مضى.. بحاجة الى حنانك وحبك.. لتعوضني عن كل ما فات.. لتنسيني احزاني وآلامي.. ارجوك .. عد الي.. لا اريد أي شيء آخر من هذه الدنيا سوى ان تعود الي من جديد.. ابي..انا احتاجك..
وترقرقت الدموع في عينيها وهي تقول بصوت هامس لا يسمعه كلاها: ابي لقد تزوجت قبل ايام من مازن..وانا وانا.. اقضي معه ايام جميلة و..لقد عوضني الكثير..ولكن...
مسحت دموعها التي سالت على خدها دون شعور ومن ثم اردفت بصوت باكي: ارجوك ابي عد الي .. انا احتاج اليك .. ارجوك..الست ملاكك التي تنفذ لها كل ما تريد.. ارجوك عد الي..ار...
بترت ملاك عبارتها بغتة وانتقل بصرها الى يد والدها لتتطلع اليها بدهشة وذهول..وانتفض جسدها بقوة لحظتها.. لا لشيء الا لأن اصابع والدها قد تحركت.. حركة بسيطة جدا لم يلاحظها سواها...
وخفق قلبها في قوة وهي تتمنى ان لا يكون ما رأته مجرد حلم.. وهتفت قائلة : مازن.. مازن..
نهض مازن من مكانه في سرعة وتوجه نحوها ليقول بقلق: ما الامر يا ملاك؟..
قالت ملاك وهي ترفع رأسها له وبصوت بالكاد خرج من حلقها: ابي..
قال مازن وقد بلغ منه الخوف مبلغه: ما به؟..
قالت ملاك بكلمات مرتجفة: لقد تحرك.. اعني .. لقد تحركت اصابعه..
اتسعت عينا مازن بدهشة ونقل بصره بين يد والد ملاك وبينها وقال مستغربا: ربما انت تتوهمين..
اما مها فقد قالت بلهفة وهي تتجه الى ملاك في سرعة: اانت متأكدة؟ ..
قالت ملاك وهي تلتفت لها وتزدرد لعابها بتوتر: اجل.. لقد شعرت به .. اقسم على هذا..
قال مازن بتردد: فليكن .. سأنادي الطبيب ليرى الامر..
قالها وغادر الغرفة بخطوات متوترة بعض الشيء..اما ملاك فقد عادت بأنظارها الى جسد والدها الممدعلى الفراش وقالت وابتسامة تتراقص على شفتيها: ابي لقد تحركت اناملك .. اليس كذلك؟.. انا لم اكن اتخيل.. وانت استجبت لندائي وعدت الي ..اخبرهم ان هذا صحيح وحرك اناملك من جديد .. ارجوك ..
ولكن انامل والدها ظلت مفرودة دون ادني حركة.. فربتت مها على كتفها وقالت: عندما يحضر الطبيب سيخبرنا بحالته.. لا تقلقي..
ران الصمت عليهم لدقائق.. وفجأة وسط هذا الصمت.. تعالى رنين هاتف مها المحمول ليبدد جو الصمت الذي سيطر على المكان.. واسرعت مها تلتقط هاتفها من حقيبتها.. وتبتعد مغادرة الغرفة..وتوقعت ان يكون حسام المتصل.. لكن توقعها هذا قد خاب عندما رأت شاشتها تضيء باسم احمد.. شعرت بالحقد تجاهه.. والشيء الوحيد الذي فعلته هو انها رفضت هذه المكالمة.. ولكن الرنين عاد من جديد بكل اصرار.. وللمرة الثانية عاودت رفض المكالمة وهي تضغط على الهاتف قائلة من بين اسنانها وبصوت يحمل كل الحقد الذي في قلبها: ماذا يريد مني هذا الحقير؟..بالتأكيد مخطط خبيث من مخططاته..
ولم تمض لحظات حتى عاد رنين الهاتف.. لكن هذه المرة كان رنينا يعلن وصول رسالة قصيرة..وشعرت مها بشعور ينبأها انها من احمد عندما فقد الامل في اجابتها عليه.. وفتحت الرسالة وقرأت سطورها التي كانت تقول (قريبا ستدفعين الثمن)..
شعرت مها بالصدمة من الكلمات التي ارسلها لها وماذا يعني بها.. وعن أي شيء يتحدث؟.. أيعني انني سأدفع ثمن ذلك اليوم عندما صفعته دون شعور مني؟.. ايحاول تهديدي هذا الحقير؟ ..
كادت ان تعاود دخولها للغرفة .. لكن خطر على ذهنها حسام بعتة.. جعلها تتخذ مجلسها على احد مقاعد الانتظار وتتصل به..وسمعت الرنين يستمر لنصف دقيقة ومن ثم ينقطع.. واستغربت ذلك.. ليجعلها تعاود الاتصال من جديد .. وفي هذه المرة اجاب حسام عليها قائلا بصوت لمحت فيه الانكسار: اهلا مها..
قالت مها بقلق: حسام.. ما بك؟.. لم لا تجيب على الهاتف؟..
التقط حسام نفسا عميقا ومن ثم قال: اجيبك لم؟.. وماذا استطيع ان اقول لك لو اني اجبتك؟..
قالت مها بدهشة: حسام.. ماذا تقول؟.. ما الذي تعنيه بقولك هذا؟..
تنهد حسام بألم وقال بغتة: لقد ذهبت اليوم الى الشركة حتى ارى والدك..
وعلى الرغم من ان مها قد لمحت في صوته رنة الالم الا انها قد تمنت ان تخيب كل توقعاتها وان يكون والدها قد غير رأيه ووافق على ارتباطهما.. فقالت بلهفة يشوبها بعض القلق: وماذا قال؟ ..
قال حسام وقلبه يعتصر الما كلما تذكر كلمات امجد له: قال انك ستنسيني مع الوقت.. لهذا علي ان ابعدك عن ذهني واتنحى عن طريقك.. فهو يعرف مصلحتك اكثر مني.. وقال ان قراره هذا لن يتراجع عنه مهما حدث.. لم يعلم حينها انه كان يقتلني بكلماته وهو يمنع هذا الارتباط بشتى السبل..
كان قلب مها يبكي بدموع الم تضاهي تلك التي تسيل على وجنتيها.. وقالت بصوت مختنق:انا لن انساك ابدا ما حييت.. الا لو اقتلعوا قلبي من صدري.. لكن حقا اريد ان اعرف.. لم يمنع والدي هذا الزواج؟.. لم؟.. لم اعهده قاسيا الى هذه الدرجة ..
قال حسام وهو يتنهد: لا يريد لعائلتنا ان تكون قريبة منه..
هتفت مها قائلة بصوت منفعل: هذا ليس سببا مقنعا ابدا..
وانتبهت لنفسها فجأة انها تجلس في المستشفى وبين مرضى واطباء.. فشعرت بالحرج من نفسها ومسحت دموعها وقالت بصوت منخفض: لكن صدقني يا حسام لن اصمت.. سأحاول انا معه وكذلك مازن وكمال حتى يغير رأيه .. لن اسمح له ان يتخذ قرار مصيري في حياتي كهذا.. لن اسمح له..
قال حسام وهو ويغمض عينيه بألم: لا اظنه سيتراجع عن قراره ..
قالت مها بحزم: عندها انا من سيقف في وجهه.. ولو تطلب الامر.. ان أترك المنزل بأكمله..
قال حسام بدهشة واستغراب: والى اين ستذهبين بعدها؟..
قالت مها بقهر: أي مكان.. المهم ان لا اكون مع ابي ولا يتحكم بمصيري كما يشاء..
واردفت قائلة: حسام.. انا مضطرة لانهاء المكالمة الآن.. فأنا في المشفى مع ملاك في زيارة لوالدها.. اهتم بنفسك جيدا..
قال حسام بحنان: وانت كذلك.. وطمأنيني على احوالك..
- سأفعل .. الى اللقاء..
انهت مها الاتصال بعد ان سمعت صوته يودعها.. وتوجهت الى غرفة والد ملاك وذهنه قد بدأ بالتفكير في طريقة لاقناع والدها.. وشاهدت بالداخل مازن وايضا الطبيب.. وملاك التي تتطلع الى الوضع بقلق شديد.. فقالت هامسة وهي تقترب من مازن: ماذا قال الطبيب؟..
قال مازن وهو يهز رأسه: لا شيء حتى الآن.. لا يزال يفحص حالته..
مرت دقائق والطبيب يفحص الاجهزة ومن ثم يعاود فحص جسد خالد الممد.. ومن ثم يمسك يده منتظرا منه ردة فعل.. واخيرا التفت الى ملاك وقال متسائلا: هل انت متأكدة انه قد حرك اصابع يده؟..
اومأت ملاك برأسها وقالت وهي لا تزال تحت تأثير لهفتها وفرحها بما حدث: اجل.. اجل.. لقد كنت اتحدث اليه .. وكنت امسك بيده حينها.. وشعرت فجأة باصابعه تضغط على يدي..
قال الطبيب وهو يهز رأسه بحيرة: لست اعلم ما الذي حدث.. فكل الاجهزة المتصلة بجسده لا تشير الى أي تطور في حالته ..
قالت ملاك وهي تهتف في سرعة: لكن اصابعه تحركت .. اقسم على هذا..
قال الطبيب بهدوء: ربما مجرد انقباض في عضلاته.. او ربما انت من حرك اصابعه بكفك دون ان تشعري..
عقدت ملاك حاجبيها وتقدمت بمقعدها من كف والدها لتمسكها بأحد كفيها ومن ثم تهمس لوالدها قائلة: ابي.. انا ملاك يا ابي.. اجب علي.. حرك اصابعك ان كنت تسمعني .. ارجوك..
لكن لا استجابة.. فقال الطبيب بابتسامة مشفقة: ارأيت؟ .. ربما مجرد انقباض في العضلات..
قالت ملاك وهي تشعر بغصة في حلقها: لا ابدا.. ابي كان يشعر بوجودي الى جواره ولهذا حرك اصابعه ليمسك بكفي .. يريد ان يشعرني انه معي دائما وانني في امان..
تطلع لها الطبيب مشفقا ومن ثم قال: سنتابع نحن حالته .. لا تقلقي ..
واردف قائلا وهو يتوجه خارجا من الغرفة: بالاذن..
غادر الطبيب الغرفة دون ان يمنح قلب ملاك المتلهف أي امل في شفاء والدها.. وهي التي كانت تشعر بالسعادة لانه سيفيق قريبا.. ماتت السعادة في قلبها قبل ان تشعر بلذتها.. وتنهدت بقلب متألم يعتصر الحزن والخوف..
وشعرت بكف تربت على كتفها .. والتفتت الى صاحب اليد والذي كان مازن والذي يتطلع اليها بابتسامة حانية ..وقالت برجاء: لقد تحركت اصابعه..انا واثقة.. لقد رأيته يحرك اصابعه كما اراك امامي الآن.. صدقني.. صدقوني جميعا..
قال مازن وابتسامته الحانية لا تزال على شفتيه: انا اصدقك ..ومتأكد من كل كلمة نطقت بها..
قالت ملاك وهي مستمرة في رجاءها: اذا اخبر الطبيب بذلك .. اخبره ان يعاود فحص ابي.. ربما يكون هناك امل في نهوض والدي او...
بترت عبارتها دون ان تجد ما تكمله بها.. فقال مازن باشفاق: ملاك.. الطبيب لا يستطيع ان يمنحك معلومات هو غير واثق منها لانه يعتمد في ذلك على اشياء ملموسة.. أي على الاجهزة التي تلاحظ حالة والدك طوال 24 ساعة وما دام لم يرى أي تقدم منها .. فلن يصدق أي شيء آخر..
في حين قالت مها بابتسامة باهتة: لكنه نسي ان الله تعالى قادر على كل شيء.. وان من الممكن بقدرته ان ينهض والدك دون ان تدرك هذه الاجهزة الجامدة شيئا..
خفق قلب ملاك وعاد الامل ليتجدد في قلبها.. لترسم اعذب ابتسامة رآها مازن على شفتيها وتقول: ونعم بالله..
والتفتت لمها لتقول : اشكرك يا مها على ما قلتيه.. انا اشعر بقليل من الراحة الآن..
وعادت لتلتفت لمازن وتقول بتردد: واشكرك انت كذلك يا مازن ..
تطلع مازن الى عينيها مباشرة.. وابتسم ابتسامة واسعة حملت في قلبه من مشاعر.. وهم بقول شيءلكن...
((ملاك ستظل حبيسة مقعدها الى الابد؟))
((والدها هو المسئول عن هذا الامر وليس نحن))
(( اعلم.. وبكل تأكيد فوالدها مستعد لأن يدفع لها كل مايملك من مال لكي تشفى من عجزها هذا..وبما ان ملاك لازالت عاجزة .. فهذا يعني انه لم يجد وسيلة حتى تشفى من عجزها هذا حتى الآن))..
((معك حق..))
(( ما اريد معرفته يا والدي.. هو متى هي آخر مرة اخذها والدها من اجل ان يجد علاجا لحالتها هذه؟..))
((هذا السؤال ستجيبك عنه ملاك وحدها..ولكن لماذا تسأل سؤالا كهذا؟))..
(( الم تعرف بعد لماذا يا والدي؟.. ان العلم يتقدم باستمرار ومن يدري.. ربما وجدت املا يقود ملاك الى الشفاء..))
اتسعت عينا مازن في قوة .. من كل ما جال في ذهنه من ذكرى مضى عليها اكثر من شهر كامل.. كيف غاب عن ذهنه امرا كهذا؟.. وهو الذي يصف نفسه انه المسئول عن ملاك وكل ما يخصها.. ينسى امرا مهما كهذا..امرا قد يتعلق في شفاءها..
وتطلع الى ملاك ومها بنظرة غامضة قبل ان يقول في جدية: انتظراني قليلا عند مقاعد الانتظار.. سأذهب لدقائق واعود اليكم..
تطلعت له مها باستغراب وهو يسرع في خطواته مغادرا الغرفة .. وتطلعت مها الى ملاك متسائلة: تريدين البقاء لوقت اطول ام نغادر؟..
تطلعت ملاك الى والدها بنظرة طويلة عبرت عن معاني الحب والشوق والحرمان.. وخاطبته بحوار طويل لم يسمعه احد..والتفتت الى مها اخيرا لتقول وهي تتنهد: فلنغادر..
امسكت مها بمقبضي مقعد ملاك ودفعت المقعد بهدوء لتغادرا كلتاهما.. دون ان تنتبه اي منهما على كف خالد التي تحركت اناملها لمرة اخرى بوهن شديد…
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
صوت رنين مستمر بدد الهدوء الذي كان يسيطر على الغرفة منذ لحظات.. وجعل ذلك الشخص الغارق في النوم.. ينزعج منه ليفتح عينيه وبنهض من مكانه ويغلق المنبه بعينين نصف مفتوحتين..ومن ثم تعود به الذاكرة الى احداث الامس وعندما توجه الى احد اطباء المخ والاعصاب خاصة ..
كان حينها قد دخل الى مكتبه بعد ان طرق الباب.. وقال بهدوء: لو سمحت ايها الطبيب..هل يمكنني ان آخذ من وقتك دقائق ام انك مشغول الآن؟..
عقد الطبيب حاجبيه وقال بحيرة: لحظات فقط.. تفضل بالجلوس ..
احتل احد المقاعد.. ورأى الطبيب وهو ينادي احد الممرضات ويطلب منها ان لا تدخل عليه اي مريض لدقائق فقط.. ومن ثم عاد الى مكتبه وجلس خلفه ليقول بابتسامة هادئة: كيف اخدمك؟..
التقط نفسا عميقا ومن ثم قال: انا ادعى مازن ولدي ابنة عم مصابة بالشلل منذ الصغر اثر حادث سيارة..
عقد الطبيب حاجبيه وقال مستفسرا: حسنا يا سيد مازن.. اخبرني .. اين موقع الشلل بالضبط؟..
قال مازن وهو يحاول التذكر: حسبما اذكر انها اصيبت بالعمود الفقري.. وذلك حرمها من السير على قدميها مدى الحياة ..
قال الطبيب بهدوء: لو كنت تستطيع احضرها الى هذا القسم غدا..قسم المخ والاعصاب.. حتى استطيع اخذ فكرة شاملة عن طبيعة الاصابة ومدى الضرر..
واردف قائلا وهو يبتسم: ولا تقلق فهناك امل جديد لمرضى الشلل..قد اكتشفه العلماء حديثا..فقد توصلوا الى معرفة كيف تستعيد الفئران قدرتها على المشى بعد تعرضها للاصابة فى العمود الفقري .. واظهر البحث الذى نشر فى دورية نيتشر مديسين أن المخ والعمود الفقري لديهما القدرة على اعادة تنظيم وظائفهما بعد إصابة العمود الفقري لاستعادة الاتصال الضرورى بين الخلايا للمشي.. بصورة تدريجية خلال فترة من ثمانية إلى عشرة اسابيع..
استمع اليه مازن باهتمام شديد في حين التقط الطبيب نفسا عميقا وهو يستطرد: وقال العلماء إنه عقب التعرض إلى اصابة جزئية فى العمود الفقرى فإن المخ والعمود الفقرى يعيدان تلقائيا تركيب شبكة وصلات تسيطر على حركة المشي حتى فى ظل غياب الممرات السريعة والمباشرة للاعصاب التى تربط المخ عادة بمركز حركة المشي فى العمود الفقري السفلي في الشخص الطبيعي.. فإن الرسائل تستطيع ان تسلك طرقا جانبية اخرى حول الاصابة..كما قال الباحثون إنه يمكن نقل الرسائل عبر عدد من الوصلات الاقصر بدلا من استخدام الطرق العصبية الرئيسية لايصال اوامر المخ لتحريك الأرجل..
*( كل ما ذكر حقائق علمية.. ولمن يرد التأكد او الاطلاع..على هذا الموقع http://www.rtv.gov.sy/?d=23&id=30640 (http://vb.arabseyes.com/redirector.php?url=%68%74%74%70%3a%2f%2f%77%77%77% 2e%72%74%76%2e%67%6f%76%2e%73%79%2f%3f%64%3d%32%33 %26%61%6d%70%3b%69%64%3d%33%30%36%34%30&titlet=) )*
خفق قلب مازن بقوة.. وارتسمت على شفتيه ابتسامة عبرت عن كل مافي قلبه من امل وسرور وقال بفرح: حقا؟.. اذا هناك امل في شفاء ملاك..
قال الطبيب بابتسامة وهو يرى فرحة مازن: اولا دعني ارى المصابة حتى اصل الى ممارسة النوع الصحيح من التدريب التأهيلي التي تحتاجه..وبعدها سأقرر..
قال مازن بابتسامة واسعة وسعيدة وقلبه يخفق بقوة: لا اعرف كيف اشكرك..
قال الطبيب بابتسامة: لم افعل ما يستحق الذكر في الوقت الحالي .. لكن اتمنى ان يكون لي دور في شفاء ابنة عمك باذن الله..
ابتسم مازن وهو ينهض من مكانه ويمد يده مصافحا للطبيب وهو يقول: يكفي الامل الذي قد تعيد فيه الابتسامة والسعادة الينا جميعا..
ابتسم له الطبيب وقال بهدوء: اراك غدا اذا..
اومأ مازن برأسه وهو يبتسم ومن ثم يقول مودعا: مع السلامة ..
قالها وغادر غرفة المكتب وقلبه ينبض بأمل وفرحة جديدة.. لم يتخيل ان يشعر بها في يوم من الايام..
افاق مازن من ذكرياته وقال مبتسما وهو يدس اصابعه بين شعره : ولكن من يستطيع اقناع ملاك الآن؟..من يستطيع اقناعها وهي تكاد تكون فاقدة الامل بكل تأكيد بعد ان اخذها والدها الى العديد من المستشفيات؟..
وهز كتفيه وقال وهو يتطلع الى المنبه الذي لم تتجاوز عقاربه الثامنة بعد: يا ترى هل تكون مستيقظة الآن؟..
دعونا نترك مازن قليلا.. ونبتعد عن غرفته لنتوجه الى الطابق الاسفل .. والى تلك الغرفة التي في آخر الممر تقريبا.. والذي راود ملاك الفضول لدخولها.. وخصوصا وانها الغرفة الوحيدة التي لم تدخل اليها او تراها حتى منذ مجيئها الى منزل عمها..
وامتدت كفها لتقبض على مقبض الباب وهي تتمنى بداخلها ان لا تكون مقفلة.. وابتسمت بهدوء وهي ترى امنيتها قد تحققت وان الباب كان مفتوحا.. وحركت عجلات مقعدها لتدخل الى الغرفة.. ومن ثم لم تلبث ان ارتفع حاجباها باعجاب وهي تتطلع الى الغرفة التي لم تكن تحوي بداخلها سوى طاولة مستديرة الشكل نقش عليها بعض الاشكال الهندسية وحولها مقعدين.. وساعة كبيرة الحجم وسجادة فاخرة في منتصف الغرفة..وبعض اللوحات الفنية التي احتلت احد جدران الغرفة .. واخيرا ذلك الشيء الذي ولد الاعجاب في قلب ملاك وهو ( البيانو)..
ابتسمت ملاك ابتسامة واسعة وهي تتقدم منه ومن ثم تفتح الغطاء الذي يخفي مفاتيحه.. وشعرت ببعض الغبار الذي لوث اصابعها.. واستغربت عدم تنظيف أي من الخادمات لهذا البيانو .. ونفضت يديها ومن ثم ضغطت على احد المفاتيح.. وابتسمت باستمتاع وهي تستمع الى الموسيقى العذبة.. وتذكرت لحن لـ (بتهوفن).. قام بتعليمها اياه والدها قبل عامين على آلة بسيطة وليست كهذه..
وبدات اناملها بالعزف.. وهي تحاول قدر الامكان ان تتذكر خطوات ضغطها للمفاتيح..وان لا تخطئ وتفسد هذا اللحن..وتملكت حواسها تلك الالحان حتى نسيت كل ما حولها ..
وعلى درجات السلم استغرب كمال تلك الالحان المنبعثة من البيانو والذي لم يحاول احد لمسه منذ خمس سنوات.. واستغرب هذا الشخص الذي تجرأ على الدخول الى تلك الغرفة التي تحتل نهاية الممر.. وهبط درجات السلم ليتوجه الى تلك الغرفة ومن ثم ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه وهو يلمح ملاك تعزف على البيانو بمهارة وبكل مشاعرها واحاسيسها..
واستمع اليها وهو يقف عند الباب وهو يشعر بمشاعره تتأجج بداخله .. وبالحانها تدغدغ قلبه.. وما ان توقفت ملاك عن العزف دون ان تدرك وجود احد معها في الغرفة.. حتى ارتفع صوت تصفيق من خلفها.. وشهقت بخوف وهي تلتفت الى هذا الشخص .. ومن ثم لم تلبث ان ابتسمت ابتسامة باهتة وهي ترى كمال يقترب منها ويقول: لقد كان عزفك رائعا..
قالت ملاك ببعض الارتباك: اشكرك..
سألها قائلا: ومن اين تعلمت العزف؟..
اغلقت ملاك غطاء البيانو وقالت بابتسامة شاردة: ابي.. لقد علمني هذا اللحن ولحن آخر ايضا فقط..
قال كمال بهدوء وهو يتلفت في ارجاء الغرفة: اتعلمين لم يجرأ احدنا على دخول هذه الغرفة منذ خمس سنوات.. وحتى الخدم يكتفون بتنظيفها مرة واحدة كل اسبوعين وحسب..
تساءلت ملاك وهي تلتفت له قائلة: ولماذا؟..
قال كمال وهو يدخل كلتا كفيه في جيبي سترته: لانها كانت الغرفة التي تقضي فيها والدتي معظم وقتها.. وما ان غادرت المنزل حتى لم يعد احدنا يريد دخولها لتجديد الذكريات ..
قالت ملاك وهي تطلع اليه بنظرة الم: لكن والدتكم لا تزال على قيد الحياة..
هز كمال كتفيه وقال: اعلم ولكننا لا نراها ..
واردف قائلا وهو يبتسم: صحيح..كيف هي احوال والدك؟ ..
تنهدت ملاك وقالت: كما هو.. وبالامس فقط.. قد تحركت انامله بين يدي..لكن لم يصدقني الطبيب .. وظن اني اتهيأ..
تطلع لها كمال وقال : ربما لانه لم يرى ذلك بعينه.. فالاطباء ليس من عادتهم ان يثقوا بأي حديث ما دام لا يوجد لديهم دليل عليه..
اومأت ملاك برأسها وقالت: مازن قال هذا ايضا..
قال كمال فجأة: هل اطلب منك طلبا؟..
ابتسمت ملاك وقالت: بكل تأكيد..
قال مبتسما: اعزفي لي لحنا آخر و...
وماتت الابتسامة التي على شفتيهما وهما يتطلعان الى ذلك الشخص الواقف عند الباب ويتطلع اليهما بعينين غاضبتين.. شعر كلاهما بالدهشة من مازن ونظراته اليهما وكأنهما قد ارتكبا جرما ما..
اما مازن فقد شعر بشعور يجعل غضبه يتضاعف وهو يرى كمال امامه والذي اعترف له بالامس فقط انه يحب زوجته ..وكان من الممكن ان يفعل أي شيء لولم يتمالك اعصابه.. وظل واقف مكانه.. وهو ينقل بصره بينهما وشعور واحد اخذ يتضاعف في اعماقه.. شعور يطلق عليه اسم .. الغيرة..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الثامن والثلاثون
"التضحية ام الانانية؟"
نقل مازن بصره بينهم لفترة دامت الدقيقة.. وهو يحاول ان يتمالك اعصابه قدر المستطاع.. ويحاول ان يبدوا هادئ الاعصاب وخصوصا امام ملاك.. واخيرا قال وهو يتقدم ويدلف الى الغرفة وعيناه تستقران على ملاك: هل يمكنني الحديث معك لوحدنا يا ملاك؟..
قالت ملاك بهدوء: تحدث.. لا احد غريب هنا..انه كمال شقيقك ..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه وبلهجة لمحت فيها ملاك العصبية: لكني اريد ان اتحدث معك لوحدنا .. دون مشاركة من احد ..
ارتفع حاجبا ملاك باستغراب.. في حين التفت له كمال وقال وهو يتطلع له بنظرة باردة: كان بامكانك ان تطلب مني الخروج بدلا من هذه المقدمة الطويلة ..
واردف قائلا وهو يلقي نظرة اخيرة على ملاك: بالاذن..
تمنى مازن لحظتها ان يكون بلا قلب او مشاعر حتى لا يشعر بكل هذه الغيرة التي بدأت تسيطر على كيانه كله وتجعله يتعذب بنارها وهو يرى كمال يلقي نظراته الاخيرة على ملاك ..
وقطعت ملاك افكاره لتقول متسائلة: والآن ما هو الشيء المهم الذي اردت قوله لي؟.. هل هو شك في ان تكون هناك علاقة بيني وبين كمال؟.. ام يا تراه يكون شخص آخر هذه المرة؟..
تطلع لها مازن بنظرة تأنيب وقال وهو يتنهد: لا هذا ولا ذاك.. لست احمقا لأشك بملاك مثلك..
قالت ملاك وهي تتطلع اليه بطرف عينها: لكنك فعلتها في المرة الماضية.. والآن ايضا كنت تتطلع الي بغضب لوجودي مع كمال ..
قال مازن في حدة: ذلك لأن كمال ...
وبتر عبارته عندما شعر بفداحة ما كاد ان يصرح به..ومرر اصابعه بين شعره لعله يخفف من توتره وعصبيته.. فقالت ملاك متسائلة : ما به كمال؟..
قال مازن بهدوء وهو يجذب له مقعدا ويجلس الى جوارها: دعينا من كمال ومن أي شخص آخر ..لقد جئت اليك لاتحدث معك في موضوع يعنيك وحدك..
قالت ملاك بلامبالاة: وما تراه يكون؟..
قال مازن متسائلا باهتمام: متى آخر مرة ذهبت فيها الى المشفى للسؤال عن .. علاج لحالة الشلل التي تعانين منها؟..
تطلعت له ملاك بنظرة حملت الكثير من اللوم والالم وقالت : ولم تسأل؟..
تطلع لها مازن وقال برجاء: اخبريني .. وسأخبرك بعدها لم قد سألتك هذا السؤال..
قالت ملاك وهي تلتقط نفسا عميقا: قبل ثلاثة اعوام.. وحاول ابي معي ان يأخذني العام الماضي لكني رفضت بشدة لاني شعرت ان أي مشفى او عيادة سأذهب اليها سيجيبوني بالاجابة ذاتها (لا امل في شفاء العجز الذي تعانيه)..
شعر مازن بصعوبة موقفه بعد ما قالته.. لكنه اصر على ان يقنعها .. فمادام هناك امل ولو بنسبة ضئيلة.. لم لا تتمسك به وقد يكون سببا في شفاءها..وقال بحزم: بالامس عندما تركتك انت ومها وخرجت.. ذهبت حينها الى قسم المخ والاعصاب بالمشفى وسألت احد الاطباء عن حالتك.. وعندها اخبرني ان هناك امل لعلاجك..
قالت ملاك بصدمة: سألته عن حالتي؟.. ولم فعلت؟..
قال مازن وهو يبتسم ابتسامة شاحبة: لانك ابنة عمي وزوجتي .. ولانك كذلك غالية على قلبي..
اشاحت ملاك بوجهها عنه وقالت بألم: اهذه كذبة اخرى؟..
قال مازن وهو يمسك بكفها ويضغط عليها بحنان:ابدا.. ولست بحاجة لان اوضح انك انسانة غالية على قلبي ومهمة جدا في حياتي.. فأنت ترين ذلك بعينك في كل تصرفاتي..
لم تعلق ملاك وظلت مشيحة بوجهها.. فقال مازن وهو يبعد كفه عن كفها ويتطلع اليها: لا يهم الآن كل هذا.. ما يهمني هو ان تأتي معي الى المشفى حتى يراك الطبيب ويعلم مدى الضرر الذي اصاب العمود الفقري ومن ثم ...
قاطعته ملاك قائلة بلهجة قاطعة وهي تلتفت له : لا..
قال مازن بحيرة: ولم لا؟.. مادام الامل موجودا يا ملاك..
قالت ملاك بحزن وهي تطرق برأسها: لاني اعلم جيدا اني لو ذهبت الى هناك .. سيقول انه لا يوجد أي علاج لمن هم في مثل حالتي..لقد اخذني ابي الى مختلف المستشفيات واشهرها في العالم .. ولم يكن هناك أي امل في شفاءي.. فهل ستقنعني انت الآن اني سأجد الامل هنا؟..
قال مازن وهو يحاول اقناعها: لقد ذهبت الى هناك قبل ثلاث سنوات والعلم في تطور مستمر.. انظري حولك كم من مرض قد وجدوا علاجا له.. وكم من مرض استطاعوا ان يحصنوا البشر منه قبل ان يتضرروا منه.. فلم تيأسين الآن؟ .. تاركة خيبة الامل تسيطر عليك وتحرمك شعور ان تسيري على قدميك من جديد..
قالت ملاك بابتسامة ساخرة ومريرة: من قال اني سرت على قدمي قبلا حتى اشعر بهذا الشعور من جديد؟..
قال مازن وهو يشبك اصابعه وهو مستمر في محاولة اقناعها: ما اريد قوله هو ان تكوني كباقي الناس من حولك .. تسيرين كفتاة عادية .. وتتمتعين بكافة حريتك..
قالت ملاك وهي تتطلع اليه بألم: بالتأكيد .. فأنت تراني الآن فتاة ناقصة .. يعيبها عجزها ولا تستطيع ان تقبل بها كزوجة لك ..
تنهد مازن وقال وهو يميل باتجاهها قليلا: ملاك .. قلتها سابقا وسأعيدها الف مرة اخرى.. لا احد من البشر حولك لديه صفة الكمال.. لكل منا نواقصنا.. وان كنت انت قد فقدت نعمة السير على قدميك.. فغيرك قد فقد ماهو اسوأ..
قالت ملاك وغصة في حلقها: لم افقد نعمة السير وحسب.. بل فقدت امي اولا التي لم ارها الا منذ ان كنت في الثانية من عمري والتي لا اذكر شيئا من ملامحها سوى في الصور.. وابي الذي كان احن الناس على قلبي غارقا الآن في غيبوبة لا اعلم متى قد ينهض منها.. و...
بترت عبارتها واردفت وهي تتطلع اليه باتهام: وشخص آخر.. قد فقدته عندما كذب علي وخدعني.. وانا التي كنت اعتبره كل شيء في حياتي بعد ابي..
فهم مازن انها تقصده.. وشعر بالالم من نظرات الاتهام التي توجهها له وقال وهو يبتسم لها بحنان: انت لم تفقديني يا ملاك.. ولا يوجد شخص يفقد انسانا وهو معه في كل لحظة ويتمنى سعادته وراحته..
واردف وهو يمد كفه لها: لهذا ارجوك ان تضعي يدك في يدي وتتمسكي بالامل ..لتأتي معي الى الطبيب الذي قد يكون له دور في علاجك بعد الله تعالى..
تطلعت له ملاك والى كفه المدودة بتردد ومن ثم قالت: واذا لم يجد علاجا لمن هم مثلي؟..
قال مازن بابتسامة مطمأنة: لا تستبقي الامور..اريدك فقط ان توافقي على الذهاب معي اليوم الى المشفى وبعدها قد تجدين علاجا تبدئين فيه حياة جديدة..
وللمرة الثانية نقلت ملاك بصرها بينه وبين يده المدودة لها.. ولم تعلم لم في تلك اللحظة خطر على ذهنها الحلم الذي تراه في نومها.. وهي ترى مازن يطلب منها ان تأتي اليه ومن ثم يساعدها على الوقوف وهو يمسك بيدها.. ربما لتشابه الموقف بين يد مازن المدودة اليها بالحلم وبالواقع الذي تعيشه الآن..
وقالت بغتة وهي تتطلع الى مازن: سآتي معك يا مازن.. سأتمسك بالامل وسارى الحياة بعينين متفائلتين.. لعلي استطيع ان اسير على قدمي للمرة الاولى في حياتي واواصل حياتي كباقي البشر..
قالتها وامسكت بكفه المدودة اليها .. فابتسم لها مازن ابتسامة واسعة وهو يشعر ان هذه ستكون بداية.. بداية لامل جديد ستحيا ملاك على ان يتحقق.. وبداية لصفحة جديدة بيضاء سيبدأها مع ملاك منذ هذه اللحظة...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تلألأ نصف القلب الذهبي تحت اضواء تلك الغرفة الهادئة.. على الرغم من بعض قطرات الدمع التي بللته ..والتي كانت تسقط من عيني تلك الفتاة وهي تتطلع اليه بكل لوعة وعذاب..
كانت تتذكر كل لحظة جمعتها بمن اهداها نصف القلب هذا.. تتذكر كل ذكرى عاشتها معه منذ اكثر من عشر سنوات.. تتذكر خيوط الحب التي ربطت بين قلبيهما .. وجعلتهما شخصا واحدا لا اثنين.. وازداد انهمار دموعها مع كل ذكرى تخطر على ذهنها..وكل ذكرى تعيد لها رفض والدها من ان تجتمع مع الانسان الذي احبته وتعلقت به منذ الصغر..
وزفرت بكل حرقة.. زفرة حملت كل ما قلبها من آلام .. ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تعيد نصف القلب الى العلبة: من قال اني سأترك والدي يختار مصيري وحياتي.. ويرغمني على ما يريده هو.. والدي لم يفكر سوى في مصلحته هو ونسي سعادة ابنته..لهذا يجب علي ان اقنعه بما اريد .. يجب ..
ومسحت دموعها بأنامل مرتجفة .. قبل ان تنهض من مكانها وتغادر غرفتها.. لتتوجه الى الغرفة التي تحتل احد زوايا الممر بالطابق الاعلى.. وطرقتهاعدة طرقات.. قبل ان تسمع صوت شقيقها يقول من الداخل : من؟..
اجابته قائلة وهي تتنهد: مها.. هل يمكنني الدخول يا كمال؟ ..
قال كمال وهو يسرع بفتح الباب لها: بالتأكيد.. ادخلي..
خطت مها الى الداخل بخطوات مترددة وقلقة.. فقال كمال متسائلا وهو يغلق باب الغرفة خلفها: ماذا بك يا مها؟..
قالت مها وهي تلتفت الى كمال وبرجاء شديد: اريدك ان تأتي معي الى والدي الآن.. وتخبره ان رفضه لزواجي من حسام سيتسبب في تعاستي لمدى الحياة..
ابتسم لها كمال ابتسامة باهتة ومن ثم قال وهو يعقد ذراعيه امام صدره: ومن قال اني لم احدثه؟.. حاولت معه مرارا.. ولكنه مصر على موقفه.. وكأن شيء قوي بداخله يمنعه من الموافقة على زواجك من حسام..
قالت مها وغصة مرارة تملأ حلقها وتكاد تسيل الدمع من عينيها من جديد: اذا ما العمل؟.. استسلم واصمت حتى اتركه يتحكم بحياتي كما يشاء.. ثم الا تهمه سعادة ابنته؟..
هز كمال كتفيه ومن ثم قال: لا استطيع الاجابة على سؤالك هذا يا مها.. فاحيانا ارى والدي يهتم بنا كابناء.. واحيانا اخرى اراه لا يأبه بأي مسئوليات تعنينا..
قالت مها باصرار: اذا لم يهتم هو بنا او بمصلحتنا وسعادتنا.. فكل منا سيهتم بمصلحته.. ولن يهدأ لنا بال الا اذا حققنا ما نريده نحن وليس والدنا..
واردفت قائلة بحزم وهي تلتفت له: ستأتي معي لأتحدث معه.. ام اذهب اليه بمفردي..
قال كمال بابتسامة هادئة: بالتأكيد سآتي معك.. وسأحاول اقناعه على اتمام هذا الزواج الذي هو حلمك وحلم حسام ..
واقترب منها ليضع يده على كتفها ويسير الى جوارها حتى هبطا درجات السلم ..متجهين الى غرفة المكتب التي يقضي فيها امجد اغلب وقته.. وطرق كمال الباب قائلا: والدي.. هل يمكنني الدخول؟..
قال امجد من خلف الباب بضيق: ادخل..
دخل كمال الى غرفة المكتب ومن خلفه مها التي تحلت بالشجاعة لكي تستطيع ان تقف في وجه والدها من اجل حبها وسعادتها..وقال امجد وهو ينقل بصره بينهما: قولا ما جئتما من اجله .. فأنا مشغول جدا هذه الايام..
قالت مها بهدوء: اظن ان العمل ليس اهم منا يا والدي..
قال امجد وقد شعر بالضيق مما قالته: ولمن اعمل؟.. اخبريني.. اليس لأجلكم انتم؟..
قالت مها بصوت اختنق بالبكاء: المال ليس كل شيء.. نحن نحتاج اليك.. الى التفكير بنا.. الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة تخصنا.. والسعي الى سعادتنا..
ضيق والدها عينيه وقال : ما الذي تحاولين قوله يا مها؟..
التقطت مها نفسا عميقا ومن ثم قالت بثقة: انا موافقة على زواجي من حسام ..
قال امجد بحدة: اظن ان هذا الموضوع قد انتهى واخبرتك اني رافض زواجك من هذا الشاب..
قال كمال هذه المرة وهو يضع يده على كتف شقيقته ويحاول تهدئتها: ولم ترفضه؟.. اخبرني بسبب واحد يجعلك ترفض حسام كزوج لمها.. وان كان ما ذكرته عن والدتي.. فهو ليس بالسبب المقنع ابدا الذي يجعلك تمنع زواج مها من حسام وتقف في طريق سعادتها..
عقد امجد حاجبيه بقوة وقال بغضب: قلت لكما انا ارفض هذا الزواج ولن اتراجع عن قراري مهما حدث..
عضت مها على شفتها السفلى بمرارة ومن ثم قالت بعينان تملأها الدموع: لو حدث لي او لحسام أي شيء ستكون انت المسئول يا والدي.. ولو فكرت بأن اتزوج حسام دون علمك ستكون انت المسئول ايضا و...
قاطعها والدها بغضب وهو يضرب طاولة مكتبه بقبضته وينهض من مكانه واقفا: هذا لن يحدث.. لأن عمك قد خطبك لابنه وانا وافقت ..
تطلعت له مها بعدم فهم وقالت وخوف كبير بدأ يرجف قلبها: أي عم؟.. واي ابن الذي تتحدث عنه؟..
قال امجد بضيق: لا اظن ان لديك ابن عم سوى احمد..
تجمدت الدموع في عينيها تحت تأثير ما القاه والدها على مسامعها ورددت قائلة بذهول: احمد ابن عمي؟؟..
قال والدها بحنق: اجل هو.. لقد خطبك عادل لابنه مني وانا وافقت ..
تطلعت مها الى والدها في تلك اللحظة بصدمة وذهول.. لا تعرف بم تستطيع ان تصف شعورها في تلك اللحظة.. غضب وثورة .. خيبة امل واحباط.. حزن وعذاب.. دهشة وذهول ..او كل تلك المشاعر مجتمعة .. لسانها عاجز عن التعبير للرد على ما صرحه والدها لها منذ دقائق..
وتطلع كمال باشفاق الى شقيقته التي كانت الصدمة قد سيطرت على كيانها وجعلتها تكتفي بالنظر الى والدها بنظرات تجمع مابين الغضب والمعاناة.. فلم يكفيه ان يحرمها ممن تحب.. يزيد الجرعة اضعافا بتزويجها من شخص لا تطيفه ..
وقال بكل صرامة متحدثا الى والده: أي احمد هذا الذي وافقت عليه يا والدي؟.. احمد المستهتر الطائش.. ام احمد الذي لا يهمه في هذه الحياة شيء سوى حبه للمال والمظاهر.. انسيت تفكيره هو والده؟.. انسيت ما كان يود فعله بملاك؟..
قال امد بعصبية: انا لم انسى شيئا.. ولكن هذا لمصلحة العائلة اولا واخيرا.. مها ستتزوج من ابن عمها وستظل نقود العائلةلافرادها دون ان يدخل فيها أي شخص غريب..
- وحسام هو الغريب يا والدي.. اننا نعرف حسام اكثر مما نعرف احمد ذاته.. لقد عاش وسطنا وبيننا و...
(يكفي)
كانت هذه الكلمة من مها التي قالتها بغضب ودموعها تسيل على وجنتيها.. والتي لم تحتمل كل هذه الصدمات المتواصلة التي تتعرض لها..واكملت قائلة وقلبها يبكي الما: يكفي.. يكفي جميعكم.. يكفي تحكما بحياتي ومصيري.. انا بشر ومن حقي ان اختار حياتي.. من حقي ان اختار الانسان الذي سأشاركه حياتي الى الابد.. لم تفرض علي يا والدي انسان لا اريده.. لم ترفض انسان احبه بكل ذرة مشاعر في قلبي؟.. وتقبل بانسان اكرهه ولا اطيق رؤيته .. اتظن اني كقطع النقود؟.. تضعها اينما تشاء.. لا انا ابنتك .. وعليك ان تبحث عن السعادة لي اكثر من أي شخص آخر.. لا ان تقتلني للمرة الثانية دون ان تهتم.. انا اتعذب يا والدي .. لم لا تشعر بي؟.. انا لا ازال اصون العادات والتقاليد ولم افعل ما يمسها.. ولكن لو فعلت ذلك يوما.. فاعلم انك انت السبب..
ران الصمت على المكان الا من صوت شهقاتها وهي تدفن وجهها بين كفيها في مرارة.. وشعر كمال في هذه اللحظة انه انسان ضعيف جدا.. لم يتمكن من فعل شيء لشقيقته التي تتعذب امام عينيه وتعاني الامرين من كل ما يصيبها.. وحاول ان ينطق بأي كلمة قد تواسيها او تخفف عنها.. لكن ماذا عساه يقول؟.. كلمات العالم كلها مجتمعة قد لا تخفف عن ما تعانيه شقيقته في هذه اللحظة..
ووجد والده فجأة يترك مقعده خلف مكتبه ويتقدم من مها ليبعد كفيها عن وجهها ويقول بصوت هادئ: مها .. يكفيك بكاءا ..انا افكر بمصلحتك يا ابنتي..
قالت مها وهي تتطلع اليه بعتاب والم: لست اصدق هذا.. من يريد مصلحة شخص يفكر في سعادته.. لا تعاسته..
امسك بكفها بهدوء وسار الى جوارها حتى جلسا على الاريكة الطويلة الموجودة في آخر غرفة المكتب.. ومن ثم قال وهو يلتفت الى كمال: دعني مع مها قليلا.. سأتفاهم معها..
تطلع كمال الى والده للحظات ..ومن ثم لم يلبث ان التفت الى مها وقال بلهجة حانية: مها نحن اخوتك.. وسنكون معك دائما لتحقيق السعادة التي لطالما تمنينها..
واردف وهو يضغط على حروف كلماته: مهما كلفنا الامر ...
ومن ثم ادار ظهره وسار مغادرا غرفة المكتب..فقال امجد وهو يتطلع الى مها : امسحي دموعك .. فلا احب ان ارى ابنتي المدللة تبكي..
وكأن مها لم تسمعه فقد قالت برجاء: لا اريد احمد يا والدي .. لا اريده.. ارجوك.. افعل أي شيء بي .. الا ان تزوجني حمد ذاك..
قال امجد وهو يتنهد ويلتفت عنها: انا ايضا لا اريده ان يكون زوجا لابنتي الوحيدة .. لكن هذا لمصلحتنا جميعا..
قالت مها وهي تكور قبضتيها باألم: بل لمصلحتك انت فقط يا والدي..
قال امجد بحزم: بل لمصلحتكم انتم.. استمعي الى ما سأقوله لك .. وبعدها احكمي على الامر بنفسك.. لم ارد ان اخبرك بالسبب الرئيسي لرفضي حسام.. ولكن بما انك ترينني ابا ظالما فأنا مضطر لأوضح لك كل شيء..
التفتت له مها واستمعت اليه بانتباه.. فقال هو وهو يتطلع اليها للحظة ومن ثم يلتفت عنها مواصلا حديثه: ما اخبرتكم به بشأن والدتكم.. لم يكن كذبا بل هو حقيقة عانيت منها طويلا.. ولكن كان من الممكن ان اتغاضى عنها واتناساها من اجل حسام الذي اعتبره احد ابنائي حقا.. لكن حدث امر جعلني اغير تفكيري تماما وافكر بمصلحتكم جميعا وان كانت على حساب احدكم..
مسحت مها دموعها التي بللت وجنتيها وقالت بصوت مبحوح: وما الذي حدث وجعلك ترفض حسام؟..
صمت والدها وهو يتطلع اليها بنظرات متوترة .. ومها تنتظر منه ان يشرح اسبابه التي فرقتها عن احب الناس على قلبها.. وقد تجمعها مع اكثر شخص تكرهه ولا تطيق كلمة منه.. ولا تعلم لم مر على ذهنها تلك الرسالة القصيرة التي ارسلها لها بالامس..(قريبا ستدفعين الثمن)..
وارتجف قلبها بخوف وقلق من المستقبل المجهول الذي ينتظرها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي مازن وهو يلمح القلق الذي تسلل الى ملامح ملاك التي تنتظر دخولها على الطبيب في ردهة الانتظار.. وقال وهو يلتفت اليها: لم كل هذا القلق؟ ..
قالت ملاك وهي تتنهد: لاني اشعر بالخوف مما قد يقوله الطبيب ..اكاد اكون متأكدة بنسبة خمسة وتسعون في المائة انه سيقول انه لا وجود لعلاج لمن هم في مثل حالتي.. ولكني .. قد تمسكت بنسبة خمسة في المائة من الامل بعد ما سمعته منك .. لهذا انا خائفة ان تتبدد تلك النسبة الضئيلة ايضا التي اتمسك بها ..
ربت مازن على كفها وقال مازحا:كفى جبنا وكوني اكثر قوة يا صغيرتي..
رفعت ملاك احد حاجبيها وقالت بضيق بسيط: لست طفلة حتى تحدثني هكذا..
قال مازن مبتسما: اتعلمين؟.. انا اكبرك بسبعة اعوام.. أي انك تكونين طفلة بالنسبة لي..
قالت ملاك وهي تتطلع اليه بنظرات حادة: ولم اذا فكرت ان ترتبط بطفلة ..
قال مازن مداعبا: لاني لم اجد سواها لارتبط بها..
قالت ملاك بغيرة واضحة: لديك ندى ورشا وحنان..لم لم تفكر ان ترتبط باحداهن فهن يناسبنك العمر؟..
قال مازن وهو يتطلع اليها ويصطنع التفكير: ان اردت الحقيقة.. فأنا لم افكر الارتباط باحداهن ..
ومال نحوها ليقول بهمس: لان فتاة ما قد شغلت تفكيري ومنعتني من التفكير بسواها..
ولأول مرة بعد كل ماحدث بينهما لمح مازن وجنتي ملاك تعود لتتورد بخجل .. وابتسم مازن بسرور وهو يتطلع اليها .. فقالت ملاك وهي تحاول اخفاء خجلها: ما الذي يجعلك تبتسم هكذا؟..
اتسعت ابتسامة مازن وقال: وهل يوجد سبب اكبر من ان تكون ملاكي قدسامحتني اخيرا؟..
تطلعت له ملاك وابتسامة خجلة تتراقص على شفتيها وقالت: لا تظن اني قد سامحتك بكل هذه السهولة..
قال مازن بخوف مصطنع: لا تقولي ان علي ان احتمل كل العذاب الذي قضيته عندما كنت ترفضين الحديث الي..
قالت ملاك مبتسمة وهي تهز كتفيها: ربما ..ولم لا؟..
قال مازن وهو يمد كفه ويمسك بالقلادة التي تحتل عنقها: لان هذه قد اثبتت لي انك قد قررت ان تسامحيني اخيرا .. وان تفتحي صفحة بيضاء معي و...
قاطعه بغتة النداء باسم ملاك وقد حان دورها للدخول على الطبيب.. فقالت ملاك بتوتر يكاد يرجف اطرافها: مازن انا خائفة..
قال مازن وهو ينهض من مكانه: لا تخافي .. سأكون معك..
ودفع مقعدها بهدوء الى غرفة الطبيب ليدخل اليها .. ووقع بصرها على ابتسامة الطبيب وهو يقول: اهلا بك يا مازن وانت كذلك يا آنسة..
ابتسم مازن واقترب من مكتب الطبيب الذي اشار له بالجلوس ومن ثم قال وهو يتطلع الى ملاك: كيف حالك؟..
قالت ملاك بصوت مرتبك وهي تتمسك بتنورتها بتوتر: بخير..
اما مازن فقد قال: هذه ابنة عمي التي حدثتك عنها.. وهي ليست ابنة عمي وحسب بل وخطيبتي ايضا..
ابتسم له الطبيب وقال وهو يتطلع الى الملف الذي امامه: سأسألك بعض الاسألة يا آنسة ملاك.. وارجو ان تجيبي عليها بدون ادنى حرج .. فأنا طبيبك الخاص الذي سيشرف على حالتك ..
أومأت ملاك برأسها دون ان تعلق..فقال الطبيب متسائلا: اخبريني يا ملاك.. متى اصبت بعجزك هذا؟..
قالت ملاك مجيبة: عندما كنت في الثانية من عمري..
قال الطبيب وهو يتطلع الى الملف الذي امامه ويدون بعض الملاحظات: نستطيع القول ان ذلك قد حدث قبل ستة عشرة عاما..حسنا.. وهل تم عرضك حينها على احد اخصائي الاعصاب والمخ اواحد اخصائي العلاج الطبيعي؟..
قالت ملاك وهي تعود بذهنها الى الوراء.. لعدة سنوات قد مضت: حسبما يقول ابي.. فبعد ان علم بالعجز الي اصابني.. اخذني الى عدة مستشفيات ولكن جميعم اجمعوا على انه لا توجد علاج لحالة الشلل الذي اعانيه.. حتى انه قال لي انه بعد عام من اصابتي قد اخذني الى الخارج لمستشفيات شهيرة دون أي امل في الشفاء..
تطلع لها الطبيب بتفهم.. في حين قال مازن وهو يحاول ان يزرع الامل في قلبها ويضاعفه: لكن هذا قد حدث قبل وقت طويل والعلم في تطور مستمر..
قال الطبيب بهدوء: معك حق.. ومتى كانت آخر مرة زرت فيها اخصائيا..
اجابته ملاك وعيناها على مازن الذي كان يحاول تشجيعها بنظراته: قبل ثلاثة اعوام..
قال الطبيب وهو يرفع رأسه لملاك: حسنا.. هل لديك أي صور توضح مدى الاصابة في العمود الفقري؟.. ام تحتاجين لعمل أخرى هنا؟..
سلمه مازن مظروف بني اللون وقال بهدوء: هذا هو ما طلبته..
فتح الطبيب المظروف ونقل بصره بين الصور التي اخذت لمنطقة العمود الفقري ومدى التضرر الذي اصابه.. ومن ثم قال:ان العجز الذي اصابك كان بسبب كسر بعض الفقرات في عمودك الفقري وضغطها على الحبل الشوكي.. مما سبب إصابة جزئية للحبل الشوكي.. أي أن جزءا معيناً من الحبل الشوكي مصاب وليس كله ..ونتيجة لذلك قد يكون هناك مقدار ضئيل من عدم الإحساس أو ضعف الحركة تحت موضع الإصابة.. اسفر عنها عدم مقدرتك على السير على قدميك من جديد..
واردف قائلا وهو يتطلع الى ملاك: وسأحاول اولا ان اختبر مدى استجابتك لاعادة التأهيل الذي ستخضعين له في العلاج الاولي ..
قالت ملاك متسائلة وهي لم تفهم نصف ما قاله: ما الذي تعنيه باعادة التأهيل؟..
ابتسم لها الطبيب وقال وهو يحاول الشرح: مجرد تدريبات وحركات ستقومين بها لارى مدى استجابة اعصاب قدميك للعلاج..
واردف قائلا: لكن اولا اريني كيف يمكنك الانتقال من مقعدك .. لهذا المقعد..
قالها وهو يشير على المقعد المجاور لمكتبه.. فالتفتت ملاك للمقعد المقصود ثم لم تلبث ان رفعت جسدها كعادتها بكلتا ذراعيها.. والقت بثقله على المقعد المجاور لنكتب الطبيب.. فهز هذا الاخير رأسه وقال برضا: جيد انك تستعملين عضلات يدك للانتقال من مكانك.. لكن اخبريني اتشعرين بأي الم حينها؟..
غمغمت ملاك قائلة: الم بسيط جدا عند آخر الظهر تقريبا..
قال الطبيب بهدوء: هذا بسبب الفقرات المكسورة..
والتفت لمازن قائلا: هل لك ان تنقلها الى ذلك السرير؟..
التفت مازن خلفه ليتطلع الى السرير الذي عناه الطبيب ..وابتسم قائلا وهو يومئ برأسه: بكل تأكيد..
واقترب من ملاك التي عادت لتجلس على مقعدها المتحرك.. ودفع مازن هذا الاخير حتى نهاية الغرفة الصغيرة.. حيث فراش الفحص..وقال وهو يميل باتجاه ملاك: اعلم انك لن تستطيعي ان تجلسي عليه بمفردك.. لهذا اسألك منذ الآن.. اتودين مساعدة مني انا ام من الطبيب؟..
قالت ملاك بارتباك: لست اعرف الطبيب لاطلب منه أي مساعدة ..
ابتسم مازن وقال: افهم من كلامك انك تطلبين مني انا المساعدة.. فليكن..
واردف بصوت هامس بعض الشيء: ولكن لا تصرخي وتقولي (مازن انزلني) ومن هذا الحديث.. فعندها انت من سينحرج..
ابتسمت ملاك بحرج وتوردت وجنتاها وقالت بتلعثم وارتباك: مازن ارجوك.. يكفيني ما انا فيه..
قال مازن مبتسما بمرح: فليكن.. لن افعل الا ما تريدينه ..اخبريني الآن ما الذي تريدينه بالضبط؟..
قالت ملاك وهي تتحاشى النظر اليه حتى لا تشعر بخرج وارتباك اكبر: ساعدني لان اجلس على السرير..
مال مازن نحوها وابتسامته لا تزال على شفتيه وحملها بين ذراعيه ليجلسها على الفراش.. وابتعد عنها قائلا بابتسامة مرحة: نُفذ الامر يا ملاكي..
تطلعت له ملاك بنظرة مرتبكة.. في حين تقدم منهما الطبيب وقال بهدوء:لا تقلقي يا ملاك.. انا سأختبر اعصاب قدميك فحسب ..
تنحى مازن جانبا تاركا الطبيب يتقدم من ملاك وينحني باتجاه احد قدميها..ويحاول تحريك ساقها فاردا اياها ومن ثم يعاود ثنيها.. وقال وهو يتطلع الى ملاك متسائلا: بم تشعرين؟..
قالت ملاك وهي تهز رأسها: لا شيء..
طلب منها ان تخلع حذائها ومن ثم قال: حاولي تحريك اصابعك.. ولو حركة بسيطة جدا..
حاولت ملاك مرارا وتكرارا ومن ثم قالت بشحوب: لا استطيع ..
قال مازن برجاء: حاولي يا ملاك..
عادت ملاك لتحاول وهي تبذل اقصى ما تستطيع من طاقة ومن ثم قالت وهي تتنهد: صدقني لا استطيع..
طلب منها الطبيب ان تضع ساقيها على طول الفراش ومن ثم قال: سأثني وافرد ساقيك.. انها مجرد تمارين لعضلات رجلك..
راقب مازن الطبيب الذي يقوم بعمله.. وملاك التي كانت بذل اقصى ما تستطيع من طاقة معه.. راقبها بكل حواسه وهو يراها تحاول تنفيذ كل ما يطلبها منها الطبيب وهي لاتزال متمسكة بالامل ان تستجيب اعصاب رجلها لأي حركة ..
اما ملاك فقد كان ذهنها بالحلم الذي يراودها احيانا اثناء نومها.. والذي يجعلها تتمسك بالامل اكثر واكثر.. كلما تذكرت وقوفها على قدميها وابتسامة مازن الحانية وهو يتطلع اليها حينها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت مها الى والدها بترقب الذي كان يسرد عليها تفاصيل ما حدث قبل ايام .. وقال بلهجة تحمل بعض الاسى والحسرة: كنت سأقبل بحسام يا مها .. صدقيني .. لولا ذلك الاتصال الذي جاءني قبل اسبوع تقريبا.. فلقد اتصل بي عادل ليخبرني انه يريدك زوجة لابنه..وعندما رفضت ذلك بحجة ان ابنه لم ينهي دراسته.. قال ان ذلك ليس عذرا لانه سينهيها طال الزمان او قصر وهو ابن عم لك واحق بك من أي شخص آخر..
قالت مها بحدة وهي تزفر بألم: ما هذا المنطق؟.. يجب علي ان اتزوج ابن عمي لانه ابن عمي فقط.. وليس لاني اريده مثلا ..
قال والدها بهدوء: لست مع هذا المنطق ابدا.. ولكن ما حدث هو اني قد رفضت واخبرته انك لا تزالين صغيرة.. وعندها هددني بطريقة غير مباشرة بقوله.. اني اذا لم اقبل زواج احمد بك..سيتخذ اجراء لن يعجبني.. هو وفؤاد..وهذا يعني انه يشير بأنه سيسحب رأس ماله ورأس مال فؤاد من الشركة والذي يعد ثلثي ميزانية الشركة.. وعندها ستكون الشركة في خطر .. وقد...
صمت قليلا ومن ثم قال وهو يلتفت لها بحزن: وقد تتعرض الشركة للافلاس بعدها ..
قالت مها بصدمة: ماذا؟.. الافلاس؟..
اومأ برأسه وقال وهو يلتفط نفسا عميقا: لهذا وضعت سعادتك بكفة.. وسعادتكم جميعكم في كفة.. بما فيكم ابنة عمك ملاك التي اصبحنا مسئولين عنها.. ورجحت كفة اخوتك.. ولهذا قررت ان اكون قاسيا عليك لأجلكم جميعا.. ومن اجل الحياة التي تعيشونها.. لا اريد ان اكون ظالما يا مها .. لا بالنسبة لك ولا بالنسبة لاخوتك.. لهذا اردت ان اوضح لك السبب الذي سيجعلك تعذرين والدا اختار سعادة ابناءه جميعا على سعادة احدهم..
لم تعرف مها ماذا تقول او كيف تتكلم؟..اي كلمات تستطيع قولها لوالدها.. تقول له بكل بساطة فلتضيع شركاتك وتعب كل هذه السنين من اجل سعادتها هي وحسام؟!.. ام تقول له ان باستطاعتي ان اقتل نفسي وارتبط بانسان لا اطيقه من اجلكم؟!.. كلا الحلان مرين.. وكل حل امر من الثاني.. وعليها ان تختار.. اسرتها ام حبها؟ .. وقوفها الى جوار والدها واهلها ام انانيتها برغبتها في ان تكون لمن تحب؟ .. دون ان تهتم بوالدها وشركاته واشقاءها ..
واجابت دموعها التي ترقرقت في عينيها بكل مرارة.. فقال والدها متسائلا بحنان: لم البكاء الآن يا مها؟.. لقد اخبرتك باسبابي حتى تعذري اباك في ظلمه لك..
التفتت له مها وقالت بصوت مختنق ودموعها تصارع لان تسيل على وجنتيها: الا يوجد حل يا والدي؟.. الا يوجد حل لنتخلص من تهديدهم لنا؟.. في كل مرة رغبوا فيها بشيءمنك.. هددوك برأس مالهم في الشركة..
قال امجد بشحوب: هناك حل..
قالت مها بكل لهفة في اعماقها وهي ترى امامها بارقة امل قد تبدد الكابوس الذي تحياه: وما هو؟..
تنهد والدها ومن ثم قال: ان يشاركني احدهم ولو بنصف المبلغ الذي سيسحبه عادل وفؤاد..وبالتالي استطيع تعويض الخسارة التي ستتعرض لها الشركة..
قالت مها وهي تحاول جاهدة التفكير: اطلب ذلك من اصدقائك او من تعرفهم من رجال الاعمال..و فكر في بيع عماراتك ..
- كل من تعرفينهم من اصدقاء او رجال اعمال.. لن يمنحوني قطعة نقدية واحدة مادام فؤاد وعادل غير موافقين.. فهذين الاخيرين لهما كلمتهما في عالم رجال الاعمال.. هذا غير ان بيعي لجميع العمارات التي امتلكها.. لن يغطي الا ربع المبلغ..
التفتت عنه مها وقالت بصوت اشبه بالهمس ودموعها قد انتصرت لتسيل على وجنتيها بكل حرقة: اذا الحل الوحيد هو ان اقتل نفسي لتعيشوا انتم..
وضع والدها يده على كتفها وقال بهدوء: مها انا واثق في انك ستفكرين جيدا وستختارين مصلحة والدك.. وواثق ايضا انك ستغفرين لي ظلمي هذا – ان كنت ترينه كذلك- في يوم ..
قالت مها بقلب قد سالت دماءه بعد ان اكتفى من الطعنات: سأفكر جيدا وبعدها.. سأخبرك بقراري..
ونهضت من مكانها لتقول وهي تغمض عينيها بألم: حتى وان كان هذا على حساب كل لحظة جميلة احسست بها في حياتي..
وكورت قبضتيها بحزن كبير ومرارة اكبر.. وهي تنطلق مغادرة غرفة والدها.. وراقبها هذا الاخير وقال وهو يتنهد: سا محيني يا مها.. سامحيني يا ابنتي ..هذا ليس من اجلي .. بل من اجلكم انتم..
وعاد ليتنهد بحرارة وهو يتمنى لو يستطيع ايجاد حل ينقذه من سيطرة عادل وفؤاد.. ويعيد البسمة الى شفاه ابنته.. التي اصبح الحزن والالم هما رفيقيها منذ ان علمت بأن حسام لم يعد لها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء التاسع والثلاثون
"النور.. اخيرا"
احاديث متفرقة كانت تجمع بين الناس في ردهة الانتظار بالمشفى.. وكل شخص فيهم ينتظر دوره بفارغ الصبر.. واخيرا فتح ذلك الباب الذي اطل منه شاب فارع القوام و يتحلى بوسامة محببة.. ويرتدي زي يدل على ثرائه.. وكان يدفع مقعدا متحركا تجلس عليه فتاة بريئة الملامح والجمال.. شعرها الاسود الطويل اكثر ما يميزها وهو يخلق لوحة فنية رائعة مع لون بشرتها الناصعة البياض.. ليزيد جمالها البرئ روعة ..
وتحدث اليها ذلك الشاب وقال وهو يميل نحوها بهدوء:كيف حالك الآن؟.. واتشعرين بأي تحسن؟..
قالت الفتاة مبتسمة: لا.. ماذا كنت تظن ان اجري منذ اول يوم لي في الكشف فحسب؟..
رفع الشاب حاجبيه وقال بابتسامة: كأني المح سخرية مما قلته ..
ضحكت الفتاة وقالت: كلا.. ولكنك تريد ترى نتيجة ايجابية منذ اليوم الاول..
قال الشاب في سرعة: ذلك لاني اريدك ان تتعافي يا ملاك.. ليس لاجلي بل لأجلك انت.. اريد ان اراك سعيدة الى الابد ..
قالت ملاك بنظرة شاردة: واذا لم يكن هناك أي نتيجة او استجابة ولم اتعافى.. ما الذي ستفكر فيه من ناحيتي يا مازن؟ ..
قال مازن باستغراب: ما الذي تعنينه بقولك هذا؟..
قالت ملاك وهي تلتفت له نصف التفاتة: اعني انك بكل تأكيد على امل ان اشفى من ما اعانيه من عجز .. ولكن ماذا لو لم اشفى؟ .. ما الذي ستفعله حينها؟..
توقف مازن عن السير ليضغط زر المصعد ومن ثم قال بابتسامة شاحبة: وما الذي ترينني افعله الآن؟.. لقد اخبرتك قبل قليل وسأعيدها على مسامعك.. كل ما افعله لاجلك انت يا ملاك .. صدقيني .. لا يهمني ان تقفي على قدميك بقدر ما يهمني ان ارى في عينيك فرحة شفاءك..
عقب قوله وصول المصعد.. فدقع مازن ملاك الى داخله ودخل اليه من خلفها.. فقالت ملاك بنظرات متوترة: احقا يا مازن؟.. لن يختلف شيء لو لم اتعالج؟..
عقد مازن ذراعيه امام صدره واستند الى جدار المصعد.. ومن ثم تطلع اليها قائلا: انا عرفت ملاك التي امامي الآن.. عرفتها بكل صفة جميلة جذبتني اليها.. عرفتها بعنادها وبرائتها .. عرفتها بابتسامتها وخجلها.. ولهذا لا اريد سوى ملاك هذه .. سواء وقفت على قدميها من جديد ام لا.. فلا يهمني الا ان تكون هي بشخصيتها وبروعتها..
تطلعت اليه ملاك بنظرة جمعت ما بين الحب والامتنان.. لهذا الشخص الوحيد الذي نبض له قلبها ..وارتسمت ابتسامة خجلة على شفتيها لتعبر عن احراجها لما قاله.. وتطلع اليها مازن بنظرات حانية جعلت نبض قلبها يتسارع.. وحمدت الله في تلك اللحظة ان باب المصعد قد فتح لتتهرب من الارتباك الذي اصابها .. واقترب مازن من مقعدها بهدوء ليدفعه ويخرج معها من المصعد ..ليتوجه الى مواقف السيارات حيث سيارته.. وقال محاولا تبديد الصمت الذي غلفهم طوال خمس دقائق: ملاك..
قالت ملاك دون ان ترفع رأسها اليه: اجل..
قال بابتسامة هادئة: انتظريني في السيارة لدقائق فقط.. سأذهب واعود اليك..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا..ولكنها تساءلت قائلة:والى اين ستذهب؟..
اقتربا في تلك اللحظة من سيارة مازن.. فاحتلت ملاك مقعدها وابتسم لها مازن وقال وهو يمسك بكفها بحنان: لحظات واعود يا ملاكي..
ابتسمت له ملاك.. وترك هو كفها قبل ان يغلق الباب .. ويفتح صندوق السيارة ليضع فيه مقعد ملاك.. ومن ثم يسرع مبتعدا .. ولاحقته ملاك بنظراتها لعلها تعلم وجهته.. لكن بصرها لم يمتد الا لبضع دقائق ومن ثم اختفى مازن من امام ناظريها..
وتلفتت حولها لتشغل نفسها بأي شيء.. ولم تجد سوى ورقة مطوية مرمية في دُرج السيارة..فالتقطتها وفتحتها لتقرأها وتجد انها مجرد فاتورة لشراء بعض الادوات التي تخص السيارة .. وعادت لتتلفت حولها وترى من عبر النافذة الى الناس المنشغلة بحياتها.. وكل فرد منهم يريد تحقيق ما جاء اليه..
وشردت بذهنها بعيدا دون ان تنتبه لاقتراب مازن من السيارة من جديد.. وفتحه للباب المجاور لها.. وشعرت بغتة بأنامل تداعب وجنتها..فالتفتت في سرعة الى صاحبها ومن ثم لم تلبث ان زفرت بحدة قائلة: اخفتني..
ابتسم لها مازن وقال: فيمن كنت تفكرين؟..
قالت بابتسامة لتغيظه وترى ردة فعله: كنت افكر في ..كمال..
عقد مازن حاجبيه بضيق.. والتفت عنها بحنق.. فقالت ملاك بحيرة: مازن لقد كنت امزح.. لا تقل انك قد صدقت ما...
قاطعها مازن في سرعة وهو يلتفت لها: اذا كنت تحملين لي أي مشاعر في قلبك.. فأرجوك.. لا تتحدثي عنه امامي..
قالت ملاك باستغراب: انه شقيقك ..
قال مازن برجاء: ارجوك يا ملاك.. لست اطلب الكثير..
تنهدت ملاك وقالت : فليكن.. لكن لم تخبرني .. الى اين ذهبت؟..
قال مازن وهو يتطلع اليها: اغمضي عينيك اولا..
قالت ملاك وهي ترفع حاجبيها: ولماذا؟..
هز مازن كتفيه وقال: لانها مفاجأة.. هيا اغمضي عينيك ..
اغمضت ملاك عينيها كما طلب منها وقالت بابتسامة: لنرى ما هي هذه المفاجأة التي تطلب ان اغمض عيني لأجلها..
قال مازن بسخرية: كل ما تحبين من انواع الحشرات..
شهقت ملاك بقوة وفتحت عينيها قائلة: لابد وانك تمــ...
بترت عبارتها على مرأى الهاتف المحمول الذي يحمله مازن على مقربة منها وقال مبتسما: ما رأيك؟..
تطلعت اليه بدون فهم.. كان صغير الحجم يجمع ما بين اللون الوردي والرمادي..وكان صغر حجمه يجعل الناظر له يرغب في لمسه والامساك به.. واقتربت يد ملاك لتلمس شاشته وقالت وابتسامة تتراقص على شفتيها: جميل جدا.. لكن لا اظنه يناسبك..
ضحك مازن وقال: ومن قال انه لي..امسكيه فقط ..
امسكت به ملاك واخذت تقلبه بين يديها وتتفحصه.. فقال مازن مردفا وهو يميل نحوها: انه لك..
التفتت له ملاك وقالت بدهشة كأنها لم تتوقع ما قاله: لي انا؟..
اومأ مازن برأسه وقال بحنان: بلى لك..الم ترغبي في الحصول على احد الهواتف المحمولة؟..
التفتت عنه ملاك وقالت بحيرة واستغراب: بلى ولكن.. تحدثت في هذا الامر مع ابي.. ولم يعلم به مخلوق سوانا..
قال مازن وهو يحرك اصبعه السبابة نفيا:مخطأة.. لقد تحدثت بذلك امامنا جميعا..
قالت ملاك واستغرابها يزداد: متى؟؟..
قال مازن بصوت خافت وكأنه لا يريد تذكريها بالحادث المؤلم: قبل ان يصاب والدك بما اصاب به.. وفي المشفى عندما ذهبنا اليه جميعا.. تحدثت اليه واخبرك انه قد جلب لك الهاتف الذي طلبته.. وحينها قلت انك لا تريدين أي شيء سواه هو.. هل هذا ما حدث ام انا مخطئ؟..
ومع ان مرور هذه الذكرى قد اعاد على ملاك الحزن.. لكنها قالت في سرعة وبابتسامة شاحبة: كيف تذكر كل ذلك؟.. لم اكن اتوقع ان ذاكرتك بهذه القوة؟..
وتطلعت الى الهاتف الذي بين يديها ومن ثم التفتت له لتقول بامتنان: لا اعرف كيف اشكرك يا مازن..كان شرائك لهذا الهاتف.. مفاجأة لي حقا..
قال مازن مبتسما وهو يدير محرك السيارة وينطلق بها: ان اردت شكري.. فيمكنك ذلك..
- وكيف؟..
قال بمرح : اتصلي بي يوميا بهذا الهاتف..
قالت ملاك بابتسامة واسعة: يكفي انك تراني في منزلكم طوال اليوم تقريبا..كذلك اتصل بك ايضا وانت خارج المنزل ..ستمل حقا حينها..
قال مازن وهو يغمز لها: اذا لم تتصلي بي ..سأتصل انا بك..
لم تسمع ملاك ما قاله تقريبا.. فقد كانت منشغلة بهذا الجهاز الصغير الذي بين يديها..وظلت تعبث بكل زر فيه.. وترى كل قائمة موجودة فيه.. واثار انتباهها قائمة الاسماء الذي كانت فارغة الا من اسم مازن.. وابتسمت ابتسامة واسعة وهي تفكر في هذا الشاب الجالس بجانبها.. الهذه الدرجة اهتم بتسجيل اسمه في هاتفي؟..
اما مازن فقد توقف امام المنزل والتفت اليها قائلا وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة وهو يراها تتفحص الهاتف بكل حواسها: ملاك.. لقد وصلنا..
تساءلت ملاك قائلة دون ان تنتبه لما قاله: هه.. ماذا تقول؟..
قال مازن وهو يرفع من نبرة صوته قليلا لعلها تنتبه له: اقول اننا قد وصلنا ..
قالت ملاك دون ان ترفع عينيها له: حسنا ..حسنا..
وعادت لتتطلع الى الهاتف من جديد.. وشهقت بغتة عندما جُذب الهاتف من بين يديها وصوت مازن يقول: لم اشترِ لك الهاتف حتى تنسي وجودي..
التفتت له ملاك وقالت متسائلة بابتسامة: لم اسمك هو الوحيد الذي قمت بحفظه بهاتفي؟..
قال مازن بغرور: لانه الاهم..واي اسم آخر يمكنك ان تحفظيه انت متى شئت..
قالت ملاك وهي ترفع احد حاجبيها: واثق جدا..
قال مبتسما: دعينا من هذا واخبريني.. الديك أي شيء غدا مساءا؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا.. لم؟..
قال وابتسامته تتسع: لانك مدعوة على العشاء مع اوسم شاب في المدينة..
قالت ملاك مازحة: واين هو؟.. انا لا اراه..
قال مازن بسخرية: لانك تتلفتين حولك.. ولا تنظرين امامك ..
نظرت اليه ملاك وقالت مبتسمة: وها انذا الآن انظر امامي ..فأين هو؟..
امسك مازن ذقنها ليرفع وجهها اليه ويتطلع الى عينيها مباشرة ويقول بصوت هامس: الم تريه بعد حقا؟..
ارتبكت ملاك في شدة.. واضطربت ملامحها لتجعلها تبعثر نظراتها يمنة ويسرة لعلها تهرب من نظرات مازن التي تحاصرها .. وعاد صوت مازن ليقول بهمس ارجف جسدها: هل رأيته الآن يا ملاك؟..
قالت ملاك ووجنتيها تتوردان بحمرة قانية: ارى امامي مازن.. لا يهمني ان كان اوسم شاب في المدينة ام لا .. مايهمني انه هو وحسب..
ارتسمت ابتسامة حانية وواسعة على شفتي مازن وقال متسائلا بلهفة: ملاك.. هل...
قاطعته ملاك قائلة بارتباك وهي تشيح بوجهها لتخفف من ارتباكها وتستطيع التنفس بشكل منتظم: انزل لي مقعدي يا مازن.. حتى ادخل الى المنزل..
قال مازن في سرعة ولهفة: اخبريني اولا.. ماهو شعورك تجاهي؟..
التفتت له ملاك بدهشة وحيرة وقد استغربت سؤاله.. ولكنها عادت لتشيح بوجهها قائلة وهي تطرق برأسها: ليس قبل ان اعرف ماهو شعورك تجاهي انا..
قال مازن وهو يتطلع اليها: الم تعرفي بعد ماذا تعنين لي يا ملاك؟..
قالت ملاك بألم: لم اعد اعرف أي شيء بعد ما حدث..
قال مازن وهويتنهد:يبدوا وانك لن تنسي هذا الموضوع ابدا..
وهبط من السيارة بعد ان فتح صندوقها الخلفي..ليخرج مقعد ملاك منه و يتنهد وهو يتطلع اليه.. وهو يتمنى في اعماقه لو يستطيع تحطيم هذا المقعد ليرى ملاك تسير على قدميها من جديد..
وملاك شعرت انه قد تضايق مما قالته.. لكن كيف لها ان تنسى؟.. اصعب جرح هو جرح الخيانة .. ومن اكثر شخصا تعشقينه بكل ذرة في كيانك..هذا الجرح الذي تظل دماءه تنزف بكل الم ومرارة دون ان تبرئ يوما ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تسللت اشعة الشمس بكل تمرد من بين ستارة النافذة لتنشر نورها الذهبي على ارجاء تلك الغرفة التي لم يسمع فيها أي صوت عدى شهقات من على ذلك الفراش.. ولو اقتربنا قليلا لعرفنا ان مصدر تلك الشهقات كانت فتاة اخفت وجهها بين ركبتيها وهي تضمهما الى صدرها بكل حزن والم وحرقة..
ورفعت وجهها عن ركبتيها لنرى ان وجهها قد بات غارقا بالدموع.. وان بدت ملامح الاسى والعذاب وكأنها جزء من ملامحها .. تشرح فيه معاناة هذه الفتاة وما تشعر به في تلك اللحظة .. ونطقت بكلمة واحدة لم يسمعها أي احد.. قالت بصوت اشبه بالهمس وبكل حرقة في قلبها: لماذا؟..
وعادت لتدفن وجهها بين ركبتيها لتقول بصوت باكي: لماذا انا؟.. لماذا انا من عليها ان تموت ليحيا الجميع؟.. لماذا انا من عليها ان تضحي وتعيش في شقاء ليسعد الجميع؟.. لماذا؟.. اليس من حقي ان احيا وافرح انا الاخرى؟.. الست بشرا من لحم ودم.. ومن حقي ان اختار الشخص الذي ارتبط به بدلا من ادفن نفسي مع اكثر شخص احقد عليه .. اخبروني لماذا؟..
وطوقت رجليها بذراعيها لتقول بصوت مختنق: وانت يا حسام .. وانت.. ما الذي ستفعله لو قبلت بهذا الزواج؟.. ستنساني مع مرور الوقت .. ام انك ستتعذب في اليوم الف مرة كما اتعذب انا.. حسام .. انا اريدك انت.. لقد وعدتك ان لا اكون لسواك.. لكن ماذا عساي ان افعل؟.. وانا اجد مصير الجميع بين يدي الآن.. مصير والدي واشقائي في يدي.. فاما ان اتخلى عنهم جميعا واكون انانية في نظرهم.. واما ان اضحي لأجلهم واكون خائنة في نظرك.. اخبرني يا حسام .. فأنت الوحيد الذي يمكنه ان ينصحني.. ماذا افعل الآن؟.. ماذا؟..
وتطلعت الى ساعة المنبه التي كانت عقاربها تشير الى الخامسة فجرا وهي لم يغمض لها جفن حتى الآن.. كيف تنام وقد يكون يوم اعدامها قريبا جدا.. كيف يغمض للمظلوم جفن وهو سيتلقى عقابا قاسيا على جريمة لم يرتكبها؟..ليت قلبي لم يخفق بحبك يا حسام.. وليته لم ينبض بكرهك يا احمد.. ليتني لم اكن بشرا بل مجرد تمثال لا يشعر بشيء مما حوله..
وبين افكارها تلك.. وجدت اناملها تمتد لتمسك بهاتفها المحمول.. وترسل رسالة قصيرة منه.. رسالة صبت فيها حقدها وكرهها .. وارسلتها لاحمد.. رسالة كانت كلماتها تقول..(ستندم على اليوم الذي فكرت فيه مجرد تفكير بقرارك الاحمق هذا)..
لقد هددها احمد سابقا انه سينتقم منها على مافعلته به ..ولكنه لم ينتقم وحسب.. بل دمرها.. حطمها .. أحالها إلى هشيم.. بقايا فتاة .. ببقايا جسد وروح..
ودون أي احساس منها.. وجدت اناملها تضغط على ازرار رقم حسام..وكأنها تطلب منه ان يمنحها بعض القوة لكي تستطيع ان تصبر على ما تعانيه.. دون ان تدرك ان حسام هو الذي يحتاج لمساندتها في تلك اللحظة ليرتاح مما يعانيه من من عذاب ..وجاءها صوته القلق المجهد في طياته ليعبر لها عما يعانيه في تلك اللحظة وهو يقول:ماذا بك يا مها؟.. لم تتصلين في هذا الوقت؟.. هل حدث شيء ما؟..
وكادت مها تتراجع من التصريح له بما حدث وهي تستمع الى صوته المتعب.. فهو حقا ليس بحاجة لمضاعفة همومه بمثل هذا الخبر الذي سيكون وقعه اشبه بالصاعقة التي ستصعق كيانه وتزلزل مشاعره .. وقالت وشفتيها ترتجفان ودموعها تنذر بالسقوط من جديد: هل .. هل ايقظتك؟..
قال حسام بسخرية مريرة: لم انم حتى استيقظ..
قالت مها وهي تزفر بحرارة: ومن يستطيع النوم في ظل هذه الظروف؟..
قال حسام متسائلا فجأة: ما الذي دعاك للاتصال بي في هذا الوقت يا مها؟.. بالتأكيد قد حدث امر ما..فأنت لن تتصلي الا لو كان الامر مهما جدا..
ارتجفت شفتا مها مرة اخرى وقالت بصوت يقطر الما ومرارة: انا بحاجة اليك يا حسام.. انهم يريدون قتلي.. يريدونني ان اموت ليعيشوا هم بسعادة..
لم يتوقع حسام ان تتفوه بكلمات كهذه..فقال بخوف وقلق بالغين:من هم يا مها؟.. من هم الذين تتحدثين عنهم؟.. من هم الذين يفكرون بقتل حبيبتي الغالية؟.. من هم؟..
قالت مها ودموعها تساقطت من تأثير كلماته:يريدوني ان ادفن نفسي حية ليعيشوا هم بكل سعادة وهناء..
قال حسام وقد بلغ الخوف منه مبلغه: من هم يا مها؟.. اخبريني من هم؟..
لم تعلق مها ولم يسمع حسام على الطرف الآخر الا صوت شهقاتها.. فقال بعصبية ولدتها خوفه عليها: اخبريني يا مها او اقسم ان آتي اليك الآن..
اسرعت مها تقول وهي تمسح دموعها: لا .. ارجوك لا تفعل.. انها الخامسة والنصف.. ماذا سيظنون بك لو اتيت؟..
قال حسام وهو يعقد حاجبيه : اذا اخبريني انت..
تعثرت الكلمات على شفتيها.. وترددت قبل ان تخرج من بينها لتصف عبارة كانت اشبه بالخناجر التي طعنت قلب حسام بكل قسوة: يريدون تزويجي احمد..
كانت الصدمة التي تلقاها حسام من كلماتها جعلت لسانه ينعقد وعقله ينشل عن التفكير بأي شيء..جعلته يشعر ان انفاسه قد توقفت في تلك اللحظة وقلبه توقف عن النبض..فلم يعد له حاجة لأن يعيش بعد هذه القنبلة التي قذفتها مها في وجهه ..
وشعرت مها بالخوف عليه وهي تراه صامت هكذا دون ان ينطق بحرف واحد..وقالت بصوت ارتجفت فيه كلماتها: حسام.. هل انت معي؟.. حسام.. لم لا تتحدث؟..
واخيرا نطق حسامقائلا بكلمات مقتضبة وجامدة شعرت مها معها ان الروح قد سلبت منه : ذلك الوغد الحقير..سحقا له..
قالت مها بصوت متحشرج وهي تحاول مسح دموعها التي لا تتوقف: انا بحاجة اليك.. اخبرني ماذا افعل؟..
قال حسام متسائلا فجأة: وهل تفكرين في امر غير الرفض اساسا؟..
قالت مها وهي تغمض عينيها بمعاناة: انت لا تعلم الجحيم الذي احيا فيه.. لو رفضت سأكون انانية في نظر الجميع وان وافقت سأكون خائنة في نظرك..
قال حسام والنار تسعر بصدره: ارجوك يا مها اوضحي.. بالله عليك قبل ان اجن..
اخبرته بالامر بكلمات مقتضبة..واكملت قائلة وهي تعتصر الهاتف بين اناملها لعلها تفرغ بعض من الحزن الذي تعاني منه: لهذا اخبرتك اني سأكون انانية في نظرهم لو اني رفضت هذا الزواج..فتاة لا تحب سوى نفسها ومصلحتها متجاهلة اسرتها واقرب الناس اليها.. ولو فكرت بالموافقة.. قسأدفن حية مع اكثر شخصا ابغضه .. وستراني انت دائما كفتاة خائنة..
ولما لم تجد ردا منه قالت وهي تحاول التقاط انفاسها: حسام.. انا وعدتك اني لن اكون لسواك.. لكن...
صمتت ولم تكمل.. فأكمل حسام عنها قائلا : لكن الظروف احيانا ترغمنا على نقض وعودنا.. اليس هذا ماتريدين قوله؟..
همت بقول شيء ما.. ربما لانها تريد ان توضح له موقفها.. ولكنه قال بصرامة: مها.. انا اعلم جيدا انك كثيرا ما ضحيت بنفسك من اجل غيرك.. ولكن انت لن تضحي بنفسك وحدها هذه المرة.. بل ستضحين بي انا ايضا..
فاضت الدموع من عيني مها وقالت بصوت باكي وبقلب مجروح: حسام انا .. احبك.. لا اريد ان اكون لسواك.. صدقني يا حسام.. الموت عندي اهون من ازف ليوم اعدامي..
قال حسام بابتسامة مريرة: لو نطقت بكلمة الحب هذه قبل ساعة فقط.. لربما كنت حلقت من السعادة.. ولربما لم استطع ان اعبر عن مشاعري لك.. ولربما نسجت معك احلاما مشتركة.. اما الآن.. فلم اعد اشعر بأية سعادة لسماعها .. بل على العكس.. لقد زدت جروحي وآلامي بقولها .. جرحا والما آخرين- وكأن هذا ما ينقصني- وانا اجدك تزفين الي خبر تزويجك من احمد.. وموافقتك المبدئية عليه..
هتفت مها بصوت حاد: اخبرني انت ..اخبرني ماذا عساي ان افعل وانا اجد مصير اسرتي بين يدي؟.. لا استطيع التضحية بهم من اجل سعادتي..
قال حسام بحنق ومرارة وهو يتنهد: ولكنك تستطيعين التضحية بي انا.. فلأمت انا .. فلن يهم ذلك كثيرا..
صاحت مها بصوت باكي ومنفعل: لو لم اكن اهتم بك كما تقول.. لما اتصلت بك وطلبت سماع رأيك..
قال حسام وهو يزفر بحدة ويحاول السيطرة على اعصابه ومشاعره: رأيي لن يعجبك .. ربما تقولين عنه رأي من شخص اناني.. ولكني على العكس من ذلك.. انا شخص يفكر بمنطقية لهذا اقول لك ان لا تضحي من اجل اسرتك.. وان ترفضي هذا الزواج..
اتسعت عينا مها وقالت بصدمة : ماذا تقول؟.. هذا لانها اسرتي وليست...
قال حسام بحدة مقاطعا اياها: قبل ان تطلقي أي احكام.. احب ان اوضح لك بأن قراري هذا ليس لانها اسرتك او اسرتي.. بل لان عميّك فؤاد وعادل.. قد استغلوا نقطة الضعف في والدك واصبحوا يهددونه بها.. ولكن لو واجههم كما فعل عمك خالد.. لما استطاعوا التحكم بكم ابدا..
قالت مها بصوت مرتجف: ولكن .. والدي قد يفلس..
- ذلك لان والدك قد ترك لهم الحبل على القارب.. ليتصرفوا بأمواله كما يشاؤون وليحولوا ارباح شركته لهم ويحضى بالربح القليل..
قالت مها بحزن: انا لا افهم كل هذا.. كل ما افهمه ان عائلتنا قد تفلس..لو رفضت هذا الزواج..
قال حسام بقسوة: اذا اقبليه.. وانسي عاشقا ابلها فكر بالارتباط بك في يوم..
واردف بصوت غاضب تغلب عليه اللوم والالم: وداعا يا.. ابنة العمة..
شعرت مها بانقباض في صدرها فجأة جعلها تهتف: انتظر يا حسام..
لكنه كان اغلق الهاتف.. وانهى الوسيلة الوحيدة التي كانت توصلهما ببعضهما دائما.. وانهارت مها مرة اخرى.. انهارت وهي ترى نفسها تفقد الكثير .. فقدت حلمها بالارتباط بمن تحب.. فقدت رغبتها في الاختيار لمن تراه شريك حياتها.. فقدت كرامتها بالزواج من شخص تكرهه .. وهاهي الآن تفقد اغلى الناس على قلبها.. حبها الاول .. والاخير..
وسقطت على الارض لتغرق في بكاء مرير وهي تخفي وجهها بين كفيها.. لعلها تستيقظ من هذا الكابوس..او لعلها تختفي من هذا العالم دون رجعة..
((مها.. لا تبكي))
انتفض جسدها لسماع هذه العبارة.. وتجمدت الدموع في عينيها وقلبها يخفق بقوة وهي تستمع الى ذلك الصوت.. لانها تعلم يقينا ان لا احد معها في الغرفة..
ابعدت كفيها عن وجهها.. لتلمح طيف ذلك الطفل وهو يبتسم لها ابتسامة حانية ويقول: ( لا تبكي.. ارجوك.. دموعك تحزنني)..
هذا .. هذا ليس مجرد طفل.. بل هو حسام!.. حسام عندما كان في العاشرة من عمره.. اعرفه اكثر مما اعرف نفسي.. وتطلعت اليه بدهشة.. قبل ان تراه يتطلع اليها وفي عينيه تلك النظرة الحانية.. وامتدت كفها لعلها تستطيع الامساك بذلك الطيف.. لعلها تلمسه وتشعر بوجوده بعد ان حرمت من لمس حبها والشعور بوجوده..
وتلاشى الطيف مختفيا في العدم كما جاء.. وهمست مها قائلة والدموع تعود الى عينيها: لا تذهب.. ارجوك ابقى معي..
ولكنه كان مجرد صنع من اوهامها.. كحبها الذي كان اشبه بالوهم والذي لم يرى النور يوما..وهتفت قائلة بصوت باكي: لماذا تذهب وتتخلى عني انت ايضا يا حسام؟ .. لقد تخلى عني الجميع.. فلم تفعلها انت ايضا؟.. انا بحاجة لك اكثر من أي وقت مضى.. لماذا تتركني وحيدة الآن؟ .. لماذا؟..
وعادت الدموع لتتجمع في تلك العينين وكأنهما قد اصبحتا جزءا منهما.. وعاد القلب ليكتوي بنارا امر من أي نار هذه المرة.. نار فقد حبيب القلب والروح..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(لماذا يا والدي؟)
قالها احمد وهو يتحدث الى والده .. الذي زفر بحدة وهو يلتفت له..وقال بضيق وملل: لماذا ماذا؟..
قال احمد متسائلا بقهر: لماذا تم تأجيل الموعد؟..
التفت له والده وقال بحدة: عن أي موعد تتحدث؟.. تحدث بشكل مباشر دون مقدمات..
قال احمد وهو يكور قبضته وبنظرة حادة: موعد خطبة مها..
قال والده ببرود: اتصل عمك وطلب تأجيل الموعد لظروف طرأت ..
قال احمد بغيظ: انا اعرف تلك الظروف.. لابد وانها مها التي اجبرته على تأجيل الموعد..
قال والده بلامبالاة: ولم؟..
صمت احمد ولم يجب.. واكتفى بالقاء نظرة على الرسالة التي وصلت الى هاتفه صباحا.. والتي قرأها عندما استيقظ.. واكفهرت ملامحه مع كل حرف يقرأه.. وقال بصوت هامس من بين اسنانه: سنرى من سيندم يا مها.. انا ام انت؟..
ولمح بغتة ندى التي كانت تهبط من على درجات السلم .. فالتفت لها وقال: الى اين؟..
تابعت خطواتها دون ان تلتفت له وقالت: الى النادي..
قال متسائلا: ولم؟..
التفتت له وقالت وهي ترفع حاجبيها باستغراب مصطنع: ومنذ متى تهتم ان كنت ذاهبة الى مكان ما ؟..ولم اذهب اليه؟..
قال احمد وهو يتقدم منها: منذ هذه اللحظة ووقتما اشاء.. اخبريني لماذا تذهبين الى النادي؟..
قالت ندى بملل وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: ولماذا سأذهب في رأيك؟ .. بالتأكيد حتى امارس هوايتي المفضلة هناك .. التنس..
- حسنا اذا لدي رسالة اريد منك ان توصليها الى مها..
تأففت ندى بصوت مسموع ومن ثم قالت: ولم لا تتصل بها؟..
قال احمد وهو يلقي نظرة على هاتفه الذي استقر في قبضته: لو كانت تجيب على مكالماتي لما طلبت منك شيئا..
قالت ندى وهي تزفر بحدة: حسنا قل وخلصني..
قال وهو يميل نحوها قليلا وبنظرة حادة: اخبريها بأنها لم ترى شيء بعد.. واني لو اضطررت ان ادوس على قلبي للانتقام منها لما ترددت .. وان كرامتي فوق كل شيء..
قالت ندى وهي تتطلع الى ساعتها عندما صمت بغتة: انتهيت؟..
وقبل ان يجيب قالت وهي تدير ظهرها له: سأوصل لها رسالتك لو رأيتها.. وان كنت اعلم اني لن اراها..
قال متسائلا باهتمام: ولم؟..
هزت ندى كتفيها وقالت:مضى اسبوع تقريبا منذ آخر مرة رأيتها في النادي.. لم تعد تأتي الىهناك.. ولست اعرف السبب.. بالاذن..
قالتها وانصرفت دون ان تمنحه أي فرصة ليسالها عن أي شيء آخر.. اما احمد فقد قال وعقله منشغل بالتفكير: اذا لم تعد تذهب الى النادي.. ربما هي صدمة معرفتها بخبر خطبتي لها.. لم تري شيء بعد يا مها.. ولم تعرفي من يكون احمد.. وستندمين اشد الندم على اليوم الذي تجرأت فيه واهنتي كرامتي ..وسيكون ذلك قريبا جدا.. والايام ستثبت لك ذلك..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الظلام يغلف كل ما حوله.. واللون الاسود هو لون كل شي واللاشيء.. وصوت قادم من اعماق بئر سحيقة يتردد باستمرار ..((ابي انا بحاجة اليك))..(( ارجوك عد الي)) ..انه يعرف هذا الصوت ويستطيع تمييزه من بين ملايين الاصوات انه صوت ملاكه الوحيد..
لكن لم الظلام يغلف كل شيء؟.. اين هو؟.. يريد ان يرى ملاكه.. يريد ان يشعرها بأنه قريب منها.. بأنه الصدر الحنون الذي لن يتخلى عنها ابدا..بأنه ملجئها ومن سيحميها من شرور هذا العالم بأسره.. يريد الخروج من هذا المكان ..وبأية وسيلة كانت ..
دعونا نترك خالد قليلا وصراعه مع عقله الباطن.. وننتقل لنرى كفيه على مسافة قريبة جدا.. بالتأكيد انتم ترون الآن تلك الحركة الواهنة في انامله.. ولتنقلوا ابصاركم الى قدميه لتلحظوا تلك الحركة البسيطة فيهما.. خالد الآن في صراع متواصل ومستمر مع عقله الباطن.. يحاول فيه انتزاع نفسه من هذه الغيبوبة التي سيطرت عليه لفترة قاربت الشهر..
ولنعد الآن الى خالد الذي لا يزال يعاني من ذلك الصراع..والذي اخذت الافكار تحوم في رأسه وتسبب له صداع شديد .. اخذ يشتد ويضاعف آلام رأسه.. ولكن لابد له ان يعود لابنته الغالية..لابد ان يخرج من هذا المكان الذي كل ما فيه يتميز بلون واحد هو الاسود.. هل اصيب بالعمى يا ترى؟ ..
يريد فتح عينيه .. ولكن لم يشعر ان جفنيه اصبحا يزنان اطنانا من الحديد؟.. وان فتحهما يعد ضربا من المستحيل.. لكن لا .. ملاكه تنتظره.. ابنته تريده الى جوارها.. يجب ان يكون معها.. يجب ان يفتح عينيه.. يجب ان يقهر هذا المستحيل ويكون معها..
واخذ جفناه بالارتجاف.. وهو يحاول ان ينزع نفسه من تلك الغيبوبة.. واخذ نشاط جهاز ضربات القلب والمخ يزداد فجأة.. وخالد لا يزال يقاوم باستماته و...
وبغتة..
قهر خالد ذلك المستحيل ليفتح عينيه ويتطلع الى ما حوله بعدم استيعاب او فهم.. الالوان عادت لتضفي حياة على الاشياء .. اختفى اللون الاسود مما حوله.. وها هو ذا يرى النوراخيرا .. وهو يتسلل من النافذة ويؤلم عينيه..وهمس بكلمة بالكاد قد خرجت من بين شفتيه.. قال بصوت واهن: ملاك..
ولكن صداع عنيف ذلك الذي اخذ يكتنف رأسه.. جعله يعيد اغماض عينيه بالرغم منه.. لعله يجد بعض الراحة من هذا الصداع.. ليغرق في النوم..أ وربما في الغيبوبة من جديد...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الاربعون
"صورة"
تطلع مازن بحنان الى ملاك التي كانت تحاول باستماتة بذل كل الجهد..في تدريبها التأهيلي لأطرافها.. وعلى الرغم من ملامح الالم على وجهها الا انها كانت تحاول اظهار الشجاعة بكل عزيمة واصرار.. ولاحظ في تلك اللحظة قطرات العرق التي اخذت تتجمع على جبينها.. ونقل بصره بين ملاك وساعة يده وعلم مقدار المجهود الذي بذلته هذا اليوم.. وسمع الطبيب يقول في تلك اللحظة: هل تشعرين بأي شيء الآن؟..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا شيء سوى التعب..
ابتسم الطبيب وقال: حسنا سأسألك سؤالا اخيرا.. هل حاولت الوقوف على قدميك من قبل؟..
قالت ملاك نافية: ابدا.. ولم افكر في ذلك حتى..
- ولو طلبت منك ان تجري تدريبات قد تساعدك في الوقوف على قدميك.. فهل ستحاولين ادائها؟..
قالت ملاك وهي تومئ برأسها: بلى ولكني اشعر بالتعب اليوم ..ولا اظن ان لدي القدرة على المواصلة..
قال الطبيب بهدوء: فليكن غدا سأكمل التدريب معك.. يمكنكما الانصراف..
ابتسمت ملاك ابتسامة شاحبة وقالت بصوت مرهق: شكرا لك..
اجابها الطبيب بهدوء: العفو.. لم اقم الا بالواجب..
في حين اقترب مازن من ملاك ومنحها ابتسامة حانية لعلها تخفف ما تعانيه من آرهاق جسدي ..وقال برقة: كيف تشعرين؟ ..
بادلته ملاك الابتسام وقالت وهي تتنهد: على ما يرام..
مد يده لها وقال وهو يتطلع اليها: سأساعدك..
مدت يدها لتحتضن كفه وتتشابك اناملها ونظرات عينيهما لفترة.. ومازن يتطلع الى ملاك وهو يحاول ان يكتشف ما تحمله في ذلك المكان الصغير القابع في قلبها.. وملاك بدورها تحاول ان تكتشف من نظرات عينيه اليها ما يكنه لها من مشاعر ..
وقطعت ملاك تلك اللحظة بينهما وهي ترفع جسدها من على ذلك الفراش وتلقيه على مقعدها المتحرك..ومازن بدوره اكتفى بأن يدور حول مقدمة المقعد ليمسك بمقبضيه ويدفعه..وتحرك مغادرا غرفة الطبيب ليتجه الى المصعد.. ويضغط الزر المجاور له ..ولم تمر ثواني حتى كان المصعد قد وصل الى الطابق الثالث حيث هما.. فاستقلاه بهدوء.. وهنا فقط قالت ملاك فجأة: اريد ان اذهب لرؤية ابي..
كان مازن قد ضغط زر الطابق الارضي.. فتطلع الى ساعته وقال : انها الثامنة والنصف.. سآخذك اليه غدا.. فاليوم سنذهب الى المطعم -كما اخبرتك مسبقا- لتناول العشاء..
قالت ملاك وهي تشعر بخفقات قلبها المتسارعة: لكن اشعر بشوق شديد لرؤيته.. ارجوك .. خذني لرؤيته..
قال مازن وهو يتطلع اليها وفي الوقت ذاته يدفع المقعد عندما وصلا الى الطابق الارضي: لو بقيت معه اليوم.. فلن تظلي الا لنصف ساعة فقط وسنغادر بعدها حتى لا نتأخر.. ولكن ان ذهبت اليه غدا.. فلديك اليوم بطوله للبقاء معه..
ويبدوا ان ملاك قد اقتنعت بما قاله.. فلم تعلق.. فقال مازن مبتسما عندما غادر المشفى: اخبريني أي مطعم تريدين ان آخذك اليه؟..
داعبت ملاك قلادتها وقالت: أي مطعم تراه مناسبا..
قال مازن متسائلا وهو يتوقف بجوار سيارته ويفتحها بالقفل الآلي: الست متحمسة للفكرة؟..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: بلى..
لكن اجابتها تلك اشعرت مازن بأن هناك ما يراود ذهنها.. وتركها تستقر على المقعد المجاور لمقعد السائق.. ليغلق الباب خلفها..ويضع مقعدها المتحرك في صندوق السيارة.. ومن ثم يقول وهو يستقر على مقعد السائق بدوره وينطلق بالسيارة: لم اشعر بأنك لا تريدين الذهاب معي الى المطعم؟..
وضعت ملاك يدها على صدرها وتنهدت قائلة: ليس الامر هكذا..
تطلع لها بطرف عينه وقال: اذا؟..
قالت ملاك بقلق وتوتر: قلبي يخفق بقوة.. اشعر بأن امر ما قد حدث .. وكنت اريد رؤية ابي لهذا السبب..
ابتسم لها مازن مطمئنا وقال وهو يمسك بكفها ويضغط عليها بحنان: ذلك لأنك كنت معه في مبنى واحد.. ولهذا شعرت بهذا الاحساس.. ثم الم تكوني معه بالامس وكان بخير؟ .. فما الذي سيحدث له اليوم؟..
هزت ملاك رأسها وقالت: لست اعلم..
قال مازن مبتسما: سأخذك اليه غدا .. اعدك.. لكن لا تتضايقي هكذا..هيا ابتسمي..
لم تبتسم ملاك او حتى تعلق على ما قاله.. واكتفت بأن تغمض عينيها.. وذهنها مشغول البال بوالدها.. وبما قد يكون قد حدث له ويسبب لها كل هذا التوتر.. كان من الافضل لها ان تقنع مازن بأن تذهب اليه.. او حتى تذهب اليه بمفردها لو تطلب الامر.. لكن سبق السيف العزل الآن..
ولم تشعر الا بكف مازن التي ربتت على كتفها وقال بهدوء: لقد وصلنا..
فتحت عينيها لتتطلع الى ذلك البناء الراقي والفاخر.. الذي صمم بتصميم يوناني .. وقد ملأته التماثيل الاغريقية.. اعطى ملاك انطباعا انها تعيش بين ارجاء اسطورة اغريقية ما.. وهي ترى تمثالين للطائر الاغريقي الاسطوري (الرخ)..تحتل المدخل وتصنع شكلا اشبه بالبوابة..
وساعدها مازن لتغادر السيارة.. وارتسمت ابتسامة على شفتي ملاك عبرت عن اعجابها بالمكان وهي ترى التصاميم الاغريقية تملأ ارجاء المطعم.. وتلك النافورة التي تضفي روعة على حديقة المطعم الصغيرة..
وسمعت مازن يتحدث الى النادل عندما دلفا الى الداخل ويطلب منه ان يرشده الى الطاولة التي قد قام بحجزها بالامس.. فطلب منه النادل ان يتبعه الى ان فتح باباً يطل على غرفة صغيرة تتوسطها طاولة واربع مقاعد..ولم تخفي اللمسات اليونانية على ملاك التي ملأت ارجاء تلك الغرفة ايضا..
واخيرا قام النادل بوضع قوائم الطعام على الطاولة ومن ثم قال قبل ان ينصرف: اتأمر بأي خدمة أخرى يا سيد؟..
هز مازن رأسه نفيا.. وقال: لا..شكرا..
انصرف بعدها النادل.. فاغلق مازن الباب وقال وهو يتقدم لملاك بابتسامة: إلام تنظرين؟..
كان هناك نافذة تطل على النافورة المائية الموجودة بالحديقة.. فالتفتت ملاك له وقالت وهي تتطلع عبر النافذة: كما ترى..
قال مازن مبتسما وهو يجذب لها مقعدا لتجلس عليه: أأعجبتك الى هذه الدرجة؟..
اومأت ملاك برأسها وقالت بابتسامة وهي ترفع ثقل جسدها وتجلس على المقعد: وخصوصا التصاميم اليونانية..
ابتسم مازن بدوره وقال وهو يحتل المقعد المواجه لملاك: اذا استطيع القول الآن اني قد وفقت في اختيار المطعم..
قالت مبتسمة: نوعا ما..فكثيرا ما تمنيت رؤية التصاميم الاغريقية التي اقرأ عنها في الكتب والروايات..
وضع مازن كفه اسفل ذقنه وقال : سآخذك الى اليونان يوما لتري الشكل الاصلي لها..
ضحكت ملاك ضحكة قصيرة وقالت: حقا؟.. ومتى سيكون هذا؟..
رفع مازن حاجبيه وقال باستنكار بسيط: اتحسبينني امزح؟ .. لا ابدا.. وسترين انك ستذهبين معي الى هناك يوما..
قالت ملاك مجارية لما يقول بابتسامة: حسنا..
قال مازن وانامله تتسلل لتحتضن كف ملاك: وفي شهر العسل ان اردت..
ارتجفت اطراف ملاك كلها.. لا تعرف لم؟.. اللمسة مازن؟.. ام لذكرى شهر العسل؟.. ام للأثنين؟.. ووجدت نفسها تتطرق برأسها في خجل وتقول متهربة من الموضوع: بصراحة لست اعرف ماذا اطلب من الاطعمة الموجودة في القائمة.. اطلب لي انت..
اومأ مازن برأسه.. ولم تمض لحظات حتى كان النادل قد طرق باب الغرفة.. فحرر مازن كف ملاك من بين انامله.. وطلب من النادل الدخول.. ومن ثم اخبره بطلبهم من طعام وشراب.. فمازن قد اعتاد زيارة هذا المطعم لسنوات عدة .. ويعرف افضل الوجبات لديه..
اما ملاك فقد شردت في التأمل من النافذة.. ولم يرد لها مازن ان تستيقظ من شرودها هذا.. فقد سمح له بأن يتطلع اليها بحرية مطلقة .. ويدقق في كل تفصيلة من تفاصيل وجهها.. وكل سكنة من سكناتها.. وهي تبدوا اشبه بالاطفال بنظراتها البريئة تلك.. وفي غاية الجمال والروعة بمنظرها الرقيق ..
واستغل مازن الموقف.. فأخرج هاتفه المحمول المزود بـ(كاميرا) .. والتقط لها صورة على حين غفلة منها وهي في وضعها ذاك.. وما ان فعل حتى التفتت له ملاك بحدة وشهقت قائلة: ماذا فعلت؟..
ابتسم مازن ابتسامة واسعة وهو يتطلع الى الصورة ومن ثم لم يلبث ان غمز بعينه قائلا: لا شيء.. فقط التقط لك صورة..
مدت ملاك ذراعها قدر الامكان لتتمكن من الوصول الى الهاتف قائلة: اعطني اياه.. سأمسحها..
قال مازن بسخرية وهو يضع الهاتف في جيبه: في احلامك فقط..
قالت ملاك برجاء وهي لا تزال مادة ذراعها له: ارجوك.. اعطني اياه.. لا احب ان تؤخذ لي الصور دون ان اعلم..
قال مازن وهو يبتسم لها ابتسامة جذابة: لا تقلقي بدوت رائعة فيها.. ثم هل تبخلين علي ان احتفظ بصورة لك؟..
توردت وجنتي ملاك وقالت بحرج وتوتر: ليس الامر هكذا.. ولكن اعلم ان الصورة التي التقطتها لي لم تكن جيدة..
قال مازن وهويمسك بكفها بحنان ويبتسم بعذوبة: لا شأن لك انت.. انا من سيحتفظ بها لا انت..
شعرت ملاك بالخجل والارتباك.. ولم تجد بدا من الاستسلام لما حدث.. وقالت بصوت غلفه بعض المرح بعد برهة من الوقت: لكن سترى.. سالتقط لك صورة على حين غفلة منك..
ضحك مازن بمرح وقال: ومن قال اني هذا سيغضبني؟.. او اني سأمانع لو فعلت..على العكس سيسعدني هذا.. لانك تريدين الاحتفاظ بصورة لي.. ولن اقول مثلك.. (سأمسحها.. لانها لم تكن جيدة)..
قالت ملاك وخجلها يتفاقم: مازن .. ارجوك.. لاجلي امسحها..
قال مازن وهو يتطلع اليها وابتسامة تعلو شفتيه: لاجلك افعل أي شيء.. الا ما لا اريده انا..
ارتفع حاجبا ملاك باستنكار وهمت بقول شيء ما.. لولا ان ارتفع رنين هاتف مازن في تلك اللحظة..ورأت مازن يخرجه من جيبه ويتطلع الى شاشته ومن ثم يزفر بضيق.. فقالت ملاك وقد استغربت هذا الضيق الذي بدد ملامح السعادة التي كانت تعلو وجهه منذ لحظة: من المتصل؟..
قال مازن بصدق وبصراحة : ندى..
ودق ناقوس الخطر في قلب ملاك مع كلمته.. وهو ينبئها ان هذا الاتصال قد يتسبب في العودة الى نقطة الصفر.. لو كان مازن قد خدعها كل ذلك الوقت.. وان علاقاته مع مختلف الفتيات لم تنتهي بعد...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تشعر بصوت دق متواصل يسبب الصداع لرأسها.. ويجعلها تحاول فتح عينيها لتعرف مصدر هذا الدق.. وتوهمت سماع صوت يهتف باسمها.. لكنها لم تأبه.. بل تلفتت حولها لتجد نفسها نائمة على الارض.. منذ متى ؟..لا تعلم.. والى متى؟..ايضا لا تعلم؟..كل ما كان يهمها ان يكون ما يحدث لها الآن هو مجرد كابوس وقد افاقت منه اخيرا..
ونهضت من مكانها ببطئ لتتوجه الى دورة المياه.. لعلها تسترد شيئا من نشاطها وراحتها لو غسلت آثار الحزن والدموع من على وجهها..وغابت فيها لبضع دقائق قبل ان تخرج منها وتسمع صوت الدق لا يزال متواصلا.. ولتكتشف انه ليس الا صوت طرقات على باب غرفتها.. وتنهدت بحرارة وهي تسمع من خلفه صوت شقيقها كمال وهو يهتف بها: مها افتحي الباب.. الا تزالين نائمة حتى الآن ام ماذا؟.. انها الرابعة عصرا..
ابتسمت مها باستخفاف ومرارة.. الرابعة او حتى العاشرة .. فما الفارق بينهما؟.. لاشيء سوى ان موعد اعدامها قد اقترب ..وسارت بخطوات بطيئة باتجاه الباب.. يسبقها اليه صوت انفاسها المتعبة.. وفتحته وهي تقول ببرود: ماذا؟..
تطلع كمال الى عينيها الحمراوين من كثرة البكاء.. والى شعرها المسرح باهمال شديد.. والى ملامح وجهها التي طغت عليها المرارة.. وشعر ان مها تعاني من حزن شديد اما بسبب رفض والدها لحسام.. او لسبب آخر..
وتحدث قائلا بتساؤل: لقد قلقت عليك .. فلم تأتي لتناول طعام الغداء معنا كعادتك.. اخبريني ماذا هناك؟.. ولم كل هذا الحزن الذي اراه على وجهك؟..
هزت مها كتفيها وقالت بلامبالاة مصطنعة: لا شيء ابدا.. فقط كنت متعبة بعض الشيء..
تطلع اليها كمال بنظرات متفحصة ومن ثم قال: والدي.. ماذا قال لك بالامس؟..
شعرت ببعض الارتباك من سؤاله المفاجئ ومن ثم قالت مصطنعة عدم الفهم: متى؟..
لاحظ كمال ارتباكها الشديد وقال متسائلا بحزم وهو يكرر سؤاله: ماذا قال لك بعد ان خرجت انا من غرفة المكتب؟..
تحاشت مها النظر اليه.. وكأن نظراته ستتولى بكشف كذبها.. وقالت بكلمات مبعثرة: لم يقل.. شيئا مهما.. سأل عن احوالي.. وعن.. وعن...
وتوقفت الكلمات على طرف لسانها دون ان تجرأ على مواصلة الكذب .. فقال كمال وهو يتطلع اليها بجدية ونظرات ثاقبة: وايضا عن ماذا؟.. تحدثي يا مها بصدق.. فالحزن الذي يغطي وجهك لا يعجبني..
تطلعت له مهابتردد.. بقلق.. اوتجرأ على البوح بالحقيقة لكمال؟.. ربما حينها سيعارضها وسيرفض ما قد تفعله.. وسيقول كما قال حسام .. ان لا تضحي بسعادتها ونفسها من اجلهم..وانهم سيقبلون بأي شيء حتى لا يكون هذا على حساب نفسها وسعادتها.. ولكن هي لن تقبل.. لن تقبل ان تسبب لهم مثل هذه التعاسة.. لا تقبل ان ترى نظرة انكسار في عيني والدها.. او نظرة الم في عيني اشقاءها.. لا تريد ان تكون سببا في ذلك..
ورفعت رأسها لتقول بحزم زائف: ابدا لا شيء.. كما اخبرتك .. سأل عن احوالي فقط..
لم يقتنع كمال بأي حرف مما نطقته وقال بتشكك ونظراته تحاول سبر اغوارها: أأنت واثقة؟..
اومأت برأسهابثقة على عكس اعماقها التي كانت متوترة ومهزوزة..فالقى عليها كمال نظرة اخيرة قبل ان يقول: على اية حال .. انا في غرفتي ان اردت قول أي شيءلي..
عادت لتومئ برأسها .. ولكن هذه المرة بألم واضح.. لم ينتبه كمال له الذي ابتعد عن غرفتها ومضى في طريقه.. والتقطت هي نفسا عميقا علها تطفئ النار التي بصدرها..وابتسمت بسخرية مريرة قبل ان تقول كمن يحادث نفسه: علي ان افعلها الآن .. اليس كذلك؟.. لن يختلف الامر كثيرا.. سواء اليوم او الغد.. ففي الحالتين مصيري هو الموت..
وخرجت مغادرة غرفتها وشاهدت في طريقها احدى الخادمات .. سالتها عن والدها.. فقالت لها انه في غرفته ..فتقدمت من تلك الغرفة بخطوات مترددة.. خائفة ومتوترة.. فخطواتها هذه ستحدد مصير حياتها ومستقبلها..
كانت مع كل خطوة تتقدم بها الى الغرفة.. تتوقف لتلتقط نفسا عميقا او لتزدرد لعابها.. لعل توترها يتلاشى.. وتُصمت صوت القلب الذي ما فتأ يذكرها بحسام وحبها له..ووصلت اخيرا الى حيث ذلك الباب .. باب غرفة والدها..الذي تمنت ان تكون مثله.. شيئا جامدا بلا مشاعر او روح او قلب ..وباصابع مترددة ومرتجفة طرقته..طرقات خافتة ولكنها واضحة ايضا.. ووصلت تلك الطرقات الى مسامع والدها الذي قال: تفضل..
دخلت ونبضات قلبها ترتفع مع كل خطوة تخطوها.. ورددت بينها وبين نفسها : (اهدئي يا مها.. اليس هذا هو القرار الذي اتخذته بعد طول تفكير؟.. اهدئي وفكري في عائلتك.. دعي عنك الانانية والتفكير بسعادتك دائما.. فلتعيشي لغيرك .. العالم ليس هو انت فقط.. بل لديك عائلة تستحق التفكير في مصيرها)..
رأت والدها منشغل بمحادثة هاتفية.. وتطلع اليها بنظراته متسائلا.. ومن ثم لم يلبث ان واصل مكالمته عندما رآها تجلس على احد المقاعد..في حين كانت مها تتطلع الى كفيها وكأنها تطلب منهاالمساندة.. تطلب منها القوة والدعم..وسرعان ما انهى والدها مكالمته.. ليقترب منها ويقول بتساؤل: ماذا هناك يا مها؟..
رفعت مها عينيها اليه ببطء .. لا شيء سوى انني سأقتل نفسي يا والدي.. وقالت بصوت خافت: جئت اخبرك بقراري..
قال والدها بقلق: اخبريني اولا.. ما بالك شاحبة هكذا؟..
تطلعت الى والدها بنظرات حزن وتحمل شيئا من العتاب.. وتسال ايضا يا والدي؟..ماذا تعتقد ان يكون السبب وانت تسلمني للموت بيديك؟..وقالت بصوت خافت وهي تتطلع الى كفيها: لا شيء.. لكني لم انم جيدا الليلة الماضية..
- ولم؟..
التفتت له مها في هذه اللحظة والتقطت نفسا عميقا الى اشبعت به رئتيها ..ومن ثم قالت وهي تستجمع كل مالديها من شجاعة: لاني كنت افكر في موضوع زواجي من... ابن اخيك..
مجرد ذكر اسمه يا مها.. يولد في قلبك كل هذا الضيق و الكره والبغض له.. فكيف بزواجك منه؟.. فتطلع لها والدها بحيرة ومن ثم قال: خذي وقتك يا مها.. فكري جيدا قبل ان تمنحيني جوا....
قاطعته مها قائلة وهي تشد من قبضتها: لكني اتخذت قراري بعد تفكير طويل..
وضع كفه على كتفها وقال ببعض التردد وكأنه يخشى من قرارها هذا الذي سيكون متعلقا بمصيره ومصير امواله وشركاته: وما هو قرارك الاخير؟..
اغمضت عينيها بقوة.. لعلها تبعد كل شيء عن ذهنها.. وتنسى ما تشعر به لوقت قصير..ولعلها تجد ان كل ما يمر امامها الآن ليس سوى كابوس وستستيقظ منه.. وفتحت عينيها ببطء شديد.. وتوقفت الكلمات في حلقها دون ان تجرأ على عبوره.. وحاولت النطق بأي حرف وهي تلتفت الى والدها وترى نظراته اليها.. وقال والدها في تلك اللحظة مكررا سؤاله: ما هو قرارك الاخير يا مها؟.. هل قبلت بأحمد ام لا؟..
اعاد عليها ذكراه كل ما عانته بسببه.. المشكلة التي احدثها احمد عمدا ليفرق بينها وبين حسام.. والآلام الذي جعلها تعانيها كل تلك الفترة.. وها هو ذا يفرق بينهما مرة اخرى ولكن بطريقة اشد قساوة وفظاعة..
وفغرت فاهها عسى الكلمات تخرج من حلقها.. وقالت اخيرا بكلمات مختنقة: انا .. انا...
وأخذت صوت انفاسها تتسارع وهي تهتف بألم وبكل ما تملك من قوة قبل ان تخونها شجاعتها: انا .. موافـ..قة يا والدي ..موافقة..
"مشاكل الآباء يدفع ثمنها الابناء".. ومها هي خير دليل على هذه المقولة.. التي ضحت بنفسها من اجل والدها ..ومن اجل مشاكله المستمرة مع عادل وفؤاد.. وقررت ان تنهي سعادتها بيديها لأجل ان تسعد اسرتها.. قررت ان تدفع ثمن هذه المشكلة .. وكان الثمن غاليا.. غاليا جدا....
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
هل نستطيع القول ان نظرات ملاك لمازن في تلك اللحظة كانت غضب؟.. ام لوم وخيبة امل؟.. ام حزن على حالها؟.. ام مزيج من كل هذا؟.. وهي تستمع من مازن ان المتصلة ندى ابنة عمه.. ومنافستها الاولى عليه.. والتي تطمح ان يكون مازن لها هي .. لا ملاك..
ورفع مازن حاجبيه وهو يرى نظرات ملاك اليه والتي استطاع ان يفسر منها عدم الثقة والشك.. فقال بسرعة: رويدك.. لا تتطلعي الي هكذا.. لو كنت احادث ندى الى الآن لتظاهرت اني احادث صديقا.. ولم اتعب نفسي باخبارك انها ندى من تتصل منتظرا ردة فعلك..
قالت ملاك بشك: وكيف عرفت انه رقمها اذا مادمت قد مسحت اسمها من هاتفك؟..
تطلع اليها مازن وقال بابتسامة ساخرة لا تتناسب مع الموقف: اهذا ما يهمك؟.. حسنا اذا.. انها ابنة عمي ومن الطبيعي اني أحفظ رقمها او على الاقل اعرفه ..
قالت ملاك وهي تواصل تساؤلاتها التي كان منبعها الشك: وكيف حصلت على رقم هاتفك؟..
وضع مازن هاتفه على الطاولة بينه وبين ملاك ومن ثم هز كتفيه قائلا: لست اعلم.. ربما من مها ..او من احمد او من والدها..
واردف وهو يلقي نظرة سريعة على الهاتف: وها هو ذا الهاتف امامك.. ولن اجيبه.. افعلي انت ما تريدين به لكن توقفي عن النظر الي بهذه الطريقة..
صمتت ملاك ولم تنبس ببنت شفة وهي ترى الهاتف الذي يتوقف رنينه للحظات ومن ثم يعاود الرنين لدقائق.. حتى ان النادل كان قد احضر الوجبات التي قام مازن بطلبها وغادر.. والهاتف لا يزال على وضعه.. وتحولت نظرات ملاك الى القلق لتقول بصوت خافت: ربما كانت تريد شيئا مهما..
مط مازن شفتيه بضيق وقال: لا اظن..
والتقط العصير ليرتشف منه بعض رشفات لكن الهاتف عاود الرنين من جديد فقالت ملاك وهي تتطلع الى مازن: اجب عليها.. لو لم تكن تريد شيئا مهما لما اتصلت لأكثر من سبع مرات..
تطلع لها مازن باستغراب ومن ثم قال: انت تقولين هذا يا ملاك.. تريديني ان اجيب على ندى بعد كل ما فعلته بك.. وبعد كل الكلمات الجارحة التي كانت تلقيها على مسامعك..
تنهدت ملاك ومن ثم ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيها وقالت: اهم شيء هو ان يكونوا جميعا بخير.. وان لا يكون اتصالها بسبب مكروه قد حصل لعائلتها – لاقدر الله-..
منحها مازن ابتسامة.. تعبر عن امتنانه لقلبها الكبير.. فندى التي كانت تتلذذ بجرح ملاك وتفرح عندما تراها غارقة في احزانها.. ملاك اليوم تقلق عليها وعلى عائلتها.. حقا الكلمات تعجز عن وصف قلبك الكبير هذا يا ملاك..
واكتفى بأن التقط الهاتف واجابه قائلا بضيق: نعم..
جاءه صوت ندى كما اعتاده يمتلأ رقة ودلالا.. وكأنها تتعمد اظهار كل هذه الرقة امام مازن فحسب.. وهي تقول: اهلا مازن.. كيف حالك؟..
قال مازن ببرود وهو يشغل نفسه بالتطلع الى قائمة الطعام الخاصة بالمطعم: بخير.. اخبريني ما الامر؟..
عقدت ندى حاجبيها بغضب في تلك اللحظة .. مازن لم يعتد التحدث اليها بهذه الطريقة الا بعد عقد قرانه على ملاك..حسنا يا ملاك.. فلتستمتعي به الآن.. لكن سيكون لي انا وحدي في النهاية.. وقالت مصطنعة المرح: رأيتك لا تسأل عني.. قلت اسأل انا عنك.. وخصوصا وانك لم تعد تأتي الى النادي يوميا كالسابق .. كما انك قد غيرت رقمك بدون ان تخبرني..
قال مازن بابتسامة هادئة: شكرا على اهتمامك.. هل من امر آخر؟..
شعرت ندى انه يفكر في انهاء المكالمة سريعا.. ربما لانه يجالس ملاك.. بالتأكيد هو كذلك والا لما تعمد عدم الرد عليها عندما اتصلت به في المرات السابقة.. ولكن لن ادعك تهنئين به طويلا يا ايتها العاجزة.. فقط انتظري..
وابتسمت ندى بخبث قائلة: اخبرني اولا لم غيرت رقم هاتفك؟ ..
زفر مازن بحدة وقال متحدثا الى نفسه: (وما شأنك انت؟)..
لكنه تمالك اعصابه حتى لا تفلت هذه العبارة من بين شفتيه وقال ببرود: هناك بعض الاشخاص الذين ازعجوني باتصالاتهم المتكررة والتافهة .. فقررت تغيير رقم هاتفي للتخلص منهم..
قالت ندى بمكر وهي تتطلع الى اناملها بدلال: هكذا اذا..
لمح مازن في تلك اللحظة علامات الضيق بدأت ترسم خطوطها الاولى على ملامح ملاك.. فقال متسائلا في سرعة: اهناك أي شيء آخر يا ندى؟..
- اجل.. متى ستأتي الى النادي؟..
- لست اعلم.. عندما اجد الوقت الكافي لذلك..
قالت ندى متعمدة: اظن انك فعلا مشغول هذه الايام كثيرا فلم نعد نراك ابدا.. يا ترى ما الذي يشغلك عنا الى هذا الحد؟..
قال مازن ببرود: ظروف..
واردف قائلا: مضطر لأن انهي المكالمة الآن يا ندى.. الى اللقاء..
وانهى المكالمة دون ان يمنح ندى فرصة للحديث قائلا: هاقد تحدثت اليها بطلب منك.. فلا داعي لكل هذا الضيق..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: واتظن ان من السهل ان تتحدث الى فتاة امامي ولا اتضايق؟..
قال مازن باستغراب: الم يكن هذا مطلبك انت؟..
تنهدت ملاك ولم تجب وبدأت بشرب كأس العصير المجاور لها .. ومازن الذي آثر الصمت للحظات ومن ثم قال وهو يتطلع لها: اانت متضايقة حقا مما حدث؟..
رسمت ملاك ابتسامة على شفتيها وقالت: لا.. دعك مني وتناول طعامك..
بادلها مازن الابتسامة.. وشرع في تناول طعامه.. قبل ان يسمع بغتة صوت مألوف لديه.. ورفع راسه باستغراب.. ليعرف ان ذلك الصوت لم يكن سوى صوت التقاط صورة له بهاتف ملاك.. التي كانت تضحك بمرح وهي تقول: لست انت الوحيد الذي بامكانه التقاط الصور على حين غرة..
تطلع لها مازن بدهشة وقال: االتقطِ لي صورة وانا اتناول الطعام حقا؟..
ضحكت ملاك وقالت وهي تسرع بوضع هاتفها في حقيبتها: اجل..الم تقل ان هذا سيفرحك؟..
قال مازن بضيق: لكن ..ليس وانا اتناول الطعام..اعطني الهاتف الآن..
قالت ملاك مقلدة لاسلوبه: في احلامك فقط..
قال مازن بسخرية: عليك اطاعة زوجك يا فتاة.. اعطني الهاتف الآن..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت بعناد: لن تحلم بمسح الصورة .. فمادمت ترفض مسح صورتي من هاتفك..فأنا الأخرى لن امسح صورتك..
قال مازن بضجر: سأمسح صورتك.. فقط اعطني هاتفك..
قالت ملاك وهي تتطلع اليه باستنكار: اتظن اني طفلة لتخدعني بما قلته؟..
نهض مازن من مجلسه وقال بسخرية: لا تجبريني على القدوم اليك واخذ الهاتف منك بالقوة..
قالت ملاك بتحدي: لا تستطيع..
- فليكن .. سنرى من هذا الذي لا يستطيع..
وتقدم من مقعدها .. في حين اسرعت هي باخفاء حقيبتها خلفها.. فقال مازن وهو يمد يده: هاتِ الحقيبة الآن..
ابتعدت ملاك عنه اكثر وقالت وهي تهز رأسها نفيا باصرار: لا..
تقدم منها مازن اكثر وقال : سآخذها بالقوة يا ملاك.. لا اريد ان اؤلمك..
قالت ملاك بابتسامة:لن يمكنك ذلك..
كان مازن يميل نحوها محاولا اختطاف الحقيبة من خلفها وهي تتراجع في الاتجاه الايمن.. ومازن لا يزال يحاول ان يمسك به من خلف ظهرها.. ودون ان تشعر ملاك.. وجدت مازن يميل نحوها في شدة وسرعة ليختطف الحقيبة..وشهقت هي وهي تتراجع بفوة للاتجاه الايمن للمقعد.. ولم تشعر بنفسها الا وهي تهوي من عليه وتقع ارضا...
وخفق قلب مازن بخوف وتبخر أي شيء آخر من عقله.. وتقدم من ملاك وقال بخوف ممزوج بالتوتر والقلق: ااصبت بأي مكروه؟ .. اتريدي ان آخذك الى المشفى؟..
اصدرت ملاك انات من بين شفتيها كان سببها آلام ظهرها التي اشتدت عليها بعد سقوطها هذا.. واغمضت عينيها بقوة لعلها تحتمل الالم قليلا.. ومن ثم قالت وهي تفتحهما وتلتفت الى مازن: انا بخير.. اعدني فقط الى المقعد..
قال مازن وهو يمسك بكفها بحنان وقلق: اانت متأكدة ؟..
اومأت برأسها..فتقدم منها مازن ليحملها بين ذراعيه ويساعدها على العودة الى مقعدها من جديد.. ويقول وهو يعود ادراجه الى مقعده ليجلس عليه هو الآخر: ان اردت المغادرة وشعرت بأي الم..فقط اخبريني..
اومأت ملاك برأسها وعلى شفتيها شبه ابتسامة.. صحيح انها قد تألمت من وقوعها ارضا.. لكنها عوضت بالمقابل على شيئين .. الشيء الاول هو رؤية الخوف الصادق في عيني مازن تجاهها .. والحنان الذي يغدقها به..والشيء الآخر هو صورة مازن والذي نسي امرها تماما من خوفه عليها.. .
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
فتح عينيه وهو يشعر انه افاق من حلم طويل.. كم من الوقت قد استغرق في النوم؟.. لا يعلم.. يرى ان الوقت نهار لكن ما هو تاريخ اليوم؟.. يشعر ان انامله تصلبت.. واطرافه قد تجمدت.. تلفت حوله لعله يجد أي شي يدله على الوقت.. لكنه لم يعثر على أي شيء سوى الاجهزة المتصلة بجسده..
وشعر بغتة بصوت الباب وهو يفتح وتدخل منه ممرضة.. وتقترب منه.. لكنها تفاجأت عندما رأته قد فتح عينيه .. وقالت بابتسامة هادئة: واخيرا استيقظت..
قال خالد متسائلا: منذ متى وانا هنا؟..
قالت الممرضة بهدوء وهي تراقب الاجهزة..وتعدل من وضع بعض الانابيب المتصلة بجسده: منذ شهر تقريبا.. ولم تستيقظ من غيبوبتك الا بالامس..
قال خادل وهو يفتح عينيه على آخرهما بصدمة: شهر كامل؟! ..وابنتي ملاك.. ماذا حل بها؟..
هزت الممرضة رأسها بمعنى انها لا تعرف.. فقال خالد متسائلا وهو يلتفت لها: الم تكن تأتي لزيارتي؟.. الم تريها؟..
التفتت له الممرضة متسائلة: وكيف هو شكل ابنتك؟..
قال خالد بابتسامة : شعرها اسود وينسدل على كتفيها .. بيضاء البشرة وبريئة الملامح..و...
قاطعته الممرضة قائلة: اتعني تلك الفتاة التي تجلس على مقعد متحرك.. وتزورك يوميا تقريبا مع شاب؟..
عقد خالد حاجبيه وقال وهو يحاول الجلوس: مع شاب؟؟..
اسرعت الممرضة ترفع له السرير قليلا بجهاز التحكم وتقول محاولة التذكر: اجل مع شاب طويل القامة.. ذا شعر اسود ..ووسيم الملامح.. ويتمتع بسمرة خفيفة..
ازداد انعقاد حاجبي خالد وقال: مع مازن ام كمال؟؟..
- لست اعرف اسمه.. ولكن احيانا كنت اراها تأتي بصحبة فتاة ايضا..
قال خالد بابتسامة باهتة: حسنا.. اشكرك..
قالت الممرضة بهدوء: العفو..
وكادت ان تغادر لولا انه استوقفها قائلا: متى سأخرج من هنا؟..
التفتت له الممرضة وقالت بابتسامة: ليس قبل ان نجري لك بعض الفحوصات.. وبعد ان تستعيد اعضائك نشاطها.. فالفترة التي قضيتها في الغيبوبة لم تكن قصيرة..
اومأ خالد برأسه بتفهم.. فغادرت الممرضة المكان..في حين تطلع خالد الى الفراغ .. ورأسه يمتلأ بتساؤلات عدة.. محورها ابنته ملاك.. وقال وهو يتنهد بصوت عالي: ترى ما الذي حدث لك يا ملاكي؟..هل تألمت في فترة غيابي عنك؟.. هل عشت حياة هادئة ؟.. ام كنت مطمع لفؤاد وعادل؟.. هل كنت سعيدة ام ان الحزن لم يفارق عينيك؟..هل قام امجد بحمايتك ام انه اختبئ كعادته وتركك في وجه المدفع تواجهين العالم الذي لا تعرفين عنه شيئا وحدك؟.. ومازن الذي طلبت منه حمايتك.. هل سيخذلني ام انه سيحميك من شرور اعمامه حقا؟..
واستند برأسه الى الوسادة قائلا: يا الهي .. لست اعلم ماذا حل بك وانا فاقد للوعي كل هذا الوقت؟.. كل ما اتمناه هو ان تكوني بخير يا صغيرتي.. وان تكوني تشعرين بالسعادة في منزل عمك..
واغمض عينيه وهو يتمنى حضور ملاك له في اية لحظة حتى يطمأن عليها ويعرف بكل ما حدث لها في فترة غيابه..
لكن.. كيف ستكون ردة فعله ان علم بزواج ابنته الوحيدة من مازن بدون ان يكون له علم بذلك؟.. وهل سيقبل هذا الزواج الذي حدث لظروف قاهرة؟.. ام سيسعى لانفصال ابنته عن مازن الذي تحبه بكيانها ومشاعرها كلها .. والذي لا يجده خالد جديرا بها ابدا؟؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الواحد والاربعون
" عدت لأجلك"
تطلعت مها الى نصف القلب الذي يحتل كفها بنظرات طويلة وتحمل معاني الحب والحسرة والحزن..ومسحت دمعة خانتها وكادت ان تسيل على وجنتيها .. وتنهدت قائلة بألم: ليتك تشعر بي يا حسام وبما اعانيه.. ولا تتخلى عني وتتهمني بأني لا اهتم بك او افكر فيك.. لو تعلم اني قد تناسيت كل شيء عندما وافقت على احمد.. فيما عداك.. انت لم تغادر ذهني لحظة واحدة وجعلتني اتردد ملايين المرات قبل ان اوافق.. صورتك والحزن يطغى على ملامحك.. كانت سببا في ترددي هذا.. لم اكن اريد لك ان تحزن او ان تتألم.. اذا كان هناك من يجب ان يتألم فليكن انا فقط.. لكن انت لا.. لا احتمل رؤيتك تتعذب وتتألم.. ليتك تنساني يا حسام ..وتنسى كل لحظة حب جمعتنا.. حتى لا تتألم عندما تعرف بهذه الموافقة التي حدثت بالرغم مني..
وعادت لتتنهد.. دون ان تدرك ان في هذه اللحظة تماما كان حسام ينظر لنصف القلب الآخر وهو يقول بمرارة : بكل هذه السهولة يا مها؟.. تريدين الموافقة على هذا الحقير .. متناسية كل شيء بيننا..متناسية الحب الذي جمعنا منذ ان كنا اطفالا.. الهذه الدرجة لم اعد اعني لك أي شيء؟.. واصبح خسارة والدك لبعض المال هو الاهم عندك.. لو كان والدي يمتلك رأس مال جيد وشركة تضاهي شركة والدك.. لما ترددت في ان اطلب منه مشاركة والدك.. لكن رأس المال الذي سيقدمه والدي سيعتبره والدك مجرد قطع نقدية بسيطة.. لا تساوي شيئا في رأس المال الذي يحتاجه..احيانا اتمنى يا مها لو كنت ثريا .. لو كان المال هو ما سيجمعني بك .. والعن هذه الحياة الاقرب الى البساطة التي اعيشها والتي كانت سببا في تفريقنا عن بعضنا البعض..
واغمض عينيه لوهلة ليتخيل صورة احمد وهو يجلس بجوار مها في حفل الزفاف والابتسامة تعلو شفتيه.. وبريق الانتصار في عينيه.. وكأنه بذلك يثبت لحسام انه حصل على مها بالرغم من كل الحب الذي يجمعها بالاول..
وكور حسام قبضته بعصبية والم وهو يقول بصوت غاضب: انت من سمحت له يا مها.. انت من ترك له المجال ليفرق بيننا.. لو تمسكت بموقفك ورفضت هذا الوغد.. لما استطاع احد فعل شيء ورفض هذا الارتباط الذي سيجمع قلوبنا.. ويكون بداية للسعادة في حياتنا..لكن كل احلامنا تلاشت الآن بسبب موقفك الضعيف هذا.. وكل ما اخشاه هو ان يأتي اليوم الذي تنسي فيه من يكون حسام..
من جانب آخر.. كان كمال يطرق باب غرفة مها بطرقات سريعة وعصبية..فانتفضت مها بغتة كمن ينهض من نوم طويل .. والتفتت الى الباب بحيرة من هذا الطارق وقالت متسائلة وهي تقترب بخطواتها من الباب وتضع نصف القلب في جيبها: من؟..
جاءها صوت كمال يقول: افتحي الباب يا مها..
فتحت الباب وقالت بحيرة: ما الامر؟..
ابعدها عن الباب بخشونة ليدلف الى الداخل ويغلق الباب خلفه قائلا بحدة: اصحيح ما سمعته؟..
استغربت مها تصرفه معها وقالت متسائلة بدهشة: وما هذا الذي سمعته؟..
قال وهو يتطلع اليها بنظرات حادة وبصوت غاضب: ان عمي عادل واحمد سيأتون لزيارتنا اليوم لخطبتك بشكل رسمي.. وان والدي موافق على هذه الخطبة..
وصمت للحظات وهو يقول وقد اشتد غضبه: وانت كذلك قد اعلنت موافقتك عليها..
توقفت الكامات في حلق مها امام هذا الهجوم المباشر من كمال.. وتطلع اليها كمال بنظرات تشتعل غضبا منتظرا أي تفسير على موافقتها هذه ..ومها التي لم تجرؤ على نطق حرف واحد.. هتف فيها كمال اخيرا لعلها تتحدث: اخبريني يا مها.. احقا وافقت على احمد؟..
ازدردت مها لعابها .. ومن ثم لم تلبث ان اطرقت براسها وقالت ببطء: اجل.. وافقت..
اتسعت عينا كمال في دهشة وذهول وصرخ فيها قائلا: وافقت.. أي جنون هذا؟.. بكل سهولة تقولين انك قد وافقت .. وحسام.. ماذا عنه؟.. اذا كنت تظنين اننا جميعا لا نعرف العاطفة الكبيرة التي تجمعكما..فأنت مخطأة .. كان واضحا لنا جميعا مقدار ما يعني لك حسام.. ولهذا لم نتخيلك يوما ان تكوني لسواه وان توافقي على احمد هذا..
كادت مها ان تصرخ في وجهه قائلة : ( ولا انا اتخيل نفسي ان اكون لانسان غيره.. لكن علي ان اضحي بنفسي لاجلكم جميعا.. لا اريد ان احيا بسعادة على حسابكم) ..
ولكنها اخفت كل تلك الكلمات في اعماقها لتقول بصوت حاولت ان تجعله طبيعيا وغير مرتجف قدر الامكان: لقد رفض والدي زواجي من حسام.. واخبرني بأن احمد جاء لخطبتي اليوم.. فلم ارفضه ما دام ابن عمي؟..
التقط كمال نفسا عميقا ومن ثم قال بصوت حاد: اتريدين القول ان ما جعلك توافقين على احمد هو رفض والدي لحسام فقط؟..
اشاحت مها بنظراتها وقالت وهي تشبك انامل كفيها معا بتوتر: اجل ولأنه شاب ..جيد..
ارتفع حاجبا كمال وقال بحدة: احمد شاب جيد يا مها؟!.. على من تكذبين؟.. انت تعرفين انه شاب مستهتر لا يهمه شيء اكثر من نفسه والمال.. مها هناك شيء آخر يدعوك الى الموافقة اليس كذلك؟..
صمتت مها وهي تحاول تمالك اعصابها.. وحاولت ان تنطق بأي حرف تقنع به كمال بوجهة نظرها .. لكن هي نفسها لم تتمكن من اقناع نفسها بما فعلته.. فكيف باقناع غيرها ..وسمعت كمال يقول في تلك اللحظة بحنق وهو يتطلع اليها بنظرات اتهام: لكني سأعرفه يا مها .. حتى ان رفضت انت ان تخبريني به.. سأعرفه..
واسرع يغادر غرفتها .. تاركا مها خلفه تعيش في الم ومرارة .. وهتفت قائلة بصوت هامس: انتم.. السبب الوحيد الذي جعلني اوافق هو انتم يا كمال.. ولا شيء آخر..
في حين كان كمال يسرع بهبوط درجات السلم وهو قد قرر الحديث الى والده في هذا الشان وفي السبب الذي دفع شقيقته على الموافقة على شخص لا تكن له بأية مشاعر..
وفي طريقه الى الطابق الارضي شاهد مازن يطلق من بين شفتيه صفيرا منغوما وتبدوا على وجهه علامات الفرح والسعادة وهو يصعد الدرج للتوجه الى الطابق العلوي.. وما ان التقت عيناهما حتى قال كمال بسخرية: من منا الآن الذي لم يعد يبالي بشيء؟ ..
ارتفع حاجبا مازن لوهلة ومن ثم قال : اوضح.. ماذا تعني بقولك هذا؟..
قال كمال بحدة: اعني انك اصبحت تهتم بنفسك فقط.. متناسيا ما يحدث في هذا المنزل..
قال مازن متسائلا باهتمام: وما الذي حدث؟..
قال كمال بعصبية: شقيقتك المجنونة.. علمت اليوم من والدي ان احمد قد خطبها وهي قد وافقت..
اتسعت عينا مازن في حدة وقال بدهشة بالغة: مستحيل.. مها وافقت على احمد؟؟.. لا بد ان في الامر خطأ ما..
قال كمال وهو يبعد نظراته: لا يوجد أي خطأ .. لقد ظننت هذا في البداية.. لكني تأكدت عندما سألتها بنفسي..
قال مازن بعصبية واصابعه تتخلل شعره: يبدوا ان رفض والدي لحسام جعلها تصاب بالجنون..
قال كمال وهو يهبط بضع درجات: سأذهب للحديث مع والدي لأعرف منه سبب موافقتها.. وانت بدورك حاول ان تغير رايها وتعرف منها سبب هذه الموافقة..
صعد مازن درجات السلم وهو يقول: سأكون غبيا لو تركتها تتزوج من ذلك المدعو احمد الذي لن ننتهي منه ومن مشاكله ابدا..
ووصل مازن الى غرفتها اخيرا ليطرق الباب ويقول وهو يزفر بحدة واصابعه تتخلل شعره بين الحين والآخر: مها .. افتحي الباب من فضلك .. اود الحديث معك..
قالت مها من الداخل ببرود: ان كان يتعلق بموافقتي على احمد.. فهذا شأني وحدي.. لا داعي لأن تتدخلا في الموضوع.. لقد وافقت عليه بملئ ارادتي..
قال مازن متسائلا بحدة: والدي هو من اجبرك على الموافقة.. اليس كذلك؟..
- لا..
وصمت كلاهما بعد ردها المقتضب هذا.. لكن مازن لم يلبث ان قال محاولا تغيير رأيها: وحسام يا مها؟.. ماذا سيفعل لو انك تزوجت بغيره..
قالت مها وهي تشعر بغصة مرارة بحلقها: سينساني طال الزمن ام قصر..
قال مازن بحنق: لكنه يحبك.. وانت كذلك تبادلينه الشعور..
قالت مها وهي تغلق اذنيها بألم وكأنها ترفض سماع المزيد: لكنه الواقع الذي علينا ان نتقبله جميعا..وهو الذي فرض علينا ان نفترق انا وحسام الى الابد..
قال مازن وهو يكور قبضتيه بغضب: بهذه السهولة يا مها؟.. المجرد ان والدي قد رفض هذه الزيجة؟.. تنهارين هكذا.. وتسلمين نفسك لذلك المستهتر احمد..
صرخت مها قائلة: اذهب.. يكفي هذا.. لم اعد احتمل.. دعوني وحدي.. لا شأن لأحد بي..
ضرب مازن الباب بقبضته وهتف بها: افتحي يا مها.. واخبريني سبب ما تفعلينه بنفسك وبحسام..
صرخت مها مرة اخرى قائلة والدموع قد تفجرت من عينيها: قلت لك اذهب.. الا تفهم.. اذهب.. لا شأن لاحد بي..
ورمت بنفسها على الوسادة وهي تقول بصوت مرير لم يصل الى مسامع مازن: يكفيني ما حل بي.. فلا تزيدوا آلامي ارجوكم.. دعوني انسى حسام وانسى مشاعري ونفسي ولو لحظة.. لا داعي لأن تذكروني به في كل لحظة.. انا سأموت..فدعو موتي يكون بفائدة لكم كلكم..
ومازن الذي تنهد بحرارة .. وقف ينتظرها لمدة جاوزت الربع ساعة وهو يعيد طرق الباب.. ولما شعر باليأس.. تركها ومضى..وهو يقسم في قرارة نفسه ان لا يسمح بهذا الزواج ان يتم .. مهما كلف الامر..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
التفت عادل الى احمد وقال بهدوء: ها انت ذا قد بت قاب قوسين او ادنى من تحقيق رغبتك.. هل انت راض الآن؟..
قال احمد وهو يتطلع الى الطريق الذي امامه: ليس بعد.. لن اشعر بالرضى الا اذا تم عقد قراني على مها..
قال عادل ببرود: واليوم هو الخطوة الاولى لعقد القران هذا..
ران الصمت بينهما بعد عبارة عادل هذه.. حتى توقفت السيارة اخيرا بجوار منزل امجد.. ليهبط منهما الاثنان ويتوجها لطرق جرس الباب.. ولم يلبث ان استقبلهما امجد وهو يقول: تفضلا بالدخول..
دلف عادل ومن خلفه احمد.. وقادهما امجد الى غرفة الجلوس .. حيث اجتمع عادل واحمد وامجد.. وكمال ومازن اللذين انضما اليهما بعد دقائق..ودارت محادثات مختلفة بينهم.. قبل ان يقول عادل وهو يضع كأس العصير على الطاولة: طبعا يا امجد انت تعلم مسبقا.. اننا جئنا الى هنا.. لطلب يد ابنتك مها لابني احمد..وارجو ان اسمع منك الجواب بالموافقة..
قال مازن بسخرية وهو يتظاهر بحك ذقنه: اخبرني يا احمد ايهما تريد بالضبط؟.. قبل فترة جئت لخطبة ملاك.. واليوم جئت لتخطب مها .. يجب عليك ان تحدد مو قفك..
تطلع اليه احمد وقال بسخرية مماثلة: في الواقع عندما فوجئت بأن ملاك قد اختارتك ورفضتني.. ادركت انها لا تناسبني.. فذوقها في الاختيار كان بسيطا ولم يعجبني..
قال مازن باستفزاز: ذلك لانها اختارت الشخص الافضل ..
تدخل امجد في الحديث قائلا لينهي هذه المشادة الكلامية: في الحقيقة يا عادل .. انا موافق على مطلبك و...
قاطعه مازن في سرعة: وسنترك لمها فرصة للتفكير..
التفت له امجد وقال بحدة : مازن..
اما كمال فقد قال ببرود: وستمنحكما هي جوابها بعد ايام.. وان كنت اتمنى ان يكون كالجواب التي منحناكما اياه عند خطبتكما لملاك..
قال عادل وهو يعقد حاجبيه: لكن امجد قال انه موافق وكذلك ابنته..
قال كمال وهو يسند ذقنه لمسند المقعد: غير صحيح..
(بل صحيح)
التفت الجميع في دهشة الى مصدر الصوت الذي اخترق حديثهما بغتة.. واتسعت عينا مازن.. وشعر كمال بالغضب وهو يرى ان ناطق العبارة السابقة لم تكن الا مها..في حين تقدمت مها منهم وهي تقول بصوت اشبه بهدوء الليل؛ انا موافقة على احمد..
التفت لها احمد وتطلع اليها من رأسها حتى اخمص قدميها وارتسمت على شفتيه ابتسامة تحمل مزيجا من السخرية والانتصار.. في حين التفتت له مها لتحدجه لنظرة باردة تخفي ما تعانيه بداخلها.. ومن ثم اكملت طريقها لتجلس في المقعد المجاور لوالدها والذي كان قريبا من مازن.. وما ان فعلت حتى قال عادل بابتسامة: جيد انك اعلنت موافقتك السريعة على هذا الزواج.. فهذا يختصر علينا الكثير من الوقت..
في حين مال نحوها مازن.. وامسك بذراعها في قوة وقسوة وهو يقول: ما هذا الذي فعلته؟..
حاولت جذب ذراعها من قبضته وهي تقول ببرود: فعلت ما اراه صوابا..
قال مازن بحدة وعصبية: حمقاء.. اتظنين ان هذا سيجعلك تنسين حسام؟..وتنسين رفض والدي له؟..
اشاحت بوجهها قائلة: لست اظن أي شيء.. ومن فضلك دع ذراعي فأنت تؤلمني..
ترك مازن ذراعها وقال بعصبية وهو يضغط على حروف كلماته: فليكن يا مها.. سأدعك تفعلين ما تشائين.. وتحملي وحدك نتيجة موافقتك هذه..
قالها ونهض من مكانه قائلا بضيق واضح : بالاذن..
وغادر المكان بأكمله .. في حين تطلعت مها الى مكان قبضة يده وقالت متحدثة الى نفسها: ( انت لا تفهم يا مازن.. لا احد منكم يفهم ما افعله ابدا)..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كان الصمت هو سيد الموقف في تلك السيارة التي جمعت ملاك ومازن.. وهذا الاخير ينطلق بها في صباح اليوم التالي الى المستشفى كما وعدها سابقا لرؤية والدها.. وكلما حاولت ملاك ان تسأله عن شيء كان يجيبها باجابة مقتضبة ويعود الى صمته من جديد.. وقد شعرت ملاك حينها بأن مازن يفكر في امر ما.. او انه متضايق من امر معين..
وتسائلت قائلة بعد ان ملت هذا الصمت: مازن ما بك؟..هل هناك ما يضايقك؟..
ظل مازن صامتا لبرهة ومن ثم قال مجيبا: ليس تماما.. ولكن ...
قالت ملاك متسائلة: لكن ماذا؟..
زفر مازن بحدة وقال بضيق وحنق: تصرفات مها بدأت تدهشني في الآونة الاخيرة..
- لم؟.. ما الذي حدث؟؟..
قال مازن وهو يلتقط نفسا عميقا: لابد وانك تعلمين بأن والدي قد رفض حسام كزوج لها..
اومأت ملاك برأسها قائلة: بلى.. مها اخبرتني بهذا..
قالى مازن وهو يشد من قبضته على مقود السيارة: ولكنها بالتأكيد لم تخبرك بأمر خطبة احمد لها.. وموافقتها عليها..
شهقت ملاك وقالت بذهول كمن لم يتوقع خبرا كهذا: ماذا قلت؟؟.. هل هذه مزحة؟.. مها وافقت على احمد؟؟.. هذا غير معقول .. مستحيل تماما..فهي .. فهي...
بترت عبارتها دون ان تجرأ بأن تكملها قائلة بأن مها تحب حسام فكيف لها ان توافق على آخر سواه.. ولكن مازن فهم ما ترمي اليه.. فقال وهي يتطلع الى ملاك بطرف عينه: فهي تحب حسام.. اليس هذا ما تودين قوله؟..
التفتت له ملاك بحدة ودهشة ..ومن ثم لم تلبث ان عضت على شفتيها ظنا منها انها المسئولة عن معرفة مازن بهذا الامر قائلة: كيف عرفت ذلك؟؟..
هز مازن كتفيه قائلا: انها شقيقتي يا ملاك.. وامر بديهي ان اكون عالما بكل شيء يعنيها.. خصوص مشاعرها تجاه حسام.. والتي كنت اراها عليها منذ الطفولة..
صمتت ملاك وادارت وجهها عنه لتقول متسائلة بغرابة: اذا لم وافقت على احمد؟؟.. بالتأكيد هناك سبب..
اومأ مازن برأسه موافقا وقال: اظن هذا انا ايضا.. لهذا حاولت سؤالها مرارا وتكرارا .. لكنها تمسكت بالصمت.. او بعبارتها الدائمة بأن لا شأن لأحد بها..
غرقت ملاك في تفكير عميق لثواني ومن ثم قالت فجأة: انها تفعل هذا لسبب مهم وخطير جدا.. والا لما ضحت بنفسها وبحسام.. وقبلت الزواج من احمد وهي لا تحمل له اية مشاعر ..
توقف مازن بالسيارة بعد ان دخل من بوابة المشفى الخارجية .. واوقف سيارته في احد المواقف قائلا وهو يلتفت الى ملاك: يبدوا لي انك تعرفين تقريبا سبب ما تفعله هي بنفسها؟..
هزت ملاك رأسها وقالت: ليس تماما.. ولكني اظن ان هناك سببين يجعلانها توافق على احمد..
استمع لها مازن باهتمام وانصات شديدين..في حين اكملت ملاك قائلة: فاما ان تكون مها قد جُرحت من حسام جرحا عميقا دقعها لأن تنساه بأي طريقة او الانتقام منه بزواجها من احمد.. واما ان تكون مها تريد ان تتزوج من احمد لسبب يخصها او يخصكم..
وضع مازن كفه اسفل ذقنه وقال وهو يفكر: لا اظن ان حسام من النوع الذي قد يسبب لمها أي احزان.. لهذا فأنا ارجح الاحتمال الآخر.. ولكن ماهو هذا السبب الذي يجعلها تضحي تضحية كهذه؟.. انها ترفض اخبارنا حتى..
صمتت ملاك دون ان تجد جوابا تقوله.. فقال مازن وهو يبتسم ابتسامة شاحبة: دعك من كل هذا .. يجب علينا ان نسرع لتجري تدريباتك اليومية و...
قاطعته ملاك قائلة في سرعة: اريدان اذهب الى ابي اولا..
- لكن يا ملاك.. تدريباتك...
تطلعت اليه بعينين راجيتين وقالت: ارجوك اريد ان اطمئن عليه اولا..
قال مازن وهو يتنهد: فليكن..
وهبط من السيارة..ليخرج مقعد ملاك.. وتجلس عليه هذه الاخيرة.. قبل ان يتوجها الى داخل المستشفى ويستقلا المصعد الى الطابق الثاني.. وهناك غادرت ملاك في لهفة وهي تشعر بخفقات قلبها تزداد.. وهي تتوجه الى تلك الغرفة بكل ما استطاعت من سرعة بدفع عجلات مقعدها.. وابتسم مازن وهو يرى حماسها قائلا: انتظري يا ملاك.. سأدفعك ان اردت ..
قالت ملاك في سرعة وهي تمسك بمقبض الباب وتفتحه: لا داعي لذلك.. المهم ان ارى ابي و...
بترت عبارتها لينعقد حاجبيها بحيرة.. صحيح انها قد اعتادت ان تكون الغرفة هادئة.. لكن ليس الى هذا الحد.. انها حتى لا تسمع جهاز قياس ضربات القلب.. وحركت عجلات مقعدها اكثر لتصل الى داخل الغرفة قليلا.. وهنا هتفت وهي تضع كفها على شفتيها مانعة شهقة كادت ان تلفت من بينهما وتقول بخوف: اين ابي؟؟..
تطلع مازن بدوره بدهشة الى ذلك الفراش الابيض المرتب الذي بدا له وكأن لم ينام عليه احد بالامس.. واستغرب هذا الامر .. وراودته المخاوف حول هذا الامر.. فحسم امره وربت على كتف ملاك قائلا: سأسأل الطبيب عن والدك.. فربما قد نقل لغرفة اخرى..
قالها واسرع يغادر الغرفة تاركا ملاك في حيرة وخوف وقلبها ينتفض كطير ذبيح..
وتوجه مازن بخطوات سريعة وهو يحاول ان يجد أي ممرضة في الممر يسألها عن عمه خالد.. وما ان رأى احدى الممرضات اخيرا حتى قال: لو سمحت يا آنسة..
توقفت الممرضة وتسائلت قائلة: ماذا؟..
قال مازن بهدوء: اردت ان اسألك عن حالة السيد خالد الموجود بغرفة رقم (...)..
ومن جانب آخر.. كانت ملاك تحاول السيطرة على قلقها وخوفها وهي تحاول طمأنة نفسها قائلا: ربما تحسنت حالة ابي .. لهذا تم نقله الى غرفة اخرى .. اجل بالتأكيد هذا ما حدث.. لن يصيبه مكروه لانه سيعود الي ولن يتركني وحيدة..
وفاجأها دخول مازن الذي قال بهدوء وهو يتقدم منها: لقد تم نقل والدك الى غرفة اخرى.. فلنذهب..
تسائلت ملاك قائلة بقلق: لم؟.. ماذا حدث حتى يتم نقله الى غرفة اخرى؟..
ارتسمت على شفتي مازن ابتسامة غامضة لم ترها وهو يقول: ستعلمين بنفسك عندما تصلين اليه..
ودفع مقعدها ليسير في ممرات المشفى..ليصل الى تلك الغرفة.. وسمح لملاك ان تفتح الباب وهي تزدرد لعابها بقلق.. وحركت عجلات مقعدها ببطء وكأنها تخشى مما ستراه في داخل الغرفة..ولمحت بغتة جسد والدها الممدد على الفراش.. فاسرعت تدفع عجلات مقعدها في لهفة.. دون ان تنتبه الى ان الاجهزة والاسلاك التي كانت متصلة بجسده دائما لم تعد موجودة ..فيما عدا انبوب واحد يوصل اليه الفيتامينات التي فقدها جسده طوال فترة الغيبوبة..
والتقطت كفه في راحتها لتقول بهمس: كم اشتقت اليك يا ابي..
شعرت بكفه تضغط على كفها .. واتسعت عيناها بدهشة ولهفة وكادت ان تهم بقول شيء ما.. لولا ان فتح خالد عينيه وقال وهو يتطلع اليها بحنان: وانا اكثر يا ملاكي الصغير..
توقفت الكلمات في حلقها وهي تظن انها قد اخطأت السمع او ربما انها تتوهم من كثرة تمنيها لأن ينهض والدها..وتطلعت الى عينيه المفتوحتين بدهشة وذهول.. فقال مبتسما: ماذا بك يا صغيرتي؟.. لم تتطلعين الي هكذا؟.. لقد افقت من الغيبوبة وعدت لأجلك وحدك يا ملاكي..
تطلعت ملاك بعدم فهم للوهلة الاولى الى والدها والتفتت الى مازن وكأنها تطلب توضيحا منه او ان يؤكد لها ان ما تراه امامها حقيقة وليس من محض خيال..فقال بابتسامة حانية: ملاك .. انه والدك.. لقد نهض اخيرا وعاد اليك كما تمنيت طويلا ..
التفتت ملاك الى والدها بعينين مرقرقتين بالدموع وشاهدته في تلك اللحظة يعتدل في جلسته .. وقالت بصوت متحشرج وهي تمد كفها لتتحسس وجنة ابيها .. وكأنها لم تصدق بعد وجوده: اهذا انت حقا يا ابي؟..
امسك بكفها بحنان وقال وهو يتطلع اليها بحب: نعم انه انا يا صغيرتي.. كم اشتقت اليك يا..
وقبل ان يتم عبارته كانت قد القت نفسها بين ذراعيه وهي تقول بصوت باكي: لماذا ذهبت وتركتني؟.. الا تعلم اني في امس الحاجة اليك؟.. اني في حاجة لوجودك معي دائما.. لماذا تركتني يا ابي؟.. لماذا؟..
ربت والدها على ظهرها وقال بحنان: ملاك يا صغيرتي.. انت تعلم ان هذا اقوى مني ومنك.. انها مشيئة الله تعالى التي يجب علينا ان نتقبلها وان نصبر عليها.. ولتحمدي الله الآن على اني قد عدت اليك من جديد..
تمسكت ملاك به اكثر وقالت: حمدلله.. حمدلله.. لا تتركني مرة اخرى يا ابي.. لقد كدت ان اموت بدونك..
مسح على شعرها بحنان ابوي ومن ثم قال: لا تقولي هذا يا صغيرتي ..
وارتفعت عيناه الى مازن الذي قال مبتسما: حمدلله على سلامتك يا عمي.. وعلى عودتك الينا من جديد..
قال خالد بهدوء: الشكر لله..
فقال مازن مبتسما بسرور: لقد كانت ملاك تزورك يوميا وتدعو الله ان تعود اليها.. وهاقد استجاب الله دعوتها اخيرا ..
واردف قائلا:سأبشر والدي بهذا النبأ السعيد .. بالاذن..
كان يريد ان بفسح المجال لهما ان بتحدثا بحرية لهذا غادر الغرفة في سرعة.. وهو يخرج الهاتف من جيبه ويتصل بوالده في سرعة.. ليبشره بهذا الخبر..
ومن جانب آخر قال خالد وهو يمسح على شعر ملاك بحنان: يكفي يا صغيرتي.. لا احب ان ارى دموعك.. دعيني ارى وجهك الجميل وابتسامتك الرائعة..
وابعدها برفق عن صدرها ليقول مبتسما: هيا ابتسمي.. ولا تدعيني اقلق عليك..
ابتسمت ملاك ابتسامة صغيرة وقالت: لو تعلم كم اشتقت اليك يا ابي.. وكم احبك..
داعب وجنتها في حنان وحب قائلا: وانا اكثر يا صغيرتي انت كل شيء بقي لي في هذه الدنيا من بعد والدتك..
واخذ يتطلع اليها بحنان ولهفة وشوق وملاك تتطلع اليه بكل حب واشتياق لصوته.. لملامحه..لكلماته.. لحنانه.. وكل ما يخصه..
ورأته بغتة يتطلع اليها فية اهتمام قائلا بتساؤل: اخبريني يا ملاك.. كيف هي احوالك في منزل عمك طوال الفترة الماضية؟..
ابتسمت ملاك قائلة: على خير ما يرام يا ابي.. الجميع هناك يعاملوني بلطف وحب كما وان...
بترت عبارتها فجأة وقد شعرت بالتردد مما كادت تقوله.. لقد كادت ان تعترف له انها قد تزوجت من مازن.. لكن.. لقد افاق والدها من الغيبوبة لتوه..وهو سعيد برؤيتها وبعودته اليها..فهل يمكنها ان تخبره بذلك وقد يضايقه هذا الامر وهو بالكاد قد رآها؟..ثم هل سيقبل والدها بهذا الزواج؟.. وخصوصا من مازن الشخص الذي كان لا يحب ان تكون لها علاقة معه.. ظنا منه انه شاب غير جيد وانه لا يتمنى لها الخير وانه سيسبب لها الآلام بكلماته الجارحة او غير المبالية بها.. وان صدقت بعض من ظنون والدها.. صدقت في ان مازن قد سبب لها جروحا وآلاما قد لا تبرئ ابدا..
وجاءها صوت والدها ليوقظها من شرودها قائلا: كما وان ماذا يا صغيرتي؟..
قالت وهي ترسم ابتسامة مصطنة على شفتيها: كما واني كنت آتي لزيارتك يوميا مع مازن او مها..
واستمرت في الحديث اليه بكل اشتياق.. وهو كان يحاول ان يطمئن عن كل شيء يعنيها عندما غرق في تلك الغيبوبة.. عن احوالها.. صحتها.. معاملة عمها لها.. وفؤاد وعادل ان كانا قد اشتركا بأي عمل قد يؤذيها.. واجابت عليه ملاك بما تعرف قائلة اخيرا: لا.. فأنا لم ارى عمي فؤاد او عادل الا مرة او اثنتين.. ولا اظن انهما قد كانا يخططان لأي شيء تجاهي..
ابتسم والدها باشفاق قائلا وهو يتحدث الى نفسه: ( بل انت يا ملاك التي لا تفهم البشر.. انت التي تظنين الخير بالجميع.. وتحاولين تجاهل الشر الذي ينبع من عيونهم تجاهك.. لكن ها انذا قد عدت اليك اخيرا..لأحميك لآخر نفس يتردد في صدري .. ولن يتمكن شخص حينها من لمس شعرة واحدة من رأسك)..
واستيقظ من افكاره على صوت مازن وهو يدلف الى الغرفة قائلا وهو يبتسم: سوف يسرع الجميع بالحضور الى هنا فورا.. فلقد فرح والدي كثيرا بعد ان نقلت اليه خبر استيقاظك اخيرا ..
اومأ خالد برأسه لحظتها بتفهم.. في حين التفت مازن الى ملاك قائلا: هه يا ملاك.. الا تريدين ان نذهب الآن لتمارسي تدريباتك؟..
قالت ملاك في سرعة وهي تهز رأسها نفيا: لا.. اريد البقاء مع ابي..
قال مازن باصرار: لكنها ساعة واحدة يا ملاك وبعدها يمكنك العودة الى والدك..
تشبثت ملاك بذراع والدها وقالت بعناد: لا.. لن اتحرك من مكاني.. انا لم اصدق انه قد عاد الي اخيرا..
اما خالد فقد قال بحيرة: أي تدريبات تلك التي يتحدث عنها مازن يا ملاك؟..
وقبل ان تجيبه ملاك بنطق أي حرف.. قال مازن وهو يحاول الشرح: لقد سألت احد اطباء المخ والاعصاب عن حالة ملاك وقال لي حينها ان هناك املا لمن هم في مثل حالتها وقد تعود للسير على قدميها من جديد.. ولكن عليها اولا ان تجري بعض التدريبات التي ستساعدها لا حقا..
ظهرت ملامح الفرح على وجه خالد.. وبرقت عيناه في سعادة ونشوة قائلا: احقا؟..
ابتسم مازن وهو يومئ برأسه قائلا: بلى.. ولكن عليها ان تواظب على التدريبات اولا.. لمدة معينة..
التفت خالد الى ملاك قائلا بابتسامة واسعة وسعيدة: اذهبي يا ملاك.. اذهبي .. الاهم عندي هو ان اراك بصحة جيدة.. واراك تسيرين على قدميك من جديد.. هيا اذهبي..
هزت ملاك رأسها نفيا وتشبثت بذراعه اكثر قائلة: اريد البقاء معك فقط يا ابي ولست اريد الذهاب الى أي مكان آخر ..
ربت والدها على كفها وقال وفي عينه نظرة رجاء: لأجلي.. لساعة واحدة فقط..
قال مازن بدوره وهو يحاول اقناعها: ملاك هيا لنذهب.. لا تضيعي تعب اليومين السابقين .. لاجل يوم واحد..
قالت ملاك بتردد: سأذهب فيما بعد..
تطلع مازن الى ساعته وقال: لا يوجد وقت يا ملاك.. لنذهب لنصف ساعة فقط.. وبعدها يمكنك العودة..
التفتت الى والدها الذي ابتسم لها موافقا.. ومن ثم قالت وهي تزفر بحدة وتترك ذراع والدها ببطء: فليكن ولكن لنصف ساعة فقط..
اما خالد فقد قال وهو يتطلع الى مازن في امتنان: اشكرك يا مازن.. لقد ادخلت الفرحة الى قلبي من جديد..لا اعرف كيف اشكرك على معروفك هذا..
قال مازن وابتسامة واسعة تعلو شفتيه: انا لم افعل شيئا.. كل ما فعلته هو اني قد حاولت تقديم يد العون لملاك..ومنحها املا قد يرسم السعادة على شفتيها من جديد..
تطلع خالد اليه مرة اخرى بابمتنان.. في حين ابتسم له مازن بهدوء قبل ان يدفع مقعد ملاك بهدوء التي قالت بلهفة: سأعود سريعا يا ابي.. ابقى مستيقظا..
ضحك قائلا: فليكن يا صغيرتي..
ومن ثم لم يلبث ان شرد بذهنه.. وهو يتخيل ملاكه تعود للسير على قدميها من جديد.. ورقص قلبه بفرحة كبيرة وهو يتمنى ان يتحقق هذا الامل ويتحول الى واقع ذات يوم...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
( مها.. فلتجهزي بسرعة.. فسنغادر)
استغربت مها صوت كمال المتلهف الذي جاءها من خلف الباب والذي يطلب منها ان تجهز ليغادروا الى مكان مجهول.. فقالت متسائلة وهي تفتح الباب: نغادر؟.. الى اين؟..
قال في عجلة: الى المشفى.. فقد افاق عمي خالد من غيبوبته اخيرا..
خفق قلب مها في فرح وقالت بابتسامة سعيدة: اخبر ملاك بسرعة.. فسوف تفرح بذلك..
قال كمال وهو ينصرف مبتعدا: انها معه في المشفى.. هي ومازن.. فهذا الاخير هو من ابلغنا بأمر عمي..
ابتسمت مها وقالت وهي تخرج هاتفها من جيبها وتعود لتدلف الى غرفتها: اذا سأخبر حسام.. بالتأكيد سيفرح عندما يعلم بهذا الـ....
وتصلبت اناملها قبل ان تضغط رقما واحدا.. وتجمدت نظراتها على الهاتف المحمول.. تريد ان تخبر حسام؟.. بأي صفة؟.. انسيت في غمرة فرحها هذا انها مخطوبة لأحمد؟.. وانها قد وافقت على هذه الخطبة.. يالها من حمقاء.. انسيت واقعها المر الذي تحياه بهذه السرعة؟.. ونسيت ان حسام الذي تحبه بكل نبضة من نبضات قلبها لم يعد لها ابدا...
وتوجهت الى خزانتها وعلى شفتيها ابتسامة مريرة قائلة: يكفي احلاما يا مها.. احلامنا هي من تقتلنا.. هي من تحطمنا.. انت الآن مخطوبة لأحمد.. فأنسي أي شيء يتعلق بحبك الوحيد.. وتذكري ان ليس كل ما نتمناه.. يجب ان نحصل عليه.. فالواقع شيء.. والامنيات شيء آخر...
وافاقت من افكارها على صوت رنين هاتفها المحمول.. ولم تعلم لم توجهت اليه في لهفة وهي تأمل ان يكون حسام هو المتصل .. لكن نظرة الالم في عينيها وهي ترى اسم احمد يضيء على شاشة هاتفها.. جعلها تشعر بالحنق وتقول بغضب: تبا لك يا احمد.. كل ما حدث بسببك انت.. ليتك ترحل من حياتي.. ليتك لم توجد في هذه الدنيا اصلا.. انت سبب كل ما يحدث لي.. اتمنى لو تختفي من حياتنا نهائيا.. اتمنى هذا..
وتنهدت بمرارة.. وهي تغير ملابسها على عجل.. قبل ان ترسم على ثغرها ابتسامة مفتعلة.. وتغادر غرفتها.. ويدها قد تعلقت بشيء ما في جيبها.. شيء غالٍ على قلبها واغلى من أي شيء تمتلكه.. كانت يدها تقبض على نصف القلب بكل لوعة ومرارة والم....
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الثاني والاربعون
"انفصال!"
كان خالد غارقا في افكاره حول ابنته.. حين اقتحم افكاره تلك.. صوت لفتح الباب.. وصوت شقيقه امجد وهو يقول: حمدلله على سلامتك يا خالد.. لم اصدق انك قد افقت عندما نقل الي مازن الخبر..
قال خالد ببرود: لم؟.. هل كنت تتمنى لي العكس؟..
قال امجد وهو يعقد حاجبيه: خالد.. ما هذا الذي تقوله؟.. انت شقيقي واتمنى لك كل خير بكل تأكيد..
قال خالد بلامبالاة: وعادل وفؤاد شقيقاي كذلك.. ومع هذا لم يتمنيا لي الخير..ولتعلم انهما السبب في وصولي الى المشفى..
وقبل ان يتساءل امجد عن كيفية ذلك تقدم كمال من عمه وقال بابتسامة هادئة: حمدلله على سلامتك يا عمي.. سعدت كثيرا عندما علمت انك قد عدت الينا اخيرا..
ومهاالتي قالت بابتسامة واسعة: لو تعلم يا عمي كم فرحت عندما علمت بهذا الخبر.. وخصوصا وان ملاك ستحلق من السعادة عندما تراك قد عدت اليها اخيرا..
وتسائلت وهي تتلفت حولها: بالمناسبة .. اين هي؟..
قال خالد بهدوء: لقد ذهبت لاجراء تدريباتها..
قالت مها وهي تعقد حاجبيها: أي تدريبات تلك؟..
قال خالد بحيرة: الم يبلغكم مازن بشيء عن هذا الامر؟..
قال امجدوهو يعقد حاجبيه: ابدا..
قال خالد وحيرته تتضاعف: لا اعرف لم فعل..لكنه قد وجد املا لأن تقف ملاك على قدميها من جديد.. ولهذا عليها ان تمارس بعض التمرينات التأهيلية اولا..
اشرق وجه مها بالفرحة وصاحت هاتفة: احقا؟؟..
اما كمال فقد قال بدهشة: لم يبلغنا بشيء كهذا ابدا..
هز خالد كتفيه في عدم فهم من اخفاء مازن لهذا الامر .. في حين جذب امجد لنفسه مقعدا وقال بهدوء: دعنا من هذا الآن.. سأسئله فيما بعد عن هذا الامر.. اخبرني الآن .. لقد قلت ان عادل وفؤاد كانا سببا في دخولك الى المشفى .. فكيف ذلك؟..
قال خالد بضيق : ظنا اني احمق ولن الحظ السيارة التي كانت تلحق بي يوم الحادث.. والتي هدفها معرفة مقر سكني.. ولكني لاحظتها ولهذا حاولت الفرار من امامها.. لكن ما حدث هو اني اصطدمت بسيارة اخرى.. وهذا ما جاء بي الى هنا ..
قال امجد غير مصدقا: عادل وفؤاد يفعلان هذا.. لست اصدق ..
- ولماذا لا تصدق؟.. اتظنهما يتمنيان لي الخير.. على العكس انهم يتعجلون موتي.. لتكون املاكي من نصيبهم .. ولكن هذا لن يحدث ابدا.. فكل املاكي قد سجلتها باسم ملاك..
قال امجد بهدوء: خيرا فعلت .. وان كان هذا قد سبب لنا بعض المشاكل مع فؤلد وعادل.. ولكننا تمكنا من السيطرة عليهافي الوقت المناسب..
قال خالد متسائلا: وكيف ذلك؟..
تطلع اليه امجد وهو متردد من اخباره بأمر زواج ملاك من مازن دون علم منه.. لكنه في النهاية قد حسم امره وقرر ان يخبره.. لهذا فقد تطلع اليه وقال بجدية: في الحقيقة لقد...
وقبل ان ينطق بحرف واحد اضافي كان قد قاطعه دخول.. شخص ما الى الغرفة.. شخص لم يرد ان يتحدث امامه بأي شيء عن هذا الموضوع...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كانت ملاك تبذل جهدا كبيرا في محاولة جاهدة للتمسك بالقضبان الحديدية التي على كلتا جانبيها والتي ستساعدها على الوقوف.. وتجمعت قطرات العرق على جبينها لتعبر عن مدى ارهاق جسدها.. وشعرت بنبضات قلبها المتسارعة وانفاسها المضطربة .. وهي تسمع الطبيب يهتف بها قائلا: هيا حاولي..
هزت ملاك رأسها قائلة بتعب وارهاق وهي تلهث: لا استطيع ..
قال الطبيب باصرار: لا اريد سماع مثل هذه الكلمات.. هيا حاولي..
قالت ملاك بارهاق: انا فعلا لا استطيع.. واشعر بارهاق شديد.. والم في كلتا ذراعي في محاولتي لرفع جسدي..
قال الطبيب وهو يعقد حاجبيه و يتطلع اليها: لقد بدأنا التدريب منذ عشرون دقيقة فقط.. وانت لا تزالين بحاجة الى تدريب لربع ساعة اخرى على الاقل..
التفتت ملاك الى مازن الذي كان يقف بانتظارها بهدوء وتطلعت اليه بعينين راجيتين ومن ثم قالت وهي تزفر بحدة: لكني تعبت..
اقترب منها الطبيب وقال بهدوء: الا تريدين ان تسيري على قدميك؟..
اومأت ملاك برأسها..فقال الطبيب بابتسامة هادئة: عليك اذا الصبر واحتمال تدريباتك.. فكل علاج يكون صعبا في بدايته وان كان ينتهي في النهاية الى نتيجة مُرضية..فمثلا الدواء ذا الطعم المر الذي يضطر الانسان لتناوله لكي يشفى من مرضه.. والعمليات الجراحية التي تسبب الما كبيرا لمن يجريها.. لهذا اطلب منك يا ملاك مجرد المحاولة والاصرار.. وصدقيني لو كان لديك امل بأنك ستستطعين فعل ما تريدين وعزيمة على ذلك.. فحينها سيمكنك فعل ما تريدين حقا..
ابتسمت ملاك وقالت ببعض الارهاق: حسنا .. سأحاول من جديد..
قال الطبيب بابتسامة: هكذا اريدك.. هيا حاولي..
عاودت ملاك محاولاتها وفي كل مرة كان الم ظهرها يشتد .. لكنها كانت تتحامل على نفسها.. لترفع جسدها من جلوسه.. وتقف ولو لثانية.. لكن محاولاتها باءت بالفشل ..
ومازن الذي اشفق على حالتها اقترب منها في تلك اللحظة وقال بابتسامة مشفقة: يمكنك فعلها يا ملاك انا اعرف..
قالت ملاك وهي تحاول التقاط انفاسها: لقد بدات اشعر بالعجز .. لن استطيع الوقوف ابدا..
قال مازن بحزم: بل تستطيعين .. فقط لا تستسلمي..
لم تعلم ملاك لم في تلك اللحظة راودتها ذكرى ذلك الحلم.. ربما لان الحوار الذي تبادلاه الآن مشابه لما دار بينهما في حلمها .. ومنحتها هذه الذكرى مزيدا من الاصرار وهي تتذكر انها قد تمكنت من الوقوف في الحلم.. فعادت تحاول من جديد.. وحينها سمعت الطبيب يقول: حاولي بجهد اكبر .. بقوة اكبر.. يمكنك فعلها..
لكن ملاك توقفت عن ما تفعله وقالت بتعب وارهاق شديدين: لن يمكنني.. اشعر ان عضلات ذراعي قد تمزقت..
تطلع اليها الطبيب في اشفاق ومن ثم نظر الى ساعته ليقول بهدوء: فليكن يكفي لهذا اليوم..
اما مازن فقد عاد ادراجه ليلتقط كأس من الماء كان قد احضره معه ووضعه على احدى الطاولات جانبا.. وقدمه لملاك قائلا بابتسامة: اشربي.. فلا بد انك تشعرين بالعطش بعد هذا التدريب الطويل..
التقطت ملاك منه الكأس وقالت بامتنان : شكرا لك..
منحها مازن نظرة حانية.. ورآها تملأ جوفها بنصف ما يحتويه الكأس من الماء ومن ثم قالت بابتسامة: حمدلله..
واردفت في سرعة: والآن فلنعد الى ابي يا مازن..
اومأ مازن برأسه وهو يلتقط الكأس من كفها ومن ثم لم يلبث ان تطلع اليها قائلا: أأخبرك بشيء يا ملاك؟..
تطلعت اليه بتساؤل.. فقال وهو يغمز بعينه: تبدين مختلفة هذا اليوم .. اجمل من كل مرة رأيتك فيها..ربما هذا من تأثير سعادتك لدى رؤية والدك..
اطرقت ملاك برأسها وتوردت وجنتاها بخجل.. فقالت محاولة تغيير دفة الحديث: فلنذهب اليه بسرعة..
قال مازن مبتسما بمرح: فليكن يا ملاكي..
وسار وهو يدفع مقعدها بين ممرات المشفى حتى وصل اخيرا الى غرفة والدها ودلف اليها هو وملاك وسمع والده يقول في تلك اللحظة: في الحقيقة لقد...
ووجد والده يبتر عبارته ويتطلع الى ملاك ومن ثم يصمت وملاك التي تجاهلت الجميع وتوجهت الى والدها قائلا: كيف حالك الآن يا ابي؟.. هل تشعر انك بصحة جيدة؟.. ومتى ستخرج من المشفى؟..ام انهم لم يخبروك بعد؟..
ابتسم لها والدها وقال وهو يربت على راسها: لن تتغيري ابدا يا صغيرتي..
ومن ثم اردف قائلا: لا اعرف متى سأغادر بالضبط لكنهم يريدون اجراء بعض الفحوصات اولا..
اومأت ملاك برأسها بتفهم.. ومن ثم سالها قائلا: اخبريني انت .. كيف كانت تدريباتك؟..
ظهر الضيق على وجه ملاك وقالت: مرهقة..
ربت على كتفها بحنان وقال مشجعا: عليك ان تحتملي يا صغيرتي حتى تعودي للسير على قدميك..
اما امجد فقد التفت الى مازن وقال متسائلا وهو يعقد حاجبيه: لماذا لم تخبرنا بأمر هذه التدريبات يا مازن؟..
وتسائلت مها بدورها قائلة: صحيح.. لم لم تخبرنا بأمرها؟..
التفت مازن الى والده وقال ببعض الارتباك: في البداية كان الامر مفاجئا ولم اكن متأكدا من ان هناك امل حقا.. ومن ثم عرضتها على الطبيب فقرر اجراء بعض التدريبات التأهيلية .. وكنت سأخبرك يا والدي حقا اليوم..
صمت عنه امجد ومن ثم التفت الى خالد الذي ظل يتحدث الى ابنته دون ان يلحظ خاتم الخطبة الذي يحيط باصبعها.. وتنهد وهو لا يعرف بم سيجيب خالد لو سأله عن هذا الخاتم امام ابنته.. لكنه حينها لن يجد مفر من قول الحقيفة امام ملاك.. مهما كانت ردة فعلها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
سار حسام بين ممرات ذلك النادي وهو يبحث بعينيه بين كل رواده .. بحثا عن شخصا ما والشرار يقدح من عينيه.. حتى ان زملائه في النادي قرروا تحاشيه هذا اليوم.. وهم يجدونه عصبيا.. غاضبا وغير متقبل لأية كلمة.. واستغربوا هذه الحالة التي يبدوا عليها حسام بعد ان عرف بالهدوء والمرح اغلب الاوقات ..
لكن احدهم لم يكن يعلم ان سبب هذه الحالة هو فقدانه لأغلى شخص على قلبه.. شخص مستعد لأن يضحي باي شيء لأجله.. ومستعد لأن يدفع حياته ثمنا لسعادته..وهذا الشخص بالتأكيد لن يكون الا مها.. حب حياته الوحيد وعشقه منذ الطفولة.. الذي يرفض ان تكون لسواه بهذه السهولة..
وظل يسير في كل ارجاء النادي بحثا عن شخص ما بعينه.. وما ان لمحه وهو يقف بجوار كافتيريا النادي.. حتى اسرع في خطواته وتوجه اليه ليقول بغضب وهو ينقض عليه ويمسك بسترته بقوة: ايها الوغد الحقير.. ايها الجبان المخادع..كيف تسمح لنفسك بفعل هذا بمها وبي؟..
شعر احمد بالمهانة من امساك حسام له على هذا النحو في النادي وامام الجميع وشتمه علىمرأى ومسمع من الجميع.. وقال بعصبية وهو يحاول ان يبعد ذراع حسام عنه: دعني ايها الحقير.. والا..
قال حسام مقاطعا اياه وهو يشد من قبضته على سترته وبكل غضب الدنيا متجاهلا عبارة احمد تماما وكأنه لم يسمعها: كيف سمحت لنفسك بخطبة فتاة تكرهك؟.. تبغضك.. لا تريدك.. وفوق كل هذاتستخدم هذه الطريقة القذرة في تهديدها لتقبل الزواج بك..
قال احمد وهو يزيح ذراعي حسام في قوة وخشونة: اذهب الى الجحيم.. مها لن تكون لشخص آخر غيري..
قال حسام بانفعال: اصمت.. انا من يحبها وهي تبادلني هذا الحب .. فلم تحشر نفسك بيننا وتحاول الزواج من فتاة تكرهك ولا تكن لك الا كل بغض..
رتب احمد سترته وقال وهو يتطلع الى حسام بسخرية وانتصار: لا يهم.. المهم انها وافقت على الخطبة.. وسيتم عقد قراننا الاسبوع القادم..
تضاعف الغضب في صدر حسام اضعافا مضاعفة ليجعله ينقض على احمد مرة اخرى ليمسك بياقة قميصه هذه المرة قائلا بثورة وهو يدفعه ليصطدم بجدار المبنى: انت تكذب.. لست سوى مخادع .. لن اصدق حرفا واحدا مما تقول ايها الوغد..
قال احمد وفي عينه نظرة شماتة: هذا شأنك سواء صدقت ام لا.. فسيعقد قراني على مها الاسبوع القادم .. وستكون انت اول المدعوين..
صك حسام على اسنانه بقوة وقهر.. وشعر بالغضب والانفعال يكادان يجعلانه يقتل احمد بين يديه.. وهو يزداد من شده على رقبة هذا الاخير.. ولم يلبث ان دفعه بقوة.. ليسقط ارضا وهو يقول: ستندم يا احمد.. اقسم على انك ستفعل.. سأحول حياتك الى جحيم.. ولن تهنأ مع مها ابدا.. لأنك تزوجتها مستغلا حبها لعائلتها.. ولا تنسى انك بهذا تظلمنا.. والظالم لا يهنأ بحياته طويلا.. وسترى هذا بنفسك..
قال احمد وهو يهب واقفا من سقطته ويحاول ان يتظاهر بالقوة: لا تحاول انكار انتصاري عليك مع كل هذا.. فلقد حظيت انا بمن تحب في النهاية.. وانت ستعيش في عذاب الى الابد.. يالك من مسـ...
عند هذا الحد لم يحتمل حسام ووجد نفسه يكور قبضته ليلكم احمد بكل ما ملك من قوة.. لكمة ادمت شفتيه وجعلته يتراجع ثلاث خطوات الى الخلف.. وما ان تنبه احمد لما حدث ولامست انامله شفتيه ليرى الدماء التي سالت منهما حتى قال بغضب وجنون: ايها الحقير..
وتعارك الاثنان بكل ما يملكان من قوة..احدهما يدافع عن حبه وحياته التي ستنتهي .. والآخر يحاول الانتقام ممن اهانه.. وكان ظاهر للعيان ان حسام هو المنتصر بقوامه الرياضي ..واسرع عدد من رواد النادي بمحاولة لفك هذا الاشتباك.. ولكن حسام ظل يردد في قوة وهو يفلت نفسه من بين الاشخاص الذي حاولوا الامساك به: لن تتزوج مها ولو على جثتي يا احمد.. سأحول حياتك الى جحيم لو فكرت فيها فقط .. اتفهم؟..لن تتزوجها.. ولو كلفني ذلك حياتي..
ومسح الدماء التي كانت نتيجة لعراكه مع احمد من على شفتيه.. قبل ان يقول بحقد: ليتك تموت يا احمد .. لنحيا في سلام .. كل ما يحدث لنا من مشاكل انت سببها.. ليتك تموت ليتخلص العالم منك..
اما احمد الذي اخذ يلهث في تعب قال بانفعال: فلتذهب الى الجحيم.. لن يموت الا امثالك من الضعفاء..
تطلع اليه حسام بحقد.. بثورة وبغضب..ومن ثم لم يلبث ان ابتعد عن المكان وهو لا يجد جدوى من مواصلة هذا العراك الغير مجدي مع شخص وغد مثل احمد.. لكنه كور قبضتيه في مرارة وغضب وهو يغادر النادي .. وما ان وصل سيارته حتى القى نفسه بداخله.. وقال وهو يحاول التقاط انفاسه بكل مرارة الدنيا: احقا وافقت على هذا الحقير يا مها؟.. احقا فعلت وقطعت الامل الأخير الذي بيننا؟.. لست اصدق هذا.. ولا اريد ان اصدق.. تبا لكل شيء.. وسحقا لهذا العالم الذي لا يحيا فيه بسعادة وهناء الا الاغنياء.. اما امثالي فهم يعانون الامرين من هذه الدنيا الغادرة.. التي تفرق بين الناس لمجرد قطع نقود لن تلبث ان تنتهي في يوم.. سحقا.. والف سحقا..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قال امجد بهدوء وهو ينهض من مقعده: هيا فلنذهب يجب ان نترك خالد يستريح قليلا..
قال خالد بهدوء: اشكرك على الزيارة على اية حال..
قال امجد بابتسامة: لا مكان للشكر بين الاشقاء..
رمقه خالد بنظرة دون ان يعلق.. في حين قال مازن وهو يتحدث الى ملاك: هيا يا ملاك.. علينا ان نغادر..
تطلعت ملاك الى مازن وقالت برجاء: اريد ان ابقى مع ابي وقتا اطول..
قال مازن مبتسما: الم يكفيك كل هذا الوقت التي قضيته هنا؟..
استغرب خالد هذا التبسط في الحديث بينهما.. وكأن كلاهما يعرف الآخر جيدا ومنذ وقت طويل.. يا ترى هل تغير شيء في اثناء سقوطه في الغيبوبة؟..
وقالت مها في تلك اللحظة متحدثة الى مازن: دعها تبقى مع والدها يا مازن.. فهي لم تره الا منذ ساعتين فحسب.. لابد وانها تشعر بشوق كبير له.. ولا تقلق عليها.. فقط ارسل لنا السائق بعد ساعة او اثنتين من الآن لو كنت مشغولا..
تطلع اليها مازن وقال متسائلا: استبقين معها انت الأخرى ايضا؟..
قالت مها مبتسمة: وماذا في ذلك؟..انني سأبقى مع عمي وشقيقتي..
قال مازن باستسلام وهو يهز كتفيه ومن ثم يضع كفيه في جيبي سترته: فليكن.. فلتبقيا انتما الاثنتان مع عمي خالد وسارسل لكما السائق بعد ساعة من الآن..
قالت ملاك بلهفة ورجاء: اجعلها ساعتين..
تطلع لها مازن في استخفاف ومن ثم قال: وما رأيك ان آتي لكي آخذك غدا.. افضل صحيح؟..
ابتسمت ملاك باحراج في حين قال خالد وهو يحيط كتفي ابنته بساعده بحنان: ولم لا؟.. انا اريد ان تبقى صغيرتي بجواري اطول وقت ممكن..
قال مازن بتوتر: لكن يا عمي .. انت بحاجة الى الراحة و...
قال خالد بهدوء: ارسل من تريد لاصطحابهما بعد ساعتين كما تريد ملاك..
ابتسم مازن وقال : فليكن يا عمي.. لا يمكنني قول شيء من بعدك.. حمدلله على السلامة مرة اخرى.. ومع السلامة..
وقبل ان ينصرف مال على ملاك قليلا ليقول بصوت خافت: حاولي ان تعرفي سبب الموافقة من مها؟..
اومأت ملاك براسها فقال بصوت هامس شعرت بدفئه: سأشتاق اليك..
تضرجت وجنتي ملاك بحمرة الخجل ولكنها حاولت اخفاء ذلك حتى لا يلمح والدها هذا التغير الذي ظهر عليها.. لهذا قالت بسرعة: حسنا سأفعل..
كان يدرك مازن انها محاولة منها لعدم توضيح الامر امام والدها.. وادرك انها لا تريد لوالدها ان يعرف بهذا الزواج.. لسبب ما كامن في اعماقها..لكنه لم يحاول معرفته بل انصرف من الغرفة.. وما ان فعل.. حتى استدار خالد الى ملاك وقال وهو يعقد حاجبيه في ضيق: هل معتاد مازن على التعامل معك بكل عفوية هكذا؟..
قالت مها بحيرة وهي تجيب عن سؤاله: بكل تأكيد .. فهو ...
قاطعتها ملاك في سرعة قائلة: فهو قد اعتاد الحديث الي والتعامل معي ونحن في منزل واحد بكل عفوية طوال شهر كامل..
لم يقتع خالد كثيرا ونظر الى ابنته بتشكك التي لم تكن تخفي عنه أي شيء في الماضي.. لكنه هذه المرة شعر انها تخفي شيئا ما عنه.. ولم يلمح حركتها المتوترة في تشبيك اناملها في محاولة منها لاخفاء خاتم الخطوبة..
اما هو فقد تسائل بهدوء: حسنا ومن كان يدير الشركة في اثناء ما جرى لي؟.. اهو والدك يا مها؟..
قالت مها بعد تفكير: اظن انه مازن.. بتوكيل رسمي من ملاك..
قال خالد باستغراب: مازن؟؟.. وكيف له ان يدير شركة بأكملها..
قالت مها مبتسمة: والدي يساعده احيانا.. ولكن مازن له خبرة في هذا المجال عن طريق عمله مع والدي لعامين تقريبا..
اضافت ملاك قائلة: كما وان مازن قد تخصص في مجال السياحة الذي اظن انه سيفيده في مجال عمل الشركة الذي يختص بالاستيراد والتصدير..
التفت لها والدها ورمقها بنظرة طويلة قبل ان يقول: يبدوا انك تعلمين الكثير عن مازن..
ارتبكت ملاك وقالت : لقد قضيت في منزل عمي لاكثر من شهر تقريبا..ولهذا اعلم عنهم الكثير كما تقول يا ابي ..
التقط نفسا عميقا ومن ثم قال: كلها ايام واغادر المشفى وبعدها سيعود الوضع كالسابق.. وستعودين معي الى المنزل اخيرا يا ملاك..
ابتسمت ملاك وقالت بفرحة: نعم اخيرا يا ابي .. اخيرا..
لكن تلك الفرحة تبددت من على وجهها وهي تتذكر ارتباطها بمازن.. صحيح ان حفل زفافها لم يقم بعد.. لكن هذا لا ينفي انه زوجها.. ولا تعرف حقيقة كيف ستنقل مثل هذا الخبر الى والدها..وكيف سيكون وقع الخبر عليه.. لكنها حسمت امرها بأن تخبره بذلك بعد ان يغادر المشفى نهائيا .. وعندها ستعرف ردة فعل والدها على هذا الزواج.. وستحاول اقناعه بأن هذا الزواج قد حدث برغبتها.. لمشاعرها القوية تجاه مازن .. وحبها الكبير له...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
كان مازن في طريقه لمغادرة المنزل.. حين سمع صوت والده الذي كان يجلس على مقعد في ردهة المنزل الواسعة يناديه قائلا: مازن..
التفت مازن الى والده وقال متسائلا: ما الامر يا والدي؟..
قال والده بحزم وهو ينهض من مكانه ويقترب منه: اريدك في موضوع مهم.. اتبعني الى المكتب..
قال مازن بحيرة: الآن؟..
قال والده بصرامة وهو يستدير عنه ويدلف الى غرفة المكتب: اجل الآن.. فالموضوع مهم ولا يحتمل التأجيل..
شعر مازن بالقلق والفضول من هذا الموضوع الذي يستدعيه لأجله والده والذي لا يحتمل أي تأجيل كما يقول.. ودلف الى غرفة المكتب ليجد والده يقترب منه ويقول: ها قد نهض خالد اخيرا من غيبوبته .. وبذلك انزاح عن كاهلنا حملين ثقيلين.. اولهما شركته واملاكه التي سيعود لادارتها بمعرفته.. وثانيهما ...
وتوقف لحظة عن مواصلة الكلام قبل ان يلتفت الى مازن ويقول بحزم: وثانيهما ابنته ملاك ..
قال مازن بعدم فهم: لم افهم ما تعنيه يا والدي..
تطلع والده الى عينيه مباشرة وقال بصرامة: لقد كان زواجك من ملاك لأجل حماية املاكها.. ومنعها من ان تقع بين يدي فؤاد وعادل.. ولقد انتهت مهمتك الآن..
خفق قلب مازن بقلق وتوتر وقال بكلمات متوترة: لم افهمك ايضا يا والدي..
اقترب والده منه وقال وهو يعقد حاجبيه : اعني انه جاء الوقت لكي تنفصل عن ملاك كما اتفقنا سابقا..
بهت مازن.. واتسعت عيناه في قوة..وقد زلزلت الصدمة كيانه .. لتجعله يردد: انفصل عن ملاك؟؟..
اومأ والده برأسه وقال بتأكيد: اجل .. فلم يعد هناك أي حاجة من استمرار هذا الزواج.. وخصوصا بعد ان افاق خالد من غيبوبته..
هز مازن رأسه بقوة وكأنه ينفض عن راسه هذا الامر قائلا بحدة: كلا.. مستحيل.. لن انفصل عن ملاك..
شعر والده بالدهشة والذي لم يتوقع منه ردا كهذا.. وقال بحيرة: ماذا بك؟.. انسيت اتفاقنا السابق؟.. ثم الم تكن انت بنفسك رافضا لزواجك من ملاك لكونها فتاة عاجزة حسب قولك؟.. فما الذي تغير الآن؟..
قال مازن في سرعة وصدق: اشياء كثيرة يا والدي قد تغيرت في هذه الفترة.. لقد اصبحت ملاك اهم انسانة في حياتي.. لقد اصبحت كل شيء بالنسبة لي..ملاك جعلتني ابدوا انسانا مختلفا.. لقد غيرتني تماما ..
واردف قائلا وهو يشير الى قلبه: وغيرت هذا ايضا..
تطلع له والده للحظة مبهوتا مما يقول ومن ثم قال بحدة وهو يعقد حاجبيه: أي قول تقوله؟.. اتعني انك تريد اتمام زواجك على ملاك حقا؟.. تريد ان تحول الكذبة الى واقع..
عقد مازن ذراعيه امام صدره وقال بحزم: اجل.. سأتمم زواجي على ملاك..
تطلع له امجد غير مصدقا وقال بحيرة: من المستحيل ان تكون انت مازن.. الذي رفض الزواج من فتاة عاجزة بكل اصرار.. ولو اني لم اقنعه بنفسي بعد عشرات المحاولات لما رضخ لهذا الامر .. والآن تريد ان تكمل هذه المهزلة وتتزوج حقا من ملاك.. هذا مستحيل..
ولم ينتبه ايا منهما الى ذلك المقعد المتحرك الذي توقف بغتة بجوار غرفة المكتب.. وصاحبته تبدوا كتمثال جامد وعيناها متسعتان على آخرهما وهي تستمع الى هذه الحقيقة القاسية .. وقد تلقت من الصدمات والطعنات القاتلة ما يكفي.. وشعرت بخفقات قلبها تخفق بسرعة كبيرة وكأنها ستتوقف.. ووجدت دموعها تتساقط على كفيها دون ان تمتلك قدرة على مسحهم حتى مع تلك الانامل المرتجفة..ولم تلبث تلك الارتجافة ان انتقلت الى جسدها كله..
ومن جانب آخر كان الحوار لا يزال دائرا .. ومازن يقول بكل اصرار وتحدي: ولم مستحيل يا والدي؟..
قال والده وهو يلوح بكفه: كيف سنواجه المجتمع والناس بزواج ابني من فتاة عاجزة؟؟..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: لقد واجهناه بالفعل عندما عقدت قراني على ملاك..
قال والده بعصبية: كان ذلك امرا مختلفا.. وكنا مضطرين لعقد القران هذا.. لم لا تفهم؟..
قال مازن بعصبية مماثلة: بل لم لا تفهم انت يا والدي بأني من المستحيل ان انفصل عن ملاك.. من المستحيل ان اطلقها بكل سهولة واتركها..لقد غدت اغلى ما املك.. اغلى الناس على قلبي واحبهم الي.. اصبحت كالهواء الذي اتنفسه والذي لا يمكنني التخلي عنه.. اصبحت هي الروح التي تغذي هذا الجسد.. اخبرني يا والدي.. هل يمكنك ان تحيا جثة هامدة بلا روح؟.. اخبرني..
قال والده بخشونة وقسوة: يكفيك كلاما شاعريا لا نجد له مثيل الا في الروايات..ملاك لا تناسبك.. ولقد كان زواجك بها خطئا منذ البداية .. وها انذا احاول اصلاحه الآن ..
كور مازن قبضته وضرب بها الجدار بكل قوة ليقول بعصبية وانفعال شديدين: لا يهمني احد.. لا تهمني المظاهر او الناس.. لن اطلق ملاك مهما يحدث..
قال والده بخشونة: مازن انظر الى من تتحدث.. انا والدك.. من واجبك اطاعتي..
قال مازن بحدة: ومن واجبك انت ايضا مراعاة مشاعر ابنك.. كيف تفكر بكل هذه القسوة ان تحرم ابنك ممن يحب؟.. وملاك الم تفكر ما الذي سيحدث بها وانت تعلم يقينا انها متعلقة بي بكل كيانها..
قال والده وهو يشير الى رأسه: لم لا تفكر بمنطقية؟.. ستصبح انت المسئول عن ملاك بعد زواجك منها.. وبدلا من ان ترى هي حاجياتك .. سترى انت حاجياتها.. ستساعدها في كل شيء.. ستكون كالحمل الثقيل الذي لن يمكنك ان تتحمله..
حزت كلماته نفس مازن.. فهذا التفكير كان يدور في عقله حقا قبل ان يرتبط بملاك .. وشعر بالخجل من نفسه.. وهو يرى ان افكاره وافكار والده متشابهة.. لكنه قال وهو يحاول ان يجد سبيل لاقناع والده: لكني المسئول عنها الآن ..وارى كل حاجياتها.. وهذا لا يسبب لي أي تعب على العكس اشعر اني سعيد عندما اقوم به.. لاني افعل ذلك لمن احب..
اشاح امجد بوجهه وقال ببرود: هذا الموضوع يجب ان ينتهي عاجلا ام آجلا..وملاك ستنفصل عنها شئت ام ابيت.. لن اوافق ابدا على اتمام زواجك منها..
قال مازن بتحدي واصرار: افعل ما شئت يا والدي.. لكني لن اطلق ملاك..ويكفيك ما فعلته بمها وقتلها ببطء على ذلك النحو .. فلا تتسبب في قتل ابنا آخر من ابناءك بكل تلك القسوة وبدون أي رحمة او شفقة منك..
شعر امجد بقلبه يرق في تلك اللحظة على ذكر مها.. تذكر الحزن الذي تعانيه هذه الايام.. وشحوب وجهها.. وذبولها على ذلك النحو.. ووجد نفسه يتنهد بألم.. وهو يرى مازن يغادر غرفة المكتب.. ومن ثم يقول بكل حزم ما ان اصبح خارجها: لن يفرقني شيء عنك ابدا يا ملاك.. مهما كان الثمن..
وبحث بعينيه عنها في الردهة ..ولما لم يجدها ادرك انها في غرفتها..فتوجه بخطوات سريعة الى غرفة ملاك ليطرق الباب ..لكن لم يأتيه الجواب على ذلك الطرق.. وعاود الطرق مرات عديدة وهو يهتف بصوت عالي: ملاك .. هل يمكنني الدخول؟.. هل انت نائمة؟.. ملاك..
لم يأتيه الجواب كذلك.. ووجد نفسه مضطرا لادارة مقبض الباب.. والدخول الى الغرفة.. وحينها وجد ملاك جالسة بكل هدوء أو هذا ما هيىء له لحظتها..وهو يراها تتطلع الى طائرها بصمت .. واقترب منها ليقول بتساؤل وعلى شفتيه ابتسامة باهتة: ملاك.. لم لم تجيبي على طرقات الباب؟..
لم تستدر له ملاك.. ولم تكلف نفسها حتى عناء النظر اليه.. بل ظلت جامدة في مكانها.. تطلع الى ذلك الطائر بسكون .. فقال مازن بحيرة مستغربا هذا الصمت: ملاك لم لا تجيبين؟ .. تحدثي الي..
ظل الصمت على حاله .. وملاك كالصورة الجامدة التي لا تتحرك فيما عدا صوت انفاسها المنتظمة.. وقد ظهرت على وجهها علامات البرود التي تخفي البركان الذي يعتمرفي اعماقها..
وللمرة الثالثة عاد مازن ليتساؤل بدهشة وقد ارتفع صوته: ملاك.. تحدثي الي.. لم انت صامتة هكذا؟.. ما الذي حدث لك فجأة؟.. اخبريني..
التفتت له ملاك هذه المرة وتطلعت له بنظرة باردة اقشعر لها بدنه .. فقال مازن وقد ارتفع حاجباه بدهشة: ما بك يا ملاك؟.. لم تتطلعين الي هكذا؟..
تطلعت اليه ملاك مرة اخرى بنظرة قاسية.. جعلته يشعر بالقلق من نظرتها هذه ومما ستقوله..ومن ثم انفرجت شفتاها لتنطقان بكلمة.. تمنى مازن بعد ان سمعها لو لم يطلب من ملاك التحدث او حتى يسألها عما بها.. تمنى لو كان اصما لا يسمع او يكون هذا مجرد كابوس وسيستيقظ منه بعد قليل..
لقد قالت وبكل قسوة وثورة في صدرها : طلقني...
،،،،،،،،،،،،،،،،
ملاك يا من تحملين قلبا عكس قوانين البشر
يا من أحببت شخصا بك قد غدر
تمنيت الحب والحنان فغرقت في لعبة القدر
وباتت حياتك كالبحر.. بين مد وجزر
فامضي في طريقك مع أول إطلالة للفجر
لتعرفي كيف يحيا البشر؟
ملاك يا حبا رفرف على أجنحة الطيور
يا زهرة كادت أن تذبل بين الزهور
حلقي بأحلامك.. فستعوضين يوما عما حرمتك منه الشرور
وابتسمي للحياة يا ملاكا تنشرين الخير والنور
فربما يقترب ذلك اليوم الموعود
وتتحقق أحلامك بعد كل هذا الصمود..
ليقترب منك فارس الأحلام بعد أن تبرئ الجروح
ويهتف بكل حب أنت "ملاك حبي" يا مهجة القلب والروح
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الثالث والاربعون
"ملاك حبي"
ايمكنكم ان تتخيلوا شعور الانسان الذي انقطع عنه الهواء فجأة ولم يعد يستطيع التنفس؟.. او بشعور الشخص الذي شلت اطرافه ولم يعد يستطيع التحرك او النطق بأي حرف؟ .. هذا كان شعور مازن بالضبط وهو يتطلع الى ملاك مصعوقا بما قالته..مصدوما بنظرتها التي تحمل حقد الدنيا كله..توقع ان تنطق بأي كلمة ما عدا هذه.. ووجد نفسه يتطلع الى ملاك ببلاهة وكانه لم يسمع ما قالته .. وقال محاولا ان يثبت لنفسه ان ما قالته منذ قليل كان وهما ليس الا: ماذا قلت يا ملاك؟.. لم اسمعك..
وشعور الغضب والقهر الذي لم يفارق ملاك بل تزايد وتضاعف جعلها تقول بكل قسوة: بل سمعتني.. لقد قلت لك .. طلقني يا مازن.. لا اريد ان اكون زوجتك.. طلقني..
اتسعت عينا مازن بدهشة .. ليس هي ايضا.. يكفيه جداله الطويل مع والده.. فلم هي ايضا تطلب منه هذا الطلب المستحيل؟ .. وامسك كتفيها بغتة ليقول بتساؤل ودهشة: لكن لم؟.. ما الذي حدث؟.. ما الذي فعلته حتى تطلبي الانفصال يا ملاك؟..
صمتت ملاك لوهلة ومن ثم لم يلبث ان غص حلقها بالمرارة وهي تقول وعينيها تترقرقان بالدموع بكل حزن والم: يكفي يا مازن .. لقد علمت كل شيء.. لا داعي للتمثيل اكثر من هذا ..
بهت مازن وتطلع اليها بارتباك ليقول بصوت متلعثم: عرفت؟ .. عرفت ماذا بالضبط؟..
ابعدت كفيه عن كتفيها وصرخت قائلة والدموع تتفجر من عينيها: عرفت انك كاذب.. مخادع.. حقير.. تزوجتني واوهمتني بأن هذا الزواج قد تم برغبتك.. لكن الحقيقة انك لم ترد الزواج بعاجزة مثلي.. قلها ولا تخجل.. قل انك قد ارغمت على هذا الزواج.. وها انذا الآن اعطيك الفرصة لتحرر نفسك من هذا الرباط.. طلقني يا مازن.. وحرر نفسك من عاجزة مثلي..
ومالبثت ان ضربت بقبضتيها على ساقيها وهي تردف بانفعال: طلقني وتزوج من فتاة سليمة وصحيحة الجسد.. فما الذي يرغمك على ان تتزوج من عاجزة؟..
اسرع مازن يقول وهو يهز رأسه نفيا وقد ظهر في عينيه بريق التأثر والحنان: ابدا يا ملاك..لا تنطقي بأي كلمة اضافية.. كل ما قلته كان ماض وانتهى.. اما الآن فقد تغيرت.. وانت السبب في هذا التغيير يا ملاك.. لقد تغيرت لأنك معي.. لم اعد ارى عجزك..بل اراك انت فقط.. اتعرفين لم؟..
قالت ملاك وانفعالها يزداد: لا اريد ان اعرف.. اريد شيئا واحدا.. ورقة الطلاق.. طلقني لأعود للحياة بهدوء مع ابي ..بعيدا عنك وعن كل شيء.. لا اريد ان اكون زوجة شخص مخادع قد تزوجني رأفة بي وشفقة بحالي.. وحماية لأملاك ابي ليس الا..
قال مازن وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره بين الحين والآخر في محاولة للسيطرة على اعصابه:ملاك توقفي .. لقد اخبرتك ان هذا كان في السابق.. وكل شيء قد اختلف الآن..
اشاحت ملاك بوجهها وقالت والدموع تنهمر على وجنتيها كالسيل: لم يتغير شيء.. انت مخادع كاذب.. وستظل كذلك..
قال مازن بعصبية هذه المرة: ملاك لقد تغير كل شيء.. اقسم لك..
قالت ملاك وهي تتلتقط نفسا عميقا: طلقني يا مازن.. ارجوك طلقني.. هذا افضل لي ولك..
قال مازن بحدة: انت تطلبين المستحيل.. محال ان اطلقك.. محال ..فأنت.. فأنت...
ووجدته ملاك بغتة يميل نحوها ليتطلع اليها بحنان ودفء.. ومن ثم يهبط الى مستواها..ويضمها الى صدره ويحتويها بين ذراعيه بكل حب وحنان وهو يهمس بكل دفء وبصوت متهدج: فأنت ملاك حبي.. ملاك حبي انا.. وانا وحدي..
شعرت ملاك بقلبها يرتجف بين ضلوعها..هذه الكلمة التي انتظرتها طويلا.. تسمعها في وقت كهذا.. لم لا يشعر الانسان بحقيقة مشاعره ولا يظهرها الا في اصعب المواقف؟ .. وحاولت مقاومة كل هذه المشاعر التي سيطرت عليها.. وارتجافة قلبها بين ضلوعها.. وهي تقول بصوت حاولت جعله طبيعي قدر الامكان: دعنا نفترق بهدوء يا مازن.. واعود الى منزل ابي وكأن شيئا لم يكن..فعمي غير قابل لهذه الزيجة .. وابي كذلك لن يقبل بها..
ابتعد مازن عنها قليلا ليتطلع الى عينيها مباشرة ويقول متسائلا بألم: احقا ترغبين في الانفصال عني يا ملاك؟.. الا اعني لك أي شيء ابدا؟..
قالت ملاك وحلقها يغص بالمرارة وقبضة باردة تعتصر قلبها : اجل..اريد الانفصال..
احتوى مازن وجهها بين كفيه وقال بحنان وهو مصر على ان تجيبه على سؤاله: ملاك.. اخبريني الحقيقة.. انت تحبيني .. اليس كذلك؟..
ترقرقت عينا ملاك بالدموع مرة اخرى وهي تتطلع اليه بالم وقالت بصوت متحشرج: انت قتلت كل ما احمله لك من مشاعربعد ان علمت بالحقيقة القاسية..
قال مازن برجاء: اخبرتك ان كل هذا كان مجرد ماضي.. لم لا تمنحيني فرصة؟..فرصة لاثبت لك حقيقة حبي لك..
قالت ملاك وهي تتنهد وبصوت باكي: انسيت؟.. لقد منحتك فرصة.. لتثبت لي انك قد تغيرت بعد ان علمت بخيانتك لي .. لكن ها انذا اليوم اكتشف انك قد تغيرت حقا من خائن الى مخادع وشخص يهوى اللعب بمشاعر الناس..
تطلع لها مازن وقال وعيناه تتطلع الى ملاك بعتاب والم وهو يبعد كفيه الى جواره: اهذه فكرتك عني يا ملاك؟..مجرد شخص مخادع وخائن؟..
ولما لم يجد جوابا من ملاك قال مردفا: الم تسألي نفسك ان كنت حقا قد تزوجت بك شفقة بك او لاجل حماية املاك والدك.. فلم اتقرب اليك اذا؟.. لم اهتم بك كل هذا الاهتمام؟ .. لم احاول جاهدا ان اكون في نظرك الانسان الذي يصلح لأن يكون زوجا لك؟.. كان بامكاني ان استمر في علاقاتي ولا اقطع أي صلة منها بعد ان علمت بهذا الامر لو كان ما قلته صحيح بشأن امر الشفقة عليك.. لكن لأجلك يا ملاك .. قررت ان اغير من نفسي.. لاني اردتك ان تشعريني ولو لمرة واحدة انك تبادليني هذا الحب الذي احمله لك في قلبي..
اشاحت ملاك بوجهها قائلة بمرارة: كل هذا لا ينفي انك كنت تخدعني منذ البداية.. وانك لا تريد الزواج بفتاة عاجزة ..
قال مازن وهو يكور قبضته في غضب: لم اذا فكرت في البحث عن علاج لك؟.. ان كنت لا اريد الزواج بك لما اتعبت نفسي.. وانفصلت عنك بكل هدوء بعد ان ينهض والدك ..
هزت ملاك راسها وقالت بصوت منهار: لا اعلم .. لا اعلم .. لم اعد اعلم شيئا الا اني اريدك ان تطلقني.. اريد الانفصال عنك .. لقدسأمت كل هذا.. سامت..
قال مازن بحدة: لا تكوني انت ووالدي علي يا ملاك.. يكفيني ما انا به.. والانفصال لن يحدث مهما كلف الامر..
صرخت ملاك قائلة بكل انفعال: لكني لم اعد اريدك.. انا اكرهك .. ابغضك..اتقبل على نفسك الزواج بفتاة تكرهك ولا تريدك؟..
عقد مازن حاجبيه ومن ثم نهض من مكانه ليقول بغضب وعصبية: نعم اقبل.. اقبل ذلك على ان اطلقها.. واعيش بدونها ..
صاحت ملاك هاتفة: ليتني لم آتي الى هنا.. ليتني لم افكر في هذا ..ليتني سمعت نصيحة ابي ولم آتي الى هنا.. لو لم افعل.. لما حدث كل هذا بي.. انت يا مازن سبب كل ما انا به.. لقد قتلتني مرتين.. وها انتذا تتلذذ بقتلي للمرة الثالثة وانت ترفض الانفصال عني..
صرخ مازن قائلا بكل ما اورثته اياه مشاعره: لاني احبك.. لم لا تفهمين؟.. لا اريد ان اتركك لاني سأكون بلا قلب .. بلا روح.. بلا حياة.. انت اصبحت في حياتي كل شيء يا ملاك.. اقسم لك.. اني لم احب فتاة قبلك.. انك اول فتاة تحتل هذا القلب .. وبعد كل هذا تريدين مني ان اتركك لترحلين عني بعد ان وجدت الحب الحقيقي في حياتي .. لا.. سأكون احمقا ومجنونا لو فعلت..
التقطت ملاك نفسا عميقا لعلها تمنع دموعها من السقوط وتمنع ارتجافة جسدها : وانا اكرهك يا مازن..ولا اتمنى شيءفي هذا العالم قدر الانفصال عنك..
اشتعلت عينا مازن غضبا وثورة ووجد نفسه يقول بعصبية: فليكن يا ملاك .. قولي ما ستقولينه.. ورددي ما يعجبك.. اكرهيني .. ابغضيني.. لكني لن اطلقك.. سيكون هذا الطلاق ابعد من النجوم بالنسبة لك.. لن تكوني لسواي.. اتفهمين؟.. فأنت ملاك حبي انا وحدي..
قالها واستدار لينصرف.. تاركا تلك الدموع تعود لتسيل على الخد وصوت ملاك وهي تهتف بعذاب: خائن.. كاذب .. مخادع.. اكرهك.. اكرهك..
وسقطت عيناها بغتة على ذلك الخاتم.. تلك الحلقة اللامتناهية والتي تحمل اسمه.. ووجدت نفسها تخلعها بكل قسوة وترمي ذلك الرابط بينهما الى آخر الغرفة وهي تهتف بانهيار: اكرهك.. لم فعلت كل هذا بي؟.. لم؟.. اكرهك يا مازن.. اكرهك ..
وسالت قطرات الدموع على وجنتيها وتساقطت على كفها بكل مرارة والم.. لتغرق في احزانها وآلامها من جديد والتي تأبى ان تفارقها.. وكأن القدر لا يسمح لها بأن تهنأ للحظات بالسعادة.. ويفاجأها بصدمة اشد قسوة من سابقتها في كل مرة.. ليجعلها تحيا في هذا العذاب واالاحزان.. الى ان تنتهي تلك الاحزان.. او يتوقف قلبها عن النبض...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع حسام بوجوم الى سقف غرفته وقد استلقى على فراشه وهو يفكر في كل ما جرى له بالامس.. وفي كل ما دار بينه وبين احمد.. وفي كل كلمة نطقها هذا الحقير.. وتوقف بغتة عند كلمة بعينها..لقد قال له بالامس عندما التقى به ان مها قد وافقت وان عقد قرانهما سيكون نهاية الاسبوع.. فهل كان صادقا فيما قاله؟.. ام قال ذلك ليغيظه فقط؟..
ونهض معتدلا على فراشه وهو يقول بحزم: علي ان اتأكد من ذلك.. لكن كيف؟..
وتطلع الى هاتفه الذي قد وضعه على طاولة مجاورة لفراشه .. وعقد حاجبيه قائلا: ااتصل لمها حتى اسألها؟؟.. لكن.. حتى لو سألتها واخبرتني انها لم توافق بعد..ففي النهاية قد قررت الموافقة عليه.. لهذا علي ان اجد شخصا ما يساعدني.. ويمنعها من الموافقة.. ويقنعها ان ترفض احمد..
واردف وهو يشعر بغضب في اعماقه: فقط لو كانت مها رافضة لهذا الارتباط هي ايضا.. لكان الامر اسهل بكثير ..لتحديت العالم كله من اجلها.. ولحاولت ان اقنع عمي او على الاقل كان بأمكاننا ان نضعهم تحت الامر الواقع كحل أخير..
وتنهد وهو يفكر في طريقة لايجاد حل لهذه المشكلة .. ومنع مها من الموافقة.. عليه ان يفعل شيء ما.. لا ان يظل صامت هكذا ومستسلم لهذا الامر بكل سهولة.. و...
وجد نفسه يلتقط هاتفه ويتجه قائمة الرسائل ليتذكر كل رسالة تبادلها مع مها .. وفي تلك اللحظة فقط.. وقعت عيناه على رسالة ارسلها له مازن منذ فترة بسيطة..وهتف قائلا بلهفة: هو.. هو وحده من يمكنه اقناعها او اجبارها على رفض هذا الزواج..
واسرع يتصل بمازن وكله امل ولهفة على ان يستطيع مازن من مد يد العون له .. وانقاذ مها من الجحيم التي تريد القاء نفسها فيه..
ومازن الذي كان في عالم آخر تماما.. يفكر في ملاك وفي رغبة والده الملحة بالانفصال عنها.. هذا غير طلب ملاك واصرارها على الانفصال بكل قوة.. وغير ردة فعل والدها التي لم يعرفها بعد تجاه هذا الزواج.. يا الهي.. لم الجميع قد اتفقوا فجأة على قرار انفصالي عن ملاك؟.. لم لا يفهمون اني احبها وانها اصبحت كالدماء التي تجري في عروقي؟.. واني لم اعد استطيع الابتعاد عنها ولو لساعة.. فكيف بالعمر كله؟.. لم لا يفهمون اني لا اختمل رؤيتها تبتسم لشاب آخر سواي؟.. ويريدوني بعد هذا ان اطلقها واتركها لتتزوج من شخص آخر .. محال.. هذا لن يحدث ما دام في صدري نفس يتردد.. لو رحلت عن هذه الدنيا.. فعندها فليفعلوا ما يشاؤون..
والتقط هاتفه.. ليتطلع الى صورة ملاك بهيام وشرود.. والتي جعلها خلفية لشاشة هاتفه.. وقال بكل حب: ليتك تفهميني فقط يا ملاك.. وتفهمين ان رفضي للانفصال هو لحبي الكبير تجاهك.. وعدم قدرتي على الابتعاد عنك بعد الآن..
وجاء رنين هاتفه ليجعله يفيق من افكاره.. لم يكن يريد الحديث الي أي شخص كان..ولكنه قرر الاجابة بعد ان رأى اسم حسام يضيء الشاشة..وشعر ان هذا الاخير يريد ان يتحدث اليه بشأن مها..فأجاب قائلا وصوته يحمل ما تخفيه اعماقه من توتر وفضول: اهلا حسام..
قال حسام بصوت يغلب عليه الحزن والالم: اهلا مازن.. كيف حالك؟..
قال مازن وهو يشعر ببعض الاسى والاشفاق تجاه حسام: بل كيف حالك انت؟..
زفر حسام بحرارة زفرة حاول فيها ان يخرج كل ما يعانيه من آلام قائلا: لا ازال على قيد الحياة..
واردف قائلا باهتمام: لكن اخبرني يا مازن.. ما بك؟.. صوتك يبدوا مختلفا..وكأنك متضايق من شيء ما..
اسرع مازن يقول ليخفي اثار الحزن الذي يمزق قلبه: ابدا.. والآن اخبرني.. ما الذي دفعك للاتصال بي؟.. انها مها.. اليس كذلك؟..
قال حسام وهو يشعر ببعض التردد من اقدامه على هذا الاتصال: بلى.. واريد ان اطلب منك طلبا ارجو ان تلبيه لي..
- اامرني..
قال حسام بعد ان ازدرد لعابه في محاولة للسيطرة على توتره : في الحقيقة يا مازن.. اريدك ان تقنع مها بالعدول عن رأيها ورفض هذا الزواج..
قال مازن وقد اكتسى صوته برنة خيبة الامل: ومن قال اني لم احاول؟.. لقد تحدثنا اليها انا وكمال لكنها مصرة على الموافقة.. وحتى عندما حاولنا الرفض من دون علمها .. جاءت لتعلن موافقتها امام عمي عادل واحمد.. وبالتالي لم يعد بامكاننا فعل شيء بعد ان اسقط في يدنا..
شعر حسام بقبضة باردة تعتصر قلبه وصدره وروحه لتجعله يردد بحزن ومرارة بالغين: اذا فقد اعلنت موافقتها الرسمية على هذه الزيجة..تبا.. لقد قطعت كل بارقة امل كنت اتمسك بها ..
قال مازن وهو يكور قبضته في غضب: فقط لو اعلم السبب الذي يجعلها تفعل هذا بنفسها.. لربما استطعت مناقشتها فيه واقناعها بـ...
قاطعه حسام وهو يردد مندهشا:تريد ان تعرف السبب؟؟ .. الا تعرف السبب الذي دفع مها للموافقة حقا؟..
اجابه مازن وقد انتقلت اليه دهشة حسام: ابدا .. رفضت البوح به لي او لكمال.. هل تعرفه انت يا حسام؟..
قال حسام وقد شعر ببعض الاضطراب : بلى اعلمتني به.. ولكني لا اراه سبب يدفعها للموافقة على هذا الزواج بكل هذا الاصرار.. والتضحية بنفسها وبكل ....
قاطعه مازن منفعلا: لا يهمني كل هذا.. اريد ان اعرف السبب الذي دفع شقيقتي لارتكاب تلك الحماقة في حق نفسها..
اخبره حسام بكل ما قالته لها مها.. وعن تضحيتها لاجلهم جميعا.. وانها بذلك تتخلى عن انانيتها وتحافظ على كل ما بناه والدها كل تلك الفترة – حسب قولها- وتحفظ لشقيقيها الحياة الكريمة التي اعتادا عليها..
واستمع اليه مازن باهتمام في البداية ومن ثم لم يلبث ان تحول اهتمامه الى ضيق والى غضب وحنق شديد من تصرف مها وطريقة تفكيرها.. فقال وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره ويتنهد: لا تشغل بالك بهذا الامر يا حسام.. سينتهي قريبا ومها لن تتزوج الا من يستحقها..
قال حسام وقد ارتسمت ابتسامة امل على شفتيه وفي لهفة واضحة: اجل يا مازن.. اقنعها .. ارجوك ان تفعل.. انت الوحيد الذي يمكنه التأثير عليها.. ارجوك دعها تغير رأيها وترفض ذلك الحقير..
ابتسم مازن ابتسامة شاحبة قائلا: حسنا سأحاول ذلك.. فلا داعي لكل هذا الصراخ .. فقد ثقبت اذني يا ايها العاشق..
ابتسم حسام باضطراب وقال: انا قلق بشأن مها وحسب و ...
قال مازن لمسايرته وقد اكتسبت لهجته بعض السخرية: اجل .. اجل.. اعرف كل هذا.. انك قلق بشأن مها.. وابدا لست تشعر بالغيرة لو انها وافقت على احمد.. ولن تكترث بذلك.. ولن تتألم حتى لو تزوجت منه..صحيح؟..
ابتسم حسام ابتسامة باهتة ومن ثم قال بلهجة مرحة بعض الشيء: بلى صحيح.. فأنت اكثر من يفهمني..
- والآن انهي المكالمة واغلق الهاتف.. لكي اذهب واتحدث الى مها.. واجعلها تدرك حماقة تصرفها..
قال حسام بامتنان: اشكرك يا مازن.. لا اعرف كيف سأرد لك هذا الجميل لو تمكنت من اقناع مها..
قال مازن باستنكار: نعم.. ما الذي تقوله؟.. أي جميل هذا؟.. اوتظنني ساقدم لك خدمة ما؟.. انني سأنقذ شقيقتي من الهاوية التي ترمي نفسها فيها.. وهذا اقل ما يمكنني عمله لاجلها ..
قال حسام مرة اخرى بامتنان: فليكن.. ابلغني بكل ما يحدث معك بعد ان تحدثها.. وشكرا لك مرة اخرى..الى اللقاء..
قال مازن بهدوء: الى اللقاء..
ومن ثم لم يلبث ان القى الهاتف على فراشه وقال بحدة وعصبية: يالك من حمقاء يا مها.. وكأن هذا ما ينفصني.. انت بتفكيرك الاخرق هذا.. وتفكير ملاك الاخرى التي نست كل ما بيننا في لحظة غضب وطلبت مني الانفصال.. يالكن من حمقاوات.. لن ارتاح قبل ان ازيل هذا التفكير من رأسك يا مها.. وانت كذلك يا ملاك.. لن تحظي بالطلاق ما حييت..
والتقط نفسا عميقا وهو يرسم على وجهه قناع الصرامة لعله يمنع ذلك الحزن الذي يفطر قلبه من الظهور في عينيه.. وتوجه بخطوات هادئة نحو غرفة مها.. ومالبث ان طرق الباب فاجابه صوت مها من الداخل وهي تقول: لا اريد ان اتناول شيئا.. دعوني وحدي..
حاول مازن فتح الباب والذي كان مقفلا لسوء حظه ومن ثم قال بخشونة: ومن لديه الشهية لتناول شيء بعد ما فعلته؟..
قالت له مها بجمود من خلف الباب: ان كان بسبب موافقتي على احمد.. فقد انتهى الامر لهذا دعوني وشأني..
قال مازن وهو يضغط على حروف كلماته لعله يشد انتباهها له: لقد اتصل بي حسام اليوم..
انتفض جسد مها باكمله.. وسرت فيه قشعريرة جعلت قلبها يرتجف بين ظلوعها ورددت بصوت هامس: حسام..
ومن ثم رفعت صوتها لتقول بصوت مرتبك بعض الشيء: وما الذي كان يريده منك؟..
- افتحي الباب اولا .. وبعدها سأبلغك بكل شيء..
اسرعت مها باتجاه الباب لتفتح القفل .. وقالت وهي تتطلع اليه بلهفة: ما الذي قاله لك حسام؟.. اخبرني بالله عليك..
دلف الى الغرفة وسار بضع خطوات مبتعدا عنها قبل ان يلتفت لها ويقول ببرود: لقد اخبرني بكل شيء.. وبالحماقة التي من اجلها تريدين قتل نفسك..
توترت اطراف مها وقالت وهي تزدرد لعابها: ماذا تعني؟..
وبدلا من ان يجيبها مازن.. قبض على كتفيها بكلتا ذراعيه وقال بعصبية: اتتحامقين يا مها ام ماذا؟.. لماذا تريدين التضحية بنفسك وبحسام وبحبكما من اجلنا؟.. اتريننا اطفال امامك لا يمكننا الاعتماد على نفسنا؟.. انا وكمال رجلين لا نريد تضحية منك يا ايتها البلهاء.. ووالدي ان كان قد طلب منك تلك التضحية فمن اجل شركته.. التي بامكانه ان يعدل وضعها قليل بقرض من البنك او بمشاركة لاي احد ..
هزت مها رأسها نفيا وقالت بصوت مبحوح: لن يستطيع لان.. لان عمي فؤاد وعمي عادل لن يسمحا لاي شخص من معارفهما بأن يشاركه ..
قال مازن بغضب: يالك من حمقاء.. مادمت لا تعرفين شيئا عن رجال الاعمال .. فاصمتي.. لا تظني ان عمي فؤاد او عمي عدل قد سيطروا على الدولة كلها حتى يسمحوا او لا يسمحوا.. والدي لديه الكثير من المعارف وبالتأكيد سيجد شخصا يساعده في محنته.. وحتى وان لم يجد.. نحن سنعمل معه وسنستطيع ان نجعل الشركة تعود الى سابق عهدها من جديد..
قالت مها مترددة: ولكن.. ولكن...
وضع مازن كفه على شفتيها وقال بحدة: لا يوجد لكن.. لا اريد أي كلمة اخرى في هذا الموضوع.. واحمد لن تتزوجيه ولو انطبقت السماء على الارض.. ووفري تضحياتك لنفسك مرة اخرى..
تطلعت له مها بعينين مغرورقتان بالدموع فصمت قليلا.. ومن ثم قال وهو يحاول ان يغير من دفة الحديث ويعيد البسمة الى شفتي مها: لم البكاء الآن؟.. لا تقولي لي انك تحبين احمد وترغبين في الزواج منه..
هتفت قائلة بسرعة: ابدا .. ابدا.. انا اكرهه.. اكرهه.. ابغضه بعد كل ما فعله بي.. لقد قتلني.. دمر حياتي .. دمرني انا وحسام بما فعله..
قال مازن بحنان وهو يمسح على شعرها: هذا يعني انك قد تراجعت في قرارك بشأن الارتباط به..
قالت مها بقلق: لكن والدي لن يقبل بهذا الرفض بعد ان قبلت بأحمد امام عمي عادل..
قال مازن مبتسما : دعي كل هذا لي..سأتمكن من اقناعه .. ثم عليك ان تشكري حسام لانه اخبرني بسببك الاحمق هذا فلولاه لما استطعت اقناعك على تغيير موقفك ايتها الحمقاء..
قالت مها باستنكار وهي تضع كفها عند خصرها: لا تقل حمقاء..انت الاحمق..
ارتفع حاجباه لوهلة ومن ثم ربت على وجنتيها قائلا بابتسامة: هذه هي شقيقتي التي اعرفها..
وكاد ان يلتفت عنها لكنها هتفت به قائلة : مازن..
التفت لها متسائلا.. فمسحت الدموع المغرورقة في عينيها وقالت بابتسامة: اشكرك..
قال مازن وهو يهز رأسه: ما بالك انت وحسام اليوم؟.. تشكراني على ماذا؟.. على مساعدتي لمها.. شقيقتي الحمقاء..
قالت مها باستنكار: مازن..
قال مبتسما وهو يلوح بكفه: اعرف .. اعرف لست حمقاء وانما...
قاطعته وهي ترمي بنفسها بين ذراعيه لتهمس قائلة: كم احبك يا شقيقي العزيز..
تطلع لها مازن مبهوتا في البداية.. من ثم لم يلبث ان تطلع اليها بحنان دافق وهو يمسح على شعرها.. وهو يشعر انه بذلك قد تخطى اولى العقبات.. ورسم الابتسامة على شفتي مها من جديد.. وبقيت ملاك برأسها الصلب والتي لا تستمع الى احد .. لكن لابد لي ان اجد وسيلة للحديث اليها.. وان افهمها الموضوع على حقيقته.. واوضح لها انها اصبحت اغلى من حياتي ..وربما عندها تسامحني وترمي بالماضي خلف ظهرها لنبدأ حياة جديدة تغلفها الحب والسعادة ..حياة جديدة مع ملاك حبي ..ربما...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اندفع عادل ليدلف الى مكتب فؤاد بكل قوة متجاهلا هتافات السكرتيرة والتي كانت تقول محاولة منعه من الدخول: ارجوك يا سيد عادل.. لا يمكنك الدخول هكذا .. يجب علي ان ابلغ السيد اولا.. ارجوك يا سيد عادل..
لكن عادل لم يأبه لكل هتافاتها وهو يدلف الى غرفة المكتب هاتفا بحدة: اريد التحدث اليك في موضوع مهم يا فؤاد..
وصوت هتاف السكرتيرة التي تقول: ان السيد فؤاد مشغول الآن يا سيد عادل.. معذرة فهو...
لكن قاطعها صوت فؤاد وهو يلتفت اليهما بمقعده الدوار قائلا: دعيه يدخل وغادري انت المكتب..
اومأت السكرتيرة برأسها وقالت وهي تغادر المكان : امرك يا سيد فؤاد..
قالتها واغلقت الباب خلفها.. في حين التقط فؤاد سيجارة من علبته الفاخرة ليدسها بين شفتيه ويشعلها بكل هدوء.. في حين تقدم منه عادل قائلا بعصبية:الا تعرف ما الذي حدث مؤخرا؟.. لقد افاق خالد من غيبوبته..
نفث فؤاد دخان سيجارته بهدوء شديدومن ثم قال وكأنما الامر لا يعنيه: اعرف..
عقد عادل حاجبيه وقال بعصبية اكبر: تعرف؟؟.. تعرف بهذا الامر ومع هذا تبقى محتفظ بكل هذا الهدوء الذي اراه عليك..وكأن شيئا لم يحدث..
قال فؤاد وهو ينفث دخان سيجارته مرة اخرى: وما الذي حدث؟..
قال عادل وهو يلوح بكفه بغضب: لا تتحدث بكل هذا البرود يا فؤاد.. في البداية قلت انك ستفعل شيئا ما لتجعل مازن ينفصل عن ملاك.. ولكني اراك الآن لم تفعل أي شي حتى استيقاظ خالد من غيبوبته..
اطفأ فؤاد سيجارته ومن ثم قال وهو يستند الى مسند المقعد: انفصال ملاك عن مازن.. لن يتم بيدي انا.. بل بيد والد ملاك نفسه.. خالد..
قال عادل وقد شدت العبارة حواسه: ما الذي تعنيه بالضبط؟ ..
اشار له فؤاد لأن يجلس وما ان فعل حتى قال وهو يميل نحوه قليلا: اخبرني رأيك اولا.. لو كان لديك ابنة وحيدة .. وتخشى عليها من جميع الناس.. وتزوجت من شخص انت لا تثق به من دون علمك.. فكيف سيكون موقفك عندها؟..
ظل عادل صامتا للحظات وهو يفكر في هذا الامر ومن ثم قال: بالتأكيد لن اقبل بهذا الزواج وسأرفضه .. وسأجبر من تزوجته على ان يطلقها..
ابتسم فؤاد ابتسامة انتصار وقال: وهذا هو بيت القصيد.. خالد لو علم بزواج ابنته من مازن.. فهو سيرفض هذه الزيجة بكل قوة.. وسيعمل على ان ينفصل مازن عن ملاك بأية وسيلة ..
قال عادل متسائلا بحيرة: ولكن حتى لو انفصلت ملاك عن مازن .. فنحن لن نستفيد شيئا حينها.. فلن يمكننا الضغط على خالد ليقبل بزواجها من احمد.. وانت تعرف هذا الامر جيدا..
ابتسم فؤاد بسخرية وتطلع الى عادل قائلا: اهذا ما تظنه؟..
قال عادل وقد احنقته الابتسامة الساخرة على شفتي فؤاد: اخبرني انت اذا ما الحل؟..
قال فؤاد بغرور وفخر : اتظن اني بقيت ساكنا لم اقم بأي شيء طوال الفترة السابقة؟..لقد اخذت اتحرى واتقصى عن موقع منزل خالد.. واخيرا وجدته..
قال عادل بلهفة: حقا.. وكيف ذلك؟..
- اتذكر السائق الذي كان يقود سيارة خالد؟.. لقد اصيب اصابة بالغة وظل بالمشفى طوال تلك المدة للعلاج من كسور مختلفة.. وعندها سألت احد الممرضين عن محل اقامته وتمكنت من الاطلاع على ملفه بعد ان ادرك من اكون.. عندها عرفت انه يسكن في غرفة صغيرة في منزل خالد..
- لكن.. الم يكن من الاجدر بك ان تسأل عن عنوان خالد من الطبيب المشرف على علاجه بصفتك شقيقه؟..
قال فؤاد وهو يشبك اصابعه امام وجهه: اوتظن اني لم افكر في هذا الامر؟.. لكن اتضح لي حينها ان خالد اشد ذكاءا وخبثا مما نظن.. فعنوان منزله مسجل على عنوان المنزل القديم.. قبل ان ينتقل الى هذا المنزل الذي يختبئ فيه الآن ..
قال عادل بهدوء: كل هذا جيد.. ولكن فيم سيفيدنا؟ .. هل سنحاول الضغط على خالد بواسطتها كما فكرنا سابقا؟..
اشار فؤاد بكفه نفيا ومن ثم قال بابتسامة خبيثة: لا.. ولم نفعل وشركته الآن لم تعد باسمه؟..بل حولها باسم مالك جديد.. ان وقع في يدنا وقعت الشركة كلها معه..
قال عادل متسائلا بغرابة: مالك جديد؟.. ومن هذا المالك الذي سيثق فيه خالد الى هذه الدرجة وسيسجل الشركة باسمه؟ ..
اتسعت ابتسامة فؤاد وحملت عيناه كل مكر الدنيا وهو يقول: ابنته.. ابنته ملاك..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الحلم ذاته يتكرر.. بكل تفاصيله..بكل حذافيره.. تلك الحديقة.. وهي الجالسة وسطها.. وتلك الوردة الحمراء التي تجرح اصابعها.. ومازن الذي يقترب منها ويجعلها تقف على قدميها من جديد.. ومن ثم يتطلع اليها بنظرة غامضة ويبتعد.. وعندما تهتف به ان يتوقف.. يقول ونظرة حزينة في عينيه: انت من تريدين هذا يا ملاك..
يقولها ويبتعد تاركا ملاك تهتف به بكل لهفة ولوعة في اعماقها.. تاركا اياها بعد ان منحها الامل في الوقوف على قدميها من جديد ..تاركا اياها وقلبها يهتف به ان يتوقف ويعود اليها ..
انتفض جسد ملاك بغتة وهي تستيقظ من نومها.. وشعرت بالبرد يحيطها و يرجف جسدها .. وسرعان ما انتبهت انها قد نامت على فراشها بدون غطاء حتى..بعد ما حدث بينها وبين مازن بالامس.. كانت تريد الهرب من واقعها بأية وسيلة كانت .. ووجدت النوم هو المهرب الوحيد لها.. لا يهم أي شيء آخر سوى ان تنام وتنسى .. تنسى انها كانت مخدوعة طوال الوقت وانها كانت ساذجة عندما اعتقدت انه من الممكن ان يقبل بها شخص ما على الرغم من عجزها.. وتذكرت كلمات مازن الاخيرة لها.. واعترافه لها بحبه وهو يبثها كل الحنان والدفء من نظرات عينيه ولمسة كفيه..لكن كل ما حدث مجرد خدعة اخرى.. شخص مثله ابن رجل اعمال معروف وثري ولديه من العلاقات مع مختلف الفتيات ما يكفي ويزيد.. سيفكر في فتاة مثلي.. يبدوا انني اجمح بخيالي كثيرا.. ومازن ان اعترف بشيء.. فهو ليكمل خدعته وليمثل علي لسبب ما بالتأكيد.. ولن يحلم هو بأن اظل تلك الساذجة التي يظنها.. لقد ادركت من هو حقا الآن.. واي كذب وخداع وحقارة يقبع بداخله..
وسمعت بغتة صوت طرقات على باب غرفتها.. جعلتها تقول بصوت خافت: من؟..
ولم يبدُ على صاحبة الطرقات انها قد سمعتها .. فقالت متسائلة: آنسة ملاك.. الغداء جاهز.. الن تأتي لتتناوليه؟..
ولما لم تسمع جوابا.. دلفت نادين الغرفة وقالت وهي تتطلع الى ملاك بحيرة: الا زلت نائمة آنستي؟.. اتشعرين بأي تعب؟..
قالت ملاك ببرود وهي تفتح عينيها: انا بحاجة للنوم ليس الا.. دعيني وحدي..
قالت نادين بهدوء: كما تشائين..
واتجهت خارجة من غرفة ملاك.. لكن استوقفها بريق الاضواء الذي انعكست على شيء ما على الارض ..ودققت النظر لتجد انه خاتم .. فانحنت لتلتقطه ومن ثم قالت وهي تلتفت الى ملاك في سرعة: آنستي انه خاتم الخطوبة.. وقد وجدته مرمي على الارض باهمال و...
قاطعتها ملاك لتقول بعصبية: ارميه في سلة المهملات..
قالت نادين بدهشة: ماذا؟..
قالت ملاك بغضب: قلت ارميه في سلة المهملات.. الا تسمعين؟..
استغربت نادين غضب ملاك المفاجئ.. ولكنها لم تنصاع لامرها كما اعتادت بل قالت متظاهرة بذلك: حسنا .. حسنا..
واقتربت من احد الادراج المجاورة لها لتضعه داخله دون ان تنتبه لها ملاك..والتي كانت تشعر بالارهاق الذي يدفعها لاغماض عينيها ومواصلة النوم من جديد..وتركتها نادين لتغلق الباب خلفها بهدوء وهي في حيرة من امرها من سبب كل تلك العصبية والغضب اللذان تملكا ملاك فجأة..
وتوجهت بعدها الى طاولة الطعام لتقول بهدوء وهي تتطلع الى امجد: لقد رفضت القدوم.. وتقول انها متعبة وبحاجة لأن تنام..
- فليكن.. لتفعل ما يريحها..
اما مازن فقد كورقبضتيه بغضب .. وتوقف عن مواصلة تناوله للطعام الذي لم يمس منه الا القليل..وحاول التحكم باعصابه وهو يلتفت الى مها قائلا: مها.. اريدك ان تقنعي ملاك بالذهاب الى المشفى معك بعد ساعة لتمارس تمريناتها التأهيلية ..
رفعت مها رأسها اليه وقالت متسائلة بحيرة: لم؟. الن تذهب معها انت كعادتك؟..
تنهد مازن وقال: لا اظنها توافق..
قالت مها ببعض التوتر: لكني لا اعرف كيف اتصرف معها.. فلنذهب ثلاثتنا الى هناك..
قال مازن وهو يتطلع الى نقطة وهمية على الطاولة: لو ذهبت انا.. فلن تقبل هي بالذهاب..
قالت مها متسائلة بفضول وحيرة: هل.. تشاجرتما؟..
حدجها مازن بنظرة غاضبة ومن ثم قال: اذهبي معها انت.. وان لم تقبل بالذهاب معك.. فاخبريني.. فلن اسمح لها بأن تتهاون في تدريباتها تلك مهما كانت الاسباب..
قالت مهابارتباك: لكن لا اعرف كيف اتصرف هناك.. انا بحاجة لأن يكون احدهم معي..
(سأذهب انا معك)
التفتت مها الى صاحب العبارة ومن ثم لم تلبث ان شعرت ان الوضع سيتأزم .. وهي تسمع كمال يعرض ذهابه معهم هي وملاك امام مازن.. وعادت لتلتفت الى مازن لتعرف ردة فعله.. لكنه كان يبدوا هادئا واشد هدوءا من ان يلمح عليه ما يخفيه بداخله..
اما كمال فقد قال مردفا وهو يلتفت الى مازن: بعد اذنك يا مازن بكل تأكيد..
قالت مها وهي تحاول انقاذ الموقف: لا داعي لذلك يا كمال.. سأحاول ان اتصرف انا و...
قاطعها صوت مازن وهو يقول: لا بأس.. اذهب معهما..
اتسعت عينا مها بدهشة.. اهذا هو مازن حقا؟.. مازن الذي تشاجر مع ملاك ذلك اليوم من اجل قلادة ظن انها مهداة لها من كمال..
لكن امر آخر شغل تفكيرها اكثر من هذا جعلها تتحدث قائلة: لكن لم تخبرني يا مازن.. لقد قلت ان ملاك لن تقبل الذهاب معك.. فلماذا؟..
التفت مازن الى والده وقال وهو يحاول ان يخفي بركان الغضب الذي يتأجج في اعماقه: يمكنك سؤال والدي..
التفت له امجد وقال بعد ان شرب القليل من كأس الماء: وكيف لي ان اعلم ..
ظهر الغضب جليا في عيني مازن وهو يهتف: لم اذا في رأيك لم تشاركنا طعام العشاء بالامس او طعام الغداء اليوم؟ ..اتظن انها تريد النوم كما تدعي؟.. كلا يا والدي.. بل هي لا تريد رؤية وجهي بعد ان علمت بالحقيقة..
التفت له والده بحدة وقال باستغراب: علمت.. وكيف علمت؟.. هل اخبرتها انت بشيء؟..
جاءت تنهيدة مازن هذه المرة مرتجفة وهو يقول: لا.. لم اقل أي شيء.. لكن يبدوا انها قد سمعتنا اثناء حديثنا.. لقد ظنت اني كنت مجبرا على الزواج بها.. وان هذه الزيجة كلها من اجل حماية املاك والدها ليس الا..
قال امجد ببرود: وهذه هي الحقيقة..
هز مازن رأسه نفيا وقال بعصبية: لا.. ليست الحقيقة.. ربما انت كنت من يفكر في هذا الامر لكن انا لا..
قال امجد بحدة: وانسيت موقفك تجاهها يوم ان...
قاطعه مازن قائلا بصوت اختنقت فيه حروف كلماته: انها تطلب الانفصال يا والدي..
شهقت مها بقوة وهي تتطلع الى مازن ووالدها.. لم تتوقع ابدا ان تصل الامور الى هذا الحد .. ورددت قائلة بذهول: الانفصال؟؟.. لم ؟.. ما الذي حدث لكل هذا؟.. اوصلت الامور الى هذا الحد من السوء؟..
اما كمال فلم يكن باقل دهشة من دهشة مها.. وقد سمع باذنيه ان ملاك تطلب الانفصال من مازن الذي منحته كل مشاعرها.. وبخلت عليه هو بها..
واخيرا قال امجد وهو يهز كتفيه: جيد ان الامر قد جاء منها هي.. فهذا هو ما نريده..
ضرب مازن الطاولة بقبضته وقال بغضب: بل ما تريده انت وحدك يا والدي.. ملاك لم تطلب الانفصال الا بعد ان علمت انك لست موافق على زواجي منها ..وانك تريديني ان انفصل عنها ..
لم تكن مها تريد لهذا ان يحدث وهي تعلم جيدا حب ملاك لمازن.. وحب هذا الاخير لملاك.. لم ترد لهما ان يفترقا وهي التي ذاقت عذاب الفراق بما يكفي.. وملاك تلك الفتاة البريئة كيف لها ان تحتمل كل هذه الصدمات؟.. وقالت مها في محاولة للتدخل: والدي.. لا يمكن لمازن ان ينفصل عن ملاك.. ان الامر اصعب مما تتخيل.. انك ستسبب بهذا بالعذاب والشقاء لكليهما..فملاك ...
قاطعها والدها قائلا بحدة: اصمتي يا مها.. ولا شأن لك بما يحدث .. ملاك فتاة عاجزة ولا يتناسب وضعها هذا لان تكون زوجة لابني البكر..
قالت مها برجاء: لكنها كذلك الآن بالفعل..
- لقد اجبرتني الظروف على ذلك ليس الا..
اما مازن فقد نهض من مكانه بغتة حتى ان الكرسي الذي كان يجلس عليه كاد ان يسقط ارضا.. وقال بغضب: المظاهر.. الناس.. المال.. الاملاك.. هذا كل ما يهمك يا والدي.. تفكر في الناس دائما .. وانا.. الا تهمك سعادتي؟ .. الا يهمك ان تراني احيا مرتاحا مع الانسانة التي اخترتها؟.. ام انك تريد ان تفرض علي كل شيء؟.. في البداية كان العمل والآن الزوجة..
قال امجد بغضب وانفعال: كفى.. لا اريد ان اسمع صوتك او اراك امامي.. غادر الآن..قبل ان اتصرف بشكل لا يعجبك ..
قال مازن ببرود يغلف براكين من الغضب: ساغادر يا والدي.. لكن مهما حدث او سيحدث.. لن انفصل عن ملاك.. الا لو انفصلت روحي عن جسدي..
قالها وانصرف مغادرا المنزل بأكمله بعد ان اغلق الباب خلفه بقوة.. وهو يتمنى في اعماقه ان لا يعود اليه ابدا.. حتى لا ينفرض عليه اسلوب حياته تحت وطأة تلك التقاليد البالية..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الرابع والاربعون
" لأجلك"
توقفت سيارة مازن في احد مواقف ذلك المبنى الكبير الذي يخص مشفى العاصمة.. واغلق محركها ليغادرها بهدوء .. ويسير بين المواقف متوجها نحو المبنى..لا يعلم لم جاء الى هنا؟.. لا يعرف كيف قادته قدماه الى هذا المكان بالذات بعد ان كان يهيم على وجهه في الشوارع والطرقات وهو يقود سيارته من غير هدى.. ربما لان شخص ما بداخل هذا المكان هو اقرب الناس الى ملاك.. وربما لحاجته الى الحديث عن ما يكنه بداخله الى شخص ما يفهم ملاك جيدا وينصحه بما عليه ان يفعله ..
صحيح انه متخوف من ردة الفعل التي سيواجهها من عمه عندما يعلم بالامر كله وبما جرى في فترة غيابه عنهم.. لكن عليه ان يواجهها طال الزمان او قصر.. ولو اخبره هو ربما يكون الامر افضل.. او ربما .. ينقلب الامر عليه برمته وينضم شخص آخر الى قائمة الراغبين منه ان يترك ملاك وينفصل عنها..
وابعد كل تلك الافكار عن رأسه وهو يسير بين ممرات المشفى وفد وضع كفيه في جيبي بنطاله.. وما ان وصل الى المصعد حتى استقله الى الطابق الثالث.. ومن ثم غادره ليتوجه الى غرفة عمه..وتوقف امامها وهو يرفع كفه ببطء ليطرق بابها بهدوء..وجاءه صوت خالد من الداخل وهو يقول: ادخل..
توقف مازن امام الباب دون ان يجرأ على الدخول.. شعر بتردد كبير وهو يجد ان يداه لا تقوى على فتح الباب و الدخول الى الغرفة..فكيف يمكنه ان سيفسر مجيئه الى هنا؟.. وكيف يمكنه ان يوضح كل ما حدث لعمه دون خوف من ردة فعله؟.. وهو في النهاية والد ملاك وبالتأكيد سيكون في صفها و...
قاطعه فتح الباب فجأة وصوت خالد من خلفه وهو يقول بحيرة: مازن..ما الذي جاء بك الآن؟.. لا يزال الوقت ظهرا.. ثم لم تقف هكذا ولم تدخل؟..هيا ادخل..
دلف مازن الى الغرفة وقد شعر بتردده يزداد مع كل خفقة من خفقات قلبه..في حين تطلع له خالد وهو يجلس على فراشه متسائلا في حيرة: لم تقل لي بعد ..ما الذي جاء بك الى هنا؟..
التقط مازن نفسا عميقا وقال:في الحقيقة.. اردت الحديث معك..
اشار له خالد بأن يجلس قائلا: حسنا اجلس.. لم تقف هكذا؟ ..
جلس مازن وهو يشعر بتردد كبير يرغمه على عدم النطق بأي حرف.. ما الذي يريد ان يقوله لعمه؟.. تزوجت من ابنتك دون علمك حتى احمي املاكها وكنت قد اتفقت مع والدي على طلاقها بعد ان تنهض انت.. لكني الآن غيرت رأيي بعد ان احببتها..
ولما طال تردده وصمته .. اراد خالد ان يفتح موضوع للحديث بينهما لعل مازن يرتاح اليه ويتحدث فيما جاء لأجله.. فقال بابتسامة: علمت بأنك تدير الشركة التي املكها..
لومأ مازن برأسه وقال بهدوء: بلى..
تسائل خالد ببعض الاهتمام:و كيف وجدت العمل فيها؟..
ابتسم مازن هذه المرة وهو يقول: اكثر متعة من العمل مع والدي في شركته.. فعلى الاقل شركتك تدخل في مجال التخصص التي كنت ادرسه..
- لقد اخبرتني ملاك شيئا كهذا..
قال مازن بدهشة: حقا؟..
قال خالد وهو يتطلع اليه بحيرة: اجل ..وماذا في هذا؟..لقد اخبرتني بأن العمل في شركتي يدخل في مجال دراستك..
صمت مازن قليلا وهو يطرق برأسه ويتطلع الى خاتم الخطبة الذي يحتل اصبعه بتردد.. ومن ثم قال وهو يرفع راسه فجأة وقد حسم موقفه: عمي لقد جئت اليوم اتحدث اليك فيه عن امر.. ربما ستعرفه فيما بعد.. لكني فضلت ان اتحدث اليك فيه اليوم بنفسي.. حتى اطلب منك المشورة..وكذلك لكي تساعدني.. لان.. ملاك ابنتك..
ارتفع حاجبا خالد وقال بدهشة: وما دخل ملاك في الموضوع؟ ..
ومن ثم اردف بتوتر: هل اصاب ابنتي شيء ؟.. هل حدث لها امر ما؟.. اخبرني هل هي بخير؟..
قال مازن في سرعة مهدئا: انها بخير .. لا تقلق عليها.. ولكن الموضوع لا يعنيها وحدها.. بل يتعلق بي انا ايضا..
عقد خلد حاجبيه وقال وقد شعر بالقلق من هذا الموضوع: اخبرني به ولا داعي لكل هذه المقدمات..
قال مازن وهو يتحاشى النظر الى عيني عمه: في الحقيقة يا عمي .. اثناء اصابتك بالغيبوبة.. حدثت الكثير من الامور.. وكثير من مخططات عمي عادل وفؤاد تجاه ملاك.. ولهذا لم نجد امامنا حل الا ان نحميها منهم بطريقة واحدة اقترحها علي والدي ..
قال خالد وقد ازداد انعقاد حاجبيه: وما هي تلك الطريقة؟..
خلع مازن الخاتم من اصبعه ورفعه امام ناظري عمه ليقول بتوتر واضطراب: ان اتزوج ملاك...
اتسعت عينا خالد بصدمة وهو يتطلع الى مازن والى ذلك الخاتم الذي يمسك به هذا الاخير.. وهتف قائلا بانفعال: ماذا قلت؟ ..
وقبل ان يجيبه مازن اختطف خالد الخاتم من بين اصابعه في قسوة .. وتطلع الى تاريخ عقد الزواج الذي حفر عليها.. والى اسم ملاك المجاور للتاريخ..
وضغط على الخاتم بكل ما يملك من قوة وهو يشعر بغضب اخذ يتملك كيانه جعله يقول : اهذه مزحة سخيفة ام ماذا؟..
هز مازن رأسه نفيا وقال بحذر وبطء: لا.. ليست مزحة.. بل حقيقة.. وهذا ما جئت احادثك بشأنه و...
قاطعه خالد وهو يصرخ في وجهه قائلا: اهذه هي الامانة التي تركتها في عنق والدك؟..
واردف بثورة وهو يقف منقضا على مازن وهو يمسك به من ياقة قميصه ويجبره على الوقوف: اهذا جزائي عندما طلبت منك حمايتها يا مازن؟ .. استغليتها لكي تتزوج منها..
قال مازن بارتباك وهو يحاول ان يخلص نفسه من قبضة عمه: اهدئ يا عمي.. الامر لم يتجاوز عقد قران.. ثم .. لم يستغلها احد .. لقد وافقت بمحض ارادتها.. ويمكنك ان تسألها بنفسك ..
قال خالد وهو يشد من قبضته وبانفعال: وهل انتهت جميع الحلول التي في العالم ؟؟!.. حتى يكون الحل الوحيد هو ان تتزوج ابنتي منك!!..
قال مازن برجاء وقلق من غضب عمه الذي قد ينقلب ضده :لقد كان الحل الوحيد.. اهدئ فقط يا عمي حتى اخبرك بكل شيء.. وبعدها افعل بي ما تشاء..
ارخى خالد قبضتيه وحدجه بنظرة غاضبة.. قبل ان يقول بعصبية وصرامة: تحدث..
عدل مازن من هندامه .. وظل صامتا وهو يتطلع الى عمه بنظرات متوترة.. وتمنى من كل قلبه لو لم يأتي الى هنا.. فهو والدها وبالتأكيد لن يهتم بأمره ولن يفكر الا في ابنته.. وهو بذلك يقطع امله الاخير في ان يقف بجواره ويساعده في استعادة ملاك..
وصرخ خالد قائلا بانفعال: لم تصمت هكذا؟.. تحدث..
قال مازن وهو يلتقط نفسا عميقا: اجلس اولا يا عمي..
جلس خالد على طرف فراشه وقال بحدة: ها قد جلست.. ولنرى نهاية لهذا الامر ..
جلس مازن بدوره.. والتقط خاتم الخطبة الذي اسقطه خالد في اثناء ثورته.. واعاده الى اصبعه.. قبل ان يقول وهو يشبك اصابع كفيه ويتطلع اليهما: بعد اسبوع من اصابتك بالغيبوبة.. جاء عمي عادل وابنه احمد لخطبة ابنتك ملاك.. وعلمنا انهما يفكران بهذا لاجل املاكها وليس لسبب آخر.. لهذا فكر والدي في وسيلة للتخلص من سيطرتهما .. وفي الوقت ذاته عدم مقدرتهما من الضغط عليه حتى يقبل بزواج احمد من ملاك ..وعندها لم نجد حلا سوى ان تكون ملاك زوجة لرجل آخر .. ومجرد عقد قران.. حتى لا يستطيع عادل فعل شيء بععد ان اصبحت ملاك في عصمة رجل والولي على كل املاكها واملاك والدها..
تجهم وجه خالد وقال بغضب: سحقا لهم.. اوصلت افكارهم الى هذه الدرجة من الدناءة ؟..يريدون تزويجها من احمد ليسرقوا اموالها ومن ثم يرمون بها بلا شفقة او رحمة..
قال مازن وهو يتطلع الى عمه بهدوء: ولهذا لم يكن بامكاننا ان نقبل بهذا الامر .. وكان علينا ايجاد حل سريع لايقاف مخططاتهم .. ولهذا سألنا ملاك رأيها دون ان نعلمها اننا نفعل هذا لاجل حماية املاكها .. لاننا كنا نعلم يقينا انها سترفض حينها.. وقد وافقت علي دون ان يضغط عليها احدهم.. اصدقك القول يا عمي اني كنت مترددا في البداية .. لان ملاك .. اعني انها...
واعفاه خالد من الاجابة وهو يقول بحدة: لانها عاجزة.. اليس كذلك؟.. لم اذا وافقت على الارتباط بها منذ البداية ما كنت تراها بهذه النظرة؟..
قال مازن وهو يهز رأسه: لست اعلم.. ربما لاني خشيت ان تبتعد عني و ان تكون لشخص ما..او ربما لاني خشيت عليها من المصير المرعب الذي ينتظرها مع احمد.. او ربما لان شيء ما بداخلي كان يدفعني لأن اقوم بهذه الخطوة لكي احمي ملاك واكون قريبا منها في الوقت ذاته..
تطلع له خالد بتشكك وارتياب.. فقال مازن مردفا بصدق : فقد كنت معجبا بها منذ البداية.. وازداد هذا الاعجاب مع كل يوم تقضيه في منزلنا..وبدأت اهتم بكل ما يخصها دون ان اشعر.. واصبحت افعل كل ما يفرحها.. واشعر بحزن لا اعرف مصدره عندما اراها حزينة.. ولا اعرف متى حقا ثد بدأت مشاعري نحوها تتحرك.. ووجدت نفسي اقع اسيرا لحبها..
توقف مازن عن مواصلة الحديث وهو يريد ان يرى تأثير عبارته على عمه.. ولكن خالد اكتفى بأن يقول: اكمل..
واشاح مازن بوجهه قليلا وهو يقول: ومؤخرا فقط علمت السبب الذي دفعني للزواج بها.. ولهذا فقد طلبت مني الانفصال.. لكن لا استطيع ان انفصل عنها.. صدقني يا عمي.. لقد اصبحت ملاك هي كل شيء في حياتي.. لم اعد استطيع الاستغناء عنها..وكل ما اريده يا عمي هو ان تنصحني بأن افعل ما اراه مناسبا.. وان كنت اعلم بأنك رافض لهذا الزواج مسبقا.. لكني خاطرت وجئت الى هنا لانك الوحيد التي تعرف ملاك اكثر من أي شخص آخر.. وستنصحني بفعل ما يريحها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت مها بتأثر واشفاق الى ملاك التي كانت تحاول جاهدة بذل كل ما تستطيع من قوة لكي ترفع جسدها عن مستوى ذلك المقعد .. وكل ما امكنها فعله هو رفعه بضع سنتيمترات.. ومن ثم يعود جسدها ليسقط على المقعد بكل انهاك وتعب..
انها تحاول بذل اقصى ما تستطيع من طاقة منذ ساعة.. دون نتيجة حتى الآن.. وذلك الحزن الذي لمحته مها يطغى على ملامحها.. ربما يكون له يد في كل التعب الذي اعتراها حتى الآن ..لكن ما سبب كل ذلك الحزن؟..الامر لا يبدوا شجارا عاديا مع مازن ابدا.. ما الذي اصابها؟.. حتى انها لم تعلق على عباراتها الا فيما ندر.. وتلك النظرة الملازمة لعينيها.. تكاد تلمح مها فيهما .. الحزن وشعور الغضب..
وتوقفت ملاك عن مواصلة محاولاتها قائلة وهي تحاول التقاط انفاسها: لا استطيع..
اقترب منها الطبيب وقال بهدوء: ما الذي اتفقنا عليه في المرة الماضية يا ملاك؟.. الم تعديني بأن تحاولي ما دمت ترغبين في السير على قدميك من جديد؟..
قالت ملاك بضيق: لا ارى أي نتيجة لكل ما افعله.. اولنقل ليس هناك امل بأن اقف على قدمي من جديد..
قال الطبيب كمن اعتاد مثل هذه العبارات: لو انك انت من فقد الامل.. فعندها يمكنني القول بأن ليس هناك أي امل فعلا.. فالامل ينبع من عزيمتك ورغبتك في الشفاء.. فواصلي في محاولتك هيا..
قالت ملاك بحنق: انني احاول منذ ساعة.. لقد تعبت..
قال الطبيب وهو يهز رأسه نفيا: لا احب ان اسمع هذه الكلمة .. ان التعب الحقيقي في ان تستسلمي.. اريدك ان تحاولي من جديد.. حتى تستطيعين رفع جسدك عن المقعد..
هتفت ملاك بصوت حاد: لكني لا استطيع.. لقد تعبت..
اقترب كمال في تلك اللحظة من المكان وقال وهو يتطلع الى ملاك: يمكنك ان تحاولي من جديد يا ملاك .. لا تيأسي..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها: من السهل قول الكلمات دائما..
زفر كمال ومن ثم قال: ومن الصعب تنفيذها.. لكن.. بما ان هناك امل في العلاج.. فلم لا تواصلين المحاولة وتتمسكين بهذا الامل؟..
قالت ملاك بعناد: لا اريد.. اريد مغادرة هذا المكان..
قالت مها باستنكار وهي تقترب منهما: ما الذي تقولينه يا ملاك؟..
اما الطبيب فقد قال: لا بأس.. فما دام ليس لديها أي رغبة في المواصلة اليوم.. فلا يمكننا اجبارها..يمكنك المغادرة ..
قالها وتطلع الى ملفها الطبي ومن ثم تحدث الى احدى الممرضات قبل ان ينصرف.. في حين اقتربت منها ممرضتين.. ليحملاها ويعيداها الى مقعدها المتحرك ..
اما مها فقد قالت وهي تقترب منها بتسائل وعتاب: ملاك.. لم توقفت عن مواصلة تدريباتك؟..
قالت ملاك وهي تطرق برأسها وتقبض على عجلات مقعدها: مللت هذه التدريبات.. مللت هذا الامل الكاذب.. مللت هذه الحياة.. مللت كل شيء..
قالت مها وهي تتطلع اليها: لا زلت في مقتبل العمر يا ملاك.. والطريق ممتد امامك..
رفعت ملاك عينيها لها وقالت بحدة: هل جربت ان يخدعك اقرب الناس اليك؟..او ان تكتشفي بأنك تعيشين معه في كذبة طوال الوقت.. ان كنت قد احسست بهذا يوما.. فعندها فقط ستتمنين الموت على الحياة..
كادت مها ان تهم بقول شيء ما .. لكن كمال قال في تلك اللحظة وهو يميل نحوها قليلا: ما الذي حدث بينك وبين مازن؟ ..
اشاحت ملاك بوجهها بعيدا.. وكأنها تعلن بذلك عدم رغبتها بالاجابة.. وحركت عجلات مقعدها مبتعدة.. في حين اسرعت مها تلحق بها قائلة: انتظري قليلا يا ملاك..
قالت ملاك وهي تتوقف في مكانها: اريد ان اذهب الى ابي..
ابتسمت لها مها وقالت: سنأخذك اليه.. لا تخشي شيئا..
ودفعت مها مقعدها لتسير بين ممرات المشفى حتى استقلت المصعد مع كمال الى الطابق الذي تقبع فيه غرفة خالد..وتوجهوا جميعهم الى هناك.. وكانت ملاك اقربهم اليه.. ففتحت الباب ودلفت الى االداخل والابتسامة قد اعتلت شفتيها لمرأى ابيها لكن...
لم يكن ابيها وحده هذه المرة.. وعقدت حاجبيها وهي تتطلع الى ذلك الجالس بجواره.. واستغربت وجوده مع والدها واستنكرته في الوقت ذاته.. ربما جاء ليخدع ابيها هو الآخر ...
والتفت خالد في تلك اللحظة عن مازن وتوقف عن مواصلة الحديث معه.. ليلتفت الى ملاك التي لم تقترب من الفراش بسبب وجود مازن وقال بابتسامة: اهلا يا ملاكي.. اشتقت اليك..
التفت مازن بكل لهفة عندما نطق خالد اسم ملاك.. وتطلع الى هذه الاخيرة بحب وحنان ورجاء على ان تسامحه.. في حين رمقته ملاك بنظرة غاضبة حاقدة.. ومن ثم التفتت الى والدها وقالت بهدوء: وانا كذلك يا ابي..
اقتربت مها بدورها مع كمال لتقول الاولى مبتسمة: كيف حالك اليوم يا عمي؟..
قال خالد وهو يرفع رأسه اليها: افضل من السابق..
اما كمال فقد قال: ومتى اخبرك الاطباء بأنك ستخرج من المشفى؟..
قال خالد بابتسامة باهتة: بعد ان استعيد لياقتي البدنية.. ويتأكدوا من مقدرتي على العودة الى حياتي الطبيعية..
قالت ملاك في لهفة: ومتى سيكون ذلك؟..
هز خالد كتفيه وقال بابتسامة حانية وهو يتطلع الى ابنته: ربما بعد ايام..
اما مازن الذي كان يراقب كل حركة تقوم بها ملاك.. يراقب تلك الابتسامة العذبة التي كانت على شفتيها منذ ان دخلت الى الغرفة.. يتابع نظرات عينيها.. والتي كانت تصف له بكل وضوح الغضب والحقد التي تحمله له ملاك.. وتمنى لو يستطيع التحدث اليها كالسابق..يمزح معها و يستطيع أن يتقرب منها ويحظى على احدى ابتسامتها الخجلة.. وشعر بغصة مرارة في حلقه جعلته يلتفت الى عمه ويقول في تلك اللحظة: بالاذن الآن ياعمي.. فعلي الانصراف..
قال خالد بهدوء: صاحبتك السلامة.. وفكر جيدا فيما قلته لك..
تنهد مازن ومن ثم قال: سافكر.. بالاذن..
والقى نظرة اخيرة على ملاك قبل ان يتحرك مبتعدا.. وباتجاه باب الغرفة وفي تلك اللحظة تعالى رنين هاتفه المحمول.. فالتقطه بهدوء بعد ان توقف عن مواصلة سيره ..وما ان تطلع الى الاسم .. حتى عاد الى داخل الغرفة وقال وهو يتحدث الى مها: تعالي معي للحظة ..
اشارت مها الى نفسها وقالت : من ؟.. انا؟..
قال مازن مبتسما: ومن سيكون غيرك؟.. تعالي معي..
قالت مها وهي تقترب منه: حسنا .. حسنا..
وغادرا الغرفة معا.. وما ان اصبحا خارجها حتى قال مازن وهو يرفع الهاتف في وجهها: انظري..
تطلعت مها الى الهاتف في لهفة وكادت ان تجذبه من يده.. لكن مازن اسرع بابعاده عنها وهو يمسك باذنها قائلا بمرح: اخبريه ان هذه ستكون المرة الاخيرة التي يتحدث اليك فيها عبر الهاتف.. وبعدها فليأتي وليخطبك..
قالت مها بابتسامة شاحبة: فليقتنع والدي برفضي لاحمد اولا..
ابعد كفه عن اذنها ليضعها على كتفها ويقول بهدوء: سأحاول اقناعه يا مها..
قالت مبتسمة : اشكرك و...
وهنا انقطع الرنين بغتة.. فقالت مها بضيق: ارأيت .. جعلتني انشغل بالحديث معك.. حتى اغلق حسام الخط..
غمز مازن بعينه وقال مبتسما: سيتصل بعد لحظات ..وسترين بنفسك..
وما ان انهى عبارته حتى عاود حسام الاتصال فقال مازن مبتسما: الم اقل لك؟..
قالت مها في سرعة: اعطني الهاتف.. اريد ان اتحدث اليه..
قال بمكر: ما رأيك ان العب في اعصابه قليلا؟..
قالت مها باستنكار: لا .. دع حسام وشأنه..
لم يأبه لها مازن واجاب على الهاتف قائلا بهدوء: اهلا حسام..
قال حسام متسائلا: اهلا بك.. ما بالك لا تجيب على الهاتف؟ ..
قال مازن مجيبا: لقد كنت منشغلا للحظات..
قال حسام متسائلا بقلق ولهفة: وماذا عن مها؟..هل اقتنعت؟ ..
قال مازن وهو يصطنع خيبة الامل: للاسف كلا..
شعر حسام بالضيق يجثم على صدره وقال بحنق: ارجوك اقنعها.. اقنع تلك الحمقاء برفضه..
ابعد مازن الهاتف عن اذنه قليلا وقال متحدثا الى مها التي عقدت ذراعيها امام صدرها بضيق من تصرفه: يقول عنك حمقاء..
اسرع حسام يقول بعد ان سمع عبارة مازن: ماذا؟.. هل مها معك؟..
قال مازن مبتسما: اجل انها تقف الى جواري..
- اعطني لاحادثها اذا.. ربما استطيع اقناعها..
- لسنا بحاجة لخدماتك فقد اقنعتها وانتهى الامر..
صمت حسام وقد الجمت المفاجأة لسانها.. هل قال اقنعها ام ان اذنيه اصيبت بخلل ما جعلته يسمع اشياءا لم تقال؟..في حين قال مازن وهو يسلم الهاتف الى مها ويبتسم: لقد صمت من المفاجأة .. خذي واخبريه الحقيقة.. ولا تنسي ان تخبريه ان لي الفضل في كل ما حدث..
رمقته مها بطرف عينها.. ومن ثم التقطت الهاتف من يده وهي تبتسم قائلة: اهلا حسام.. كيف حالك؟..
قال حسام وكأنه لم يسمع حرفا مما قالته: اخبريني يا مها.. هل ما سمعته صحيح ام اني كنت اتخيل؟..
برقت عينا مها بفرحة وهي تقول: بل حقيقة يا حسام.. لقد قررت رفض احمد..
خفق قلب حسام بفرح وقال في سرعة وسعادة: وما الذي جعلك تغيرين رأيك على الرغم من كل محاولاتي معك؟..
قالت مها وهي تداعب خصلات شعرها وتبتسم ابتسامة واسعة: لقد اقنعني مازن..
قال حسام باستنكار مصطنع: هكذا اذا..لقد حاولت اقناعك لاكثر من مرة.. لكن مازن منذ المرة الاولى استطاع اقناعك..
قالت مها مبتسمة وهي تستند الى الجدار: اولا هو شقيقي ويعرف كيف يمكنه اقناعي.. وثانيا انها ليست المرة الاولى التي تحدث فيها الي وحاول اقناعي برفض هذا الزواج..
قال حسام بابتسامة وهو يتنهد براحة: اذا فقد انتهى الكابوس اخيرا ..
قالت مها بتردد: ليس بعد..
اختفت الابتسامة من على شفتي حسام وقال بقلق وتوتر: كيف؟؟..ماذا تعنين بـ(ليس بعد) يا مها؟..
ازدردت مها لعابها قبل ان تقول ببعض الارتباك: مازن.. لم يقنع والدي برفضي هذا بعد.. وخصوصا واني قد وافقت على احمد امامه وامام عمي..
قال حسام بجدية وحزم: انا سأقف بجوارك يا مها وسنتحدى المستحيل لنتوج حبنا بالزواج..
قالت مها وهي تتذكر كلمات ملاك في تلك اللحظة: ليت الامر كان بهذه السهولة.. الكلام امر سهل.. لكن تنفيذه صعب..
قال حسام وهو يزفر بحدة: الا تثقين بي يا مها؟..
اسرعت مها تقول: بلى.. ولكنها الظروف.. الظروف التي تفرض علينا امورا لا نريدها..
قال حسام بحنان: ونحن سنتحدى تلك الظروف وسنعمل على جعلها في صالحنا..
ابتسمت مها بهدوء .. ومن ثم قالت: انا اتحدث اليك من المشفى يا حسام.. لهذا اعذرني فأنا مضطرة لانهي المكالمة الآن.. سأتصل بك عندما اعود الى المنزل..
قال حسام متسائلا ورنة صوته تحمل حنان الدنيا كله: اهذا وعد؟..
اومأت مها برأسها وكأنما سيراها حسام وقالت برقة: وعد..
- حسنا اذا اراك فيما بعد..احبك..
ارتجف جسد مها كله لسماع تلك الكلمة.. منذ متى لم تسمعها من حسام.. منذ متى لم يقلها لها؟.. لقد مرت بظروف صعبة جعلتها تكاد تنسى اللحظات الرائعة التي قضتها بجوار حسام وكل كلمة كان يبثها بشوقه وحبه فيها..
وتوردت وجنتيها بخجل لتقول بصوت متلعثم: وانا ايضا.. الى اللقاء..
قالتها واسرعت تغلق الهاتف دون ان تسمع اجابته حتى ..وحسام الذي اندهش من تصرفها في البداية لم يلبث ان ابتسم ابتسامة مسرورة وواسعة تبعها بضحكة سعيدة وهو يلفي بنفسه على الفراش.. غير مصدق ان هذا الكابوس سينتهي قريبا.. وهتف قائلا بسعادة: احبك يا مها.. احبك.. احبك يا ايتها الحمقاء التي عذبتني طويلا بحماقتها.. احبك يا من عذبتني في الماضي بشقاوتها .. احبك..
وتنهد وهو يغمض عينيه.. ولاول مرة منذ مدة طويلة شعر بأنه قد ارتاح.. ارتاح اخيرا وهو يشعر انه قد انقذ حب الطفولة .. ودافع عنه حتى استطاع استرداده..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت مها من حولها بحثا عن مازن بعد ان انهت المكالمة.. واخذت تتفحص المكان بعينيها لتجده وتعيد اليه هاتفه.. لكن المكان كان خاليا تماما منه..ولم تجد امامها الا ان تعود الى داخل الغرفة لكن هذه المرة بابتسامة مسرورة وسعيدة .. وجلست على مقعد يجاور مقعد ملاك..وتطلعت الى كمال الذي كان يجلس بهدوء على مقعد في الطرف الآخر للفراش.. وسمعت عمها يقول في تلك اللحظة وهو يدفع جبين ملاك بلطف: لا اريد تقاعسا في تدريباتك.. افهمت.. تمارسينها يوميا.. والا اخبرت مازن عنك..
شعرت ملاك بالضيق لذكرى مازن وقالت بحنق: وما شأن مازن بالموضوع؟..
قال خالد وهو يتطلع اليها بنظرة ماكرة: اليس هو .. من عثر على امل في علاجك؟.. فبالتأكيد سيتضايق لو عرف بأنك تقاعست عن مواصلة التدريبات..
ابتسمت مها وقالت: اجل .. حاول معها يا عمي.. فاليوم قد توقفت عن مواصلة التدريبات..
قالت ملاك مبررة وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: لأنني تعبت ..
اما كمال فقد نهض من مكانه وقال بهدوء: استأذن انا الآن يا عمي ..
التفت له خالد وقال: لا يزال الوقت مبكرا..
قال كمال بهدوء: لدي موعد مع احد الاصدقاء الآن.. سأغادر انا ومها.. ومن ثم سآتي انا او مازن لاصطحاب ملاك ..
ومن ثم تساءل وهو يتطلع الى مها: ستأتين؟..
شعرت مها بالحيرة.. فمن جهة تريد العودة ومحادثة حسام.. ومن جهة اخرى تريد البقاء الى جوار ملاك لتعرف سبب الحزن الذي يسيطر عليها وتلك النظرة في عينيها.. وحسم خالد موقفها ليقول : اترك مها هنا.. فأنا اريد ان اتحدث اليها قليلا..
شعرت مها بالغرابة من هذا الموضوع الذي يريد عمها خالد الحديث اليها بشأنه.. لكنها شعرت في قرارة نفسها انه يخص ملاك من بعيد او قريب.. وانصرف كمال مغادرا المكان .. ومرت لحظات قبل ان تقول ملاك متسائلة ببعض الضيق: ماذا جاء يفعل عندك ذلك الشخص عندما دخلنا الى غرفتك يا ابي؟ ..
استغربت مها استخدامها للفظ (ذلك الشخص).. في حين فهم والدها انها تعني مازن .. فقال مؤنبا: من العيب ان تقولي ذلك الشخص على ابن عمك.. يجب عليك احترامه..
اشاحت ملاك بوجهها وقالت: طوال عمري وانا احترمه.. وماذا جنيت في النهاية سوى الحزن..
تطلع لها والدها في خبث.. في حين ارتبكت ملاك من زلة لسانها وعلى اخبار والدها بحالة الحزن الذي يسببها لها مازن في الوقت الحالي.. واسرعت تقول بارتباك محاولة تغيير ما فهمه والدها من عبارتها: اعني .. انه..يسخر مني احيانا و...
بترت ملاك عبارتها واطرقت برأسها بألم.. فهي لم تقوى على الكذب اكثر من ذلك.. فهذا هو والدها اغلى الناس على قلبها واكثر من يفهمها.. فكيف يمكنها ان تكذب عليه؟ ..
وقال خالد بهدوء وهو يمسك بذقنها ويرفع رأسها اليه: ملاك.. هل هناك شيء تودين قوله؟..
صمتت ولم تجب.. فقال والدها وهو يتطلع الى عينيها: هل هناك امر تخفينه عني؟..
شعر بارتباك ملاك واضطرابها وهي تتحاشى النظر اليه.. فترك ذقنها وقال بحزم: هل هناك شيء؟..
قالت ملاك بتردد بعد ان ازدردت لعابها بصعوبة: شيء؟؟.. مثل ماذا؟..
صمت والدها للحظات ومن ثم رمقها بنظرة باردة قبل ان يقول وهو يلتفت عنها: شيء مثل.. ان تكوني قد تزوجت مازن اثناء اصابتي بالغيبوبة ..
تطلعت له ملاك بذهول وصدمة .. وذهنها لا يستوعب انه قد علم بالحقيقة.. وعلم الآن انها قد اخفت عنه هذا الامر.. واكثر ما تخشاه الآن هي ردة فعله على هذا الموضوع..
حتى مها كانت تشعر بالدهشة من معرفة عمها بهذا الزواج وخصوصا وان ملاك تعمدت اخفاء امر الزواج عن والدها.. وقالت متسائلة بدهشة: وكيف عرفت بأن ملاك هي زوجة مازن يا عمي؟..
وقال خالد اخيرا منهيا حيرتهم: لقد جاء مازن قبلكم بساعة ونصف وقد اخذ يتحدث معي في كل شيء..ويحاول شرح وتوضيح كل الامور.. واخبرني كذلك بالدوافع التي جعلته يتزوجك يا ملاك.. كما اخبرني بأمر طلبك للانفصال ..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها بغيظ: بالتأكيد قد اخبرك بأشياء تجعله يبدوا في نظرك مظلوما وانه لم يفعل أي شيء ..
قال خالد وهو يلتفت لها ويتطلع اليها: لقد اخبرني بكل شيء يا ملاك .. وكانت شجاعة منه ان يأتي الى هنا ويواجهني بهذا الامر .. وهو يعلم جيدا اني تقريبا لن اقبل به كزوج لابنتي ..
شعرت مها بالغرابة من تصرف مازن..فهو يجب ان يكون اكثر المتخوفين من ردة فعل عمه تجاه هذا الزواج .. ومع هذا جاء اليه ليبلغه من انه قد تزوج ابنته.. الم يخشى ان يفقد ملاك حينها حقا وان يرفضه عمه ويطلب منه هو الآخر ان ينفصل عن ملاك؟؟..
اما ملاك فقد قالت وقلبها يخفق بقلق: وما موقفك من هذا الزواج يا والدي؟..
لمح والدها في عينيها القلق لكنه لم يشير اليه و قال وهو يضع كفه على كتفها: قبل ان اخبرك بموقفي من زواجك .. اخبريني انت بسبب طلبك الانفصال من مازن..
حاولت ملاك ان تتماسك وهي تقول بصوت مرتجف: الم يخبرك بذلك ايضا يا ابي؟.. الم يخبرك بأنه طعن قلبي في الصميم.. الم يخبرك بأنه كان يمثل علي دائما دور المحب والحنون ؟..وفي النهاية ادرك ان كل هذا كان مجرد تمثيل ليس الا.. وانه قد اجبر على الزواج بي منذ البداية لاني .. لاني...
واختنق صوتها اكثر ولم تقوى على مواصلة الكلام ..وتلألأت تلك الدموع في عينيها كنجوم في سماء الالم.. في حين ضغط والدها على كتفها بحنان ليقول: ملاك لقد كنت دائما ارفض ان تكون لك اية علاقة بعمك او ابناءه.. فكيف عندما اعرف ان ابنتي قد تزوجت مازن احد ابناء عمك؟.. لا اخفي عليك في البداية اني ثرت وانفعلت على مازن عندما جاء يخبرني بالحقيقة..وكدت ان اجبره على ان ينفصل عنك ولو بالقوة.. لكني حاولت ان اهدئ نفسي عندما طلب ان استمع اليه.. وبصراحة شعرت بالاعجاب للحظة تجاه ذلك الشاب لكونه قدجاء الي ليخبرني بأمر الزواج الذي كان متأكد تقريبا من اني سأرفضه .. لكني استمعت اليه بكل اهتمام.. وادركت حينها انه قد تغير لأجلك.. فليس العيب في ان نخطئ.. بل العيب في ان نواصل في فعل ذلك الخطأ دون رغبة في اصلاحه.. ومازن قد حاول ان يتغير مرارا لأجلك.. ونجح في ذلك.. ولا يمكنك انكار انه قد قد ابدا اهتماما صادقا تجاهك..
تنهدت ملاك وقالت بعينان قد امتلأتا بالدموع وبصوت راجف: هل انت معي ام معه يا ابي؟..
التفت والدها الى مها التي كانت تراقب بقلق لكل ما يجري ..وتستمع الى مصير تلك العلاقة التي عبرت عن اسمى المشاعر والتي ربطت بين مازن وملاك يوما..وقال خالد في تلك اللحظة: لقد ابقيت مها هنا.. حتى تخبرك وتخبرني بالحقيقة.. وانا اعلم انك ستصدقينها لانك تعتبرينها كاخت لك.. اليس كذلك؟ ..
اومأت ملاك برأسها ومسحت دموعها بصمت.. في حين ربت والدها على رأسها ومن ثم التفت الى مها قائلا: اخبريني يا مها .. كيف كان مازن قبل ان يعرف ملاك؟.. وكيف اصبح بعد ان ارتبط بها؟..
شعرت مها بالحرج من هذا الموقف التي توضع فيه.. وقالت وهي تزدرد لعابها في توتر:في الحقيقة .. لا اعرف ماذا اقول.. غير ان مازن قد تغير حقا.. لقد كان في الماضي.. لا يفكر في شيء اكثر من نفسه.. لا تهمه أي فتاة.. يتحدث الى هذه وتلك دون ان يكترث بشيء.. ولكن والحق يقال انه لم يحاول يوما ان يعدهن بوعود كاذبة.. لقد كان الامر في حدود الصداقة او لنقل زمالة..
واستطردت وهي تلتفت الى ملاك وابتسامة تعلو شفتيها: ومنذ ان جاءت ملاك الى منزلنا.. شعرت ان مازن قد اعجب بها منذ ان رآها.. حتى ان تصرفاته كانت تثير حيرتي.. فأحيانا اراه يحاول ان يساعد ملاك بشتى الطرق.. واحيانا اخرى اراه يتحدث اليها ويمازحها.. يهتم بها ويحاول التخفيف عنها لو تضايقت .. ولقد كنت اظن ان كل ذلك في البداية مجرد علاقة كعلاقاته بالعديد من الفتيات.. لكن وجدت فيما بعد ان اهتمامه بملاك حقيقي.. ووجدته رويدا رويدا ينسحب من حياته السابقة ليشمل ملاك بعطفه واهتمامه وحنانه..
والتقطت نفسا عميقا وهي تقول مستطردة ببطء: ولست انكر انه عندما عرض عليه والدي زواجه من ملاك.. رفض وعارض هذا الزواج.. ولكنه فيما بعد قرر الموافقة لكي يحمي ملاك واملاكك يا عمي .. وصدقني يا عمي.. وانت كذلك يا ملاك.. لقد تغير مازن بعد ان عقد قرانه عليك.. لقد بت ارى في عينيه الخوف الصادق تجاه شخص ما..اصبح يخشى عليك من كل شيء واي شيء.. بت ارى الحنان الحقيقي والاهتمام في تصرفاته تجاهك.. انه حتى قد ترك كل رفيقاته السابقات لاجل ان يبدأ معك صفحة جديدة.. لهذا يا ملاك ارجوك ان تفكري جيدا قبل ان تطلبي الانفصال.. لقد بدأت اشعر بحب مازن الكبير تجاهك وانه لم يعد يستطيع الابتعاد عنك بعد الآن.. فكري جيدا يا ملاك قبل ان تنهي هذه العلاقة ومشاعر الحب التي ربطت بين قلبيكما في يوم..
كانت ملاك تستمع بملامح جامدة وبنظرات خاوية.. كانت تستمع لكن بذهن مشوش.. وبنصف تركيز.. كان جرحها اعمق بعد ان ادركت قسوة هذه الدنيا والتي طعنتهافي اول شاب خفق له قلبها ..ولم تنطق ببنت شفة واكتفت بالصمت ..
وسمعت والدها يقول لها في تلك اللحظة: كلنا معرضون للخطأ يا ملاكي.. حتى انا كنت اعرف عدد من الفتيات قبل ان التقي بوالدتك.. واترك كل الفتيات لاجلها.. اسمعيني يا صغيرتي بقدر ما كنت اعارض زواجك من مازن سابقا.. بقدر ما انا اباركه الآن..وانا اراه يحمل لك في قلبه كل هذا الحب.. فلا يهمني شيء سوى ان اراك سعيدة يا ابنتي..وانا شعرت بالمشاعر التي تحملينها لمازن منذ ان رأيتك تتحدثين عنه وتطلقين على طائرك اسمه.. واعلم انك ستسعدين معه مادام الحب هو اساس علاقتكما..
التفتت ملاك الى والدها وقالت وشفتاها ترتجفان: انت تقول هذا با ابي.. انت تقول هذا بعد ان اهانني وطعن فلبي بخيانته وخداعه .. انت تقول هذا بعد ان جرح كرامتي و...
قاطعها صوت رنين الهاتف.. كان هاتف مازن الذي تركه عند مها الذي اخذ يرن تلك اللحظة..حتى اجابت عليه مها قائلة وهي ترى انه اتصال من منزلها: اهلا..
جاءها صوت مازن ليقول: لقد اتصلت بك لابلغك اني عدت للمنزل .. واريد منك ايضا ان تعرفي قرار ملاك النهائي.. وان كانت ستتراجع عن قرار الانفصال ام لا..
قالت مها وهي تقول بصوت خافت بعض الشيء: انت تعرف كم هي عنيدة.. ثم ان من حقها طلب الانفصال..بعدما عرفته عنك..
قال مازن بعصبية: مها.. يكفيني ما انا به ..كل ما اريده منك ان تحاولي مع ملاك انت الاخرى.. ارجوك.. اخبريها اني لا استطيع الابتعاد عنها .. اخبريها اني احبها بحق ولا اتخيل فتاة تشاركني حياتي سواها..اخبريها اني سأفعل أي شيء لأجلها ..فقط فلتسامحني على ما اقترفته يداي..
قالت مها بهدوء: سأبلغها يا مازن.. وسأحاول معها.. وعمي خالد ايضا لا يزال يحاول ردعها عن قرار الانفصال الذي اتخذته لكن من دون فائدة..
تنهد مازن وقال: كم هو عظيم عمي .. لو تعلمين ان بعد كل ما اخبرته عني وكل ما فعلته بابنته.. الا انه قال لي اني ما دمت قد اصلحت خطأي وتغيرت لأجل ابنته .. ومادمت احمل لملاك كل هذا الحب.. فهو سيقف معي وسيحاول مساعدتي .. على ان لا ارضخ لمطلب ملاك ابدا..
تطلعت مها الى عمها باعجاب الذي انشغل بالحديث الى ملاك في محاولة لاقناعها وقالت: اني افخر لكونه عمي حقا..
تنهد مازن قائلا: لقد ظلمناه لوقت طويل وانظري ماذا فعل مع ابن من ظلمه..لقد وقف الى جواري وفكر في مساعدتي.. حقا انه رجل عظيم بكل ما للكلمة من معنى..
واردف قائلا: اراك عند عودتك للمنزل.. واتمنى ان تخبريني حينها بأن ملاك قد سامحتني اخيرا.. الى اللقاء الآن يا مها..
قالت مها بابتسامة شاحبة: اتمنى ذلك انا الاخرى.. الى اللقاء ..
وما ان انهت المكالمة حتى لمحت تلك الصورة التي كانت على خلفية شاشة الهاتف.. وابتسمت وهي تتطلع اليها.. دون ان تنتبه لخالد الذي كان يقول لملاك في تلك اللحظة: قد يكون مازن قد خدعك كما تقولين.. لكنه شاب شهم.. فعلى الرغم من رفضه على ان يتزوجك.. الا انه وافق في النهاية لاجلك ولاجل ان يحمي املاكك.. ولو كان شابا آخر غيره لما اكترث وتركك فريسة سهلة لقؤاد وعادل.. كما وانه – كما قلت لك سابقا- قد تغير وتخلى عن جميع الفتيات لاجلك.. وأنا موقن انه كان يتصرف نحوك بحنان وحب صادق ويهتم بك لأنه يريد ذلك.. ملاك.. مازن الآن بين يديه كل املاكك ولقد قام بادارتها عن طيب نية.. مع انه يكره العمل كما علمت منه الا انه قد قبل بالعمل في الشركة لانها تخصك.. واراد ان يحافظ عليها.. واخيرا بحثه عن علاج لك.. ماذا يعني في رأيك؟.. اليس رغبة في علاجك واهتماما كبيرا بك؟..
قالت ملاك وهي تهز رأسها نفيا: بل مجرد مصادفة عثر فيها على امل في علاجي.. فأراد ان يقدم معروفا لتلك الفتاة العاجزة..
اسرعت مها تقول وهي ترفع رأسها لملاك: ملاك..انت مخطأة .. مازن حقا يحبك..
ورفعت الهاتف في مستوى ناظريها لتقول مبتسمة بحنان: الا توافقيني الرأي؟.. في ان من يضع صورة فتاة على خلفية شاشة هاتفه.. لا يحمل لها أي اشفاق.. بل كل حب وحنان..
وصمتت ملاك دون ان تجد ما تقوله.. وقد تأملت تلك الصورة بشرود.. وهي تتذكر ذلك اليوم الذي قضته مع مازن.. الذي بثها فيه مشاعره .. ورأت في عينيه يومها الحنان والخوف الصادق.. عندما رآها تسقط على الارض...
وعاد قلبها يخفق لمازن .. لكن بخوف هذه المرة من المستقبل المجهول الذي ينتظرهما...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الخامس والاربعون
" لا ترحل"
سار مازن في الردهة جيئة وذهابا.. وهو يحاول ان يفكر في حديث يقنع به والده.. وعبارات قد تجعله يرضخ للامر.. كان يعلم جيدا ان ما يهم والده هو املاكه اولا.. لهذا اراد ان يستخدم الاسلوب ذاته معه..ان يتحدث اليه بطريقة عملية دبلوماسية تقنعه على رفض احمد زوجا لمها..
وعقد حاجبيه وهو غارق في التفكير.. ويحاول ان يفي بوعده لمها وان يقنع والده حقا بأن يرفض احمد ويقبل بحسام..
وتوقف اخيرا عن مواصلة التفكير وهو يتوجه الى الطابق الاعلى .. والى غرفة والده بالتحديد.. وشعر بصعوبة ما وعد مها به في تلك اللحظة.. فهو اكثر الناس علما بوالده.. ويعلم انه سيرفض كل ما يمس ثروته سواء كان هذا على حساب نفسه او حساب ابناءه..
وزفر بحدة وهو يجد نفسه مرغما على ان يفعل أي شيء لشقيقته وليرى الفرحة على وجهها من جديد مادام لم يستطع رسم الفرحة على وجهه هو.. وطرق الباب اخيرا منتظرا سماع اجابة والده..ومن داخل الغرفة.. جاءه صوت والده وهو يقول: ادخل ..
امتدت يد مازن لمقبض الباب.. ليديره ويدلف الى الداخل.. وتطلع اليه والده الذي كان جالسا على طرف فراشه وقد تغضن جبينه وقال بحدة: اجئت لتكمل ما كنت تقوله هذا الصباح؟.. لديك صفة سيئة اخرى لم تنعتني بها حتى الآن..
اقترب مازن من والده وابتسم ابتسامة شاحبة وهو يقول: بل جئت لاعتذر عما قلته هذا الصباح.. فقد كنت منفعلا وقلت ما قلته في لحظة غضب.. ولاتحدث اليك في موضوع ما ايضا..
قال والده ببرود: اخبرني الموضوع الذي جئت من اجله وانصرف ..
ادرك مازن ان والده لن يهتم لو اعتذر له او لم يفعل.. واكتفى بأن جذب له مقعدا وجلس عليه وهو يقول: الموضوع الذي جئت لأحدثك فيه يا والدي يعني مها..
قال والده بحيرة: وماذا بها مها؟..
قال مازن وهو يحاول انتقاء عباراته للحديث: قبل كل شيء .. اخبرني يا والدي.. هل انت مقتنع بتزويجها من احمد؟ ..
تطلع له والده بنظرة صامتة ومن ثم قال: ما دام فيه مصلحة العائلة فأنا مقتنع به..
قال مازن وهو يحاول ان يحرك مشاعر والده تجاه مها: ولكن قد يتسبب في حزن دائم لاحد ابناءك.. فانت تعلم جيدا ان احمد انسان مستهتر لا يهتم سوى بنفسه وليس حمل مسئولية او منزل وزوجة .. فكيف ستطمئن على ابنتك وهي زوجة له؟ .. الا تخشى ان لا يهتم بها.. ان يقسوا عليها.. ان يجرحها في الكلام او حتى يتطاول عليها بالضرب..
قال امجد بضيق: لن يستطيع ان يمس ابنتي بسوء وانا على قيد الحياة ..
قال مازن وهو يميل نحو والده: ولكن ها انتذا تقدمها له كزوجة .. فحينها من سيستطيع منعه من ان يؤذي ابنتك.. فهو زوجها .. وحتى لو تدخلت انت .. فسيتدخل عمي هو الآخر ويحاول ان يمنعك من تأنيب ابنه على تصرفه وقد يعاود تهديدك بنصيبه في رأس المال.. وعندها لن تجد امامك من حل سوى الصبر والصمت..
قال امجد وقد ادرك مغزى مازن من حديثه: مازن الى ماذا تلمح؟.. لقد وافقت شقيقتك امامكم وانتهى الامر.. وهذا يعني انها موافقة على زواجها من احمد..
قال مازن في سرعة: عندما اقنعتها انت ان ما تفعله هو لاجل العائلة .. لكننا لسنا اطفال يا والدي.. انا وكمال يمكننا العمل .. وان نصرف على انفسنا.. وشركتك يمكن ان تقترض لاجل سداد الخسائر او بيع عماراتك.. او حتى بيع منزلنا وشراء منزل اصغر منه.. فنحن لا نقبل ان نعيش في بذخ على حساب سعادة مها..
تطلع له امجد وقال بحدة: لكن في هذه الحالة سنضطر للتخلي عن كل شيء.. للعيش في مستوى العائلات المتوسطة..وبعد ان كنت رجل اعمال شهير في عالم رجال الاعمال.. اصبح مجرد رجل اعمال يقترب من الافلاس..ثم ان الامر قد انتهى وانا حددت كل شيء مع عمك بعدموافقة مها..
قال مازن وهو يتطلع الى والده برجاء: لكن مها لا تفكر في احمد حتى.. انت رأيت بنفسك الحزن الذي اصابها عندما رفضت حسام.. وهذا يعني انها ترغب بهذا الاخير زوجا لها .. كما ولابد انك لاحظت انطوائها وحزنها بعد ان وافقت على احمد وهذا يثبت عدم رغبتها في الزواج به .. والدي .. ارجوك فكر بمها قبل كل شيء.. فليكن ابناءك ولو مرة واحدة في حياتك هم اهم اولوياتك..تذكر انك بزواج مها من احمد.. قد تقتل ابنتك بزواجها من شخص تكرهه وشخص ثد يتسبب في شقاءها وتعاستها مستقبلا .. كما ...
قاطعه والده قائلا بخشونة: قلت لك ان الامر قد انتهى..
هز مازن رأسه نفيا وقال: كلا لم ينتهي.. لان مها قد تراجعت في قرارها ورفضت ان تقترن بأحمد..
تطلع له والده بشك .. ولكن عندما لمح الجدية في وجه مازن قال بغضب: لو كان ما تقوله صحيحا..وان مها قد رفضت احمد .. فاعلم ان هذا الامر لن يمضي على خير.. فأنا على يقين بأنك انت و شقيقك قد ملأتما رأسها بتلك الافكار السخيفة ..
قال مازن وهو يشبك اصابعه ويتنهد: والدي انها ابنتك الوحيدة بين شابين والمدللة .. وكان يجب ان تكون انت اول من يفكر في اقناعها بالرفض لا نحن.. لان هذا الزواج لن يتسبب الا في قتلها ببطء..يجب ان تكون انت اكثرنا خوفا على مصلحتها ..
هز امجد ساقه بعصبية ومن ثم قال: لم لا تفهم.. زواجها من احمد فيه مصلحتها.. فهي ستعيش في رفاهية ونعيم طوال حياتها بدلا من ان ترفض هذه الزيجة وتتسبب بخسارة للشركة ولكم ..
كان مازن يدرك جيدا ان لوالده نقطة ضعف او انه يحمل بداخل قلبه نقطة بيضاء ..حاول ان يستغلها قدر الامكان وهو يقول: تذكر جيدا يا والدي.. ا ن زواج مها من احمد.. سيتسبب في تعاسة ابنتك المدللة..ولهذا لديك الآن الفرصة لكي تمنع الما وحزنا قد تعيشه في المستقبل لو اجبرتها على الزواج بأحمد من اجل مال واملاك.. قد تخسرها جميعا في صفقة خاسرة او في حادث.. وبعدها ستخسر كل شيء.. املاكك وابناءك..
وشعر مازن انه قد اصاب الهدف عندما رأى التردد في عيني والده.. وتلك الحيرة التي ظهرت على ملامحه وجعلته يقول بعد تفكير: فرضا لو انني رفضت احمد كما قلت ولم اوافق ان يتزوج ابنتي.. فكيف يمكنني ان اتكفل بحجم الخسارة التي ستصيب الشركة وهذا المنزل ككل؟..
اسرع مازن يقول وقد اسعده تردد والده: يمكنك ان تشارك احد رجال اعمال يا والدي.. يمكنك بيع حتى سياراتنا.. لكن لا تتسبب في تعاسة مها.. ارجوك.. انها شقيقتي الوحيدة ..
تطلع له امجد بهدوء ومن ثم قال: من الغريب انك انت من يقول هذا الحديث وقد كنت دائم الشجار مع مها..
ابتسم مازن وقال وهو يحك ذقنه: شجاري معها لا يعني اني لا احبها .. بل تستطيع القول ان هذه هي طريقتي في التعبير عن حبي لها ..
تطلع له والده بصمت.. في حين قال مازن وهو يريد ان يجعل والده يتراجع عن قراره نهائيا: فكر جيدا يا والدي.. فهي ابنتك الوحيدة.. المال يذهب ويأتي.. لكن مها قد تذهب ولا تعود ..ستتحطم وتنهار ولن تعود مها التي نعرفها .. فكر في مصلحتها اولا.. وانها لو تزوجت احمد ووافقت عليه فذلك لاجلك وحدك.. فها انت ذا تراها تريد ان تضحي لاجلك بحياتها وسعادتها ..افلا تستطيع انت التضحية بمالك فقط من اجلها؟ ..
تنهد امجد ولم يعلق.. في حين تطلع مازن الى والده بنظرة عميقة قبل ان يقول مؤكدا: فكر جيدا يا والدي في تضحية ابنتك .. وحاول ان تقدم لها ما يضاهي تلك التضحية التي كانت ستحول حياتها الى شقاء وحزن دائم لأجلك يا والدي..
صمت امجد ولم يجد ما يقوله.. واكتفى مازن بأن القى نظرة على والده محاولا معرفة ردة فعله.. ثم لم يلبث ان نهض من مكانه وقال بهدوء: هذا ما جئت لاقوله لك يا والدي.. بالاذن الآن ..
قالها ونهض من مكانه .. ليتوجه نحو الباب.. وقبل ان تمتد يده لتدير مقبضه سمع والده يقول : انتظر..
التفت مازن الى والده متسائلا.. فاردف والده بابتسامة شاحبة: سأفكر بجدية في الموضوع.. وسأفعل ما اجده في مصلحتنا جميعا..
ابتسم مازن بسرور.. فمجرد تفكير والده في الامر يعني انه قد رق قلبه تجاه ابنته التي عانت الامرين من موضوع الزواج هذا .. وقال وهو محتفظ بابتسامته: بل افعل ما تراه في مصلحة مها وحدها يا والدي..
ومن ثم لم يلبث ان غادر الغرفة.. وكاد ان يتوجه الى غرفته ..لولا ان سمع اصواتا من الطابق الاسفل.. فغير وجهته الى الدرج ليهبط درجاته.. وبينما هو كذلك استطاع ان يلمح ملاك التي كانت تدفع عجلات مقعدها بهدوء متوجهة الى غرفتها .. وتابعها بنظراته حتى دلفت اليها واغلقت الباب خلفها ..
ووجد نفسه يزفر بحدة وهو يلتفت الى مها التي اقتربت منه لتصعد الدرج.. ولكنه توقف في طريقها قائلا: ماذا حدث؟..
رفعت مها ناظريها الى مازن وقالت: ماذا حدث في ماذا ؟..
تطلع اليها مازن بنظرات حادة وقال: مها .. لا تصطنعي الغباء .. اخبريني.. هل استطاع عمي اقناعها على ان تتراجع عن طلبها في الانفصال؟..
هزت مها رأسها نفيا وقالت: لست اعلم..
ارتفع حاجبا مازن بدهشة وقال: كيف لا تعلمين؟؟..
قالت مها وهي تعتدل في وقفتها قليلا : بصراحة لقد كانت متمسكة برغبتها في الانفصال حتى آخر لحظة.. لكن ...
ومن ثم لم تلبث أن وضعت كفها على درابزين السلم وهي تكمل: لكن ما ان اريتها تلك الصورة التي على خلفية شاشة هاتفك.. حتى صمتت لفترة.. وبعدها رفضت ان نتحدث اليها في هذا الموضوع.. فقد اتخذت قرارها وهي وحدها من ستتحمل نتائجه ..
شعر مازن بقلبه يخفق بقوة خوفا وقلقا من هذا القرار الذي اتخذته.. وقال وهو يتمنى لو تجيبه مها بالنفي: هل تعنين قرارها بالانفصال؟؟..
قالت مها وهي تهز كتفيها بقلة حيلة: صدقني يا مازن لست اعلم .. لقد رفضت الاستماع حتى لوالدها.. فهل ستقبل الاستماع لي انا؟..
قال مازن وهو يمرر اصابعه بين خصلات شعره الاسود: والعمل الآن؟؟..
التفتت مها الى حيث غرفة ملاك وقالت : يمكنك الحديث الى ملاك ان شئت .. لكي تعلم بقرارها النهائي الذي عنته..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: وهذا ما سافعله..
واسرع يهبط الدرجة الاخيرة من درجات السلم ويتجه نحو غرفة ملاك.. وقد اخذ شعوره بالخوف والقلق يتضاعفان في اعماقه كلما اقترب اكثر من باب غرفتها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
امسكت ندى بمضرب التنس وهي تقف استعدادا لصد الكره به.. وتحركت برشاقة وهي ترى الكرة تتجه نحو اليمين..لتصدها بمضربها بمهارة.. وتجعلها تنطلق نحو الاتجاه الآخر..
وسمعت بغتة صوتا يناديها جعلها تلتفت لصاحبته.. دون ان تنتبه الى تلك الكرة التي صدتها زميلتها بدورها واعادتها اليها ..وما ان تعدت الكرو الخط الابيض .. حتى قالت زميلتها بمرح: واخيرا .. سجلت نقطة..
شعرت ندى بالحنق في تلك اللحظة وقالت وهي تصب غضبها على الفتاة التي قامت بنادئها: اكان يجب ان تناديني في هذه اللحظة بالذات يا رشا؟.. الم يكن بأمكانك ان تصبري لدقائق فقط؟ ..
قالت رشا باسلوب اثار استفزاز ندى: في الحقيقة.. كلا ..
اقتربت منها ندى وقالت باسلوب حاد: وما الذي حدث في الكون حتى لا يمكنك الصبر الى هذه الدرجة ؟..
قالت رشا وهي ترمق ندى بنظرة ذات معنى: بل هناك ما لم يحدث ..
قالت ندى ببرود وهي تعقد ساعديها امام صدرها: لا تتحدثي بالالغاز.. ان كان هناك امر تودين قوله .. فقوليه او انصرفي ..
تطلعت رشا الى زميلة ندى التي لا تزال تنتظر وقد شعرت بالملل من توقف المباراة بينها وبين ندى.. ومن ثم عادت لتلتفت الى هذه الاخيرة وهي تقول: اريد ان اتحدث معك وحدك..
التفتت ندى الى زميلتها وقالت وهي تعيد المضرب الى مكانه: مضطرة للانصراف الآن يا رنا ..نلتقي في وقت لاحق..
وانصرفت من قسم التنس لتسير الى جوار رشا التي قالت فجأة: اين مازن؟؟..
التفتت لها ندى بحدة وقد استغربت سؤالها.. فاكملت رشا قائلة:انه لم يأتي الى النادي منذ عشرة ايام تقريبا .. فأين هو؟..
قالت ندى بحدة: وكيف لي ان اعلم.. اتصلي به واسأليه عن مكانه ..
قالت رشا وقد عقدت حاجبيها بحنق: واتظنين انني لم افعل؟.. لكن رقمه لم يعد في الخدمة.. فما الذي حدث؟..
تذكرت ندى في هذه اللحظة ان مازن قد غير رقم هاتفه .. ووجدت نفسها تبتسم بخبث وهي تقول: لقد غير رقم هاتفه ..
تسائلت رشا بدهشة: ولم فعل؟..
قالت ندى وهي راغبة في اغاظتها: لان هناك من يزعجه باتصالاته المتكررة..
قالت رشا بعصبية: من تعنين بكلامك؟..
قالت ندى وهي تتطلع اليها من رأسها حتى اخمص قدميها باسلوب مستفز: اظن ان كلامي واضح جدا..
شعرت رشا بغضب بدأ يتملك كيانها لكنها ارتدت قناع البرود امام ندى وقالت وهي تفكر في قلب اللعبة وان تغيظ ندى بدلا من ان تغيظها هذه الاخيرة: لقد فهمت الآن.. فهو بالتأكيد لا يريد لاحد ان يحدثه بعد ان تزوج من ابنة عمه واستقر معها بهدوء.. بعيدا عن ازعاج الاقارب المتطفلين..
شعرت ندى بالدم يغلي في عروقها وقالت بغضب: اقرباءه افضل منك بألف مرة .. ثمني كلماتك والا قطعت لسانك..
قالت رشا وهي مستمرة في نشر سمومها: كما وان كذبك الآن قد انكشف .. فقد قلت ان مازن يفكر بالارتباط بك .. لكن ها هو ذا قد هرب مبتعدا عنك.. وفضل عاجزة عليك ..
صرخت ندى قائلة: تبا لك.. اصمتي.. سأثبت لك الآن انه يحبني.. ويريدني انا لا تلك العاجزة..
واخرجت هاتفها باصابع ترتجف من شدة العصبية.. واخذت تبحث في قائمة الاسماء عن اسم مازن.. حتى وجدته اخيرا .. وقالت بصوت منفعل وهي تضع الهاتف في مواجهة رشا: انظري بنفسك .. انظري .. لقد منحني رقمه.. انا الوحيدة التي منحها رقمه.. لكي احدثه دائما..
ضحكت رشا ضحكة ساخرة ومن ثم قالت: وربما تكونين قد حصلت على رقمه من مها مثلا..
شعرت ندى بالحنق وازدادت من شدة قبضتها على هاتفها المحمول .. في حين اردفت رشا قائلة وهي تميل نحوها وبنظرات ماكرة: تجدين ابن عمك الآن غارق في السعادة مع زوجته .. وقد نسي كل ما يعنيك.. حتى اسمك ..
اشتعلت نار الغضب في صدر ندى.. جعلتها تدفع رشا عنها في قسوة.. وتسير بخطوات عصبية اقرب الى العدو.. متجهة الى خارج النادي..وهناك اتصلت في السائق حتى يأتي الى النادي على عجل..وتوقفت لعشر دقائق تنتظر حتى مرت سيارة السائق بجوارها.. واستقلت المقعد الخلفي وهي تقول للسائق بعصبية: لم تأخرت هكذا؟..
قال السائق وهو يواصل طريقه وكمن اعتاد اسلوب ندى الحاد: المعذرة آنستي.. ولكن الشوارع كانت مزدحمة..
لم ترد ندى الاستمرار في هذه المناقشة العقيمة..فآثرت الصمت وهي تتطلع من النافذة.. وفي تلك اللحظة سألها السائق قائلا: لم تخبريني يا آنستي.. الى اين تريدين ان اوصلك؟..
قالت ندى وهي تتطلع من نافذة السيارة: منزل عمي امجد..
من جانب آخر كان مازن يطرق باب غرفة ملاك بطرقات متتابعة وهو يأمل ان لا تكون قد اقفلت الباب خلفها والا فلن يتمكن من الدخول الى الغرفة..
وجاءه صوت ملاك وهي تقول متسائلة: من؟..
لم يجب مازن .. بل ادار مقبض الباب .. وعندها تنهد بارتياح عندما وجده مفتوحا.. واطل بجسده من الباب وهو يقول بابتسامة: انا ..
التفتت له ملاك بسرعة وحدة.. ومن ثم لم تلبث ان قالت وعلامات الضيق قد ظهرت على وجهها: ما الذي جئت تفعله هنا؟..
انقبض قلب مازن امام الضيق الذي بدا على وجهها عندما رأته .. لكنه قرر المضي في ما جاء لأجله.. وان يناقشها في قرارها.. ويجبرها على ان تغير رأيها وقرارها ان تطلب الامر ..
وابتسم بمرح مفتعل وهو يدلف الى الغرفة ويقول:جئت لكي اسأل عن زوجتي.. اخبريني.. كيف كانت تدريباتك اليوم؟..
تطلعت له ملاك بنظرات حادة ومن ثم قالت بعصبية: لم اعد زوجتك.. سأنفصل عنك في القريب العاجل..
حاول مازن الا يبدي غضبه تجاه هذا الامر وان يستخدم اسلوب آخر قد يجعل قلب ملاك يرق تجاهه.. ويجعلها تسامحه.. وقال وهو يتقدم منها بابتسامة: وتتركين زوجك وحيدا بدونك؟.. كيف سيمضي يومه دون ان تكون ملاك بجواره؟..
كورت ملاك قبضتيها في غضب وقالت بحدة: لا يهمني أي شيء يعنيك.. المهم ان تخرج من حياتي..يكفي الالم والحزن الذي تجرعته بسببك..
تقدم مازن منها اكثر ومن ثم قال وهو يتأمل ملامح وجهها: لا تكوني قاسية هكذا.. والدك الذي لم يعرفني بشكل جيد غفر لي خطأي وسامحني على ما فعلته عندما استمع الي.. وانت التي اعتبرك اقرب الناس الي.. ترفضين ان تصفحي عني..
اشاحت ملاك بوجهها عنه وقالت بقهر: ابي لم تنهن كرامته بسببك..لم يجرح بسبب خيانتك.. لقد فكر في حججك واعذارك.. ونسي ان لي كرامة ومن حقي ان اتخذ القرار الذي اراه مناسبا..
هبط مازن الى مستواها وقال برحاء: قرارك ليس مناسبا ابدا يا ملاك .. ان كان بالنسبة لك.. فبالنسبة لي لا.. لقد احببتك ..عشقت ملامحك.. عشقت صوتك.. اصبحت مصدر السعادة لي في هذه الدنيا.. لا استطيع يا ملاك ان اتركك ترحلين عني .. ارجوك.. تذكري كل ما كان بيننا من لحظات سعيدة.. وانسي ماض ولى ولن يعود..
تسائلت ملاك بعينين دامعتين وهي تلتفت له: اتحبني حقا؟..
اسرع يمسك كفيها ويقول بابتسامة واسعة: الحب كلمة بسيطة على ما اشعر به تجاهك.. لقد اصبحت جزءا من كياني يا ملاك ..
هتفت ملاك قائلة بصوت باكي: اذا طلقني..
ترك مازن كفيها كردة فعل من ما قالته.. توقع عندما سألته عن مشاعره تجاهها.. انها قد بدأت تسامحه.. لكن يبدوا ان الصدمة قد انستها كل شيء.. ولم تعد ترى الا اخطاءه.. والعذاب النفسي الذي عاشته بسببه..
وقال مازن في تلك اللحظة وهو يحاول ان يستحثها على تغيير رأيها: ملاك لا تتسرعي.. انا متمسك بك حتى آخر يوم في عمري .. فكري جيدا قبل ان تتخذي قرارا كهذا.. لو انفصلنا فلن اراك ولن ترينني بعد الآن..
ومع ان قلب ملاك كان يرفض هذا الامر ويستنكره بشدة.. ومع ان قلبها كان يهتف بها ان تسامح مازن وتغفر له.. لتعيش بقربه الى الابد.. الا ان عقلها رفض تخاذلها هذا .. وجعلها تقول ببرود: افضل..
اتسعت عينا مازن بذهول .. الى هذه الدرجة اصبحت تكرهني .. الى هذه الدرجة لم اعد اعني لها أي شيء.. هل من الممكن ان يتحول الحب والمشاعر الجميلة التي كانت تربطهما يوما الى كره؟..
ووجد مفسه يتطلع الى ملاك بغير تصديق وكأنه ينتظر منها ان تخبره بشيء آخر غير الذي سمعه.. وقالت ملاك في تلك اللحظة وهي تشير باتجاه الباب: والآن غادر الغرفة.. لم اعد اريد ان اراك ..
في هذه اللحظة فقط انتبه مازن الى كفها.. والى ان خاتم الخطوبة لم يعد يحتل اصبعها.. ووجد نفسه يمسك معصمها بغتة.. ويقول بعصبية: اين خاتم الخطوبة؟؟..
ارتبكت ملاك امام عصبيته المفاجأة .. لكنها لم تلبث ان تمالكت نفسها وهي تقول بصوت حاولت ان تجعله لامبالي قدر الامكان: لم اعد بحاجة اليه..
هتف مازن بانفعال وقد شعر بالغضب لكل ما تفعله ملاك: ماذا؟؟..
خفق قلب ملاك بخوف وقالت وهي تحاول التظاهر بالقوة على الرغم من ارتباكها: اجل لا احتاجه.. فكل ما بيننا انتهى ..
ترك مازن معصمها بخشونة وقال بحدة: ذلك ابعد من النجوم عنك .. لم ينتهي شيء ولن ينتهي ابدا..
قالت ملاك بعد ان استجمعت شجاعتها: ليس من حقك فرض نفسك على فتاة لا تريدك..
قال مازن بغضب وهو ينهض واقفا: بل انا احاول ان اقف صامدا امام حماقتك التي لا تنتهي..
ومن ثم اردف قائلا بصرامة: ولقد قلتها ذات مرة وسأعيدها على مسامعك.. انت ستكونين لي وحدي.. لن انفصل عنك مهما فعلت..
واستدار عنها مغادرا الغرفة قبل ان تطول المشادة بينه وبين ملاك لأكثر من ذلك..وما ان وصل خارجها حتى كور قبضته بغضب.. وقد شعر بالامل الذي كان يتمسك به يتلاشى.. ملاك لن تسامحه.. وحتى والدها الذي كان يتأمل منه ان يقنعها .. لم يستطع ان يأثر على قرارها.. فماذا عساه ان يفعل الآن؟ .. وقد يأتي اليوم الذي يقف خالد بجوار ابنته.. ويطلب منه ان يفصل عنها ...
تنهد بألم ومن ثم سار باتجاه الدرج بخطوات بطيئة و...
(مازن)
التفت مازن الى صاحبة الصوت ومن ثم ارتفع حاجباه باستغراب وهو يقول: ندى..
اقتربت منه ندى وقالت بعصبية: اجل ندى.. لم انت مستغرب هكذا؟..هل وجودي غير مرحب فيه ؟..
قال مازن بابتسامة: ولم تقولين هذا؟.. اجلسي.. سأنادي مها لك.. لــ...
قاطعته ندى قائلة بحنق: لم آتي لأجل مها.. بل جئت من اجلك انت ..
استغرب مازن من عبارتها وقال وهو يشير الى نفسه: لاجلي انا؟؟ ..ما الذي تعنينه بقولك هذا يا ندى؟..
قالت ندى بحدة وهي تتجاهل الاجابة على سؤاله: ما الذي اصابك يا مازن؟.. كيف تمكنك تلك العاجزة من تغييرك على هذا النحو؟.. لم يعد احد يراك..ولم تعد تهتم بأحد.. وانا التي كنت انتظر اليوم التي تلتفت فيه الي.. في النهاية اجدك تتجاهل حتى مكالماتي.. لم تفعل هذا بي يا مازن؟.. لم؟.. الا تعرف اني رفضت العديد ممن جاؤوا لخطبتي من اجلك وحدك؟ .. لقد كنت انتظرك انت.. وفي النهاية تزوجت تلك العاجزة ولم تعد تلتفت لي انا.. انا التي احبك اكثر من أي فتاة اخرى..
تطلع لها مازن باستنكار.. استنكر كلماتها التي تهين فيها ملاك.. استنكر ملاحقتها لرجل متزوج.. استنكر تصرفها هذا وكأنها هي من تعرض نفسها عليه وتطلب منه ان يتزوجها..
وتطلع اليها باحتقار ليقول بصوت صارم: الا تخجلين من نفسك يا ندى؟.. انا رجل متزوج الآن ..هذا اولا.. وثانيا لو كنت اريدك لجئت لطلب يدك من تلقاء نفسي .. لا ان تأتي انت الى هنا وتعرضي علي نفسك كالسلعة الزهيدة الثمن..
قالت ندى وهي تشعر بغصة مرارة في حلقها: كل هذا لاجلها .. لاجل تلك العاجزة.. تركتنا جميعا لأجلها..
ومن ثم اردفت بانفعال: انت لست مازن.. كيف تقبل على نفسك ان تتزوج عاجزة مثلها؟.. كيف ستعيش مع فتاة لا تسير على قدميها كباقي البشر؟.. اتقبل على نفسك ان تقدمها للناس وتقول انها...
اتعرفون ماذا يمكن ان يحدث ان ازداد الضغط على انسان ما؟..وهو يستمع الى شخص امامه يقلل من شأن احب الناس على قلبه.. قد يحاول ان يمسك اعصابه مرة واثنتين وثلاث.. لكن بعدها سيحدث الانفجار الذي لا يمكن لاحد ردعه..
وهذا ما فعله مازن.. عندما وجد نفسه يريد اصمات ندى بأي وسيلة ومحاولة ايقاف سيل الكلمات السامة التي تنطق بها.. ولهذا فقد وجد نفسه يرفع كفه ليهوي بها بصفعة قاسية على وجه ندى.. ندى التي تطلعت له بصدمة وبعينان متسعتان على آخرهما وقد كان تصرفه هذا آخر تصرف توقعته من مازن الذي تحب..
اما مازن فقد قال وهو يتطلع الى ندى بغضب: كفى.. لا اريد سماع المزيد.. ملاك افضل من عشرة من امثالك.. ان كان الله قد حرمها نعمة السير.. فقد حرمك انت نعمة التفكير.. ملاك التي تتحدثين عنها اطهر وانقى مخلوقة يمكن ان تقع عيناك عليها..قلبها المحب للناس الذي لا يعرفه امثالك.. وبراءتها التي تسحر أي شخص يقف امامها.. ملاك تستحوذ على أي شخص برقتها وبراءتها وبنقاء قلبها.. وانت.. وانت يا من تتحدثين عن الحب.. اتعرفين ما هو الحب من الاساس؟.. اتعرفين معنى ان تحبي شخصا ما؟.. وكيف لك ان تعرفيه وانت لا تتطلعين الى الناس الا بأنانية..تفكرين بنفسك فقط وبمظهرك امام الناس .. تريدين ان تحصلي على كل شيء وغيرك لا شيء.. اخبريني يا من تقولين انك تحبيني.. هل شعرت يوما بالغيرة علي؟.. لقد كنت ترينني مع عشرات الفتيات.. ولم تهتمي لذلك ابدا .. كنت تظنين انني في النهاية سأتقدم لخطبتك وسأكون لك..ولهذا لا يهمك ان سرت مع هذه او ضحكت مع تلك .. هل هذا هو ما تسمينه حب يا ندى؟..
الذهول كان يطغى على ملامح ندى وتلك الكلمات تخترق اذنها كطلقات الرصاص جعلها لا تقوى على نطق أي حرف.. ولم تعد تعرف ان كان مازن من يقف امامها ام انه شخص آخر ..
ومازن الذي واصل مكملا وهو يلتقط انفاسه: وملاك.. تلك التي كل ذنبها في الحياة هي انها عاجزة.. تقللين من شأنها لأنها لا تسير.. تظنين انها ليست بشر ومن حقها ان تعيش ..كل ما يهمك هو نفسك.. وان تحصلي على كل شيء حتى وان كان على حساب غيرك..
تلاشى الذهول من على ملامح ندى ليحل محله الغضب والشعور بالاهانة.. ورفعت كفها الى وجنتها لتقول بانفعال: كيف تسمح لنفسك بقول مثل هذا الكلام لي؟.. بل كيف تتجرأ وتضربني؟.. انا ندى ابنة عادل..تفعل هذا بي!.. لقد ظننتك انسان متفتح لكن في النهاية وجدتك انسان متوحش.. يظهر قوته على الفتيات..
شعر مازن انه قد اخطأ حقا عندما ضربها.. لكن ذلك قد حدث بالرغم منه وهو يراها تسخر من ملاك وتهزأ بها..وقال وهو يحاول تمالك اعصابه: لم اقصد ان اضربك.. ولكن سخريتك من ملاك جعلني افعل ذلك بالرغم مني..
تطلعت ندى له بنظرات غاضبة .. ثائرة.. وقالت بغضب وعصبية: انت من سيخسر.. انت من ستندم.. لانك فضلت علي فتاة مثل ملاك..سيأتي يوم وتنفصل عنها لانها لا تناسبك .. وعندها ستعود الي.. لكني لن اقبل بك.. ولن اهتم..
ابتسم مازن ابتسامة ساخرة وقال: اعود الى من؟.. من تظنين نفسك؟.. اخشى انك زوجتي ولا اعلم..
شعرت ندى بغضبها يتضاعف مع سخريته.. ورمقته بنظرة باردة قبل ان تنصرف من المكان.. ومازن يتابعها بنظرات استهزاء.. ومن ثم لم يلبث ان التفت الى غرفة ملاك وقال وهو يتنهد: فقط لو تفهمين يا ملاك.. ان لا احد يشغل ذهني وقلبي سواك ..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
هناك في ذلك المنزل الكبير والفخم.. والذي يتكون من ثلاث طوابق..وخلف احد ابواب تلك الغرف.. كان يجلس احمد على احد المقاعد الموجودة بغرفته.. وافكاره تتجه الى مها..لقد ارسل لها العديد من الرسائل لكنها لم تجب على أي منها.. واتصل لها مرات عديدة.. وفي كل مرة كانت ترفض المكالمة.. لكنها حتما ستجيب عليه عندما تشعر بالملل..
والتقط هاتفه وهو يبتسم بسخرية قائلا: فلنرى الى متى يمكنك الصمود يا خطيبتي العزيزة..
وعاد ليتصل بها.. واستمع الى الرنين المتواصل.. وكاد ان يفقد امله في ان تجيبه.. لكنه سمع صوت رجولي يقول بغتة: من؟..
استغرب احمد في البداية.. لكنه كان متأكد من انه لم يخطأ في الرقم .. فهل غيرت مها رقم هاتفها يا ترى؟.. وقال متسائلا: هل مها موجودة يا سيد؟..
قال الشاب بسخرية: اجل.. ولكنها لا ترغب في الحديث اليك.. لهذا لا تتصل مرة اخرى واحفظ ما تبقى من ماء وجهك ..
عرف احمد هذه المرة صاحب الصوت وقال بحدة: لا شأن لك انت لتتدخل يا حسام.. اريد ان اتحدث الى خطيبتي..
قال حسام باستهزاء: وقريبا ستكون خطيبتك سابقا.. لهذا اخبرك ان تبتعد عنها منذ الآن.. لأن الفتاة لم تعد تريدك ..وانصحك ان تبحث عن غيرها لتلعب معها لعبة التهديد تلك..
قال احمد بغضب وهو يشد من قبضته على هاتفه:قلت.. اعطي الهاتف لمها..
قال حسام ببرود: سأعطيه لها.. ليس خضوع لاوامرك التافهة .. بل لكي تتأكد بنفسك انها لم تعد تريد شاب حقير مثلك ..
من ثم رفع حسام رأسه الى مها التي تجلس في مواجهته في كفتيريا النادي.. وقال وهو يسلمها الهاتف: اخبريه انك لم تعودِ تريدينه ومن ثم انهي المكالمة.. لا تضيفي أي حرف آخر..
ابتسمت مها وقالت بمرح: امرك سيدي..
ومن ثم اجابت على احمد لتقول ببرود: اهلا..
اندفع احمد يقول بعصبية: اياك وان تمنحي هاتفك لابن خالك ذاك مرة اخرى..
قالت مها بدهشة مصطنعة: حقا؟.. ومن تكون انت حتى تأمرني ؟..
قال احمد بعصبية اكبر: خطيبك.. ام انك نسيتِ بهذه السرعة؟ ..
قالت مها بابتسامة ماكرة: انه موضوع يستحق النسيان حقا..
قال احمد بغضب متجاهلا عبارتها: ثم ماذا يفعل ذاك الشاب عندك؟ ..
قالت مها ببرود: هذا ليس من شأنك.. واظن ان حسام قد اخبرك اني رافضة لأن اتزوج بك.. وهذا يعني ان الخطبة كلها قد انتهت عند هذا الحد..
قال احمد بانفعال وهو يهب من مقعده واقفا: ماذا تقولين؟.. اتظنين ان الامر لعب اطفال؟.. الم توافقي امامي وامام والدي؟.. كيف تغيرين رأيك الآن.. وتقولين بكل بساطة انك رافضة لهذا الزواج..
قالت مها بحدة: لاني كنت مرغمة على الزواج بك وقتها.. من اجل والدي.. اما الآن.. فقد تفتح بصري على اشياء جديدة ..
- لن يمكنك الرفض يامها.. لن يمكنك.. والدك بنفسه لن يقبل بهذا الامر.. وستتزوجيني بالرغم منك..
شعرت مها بالحنق من كلماته وقالت بعصبية: في احلامك..
وانهت المكالمة بلا مبالاة بأحمد الذي على الطرف الآخر ..وقد شعر هذا الاخير بالغضب يسيطر عليه وقال بعصبية: ستندمين يا مها.. وسترين اني سأتزوجك بالرغم منك.. فوالدك لن يستطيع التخلي عن شركته لاجلك.. وسيأتي اليوم الذي تتروجيني فيه..وقريبا جدا..
وعاد ليجلس على مقعده وافكاره تأخذه يمنة ويسرة.. فماذا يفعل الآن؟.. لو اخبر والده برفض مها.. سيقول له انها وافقت امامنا جميعا.. ولن يمكن لعمه امجد ان يتراجع عن هذا الزواج وهو يتعلق بمصير شركته واملاكه..
اجل بالتأكيد لن يمكنها فعل شيء بعد ان وافقت.. وستتزوجني بالرغم منها.. ان آجلا او عاجلا.. فقط انتظري يا مها..
وعلى الطرف الآخر.. وفي كفتيريا النادي بالتحديد قال حسام وهو يتطلع الى مها بطرف عينه: لقد طلبت منك ان توضحي له بانك رافضة لهذا الزواج فحسب.. لا ان تطيلي في الكلام معه وتروي له قصة حياتك..
ابتسمت مها بمرح وقالت: لا تسئ الظن بي.. لم اتبادل معه سوى عبارتين ..
قال حسام وهو يصطنع الغضب: كانت عبارة واحدة تكفي ..
ضحكت مها على اسلوبه في قول العبارة..في حين تطلع حسام اليها بحنان ومن ثم همس قائلا: اشتقت اليك بأكثر مما تتصورين يا مها..
خفضت مها عينيها بخجل وقالت: لقد كان افظع كابوس عشته في حياتي في الايام التي مضت وانا بعيدة عنك..
اخرج حسام نصف القلب من جيبه وقال وهو يتذكر لحظات معاناته السابقة: لقد كنت اظن ان الحلم الذي حلمناه سويا لن يتحقق ابدا..وان الحب لم يعد يكفي لتحقيق المستحيل هذه الايام ..
قالها ووضع نصف القلب على الطاولة التي بينهما..فقالت له بابتسامة: لكننا كنا مخطئين .. فالحب وحده من يمكنه تحقيق المعجزات..
قالتها واخرجت نصف القلب الآخر من حقيبتها.. ووضعته على الطاولة.. لتدفعه قليلا ليلتصق بالنصف الاول.. وقالت مبتسمة وهي تتطلع الى حسام: هكذا هو حبنا يا حسام.. فمهما افترقناوابتعدنا .. ومهما حدثت من مشاكل .. مصيرنا ان نلتقي من جديد.. ليجمع الحب بين قلبينا الى الابد..
تطلع حسام الى عيني مها بحب وقال وهو يتمسك بكفها: لن اتركك بعد الآن ابدا يا مها.. سأحارب الدنيا من اجلك.. ومن اجل حبنا .. وسنثبت للعالم كله ان الحب يستطيع تحقيق مالم تحققه الاموال والاملاك..يستطيع تحقيق السعادة لاثنين.. ليكونا معا الى ابد الدهر ..
ارتجفت كف مها بين انامل حسام التي تحتضن كفها .. وتطلعت اليه بحب.. وبادلها هو بنظرات هيام وعشق ووله.. وتمنيا لحظتها ان لا يلعب القدر لعبته معهما من جديد..وان لا يحاول التفريق بينهما بعد ان اجتمعا اخيرا.. فقد اكتفيا آلاما وحزنا .. ويريدان ان يشعرا بطعم السعادة منذ هذه اللحظة والى الابد..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اغمض مازن عينيه بارهاق وهو يجلس خلف ذلك المكتب في شركة عمه خالد.. كان ارهاقه نفسي اكثر من كونه جسدي.. لقد تعب من موقف ملاك تجاهه..تعب من صدها له.. تعب من نظرات الكره التي توجهها له.. انه معترف بأنه قد اخطأ ولكنه حاول ان يغير من نفسه لاجلها.. حاول ان يصلح اخطاءه.. لقد احبها بكل مشاعره.. وكل نبضة من نبضات قلبه تشهد على ذلك..فلم تتخلى عنه الآن بعد ان احبها واصبحت جزء من حياته؟.. لم تريد ان تبتعد عنه بعد ان امتلكت قلبه وروحه وكيانه؟..
كان يأمل حقا في ان يتغير موقفها تجاهه.. يا الهي.. يكفي عذابا.. يكفي الما وحزنا وشقاءا.. لقد عرفت خطاي .. عرفت ان الناس ليسوا باموالهم او صحتهم او جمال ملامحهم .. الناس بجوهرهم ونقاء نفوسهم..ليس من حقه ان ينتقص انسانا مادام الله قد ابتلاه في صحته او ماله.. بل عليه ان يقدم له يد العون وقبل كل هذا الاهتمام الصادق الذي يشعره انك حقا راغبا في ...
(سيد مازن)
فتح مازن عينيه فجأة على صوت السكرتيرة وقال وهو يتنهد ويعتدل في جلسته: اجل .. ما الامر؟..
وضعت الملف على مكتبه وقالت بقلق: عميلنا في فرنسا.. يرفض اتمام الصفقة بعد ان اتفقنا معه وارسلنا له البضاعة.. وهذا قد يتسبب في خسارة الشركة لعشرة في المائة من ميزانيتها..
ظهر القلق والاهتمام على وجه مازن وقال بتوتر:وما الذي يمكنني عمله؟..
- السيد خالد كان في هذه الحالة يسافر الى شركة العميل ويحاول ان يتفق معها بشتى الطرق.. محاولا تخفيض سعر ارسال البضائع.. او تقديم عروضا مغرية..
تنهد مازن وقال: اذا فالحل الوحيد هو ان اغادر البلاد واتجه الى شركة عميلنا لكي اقنعه بقبول الصفقة..
اومأت السكرتيرة برأسها وقالت: وستجد عنوان الشركة وكل ما يخصها في هذا الملف..
قال مازن وهو يلتقط الملف: حسنا اذا سأغادر الشركة الآن.. والغي جميع المواعيد لظروف طارئة..
- كما تريد يا سيد مازن.. هل تريد شيئا آخر؟..
- لا.. يمكنك الانصراف..
انصرفت السكرتيرة من مكتبه.. وما ان فعلت حتى نهض مازن من خلف مكتبه.. والتقط سترته المعلقة على المقعد.. ..اسرع يرتديها ويلتقط مفاتيحه ليضعها في جيب سترته.. ومن ثم التقط حقيبته السوداء.. ليضع فيها ملف الصفقة.. واهم الاوراق اللازمة التي سيحتاجها لاتمام الصفقة..
واسرع يغلق الحقيبة..ومن ثم يغادر مكتبه بخطوات سريعة.. وقال متحدثا للسكرتيرة على عجل: اتصلي بأحد شركات الطيران.. وحاولي ان تعثري على أي رحلة مغادرة الى فرنسا اليوم ..
اومأت السكرتيرة برأسها.. في حين اسرع مازن يغادر المكان.. ومن ثم يستقل المصعد الى الطابق الارضي.. ليغادر الشركة بأكملها..
وسار بين مواقف السيارات حتى وصل اخيرا الى حيث سيارته .. ليستقلها وينطلق بها بين شوارع المدينة..
كان يدرك جيدا ان عليه ان يغادر البلاد.. لمدة غير معروفة .. من اجل اتمام صفقة تعني شركة عمه خالد.. وعليه ان يتمها .. ليس من اجل ان هذه الشركة هي شركة عمه خالد والد ملاك.. بل لانه احب العمل في هذه الشركة حقا.. ولا يريد لها ان تخسر ولو قطعة نفدية واحدة..
وتوقف اخيرا بسيارته بجوار منزله.. ليهبط منها ويدلف الى المنزل الذي كانت ردهته خالية من أي شخص..ولم يشغل هذا الامر باله وهو يصعد الى غرفته.. ومن ثم يخرج حقيبة السفر من اسفل فراشه.. ليضعها على هذا الاخير.. وهو يفكر في هذه الرحلة المفاجأة التي ستأخذه الى مكان لا يعرف عنه الا اقل القليل.. وهناك هدف واحد يتوجب عليه تحقيقه.. وعليه ان يكون اهلا لادارته لتلك الشركة..
ودس اصابعه بين خصلات شعره وهو يرمي بنفسه ليجلس على طرف الفراش.. لا تزال لديه هنا العديد من المشاكل التي لم يجد لها حلا بعد.. مها.. ملاك.. والده.. لا يريد ان يسافر ويترك الاوضاع على ماهي عليه..يريد ان يغادر البلاد وهو مطمئن لكل ما سيحدث.. لكنه في هذه الحالة.. قلبه لن يطئن على مصير مها.. او مصيره هو مع ملاك..
وفتح باب غرفته فجأة لتطل منه مها وهي تقول باستغراب: لقد ظننت في البداية اني كنت اتخيل عندما سمعت صوت باب غرفتك يفتح.. فالوقت لا يزال مبكرا على عودتك من الشركة ..
وبدلا من ان يجيبها مازن.. ارتفع صوت رنين هاتفه.. فالتقطه وهو يجيبه قائلا: اهلا.. اخبريني ماذا حدث بشأن الحجز؟... بعد اربع ساعات فقط!... لا بأس... الا يوجد حجز آخر؟ ... فليكن ما باليد حيلة... شكرا لك.. الى اللقاء ..
ارتفع حاجبا مها بدهشة ودلفت الى الغرفة وهي تقول: عن أي حجز تتحدث يا مازن؟..
رمى مازن بالهاتف الى جواره وقال وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره بتوتر: سأسافر قريبا..
قالت مها باستنكار: ولماذا؟..
ابتسم مازن وقال: لا تظني ان الامر سياحة او من هذا القبيل .. سأسافر في عمل.. لاتمام صفقة تخص شركة عمي خالد..
قالت مها بقلق: والى اين ستسافر؟.. ومتى؟.. وكم من الوقت ستقضيه هناك؟..
قال مازن بهدوء: الى فرنسا.. بعد اربع ساعات من الآن.. ولا اعرف كم من الوقت سأبقى هناك.. فالامر يعتمد على العميل الذي يرفض اتمام الصفقة.. وسأحاول معه قدر الامكان حتى يقبل بها..
ظهر الضيق على وجه مها وقالت : سنفتقد وجودك بالمنزل.. لم نعتد ان تتركنا يوما ابدا..
قال مازن الذي اراد ان يغير من هذا الموضوع الذي يسبب له الضيق هو ذاته: بل اظنك سوف تشعرين بالسعادة بعد ان تتخلصي من مضايقاتي وسخريتي الدائمة..
قالت مها التي لا تزال تشعر بالضيق على فراق مازن القريب: لكن بعد اربع ساعات وحسب.. لن نجد الوقت لنودعك حتى ..
نهض مازن من مجلسه وقال بابتسامة: تودعوني؟.. لم ؟..هل سأغيب عنكم لسنين؟.. الامر لن يتجاوز يومين او ثلاثة على الاكثر..
قالت مها بابتسامة باهتة: اتمنى ذلك..
قال مازن وهو يسير باتجاه خزانته ويفتح بابها: اذا ..هل لي بمطلب اخير قبل ان اذهب؟..
اسرعت مها تقول: بكل تأكيد..
التفت لها وقال بابتسامة: ساعديني على انتقاء ملابس للرحلة..
قالت مها بمرح مفتعل: هذا ما تريده فقط؟.. حسنا.. سترى الآن ذوقي في اختيار الملابس..
قالتها واتجهت الى خزانته بدورها لتنتقي له ملابسه.. وكلما كانت تضع قميصا او بنطالا في الحقيبة .. كانت تشعر بحزن على سفر مازن المفاجئ.. لم تعتد ان تتناول طعام الغداء او العشاء دون ان يكون هو موجودا.. ويسخر من طريقة تناولها للطعام.. او من ملابسها او حتى من طريقة كلامها.. وعلى الرغم من شعورها بالغيظ لكل ما يفعله بها.. الا انها لا تستطيع ان تنكر بأنه قد فعل الكثير لاجلها.. لقد وقف بجوارها دائما وساعدها في كل مشكلة تقع فيها.. وها هوذا مؤخرا قد انقذها من ان تتزوج احمد..
وتنهدت بحزن وهي تراه يغلق الحقيبة ..وقالت بألم: ستغادر الآن.. لا يزال الوقت مبكرا ..
تطلع مازن الى ساعته ومن ثم قال: سأسلم عليكم ومن ثم سأغادر من هنا الى شركة الطيران لتأكيد الحجز.. وهذا كله سيستغرق وقتا طويلا..
قالت مها وهي تشعر بغصة في حلقها: سأشتاق لك..
ابتسم لها وقال وهو يدفع جبينها باصبعه: وانا ايضا سأشتاق لك يا ايتها المزعجة..
قالها وحمل حقيبته ليسير بخطوات هادئة وهو يغادر الغرفة.. واسرعت مها تسير الى جواره وهي تقول برجاء: اتصل بي عندما تصل..
قال مازن وهو يومئ برأسه: حسنا..
اردفت مها قائلة: وحاول ان تتصل بنا يوميا لنطمئن عليك..
قال مازن وهو يهبط درجات السلم: حسنا..
قالت مها وهي تهبط بجواره درجات السلم: واهتم بنفسك جيدا..
قال مازن وهو يلتفت لها وبابتسامة واسعة: حسنا..
وهبط الدرجة الاخيرة ليقول: سأذهب لكي اسلم على والدي قبل ان انــ...
(مازن.. هل ستسافر؟)
التفت مازن الى شقيقه كمال ناطق العبارة السابقة واومأ برأسه قائلا: اجل.. انه امر يتعلق بالشركة.. وجيد اني قد رأيتك قبل ان اغادر..
قال كمال متسائلا: شركة عمي خالد؟..
اومأ مازن برأسه ومن ثم التفت الى مها ليقول: لقد نسيت ان اخبرك يا مها.. لقد حدثت والدي في موضوع رفضك لأحمد .. ورغبتك في ان ترتبطي بحسام.. ووعدني ان يفكر في الموضوع..
ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتي مها وهي تقول بلهفة: حقا؟ ..
عاد ليومئ برأسه ايجابيا وعلى شفتيه ابتسامة جذابة.. ومن ثم التفت الى شقيقه كمال الذي اقترب منهم وقال : وانت يا كمال .. اترك مها وملاك امانة في عنقك.. حاول ان تقنع والدي برفض احمد نهائيا.. فعندما اعود من فرنسا.. اريد ان احضر حفل خطوبتها على حسام..
ابتسم له كمال وقال بهدوء: ثق بي..
ابتسم مازن بدوره.. ومن ثم قال وهو يتطلع الى مها بعنين راجيتين: لم اكن اريد ان انصرف والعلاقة بيني وبين ملاك متوترة الى هذه الدرجة.. اعرف ان ليس بيدك فعل شيء.. ولكن حاولي معها.. حاولي ان تجعليها تتراجع عن قرار الانفصال.. ارجوك يا مها..
قالت مها بصوت مختنق وقد ترقرقت الدموع في عينها بالرغم منها: سأحاول..
التفت مازن الى غرفة ملاك في تلك اللحظة وقال: سأذهب لكي اسلم عليها هي الاخرى..
لم تعلق مها او كمال بشيء.. واكتفيا بالصمت وهما يرون مازن يتجه بخطوات سريعة الى غرفة ملاك.. في حين طرق مازن الباب في تلك اللحظة ومن ثم فتح الباب على الفور ليدلف الى داخل الغرفة..
وملاك التي كانت تقرأ احد الكتب.. التفت الى من فتح الباب .. وعندما وجدت انه مازن.. عادت لتلتفت عنه وتواصل قراءة الكتاب الذي بين يديها.. وتقدم منها مازن وقال بهدوء: جئت لكي اراك قبل ان اسافر..
تجمدت نظرات ملاك على السطور التي امام عينيها.. يسافر؟ .. الى اين؟.. ولماذا؟.. ومتى؟..وكم سيغيب هناك؟ .. كانت كل تلك التساؤلات تشغل ذهنها.. لكن احدها لم يقفز على شفتيها واكتفت بالصمت.. في حين قال مازن مردفا وهو يضع كفيه في جيبي سترته: اعلم انك لا تزالين تشعرين بالغضب مما حدث.. واعلم انك تشعرين ان هذا يعد اهانة لكرامتك.. لهذا لم ارد ان اسافر في مثل هذه الظروف .. ولو لم تكن هذه الرحلة تتعلق بالعمل لما ذهبت وتركتك ..
رفعت ملاك عينيها اليه.. كانت تريد ان تقول له " لا تتركني وترحل ارجوك.. ابقى معي..انا احتاجك.. احتاجك يا مازن والآن بالذات.. مشاعري متخبطة.. ولم اعد اعرف ما اريده.. قلبي يهتف بحبك.. ولكن عقلي لا زال يرفض فكرة ان اسامحك على ما فعلته بي..لهذا لا تتركني ارجوك.. اريد ان اراك اطول فترة ممكنة.. فربما بعدها سيتم الانفصال بيننا ولن اراك ابدا"..
اما مازن فقد اقترب منها اكثر و مد كفه اليها ليقول بابتسامة شاحبة: الن تسلمي علي حتى؟..
كانت نظرات ملاك جامدة.. لا تعرف ماذا تفعل حقا تلك اللحظة.. لا تعرف ان كانت تريد ان تصرخ في وجهه وان تهتف به ان لا يرحل.. او ان تودعه بمشاعر دافئة.. او ان تكتفي بسلام بارد ..
وتوترت نظراتها امام نظرات مازن الحانية التي يوجهها.. لكن يدها ابدا لم ترتفع لتسلم عليه.. فقال مازن بابتسامة مريرة وهو يعيد كفه الى جواره: حتى السلام استكثرته علي يا ملاك؟؟..
ومن ثم اردف قائلا وهو يميل نحوها ويطبع قبلة دافئة على جبينها: سا محيني يا ملاكي.. ارجوك سامحيني على ما سببته لك.. لم ارد ان اكون سببا في تعاستك او حتى ضيقك.. وصدقيني كان سبب رفضي لهذا الزواج في البداية هو اني لم ارد ان اخدعك .. كنت اعلم أي حزن ستشعرين به لو علمت بالحقيقة.. لكني تزوجتك في النهاية من اجل حمايتك من احمد وحماية املاكك واملاك والدك ..وبعدها عرفت معك اجمل ايام حياتي.. وعرفت معنى الحب.. ومعنى ان احمل الحب لشخصا ما.. سأشعر حينها بشعور من يولد من جديد.. وبدأ حياة جديدة.. مع فتاة احلامه..
تمنى مازن لحظتها لو تجيبه ملاك بعد كل ما قاله.. لكن ملاك قد اطرقت برأسها واكتفت بالصمت المتواصل.. فتنهد بحرارة.. وقال بصوت حاني: اهتمي بنفسك جيدا يا ملاك.. سأشتاق اليك كثيرا..
واردف بهمس يحمل الكثير من المرارة وهو يتطلع بكل حواسه الى هذا الملاك الصامت الذي يجلس امامه .. كأنما يريد حفر صورتها في ذهنه قبل ان يغادر: الوداع..
قالها مازن وسار بخطوات بطيئة وهو يهم بمغادرة المكان.. وكأنه يجر قدميه جرا ليغادر غرفة ملاك.. اما ملاك فقد رفعت رأسها في تلك اللحظة فقط.. رفعته بعد ان امتلأت عينيها بالدموع وسالت على وجنتيها لتتساقط على كفها بكل الم وحزن ومرارة.. وهي تشعر ان حلمها قد تحقق بحذافيره امام ناظريها في هذه اللحظة.. فها هو مازن يغادر الآن ويتركها بعد ان منحها املا بأنها ستسير على قدميها من جديد.. وقلبها الذي يريده ان يبقى بجوارها يهتف به " لا ترحل" ..اما عقلها الذي يتمنى رحيل من اهان كرامتها وطعن قلبها بخيانته .. فلم يكن يريد الا رحيله ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الجزء الأخير
"...."
تصفح خالد الصحيفة للمرة الثانية لهذا اليوم.. وهو يشعر بالملل من وجوده بالمشفى كل هذا الوقت..لقد اجروا له اغلب الفحوصات التي يتأكدون منها انه سليم معافى.. فلم عليه البقاء لوقت اطول؟.. وكلما سال ممرضة.. قالت له انها تعليمات الطبيب المشرف على حالته.. وخصوصا وانه قد كان في غيبوبة دامت الشهر تقريبا..
ووضع الصحيفة جانبا.. عندما سمع صوت فتح باب الغرفة.. والتفت ليرى ملاك تحرك عجلات مقعدها لتتقدم منه وتقول بابتسامة: كيف حالك اليوم يا ابي؟..
قال مبتسما: بخير حال مادمت قد شاهدت ملاكي الصغير قد أتى لزيارتي..
سألته ملاك قائلة: الم يكتب لك الطبيب تصريحا بالخروج بعد يا ابي؟ ..
قال بضجر: لا.. ولكن سأنتظر ليومين فقط.. واذا لم يكتب لي الطبيب هذا التصريح.. فسأخرج على مسئوليتي ..
ابتسمت ملاك قائلة: واخيرا ستعود الامور كما كانت في السابق.. واعود لاعيش معك في منزلنا من جديد..
رمقها والدها بنظرة ذات معنى قائلا: ومازن؟..
ظهر الاضطراب على ملامح ملاك وقالت بارتباك: مازن..
اومأ خالد برأسه وقال: اجل.. مازن.. زوجك.. الم تفكري به؟.. ربما لا يقبل ان تعودي معي الى المنزل.. ويقيم حفل زفاف لك وله.. لكي تكوني معه الى الابد..
قالت ملاك برجاء: لا اريد سوى ان انفصل عنه واعود معك.. ارجوك يا ابي.. ساعدني على ذلك..
تطلع لها والدها بجدية وقال: ولو انفصلت عنه.. تظنين ان ذلك سيسعدك.. او سيصلح ما انكسر.. ابدا يا ملاك.. انت وحدك مع مازن.. يمكنكما ان تصلحا ما فات.. بأن تعوضا بعضكما عن كل ايام الحزن والالم والمعاناة..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها : ابي .. لا اريد ان اتحدث في هذا الموضوع.. ارجوك..
ادار والدها وجهها اليه وقال وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: لا تكابري يا ملاك.. انت لا تزالين تحبينه.. والا لما كانت هذه القلادة تحتل عنقك حتى الآن..
رددت ملاك بدهشة : القلادة؟..
ومن ثم نقلت نظراتها الى القلادتين التي تحتلان عنقها.. في حين واصل والدها قائلا: اتعرفين ما الشيء المشترك بين هاتين القلادتين يا صغيرتي؟..
واردف وهو يضع كفه على كتفها و يميل نحوها.. وبصوت اقرب الى الهمس: انهما لأغلى الناس على قلبك..
رفعت ملاك رأسها له وقالت وهي تتسائل بارتباك: وكيف عرفت ان هذه القلادة من مازن؟..
ابتسم والدها وقال : مجرد تخمين.. فأولا هي من الماس .. أي باهضة الثمن.. والشيء الآخر انها تحمل حرف "m
".. الحرف الاول من اسم مازن..
قالت ملاك وهي تتطلع الى والدها بابتسامة باهتة: وربما كانت من مها..
هز والدها كتفيه وقال: ربما.. لكني خمنت انها من مازن.. وقد كنت على حق..
واستطرد قائلا بتساؤل: لكن مع من جئت الى هنا؟.. لا ارى احدا معك..
قالت ملاك مجيبة: جئت مع مها.. لكنها ذهبت لشراء العصير وستعود بعد قليل..
قال والدها مواصلا في تساؤلاته: واين مازن؟.. لم اره منذ يومين..
توترت ملاك لذكرى الامس.. وقالت وهي تزدرد لعابها: لقد سافر..
قال والدها وهو يعقد حاجبيه متسائلا باهتمام: والى اين ذهب؟ ..
زفرت ملاك بحرارة ومن ثم قالت: لقد قالت لي مها.. انه قد سافر الى فرنسا .. من اجل عمل يتعلق بشركتك..
ارتسمت ابتسامة على شفتي خالد وهو يقول: ارأيت بنفسك يا ملاك؟.. لقد سافر وتغرب عن اهله.. في مكان يجهل مناطقه وشوارعه تقريبا.. من اجل امر يعني شركتي.. الم اقل لك ان هذا الشاب يستحق الاعجاب حقا؟..
قالت ملاك وكأنها تريد ان تبرر لنفسها: بالتأكيد قد فعل ذلك من اجل وظيفته وراتبه ..فهو بالتأكيد لا يريد ان يخسر أي ...
قاطعها والدها قائلا: انسيت انه قد استلم مكاني بشكل مؤقت في الشركة؟.. وسيتركه بعد ان اغادر انا المشفى .. ثم انه لم يستلم أي راتب.. فمنصبه يخوله للحصول على ارباح الشركة التي يحولها هو الى حسابك يا ملاك.. فأنت مالكة الشركة الحقيقية..
قالت ملاك بحيرة: اتعني انه كان يعمل كل تلك المدة في الشركة دون أي مقابل؟..
اومأ والدها برأسه .. فقالت وحيرتها تشتد: اذا لم كان يعمل فيها من الاساس؟؟.. لم اتعب نفسه مقابل لا شيء؟..
قال والدها وهو يتطلع اليها وبلهجة ذات مغزى: ربما كان في البداية اهتماما بابنة عمه.. وبعدها .. تحول ذلك الى حب بزوجته التي تطلب منه الانفصال بعدكل ما فعله لاجلها..
قالت ملاك وهي تتطلع الى والدها بنظرات حائرة ومستغربة: لم اذا لم يخبرني أي شيء عن هذا الامر؟.. لو كان اخبرني لمنحته راتب شهري على الاقل..
- لقد كان يملك توكيل شامل على املاكك.. ومع هذا كان اهلا للمسئولية.. كل جهده الذي بذله في نهوض الشركة.. كان لأجلك وحدك يا ملاك..دون أي مقابل او حتى كلمة شكر.. وبعد كل هذا لا تريدينني ان اقف في صف مازن.. وارفض مطلبك بالانفصال عنه..
قالت ملاك بعينين راجيتين: لكن يا ابي.. انا لم اكن اعلم بكل هذا.. لم اكن اريده ان يتفضل علي بجميله او...
قاطعها صوت فتح باب الغرفة.. ومها التي دلفت منه وهي تقول بابتسامة: صباح الخير..
التفت لها خالد وقال بابتسامة: صباح الخير.. كيف حالك يا مها؟..
جلست مها على مقعد مجاور لفراش عمها وقالت : في خير حال.. كيف حالك انت يا عمي؟.. ومتى ستغادر المشفى؟..
قال خالد بضجر: لو كان الامر بيدي لغادرت الآن..
قالت مها بمرح: االى هذه الدرجة مللت؟..
اجابتها ملاك هذه المرة وهي تلتفت لمها قائلة: لقد طالت فترة بقاء ابي هنا حقا..
- بالتأكيد يريدون اجراء فحوصات شاملة قبل ان يغادر المشفى..
قال حالد في تلك اللحظة: دعينا من هذا الامر الآن .. واخبريني يا مها.. لو طلبت منك طلبا ستنفذينه..
قالت مها باستغراب: بالتأكيد.. تفضل..
قال خالد وهو يلتفت الى ملاك: اعلم ان ملاك تعتبرك كشقيقة لها.. لهذا اريد ان تنزعي من رأسها فكرة الانفصال هذه ..
قالت ملاك باستنكار: ابي.. لا شأن لمها بهذا الامر..
التفت خالد الى مها مرة اخرى دون ان يهتم بما قالته ملاك وقال: اتفعلين يا مها؟..
ابتسمت مها وقالت : بكل تأكيد.. فأمنيتي ان ارى مازن وملاك معا الى الابد..
قالت ملاك في تلك اللحظة في حنق: الم تكوني انت من يحذرني منه دائما في الماضي؟..
اومأت مها برأسها وقالت وابتسامتها تتسع: بلى ولكن هذا كان في الماضي.. وقد تغير كل شيء الآن..
واردفت قائلة: ااخبرك ماذا قال لي مازن في آخر محادثة؟.. وطلب مني توصيله اليك..
ودون ان تنتظر جوابا من ملاك استطردت قائلة وهي تحاول ان تتذكر ما قاله مازن: لقد قال .. اخبري ملاك اني لا استطيع الابتعاد عنها ..و اني احبها ولا اتخيل فتاة تشاركني حياتي سواها..اخبريها اني سأفعل أي شيء لأجلها ..فقط فلتسامحني على ما اقترفته يداي..
وعلى الرغم من ان الكلمات التي قالتها مها قد لاقت صدى في نفس ملاك.. الا انها قالت مكابرة: لا يهمني ما يقوله..
قال خالد في تلك اللحظة بصوت حاد: دعيها يا مها.. دعيها فهي عنيدة ولن تفعل الا ما تريده.. ولكن بعدها ستندم على قرارها هذا.. وستتمنى لو يعود الزمن الى الوراء ولو دقيقة.. لتصلح ما افسدته بعنادها ومكابرتها..
التفتت ملاك الى والدها وقالت بصوت مختنق: اليس من حقي طلب الانفصال يا ابي بعد كل ما فعله بي.. لقد طعن قلبي بكل قسوة .. جعلني ابكي ليال بكل حرقة والم.. لقد داس على كرامتي.. ورفضني لاني عاجزة.. عاجزة يا ابي.. اتريدني بعد كل هذا ان اقبل ان اواصل معه حياتي الى الابد..
تنهد والدها وقال: الا تفهمين يا ملاك؟.. كان ذلك ماض وانتهى .. ومن يحب يغفر لحبيبه.. وان كنت ستضعين حواجز الكرامة بينكما.. فصدقيني لن تهنئا ابدا بعدها..
صمتت ملاك ولم تجد ما تقوله.. وآثرت الصمت وقد استغربت تبدل الادوار بهذا الشكل.. فبعد ان كانت هي التي تدافع عن مازن بكل قوة.. وتحاول تحسين صورته امام الجميع الذين يحذرونها منه..اصبحت هي الآن.. ترفضه وتبتعد عنه ..والجميع من حولها يحاولون تحسين صورته لها.. لكن.. ربما كان لابتعاد مازن المفاجئ.. تأثير على قرارها.. ستفكر جيدا في فترة غيابه.. وبعدها ستتخذ قرارها الاخير والنهائي..والذي لن تتراجع عنه ابدا..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ارتقت مها درجات السلم بعد ان عادت مع ملاك من المشفى ..والتقطت هاتفها المحمول من حقيبتها والذي اصدر ضجيجا في المكان من رنينه المتواصل.. وقبل ان ترى من هو المتصل .. سمعت صوتا يهتف باسمها.. فالتفتت الى صاحبه ومن ثم قالت : كمال.. ماذا تريد؟..
قال كمال وهو يتقدم منها : الحديث معك..
عادت لتهبط درجات السلم وقالت وهي تعقد ذراعيها امام صدرها: ها انذا اسمعك..
جذبها من كفها وقال وهو يسير معهاباتجاه الردهة: لنجلس اولا..
لكنها جذبت كفها منه وقالت وهي تتوقف في مكانها وقد ظهر القلق جليا على ملامحها: ما الذي حدث؟..
لوح كمال بكفيه مهدئا ومن ثم قال: سأخبرك.. لقد حدثت والدي بشأن الموضوع الذي بدأه مازن معه.. وحاولت اقناعه بأن يرفض احمد كزوج لك قدر الامكان.. لكن ...
خفق قلب مها بتوتر وخوف وقالت بكلمات مرتجفة: لكن .. ماذا؟..
قال كمال وهو يهرب بنظراته بعيدا: لقد قال لي ان الامر هذا في صالح العائلة وقد يتسبب بخسارة كبيرة لشركته.. ومع هذا قرر التفكير جيدا فيه عندما عرض عليه مازن الامر .. وفي النهاية اتخذ قراره الذي لن يتراجع عنه مهما حدث..
صمت كمال فجأة.. فقالت مها وقد بدأ قلبها يختلج بين ضلوعها: كمال لا تصمت هكذا.. اكمل ارجوك..
اطرق كمال براسه ومن ثم قال: وقد كان قراره ..هو ..
بتر عبارته ومن ثم قال وهو يرفع رأسه لها.. وبابتسامة: هو رفض هذه الزيجة مهما كانت العواقب..
تطلعت له مها بعدم فهم او استيعاب.. وقالت وهي تتطلع اليه بنظرات حائرة: ماذا قلت؟.. لم اسمعك يا كمال..
امسك كمال بكتفيها وقال بفرحة: لقد رفض والدي احمد .. رفضه الى الابد.. لقد تخطيت كل العواقب يا مها.. وستتزوجين ممن تحبين قريبا.. فهنيئا لك..
قالت مها بغير تصديق ..وهي تشعر انها تتوهم ما سمعته: انت تمزح يا كمال .. اليس كذلك؟.. فوالدي قد كان مصرا على زواجي من احمد بشدة و...
قاطعها كمال وهو يضغط على كتفيها بحنان: وقد تراجع عن قراره الآن يا مها.. فقد قال لي عندما تحدثيت اليه في الامر ..(لقد كادت مها ان تضحي بنفسها وسعادتها من اجلي ومن اجل الشركة.. فكيف لا اقابل تضحيتها هذه بالشيء البسيط؟ .. واحاول ان ارسم طريق سعادتها..مع الشخص الذي اختاره قلبها)..
قالت مها وهي غير قادرة على التصديق: انت تكذب.. بالتأكيد هذا مجرد حلم.. بالتأكيد هو كذلك.. لا اصدق .. ان والدي يقول شيء كهذا.. اقسم .. اقسم على ذلك يا كمال..
ابتسم كمال وقال وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: اقسم على ان هذا ما حدث.. وهذا ما قاله والدي..
ترقرقت الدموع في عيني مها وقالت بصوت قلق ممزوج بالفرح: لا اريد ان استيقظ من هذا الحلم الجميل ابدا يا كمال.. لا اريد ..
لم يعلق كمال على عبارتها واكتفى بالصمت.. في حين قالت هي وهي تتطلع اليه بامتنان: اشكرك يا كمال.. لا اعرف ماذا اقول.. او ماذا افعل.. لكنك قد قدمت لي جميلا لن انساه لك طوال عمري..
قال كمال بهدوء وهو يبعد كفيه عن كتفيها: ليس انا من اقنع والدي.. او حاول تغيير رأيه.. لقد كنت مجرد شخص اراد اكمال ما فعله شقيقه.. لكنه وجد في النهاية ان دوره قد انتهى.. لهذا لا توجهي الشكر لي.. بل وجهيه لمازن.. انه يستحقه اكثر مني.. على الاقل هو من استطاع تغيير افكار والدي اخيرا تجاه هذه الزيجة..
تطلعت مها الى كمال لفترة من الوقت.. ومن ثم قالت بابتسامة وهي تمسح دموع الفرج: لا تقل هذا يا كمال.. على العكس .. لقد حاولت مع والدي كثيرا.. وقد وقفت في وجه عمي .. فلولا الله تعالى..ومن ثم انت ومازن.. لكنت تزوجت احمد الآن ..
قال كمال وهو يتطلع الى ابتسامة الفرح التي تضيء وجهها: اهم شيء عندي الآن هو ان تكوني سعيدة يا مها..
قالت مها في سرعة وكأنها لم تسمع عبارة كمال: سأبلغ حسام بهذا الامر.. ومن ثم سأذهب لشكر والدي على موقفه تجاهي.. لكن يجب علي شكر والدي اولا.. اليس كذلك؟..
ابتسم لها كمال وقال وهو يهز كتفيه: كلا الامر سيان لدي..
اسرعت مها تقول وهي تتجه نحو غرفة مكتب والدها: سأذهب اليه اولا واشكره..
وتابعها كمال بنظراته وهو يراها تدلف الى غرفة المكتب .. ومن ثم تهتف قائلة : والدي..
ارتفعت انظار والدها عن الصحيفة التي كان يقرأها .. وقال متسائلا: اجل يا مها..
اقتربت منه مها وقالت وابتسامة تتراقص على شفتيها: هل هو صحيح ما اخبرني به كمال؟.. ارفضت زواجي من احمد حقا؟!..
ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتي والدها وقال: اجل.. رفضته ..
شعر امجد بالدهشة عندما شاهد مها تندفع نحوه وتعانقه وهي تقول بلهفة وامتنان: لو تعلم كم انا شاكرة لك يا والدي.. لقد ارحتني من افظع كابوس عشته في حياتي..
لم تعلم مها ان بكلماتها هذه قد ضايقت والدها .. واشعرته بحجم المعاناة التي كان سببا فيها لها.. كما شعر بتأنيب الضمير الذي ابى ان يفارقه منذ ان تحدث اليه مازن قبل يومين..
وقال وهو يتطلع الى مها التي ابتعدت عنه قليلا: وانا يكفيني ان اراك سعيدة في حياتك يا مها..
تطلعت مها الى والدها بامتنان وحب .. في حين اردف هو قائلا بابتسامة:واخبري حسام.. ان يأتي الى منزلي في أي وقت.. فسأجيبه بالموافقة هذه المرة..
هتفت مها بفرح: احبك يا والدي..
واسرعت تقبل وجنته قبل ان تقول في سرعة وفرح: سأذهب لاخبار حسام في الحال..
تطلع والدها الى الفرحة التي كانت تشرق على وجهها..وهي تسرع مغادرة المكتب.. وامتدت كفه لتلمس وجنته التي قبلتها مها منذ قليل.. منذ متى لم يشعر بحب ابناءه له؟.. منذ متى لم يشعر هو ابناءه بحبه لهم؟.. لأول مرة يشعر ان احد ابناءه يحبه بحق.. يبدوا ان خالد كان افضلنا .. فقد حصل على كل شيء.. الشركة التي استطاع ان ينقذها من الافلاس بذكاءه بعد ان تخلينا عنه جميعا.. وحب ملاك.. ابنته الوحيدة له.. اما نحن فلم نحضى الا على المال والاملاك.. وخسرنا اروع شيء في هذه الدنيا.. أبنائنا..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
لننتقل الى تلك الغرفة التي تحتل احد زوايا منزل امجد بالطابق الارضي.. ولنتوقف عند تلك الفتاة التي كانت تتطلع الى شاشة هاتفها المحمول.. والى تلك الرسالة التي كانت تقرأها لعدة مرات دون أن تبدي أي ردة فعل..كانت كلمات تلك الرسالة تقول ( لا اعلم ان كان الامر سيهمك ام لا.. لكني احببت ان اخبرك اني قد وصلت الى مطار فرنسا بالسلامة) ..
هذه الرسالة ارسلها لها مازن قبل ساعة فقط.. لا تعلم لم شعرت براحة عندما قرأتها.. ربما لان مكانة مازن في قلبها لا تزال كما هي.. وانها وان كانت تريد الانفصال منه.. بالتأكيد فهي لا تتمنى له الا كل خير..
وخفق قلبها وهي تتمنى لو كانت لديها الجرأة او الشجاعة لتعيد ارسال رساله له .. او تتصل به لتطمئن عليه.. لكن شجاعتها خانتها وهي تجد نفسها تضع الهاتف على الطاولة المستديرة والصغيرة الحجم الموجودة في وسط الغرفة ..وحركت عجلات مقعدها لتتجه الى طائرها وتقول وهي تتنهد: اخبرني انت يا مازن.. هل ما افعله صحيحا ام لا؟.. احيانا اجد نفسي اسامح مازن على كل ما فعله.. واحيانا اخرى.. ارى نفسي اقسو عليه كما لم اعتد ان اقسو على احد..لقد قال ابي .. ان مازن قد تغير من اجلي.. لهذا يستحق ان اسامحه وابدأ معه صفحة جديدة.. لكن لا تزال كرامتي حاجزا بيني وبينه.. صدقني يا مازن.. لقد جرحني .. طعني في الصميم.. اتمنى لو كنت استطيع ان اسامحه ..وانسى كل ما فعله بي.. لاختفى الحزن من حياتي الى الابد ..
ولم تمض دقائق حتى افاقت من افكارها على صوت رنين هاتفها المحمول.. لم ترد الاجابة على احد في الوقت الحاضر لهذا تجاهلته ولم تلتفت له حتى ..وتوقف الرنين بعتة ليسود الهدوء اركان الغرفة.. لكنه عاود من جديد بعد دقائق.. وخطر على ذهنها بغتة شيئا غاب عنها طويلا.. هذا الهاتف لا احد يعلم برقمه غير مازن ومها..وبما ان مها موجودة معها في المنزل ذاته.. فان الشخص الذي يتصل الآن.. هو مازن..
ووجدت يداها تدفعان مقعدها و تقودانها الى هاتفها.. وكأن هناك شيء يجذبها اليه.. وسرت في جسدها قشعريرة وهي تتطلع الى اسم مازن الذي يضيء على شاشة هاتفها...
كانت تود ان تجيب.. كانت تود ان تفعل حقا.. لكن كرامتها عادت لتقف حاجزا بينهما.. وخانتها شجاعتها للمرة الثانية.. لتجعلها تعيد هاتفها على الطاولة دون ان تكترث له .. وتتطلع من نافذة غرفتها.. وهي تصم اذنها عن ذلك الرنين المتواصل للهاتف ..
وعلى الجانب الآخر كانت مها تتحدث الى حسام عبر الهاتف .. وتقول بصوت متلهف: اقسم لك.. هذا ما حدث.. انا نفسي لم استطع التصديق عندما اخبرني كمال بالامر..
قال حسام وهو غير مصدق لما يسمع: ان كانت هذه مزحة يا مها.. فأخبريني الآن.. فقلبي لم يعد يتحمل الصدمات ..
ضحكت مها وقالت:من قال انها مزحة؟.. ثم لقد اقسمت لك للتو.. وشيء آخر ايضا.. لقد قال والدي ان اخبرك بأن تأتي في أي وقت تريده.. فاجابته ستكون الموافقة هذه المرة..
قال حسام في سرعة ولهفة: اذا .. مع السلامة..
قالت مها باستغراب: الى اين؟.. لم انهي حديثي بعد..
قال حسام بجزم مصطنع: سآتي لخطبتك الآن..
قالت مها بمرح: لا تكن مجنونا هكذا..
قال حسام بحنان: مجنون بك فقط..
واردف قائلا وقلبه يخفق في سعادة ونشوة: وسأحاول ان آتي في اقرب وقت لطلب يدك.. اريد ان اعوض ما فاتنا من ايام.. وان اعوض كل ما شعرنا به من حزن وحرمان..
قالت مها بخجل: تفضل في أي وقت.. المنزل منزلك..
قال حسام في سعادة: سأذهب لاخبر والدي واناقشه في الموضوع.. ومن ثم سأعود واتصل بك..
قالت مها وقد ابتسمت بسعادة: حسنا .. سأنتظرك..
قال حسام بحب ويصوت متهدج: احبك يا ايتها الحمقاء.. وسأعد الايام والليالي حتى تكوني لي وحدي..
توردت وجنتي مها بخجل.. واطرقت برأسها لتقول بصوت مرتبك: ولم تشتمني اذا؟..
ضحك حسام قائلا: لان اكثر ما يجذبني اليك هو حماقتك..
عقدت مها حاجبيها وقالت بضيق: ظريف جدا..
ابتسم حسام وقال في سرعة: اعلم.. والآن لا تأخريني لأكثر من هذا.. سأذهب لاتحدث مع والدي.. الى اللقاء ..
تنهدت براحة وقالت: الى اللقاء..
وانهت المكالمة.. ولم تعلم لحظتها كيف تعبر عن السعادة التي تشعر بها.. لقد وجدت نفسها تسير في الغرفة جيئة وذهابا .. وتتطلع الى نصف القلب الذي اهداه لها حسام.. ومن ثم تسرع في خطواتها لتتجه الى خارج الغرفة.. كانت تريد ان يعلم العالم بأسره ان الكابوس قد انتهى.. وانها سترتبط بالانسان الذي احبته اخيرا..
وهبطت على الدرجات السلم على عجل.. حتى انها كادت ان تتعثر لمرة او اثنتين.. لكنها ضحكت على تصرفها الطفولي.. وهي تسير في خطوات اقرب الى العدو في الردهة.. ومن ثم دارت حول نفسها وهي تقول بابتسامة سعيدة: لم اكن اعلم ان العالم بهذا الجمال من قبل..
والقت بنفسها اخيرا على الاريكة..وهي تبتسم بسعادة.. وخفقات قلبها تنبض في سرعة وفرح..واغمضت عينيها وهي تتمنى ان لا تستيقظ من هذا الحلم ابدا..لكن رنين الهاتف المزعج ارغمها على فتح عينيها.. والنهوض من مجلسها.. لتتوجه اليه.. وهي تقول بملل: من هذا المزعج الذي يتصل في مثل هذا الوقت؟..
ورفعت سماعته لتقول: اهلا..
جاءها صوت شاب يقول: كيف حالك ايتها المزعجة؟..
صرخت مها قائلة بلهفة: مازن!...
ضحك مازن وهو يقول: اجل اعرف اني مازن.. لا داعي لأن تسمع المنطقة بأكملها اسمي..
سألته مها بلهفة: كيف حالك؟.. ومتى وصلت الى فرنسا؟ ..
قال مازن بابتسامة باهتة: بخير.. لكني متعب من الطائرة.. ولقد وصلت قبل ساعة.. لكني استقريت في الفندق للتو..
قالت مها متسائلة بمرح: وكيف هي فرنسا؟..
قال مازن وهو يجلس على طرف الفراش في الغرفة التي استأجرها بالفندق.. ويفتح اول زرين من ازرار قميصه: لم ار غير شوارعها حتى الآن..اخبريني انت ما هي احوالكم؟ ..
قالت مها مبتسمة بمرح: جميعنا بخير .. ولدي خبر سيسعدك بكل تأكيد..
تمنى مازن لو كان هذا الخبر يعني ملاك.. وقال متسائلا باهتمام: اخبريني اياه على الفور..
ابتسمت مها بفرح: والدي قد اقتنع اخيرا وقرر رفض احمد..
ومع ان مازن قد شعر بخيبة امل لانه كان يظن ان ما ستقوله مها يخص ملاك او تراجعها عن قرارها في الانفصال.. لكنه قال بابتسامة واسعة: مبارك.. انا سعيد لأجلك.. جيد ان والدي قد اقتنع اخيرا.. لقد كنت اخشى عليك من احمد.. ولا تنسي .. عندما اعود اريد ان احضر حفل خطبتك على حسام ..
ابتسمت مها بخجل وقالت: الفضل في اقتناع والدي.. يعود اليك بعد الله ..
قال مازن بمزاح ساخر: كل ما فعلته هو اني اردت ان اتخلص من شقيقتي المزعجة باسرع طريقة.. ولم يكن هناك طريقة اسرع من تزويجها من حسام.. لكي تصمتها الفرحة الى الابد ..
قالت مها بحنق: سخيف.. ودمك ثقيل..
تجاهل مازن عبارتها وقال باهتمام: وكيف حال ملاك؟.. وحال تدريباتها؟..
قالت مها بخبث: كل شيء بخير.. اتريد ان اخبرها بأي شيء.. او اوصل لها أي رسائل..
قال مازن متجاهلا ما قالته للمرة الثانية: والم تعرفي قرارها النهائي بشأن ارتباطنا بعد؟..
تنهدت مها وقالت: لقد حاول معها عمي مرارا.. لكنها لا تزال متمسكة بقرارها..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره كعادته كلما شعر بالضيق او التوتر ومن ثم قال: حاولي معها يا مها.. وانا الآخر سأحاول ايضا.. سأظل متمسكا بها.. حتى.. حتى لو لم تعد تحمل لي أي ذرة مشاعر..
قالت مها مواسية: مازن.. ارجوك ان تحتمل.. قرار ملاك الآن هو نتيجة لجرح عميق تعرضت له.. لكن بعد ان تعلم بحقيقة حبك تجاهها.. ستعرف بقيمتك.. وستقرر ان تنسى الماضي وتسامحك..لهذا يا مازن.. ارجوك ان تصمد امام قرارها هذا..
قال مازن وهو يلتقط نفسا عميقا: وهذا ما افعله الآن.. ارسلي تحياتي وسلامي.. الى كمال ووالدي.. اراك بخير..
- يصل..الى اللقاء..
قالتها مها واغلقت السماعة.. ومن ثم زفرت بحرارة وهي تقول: قلبك الذي لا يعرف للقسوة مكان يا ملاك.. اراه اليوم يقسو على احب الناس عليه.. على مازن.. الذي كنت ارى في نظراتك له كل شوق ولهفة وحب..لكن.. لن اسمح لك بأن تقتلي نفسك وتقتلي مازن معك بقرارك هذا..
واسرعت تتوجه نحو غرفة ملاك.. وطرقت الباب عدة مرات .. حتى جاءها صوت ملاك يدعوها للدخول..فدلفت الى الداخل وقالت بابتسامة: ما الذي تفعلينه؟..
التفتت لها ملاك التي كانت تقرأ رواية ما وقالت ببرود: ما ترينه ..
قالت مها وهي تحاول جذب انتباهها: لقد اتصل مازن قبل قليل.. وقال انه وصل الى فرنسا..
قالت ملاك ببرود اكبر: اعلم..
ارتفع حاجبا مها ورددت بحيرة: تعلمين؟.. وكيف ذلك؟..
لم تجب ملاك.. ولم تهتم بالاجابة.. واقتربت مها منها في تلك اللحظة وهي تقول: ولقد سالني عنك وعن احوالك ايضا..
حاولت ملاك التحكم في مشاعرها وهي تشيح بوجهها لتقول بلامبالاة: لا يهمني..
تطلعت لها مها بنظرات ثاقبة ومن ثم قالت: احقا؟؟..
التفتت لها ملاك وهتفت قائلة: يكفي.. قلت لك انه لا يهمني.. ولا اريد ان استمع الى أي شيء يعنيه..
التفتت مها في تلك اللحظة ولمحت الهاتف المرمي على الطاولة.. فقالت متسائلة: هاتف من هذا؟..
اجابت ملاك بعد لحظة صمت: هاتفي..
- ومن اين لك به؟..
قالت ملاك بضيق: لقد اشتراه لي مازن قبل مدة..
التقطته مها وتطلعت اليه ومن ثم قالت مبتسمة: يعرف الاختيار ..
وتطلعت اليه ومن ثم لم تلبث ان اتسعت عيناها بدهشة وهي تقول: ثمان مكالمات وجميعها من مازن.. منذ متى وهو يتصل بك؟..
اجابت ملاك في اقتضاب وهي تصطنع الانشغال بقراءة الرواية: لست ادري..
قالت مها وهي تفتح الرسالة التي ارسلها لها مازن بعد ان يأس من ان تجيبه: هناك رسالة لك منه.. انه يقول فيها.. ( لا اريد الا ان اعلم قرارك النهائي.. لقد تعبت يا ملاك.. لم اعد احتمل)..
شعرت مها بالشفقة على مازن وهي تقرأ كلماته.. لقد ساعدها مازن في ان تبتسم من جديد.. فلم لا تحاول هي الاخرى تحدي عناد وكبرياء ملاك؟.. لتجعل هذه الاخيرة تسامحه.. ويعود كل شيءكما كان..
والتفتت الى ملاك التي شعرت بدورها بالألم بعد سماع كلمات مازن.. فقالت مها برجاء: سامحيه يا ملاك..
اطرقت ملاك برأسها وتنهدت قائلة: ليت الامر بهذه السهولة..
قالت مها وهي تقترب منها: لقد تغير كل شيء.. لقد اصبحت انت الآن حبه الوحيد.. وسيفعل أي شيء لأجلك .. لقد وقف في وجه والدي من اجل اتمام هذا الزواج.. فهل تكافئينه بطلب الانفصال؟..
قالت ملاك وهي ترفع رأسها بعصبية: بعد ماذا؟.. بعد كل ما سببه لي.. بعد ان...
قاطعها صوت رنين هاتفها المحمول..وتطلعت مها الى شاشته لتقول وهي تتطلع الى ملامح ملاك رغبة في معرفة ردة فعلها: انه مازن..
قالت ملاك بضيق: لا اريد ان اتحدث اليه..
هزت مها رأسها في قلة حيلة .. ومن ثم اجابت على الهاتف قائلة : اهلا مـــ...
ولم تكمل عبارتها.. بل بالاحرى لم تستطع وهي تسمع سيل الكلمات التي كان يهتف بها مازن في لهفة وهو يقول: واخيرا اجبت يا ملاك.. استمعي الي .. سأخبرك بكل شيء.. وبعدها افعلي ما تشائين و...
قاطعته مها وهي تقول في سرعة: لست ملاك.. انا مها..
عقد مازن حاجبيه وقال: ولم اجبت على الهاتف اذا؟..
قالت مها بخبث وهي تداعب خصلات شعرها: ان كنت تريد توصيل أي رسالة لملاك بواسطتي فلن ارفض.. فهي الآن تجلس امامي..
قال مازن بحزم: سأطلب منك طلباواحدا..
قالت مها متسائلة: اطلب ما تشاء..
قال مازن بهدوء: حاولي اقناعها بالحديث معي.. حاولي حتى ان تجبريها على التحدث الي..
قالت مها بعد برهة من التفكير: فليكن..
ومن ثم اصطنعت الخوف وهي تقول: مازن ماذا جرى بك؟..
قال مازن قائلا بغرابة: ايتها الحمقاء .. ما الذي جرى لك فجأة؟ ..
قالت مها وقد تعمدت اظهار الخوف على وجهها: انتظر.. سأذهب لأتحدث مع والدي.. ونحاول ان نلحق بك الى فرنسا في اسرع وقت..
وملاك التي خفق قلبها في خوف لكل ما يحدث امام ناظريها .. هتفت قائلة بتردد: ما الذي جرى؟!..
اسرعت مها تناولها الهاتف وتقول وهي تهم بالخروج من الغرفة: لا وقت لدي.. سأذهب الى والدي حتى ابلغه ان يحجز لنا على اول طائرة لنلحق بمازن..
ارتجفت انامل ملاك والهاتف بين يديها.. ترى ما الذي حدث؟ .. هل اصاب مازن مكروها ما؟.. هل هو بخير؟.. ما الذي جعل مها تسرع مغادرة على هذا النحو.. لابد وان هناك امر قد حدث..
وتطلعت الى الهاتف بنظرة طويلة.. ليس امامها من حل الا ان تسأل مازن.. ربما كان يعرف سبب خوف مازن.. او ربما تطمئن على انه بخير فحسب..
واجابت عليه اخيرا وهي تقول بصوت خافت اقرب الى الهمس: مازن..
جاءها صوت مازن وهو يقول بحنان: كم اشتقت اليك يا ملاكي..
قالت ملاك والخوف لا يزال مسيطر عليها : ما الذي حدث؟؟ .. وما الذي جعل مها تسرع مغادرة الغرفة هكذا؟..
قال مازن بابتسامة: هل هذا يعني انك تشعرين بالخوف علي؟..
قالت ملاك في سرعة: هذا ليس وقت مثل هذا الحديث ..اخبرني ما الذي جرى؟..
قال مازن وهو لايزال محتفظا بابتسامته: سأخبرك .. لكن عديني اولا ان لا تتضايقي..
قالت ملاك وقد بدأت كلماتها ترتجف بسبب الخوف الذي قد سيطر على كيانها: اخبرني.. ولن اتضايق..
قال مازن وهو يتنهد: طلبت منها ان اتحدث معك بأي وسيلة.. ولم تجد امامها سوى التمثيل بأنها خائفة من امر قد حدث لي.. فهي تعلم جيدا انه مهما قد بلغت قسوتك.. فان قلبك لا يزال نقيا صافيا ..
قالت ملاك بحدة: اذا فقد كذبت علي.. كانت تخدعني كما فعلت بي انت و...
قاطعها مازن قائلا: استمعي الي فقط.. فأنا اليوم على قيد الحياة .. وغدا لا تعلمين ما قد يحدث لي.. اريدك ان تسامحيني.. حتى اشعر بالراحة والسعادة .. فمن يدري ما الذي سيحدث غدا؟..
قالت ملاك بقلق: مازن.. لم تقول مثل هذا الكلام؟..
زفر مازن بحرارة وقال : لاني تعبت.. اقسم اني لم اعد احتمل ابتعادك عني اكثر من هذا..
قالت ملاك وهي تشعر بغصة مرارة في حلقها: من فينا الذي تعب؟ .. انا ام انت؟.. اخبرني هل ذقت يوما طعم الخيانة من احب الناس على قلبك؟.. هل عرفت يوما شعور الانسان الذي ينخدع في اقرب الناس اليه؟.. انا التي تعبت يا مازن.. وبت اتمنى الموت على الحياة..
قال مازن في سرعة: بيدنا ان ننهي كل هذا التعب.. ونبدأ من جديد.. حياة عنوانها السعادة والحب والامل..
قالت ملاك وهي تتنهد: دع الزمن وحده من يقرر لنا أي طريق سنختاره..
- نحن من يختار يا ملاك.. لا الزمن..
- احيانا نجد انفسنا مجبرين على اختيار ما يفرضه علينا الزمن..
قال مازن وهو يتنهد: وما هو قرارك النهائي؟..تريدننا ان ننفصل؟ ..
قالت ملاك وهي تلتقط نفسا عميقا: سأخبرك بقراري النهائي بعد ان تعود من فرنسا..
قال مازن برجاء: لا تتسرعي يا ملاك.. فكري في كل شيء كان بيننا في يوم.. لا تتسرعي وتقتلي قلبا احبك..
صمتت ملاك ولم تعلق.. فقال مازن متسائلا: هل لي بطلب اخير؟ ..
تطلعت ملاك الى الرواية التي بين يديها ومن ثم قالت: قل ما لديك ..
قال مازن بصوت امتزج فيه الحنان بالرجاء: اجيبي على مكالماتي عندما اتصل..او على رسائلي على الاقل..
قلبت ملاك صفحات الرواية وقالت بصوت تصطنع فيه اللامبالاة: سأحاول.. أي طلب آخر؟..
قال مازن بحنان وحب: اهتمي بنفسك جيدا.. ومارسي تدريباتك يوميا.. لاجلي..او لأجل والدك..اياك ان تهمليها ..
- سأنهي المكالمة الآن.. اتريد أي شيء؟..
قال مازن بصوت هامس: سلامتك.. واعلمي انك ستظلين ملاك حبي الى الابد.. ولن تحتل مكانك فتاة اخرى ابدا..
قالت ملاك في سرعة قبل ان تضعف تحت تأثير كلماته: الى اللقاء ..
قالتها وانهت المكالمة في سرعة..وهي تشعر بقلبها يخفق في قوة..واناملها ترتجف في خوف.. وظلت على وضعها لبرهة حتى التقطت انفاسها..ومن ثم لم تلبث ان تصفحت الرواية.. لتقع عيناها على الوردتين ..وعادت بها الذكرى الى الوراء .. الى شهر مضى.. والذي كان يبدوا كالامس بالنسبة لها .. .
لقد قدم لها مازن الوردة البيضاء وقال انها تشبهها .. في طيبتها وقلبها الابيض والنقي.. وقدم لها الحمراء وقال انها هدية منه لابنة عمه ..وهذه الرواية التي تقرأها الآن عندما رآها لاول مرة وهي تقرأ سطورها.. قال يومها انه لا وجود للحب في هذا العالم.. لا وجود له الا في الروايات والافلام.. وها هوذا قبل قليل قد اعترف لها بحبه.. لقد تغير لانه احبها.. وحاول اصلاح اخطاءه لانه احبها..ومستعد لفعل أي شيء لاجلها لانه احبها .. ومتمسك بها ويرفض الانفصال عنها لانه احبها.. انه لن يستطيع الآن ان يرفض وجود الحب في عالمنا هذا.. بعد ان خفق قلبه له وسقط اسيره..
واغلقت الرواية .. لتتطلع الى هاتفها.. ووجدت اصابعها تضغط على ازراره.. حتى اتجهت الى صورته التي التقطتها له.. وارتسمت ابتسامة بالرغم منها على شفتيها.. تذكرت ذلك اليوم الجميل الذي قضته معه.. تشعر انه كان يوم لا يمكن ان يعود ابدا.. وشعرت بقلبها ينقبض وذكرى الانفصال تخطر على ذهنها في تلك اللحظة.. قد تحرم من مازن الى الابد لو انفصلت عنه.. ستعود الى نقطة البداية وقتها.. ستعود الى وحدتها.. الى عزلتها .. الصمت انيسها والطبيعة صديقتها .. لا اصدقاء او رفاق.. الا تلك الاشياء الجامدة .. ستعود كما كانت فتاة انطوائية لا تحب الحديث الى أي احد سوى والدها.. ومازن الوحيد الذي استطاع ان يخرجها من وحدتها.. ويجعلها تتحدث الى من حولها بمرح وابتسامة.. سيبتعد هو الآخر.. سيتركها وحيدة بطلب منها.. تريده ان يبقى الى جوارها.. وتريده ان يذهب في الآن ذاته!.. لم تعد تعرف ما تريد بالضبط.. كل ما تريده في هذه اللحظة ان تنسى كل اللحظات المريرة التي مرت بها.. وان تبدأ يوم جديد من حياتها.. بتفاؤل وامل ..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
مشادة كلامية حدثت بين عادل وامجد اللذين كان يتحدثان عبر اسلاك الهاتف.. وقد لفتت انتباه كل من في المنزل تقريبا .. واسرع احمد الى والده وقال متسائلا: ما الامر يا والدي؟..
لكن والده لم يجبه بل قال بعصبية: هل تظن ان الامر لعبة اطفال؟ .. لقد وافقت ..ومها ايضا وافقت.. فكيف تتراجعان الآن عن موافقتكما؟.. وتقول لي بكل برود.. ان مها ترفض ابنك.. ولا تريد الزواج به..
اتسعت عينا احمد لما يسمع.. وانصت باهتمام وبكل حواسه للحديث الدائر بينهما.. في حين قال امجد في تلك اللحظة: لقد اخبرتك اني قد اضطررت للموافقة.. بعد ان علمت ان الشركة ستكون في خطر.. لكن الآن لم اعد اهتم .. مايهمني حقا هي مصلحة ابنتي..
قال عادل بانفعال: يبدوا ان جنون خالد قد انتقل اليك.. تريد ان تخسر شركتك من اجل ابنتك..
قال امجد بهدوء: انها تستحق ان اضحي من اجلها بأي شيء..
قال عادل بعصبية: احمق.. انت وشقيقك احمقين.. وستظلان كذلك دائما..
قال امجد بهدوء: ربما سأخسر اموالي.. لكني لن اخسر ابنائي ..
- هذه ليست افكارك.. بالتأكيد خالد هو الذي...
قاطعه امجد بحدة قائلا: لا شأن لخالد بالموضوع.. كل ما في الامر انني اقتنعت بأن سعادة ابنتي اهم من كل شيء.. لهذا لن ازوجها شخص تحيا معه تعيسة طوال عمرها..
قال عادل بخشونة: اظن ان الحياة مع ابني ستجعلها في ارقى المستويات.. وترتدي اجمل الثياب والمجوهرات..
قال امجد ببرود: السعادة ليست بالمال.. واخبرك للمرة الاخيرة .. ان طلبك مرفوض.. وابحث لابنك عن زوجة غير مها..
قال عادل بحدة: اقسم على ان تندم.. فلست اهلا لان تتحداني يا امجد..
قالها عادل واغلق سماعة الهاتف في غضب.. في حين قال احمد متسائلا بذهول: احقا ما سمعته يا والدي؟.. ارفضت مها الزواج بي؟..
قال عادل وهو يكور قبضته بعصبية: فقط لو اعرف من غير افكار عمك نجاه هذه الزيجة..
اما احمد فقد قال بحدة: اذا ما قالته ذلك اليوم كان صحيحا .. لقد رفضتني حقا.. لكن انا من سيجعلها تندم..
قال عادل بصرامة: لا داعي لان تتصرف أي تصرف احمق ..يكفي ما سأفعله بهم انا.. ليعيد لهم صوابهم.. ويجعل امجد يترجاني لأن اقبل بزواج ابنته منك..
تسائل احمد قائلا باهتمام: وما الذي ستفعله يا والدي؟..
التقط عادل سماعة الهاتف وقال بمكر: سأنفذ تهديدي..
وضغط ازرار الهاتف وما ان اجابه الطرف الآخر حتى قال: اهلا فؤاد.. كيف حالك؟.. استمع الي.. سأطلب منك طلبا... قم بسحب رأس المال الخاص بك من شركة امجد.. . لقد رفض ارتباط مها واحمد.. يقول ان الاهم لديه هو سعادة ابنته.. سأقوم بسحب رأس المال الخاص بي انا الآخر.. وريما بعدها يعود عقله الى راسه.. فليكن.. الى اللقاء..
قالها والتفت الى احمد وهو يقول بخبث: ما رأيك؟..
ابتسم احمد بخبث مماثل قائلا: فكرة لا بأس بها.. واظن ان عمي امجد بعدها سيأتي الى منزلنا طلبا للرضى..
قال عادل بسخرية: هذا ما سيحدث بكل تأكيد..
والتفت عن ابنه ليسير مغادرا المكان .. بعد ان قرر ان يتجبر ويظلم عائلة هي اقرب العائلات له.. عائلة شقيقه وابناءه ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اصوات الحان عذبة انتشرت في ذلك المنزل بأكمله تقريبا.. لتتسلل الى النفوس.. وترغم أي شخص على ان ينجذب لها ويستمع اليها..ووسط كل هذا.. توجه كمال الى تلك الغرفة التي صدرت منها تلك الالحان.. وتطلع الى ملاك التي كانت اناملها تتقافز على مفاتيح البيانو بكل رقة..
وطال تطلعه لها حتى ان ملاك قد شعرت بشخص ما يتطلع اليها .. فتوقفت عن العزف والتفتت الى كمال الذي كان يراقبها بعينين غامضتين وهو يعقد ذراعيه امام صدره ويستند الى جدار الغرفة..وقال متسائلا : لم توقفت عن العزف؟..
قالت ملاك متسائلة: ما الذي تفعله هنا؟..
قال كمال وهو يتقدم منها وبابتسامة: جئت لاستمع الى هذه الالحان الجميلة.. وفي الوقت ذاته.. كنت ابحث عنك لاتحدث معك ..
قالت ملاك في حيرة: تفضل.. انا اسمعك..
جلس كمال على مقعد مجاور لها وقال متسائلا: كيف هي احوالك مع مازن؟..
تطلعت له ملاك بشك وقالت: ولم تسأل؟..
قال كمال بهدوء: اسأل عن احوال شقيقي وابنة عمي.. فهل اخطأت؟ ..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا.. لكنها المرة الاولى التي تسألني فيها عن احوالنا..
- لاني قد سمعت قبل سفر مازن بفترة.. انك قد طلبت الانفصال منه.. صحيح؟..
انقبض قلب ملاك وقالت بضيق: اجل..
قال كمال متسائلا باهتمام: ولم؟..
قالت ملاك بحنق: الم تسمع سبب طلبي للانفصال ايضا؟..
عقد كمال حاجبيه وقال: لو كنت عرفت به.. لما سألتك ..
قالت ملاك مجيبه بقهر: لانه خدعني.. كذب علي.. اهان كرامتي.. تزوجني بالرغم منه وهو لا يريديني لاني فتاة عاجزة.. هل ارتحت الآن؟..
قال كمال وهو يسند ذقنه الى كفه: وبعد؟..
قالت ملاك بعد ان شعرت بالغضب من تذكرها لاحداث ذلك اليوم: كما وانه قد اتفق مع عمي .. على ان ينفصل عني بعد ان ينهض ابي من غيبوبته.. ايظنون اني مجرد لعبة في ايديهم؟.. فتاة بلا مشاعر واحاسيس ليفعلوا بي هذا دون ان يخبروني حتى ..
قال كمال فجأة: ولو اخبروك وقتها.. هل كنت ستوافقين على زواجك من مازن؟.. وانت تجدينه يريد الزواج بك لأجل حماية املاكك ليس الا..
ترددت ملاك قليلا قبل ان تجيب بصوت خافت: لا..
حدجها كمال بنظرة ثاقبة ومن ثم قال: ارأيت؟.. ها قد قلتها بنفسك.. كان مازن يفكر في طريقة لحمايتك وحماية املاكك دون ان تشعري بالامر ..
واردف قائلا بابتسامة باهتة: لقد خشى عليك حتى مني..
ارتفع حاجبا ملاك بدهشة وقالت: لم افهم..
قال كمال بابتسامة شاحبة: انت لا تعرفين شيئا عن هذا الامر.. لكن اردت ان اخبرك به.. لعلك تنسين الماضي وتسامحين مازن..
واردف وهو يزفر بحدة: عندما علمت بقرار والدي.. وانه يريد ان يزوجك من مازن.. حتى يحمي املاكك.. عندها.. طلبت من والدي ان اكون انا .. اعني اني انا من اردت ان اخطبك بدلا من مازن..
هتفت ملاك بصدمة: ماذا؟..
قال كمال في سرعة: لاني قد اعجبت بأخلاقك وشخصيتك .. اردت ان اخطبك من والدي.. ولكن.. مازن اعترض على هذا الامر.. وقال اني قد كنت سببا في ان اجرحك مرات عديدة في هذا المنزل.. وهو يخشى ان اسبب لك الحزن بسبب تصرفاتي اللامبالية..
تسائلت ملاك قائلة بذهول وعدم تصديق: انت خطبتني؟.. ومازن اعترض؟؟..و لماذا لم يخبرني احدكم بهذا الامر؟ ..
- لم يكن هناك أي داع.. فأنت وافقت على مازن وانتهى الامر .. ما اردت قوله ان مازن قد اراد حمايتك بالطريقة التي رآها مناسبة في رأيه.. لقد اراد ان تكوني ملكه منذ البداية دون ان يشعر بتصرفاته.. منذ اول يوم دخلت فيه الى هنا وهو يلاحقك بنظراته.. كما وانه قد عاتبني مرات عديدة.. لكلماتي اللامبالية التي القيها على مسامعك .. هذا غير انه قد كان احن شخص فينا عليك .. وانا اعترف له بذلك..لقد استطاع ان يخرجك من انطوائيتك.. جعلك تبتسمين للحياة من جديد.. وحتى عندما كنت منهارة لما اصاب والدك.. هو الوحيد الذي استطاع ان يهدأك..مازن هو الاحق بك من أي شخص آخر .. لقد كان لك الاخ والصديق في وقت لم يكن والدك بجوارك.. لأجلي يا ملاك.. فكري في الامر جيدا.. وفكري في مازن الذي اصبحت بالنسبة له كالدم الذي يجري في عروقه..
تطلعت له ملاك وقالت وهي تتنهد: لم تتطلب مني ان اسامحه؟.. وانت كنت تريد ان ترتبط بي في البداية.. اظن انه الاجدر بك ان تحاول ابعادي عنه.. كما يفعل جميع الناس في هذا العالم..
قال كمال بابتسامة: ليس جميع الناس متشابهون.. فكما توجد هناك ملاك بقلبها الابيض.. ويوجد عمي خالد بتفانيه وتضحيته .. يوجد ايضا.. بشر يحاولون اسعاد غيرهم حتى وان كان هذا على حساب نفسهم..
ونهض من مجلسه ليقول قبل ان ينصرف: ولا تنسي يا ملاك.. مازن هو اكثر شخص يستحقك.. ويستحق ان تسامحيه.. لأجل نفسك.. ومن اجله.. لا تتعلقي بشبح الماضي المرعب .. وتطلعي الى المستقبل المشرق الذي ينتظركما معا..
قالها وانصرف عنها.. وهو يعلم بداخله .. انه كان يقتل نفسه مع كل كلمة ينطق بها.. من كان يظن انه هو من سيحاول اقناع ملاك بأن تسامح مازن وان تعود اليه؟.. وقلبه الذي ارادها من البداية وتمناها كزوجة له.. يتخلى عنها الآن.. لأجل سعادتها.. وسعادة شقيقه..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(كاذب!)
كلمة نطقتها مها وهي تتحدث الى حسام عن طريق هاتفها المحمول وقالت مردفة بعدم تصديق: انت تمزح بكل تأكيد يا حسام..
قال حسام بنفي: كلا .. وانظري من النافذة لتتأكدي بنفسك ..
اسرعت مها تتوجه الى نافذة غرفتها التي تطل على مدخل المنزل.. وتطلعت الى السيارة التي بدات تقترب من سور (الفيلا)..وقالت وهي تزدرد لعابها: اذا فالامر حقيقي.. ولماذا لم تخبرني بالامس؟..
قال حسام مبتسما: اردتها ان تكون مفاجأة.. ثم الم تقولي بنفسك بأن والدك يرحب بنا في أي وقت؟.. وها انذا قد جئت اليوم لطلب يد الآنسة مها للمرة الثانية.. واتمنى ان ينتهي الامر هذه المرة بسلام.. دون طرد..
ضحكت مها على تعليقه وقالت بمرح: انا من سيطردك هذه المرة .. لأنك لم تخبرني بمجيئك.. ولن اجد الوقت الكافي للاستعداد.. اتعلم شيئا؟.. لن آتي للجلوس معكم.. هذا افضل حل..
قال حسام الذي غادر سيارته للتو : جربي فقط.. وستجدينني انتظر عند باب غرفتك..
قالت مها وهي تتطلع اليه من النافذة وابتسامة على شفتيها: حسنا .. حسنا.. دعني استعد الآن.. ولا تأخرني اكثر من هذا ..الى اللقاء..
قالتها في سرعة.. وانهت المكالمة.. لتسرع نحو خزانتها .. وتفتح احد ابوابها.. وتتطلع الى الفساتين المنتشرة على مساحة كبيرة من الخزانة.. وقضت وقتا طويلا حتى استقر اختيارها على فستان هادئ الالوان..
وما ان انتهت من تصفيف شعرها وزينتها.. حتى اسرعت تنتعل حذائها.. وكادت ان تخرج من الغرفة بعدها .. لكنها عادت لتلقي نظرة اخيرة على شكلها وزينتها في المرآة.. وما لبثت ان ابتسمت برضا وهي تغادر الغرفة اخيرا متوجهة الى الطابق الارضي..
وهناك وصلت الى غرفة الجلوس بكامل اناقتها وجمالها.. والتفت لها الجميع وهم يتطلعون اليها بنظرات اعجاب وانبهار..وسمعت لحظتها خالها وهو يقول بابتسامة: هاقد وصلت العروس..
خفق قلب مها بقوة وتقدمت من المكان لتقول بصوت خافت: اهلا بك يا خالي.. كيف حالك؟..
تطلع اليها خالها وقال بحنان: بل كيف حالك انت يا ابنتي؟..
ازدردت مها لعابها وقالت بعد ان جلست الى جوار والدها: بخير..
ابتسم لها والد حسام.. في حين تطلع لها حسام بنظرات طويلة ذات معنى.. وقال الاول وهو يلتفت الى امجد: كما اخبرتك يا امجد.. فعلى الرغم من كل ما حدث.. فلازلنا نتشرف بطلب يد ابنتك مها لابني حسام للمرة الثانية.. وارجو ان تجيب مطلبنا بالموافقة..
ازدادت سرعة خفقات قلب مها .. واطرقت رأسها في حياء.. في حين قال امجد مبتسما: بالنسبة لي ليس لدي أي مانع .. فحسام قد تربى بيننا ووسطنا.. فهو ابني كما هو ابنك تماما يا سامي..
قال سامي بهدوء: لقد كنت واثقا من هذا.. ولولا الظروف التي اجبرتك على الرفض في المرة السابقة ..لما جئت الى هنا مرة اخرى..
تساءل امجد بقلق: الظروف؟.. هل اخبرك احدهم بسبب رفضي في المرة السابقة..
ربت سامي على ساق حسام وقال بابتسامة هادئة: اجل حسام اخبرني بكل شيء.. واقنعني انه ليس ذنبك ان كنت قد وافقت على احمد لابنتك قبل ان نخطبها لحسام.. ولم ترد وضع نفسك في موقف محرج مع عادل..
تساءل امجد وهو يعقد حاجبيه بتوتر: اهذا ما اخبرك به حسام .. فقط؟..
التفت له سامي وقال وهو يعتدل في جلسته: اجل.. والآن اخبرني متى تريد ان نحدد موعد عقد القران.. فابني مستعجل بأكثر مما تتصور..
رفعت مها في تلك اللحظة عينيها الى حسام الذي كان يتطلع اليها باعجاب.. وما ان تلاقت نظراتهما حتى ابتسم لها ابتسامة تعبر عن كل ما يجيش في صدره من سعادة.. وبادلته هي بابتسامة خجلة.. تحمل فرحتها بالارتباط به اخيرا ..
قال امجد وهو يلتفت الى مها: الرأي رأي مها وحسام.. فليتفقا على موعد يناسبهما.. وسنعد نحن لهذا اليوم..
قال حسام وهو يتطلع الى مها: اذا.. هل يناسبك ان يكون موعدها بعد اسبوعين يا مها؟..
اسرعت مها تقول: لا.. على الاقل انا بحاجة لشهر او اثنين..
قال حسام باستنكار: شهر او اثنين؟..لابد وانك تمزحين..
قال امجد مبتسما: الفتيات دائما هكذا.. يردن اطول فترة ممكنة ..ليستعدن لأي حفل..
قال حسام بمرح: يبدوا واني سأجعل عقد القران غدا.. انتقاما من جميع الفتيات..
وضع امجد كفه على كتف مها وقال :ما رأيك يا مها؟.. متى تريدين عقد القران؟..
واسرع حسام يقول: لا تقولي بعد شهر.. والا جعلته غدا..
ابتسمت مها بخجل وقالت: فليكن بعد ثلاثة اسابيع ..
ومع ان هذا لم يرضي حسام ابدا.. الا انه اضطر لأن يوافق قائلا باستسلام: ما بليد حيلة.. انا موافق..
اما سامي فقد قال مازحا: منذ الآن قد بدأت مها تفرض رأيها عليك يا حسام..
قال حسام بمرح: وماذا عساني ان افعل؟.. علي ان ارضخ لأوامرها في الوقت الحالي..
قال امجد وهو يتطلع الى مها بنظرات حنان ابوية: هذه مها.. لقد دللتها طوال حياتها.. واريدك ان تضعها في عينيك يا حسام ..
قال حسام في حزم: مها في عيني الاثنتين دون ان تقول يا عمي ..
قال امجد مبتسما: انا واثق من هذا يا بني.. فأنت من كان يحمي مها ويدافع عنها.. منذ ان كنت في السابعة من عمرك ..
التفت حسام الى مها ومن ثم قال بحب: لقد كانت مشاعري تتحرك تجاهها منذ ان كانت في المهد..
توردت وجنتي مها بخجل واحراج شديدين ولم تقوى على النطق بأي حرف..في حين التفت لها والدها وقال بابتسامة: اذا فلا يسعني سوى ان اقول الآن.. مبارك يا مها..
وارتسمت على الشفاه ابتسامة.. عبرت عن كل الفرح الذي يرفرف حولهم.. وعن انتهاء ايام العذاب والشقاء الى الابد ..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
شعرت ملاك بارهاق شديد وهي تتوقف عن مواصلة التدريب وقالت وهي تلتقط نفسا عميقا: اظن انه يكفي لهذا اليوم..
ابتسم لها الطبيب قال: من الغريب انك اليوم لم تطلبي ان تتوقفي عن التدريب بعد ساعة.. لقد واصلتي حتى الساعتين..
قالت ملاك بارهاق وهي تمسح جبينها: لقد اردت ان افعل المستحيل .. حتى اقف على قدمي من جديد..
قال الطبيب بهدوء: جيد.. هكذا اريدك في كل مرة..
ومن ثم التفت الى الممرضة .. وسألها عن التقرير الطبي الخاص بها.. فمنحته اياه.. فقرأه على عجل ومن ثم قال وهو يستدير عنها ويغادر المكان: يمكنك المغادرة الآن..
ساعدت الممرضات ملاك في ان تعود الى مقعدها المتحرك.. في حين اقتربت منها مها في تلك اللحظة وقالت متسائلة: لقد استغربت انا الاخرى نشاطك في اداء تدريباتك..
ابتسمت ملاك ابتسامة عذبة وقالت : ااخبرك بشيء؟..
اومأت مها برأسها وهي تستمع الى ملاك التي قالت بعد ان ازدردت لعابها: لقد حلمت حلما بالامس..
قالت مها بفضول: اخبريني بما حلمت اذا..
ترددت ملاك قليلا ومن ثم قالت بابتسامة سعيدة: حلمت اني سرت على قدمي و...
قالت مها بلهفة: اكملي..
قالت ملاك ببعض الخجل: وان مازن قد قال لي وهو يراني اسير "ستظلين ملاك حبي يا ملاك.. حتى لو ظللت عاجزة الى الابد" ..
شعرت مها بدهشة ومن ثم قالت بخبث: وهل صدقت الحلم ورفضت تصديق شقيقي؟..
قالت ملاك في سرعة: ليس الامر هكذا.. وانما .. لقد قالها بطريقة مختلفة في الحلم.. لقد شعرت انه يقولها بصدق وحنان..
قالت مها متسائلة بلهفة: وماذا قررت اذا؟.. لقد قال لي مازن انه سيعود اليوم..ويريد ان يعرف قرارك ..
رفعت ملاك كفها امام مها وقالت وهي تزدرد لعابها بارتباك وخجل: ما ترينه..
شعرت مها بمزيج من الفرحة والدهشة وعيناها تسقط على ذلك الخاتم الماسي الذي اعادت ملاك ارتداءه ..وقالت هذه الاخيرة وهي تتطلع الى الخاتم بدورها: لقد طلبت من نادين ان ترميه.. لكن يبدوا انها غافلتني ووضعته في الدرج.. ووجدته بالامس فقط عن طريق المصادفة ..
قالت مها بلهفة : اهذا يعني انك سامحت شقيقي اخيرا؟..
قالت ملاك بغرور مصطنع: لا تزال لدي شروطي..
ضحكت مها وقالت وهي تخرج هاتفها من حقيبتها: سأتصل به.. واخبره بهذا.. فبالتأكيد سيحلق من السعادة..
قالت ملاك في سرعة: لا.. دعيه.. اريدها ان تكون مفاجأة له..
توقفت مها عن ضغط باقي الارقام وقالت مبتسمة: معك حق .. ستكون مفاجأة رائعة له حقا..
خفق قلب ملاك وقالت بابتسامة: اتمنى هذا.. لقد افتقدته كثيرا في الايام السابقة..
قالت مها وهي تتعمد احراج ملاك: ليت مازن هنا ليسمع هذا الكلام..
قالت ملاك بخجل: توقفي عن قول هذا الكلام يا مها..
دارت مها حول مقعد ملاك وقالت وهي تدفعه: لهذا كنت تمارسين تدريباتك بكل نشاط وجد هذا اليوم.. من اجل مازن اذا..
التفتت ملاك الى مها وقالت هاتفة باحراج: ارجوك يكفي يا مها..
وضعت مها كفها على شفتيها وقالت بمرح: حسنا ها قد صمت ..
ولم يليثوا ان وصلوا الى السيارة التي اقلتهم الى المنزل..وما ان دلفت مها وملاك الى المنزل والاولى تدفع ملاك الى حيث غرفتها.. حتى ارتفع صوت رنين هاتف ما بالمنزل .. فقالت مها متسائلة: هل هو هاتفك؟..
شهقت ملاك وقالت: يا الهي لقد تركته في الغرفة.. سيقلق مازن الآن..
واسرعت تحرك عجلات مقعدها نحو الغرفة لتفتح بابها وتدلف الى الداخل ومها من خلفها تقول بمرح: واصبحت تهتمين لقلقه ايضا .. سبحان مغير الاحوال..
شعرت ملاك بالخجل وهي تستمع اليها وتحرك عجلات مقعدها في سرعة حتى وصلت الى حيث هاتفها .. ووجدته حينها قد توقف عن الرنين.. فالتقطته لتتطلع الى ان هناك عشر مكالمات تقريبا لم تجب عليها.. وشعرت بالتردد من الاتصال بمازن من عدمه..لقد طلب منها ان تجيب على اتصالاته على الاقل.. ولكنه الآن سيظنها تتعمد تجاهله.. لهذا بعد تفكير قررت ان تتصل به .. فيجب عليها في النهاية ان تقدم بعض التنازلات له .. فمهما يكن مازن هو ابن عمها وزوجها..
وحسمت امرها لتتصل به.. واستمعت الى الرنين المتواصل لكن دون اجابة.. استغربت هذا للوهلة الاولى.. وعاودت الاتصال مرة اخرى لكن دون اجابة ايضا.. وارتفع حاجباها باستغراب وهي تراه لا يجيب على اتصالاتها.. لكن.. ربما كان مشغولا او ربما.. لا يود الاجابة عليها..
والقت الهاتف بحنق دون ان تهتم بأي شيء آخر.. فبعد ان قررت ان تنسى الماضي وتتصل به .. وجدته يتجاهل اتصالها .. انه لا يستحق ان تبدي اهتماما به حتى...
ومن جانب آخر.. او لنقل في ذلك المبنى البعيد عن منزل امجد .. وفي تلك الشركة بالذات.. قال عادل بخبث وهو يتحدث الى فؤاد عبر اسلاك الهاتف: اجل اليوم.. قد سحبت راس مالي من شركته.. ولنرى ما سيفعله..
قال فؤاد بهدوء شديد كمن يثق بالامر ثقة عمياء: سيأتي اليك ويطلب منك ان تعيد رأس مالك الى شركته.. لانها تتعرض للافلاس..
قال عادل مبتسما: هذا ما اتمناه.. وبعدها نستطيع ان نتفرغ لملاك ونحصل على نصيبها هي الاخرى في الشركة.. بمجرد الضغط عليها و...
ردد فؤاد فجأة: الضغط عليها؟؟..
قال عادل بحيرة: اجل هذا ما اقترحته انت ذلك اليوم ..لكون الشركة ملكا لها.. اليس كذلك؟..
قال فؤاد متسائلا ومتجاهلا عبارة عادل: لقد غادر مازن البلاد ..ولم يعد حتى الآن.. صحيح؟..
اجابه عادل بحيرة اشد: اجل.. لم تسأل؟..
وللمرة الثانية تجاهل فؤاد سؤال عادل وقال بحماس: هذا افضل وقت اذا.. وخصوصا عند ابتعاد اكثر شخصين كانا يدافعان عنها ويحاولان حمايتها.. خالد ومازن..
قال عادل وهو يعقد حاجبيه: ما الذي تفكر فيه بالضبط؟..
قال فؤاد بابتسامة ماكرة مجيبا: سأجعل ملاك تتنازل عن الشركة .. برغبتها الكاملة..
- وكيف ذلك؟..
- ستعلم كل شيء في حينه.. المهم الآن هو ان امجد في الشركة في هذا الوقت.. وكمال ليس له اية كلمة مسموعة.. وخالد ومازن ليسا هنا.. لا يوجد وقت افضل من هذا لكي نحصل فيه على الشركة بكل يسر وسهولة..
واردف قائلا في سرعة: الى اللقاء الآن.. وسأخبرك بكل شيء بعد ان يتحقق ما اريده..
واسرع يغلق هاتفه.. ومن ثم يلتقط ورقة ليخط عليها كلمات ما.. وما ان انتهى حتى اسرع يضعها في جيب سترته.. ويسير بخطوات سريعة مغادرا المكتب.. واستوقفته السكرتيرة قائلة وهي تراه يهم بالخروج من مكتبها: سيد فؤاد.. هناك اجتماع بعد نصف ساعة .. الن...
قاطعها فؤاد في سرعة: اجلي كل المواعيد او الاجتماعات لبعد ساعتين من الآن.. لدي عمل ضروري وسأعود فيما بعد ..
اومأت السكرتيرة برأسها وقالت : امرك سيد فؤاد..
ولم يلبث ان غادر فؤاد المكتب.. ليغادر من بعده مبنى الشركة بأكمله..ويستقل سيارته لينطلق بها الى منزل امجد في الحال..
وما ان وصل حتى تعالى صوت بوق سيارته.. حتى فتح له الحارس اخيرا باب المنزل الخارجي بعد ان تعرف عليه.. ودخل بسيارته الى الحديقة.. ولم يلبث ان هبط منها وهو يتجه نحو مدخل المنزل ويدلف اليه.. وبحثت عيناه في ارجاء المكان عن ملاك.. لكنه لم يجد لها اثرا.. فاستدعى احدى الخادمات وطلب منها ان تستدعي ملاك الى غرفة الجلوس حيث سيكون هو..
ومر الوقت بطيئا ومملا عليه حتى شاهد ملاك تقترب منه اخيرا وهي تدفع عجلات مقعدها بهدوء شديد.. وتقول: اهلا عمي ..
تطلع لها فؤاد بنظرات ماكرة وقال: اهلا بك.. كيف حالك؟ ..
اجابته ملاك بابتسامة مصطنعة: بخير..
لم تعلم ملاك لم لم تشعر بالراحة منذ ان قالت لها الخادمة بأن عمها فؤاد يطلب رؤيتها.. وازداد شعورها هذا عندما وقعت عيناها عليه ..ربما لان عمها هو السبب في كل ما حدث لوالدها وقد حذرها هذا الاخير منه مرارا.. او ربما لان عمها لم يتمنى لها الخير في حياته.. وكان يسعى دائما لاقتناص أي فرصة تمكنه من سلب حقوقها..
وقال عمها في تلك اللحظة وهو يشير لهابأن تقترب منه: اقتربي يا ملاك..
ازدردت ملاك لعابها بتوتر واقتربت من المكان الذي يجلس فيه عمها.. فمال نحوها هذا الاخير وقال بمكر: لا بد وان مصلحة كل من حولك تهمك.. اليس كذلك؟..
اومأت ملاك براسها دون ان تعلق.. وان بدأ قلبها بالخفقان وهي تشعر ان قدوم عمها هذا اليوم لن يمر على خير..في حين اردف عمها قائلا بلهجة ذات مغزى:جيد.. وكيف حال والدك الآن؟ ..
شعرت ملاك بالقلق على والدها وقالت بخوف: انه بخير.. لماذا السؤال؟..
تسائل عمها بابتسامة خبيبثة: واتعرفين سبب بقاءه حتى الآن بالمشفى على الرغم من انه قد شفي مما به؟..
شعرت بالحيرة مما يقوله وقبل ان تعلق بأي حرف.. قال بخبث اكبر: انها اوامري.. فقد طلبت من الطبيب ان يتركه تحت اشرافه اطول فترة ممكنة.. حتى يتسنى لي الحديث معك بهدوء ..
خفق قلب ملاك بخوف وقالت بارتباك: ماذا تعني يا عمي؟..
اخرج فؤاد ورقة من جيب سترته..ووضعها امام وجهها قائلا : هذه الورقة بحاجة لتوقيعك فقط.. وبعدها سينتهي كل شيء بهدوء..
ارتجف قلب ملاك بين ضلوعها وتطلعت له بنظرات متوترة ومرتبكة وهي تقول: وماذا تحمل هذه الورقة؟..
ابتسم فؤاد وقال بابتسامة وحشية: ورقة تنازل عن الشركة .. شركتك انت..
اتسعت عينا ملاك بدهشة.. ولكنها قالت في سرعة: مستحيل .. لن اوقع عليها.. لن اتنازل عن شركة ابي لأي مخلوق كان..
قال عمها ببرود: لقد سمعت ان والدك يستطيع ان يخرج بعد يومين .. ما رأيك ان نطيل المدة اذا الى شهرين؟..
هتفت ملاك قائلة بكلمات مرتجفة: ما الذي تعنيه؟.. ابي لا شأن له.. انا مالكة الشركة .. وانا من لها الحق في التصرف فيها ..
قال فؤاد بخبث: الم تقولي للتو ان مصلحة الجميع تهمك.. وهذا هو والدك واقرب الناس اليك.. يجب عليك ان تتنازلي بالشيء القليل لاجله ..
قالت ملاك بتردد: لكن ابي هو من تعب في انشاء هذه الشركة واستمرارها.. فكيف اضيع تعبه بهذه السهولة؟..
- انت ستفعلين هذا من اجله يا...
قاطعها صوت شاب وهو يدلف الى الغرفة قائلا بحزم: لا تصدقيه ..فهو لا يهتم الا بالمال .. حتى وان كان هذا على حساب شقيقه ..
التفتت ملاك الى صاحب الصوت وقالت بقلق وخوف: لكني اخشى على ابي..اخشى ان يصاب بمكروه يا كمال..
قال كمال وهو يقترب من عمه: لن يستطيع فعل شيء.. ثقي بهذا..
اما فؤاد فقد سلم ملاك ورقة التنازل .. وقلم حبر جاف وقال بصرامة: وقعي الآن.. هيا .. والا ستفقدين والدك حقا هذه المرة ..
صاح فيه كمال بغضب: يوجد قانون في هذه البلاد.. لسنا نعيش في غابة حتى يلتهم القوي حق الضعيف..
قال فؤاد وهو ينهض من مكانه ويواجه كمال: الاموال تصمت الجميع يا عزيزي.. وهذه ليست المرة الاولى التي استخدمها فيها ..لعلمك فقط..
واردف قائلا وهو يهتف في ملاك: وقعي اذا كنت تريدين ان تري والدك من جديد..
اما كمال فقد قال بعصبية وغضب: يكفي يا عمي.. انه شقيقك .. وملاك هي ابنته.. لم تفعل هذا بها؟..
قال فؤاد ببرود: لانها لا تستحق ان تمتلك شركة وهي مجرد عاجزة .. هذه الشركة بحاجة لمن يديرها ولمن يكون خبيرا بها..
قال كمال وهو يحاول ان يتجاوز عمه ويتجه الى ملاك التي ترقرقت الدموع في عينيها وهي تتطلع الى الورقة بتردد.. وهتفت قائلة بحروف مختنقة: لو وقعت على هذه الورقة.. ستخرج من حياتنا الى الابد.. ستتركني انا وابي نعيش بسلام ..
قال فؤاد بسخرية: وسأنسى وجودكما ايضا.. فقط وقعي..
امسكت ملاك القلم بأنامل مرتجفة وهي تهم بالتوقيع في المكان المخصص لذلك.. في حين هتف فيها كمال وهو يحاول ابعاد عمه الذي يمنعه من تجاوزه والتوجه الى ملاك: ملاك لا توقعي.. انه يكذب عليك.. لن يستطيع فعل شيء.. صدقيني ..
قالت ملاك بصوت باكي: انه ابي.. وسأفعل أي شيء من اجله .. حتى وان كان التنازل عن الشركة بأكملها..
قالتها واناملها الحاملة للقلم تتجه للورقة .. وتهم بالتوقيع مرة اخرى .. لولا ان قاطعتها صرخة هذه المرة جعلت الجميع يلتفت لها وصاحبها يقول بصرامة وانفعال: اياك ...
تطلع الجميع الى صاحب الصوت بغرابة.. واطالو ا النظر اليه وهم يريدون التأكد من انه نفسه ناطق الكلمة السابقة.. وواصل هو قائلا بصرامة: اياك يا ملاك.. اياك ان تفعليها..
ران الصمت لدقائق على المكان..الا من صوت انفاسهم..واخيرا نطق كمال قائلا بدهشة وحيرة: مازن!! .. متى وصلت؟!..
قال مازن وهو يرمق عمه بنظرة حانقة: منذ قليل.. وعندما سألت الخادمة عن مكان وجودكم.. قالت ان عمي وملاك في غرفة الجلوس.. وجئت لارى الامر بنفسي..وما يدعو عمي لزيارة ملاك في مثل هذا الوقت..
وتقدم من ملاك بخطوات سريعة..متجاوزا عمه الذي لم يستطع منعه من التقدم وهو يقف في مواجهة كمال..و قال بصوت غاضب: اياك ان توقعي وتنفذي له ما يريده.. والدك حارب طويلا من اجل هذه الشركة واستمرارها فلا تضيعي تعبه كله في لحظة ضعف منك..
هتفت ملاك وهي تعض على شفتيها بمرارة: سافعل أي شيء من اجل حماية ابي..
قال كمال في تلك اللحظة: ملاك لا تفعلي.. انها شركتك انت فقط.. لا تسلميها له بكل هذه السهولة..
اما فؤاد فقد قال بابتسامة ساخرة وخبيثة: وقعي يا ملاك.. ولا تهتمي لأحد.. والدك اولا..
وقبل ان تفعل ملاك أي شيء.. جذب مازن القلم من بين اناملها ورماه بعيدا وهو يهتف قائلا: سأمنعك يا ملاك ولو بالقوة..
قال فؤاد وهو يتقدم منه بغضب: كيف تسمح لنفسك بفعل هذا؟..
تطلع له مازن بتحدي.. وتحت وطأة نظرات الذهول والدهشة التي رمقت بها ملاك مازن.. وجدته يأخذ الورقة من كفها ويمزقها الى عشرات القطع وهو يقول بانتصار وحزم: ارني الآن ما الذي ستفعله؟..
تطلع له عمه بحقد وغضب قائلا: ساريك حقا ما سافعله.. ولا تظن انك سترى عمك خالد قبل مرور اشهر.. بكلمة واحدة مني استطيع ان انهيه من الوجود.. وبطريقة لا يشك فيها أي شخص ..
قال مازن بعصبية وغضب: انه شقيقك.. اتفكر في التخلص منه من اجل اموال لن تستفيد منها؟..
قال فؤاد ببرود: انا لم اقل اني سأتخلص منه.. كل ما هنالك ان فترة اقامته ستطول بالمشفى.. ولتنفعه تلك العاجزة وقتها..
قال مازن بحدة: هذه العاجزة التي تتحدث عنها هي زوجتي.. ولا اسمح لك بأن تتطاول عليها لاكثر من هذا.. وانظر الى عقاب الله تعالى لك وانت تحاول ان تظلم ملاك وتستولي على نصيبها في الشركة.. لقد حرمك الابناء الذين من صلبك.. واموالك هذه لن يرثها احد من بعدك.. وستنتقل لاشقائك في النهاية..
قال فؤاد وهو يشير له باصبعه بتهديد: لاشأن لك.. انا افعل كل هذا لأجل نفسي.. لست بحاجة لابناء يشاركوني في شيء .. ستندمون جميعا.. وستندمين انت ايضا يا ايتها العاجزة..
قالها واستدار مغادرا غرفة الجلوس بغضب.. وعقله يفكر في طريقة لينتقم منهم جميعا..اما مازن فما ان لمحه قد غادر المنزل حتى زفر بحرارة وقال : واخيرا..
اما كمال فقد قال بابتسامة باهتة وهو يقترب منه ويضع كفه على كتفه: حمدلله على سلامتك يا اخي..
ابتسم له مازن وقال بهدوء: اشكرك.. لقد اخبرتني مها ما فعلته لاجلها.. وها انذا الآن رأيت بعيني ما تفعله لاجل ملاك.. لقد كنت اهلا للثقة ولتحمل المسئولية حقا..
قال كمال بهدوء: لا تقل هذا.. مها هي شقيقتي..وملاك هي ..شقيقتي الاخرى..
في هذه اللحظة فقط التفت مازن الى ملاك بعد ان شعر انها ربما تكون في موقف عصيب بعد كل ما جرى لها.. وبعد كل ما سمعته.. وابتعد عن كمال ليقترب منها ويقول بهدوء: ملاك.. لا تصدقيه.. ثقي بي انه يكذب..انها مجرد كلمات يهدد بها.. لن يستطيع فعل شيء..
رفعت ملاك عينيها المترقرقتان بالدموع وقالت بصوت مختنق: لماذا ذهبت وتركتني؟.. لماذا؟..
لم يعرف مازن ما تعنيه كلماتها بالضبط.. فهبط الى مستواها وقال بابتسامة وهو يمسح على شعرها: لقد سافرت بالرغم مني يا ملاك.. انت تعلمين اني لم اسافر الا من اجل ان احافظ على شركتك وشركة والدك..
وكمال الذي رأى نفسه دخيلا عليهما قرر الانسحاب من الغرفة بهدوء..دون ان يشعر به احدهما.. وهو يتنهد بألم.. ويتمنى من كل قلبه.. ان يسعد شقيقه وملاك في حياتها القادمة ...
اما ملاك فقد قالت في تلك اللحظة مرددة وكلماتها تقطر مرارة والم: لماذا تركتني؟.. الم تعلم اني احتاجك؟.. احتاجك اكثر من أي وقت مضى يا مازن..
تطلع لها مازن بحيرة وقال متسائلا بقلق: ملاك .. ماذا بك؟.. هل حدث شيء ما؟..
همست ملاك قائلة بكلمات متقطعة: لقد افتقدتك.. وعمي.. جاء اليوم ليستولي على شركة ابي.. الذي انهضها بجده.. لم اكن اريد ان اوقع.. لكنه قد يؤذي ابي..لقد خشيت عليه ..
امسك مازن بكتفي ملاك وقال بصوت حاني: اهدئي الآن يا ملاك .. وانسي أي شيء مضى.. فقط اهدئي..
تنهدت ملاك وقالت وهي تلقي برأسها على صدره : اريد ان ارتاح..ان انسى.. اريد ان احيا في سعادة كباقي البشر .. تعبت من البكاء.. تعبت من الشعور بالالم والمرارة.. اريد ان انسى وارتاح.. ساعدني على ذلك يا مازن.. ارجوك ..
ومازن الذي شعر بالدهشة من موقف ملاك تجاهه.. لكنه لم يلبث ان احاط جسدها بذراعيه وقال بهمس وحب: انا لك يا ملاك.. سأجعلك تنسين كل لحظات المرارة التي عشتيها سابقا .. وتبدئين حياتك بكل سعادة وفرح.. سأجعلك تنسين معنى الدموع.. وتتذكرين الابتسامة التي ستشرق على وجهك دائما.. فقط اهدئي الآن.. ولا تفكري في شيء ابدا .. .
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(حمقى.. اغبياء..بلهاء.. )
كانت كلمات يرددها فؤاد بانفعال وهو يسرع بسيارته المنطلقة من منزل امجد.. متجها بها الى المشفى الذي به خالد الآن ..وتطلع الى ساعة السيارة التي كانت تشير الى انه لم يبقى الا ساعة على الوقت الذي حدده للاجتماع التالي.. فشد من قبضته على مقود السيارة وقال بغضب: تبا لك يا مازن.. ما الذي اعادك في هذا الوقت؟.. كان كل شيء يسير على ما يرام حتى حئت انت وقلبت الامور راسا على عقب.. تبا لك.. ستنال ما تستحقه قريبا.. انت وتلك العاجزة..
واستطرد بقسوة: وستنال جزائك انت كذلك يا خالد.. فأنت لا تستحق ان يفضلك والدي – رحمه الله – علينا.. منذ ان كنا صغارا وانت المدلل.. لمجرد انك اصغرنا.. وفي النهاية اختارك انت ليسجل اكبر شركاته باسمك.. لهذا والآن سآخذ حقي منك ولو بالقوة..
وعاد لينطلق بسرعة اكبر وهو يرى ان الوقت يمضي والمشفى لا يزال بعيدا..ولم يجد امامه سوى ان يتجاوز تلك السيارة التي امامه .. متجاهلا أي شيء آخر.. متجاهلا ان الطريق الذي على يساره هو طريق عكسي للسير..
وادار مقود السيارة لينطلق باقصى سرعة .. وهنا.. وهنا فقط رأى تلك الشاحنة التي تنطلق نحوه في طريقها العكسي .. وكرد فعل غريزي ادار مقود نحو خارج الطريق.. واثر سرعته لم تحتمل السيارة كل هذه السرعة وادراة المقود فجأة لهذا انقلبت رأسا على عقب عدة مرات قبل ان تستقر بشكل مقلوب.. واشتعلت فيها النيران بعد عدة دقائق لتلتهم كل شيء واي شيء مما حولها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ابتسم مازن لملاك التي رفعت رأسها عن صدره وقال بحنان: هل هدأت الآن؟..
اومأت ملاك برأسها .. فمسح مازن دموعها برفق وقال مازحا وهو يريد التخفيف عنها: لكنك بللت قميصي بدموعك ..
ابتسمت ملاك بالرغم منها وان كانت ابتسامة شاحبة وهي تقول: حقا؟..
تطلع لها مازن بحب ومن ثم قال بابتسامة وفرح: لا اعلم ما الذي جرى في هذه الدنيا .. لكن يبدوا ان من اراها الآن هي فتاة اخرى غير ملاك .. التي امامي تبتسم لي ويبدوا انها قد نست الماضي اخيرا..
قالت ملاك متجاهلة ما قاله وبتساؤل: لكن متى عدت؟.. ولماذا لم تجب على اتصالاتي عندما اتصلت بك؟..
قال مازن وهو يتطلع الى ملاك بنظرة طويلة وكأنه يريد ان يملأ عيناه من صورتها لأطول وقت وقال : منذ ساعة فقط.. ولقد اتصلت بك لابلغك اني قد وصلت الى البلاد.. لكنك لم تجيبي على اتصالي .. فظننت انك تتعمدين ذلك.. ولا اخفيك انه عندما رأيت اتصالك بي.. شعرت بالسعادة وان قلبك قد حن علي اخيرا ..وكدت اجيبك.. لولا ان خطرت بذهني فكرة ان اترك قدومي الى هنا مفاجأة لك..
هتفت ملاك بحدة: غبي.. لقد اقلقتني عليك بما فعلته..
استغرب مازن من عبارتهاللوهلة الاولى لكنه لم يلبث ان قال بسرور: احقا يا ملاك؟..
اشاحت بوجهها عنه وقالت بضيق: لا تفعل هذا بي مرة اخرى ..
امسك مازن بذقنها برقة وادار وجهها اليه ليقول بصوت هامس حنون: اشتقت اليك يا ملاكي..
منحته ملاك ابتسامة باهتة قبل ان تقول مغيرة دفة الحديث: ماذا سيفعل عمي فؤاد بأبي يا مازن؟..
قال مازن بهدوء وهو يضع كفه الاخرى على كتفها: لا تقلقي .. لن يستطيع فعل أي شيء..
قالت ملاك بقلق : اانت واثق؟..
هو مازن كتفيه وقال: مجرد تهديد ليخيفك وتوقعي على التنازل .. اتظنين انه سيستطيع فعل ما يريد بكل هذه السهولة ..
وضعت ملاك كفها على صدرها بخوف وقالت : لكني قلقة وخائفة.. اخشى ان يحدث لأبي مكروه..
تسائل مازن قائلا وهو يريد ان يعرف جوابا لذلك السؤال الذي يدور في راسه: ملاك.. لم تخبريني بعد.. لقد عدت من فرنسا الآن.. فهما هو قرارك؟..
قالت ملاك وهي تلتقط نفسا عميقا: الم تعرفه بعد؟..
اسرع مازن يقول: كلا.. لكن ان كان اصرارك على الانفصال فأرجوك للمرة الاخيرة ان تفكري و...
قاطعته ملاك بابتسامة وهي تهز رأسها نفيا قائلة: الم تلحظ الخاتم بعد يا مازن؟..
توجهت انظار مازن الى الخاتم الماسي الذي عاد ليحتل اناملها مرة اخرى..وشعر بسعادة الدنيا بأكملها وقتها.. شعر ان روحه قد عادت الى جسده..وانه اصبح كالطيور يحلق في السماء بكل حرية.. وهتف قائلا بفرح : لست اصدق.. لست اصدق .. اخيرا يا ملاك.. اخيرا..
لم تعلق ملاك بحرف واحد واكتفت بأن تطلعت اليه وتلك الابتسامة لا تزال تحتل شفتيها.. في حين قال مازن وهو يمسك بكلتا كتفيها : لقد اتعبتني يا ملاك.. اتعبتني يا ايتها الطفلة ..اتعبتني بعنادك.. بكبريائك.. اتعبتني بقسوتك ..
قالت ملاك بتهديد : لكن اعلم اني لن اسامحك في كل مرة على أي ...
قاطعها مازن قائلا بحب وهو يضع انامله على شفتيها: لا تكملي .. لن تكون هناك مشاكل بعد الآن.. سننسى الماضي والمشاكل وكل ساعات الالم والحزن.. ونبدأ من جديد.. حياة سعيدة يتخللها الحب والتفاهم والاحترام.. انا وملاك حبي فقط ..
سرت في جسد ملاك قشعريرة وهي تستمع الى كلماته.. وخفق قلبها له بحب اخيرا.. لقد ادركت ان مازن انسان لا يعوض حقا .. وانه احبها بصدق .. سواء كانت عاجزة اولم تكن .. لقد كان حلمها هذه المرة صادقا .. لقد اراد ان يوضح لها مالم تره بعينيها .. ويريها مازن على حقيقته الحالية ..الحقيقة التي حجبتها عيناها عنها عندما تمسكت بالكرامة .. وهاقد زالت الغشاوة الآن لترى مازن الذي كانت تحلم به منذ زمن .. مازن الذي يحنو عليها ويهتم بكل شيء يعنيها.. ومازن الذي من اجلها قرر تغيير نفسه نحو الافضل.. ومازن الذي كان اول شخص خفق له قلبها...
ارتسمت ابتسامة على شفتي امجد وهو يتحدث الى خالد الذي كان يستمع له بانصات واهتمام.. شعر امجد حينها انه قد اضاع عليه شقيق مثل خالد.. مثلما اضاع عليه حب ابناءه.. الآن فقط وبعد فوات الاوان تقريبا.. انتبه الى ان لديه ابناء من صلبه .. عليه ان يشعرهم بحبه وحنانه.. وانتبه الى شقيقه الذي يتمنى له كل الخير..
وقال امجد في تلك اللحظة : وقريبا ستكون خطبة مها وحسام ..
قال خالد بابتسامة واسعة: مبارك.. وهنيئا لهما..
في حين تساءل امجد قائلا: اين مازن وملاك؟.. اظن انهما قد جاءا قبلي لزيارتك..
اومأ خالد برأسه وقال: بلى.. لكنهما قد غادرا لتقوم ملاك بممارسة تدريباتها اليومية..
تردد امجد قليلا قبل ان يقول: في الحقيقة يا خالد.. بودي ان اعتذر منك..
تسائل خالد بدهشة: على ماذا؟..
وقبل ان ينطق امجد بأي حرف.. تعالى صوت رنين هاتفه المحمول فالتقطه واجابه قائلا : اهلا..
ولم تمض لحظات حتى عقد حاجبيه وقال بحدة: ماذا تقول؟.. هل انت متأكد؟.. اسمح حاول السيطرة على الوضع.. ريثما اصل اليكم..
وانهى المكالمة وهو يردد بعصبية: لماذا يحدث لي هذا الآن؟..وكأن هذا ما كان ينقصني..
قال خالد مستفسرا: ما الذي حدث بالضبط؟..
التفت له امجد وقال وهو يلتقط نفسا عميقا محاولا تهدئة نفسه: عادل وفؤاد قد قاما بسحب رأس المال الخاص بهما من الشركة .. ستنهار شركتي.. وسأتدمر يا خالد..
قال خالد باستغراب وحيرة شديدتين: ولم يفعلان؟.. الم تنفذ لهما كل ما يطلبانه؟.. الم توافقهما على كل شيء؟..فلم يسحبان رأس مالهما الآن من شركتك؟..
قال امجد وهو يزفر بحدة ويشيح بوجهه بضيق قائلا: ليس كل شيء.. فقد ارادا تزويج ابنتي بالرغم منها من احمد ابن عادل .. لكني رفضت.. ولهذا ارادا عقابي الآن او ربما الانتقام مني ..
قال خالد بجدية: انتظرني ريثما استبدل ملابسي وآتي معك..
قال امجد بعد ان التفت لخالد بدهشة: الى اين ستأتي معي؟..
قال خالد وهو يضغط على زر استدعاء الممرضة: لنجد حلا لهذه المشكلة..
ولم تمض دقائق حتى جاءت الممرضة وقالت متسائلة: ماذا هناك؟..
اشار خالد الى انبوب التغذية المتصل بكفه وقال: انزعي هذا من يدي..
قالت الممرضة بتردد: لا استطيع.. انها اوامر الطبيب و...
هتف فيها خالد قائلا بخشونة: قلت انزعيه.. او سأنزعه بنفسي ..
تقدمت منه الممرضة وقالت : حسنا.. لكن لست مسئولة عما سيحدث ..
ونزعت الانبوب المغذي من كفه.. فنهض خالد من فراشه.. وفتح الخزانة ليلتقط من حقيبته ملابس له ويقول في سرعة تحت نظرات امجد المندهشة مما يفعله: سأستبدل ملابسي واتبعك..
اومأ امجد برأسه دون ان يعلق بكلمة.. وقد شعر بالدهشة بل بالذهول لما يفعله خالد من اجله.. وهو الذي تخلى عنه فيما مضى .. وتركه ضحية لفؤاد وعادل..
ورآه في تلك اللحظة وهو يغادر دورة المياه بعد ان ارتدى ملابسه قائلا: هيا..
نهض امجد من مكانه واقترب من خالد ليقول متسائلا بحيرة: لماذا تفعل كل هذا لي وانا الذي تخليت عنك فيما مضى؟..
صمت خالد للحظات ومن ثم قال بابتسامة هادئة: يكفيني انك قد قمت بحماية ابنتي في اثناء ما حصل لي.. ويكفيني انك لأول مرة قد قررت الوقوف في وجه عادل وفؤاد من اجل ابناءك.. لهذا سأقف الى جانبك.. واساعدك.. بدلا من ان تعود اليهم من جديد وتوافق على كل مطالبهم من اجل ان يعيدوا رؤوس اموالهم الى الشركة..
قال امجد بحزم: هذا مستحيل.. سعادة مها اهم عندي من اموال العالم بأسره..
ابتسم له خالد وقال وهو يغادر الغرفة: هيا .. فلنذهب .. فلدينا من العمل الكثير..
قالها وغادرا المكان على عجل.. فابتسم امجد وهو يلحق به.. وسارا جنبا الى جنب بين ممرات المشفى.. لكن توقف خالد فجأة وهو يلمح رجل شرطة يتحدث الى احد الاطباء بالمشفى وتسائل بصوت مسموع وهو يفكر: ما الذي حدث يا ترى؟ ..
قال امجد وهو يلتفت الى حيث ينظر خالد: لا شأن لنا.. فبالتأكيد هو مجرد حادث مروري..
عقد خالد حاجبيه وقال وهو يتقدم حيث يقف الشرطي والطبيب: ساستطلع الامر بنفسي..
وسار بخطوات واثقة الى حيث الطبيب وقال متسائلا: لو سمحت ايها الطبيب.. معذرة على التطفل.. لكن من المصاب في الغرفة المجاورة؟..
قال الطبيب بهدوء: رجل في الخمسين من عمره على ما اظن.. اصيب في حادث مروري.. وهذا الشرطي يتكفل بالبحث عن اهله في الوقت الحالي..
قال خالد متسائلا: الم تجدوا ما يدل على هويته؟..
- للاسف هاتفه تحطم في الحادث.. كل ما وجدناه معه هو بطاقة لشركة يبدوا انه يعمل بها.. وسنتصل بهم في الحال..
لم يعلم خالد السبب الذي جعله يقول وهو يلتفت الى الشرطي: هل لي ان اراها؟..
ربما كان الفضول.. او ربما رغبة في معرفة من هو هذا الرجل الذي اصيب في هذا الحادث.. ومن جانب آخر استغرب الشرطي مطلبه .. لكنه ناوله اياها وقال ببرود: تفضل ..
تطلع خالد الى البطاقة بصدمة ودهشة وردد قائلا: انها شركة فؤاد ..
والتفت الى امجد وهو يريه البطاقة: ام اكون مخطئا يا امجد؟..
اسرع امجد يقول: لا لست مخطئا.. وربما احد موظفي الشركة قد اصيب بهذا الحادث او...
قال خالد وقد بدأ القلق يدب في اوصاله: لا اشعر بالراحة يا امجد .. الطبيب يقول انه في الخمسين من عمره.. وفي هذا السن يتقاعد اغلب الموظفين..
انتقل قلق خالد الى امجد وقال متسائلا: وكيف يمكننا التأكد؟..
التفت خالد الى الطبيب وسأله قائلا: هل يمكننا ان نرى المصاب.. فربما اكون اعرفه..
اشار له الطبيب نحو نافذة زجاجية وقال بهدوء: يمكنك ان تراه من هناك..
اقترب خالد من النافذة الزجاجية بخطوات بطيئة مترددة..ورفع انظاره بقلق وخوف ممن سيكون خلف تلك النافذة الزجاجية.. وما ان وقعت عيناه على الجسد الممدد على الفراش.. حتى اتسعت عيناه بصدمة وقال بذهول: فؤاد !!..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع مازن الى ملاك بنظرات حالمة وهو يراها تحاول الوقوف بشتى السبل دونما فائدة.. فقد مضى اكثر من ساعة ولا زالت محاولاتها يائسة ودون ان تشعر بأي بارقة امل على وقوفها.. وعادت لتحاول مرارا وتكرارا.. لعل قدماها تطاوعانها هذه المرة..لكن كان نصيبها هو الفشل حتى شعرت باعياء شديد بدء يسيطر على جسدها..فاخذت تلتقط انفاسها وتوقفت عن مواصلة محاولاتها.. وفي هذه اللحظة فقط لمحت مازن الذي كان يراقبها باهتمام شديد وقال متسائلا: هل تعبت؟..
اومأت برأسها ايجابيا وهي تلتقط انفاسها بصعوبة.. فقال مبتسما: اتودين مني ان اساعدك؟..
تطلعت له ملاك بغرابة وقالت: كيف ستساعدني؟..
اقترب منها مازن بخطوات هادئة..وتجاوز الحاجز المعدني وهو يخفض جسده ليعبر من اسفله.. ومن ثم اعتدل في وقفته وهو يقف في مواجهتها ويمد كفيه لملاك قائلا: هكذا..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها بتوتر: لا.. لن يمكنك ان تتحملني .. انا اضع كل ثقلي على هذه القضبان.. فكيف اضعها على ذراعيك؟..
اما الطبيب الذي رآه يتجه نحو ملاك تقدم منه وتسائل قائلا: ما الامر؟..
قال مازن بهدوء: سأساعدها فقط على الوقوف..
- لن تستطيع.. لن تحتمل ثقل جسدها..
قال مازن بحزم وهو يلتفت له: لن يمكنك معرفة ذلك او التأكد منه دون ان ترى بعينك..
وعاد ليلتفت الى ملاك : هيا يا ملاك.. سأساعدك..
قالت ملاك بتردد: مازن دعني اكمل تدريباتي وحدي..لا احتاج أي مساعدة منك..
عقد مازن حاجبيه وقال ببرود: وانا لن اتحرك من مكاني..
قالت ملاك بعناد: لن اواصل تدريباتي اذا..
قال مازن وهو يتطلع لها بنظرة هادئة: حسنا سأذهب .. لكن اكملي تدريباتك ولا تيأسي..
اومأت ملاك برأسها .. وما ان كادت ان تضع كفيها على القضبان حتى تلقفتها كفي مازن الذي شد على كفيها وقال بابتسامة واسعة: هيا قفي الآن..حاولي وابذلي قصار جهدك..
توردت وجنتي ملاك بحمرة الخجل وقالت وهي تحاول جذب كفها دونما فائدة: مازن ارجوك..
قال مازن برجاء: بل ارجوك انت.. حاولي لأجلي.. لأجلي يا ملاك..
قالت ملاك بحروف متقطعة: لن استطيع..
واكملت وهي تقول متحدثة الى نفسها: ( لن استطيع وانت تقف بهذا القرب مني)..
لكن مازن شد من قبضتها بكل قوة وقال: حاولي فقط..
حاولت ملاك ان تتناسى ان مازن قريبا منها.. وهي تحاول ان ترفع جسدها معتمدة على ذراعي مازن.. لكن توترها من قربه الكبير لها جعل ارادتها تخونها لمرات عديدة..
ولاحظ الطبيب ذلك فقال : من فضلك يا سيد.. دعها تكمل وحدها..
لكن بدى وكأن مازن لم يسمعه وهو يهتف بها: هيا يا ملاك حاولي.. اكملي..
شدت ملاك على ذراع مازن اكبر.. حتى انها كادت ان تغرس اصابعها في ذراعه.. وهي تحاول الوقوف في استماتة .. ومازن الذي لم يكن يهتم بشيء عدى ان تستطيع ملاك الوقوف.. كان يهتف بها ان تقف.. ويحاول تشجيعها في كل مرة.. يحاول قدر الاستطاع ان يمنحها املا يمدها بالاصرار والعزيمة على اكمال ما تفعله..ومع كل كلمة كانت ملاك تسمعها منه كانت تزداد اصرار على تحقيق المستحيل.. والوقوف على قدميها .. لا تريد ان تكون مختلفة عن غيرها من الفتيات.. تريد ان تري مازن انها كسائر فتيات جنسها.. لا ينقصها شيء ابدا..
ومع محاولاتها .. كان مازن يتطلع لها بكل اهتمام يرغب في ان ترفع جسدها فقط وبعدها يهون كل شيء.. تطلع لها وهي تحاول للمرة العاشرة رفع جسدها وهي تطلق من بين شفتيها تنهيدة تعب.. وفي هذه المرة قالت وهي تحاول رفع جسدها: مازن .. ذراعك..
تطلع مازن الى ذراعه التي اصبحت في لون الدم من شدة الضغط عليها وقال بلامبالاة: لا تهتمي.. اكملي تدريباتك فقط..
شعرت ملاك بالشفقة عليه.. وازداد اصرارها على الوقوف.. و...
وارتفع جسدها عن المقعد... ارتفع لبضع سنتيمترات فقط ... ارتفع دون ان تنتبه ملاك الى ان جسدها بات يرتفع وانه قد بدأ يعتدل تقريبا..
ومازن.. مازن الذي اتسعت عيناه بذهول.. لم يعرف كيف يعبر عن ما يشعر به في تلك اللحظة وهو يرى ملاك ترتفع عن مقعده بضع سنتيمترات.. واصابع قدميها قد بدأتا تستجيبان لها وتحاولان ان تحتملا ثقل جسدها..
ووجد مازن نفسه يصرخ بالطبيب قائلا: ايها الطبيب.. ايها الطبيب..
اندفع الطبيب نحوهم ولمح اصابع قدم ملاك التي بدأت تستجيب لها.. والى جسدها الذي ارتفع عن المقعد.. وابتسم قائلا بدهشة: رائع يا ملاك.. رائع .. لقد تحققت المعجزة اخيرا..
توقفت ملاك عن رفع جسدها وكأنها تنبهت الآن فقط الى ان اصابع قدمها هي من استقرت على ارض الغرفة واصبحت ترفع جسدها.. وكرد فعل منها توقفت عن محاولاتها وهتفت قائلة بغير تصديق وبحروف متقطعة ومرتبكة: فعلتها.. انا .. وقفت على قدمي ..
هتف فيها مازن الذي اعاد جسدها برفق على المقعد قائلا بفرح: اجل يا ملاك.. لقد حطمت المستحيل اخيرا..لقد وقفت وان كان الامر لثانية.. لكنك وقفت يا ملاك..
قالت ملاك وقد خفق قلبها في سرعة وملامحها لا تزال تعبر على عدم التصديق: لا اصدق.. هل وقفت حقا؟.. لقد كنت احيا حلما لأعوام طويلة.. حلم ان اقف على قدمي كما يقف كل من حولي.. لقد كنت احلم بأن اكون فتاة كباقي الفتيات.. فتاة صحيحة الجسد.. لا ترى نظرات الشفقة في عيون الناس وهم يرونها على مقعد متحرك..
هتف مازن فيها بسعادة وهو يمسك كتفيها: سأقيم حفلة بمناسبة وقوفك.. سأدعو اليها الجميع و...
قاطعته ملاك ودموعها تترقرق في عينيها وقلبها يرقص طربا: اريد ان اذهب الى ابي .. اريد ان اخبره بأن الله تعالى قد استجاب دعائه اخيرا.. واني قد وقفت على قدمي..
تطلع لها بفرح ومن ثم قال بابتسامة واسعة: كما تشائين..
واستدار الى الطبيب قائلا وقلبه يخفق بقوة معبرا عن فرحته: هل يمكننا المغادرة الآن؟..
اومأ له الطبيب برأسه وقال بهدوء وهو يسجل بعض الملاحظات في ملف ملاك الطبي: اجل..
اما مازن فقد عاد ليلتفت الى ملاك وهو يهمس لها قائلا: سعيد لأجلك يا ملاكي..
ارتسمت ابتسامة اقل ما توصف عنها بالسعادة على شفتي ملاك وقالت وقلبها يخفق فرحا وبكلمات مرتجفة: لا زلت لا اصدق يا مازن.. الامر اصعب من ان يتحقق.. لقد كنت ارى الامر مستحيلا.. واليوم.. اليوم فقط تمكنت من .. من .. الـ..وقـو..ف..
حملها مازن بين ذراعيه دون ان ينتظر من الممرضات حملها كما في كل مرة.. وقال بهمس محب: لو تعلمين كما انا سعيد لاجلك يا ملاك حبي..
اطرقت ملاك راسها في حياء.. حتى استقرت على مقعدها .. وقالت وهي تدفع عجلات مقعدها : سأذهب الى ابي..
قال مازن وهو يرفع حاجبيه: دائما والدك.. لم اسمعك يوم تقولين سأذهب لزوجي البائس..
توقفت ملاك عن دفع عجلات مقعدها.. وقد شعرت حقا بأنها مقصرة في حقه .. لقد كانت اولوياتها دائما هو ابيها.. والتفتت له لتقول بصوت خافت: لقد اردت اخبار ابي بالامر فقط.. و...
مال نحوها قائلا: وماذا؟..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها : اعذرني ان كنت قد قصرت في حقك..
ابتسم لها مازن وقال واصابعه تتخلل خصلات شعرها الاسود: لا عليك يا ملاكي..
واخذ يدفع مقعدها بين ممرات المشفى.. ويتجه الى حيث غرفة عمه.. لكنه توقف فجأة وهو يقول عاقدا حاجبيه: هذا والدي ووالدك يا ملاك.. اليس كذلك؟..
رفعت ملاك رأسها الى الرجلين اللذان يقفان يتطلعان من النافذة الزجاجية التي تطل على احد الغرف وقالت بحيرة: بلى.. لكن .. كيف نهض ابي من فراشه؟..
دفع مازن مقعدها بسرعة اكبر من ذي قبل وقال بتوتر: سأرى الامر بنفسي..
واقترب من عمه خالد قائلا: عمي .. ما الذي حدث؟..
لم يجبه خالد بل قال وهو يلتفت ويسأل الطبيب: كيف حاله الآن؟.. وما مقدار اصابته؟..
التقط الطبيب نفسا عميقا وقال: يؤسفني ان اخبرك.. ان هناك حروقا قد شوهت بعض مواضع من جسده.. كما وان انقلاب السيارة قد سببت له بكسر بعض فقرات الظهر..
تطلع له خالد بعدم استيعاب وقال بصدمة: ماذا تقول؟.. اصيب بماذا؟..
قال الطبيب مستطردا: ونتيجة لذلك.. فقد يصاب بالشلل.. لمدى الحياة..
دعونا نفكر قليلا فيما حدث.. ملاك منذ دقائق فقط.. استطاعت ان تقهر المستحيل وتحقق المعجزة بوقوفها على اصابع قدميها .. وهاهوذا فؤاد الذي يسخر منها وينتقصها بسبب عجزها دائما.. ورآها لا تستحق أي شيء لكونها فتاة عاجزة.. طريح الفراش ومعرض هو هذه المرة للاصابة بالشلل ..
يمكننا القول ان هذا هو عقاب الله تعالى على كل ما سببه لشقيقه وابنة اخيه.. على كل قطعة نقود سرقهم منهم ..على كل رغبة منه في الحصول على كل شيء لمجرد ان ملاك فتاة عاجزة.. وها هي الايام تدور.. وبدلا من ان يسخر من ملاك .. اصبح هو موضع سخرية للناس بعد ان اصيب في هذا الحادث بالعجز الابدي...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
عقد احمد ذراعيه امام صدره وقال ببرود: اريد العمل في الشركة يا والدي.. الى متى سأظل اعيش هكذا؟.. دون ان اعرف حتى نصيب الارباح التي لي بالشركة..
عقد والده حاجبيه وقال بحدة: أي نصيب تتحدث عنه.. انا لا ازال على قيد الحياة.. ولن تحصل على شيء مادامت الشركة ملكا لي ..
قال احمد بضجر: اعلم..
في حين قال والده ببرود: اسمع ان كنت تريد العمل حقا.. فيمكنك ان تأتي الى الشركة عند الثامنة بعد يومين.. واستلم عملك..
قال احمد بمكر: اريد ان اكون مديرا للشركة..
رمقه والده بنظرة حادة ومن ثم قال ببرود: ستصبح مديرا للشركة لو وجدت فيك الكفاءة..
اقترب احمد من والده وقال باسلوب حاول ان يستعطف به والده: والدي.. انا ابنك.. فهل ستعاملني انا والموظفين سواء؟..
قال عادل بخشونة: قلت لك..اذا اردت ان تكون مديرا حقا.. فأثبت لي اخلاصك في العمل..
قال احمد وهو يكور قبضته ببرود: فليكن.. سأثبت لك ما تريد ..
واردف وهو يتحدث الى نفسه: ( واحصل بعدها انا على ما اريد)..
وارتسمت على شفتيه ابتسامة واسعة ماكرة.. خبيثة.. وهو يفكر في السيارة الفارهة.. وفي الرصيد الضخم .. وفي رحلات حول العالم يقضيها في أي بلاد يريد..
واتسعت ابتسامته اكثر وهو يرسم خطة ما في ذهنه.. خطة سيقترب من تنفيذها.. لو بدأ بالعمل في شركة والده ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع حسام الى مها وقال بحدة: لابد وانك تمزحين يا مها..
ضحكت مها وقالت: ولم كل هذه الحدة؟.. لم اقل شيئا بعد ..
قال حسام وهو يزفر بحدة: الم نتفق على ان يكون عقد القران نهاية هذا الاسبوع.. فما الذي حدث؟..
قالت مها بابتسامة واسعة: صدقني الوقت لا يكفيني..
قال حسام وهو يلوح بكفه: لا يهمني..
واسرع يلتفت عنها مغادرا النادي.. فأسرعت مها تتبعه وتقول منادية اياه: حسام انتظر.. هل ستذهب وتتركني؟..
توقف حسام والتفت لها ليقول ببرود وهو يشير الى راسه: اذا نزعت هذه الافكار من رأسك يمكننا ان نتفاهم..
قالت مها بمرح: فليكن.. انا استسلم.. لكن لو بدوت بشعة في حفل عقد القران .. فأنت المسئول..
تطلع لها حسام بهيام وقال بصوت دافئ حنون: كيف يمكن ان يصف كل هذا الجمال بالبشاعة؟..
ارتجف قلب مها بين ضلوعها وقالت محاولة التغلب على الخجل الذي سيطر عليها: سأصعد الى سيارتك الآن.. واوصلني الى المنزل على الفور..
قال حسام بسخرية مازحا وهو يتجه الى حيث سيارته: حسنا.. لكن تذكري اني لست سائقك الخاص..
ومن ثم لم يلبث ان ضغط على جهاز التحكم عن بعد ليفتح اقفال السيارة .. فاسرعت مها تفتح الباب وتستقر على المقعد .. ودار حسام حول مقدمة السيارة ليصعد بدوره الى مقعد السائق ويقول بمرح: الى اين؟..
قالت مها وهي تصطنع التفكير: الى عالم لا يوجد فيه احد..
ضحك حسام وقال: لم يوجد هذا العالم بعد..
قالت مها برقة: بل وجد.. انه العالم الذي يكون فيه حسام لمها ومها لحسام..
ابتسم حسام لكلماتها والتفت لها قائلا بصوت متهدج: اتعرفين انك بكلماتك هذه.. تزيديني جنونا؟..
قالت مها مازحة: اعلم انك مجنون منذ وقت طويل..
قال حسام بحب وهو يدير محرك السيارة : بحبك ايتها الحمقاء.. اثرت جنوني بشقاوتك.. برقتك.. بدلالك.. بعفويتك ..وجعلتي قلبي يخفق بالرغم منه باسمك ..
ابتسمت مها بخجل وقالت مداعبة: لم اكن اعلم اني لي تأثير السحر عليك.. والا لما تعبت ليال طوال من كثرة التفكير في حقيقة مشاعرك تجاهي..
قال حسام بابتسامة : لو كنت ذكية لعرفت بحقيقة حبي لك ..
مطت مها شفتيها وقالت وهي ترفع احد حاجبيها باستهزاء: ولو كنت ذكيا لعرفت بحقيقة حبي لك..
ارتفع حاجبا حسام للحظة ومن ثم قال بابتسامة: معك حق.. لقد كنت غبيا عندما لم ار مشاعرك بوضوح..
عثدت مها ذراعيها امام صدرها وقالت بابتسامة: جيد انك اعترفت..
ومن جانب آخر.. وفي النادي على وجه التحديد..تقدمت احدى الفتيات من ندى التي كانت تجلس خلف احد طاولات كافتيريا النادي وقالت في سرعة : ندى.. انضم شاب جديد الى النادي .. لقد رأيته منذ قليل .. كان وسيما جدا و...
قاطعتها ندى قائلة وهي تلتفت لها بحدة: أأنت متأكدة؟..
جذبتها الفتاة من كفها وقالت مبتسمة: تعالي لتريه بنفسك..
سارت ندى الى جوارها وقالت بلهفة: اهو وسيم حقا كما تقولين؟..
قالت الفتاة بحماس: بل اكثر مما تتصورين.. وسمعت انه ابن لتاجر معروف..
هتفت ندى بحماس مماثل ولهفة: ايضا.. انني متشوقة لرؤيته حقا ..
توقفت زميلتها فجأة عن السير لتقول وهي تشير نحو شاب طويل القامة .. كان يقف متحدثا الى شاب ما ويضع كفه على جبينه في وسيلة لحماية عينيه من اشعة الشمس: ها هو ذاك..
تطلعت اليه ندى بنظرة متفحصة.. كان وسيما حقا كما قالت زميلتها.. بوجهه الحليق وابتسامته الجذابة.. وبشعره البني الذي تمردت بضع خصلات منه لتسقط على جبينه..
وقالت ندى باعجاب: وسيم حقا..
وخفق قلبها وهي تفكر في هذا الشاب الذي يقف امامها.. لقد رفضها مازن وفضل عليها فتاة عاجزة.. فليهنأ هو مع ملاك ..وستريه هي –ندى- انها تستطيع الارتباط بمن هو افضل منه بمائة مرة.. ستجعله يندم انه قد تركها وتزوج بغيرها..
كانت افكارها سطحية جدا.. وتظن ان بزواجها من هو افضل من مازن.. تستطيع الانتقام لنفسها ولكبريائها.. واسرعت تتجه نحو الشاب الذي انهى حديثه مع زميله .. وقالت وهي تناديه: لحظة من فضلك..
استدار لها الشاب وقال بحيرة: هل تنادينني؟..
ابتسمت له ندى وقالت بدلال: اجل.. اردت ان اعرفك نفسي فنحن زملاء في هذا النادي.. وان احتجت الى أي شيءلا تتردد في طلب المساعدة مني..
ابتسم لها الشاب وقال : بالتأكيد..
مدت يدها مصافحة وقالت بغرور: معك ندى عادل..
قال الشاب وهو يصافحها بهدوء: معك وائل وسعدت بلقاءك يا آنسة ندى..
منحته ندى ابتسامة رقيقة.. فهاقد ذهب مازن.. لكن جاء من هوافضل منه.. لم اعد بحاجة لك يا مازن.. فوائل يكفيني في الوقت الحالي..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تنهد امجد بتعب وهو يجلس على الاريكة التي بوسط ردهته ..وقال وهو يشير على المقعد المجاور للاريكة: تفضل يا خالد بالجلوس..
جلس خالد على المقعد وقال بهدوء: اظن اننا بما فعلناه الآن نستطيع تفادي خسارة كبيرة كادت ان تخسرها شركتك ..
قال امجد بامتنان: اشكرك على ما فعلت يا خالد..
قال خالد بهدوء وهو يشبك اصابع كفه ويزفر بحدة: لا داعي للشكر فما قمت به كان واجبا ليس الا..
تساءل امجد كمن تذكر امرا ما: وماذا عن فؤاد؟.. ماذا اخبرك الطبيب بشأنه..
التقط خالد نفسا عميقا ومن ثم قال: يقول انه في حالة من الاكتئاب منذ ان علم بما اصابه.. ولا يريد رؤية احد.. وليس هناك أي امل في ان يتعدى مرحلة الشلل..
قال امجد بحزن: لقد كان قويا صلبا دائما.. من الصعب عليه الآن ان يرى نفسه عاجزا غير قادر على الحركة..
زفر خالد بحدة ومن ثم قال: ليس علينا الا الامتثال لقضاء الله وقدره..
صمت امجد للحظات .. لكنه تحدث الى مازن عندما رآه يقبل عليهما قائلا: اسمع يا مازن.. اتفق مع عمك الآن.. على تحديد يوم لزفافك انت وملاك..
تطلع مازن له بدهشة وكأنه يرى شخصا آخر .. غير والده الذي رفض زواجه من ملاك رفضا قاطعا واصر على ان ينفصل عنها..وقال متسائلا ليتأكد مما سمعه: ماذا قلت يا والدي؟..
قال امجد بجدية: ما سمعته..
قال مازن بعدم استيعاب: لكن يا والدي.. الست انت من...
قاطعه والده قائلا: كان ذلك فيما مضى قبل ان اعرف ان اهم شيء في هذه الدنيا هي سعادة ابنائي..
ابتسم مازن وتنهد براحة قبل ان يقترب من عمه ويقول وهو يجلس على الاريكة بجوار والده: حمدلله على سلامتك يا عمي..
ابتسم له خالد وقال: اظن انه يتوجب علي شكرك بعد كل ما فعلته لأجل الشركة..
قال مازن بابتسامة: لم اقم الا بواجبي تجاه شركة عمي.. وكذلك...
قال عمه مستحثا اياه على المواصلة بعد ان قطع عبارته: وكذلك ماذا؟..
قال مازن بتردد: وكذلك احببت العمل في شركتك.. ولهذا لم ارد لها ان تتعرض لأي خسارة وفي يدي انقاذها..
ربت خالد على كتفه وقال بابتسامة: هكذا اريدك يا مازن..تدافع عن كل ما هو غالي لديك.. وتتمسك به بيديك واسنانك..وان كنت تريد العمل معي في الشركة .. فيمكنك ان تتفق مع والدك وتأتي للعمل معي في الوقت الذي يناسبك..
ابتسم مازن بهدوء وقال: اتمنى ان اكون عند حسن ظنك دائما يا عمي..
- اخبرني الآن.. متى تريد ان يتم زفافك انت وملاك؟..
قال مازن وهو يهز كتفيه: متى ما ارادت هي؟..
قال خالد وهو ينهض من مكانه: سأذهب لأتحدث معها في هذا الموضوع وارى الوقت الذي يناسبها..
اومأ مازن براسه ونهض من مكانه بدوره.. وقال مبتسما وهو يتطلع الى والده بامتنان: بالاذن يا والدي..واشكرك على موافقتك ..
اجابه امجد بهدوء: اذنك معك..ولا داعي للشكر..
سار مازن بعد ان القى نظرة امتنان وحب على والده.. متجاوزا الردهة ليتجه نحو السلم ليرتقي درجاته ..وما ان وصل الى الطابق الاعلى حتى سار بهدوء بين الممرات وهو يطلق من بين شفتيه صفيرا منغوما.. لكنه توقف بغتة في مكانه وعقد حاجبيه وهو يلمح كمال يتجه نحو غرفته.. وشعر بضيق في صدره بالرغم منه وهو يتذكر اعتراف كمال بحبه لملاك.. ملاك زوجته هو.. ولم يعلم ما يفعل.. يريد ان يتأكد ان كان كمال لا يزال يفكر في ملاك ام انه تناساها ..
ووجد قدماه تقودانه الى حيث كمال.. ونطق بعد تردد قائلا: كمال.. كيف حالك؟..
التفت له كمال الذي هم بالدخول الى غرفته وقال بهدوء: بخير.. كيف حالك انت وملاك؟..
اسرع مازن يقول: على ما يرام..
واردف وهو يحاول ان يبدوا طبيعيا: في الحقيقة اردت ان اسألك عن امر ما..
استدار له كمال وقال وهو يعقد ذراعيه امام صدره: ها انذا اسمعك.. تحدث..
التقط مازن نفسا عميقا ومن ثم ضج رأسه بالاسئلة حتى قال اخيرا بعد تردد: كمال.. ماذا تعني ملاك لك؟..
تطلع له كمال بدهشة وقال : ما الذي تقوله؟.. هل جننت؟..
تطلع له مازن بعصبية وقال: لا.. ولكني تعبت من كثر التفكير.. وانا اعرف.. انك.. انك...
لم يقوى مازن على مواصلة كلماته.. فقال كمال ببرود: اطمئن من هذه الناحية.. فأنا قد قررت اخراج ملاك من حياتي .. والارتباط بفتاة اخرى..
قال مازن بشك: فتاة؟.. ومن تكون هذه الفتاة؟..
قال كمال وهو يتطلع الى مازن بنظرة ثاقبة: اعلم انك لن تصدقني .. لكن..هذا ما حدث فعلا.. انها زميلة لي في الجامعة .. وقد اعجبت باخلاقها وبراءتها ورقة قلبها تماما كمــ...
كاد كمال ان يزل بلسانه وينطق باسم ملاك.. كاد ان يقول ان الفتاة التي اعجب بها كانت كملاك تماما.. لكنه استدرك نفسه وقال : كما تمنيتها..
قال مازن بابتسامة باهتة: اتمنى لك السعادة من كل قلبي يا كمال..
قال كمال وهو يتطلع الى مازن بنظرة ذات معنى: وانا اتمنى لك السعادة مع ملاك.. ولو ضايقتها بكلمة.. سأكون لك بالمرصاد دائما ..
ابتسم مازن وقال بثقة: لن تجد مني الا ما يسرها..
قال كمال بهدوء: اتمنى هذا..
وعاد ليستدير الى غرفته.. لكن عاد صوت مازن ليناديه قائلا: كمال..
التفت له كمال بغرابة وقال: ماذا بك؟..
قال مازن بابتسامة واسعة: اشكرك.. فلولاك لما عرفت قيمة ملاك حقا..
شعر كمال بانقباض في صدره.. يقولها بكل سهولة.. يقول انني السبب في تقريبه من ملاك.. رحماك يا الهي..
وابتسم ابتسامة بلا حياة قائلا ببرود: جيد..
ودخل غرفته ليغلق الباب خلفه بقوة.. مخلفا وراءه حبا صامتا .. دفن في المهد دون ان يرى النور يوما...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
سقط عادل على مقعده الوثير بصدمة.. بذهول .. بعدم استيعاب .. قدماه لم تعد قادرتان على حمله.. وذهنه قد توقف عن التفكير.. كيف لا بعد كل ما سمعه..لقد ترك ابنه يعمل في شركته ومنحه كل ثقته.. جعله يمسك ادارة الشركة كلها.. منذ شهر كامل واحمد يعمل بكل تفاني فيها .. والآن بعد ان اصبح مديرا على الشركة يفعل ما فعله ويغادر البلاد بلا عودة..
تبا انه خطأي.. انا الاحمق الذي وثقت به.. وجعلته يمسك مركزا حساسا كهذا في الشركة.. ليختلس بعدها ما يقارب نصف ميزانية الشركة ويهرب بها مغادرا البلاد.. تاركا الشركة تتدمر وتنهار.. تاركا اياها تضيع بعد كل ما فعلته من اجل هذه الشركة.. سحقا لك يا احمد.. سحقا لك.. لقد دمرتني.. قضيت علي وعلى مستقبل الشركة .. اصبحت شركتنا عرضة للافلاس وكل هذا بسببك انت.. فلتذهب الى الجحيم.. لن اعترف بابن مثلك بعد الآن .. اذهب الى الجحيم ايها الحقير الوغد..
تريث يا عادل.. تريث للحظات.. انسيت انك تترجع من الكأس نفسه؟.. انسيت ان ابنك لم يفعل الا ما فعلته انت مع غيره؟.. انسيت انك قد عرضت شركة خالد للافلاس من قبل؟.. وشركة امجد الآن.. وها هي الايام تدور.. لتقع انت ضحية لشر اعمالك.. ويكون ابنك نسخة طبق الاصل منك.. لكنه لم يخن ثقة اخوته.. بل خان ثقة والده.. فلتتجرع الآن ما كان يتجرعه غيرك بسببك.. ولتعلم ان الله يمهل ولا يهمل...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
هاهو فصل الشتاء ينقضي بعد كل الاحداث التي تخللته والتي عاشها ابطالنا لحظة بلحظة.. واليوم بعد ان مرت ثلاث شهور وبعد ان اطل الصيف بشمسه التي اشرقت في سماء الحب.. تغيرت احوال ملاك .. لم تعد تلك الفتاة التي نعرف.. وسترونها الآن بانفسكم..
وارتفعت انظارها لذلك الشاب الذي يقترب منها ويقول وهو يمد لها كفه: كفاك دلالا.. الى متى ستظلين معتمدة على مقعدك هذا؟.. يبدوا انني سارميه حتى تعتادي السير..
ابتسمت له ملاك وقالت وهي تمد كفها لتمسك بكفه: دع مقعدي وشأنه يا مازن.. فهو الذي تحملني لسنين طوال..
رفعها مازن بخفة لتقف على قدميها.. وساعدها على السير الى جواره وهو يقول: لماذا تهملين تدريباتك اليومية؟.. الم يطلب منك الطبيب ان تسيري على قدميك يوميا حتى تعتادين الامر بسرعة؟ ..
قالت ملاك بابتسامة شاحبة: بلى.. لكن السير يتعبني ..
عاونها مازن على مواصلة سيرها في المنزل.. وقال وهو يهمس لها: لن تتعبي وانا الى جوارك يا ملاكي..
توردت وجنتي ملاك بخجل واكتفت بالصمت.. فقال مازن باستنكار وهو يراها تجيبه بالصمت: ما هذا؟.. الن تشففي علي يوما.. وتنطقي بكلمة حب واحدة..
قالت ملاك باحراج: مازن..
قال مازن بخبث: قلبه وروحه..
توردت وجنتي ملاك بحمرة قانية.. وارتجف جسدها تحت وطأة كلماته.. لكنها قالت وهي تتوقف عن السير: اقترب للحظة .. سأخبرك بشيء ما..
ارتفع حاجبا مازن لوهلة..ومن ثم مال برأسه تجاهها وقال متسائلا: ماذا؟..
ترددت ملاك طويلا وشعرت بخفقات قلبها تنبض بقوة وبتقلصات في معدتها وهي تهمس له قائلة: احبك..
ظن مازن انه اخطأ في سماع الكلمة .. انه توهمها من كثرة تخيله لها.. وقال بدهشة: ماذا قلت؟..
توردت وجنتي ملاك ولم تنبس ببنت شفة.. لكن مازن تطلع اليها وقال بلهفة وشوق: اعيدي ما قلتيه يا ملاك.. اعيديه لأجلي ..
ازدردت ملاك لعابها بتوتر وهمست قائلة وقلبها يرتجف بين ضلوعها: احبك يا مازن..
اطلق مازن آهة من صدره ومن ثم قال وهو يصرخ في حماس: اخيرا يا ملاك.. اخيرا نطقتها..
ودون ان يهتم بأي احد.. حملها بكفيه من خصرها واخذ يدور بها وهو يبتسم في سعادة.. وملاك التي شعرت بنفسها تحلق في الهواء في تلك اللحظة قالت بخجل: مازن... توقف.. مها وحسام هنا..
توقف مازن وانزلها على الارض ليقول لها بحب : واخيرا يا ملاك نطقتها.. منذ زمن وانا انتظر هذه الكلمة لتخرج من بين شفتيك ..
قالت ملاك بخجل: لقد احببتك منذ اول ايامي التي قضيتها في منزلكم.. لكن اخفيت كل مشاعري في قلبي وقتها ..
تنهد مازن ومن ثم مال نحوها وامسك بانفها بحركة طفولية وقال مداعبا: اثرت جنوني بصمتك هذا..
واستطرد وهو يهمس لها بحب وبصوت دافئ حنون: يا ملاك حبي ..
وعلى مقربة منهما.. كانت مها تتأبط ذراع حسام وتقول بمرح: انظر فقط كيف يعامل شقيقي زوجته.. وتعلم منه..
التفت لها حسام وقال بابتسامة: اصمتي ايتها الجشعة.. الم ادعوك قبل قليل لنتناول طعام الغداء معا؟..
قالت مها بمرح: قبل قليل.. وليس الآن..
قال حسام وهو يغمز بعينه: فقط وافقي على تقريب موعد زفافنا وبعدها لك ما تريدين..
قالت مها باصرار: لا .. لم يبقى على انتهاء الفصل الدراسي سوى اسبوعين.. انتظر حتى انهيه..
قال حسام بحنق: ايتها الظالمة.. منذ شهرين كان عقد القران.. يكفي كل هذا الوقت لابتعادنا..
قالت مها بدلال: اعلم انك لا تستطيع الابتعاد عني..
هتف حسام فجأة: مازن.. تعال خذ شقيقتك لم اعد بحاجة لها ..
ضحك مازن وترك ملاك لترتاح على احد المقاعد وقال بمرح: من قوانين عائلتنا.. اننا لا نقبل باعادة ما اخذته او استبداله..
قالت مها بحنق: يبدوا ان التجارة قد اثرت على دماغه..
ضحك حسام وقال: وماذا افعل الآن اذا يا مازن؟.. هل وقعت الفأس في الرأس؟..
قال مازن وهو يشير لمها: انت من اخترت هذه الحمقاء وعليك ان تتحملها..
عقدت مها ذراعيها امام صدرها بضيق في حين قال حسام بحنان مفاجئ: واروع حمقاء رأيتها..
قال مازن وهو يهز رأسه: لقد قلت منذ الزمن.. ان كلاً منكما يصلح للآخر..فحماقة مها لا يمكن ان تتوافق الا مع حماقة حسام..
وعاد الحب لينبض في القلوب.. لتنتعش به الارواح..وتتغذى به الاجساد.. وليرسم ابتسامة على الثغور..وينشر فرحا في الصدور..وينير طرقا لم تعرف الا عنوانا للسعادة...
وبسس خلصت الروايه ..Smile4
اتمنى انهـــآ تعجبككم ..bb 308lb3
بإنتظـار ردودكم ..wardah2wardah2Smile6
قمرهم كلهم
09-10-2012, 11:53 AM
يسلمو عبير على الرواية ... وان شاء الله بكمل قرائتها
الله يسسلمك..
نورتي الموضوع..icon40
vBulletin® v3.8.8, Copyright ©2000-2025, Jelsoft Enterprises Ltd by Support-ar.com